تفسير سورة الغاشية

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الغاشية من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الغاشية
مكيّة وهى ست وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير اى قد اتيك حَدِيثُ الْغاشِيَةِ اى الساعة التي تغشى كل شىء بالشدائد والأهوال وقيل المراد بالغاشية النار قال الله تعالى وتغشى وجوههم النار لكن تعقيبها بذكر الكفار والمؤمنين بقوله وجوه يومئذ يدل على صحة التأويل الاول.
وُجُوهٌ تنوينه للتكثير او عوض عن المضاف اليه اى وجوه كثيرة او وجوه الكفار فصح جعلها مبتداء لانه مخصصة او فى قوة المعرفة والمراد بها اصحاب وجوه حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وأعرب باعرابه واجرى عليه من الاخبار ما كانت جارية على المضاف يَوْمَئِذٍ متعلق بغاشية اى يوم إذا كانت الغاشية وجوه خاشِعَةٌ ذليلة من الحزن والهوان.
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ يعنى فى النار والنصب التعب قال الحسن لم تعمل لله فى الدنيا فاعملها وأنصبها فى النار بمعالجة السلاسل والاغلال وبه قال قتادة وهو رواية العوفى عن ابن عباس قال ابن مسعود يخوض فى النار كما يخوض الإبل فى الوحل وقال الكلبي يجرون على وجوههم فى النار وقال الضحاك يرتقى جبلا من حديد فى النار وقيل معناه الذين عملوا ونصبوا فى الدنيا على غير دين حق من عبده الأوثان وكفار اهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل الله منهم اجتهادا فى ضلالته يدخلون النار يوم القيمة وهو قول سعيد بن جبير وزيد بن اسلم رواه عطاء عن ابن عباس وقال عكرمة والسدى عاملة فى الدنيا بالمعاصي ناصبة فى الاخرة فى النار.
تَصْلى قرأ ابو عمرو ابو بكر تصلى بضم التاء والباقون بفتح التاء ناراً حامِيَةً قال ابن عباس قد حميت فهى تتلظى على اعداء الله.
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ط اخرج ابن ابى حاتم عن السدى انه قال يعنى ما انتهى حرها فلا يكون فوقه حروا خرج البيهقي عن الحسن انه قال كانت العرب يقول للشئ إذا انتهى حره حتى لا يكون شيئا أحر منه قد انى حره فقال الله سبحانه من عين آنية يقال قد أوقدت عليها فى جهنم منذ خلقت يانى حرها قال المفسرون
وردوا الى جهنم ورودا عطاشا فسقوا من عين آنية لو وقعت منها قطرة على الجبال الدنيا لذابت.
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ اخرج عبد الله بن احمد من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله - ﷺ - الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرتفع الى الفم فسقى بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال هو الزقوم واخرج الترمذي والبيهقي عن ابى الدرداء قال قال رسول الله ﷺ يلقى على اهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب وقد مر فيما قبل وقال مجاهد وعكرمة وقتادة نبت ذو شوكة لا لحى بالأرض تسميه قريش الشبرق فاذا هاج العود تسميه الضريع هو أخبث طعام قال الكلبي لا يقربه دابة إذا يبس وقال ابن ابى زيدا ما فى الدنيا فان الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو فى الاخرة شوك من نار قال المفسرون لما نزلت هذه الاية قال المشركون ان إبلنا يسمن من الضريع وكذا فى ذلك فان الإبل انما يرعاه ما دام رطبا وسيما شدقا فاذا يبس لا يأكله شىء فانزل الله تعالى.
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ صفة ضريع والمقصود من الطعام أحد الامرين والمراد ايضا فى ليس لهم طعام الا من ضريع او شبه لا يسمن او يغنى من جوع كما فى قوله تعالى وما محمد الا رسول يعنى ليس كاهنا او شاعرا ونحو ذلك مما ينافى الرسالة والمراد هاهنا بعض من الكفار لا يكون طعامهم الا من ضريع ويكون الضريع والزقوم طعام غيرهم من الكفار.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ كثيرة او وجوه المؤمنين يعنى أصحابها مبتداء وما بعد اخبار ناعِمَةٌ منتعمة ذات بهجة.
لِسَعْيِها فى الدنيا فى طاعة الله متعلق بقوله راضِيَةٌ فى الاخرة لما رأت ثوابها.
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ المحل والقدر.
لا تَسْمَعُ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء المضمومة على البناء للمفعول الواحد المذكر فِيها لاغِيَةً ط بالرفع على انه مسند اليه والتأنيث غير حقيقى وقرأ نافع ذلك الا انه قرأ لا تسمع بالتاء التأنيث المسند اليه والباقون بالتاء المفتوحة على البناء للفاعل والضمير للمؤنث راجع الى وجوه او للخطاب مع النبي - ﷺ - والمخاطب غير معين وقرأ لاغية بالنصب على المفعولية يعنى لا تسمع لغوا او باطلا او كلمة ذات لغو المراد نفسا تلغوا فان كلام اهل الجنة للذكر والحكمة اخرج البيهقي فى هذه الاية قال لا تسمع صفة لجنة بعد صفة وكذا الجملة بعدها.
