ﰡ
[سورة الطور]
فاتحة سورة الطورلا يخفى على من تحقق بمقام القلب وتمكن في مقعد صدق المغرفة والتوحيد ان ذات الحق وحيطة حضرة علمه وسعة لوح قضائه وشمول قلم تقديره وتدبيره مما لا يكتنه مطلقا لا ذاته ولا أوصافه وأسماؤه بل لا نهاية لحيطتها ولا غاية لحصرها وشمولها لذلك اقسم سبحانه بذاته العظيم وعلمه العميم ووصفه القديم تعليما لعباده وتنبيها لهم نحو مبدئهم ومعادهم فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي تجلى في عموم ما تجلى حسب أسمائه الحسنى وأوصافه العليا الرَّحْمنِ عليهم بالرزق الأوفى الرَّحِيمِ لهم يوصلهم الى سدرة المنتهى
[الآيات]
وَالطُّورِ اى وحق الذات المقدس في ذاته عن الظهور والبطون المنزه في تحققه وثبوته عن البروز والكمون
وَكِتابٍ مَسْطُورٍ الذي هو حضرة العلم الإلهي الذي قد سطر بالقلم الأعلى
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ هو لوح القضاء المحفوظ عن التناهى والانقضاء المحروس عن مطلق التغير والانمحاء
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الإلهي الذي هو عبارة عن قلب العارف المحقق المتحقق بمقام الفناء عن الفناء الواصل بدوام التحقق والبقاء ببقاء ذي العظمة والكبرياء المعبر بها عن عالم العماء اللاهوتى الذي هو سواد أعظم الفقر وبيت الله الأعظم الأكبر
وَحق السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ الذي هو سماء الأسماء الإلهية والصفات المقدسة المنزهة عن مطلق التعديد والإحصاء إذ الكمالات المترتبة على نشأة الوجود وتجليات الذات غير متناهية وغير منقطعة وغير متكررة قطعا
وَحق الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الذي هو كناية عن مطلق الوجود البحت المحيط بالكل بمقتضى الجود
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل لعصاة عباده لَواقِعٌ نازل عليهم في يوم الحشر والجزاء
ما لَهُ مِنْ دافِعٍ لان من قدر على أمثال هذه المقدورات واتصف بهذه الأسماء والصفات بالأصالة والاستحقاق لا يعارض حكمه ولا يدفع قضاؤه اذكر يا أكمل الرسل للمكذبين المنكرين للحشر والنشر كيف حالهم
يَوْمَ تَمُورُ تتحرك وتضطرب السَّماءُ مَوْراً اضطرابا غريبا وتحركا بديعا لا على الوجه المعتاد الى حيث قد طويت ولفت كطي السجل للكتاب
وَتَسِيرُ الْجِبالُ الرواسي الرواسخ سَيْراً عجيبا غريبا بحيث قد تفتتت وتلاشت اجزاؤها ولم يبق سمكها ورفعتها مطلقا وتصير الأرض قاعا صفصفا بحيث لا ترى فيها عوجا ولا امتا
فَوَيْلٌ عظيم وعذاب شديد يَوْمَئِذٍ واقع لِلْمُكَذِّبِينَ المسرفين المصرين
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ في الأباطيل الزائغة يَلْعَبُونَ بآيات الله الدالة على وحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته اذكر لهم يا أكمل الرسل
يَوْمَ يُدَعُّونَ يطرحون ويدفعون إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا طرحا ودفعا على وجه العنف والزجر المفرط مشدودى الأيدي والأعناق بالسلاسل والأغلال فيقول لهم حينئذ تفضيحا وتوبيخا
هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ وتنكرون الآيات والنذر الواردة في شأنها وتنسبونها الى السحر والكهانة وغير ذلك من الخرافات وأنتم ايها المنهمكون في الضلال والطغيان والكفر والكفران في سالف الزمان قد كنتم نسبتم الوحى والإلهام الى السحر والأوهام تأملوا الآن
أَفَسِحْرٌ هذا الذي أنتم تطرحون فيها وتعذبون بها كما زعمتم فيما مضى أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ ولا تشعرون بها وبحرها وحرقها كما قد كنتم لا تشعرون بالآيات الواردة في شأنها حينئذ وبالجملة
