ﰡ
نَحْنُ صبحنا عامرًا فِي دارها | عشية الهلال أَوْ سَرارِها |
ومن سورة عبس
[١٢٦/ ا] قوله عزَّ وجلَّ: عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن أم مكتوم وكانت أم مكتوم أم أَبِيهِ آتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده نفر من أشراف قريش ليسأله عنْ بعض ما ينتفع بِهِ، فكرِه رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطع كلامه فأنزل اللَّه تبارك وتعالى، «عَبَسَ وَتَوَلَّى»، يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، «أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى»، لأن جاءه الأعمى.
ثم قال جل وعز: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى «٣» (٣) بما أراد أن يتعلَّمه من عِلْمِك، فعطف النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنُ أم مكتوم، وأكرمه بعد هذه الآية حتَّى استخلفه عَلَى الصلاة، وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى: «فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى» (٤) بالرفع، ولو كَانَ نصبًا «٤» عَلَى جواب الفاء للعل- كَانَ صوابًا.
أنشدني بعضهم «٥»
علَّ صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها | يُدلْنَنَا اللَّمَّةَ من لَمَّاتها |
فتستريحَ النفسُ من زَفْراتها | وتُنْقعَ الغلَّةُ من غلاتها |
(٢) ورد تعليق الفراء على هذه الآية فى تفسير القرطبي (١٩: ٢١٠) نقلا عنه، ولكن بعبارة يخالف آخرها أولها، وروى الشاهد، وبين بيتيه جردا تعادى طرفى نهارها فانظره هناك.
(٣) فى ب، ش: «لعله أن يزكى» وهو خطأ.
(٤) قرأ الجمهور بالرفع: فتنفعه، أو يذكر، وقرأ عاصم فى المشهور، والأعرج، وأبو حيوة، وابن أبى عبلة- بنصبهما (البحر المحيط: ٨/ ٤٢٧). [.....]
(٥) فى شرح شواهد المغني ١/ ٤٥٤: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، ومثله فى شرح شواهد الشافية: ١٢٩.
وعل: أصله لعل، وصروف الدهر: حوادثه ونوائبه، ويدلننا الله: من أدالنا الله من عدونا إدالة، وهى: الغلبة يقال: أدلنى على فلان وانصرني عليه. واللّمة: الشدة..
وقوله عزَّ وجل، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦).
ولو قرأ قارئٌ: «تَصَدَّى» «٥» كان صوابًا.
وقوله عز وجل: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١).
هَذِهِ السُّورة تذكرة، وإن شئت جعلت الهاء عمادا لتأنيث التذكرة.
«فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ «٦» » (١٢) ذكر القرآن رجع «٧» التذكير إلى الوحي.
«فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ» (١٣).
لأنها نزلت من اللوح «٨» المحفوظ مرفوعة عند ربك هنالك مطهرة، لا يمسها إلا المطهرون، وهذا مثل قوله: «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً «٩» ».
جعل [١٢٦/ ب] الملائكة والصحف مطهرة لان الصحف يقع عليها التطهير، فجعل التطهير لمن حملها أيضًا.
وقوله عز وجل: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥).
وهم الملائكة، واحدهم سافر، والعرب تَقُولُ: سفرت بين القوم إِذَا أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إِذَا نزلت بوحي اللَّه تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الَّذِي يصلح بين القوم، قَالَ «١٠» الشَّاعِر
وما أدعُ السِّفارةَ بينَ قومي | وما أمْشي يغشّ إن مشيت «١١» |
(٢) قرأ الجمهور «أن» بهمزة واحدة ومدة بعدها وبعض القراء بهمزتين محققتين (البحر المحيط ٨/ ٤٢٧).
(٣) فى ش وهل.
(٥) قراءة العامة: «تَصَدَّى» بالتخفيف، على طرح التاء الثانية تخفيفا، وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على الإدغام القرطبي (١٩/ ٢١٤)
(٦) سقط فى ش.
(٧) فى ش: ثم رجع.
(٨) كذا فى ش.
(٩) سورة النازعات الآية: ٥
(١٠) فى ش: وقال.
(١١) ورد فى القرطبي ١٩/ ٢١٦ ولم ينسبه، وفيه (فما) مكان (وما) - فى صدر البيت-، وفيه: (ولا) مكان، (وما) فى عجزه. وفى البحر المحيط ٨/ ٤٢٥: (فما) مكان (وما) فى صدر البيت، وما أسعى مكان: (وما أمشى) فى عجزه.