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ
لا يقطع جريانها والتنكير للتعظيم اخرج ابن حبان والحاكم والبيهقي والطبراني عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - انهار الجنة تفجر من جبل مسك.
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ رفيعة السمك والقدر اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى سرر مصفوفة واخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - ﷺ - فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة قال الترمذي قال بعض اهل العلم فى تفسيره معناه ان الفرش فى الدرجات كما بين السماء والأرض اخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال لو ان أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا واخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى الى قرارها مائة خريف قال البغوي قال ابن عباس الواح السرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجئ أهلها فاذا أراد ان يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم يرتفع الى مواضعها.
وَأَكْوابٌ جمع كوب اخرج هناد عن مجاهد قال التي ليست لها اذن يعنى لا عروة له مَوْضُوعَةٌ على حافة العيون معدة للشرب.
وَنَمارِقُ جمع نمرقة بالفتح والضم مَصْفُوفَةٌ بعضها الى جنب بعضها أينما أراد ان يجلس جلس واستند.
وَزَرابِيُّ بسط عريضه فاخرة جمع زربية مَبْثُوثَةٌ ط مبسوطة او متفرقة فى المجالس اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن قتادة قال لما نعت الله ما فى الجنة عجب من ذلك اهل الضلالة فكذبوه فأنزل الله تعالى.
أَفَلا يَنْظُرُونَ قال صاحب المدارك لما انزل الله فيها سرر مرفوعة إلخ وفسره النبي - ﷺ - بان ارتفاع السرائر كذا والأكواب الموضوعة لا تدخل فى حساب الخلق لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على تلك السرر وكيف يكثر الأكواب هذه الكثرة وطول النمارق هذا الطول وبسط الزرابي هذا الانبساط ولم تشاهد ذلك فى الدنيا قال الله تعالى أفلا ينظرون نظر اعتبار الاستفهام للتوبيخ والفاء للعطف والمعطوف عليه محذوف تقديره أتعجبون ويغفلون أفلا ينظرون.
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وقفه طويلة ثم يبرك لركوب ثم تقوم فكذا سرر يطأطأ للمومنين كما يطأطأ الإبل.
وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ رفعا بعيدا ونجومها تكثر هذه الكثيرة فلا يدخل فى حساب الخلق فكذا الأكواب.
وَإِلَى الْجِبالِ
كَيْفَ نُصِبَتْ وقفه راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق.
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ سطحا مستويا بساطا واحدا فكذا الزرابي ويجوز ان يكون المعنى أفلا ينظرون الى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات الشاهد على كمال قدرة الخالق فيستدلوا به على اقتداره على البعث فيسمعوا الى اخبار مخبر الصادق الصدوق بشهادة المعجزات وليؤمنوا به ويستعدوا للغاية وتخصيص الإبل من المركبات والثلاثة من البسائط لان الخطاب للعرب والمراد انما يستدل به بما يكثر مشاهدته والعرب تكون فى البوادي ونظرهم فيها الى السماء والأرض والجبال والإبل وكان الإبل أعز أموالهم وهم لها اكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات وهى تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان من النسل والدر والحمل والركب والأكل بخلاف غيرها فقال أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت خلقا والأعلى كمال قدرته وحسن تدبيره حيث جعلها مع عظمها باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طويلة الأعناق ليناول الأوراق من الأشجار ولترعى كل نابت ويحتمل العطش الى عشرة فصاعدا ليتاتى بها قطع البوادي وقيل المراد بالإبل السحاب قال فى القاموس الإبل بكسرتين ويسكن بالمعروف السحاب الذي يحمل ماء المطر والله تعالى اعلم عن ابن عباس قال هل يقدر أحد ان يخلق مثل الإبل وليرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الأرض غبرى.
فَذَكِّرْ لهم بالادلة ليتفكروا فيها ولتهتم إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ تعليل التذكير اى ليس عليك ان لم ينظروا ولم يذكروا انما أنت عليك البلاغ.
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ تأكيد لمضمون انما أنت مذكر قرأ هشام بمسيطر بالسين وحمزة بخلاف عنه فلاوين الصادة والباقون بالصاد خالصة اى لست بمسلط عليهم قايم وحافظ عليهم كما فى قوله تعالى لست عليهم بجبار.
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى عن الايمان وكفر بالله استثناء منقطع بمعنى لكن والخبر محذوف يعنى لكن من تولى منهم وَكَفَرَ فالله مسلط قاهر عليه.
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ط بالنار فى الاخرة وقيل استثناء متصل كانه أوعد بالجهاد فى الدنيا وعذاب النار فى الاخرة وقيل استثناء متصل من الضمير المنصوب المحذوف فى قوله تعالى فذكر يعنى فذكرهم الا من تولى منهم وكفر واخر طلبه بحيث انقطع طمعك فى إيمانه وما بينهما اعراض.
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ رجوعهم وتقديم الظرف لتشديد الوعيد يعنى ليس إيابهم الا الى جبار قهار مقتدر على الانتقام.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ع فتحاسبهم ويجازيهم على حسب غلوهم فى الكفر وعلى فى الأصل للوجوب واستعير هاهنا لتأكيد الوعيد إذ لا يجب على الله شىء فان الوجوب ينافى الالوهية- والله تعالى اعلم.
Icon