وبعد العتاب الذي استغرق عشر آيات، بيّن الله تعالى أن هذا القرآن ذكرى وموعظة لمن كان له عقل وتدبّر ما جاء فيه، وأنه في صحف مكرّمة عالية القدر والمكانة، منزهة عن كل نقص، بأيدي ملائكة كرام بررة جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله.
ثم بعد ذلك أخذت السورة تعالج جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه، وتذكره بمصدر وجوده وأصل نشأته من ماء مهين، ثم كيف سيّره ربه إلى الطريق السويّ، وعلّمه ما لم يكن يعلم، ثم مصيره إلى الموت والبعث للحساب.
بعد ذلك يذكّره الله بتوجيهه إلى أمس الأشياء به، وهو طعامه وشرابه.. كيف ينزل الماء من السماء، ويُنبت به الحَبّ والفاكهة، ويجعل الحدائق الجميلة كثيفة الأغصان، كل ذلك له ولأنعامه التي يستعملها ويقتات بلحومها.
وتأتي الخاتمة بعرض يوم القيامة، ﴿ فإذا جاءت الصاخّة ﴾ ونُشر الناس كالفراش المبثوث، في ذلك اليوم يهرب المرء من أخيه وأمه وأبيه، وزوجته وبنيه، ويكون ﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾ ويَشغله.
ﰡ
تولّى : أعرض.
نزلت هذه السورةُ الكريمة في عبدِ الله بن أُم مكتوم ابن خالِ خديجة بنتِ خويلد رضي الله عنها، وكان رجلاً أعمى، ومن أول الناس إسلاما. وكان من المهاجرين الأولين والمؤذِّنَ الثاني لرسول الله، وقد استخلفه الرسولُ الكريم على المدينة، وكان يصلّي بالناس مرارا. وقد جاء هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده جماعة من زعماءِ قريش منهم : عتبة وشَيبة ابنا ربيعة، وأبو جهلٍ عمرو بن هشام، والعباسُ بن عبد المطلب، وأُميةُ بن خلف، والوليدُ بن المغيرة. وكان النبي الكريم محتفياً بهم يدعوهم إلى الإسلام ويرغّبهم فيه رجاءَ أن يُسلموا، لأنه يعلم أنهم إذا أسلموا تَبِعَهم خَلْقٌ كثير.
فجاء ابنُ أُم مكتوم وقال : يا رسولَ الله، أرشِدني، وعلِّمني مما علمك الله.. وكرر ذلك وهو لا يعلم من عنده. فكره الرسولُ قَطْعَه لكلامه، وظهر ذلك على وجهه، إذ عَبَسَ وأعرض عنه.
وقد عاتب الله نبيَّه الكريمَ بأنّ ضَعْفَ ذلك الأعمى وفقره لا ينبغي أن يكون باعثاً على كراهةِ كلامه والإعراضِ عنه، فإنه حيُّ القلب ذكيُّ الفؤاد، إذا سمع الحكمةَ وعاها، فيتطهَّرُ بها من أوضارِ الشِرك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:عبس : قطّب وجهه من ضيق الصدر.
تولّى : أعرض.
نزلت هذه السورةُ الكريمة في عبدِ الله بن أُم مكتوم ابن خالِ خديجة بنتِ خويلد رضي الله عنها، وكان رجلاً أعمى، ومن أول الناس إسلاما. وكان من المهاجرين الأولين والمؤذِّنَ الثاني لرسول الله، وقد استخلفه الرسولُ الكريم على المدينة، وكان يصلّي بالناس مرارا. وقد جاء هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده جماعة من زعماءِ قريش منهم : عتبة وشَيبة ابنا ربيعة، وأبو جهلٍ عمرو بن هشام، والعباسُ بن عبد المطلب، وأُميةُ بن خلف، والوليدُ بن المغيرة. وكان النبي الكريم محتفياً بهم يدعوهم إلى الإسلام ويرغّبهم فيه رجاءَ أن يُسلموا، لأنه يعلم أنهم إذا أسلموا تَبِعَهم خَلْقٌ كثير.
فجاء ابنُ أُم مكتوم وقال : يا رسولَ الله، أرشِدني، وعلِّمني مما علمك الله.. وكرر ذلك وهو لا يعلم من عنده. فكره الرسولُ قَطْعَه لكلامه، وظهر ذلك على وجهه، إذ عَبَسَ وأعرض عنه.
وقد عاتب الله نبيَّه الكريمَ بأنّ ضَعْفَ ذلك الأعمى وفقره لا ينبغي أن يكون باعثاً على كراهةِ كلامه والإعراضِ عنه، فإنه حيُّ القلب ذكيُّ الفؤاد، إذا سمع الحكمةَ وعاها، فيتطهَّرُ بها من أوضارِ الشِرك.
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذكرى ﴾.
ما يدريك يا محمد، لعلّ هذا الأعمى يتطهّر بما يسمعه منك، وما يتلقاه من العِلم والمعرفة.
وبعد نزول هذه الآيات جَعل الرسولُ يكرِم عبد الله هذا ويُقبِل عليه ويقول له إذا رآه : أهلاً بمن عاتَبَني فيه ربّي، ويسأله هل لك حاجةٌ.
قراءات :
قرأ الجمهور : فتنفعه بضم العين، وقرأ عاصم : فتنفعه بنصب العين.
﴿ أَمَّا مَنِ استغنى ﴾.
أما من استغنى عن الله بمالِه وقوَّتِه.
فأنت تُقبل عليه حِرصاً على إسلامه، وتهتمّ بتبليغه دعوتَك.
قراءات :
قرأ الجمهور : تصدى بفتح الصاد من غير تشديد، وقرأ نافع وابن محيصن : تصدّى بفتح الصاد المشددة.