رَجُل بَرّ، وامرأة برة، ثُمَّ جمع عَلَى تأويل فاعل، كما قَالُوا: قوم خَيَرَة بَرَرَة. سمعتها من بعض «١» العرب، وواحد الخَيرَة: خيّر، والبررة: برٌّ. ومثله: قوم سَراةٌ، واحدهم: سِرى. كَانَ ينبغي أن يكون ساريًا. والعرب إِذَا جمعت: ساريًا جمعوه بضم أوله فقالوا: سُراة وغُزاة. فكأنهم إذ قَالُوا: سُرَاة: كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سارٍ، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سراة بين: السرىّ والساري.
وقوله عز وجل: ما أَكْفَرَهُ (١٧) يكون تعجبًا، ويكون: ما الَّذِي أكفره؟. وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير، ثُمَّ عجّبه، فَقَالَ:
«مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (١٨) ثم [١٢٧/ ا] فسّر فقال: «مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ» (١٩) أطورا نطفة، ثُمَّ علقة إلى آخر خلقِه، وشقيًا أَوْ سعيدًا، وذكرًا أَوْ أنثى.
وقوله عزَّ وجل: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ «٢» (٢٠) معناه: ثُمَّ يسره للسبيلِ، ومثله: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ»، أي: أعلمناه طريق الخير، وطريق الشر.
وقوله عز وجل: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) جعله مقبورا، ولم يجعله ممن يُلْقَى للسباع والطير، ولا ممن يلقى فِي النواويس، كأن القبر مما أكرم المسلم بِهِ، ولم يقل: فقبره لأنّ القابر هُوَ الدافن بيده، والمُقبِر: اللَّه تبارك وتعالى لأنه صيره ذا قبر، وليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تَقُولُ: بترتُ ذنب البعير، والله أبتره.
وعضبت قرن الثور، والله أعضبه، وطردت فلانًا عني، والله أطرده «٣» صيّره طريدًا، ولو قَالَ قائل:
فقبره، أَوْ قَالَ فِي الآدمي: أقبره إِذَا وجهه لجهته صلح، وكان صوابًا ألا ترى أنك تَقُولُ: قتل فلان أخاه، فيقول الآخر: اللَّه قتله. والعرب تَقُولُ: هَذِهِ كلمة مُقتلة مُخيفة إِذَا كانت من قالها قُتِل قيلت هكذا، ولو قيل فيها: قاتلة خائفة كَانَ صوابًا، كما تَقُولُ: هَذَا الداء قاتِلك.
(٢) سورة الإنسان الآية: ٣.
(٣) كذا فى ش، وفى ب، ح: وصيره، تحريف. [.....]
وقوله عزَّ وجل: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم (أَنَا) «١» يجعلانها فِي موضع خفض أي: فلينظر إلى صبِّنَا الماء إلى أن صَبَبْنا، وفعلنا وفعلنا. وقرأ أهل الحجاز والحسن الْبَصْرِيّ: (إنا) «٢» يخبر عنْ صفة الطعام بالاستئناف، وكلٌّ حسن، وكذلك قوله جل وعز: «فَانْظُرْ كَيْفَ [١٢٧/ ب] كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ «٣» »، و «إنا دمرناهم «٤». وَقَدْ يكون موضع «أَنَا» هاهنا فى (عبس) إِذَا فتحتْ رفعًا كأنه استأنف فَقَالَ: طعامُه، صَبُّنا الماء، وإنباتُنا كذا وكذا.
وقوله تبارك وتعالى: حَبًّا (٢٧).
الحب: كل الحبوب: الحنطة والشعير، وما سواهما. والقضب: الرَّطبة، وأهل مكَّة يسمون القتَّ: القضب.
والحدائق: كل بستان كَانَ عَلَيْهِ حائط فهو حديقة. وما لم يكن عَلَيْهِ حائط لم يُقَلْ:
حديقة. والغُلْب: ما غلظ من النخل. والأبّ: ما تأكله الأنعام. كذلك قَالَ ابْنُ عَبَّاس.
وقوله تبارك وتعالى: مَتاعاً لَكُمْ (٣٢) أي: خلقناه متعةً لكم ومنفعة. ولو كَانَ رفعًا جاز عَلَى ما فسرنا.
وقوله عزَّ وجل: الصَّاخَّةُ (٣٣) : القيامة.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤).
يفر عنْ أخيه: من، وعن فِيهِ سواء.
وقوله عزَّ وجلَّ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧).
أي: يشغله عنْ قرابته، وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «يعنيه» «٥» وهى شاذة.
(٢) وهى أيضا قراءة الجمهور (البحر المحيط: ٨/ ٤٢٩).
(٣) سورة النمل الآية: ٥١.
(٤) فى ش: وإنا دمرناهم.
(٥) هى قراءة ابن محيصن، قال ابن جنى: وهذه قراءة حسنة إلا أن التي عليها الجماعة أقوى معنى، وذلك أن الإنسان قد يعنيه الشيء، ولا يغنيه عن غيره (المحتسب: ٢/ ٣٥٣).