اصْلَوْها وادخلوا فيها وبعد دخولكم فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا وعلى أى وجه تصيرون وتكونون لا مخلص لكم عنها ولا مخرج منها بل
إِنَّ الْمُتَّقِينَ المتحفظين في النشأة الاولى نفوسهم عن محارم الله المحترزين عن انكار آياته الواردة في الوعد والوعيد متلذذون في النشأة الاخرى فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ أية جنات وأى نعيم رياض الرضاء ونعيم التسليم
فاكِهِينَ مترفهين مسرورين فيها مطمئنين راضين بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ بمقتضى فضله وسعة جوده ولطفه وَبما وَقاهُمْ وحفظهم رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ اى عن أهوالها وافزاعها فيقال لهم فيها على سبيل التبشير والتفريح
كُلُوا وَاشْرَبُوا من الرزق الصوري والمعنوي هَنِيئاً بلا تنقيص وتكليف بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بسبب صالحات أعمالكم وحسنات أفعالكم
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ معدة لهم مَصْفُوفَةٍ منضودة وفق أعمالهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم وَبعد ما تمكنوا على السرر مسرورين زَوَّجْناهُمْ وقرناهم استيناسا منا إياهم بِحُورٍ عِينٍ مصورة من المعارف والحقائق المنكشفة لهم المشهودة بعيون بصائرهم
وَقرناهم ايضا عناية منا لهم مع إخوانهم ورفقائهم من الموحدين الَّذِينَ آمَنُوا بالله وانكشفوا بتوحيده وَاتَّبَعَتْهُمْ ايضا ولحقت معهم ذُرِّيَّتُهُمْ اى جميع ما تشعب وتفرع من أولادهم وأعمالهم الصادرة عنهم حال كونهم متصفين بِإِيمانٍ يقيني وتصديق قلبي قبل وصولهم الى اليقين العيني والحقي بل قد أَلْحَقْنا بِهِمْ ايضا ذُرِّيَّتُهُمْ اى مشاهداتهم ومكاشفاتهم الواردة عليهم حسب مواجيدهم ومقاماتهم وحالاتهم بعد اتصافهم باليقين العيني والحقي وَبالجملة ما أَلَتْناهُمْ وما نقصنا عنهم مِنْ جزاء عَمَلِهِمْ الناشئ منهم الصادر عنهم في طريق الهداية والرشد مِنْ شَيْءٍ قليل نزر يسير بل قد وفرنا عليهم جزاء الكل مع مزيد عليهم تفضلا منا وإحسانا من لدنا إذ كُلُّ امْرِئٍ ذي هوية شخصية مجبولة لحكمة المعرفة ومصلحة التوحيد بِما كَسَبَ ومع ما اقترف من الأسباب والوسائل الى درجات الجنان او الى دركات النيران رَهِينٌ مرهون مقرون لا ينفصل عنها ولا ينقطع امدادنا إياهم بل
وَأَمْدَدْناهُمْ تفضلا منا عليهم وتكريما لهم بِفاكِهَةٍ من المعارف والحقائق الواردة المتجددة آنا فآنا حسب الشئون الإلهية وتجلياته الجمالية والجلالية وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ومما يتقتون لتقوى به أشباحهم وأرواحهم
يَتَنازَعُونَ ويتجاذبون على سبيل الملاطفة والملاينة فِيها كَأْساً من رحيق التحقيق مع انه لا لَغْوٌ فِيها من فضول الكلام وَلا تَأْثِيمٌ من قبح الأفعال المستلزمة لانواع الآثام كما هو عادة الشاربين في الدنيا
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ بكأس التحقيق ورحيق اليقين غِلْمانٌ متعلقة لَهُمْ مصورة من قواهم المدركة المملوكة لهم المسخرة لنفوسهم المطمئنة الراضية المرضية بمقتضيات القضاء الإلهي كَأَنَّهُمْ من غاية الصفاء عن كدر الهوى ورعونات الرياء لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ مصون محفوظ في أصداف أشباحهم عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية وعن التلوث بخبائث الآراء والأهواء الفاسدة
