تفسير سورة الزلزلة

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
وبعد الانتهاء من سورة " البينة " المدنية تستقبلنا سورة " الزلزلة " وهي مكية على الأرجح.

وهذه السورة تصور حالة الإنسان، وما يكون عليه من الذهول والفزع عندما تقوم الساعة، التي هي " يوم الفزع الأكبر "، ويحشر الناس من كل مكان للجزاء والحساب، والثواب والعقاب، وذلك قوله تعالى بعد البسملة :﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها١ ﴾، أي : إذا زلزلت الأرض زلزالها الذي لم يسبق له مثيل، وأضيف " الزلزال " إلى " الأرض " لأنه " زلزال كلي " يعم الكوكب الأرضي بأسره من أدناه إلى أقصاه، لا " زلزال جزئي " يخص جانبا منه دون آخر. ﴿ وأخرجت الأرض أثقالها٢ ﴾، أي : لفظت ما في جوفها من الدفائن والخزائن، والكنوز والمعادن، وألقت ما في بطنها من أفلاذ كبدها، وحشرت مختلف الأحياء الذين يوجدون بها إلى سطحها. ﴿ وقال الإنسان ما لها٣ ﴾، أي : أن الإنسان على العموم يفاجأ بما يواجهه من أحوال وأهوال لم يسبق له أن عاينها من قبل، " وليس الخبر كالعيان "، " فالمؤمن بالبعث " إنما يتساءل متعجبا مما يراه من الهول العظيم، و " الكافر بالبعث " يتساءل مستنكرا قيام الساعة نفسه، لأنه كان يعتقد أنه مجرد أسطورة من أساطير الأولين، الأول يقول :﴿ هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون ﴾ ( يس : ٥٢ )، والثاني يقول :﴿ يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ﴾ ( يس : ٥٢ ).
وقوله تعالى :﴿ يومئذ تحدث أخبارها٤ بأن ربك أوحى لها٥ ﴾، فسره ابن مسعود والثوري وغيرهما بأن يخلق الله في الأرض نفسها حياة وإدراكا، فتشهد بما عمل عليها من صالح أو فاسد، وفسره ابن جرير وغيره بإحداث الله تعالى في الأرض أحوالا تقوم مقام التحديث باللسان، حتى ينظر من يقول : " مالها " ؟ إلى تلك الأحوال، فيعلم أن هذا هو ما كان الأنبياء ينذرون به ويحدثون عنه، ومعنى الآية عند الزمخشري : " تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث "، ومعنى ﴿ أوحى لها ﴾ ألهمها، أو أذن لها.
وقوله تعالى :﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم٦ ﴾، أي : ليحاسبوا، يمكن تفسيره على وجهين كلاهما صحيح :
الوجه الأول : يصدر الناس عن مخارجهم من القبور إلى موقف الحساب، فرادى، كل واحد وحده لا ناصر له ولا معين، مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ﴾ ( الأنعام : ٩٤ ).
والوجه الثاني : يصدر الناس عن موقف الحساب متفرقين حسب أعمالهم، بين سعيد يؤمر به إلى الجنة، وشقي يؤمر به إلى النار.
وقال السدي : " أشتاتا "، أي، فرقا.
﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره٧ ﴾، أي : يره في كتاب حسابه ويسره ما يراه، ﴿ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره٨ ﴾، أي : يره في سجل حسابه ويحزنه ذلك، وفي الأثر : " من زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة ". وروى أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ".
Icon