تفسير سورة الليل

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية
تفسير سورة سورة الليل من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية .
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

[سورة الليل]

فاتحة سورة الليل
لا يخفى على المنكشفين بنشآت الحق وشئونه الغيبية والشهادية ان تنزلات الحق عن مكمن العماء اللاهوتى نحو فضاء الناسوت على اطوار متفاوتة وشئون شتى حسب اقتضاء رقائق أسمائه الذاتية المقتضية للظهور والجلاء لذلك اقسم سبحانه بنشأتى الغيب والشهادة وبما امتزج منهما واجتمع واختلط في البرزخ الجامع الإنساني المحتوى على نشأتى الغيب والشهادة المتفرعة عليهما التكاليف الإلهية فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ المتجلى على عموم شئونه المترتبة على أسمائه الغير المحصورة الرَّحْمنِ لجميع مظاهره حيث يطلعها على ذاته ليتوجه الكل نحوه طوعا الرَّحِيمِ لنوع الإنسان حيث نبه عليه سر سريان وحدته الذاتية على صحائف الكثرات المرئية الموهوبة ليتصف بالخلافة والنيابة الإلهية ويتحلى بحلل التفضيل والتكريم
[الآيات]
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى اى بحق الهوية الغيبية الإلهية المتمكنة في مكمن العماء الذاتي المغشى لنقوش الكثرات الموهوبة المترتبة على الأسماء والصفات الذاتية المنعكسة منها من شدة بريقها ولمعانها
وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى اى وبحق الهوية الشهادية الإلهية في عالم البروز والجلاء المظهرة لآثار الأسماء والصفات إظهارا للحكمة البالغة التي هي ترتب الايمان والعرفان على تلك الآثار
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى اى وبحق القادر الحكيم العليم الذي قدر وصور برزخ الإنسان المصور على صورة الرحمن الجامع لمراتب عموم الأكوان حيث ركبه وأودع فيه من الحصص اللاهوتية الغيبية والناسوتية الشهادية ثم كلفه بالتكاليف الشاقة ليترقى من حضيض الناسوت الى ذروة اللاهوت لذلك استخلفه واصطفاه وانتخبه من عموم مظاهره وهداه ليترتب على مرتبته هذه المصلحة العلية الحاصلة السنية وانما خلقه زوجا ليدوم ولا يبيد في نشأة الشهادة وجود المرتبة التي هي الغاية القصوى من نشأة الشهادة.
ثم قال سبحانه مجيبا للقسم مخاطبا لافراد الإنسان تربية لهم وتنبيها على مقاصدهم ومصالحهم
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى مختلف متفاوت حسب تفاوت ما أودع ربكم فيكم من الحصص المذكورة
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى منكم للفقراء الفاقدين وجه الكفاف مما ساق له الحق من الرزق الصوري والمعنوي مقارنا للخشوع والخضوع وخلوص النية وصدق العزيمة واتى بأنواع الطاعات والعبادات المأمور بها وَاتَّقى واجتنب عن مطلق المحارم والمنهيات التي قد وردت الزواجر الإلهية فيها
وَمع ذلك قد صَدَّقَ بِالْحُسْنى اى صدق بعموم مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية وبجميع آثار صفاته العليا التي لا تعد ولا تحصى
فَسَنُيَسِّرُهُ نعده ونوفقه لِلْيُسْرى اى للطريقة السهلة السمحة الموصلة الى مقصد الوحدة والمعرفة المنجية عن غياهب الشكوك وظلمات الأوهام
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ولم ينفق على مقتضى ما امره الحق وَاسْتَغْنى بلذات الدنيا الدنية عن اللذات الاخروية
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى بعموم مقتضيات الأسماء
فَسَنُيَسِّرُهُ نبتليه ونستعده لِلْعُسْرى اى للطريقة العسرة الوعرة التي هي طريق الكفر والمعصية المؤدية الى اودية الشهوات المستلزمة لدركات النيران