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ بطريق المسرة والانبساط يَتَساءَلُونَ عن أعمالهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم التي كانوا عليها في نشأة الابتلاء حيث
قالُوا اى بعضهم في جواب بعض على وجه المذاكرة والمواساة
فَمَنَّ اللَّهُ المكرم المتفضل عَلَيْنا وهدانا الى طريق التوحيد ووفقنا للعروج الى معارج العناية والتحقيق وَوَقانا بلطفه عَذابَ السَّمُومِ اى عن عذاب النار المحرقة النافذة في عموم المسامات مثل السموم
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ في دار الدنيا قبل حلول الساعة وقيام القيامة نَدْعُوهُ سبحانه ونتضرع نحوه ونسأل منه الحفظ والوقاية من عذابه ونكاله سبحانه في هذا اليوم الهائل الموعود وكيف لا نسأل منه إِنَّهُ سبحانه هُوَ الْبَرُّ المحسن المخصوص المنحصر على الإحسان والانعام الرَّحِيمُ كثير الرحمة والامتنان سيما على السائلين المؤملين المستحقين فأجاب سبحانه سؤالنا وأنجح آمالنا بمقتضى سعة رحمته وجوده وبعد ما قد سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت من فضل الله ولطفه وسعة رحمته وجوده مع أوليائه
فَذَكِّرْ واثبت أنت على العظة والتذكير لعموم عباد الله وبلغهم عموم ما اوحى إليك من لدنا ولا تبال باعراضهم وانصرافهم عنك وبقولهم الباطل في حقك فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ التي هي الآيات المنزلة إليك الملهمة لك من ربك بِكاهِنٍ مبتدع مجترئ على الاخبار عن المغيبات بلا وحى من قبل الحق والهام من جانبه وَلا مَجْنُونٍ مختل العقل مخبط الرأى كما يزعم في شأنك المسرفون المفترون المفرطون
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ يعنى بل لا تلتفت يا أكمل الرسل ايضا الى قولهم بانك شاعر فصيح بليغ قد بلغت الى درجة أعلى من البلاغة بحيث قد عجز عن معارضتك اقرانك من البلغاء فنحن نَتَرَبَّصُ وننتظر بِهِ اى بانقضائه وهلاكه رَيْبَ الْمَنُونِ اى مر الأيام وكر الشهور والأعوام الى ان يموت فنتخلص يومئذ من فتنته وشدته
قُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل المجاراة بعد ما سمعت منهم ما سمعت تَرَبَّصُوا وانتظروا لمقتي وموتى ايها المفسدون المفرطون فَإِنِّي ايضا مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ المنتظرين لمقتكم وهلاككم والأمر بيد الله والحكم مفوض الى مشيته موكول الى ارادته يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
أَمْ يكابرون في هذه الاحكام المتناقضة مجادلة ومراء إذ ينسبونك مرة الى الكهانة المتضمنة لكمال الفطانة ومرة الى الجنون المنبئ عن نهاية البلادة وتارة الى الشعر المستلزم لحفظ الوزن والقافية مع ان ما جئت به من الكلام عار عن الوزن خال عن القافية مطلقا بل تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ السخيفة المستمدة من اوهامهم الضعيفة بِهذا القول الباطل الزاهق الزائل أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ باغون متناهون في العتو والفساد والعناد وقد صدر عنهم أمثال هذه الهذيانات بلا تأمل وتدبر بمقتضى عتوهم وثروتهم وكبرهم وخيلائهم كما هو عادة ارباب النخوة واصحاب الجاه والثروة خذلهم الله واهلكهم بها
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ واختلقه من تلقاء نفسه ونسبه الى الوحى والإلهام تغريرا وتزويرا بَلْ معظم أمرهم وقصارى رأيهم ومآل شأنهم انهم لا يُؤْمِنُونَ لا به ولا بك يا أكمل الرسل لذلك يتفوهون بأمثال هذه المطاعن والقوادح من شدة شكيمتهم وغلظ غيظهم وضغينتهم معك وبعد ما قد بالغوا في القدح والطعن وبلغوا غاية الإنكار والإصرار قل لهم يا أكمل الرسل على وجه التعجيز والتبكيت