فأنتَ تتلهّى عنه وتتشاغل بهؤلاء الزعماءِ الّذين لا يؤمنون ولا فائدةَ منهم، لأنّ أكثَرهم جحدةٌ منصرفون إلى المادة. لقد ألْهَتْهُم هذه الحياة الدنيا، فلا ينبغي الانصرافُ إليهم، والتصدّي لهم لمجرد الطمع في إسلامهم حتى يتبعَهم غيرُهم.
إنّ قوة الإنسان في حياةِ قلبه وذكاء لبّه، والإذعانِ للحق إذا ظهر، أما المالُ والعصبة والنَسب والأعوان والمراكز والتيجان، فهي كلها عوارٍ تغدو وترتحل، ولا يدوم ويبقى إلا العملُ الصالح.
وفي هذا تأديبٌ من اللهِ تعالى لأمةِ محمد صلى الله عليه وسلم. ولو تأدّبوا به لكانوا اليوم أرشدَ الأمم.
إن الله لا ينصر دِينه بأمثالِ هؤلاء المتكبرين الجاحدين، فلا تهتمَّ يا محمد بهم. إنما يُنصَر الحقُّ بالمؤمنين الصادقين أمثالِ ذلك الأعمى. وما هذه الآيات إلا موعظة، وهذا القرآن كافٍ في الهداية لمن طَلَبها، وما عليك إلا البلاغُ والتذكير.
فمن شاء اتّعظ بالقرآن.
الذي هو ﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴾.
مطهَّرة : منزهة عن العبث والنقص.
عاليةِ القدر والمكانة بتعاليمها وحِكَمها البالغة.
﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾ من الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسُله. وهم ﴿ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [ التحريم : ٦ ].
بعد أن ذكر القرآن الكريم على أنه كتابُ موعظةٍ وذكرى وهدى للناس، يبين الله تعالى هنا جحودَ الإنسان وكفرَه الفاحشَ ولا سيّما أولئك الذين أُوتوا سَعةً من الرزق. ثم يذكّره بمصدر حياته ووجودِه، وأصلِ نشْأتِه، وكيف يسَّر له السبيلَ في حياته ثم تولى موتَه وبعثَه. ثم بعد ذلك ينعى على الإنسان تقصيره في أمره، وأنه لا يؤدي ما عليه لخالِقِه، فيقول :
﴿ قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ.... ﴾.
هذه جملةُ دعاءٍ على كل جاحِد، والمرادُ بيانُ قُبحِ حالِه وتمرُّده وتكبُّره، فما أشدَّ كفره مع إحسان الله إليه ! والحقُّ أن الإنسانَ قد بلغ في كفره بالنعمة الإلهية مبلغاً يقضي بالعجب، فإنه بعد ما رأى في نفسِه من آيات الله، وبعد أن مضى عليه تلك السّنون الطوال في الأرض، والتي شاهد فيها ما في هذا الكون الواسع العجيب من شواهدَ وأدلّة ونظام بديع،
لا يزال يجحَدُ أنعم الله عليه ولا يشكرها. إن الله تعالى لم يدَعِ الإنسان سُدى، فقد أرسل إليه الهداةَ إثر الهداة، غير أن الإنسان ظلّ سادراً في ضلاله، مغروراً بهذه الحياة الدنيا وما فيها من نعيم زائل.
﴿ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ ﴾
إنه من أصلٍ متواضع جدا.
لقد خلقه اللهُ من نطفةٍ من ماء حقير، وقدّره أطوارا وأحوالا، وأتم خَلْقَه، وأودع فيه من القوى ما يمكّنَه من استعمال أعضائه، وصوَّره بأجملِ صورةٍ وأحسنِ تقويم.
ثم مهّد له سبيل الهداية، وسبيلَ الحياة، وأودع فيه أعظمَ خصائص الاستعدادِ ليعيشَ في هذه الحياة.
حتى إذا انتهت الرحلة، صار إلى النهاية الّتي يصير إليها كل حيٍّ بلا اختيار.
ثم قبض روحَه وأماته وكرّمه بأن يُقبر.
حتى إذا حان الموعدُ الذي قدّره الله ليوم البعث أعادَه إلى الحياةِ للحساب والجزاء. وهذا موعدٌ لا يعرفه إلا الله. إذن فإن الإنسانَ ليس متروكا سُدى، ولا ذاهباً بغير حساب ولا جزاء. فهل قام بواجبه تجاه خالقه ؟
﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ ﴾
عليه أن يتدبّر شأن نفسه، وينظر إلى طعامه وطعام أنعامه في هذه الحياة : كيف يسّرناه له ودبّرناه !
قراءات :
قرأ أهل الكوفة أنَّا، والباقون بكسر الهمزة.
وعنباً ونباتاً يؤكل رَطبا.
وحدائقَ ملتفة الأغصانِ جميلة.
وبعد أن عدّد الله تعالى نعمه على عباده، وذكّرهم بإحسانه إليهم في هذه الحياة، بحيث لا ينبغي للعاقل أن يتمرد - أردفَ هنا بتفصيلِ بعضِ أحوال يوم القيامة وأهوالِها فقال :
﴿ فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة.... ﴾
إذا قامت القيامة التي بصيحتها تَصُكُّ الآذان وتصمّها.
إن كل إنسان في ذلك اليوم له شأنٌ يَشْغَله عن غيره.
والناس في ذلك اليوم فريقان : فريقٌ ضاحك مستبشر بما سيلقاه من حُسن الاستقبال والنعيم المقيم.
قَتَرة : سواد كالدخان.
وفريق تعلو وجوهَهم قَتَرةٌ من سوادِ الحزن وكآبته.