تفسير سورة الممتحنة

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
بدأت السورة بنهي المؤمنين عن موالاة المشركين أعداء الله وأعدائهم لإصرارهم على الكفر، وإخراجهم رسول الله والمؤمنين من ديارهم بمكة، وأشارت إلى أن عداوة هؤلاء كامنة للمؤمنين، لا تلبث أن تستعلن حين يلاقونهم ويتمكنون منهم.
ثم انتقلت إلى بيان الأسوة الحسنة في إبراهيم والذين معه في تبرئتهم من المشركين وما يعبدون من دون الله، معلنين عداوتهم لهم، حتى يؤمنوا بالله وحده موضحة أن ذلك شأن الذين يرجون لقاء الله ويخشون عقابه.
ثم بينت من تجوز صلتهم من غير المسلمين ومن لا تجوز، فأما الذين لا يقاتلوننا في الدين ولا يعينون علينا، فإن لنا أن نبرهم ونقسط إليهم، وأما الذين قاتلونا في الدين، وظاهروا على إخراجنا من ديارنا، فأولئك الذين نهى الله عن برهم والصلة بهم.
ثم بينت السورة حكم المؤمنات اللاتي هاجرون إلى دار الإسلام، وتركن أزواجهن مشركين، وحكم المشركات الآتي هاجر أزواجهن مسلمين وقد تركوهن بدار الشرك.
وأتبعت ذلك ببيان بيعة النساء، وما بايعن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ختمت بما بدأت به من النهي عن موالاة الأعداء الذين غضب الله عليهم، تقريرا للحكم بينته في مفتتحها، وأكدته في ثناياها.

١- يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله : لا تتخذوا أعدائي وأعداءكم أنصاراً تُفْضُون إليهم بالمحبة الخالصة، مع أنهم جحدوا بما جاءكم من الإيمان بالله ورسوله وكتابه، يخرجون الرسول ويخرجونكم من دياركم، لإيمانكم بالله ربكم، إن كنتم خرجتم من دياركم للجهاد في سبيلي وطلب رضائي فلا تتولوا أعدائي، تُلْقُون إليهم بالمودة سراً، وأنا أعلم بما أسررتم وما أعلنتم، ومن يتخذ عدو الله ولياً له فقد ضل الطريق المستقيم.
٢- إن يلقوكم ويتمكنوا منكم تظهر لكم عداوتهم، ويمدوا إليكم أيديهم وألسنتهم بما يسوؤكم، وتمنوا كفركم مثلهم.
٣- لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم الذين تتخذونهم أولياء وهم عدو لله ولكم، يوم القيامة يفصل الله بينكم، فيجعل أعداءه في النار وأولياءه في الجنة، والله بكل ما تعملون بصير.
٤- قد كانت لكم قدوة حسنة تقتدون بها في إبراهيم والذين آمنوا معه، حين قالوا لقومهم : إنا بريئون منكم ومن الآلهة التي تعبدونها من دون الله، جحدنا بكم وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء، لا تزول أبداً حتى تؤمنوا بالله - وحده - لكن قول إبراهيم لأبيه : لأطلبن لك المغفرة، وما أملك من الله من شيء - ليس مما يقتدي به - لأن ذلك كان قبل أن يعلم أنه مصمم على عداوته لله، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، قولوا :- أيها المؤمنون - ربنا عليك اعتمدنا، وإليك رجعنا، وإليك المصير في الآخرة.
٥- ربنا لا تجعلنا بحال نكون بها فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ذنوبنا يا ربنا. إنك أنت العزيز الذي لا يغلب ذو الحكمة فيما قضى وقَدَّر.
٦- ﴿ لقد كان لكم ﴾- أيها المؤمنون - في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة في معاداتهم أعداء الله، هذه القدوة لمَن كان يرجو لقاء الله واليوم الآخر، ومَن يُعْرِض عن هذا الاقتداء فقد ظلم نفسه، فإن الله هو الغنى عما سواه، المستحق للحمد من كل ما عداه.
٧- عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من الكافرين مودة بتوفيقهم للإيمان، والله تام القدرة والله واسع المغفرة لمن تاب، رحيم بعباده.
٨- لا ينهاكم الله عن الكافرين الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم، أن تكرموهم وتمنحوهم صلتكم. إن الله يحب أهل البر والتواصل.
٩- إنما ينهاكم الله عن الذين حاربوكم في الدين ليصدوكم عنه، وأجبروكم على الخروج من دياركم، وعاونوا على إخراجكم منها أن تتخذوهم أنصاراً، ومن يتخذ هؤلاء أنصاراً فأولئك هم الظالمون لأنفسهم.
١٠- يا أيها الذين آمنوا : إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الشرك فاختبروهن لتعلموا صدق إيمانهن، الله أعلم بحقيقة إيمانهن، فإن اطمأننتم إلى إيمانهن فلا تردوهن إلى أزواجهن الكفار، فلا المؤمنات بعد هذا حلال للكافرين، ولا الكافرون حلال للمؤمنات، وآتوا الأزواج الكافرين ما أنفقوا من الصداق على زوجاتهم المهاجرات إليكم، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا هؤلاء المهاجرات إذا آتيتموهن صداقهن، ولا تتمسكوا بعقد زوجية الكافرات الباقيات في دار الشرك أو اللاحقات بها، واطلبوا من الكفار ما أنفقتم من صداق على اللاحقات بدار الشرك وليطلبوا - هم - ما أنفقوا على زوجاتهم المهاجرات. ذلكم - التشريع - حكم الله، يفصل به بينكم، والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تشريعه.
١١- وإن أفلت منكم بعض زوجاتكم إلى الكفار، ثم حاربتموهم، فآتوا الذين ذهبت زوجاتهم مثل ما أنفقوا عليهن من صداق، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون.
١٢- يا أيها النبي : إذا جاءك المؤمنات يعاهدنك على أن لا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يُلْحقْنَ بأزواجهن مَن ليس من أولادهن بهتاناً وكذباً يختلقنه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يخالفنك في معروف تدعوهن إليه، فعاهدهن على ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله، إن الله عظيم المغفرة والرحمة.
١٣- يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله لا توالوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة وما فيها من ثواب وحساب كما يئس الكفار من إحياء أصحاب القبور.
Icon