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ أولئك المسرفون المفرطون إِنْ كانُوا صادِقِينَ في زعمهم ومفترياتهم مع انهم لم يأتوا بل لا يتأتى منهم الإتيان ايضا وان
أَمْ اعتقدوا انهم قد خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وبلا فاعل خارج موجد مؤثر أَمْ اعتقدوا نفوسهم انهم هُمُ الْخالِقُونَ المستقلون في إيجاد هياكلهم بلا مؤثر خارجى أيحصرون حينئذ خالقيتهم لأنفسهم فقط
أَمْ اعتقدوا انهم قد خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات والممتزجات جميعا وبالجملة هم حينئذ لا ينكرون حدوث الأشياء واستنادها الى المحدث المؤثر إذ هي من اجلى البديهيات بَلْ لا يُوقِنُونَ ولا يتصفون باليقين في اثبات الموجد القويم وتوحيده أهم يثبتون مرتبة النبوة من تلقاء أنفسهم ويختارون لها من يريدون ويرجحون حسب آرائهم الباطلة العاطلة
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ فيحكمون منها ما يحكمون أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ الغالبون المقتدرون على عموم مقاصدهم ومطالبهم فيفعلون عموم ما يأملون بالإرادة والاختيار
أَمْ ادعوا علم الغيب بالاستماع من الملاء الأعلى أم لَهُمْ سُلَّمٌ ومرقاة يصعدون بها الى مكان من السماء يَسْتَمِعُونَ فِيهِ من الملائكة ما يظهرون به على تكذيب الرسول وقدح القرآن وغير ذلك من مزخرفاتهم فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وحجة واضحة ومعجزة ساطعة قاطعة كما اتى بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم أأنتم العقلاء المتصفون بكمال الرشد والرزانة ايها المسرفون المفرطون
أَمْ أنتم السفهاء المنحطون عن زمرة العقلاء مع ان دعواكم بانه لَهُ سبحانه الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ تدل على سفاهتكم وانحطاطكم عن مقتضى العقل إذ اثبات الولد مطلقا للواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الأهل والولد بعيد بمراحل عن مقتضى العقل فكيف اثبات اخس الأولاد له سبحانه تعالى عما يقولون علوا كبيرا فثبت ان أولئك الحمقى سفهاء ساقطون عن رتبة العقلاء وعن اهل العبرة والذكاء فلا يسمع منهم مطلق الدعوى سيما في الأمور الضرورية أينكرون رسالتك ويظنون لحقوق الضرر إياهم منك
أَمْ يظنون انك بسبب تبليغك إياهم الوحى والإلهام الإلهي تَسْئَلُهُمْ وتطلب منهم أَجْراً جعلا عظيما فَهُمْ حينئذ مِنْ مَغْرَمٍ والتزام غرامة عظيمة مُثْقَلُونَ متحملون الثقل لذلك قد شق عليهم الأمر الى حيث انكروك وانصرفوا عن الايمان بك وعن تصديقك ليتخلصوا عنه وبالجملة أينكرون رسالتك يا أكمل الرسل من تلقاء أنفسهم وحسب قرائحهم الركيكة
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ اى لوح القضاء المثبت فيه عموم الأشياء فَهُمْ يَكْتُبُونَ المغيبات منه ويظهرون بها
أَمْ يُرِيدُونَ ويقصدون كَيْداً لرسول الله في دار الندوة فَالَّذِينَ كَفَرُوا وقصدوا مكرا عليه صلّى الله عليه وسلم هُمُ الْمَكِيدُونَ الممكورون المقصورون على كيدهم ومكرهم لا يتجاوز عنهم وباله وبالجملة أينكرون توحيد الحق مكابرة
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يعبدونه كعبادته ويطيعون له مثل أطاعته ويستعينون منه في الخطوب والملمات مثل اسئلتهم من الله وبالجملة سُبْحانَ اللَّهِ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ له من أدون مخلوقاته واخس مصنوعاته