وَبعد ما نأخذه في النشأة الاخرى بسبب بخله وكفره ما يُغْنِي وما يكف ويدفع عَنْهُ مالُهُ شيأ من غضبنا عليه إِذا تَرَدَّى اى وقت إذ هوى وهلك في قعر جهنم الإمكان وسعير نيران الخيبة والخذلان. ثم قال سبحانه تعريضا للمفرطين المسرفين
إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى يعنى ما علينا من إصلاحكم الا الهداية والإرشاد فهديناكم ولم تهتدوا
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى يعنى ما لنا الا التبيين والتنبيه بان الآخرة خير من الاولى فبينا لكم طريق المعاش في النشأة الاولى وطريق التزود والتهيئة للأخرى فلم تقبلوا منا ولم تمتثلوا لما بينا مع انا قد أكدنا هدايتكم وإرشادكم بأنواع الإنذار والتبليغ
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى تتوقد وتتلهب من شدة سورتها وبينا لكم ايضا انها
لا يَصْلاها ولا يدخل فيها إِلَّا الْأَشْقَى
الَّذِي كَذَّبَ بالكتب الإلهية وما فيها من الحكم والاحكام وَتَوَلَّى اعرض عن الرسل وانصرف عن دعوتهم ومع ذلك لم تقبلوا منا عموم ما أنزلنا وبينا
وَكذا قد بينا لكم ايها المكلفون انها سَيُجَنَّبُهَا اى يبعد ويخلص عن عذاب النار المسعرة في دركات الجحيم الْأَتْقَى عن المحارم والمحظورات الشرعية مطلقا
الَّذِي يُؤْتِي يعنى ومع ذلك التقوى يتصدق ويعطى مالَهُ في سبيل الله طلبا لمرضاة الله على فقراء الله يَتَزَكَّى ويتطهر عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية مطلقا بحيث لم يبق في قلبه سوى التوجه الى المولى حتى وصل الى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ومع وجود هذه المبالغات البليغة لم تتنبهوا ولم تتفطنوا
وَبالجملة ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى يعنى ما يصح وما ينبغي ويليق لاحد ان يتصدق بماله على طمع الجزاء والعوض والمكافاة بل اللائق بحاله ان لا يعطى لمن يعطى
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى يعنى طلبا للقاء الله في يوم الجزاء لا لأجل الجزاء والثناء الدنيوي ولا للثواب والعطاء الأخروي ايضا بل رجاء ان يلقى ربه الرحيم ويطالع وجهه الكريم
وَلَسَوْفَ يَرْضى المعطى المذكور عن الله بفوز شرف اللقاء وبكرامة كشف الغطاء. اللهم ارزقنا لقاءك يوم نلقاك
خاتمة سورة الليل
عليك ايها الطالب لرضاء الله والراجي مطالعة جمال الله وجلاله ان تحسن الأدب مع الله في عموم احوالك في النشأة الاولى وتزكى نفسك عن مطلق الأماني والآمال الشاغلة عن التوجه نحوه فعليك بالتبتل والاجتهاد على وجه الإخلاص وطلب التوفيق من الله ليهديك الى سبيل الرشاد وإياك إياك ان تلتفت الى مزخرفات الدنيا الدنية فإنها تلهيك عن الدرجات العلية الاخروية الوجوبية وتغريك الى الدركات الهوية الجهنمية الامكانية فلك ان تطرحها كلها حتى تتخلص عن رذائلها وتنفرج عنك غوائلها. جعلنا الله ممن تنفر عن الدنيا وما فيها وترك عموم آمالها وأمانيها بمنه وجوده
[سورة الضحى]
فاتحة سورة الضحى
لا يخفى على من دخل تحت قباب العز الإلهي وفنى في هويته وتلاشى في ذاته وغرق في بحر وحدته واضمحل في فضاء صمديته ان عموم احوال العباد وأحلامهم وأطوارهم بعد تجردهم عن لوازم ناسوتهم واتصافهم بأوصاف اللاهوت قد صارت راجعة الى الله مستندة اليه صادرة منه سبحانه اصالة وهم حينئذ في كنف حفظه وحضانته يرقبهم حيث شاء بمقتضى حكمته المتقنة ومصلحته المستحكمة ولا شك ان أفضل من تخلق بأخلاق الله وخير من دخل تحت حيطة حضانته سبحانه وتمكن في مقعد صدق سواد أعظم اللاهوت هو نبينا صلوات الله عليه وسلامه لذلك خاطبه سبحانه خطاب ملاطفة وتكريم وسلاه عما أورده المشركون في شأنه من انه قد قلاه ربه وودعه وبالغ سبحانه في تسليته ﷺ حيث أقسم بما أقسم بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ
Icon