تفسير سورة الشرح

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة ألم نشرح
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» اسم عزيز عزّ من التجأ إليه، وجلّ من توكّل عليه، وفاز في الدنيا والعقبى من توسّل به إليه فمن تقرّب منه قرّبه ومن شكا إليه حقّق له مطلبه، ومن رفع قصّته إليه قضى مأربه.
قوله جل ذكره:
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
ألم نوسّع قلبك للإسلام؟ ألم نليّنه للإيمان؟
ويقال: ألم نوسع صدرك بنور الرسالة؟ ألم نوسّع صدرك لقبول ما نورد عليك.
«وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» أي: إثمك قبل النبوّة.
ويقال: عصمناك عن ارتكاب الوزر فوضعه عنه بأنّه لم يستوجبه قطّ.
ويقال: خفضنا عنك أعباء النبوّة وجعلناك محمولا لا متحمّلا «١».
ويقال: قويناك على التحمّل من الخلق، وقوّيناك لمشاهدتنا، وحفظنا عليك ما استحفظت «٢»، وحرسناك عن ملاحظة الخلق فيما شرّفناك به.
(١) وهذه أقصى درجات الحب، وقد مر بنا كيف قارن القشيري بين مواقف موسى، ومواقف المصطفى صلوات الله عليهما، وكيف أوضح لنا أن موسى كان متحملا بينما كان نبيا محمولا.
(٢) إشارة إلى القرآن، الذي حفظ من التغيير والتحريف.. إلى الأبد.
743
«الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» : أي: أثقله، ولولا حملنا عنك لكسر.
«وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» بذكرنا فكما لا تصحّ كلمة الشهادة إلا بي، فإنها لا تصحّ إلا بك. «١»
ويقال: رفعنا لك ذكرك بقول الناس: محمد رسول الله! ويقال: أثبتنا لك شرف الرسالة.
«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» وفي الخبر: «لن يغلب عسر يسرين» «٢» ومعناه: أن العسر بالألف واللام في الموضعين للعهد- فهو واحد، واليسر منكّر في الموضعين فهما شيئان. والعسر الواحد: ما كان في الدنيا، واليسران: أحدهما في الدنيا من الخصب، وزوال البلاء، والثاني في الآخرة من الجزاء وإذا فعسر جميع المؤمنين واحد- وهو ما نابهم من شدائد الدنيا، ويسرهم اثنان: اليوم بالكشف والصّرف «٣»، وغدا بالجزاء.
قوله جل ذكره: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ» فإذا فرغت من الصلاة المفروضة عليك فانصب في الدعاء.
ويقال: فإذا فرغت من العبادة فانصب في الشفاعة.
ويقال: فإذا فرغت من عبادة نفسك فانصب بقلبك.
«وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» فى جميع الأحوال.
ويقال: فإذا فرغت من تبليغ الرسالة فارغب في الشفاعة.
(١) فلا تصح الشهادة شرعا إلا إذا قلنا:... وأن محمدا رسول الله.
(٢) البخاري ص ١٤٥ ح ٣.
(٣) (الكشف) هنا ليس كما قد نفهم من قبيل المصطلح الصوفي، بل هو كشف الغمة وصرف المحنة، فهى لفظة عامة في هذا السياق.
744
Icon