وَبعد ما قد الحوا واقترحوا بقولهم فاسقط علينا كسفا من السماء إِنْ يَرَوْا كِسْفاً قطعا مِنَ السَّماءِ ساقِطاً عليهم حسب اقتراحهم يَقُولُوا من شدة عنادهم وفرط انكارهم وتركب جهلهم المركوز في جبلتهم ما هذا الا سَحابٌ مَرْكُومٌ قد تراكم بعضه على بعض فيسقط وبالجملة
فَذَرْهُمْ يا أكمل الرسل واتركهم على ما هم عليه من العدوان والطغيان حَتَّى يُلاقُوا ويصلوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يموتون ويهلكون بالمرة وهو عند
يَوْمَ اى يومئذ لا يُغْنِي عَنْهُمْ ولا يدفع كَيْدُهُمْ الذي أتوا به في دار الندوة والابتلاء شَيْئاً من الدفع والإغناء في رد عذاب الله وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ولا يمنعون حينئذ من بطشه وعذابه بل هم مع ذلك لا يمهلون الى العذاب الآجل ايضا بل يعذبون في العاجل والبرزخ ايضا بأنواع العذاب والنكال كما قال سبحانه
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ العذاب الأخروي الموعود لهم ألا وهو وقوعهم في نيران الإمكان بأنواع الخيبة والخسران وتقيدهم فيها بسلاسل الآمال الطوال وأغلال الأماني وأنكال اللذات والشهوات المتواردة عليها والمصيبات المتعاقبة إياهم في عموم الأوقات والساعات بحيث لا يسع لهم التنفس لحظة خلصنا الله وعموم عباده عن أمثاله وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ولا يفهمون المها مع انها من أشد العذاب ايلاما وأصعب الوبال والنكال انتقاما أعاذنا الله وعموم عباده منها
وَبالجملة اصْبِرْ يا أكمل الرسل لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم الى قيام الساعة وابقاءك فيما بينهم بأنواع التعب والعناء ولا تستعجل لمقتهم وهلاكهم ولا تخف من مكرهم وكيدهم معك وغدرهم عليك فَإِنَّكَ محفوظ بِأَعْيُنِنا وكنف حفظنا ووفور حراستنا وحضانتنا نكفيك ونكف عنك مؤنة شرورهم ولا تلتفت إليهم ولا تبال بمكرهم وكيدهم ولا تشتغل عنا بهم وبمخاصمتهم ونزاعهم وَسَبِّحْ اى نزه ربك عن ان يعجز عن أخذهم وانتقامهم او عن انجاز ما وعد لك من تعذيبهم وكن مشغولا بِحَمْدِ رَبِّكَ في عموم أوقاتك وحالاتك سيما حِينَ تَقُومُ من منامك
وَمِنَ اللَّيْلِ حين استراحتك فيه فَسَبِّحْهُ لتكون على ذكر من ربك حين رقودك وركود حواسك ليكون ذكرك حينئذ توصية منك بمتخيلتك وإرشادا لها وتعليما إياها وَسبحه ايضا إِدْبارَ النُّجُومِ اى وقت دبور النجوم وغبورها وظهور ضياء الشمس من الشرق وشروقها فان كلا الوقتين وقت فراغ البال عن مطلق التشتت والاشغال العائقة عن التوجه جعلنا الله ممن خفف أثقاله وقلل آماله بمنه وجوده
خاتمة سورة الطور
عليك ايها المحمدي المتوجه نحو المقام المحمود الذي هو مرتبة الكشف والشهود هداك الله الى سواء السبيل ووقاك عن مطلق التغير والتبديل ان تخلى خلدك عن الركون الى ما سوى الحق وعن الالتفات الى عموم ما يشغلك عن التوجه اليه والتحنن نحوه وعليك الاشتغال بالتسبيح والتقديس في عموم أوقاتك وحالاتك سيما في أثناء صلواتك وتهجداتك في خلال خلواتك وإياك إياك الميل الى مزخرفات الدنيا ولذاتها وشهواتها والاختلاط مع ابنائها المنغمسين بقاذوراتها فان التلطخ بزخرفة الدنيا يكل الأبصار ويعمى القلوب التي في الصدور. خفف عنا بلطفك ثقل الأوزار وارزقنا بفضلك وجودك عيشة الأبرار واصرف عنا بمقتضى كرمك شر الأشرار التي هي عبارة عن زخرفة الدنيا الغدار الغرار
[سورة النجم]
فاتحة سورة النجم
لا يخفى على المتحققين بمقام الكشف والشهود والمنجذبين نحو الحق بشراشرهم بلا تلعثم وتلوين ان من تمكن في مرتبة المعرفة وتقرر في مقر التوحيد مصفيا سره وسريرته عن مكدرات التخمين والتقليد بحيث قد صار فانيا في الله باقيا ببقائه متكلما بكلامه متخلقا بأخلاقه متصفا بأوصافه سبحانه