تفسير سورة الزلزلة

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة إذا زلزلت (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ أي إذا حركت حركة شديدة، وذكرنا (٢) تفسير الزلزال عند قوله: ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ (٣)، وأضيف المصدر هَاهنا إلى المفعول، لموافقة رؤوس الآيات التي جاءت بعدها.
قال المفسرون: وذلك عند قيام السَاعة تحرك الأرض فتضطرب حتى يكسر كل شيء عليها، ويخرج كل شيء أدخل فيها (٤).
(١) فيها قولان: أحدهما: أنها مدنية، والآخر: أنها مكية. "زاد المسير" ٨/ ٢٩١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٦، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٠.
(٢) في (أ): (ذكرنا بغير واو).
(٣) سورة الأحزاب: ١١، ومما جاء في تفسيرها: قوله ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ أي أزعجوا وحركوا، يقال: زل فلان عن مكانه وزلزله غيره، وقال مقاتل: جهدوا جهداً شديداً، وقال عبد الله بن مسلم: أي شدد عليهم وهول. والزلزال: الشدة، والزلزال: الشدائد وأصلها من التحريك.
(٤) قال بذلك مقاتل في تفسيره: ٢٤٦ ب، الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٧، السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٥٠٠، الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٤ أ،=
٢ - وهو (قوله) (١): ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢)﴾ قال ابن عباس (٢)) (٣)، والمفسرون (٤): أخرجت مَا فيها من الموتى.
وقال الفراء (٥)، (والزجاج (٦)) (٧): لفظت (٨) مَا فيها من كنوزها وموتاها).
= الماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ٣١٨. بمعناه. وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٥، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩١ وهذا بمعنى قول مقاتل.
وقال ابن عطية قولاً آخر، فقال: وليست القيامة موطنًا لإخراج الكنوز، وإنما تخرج كنوزها وقت الدجال "المحرر الوجيز" ٥/ ٥١٠، ويعني بقوله إنها من أشراط الساعة، وإنها تكون في الدنيا، وعزاه ابن الجوزي أيضًا إلى الأكثرية، وقال عن خارجه أنها زلزلة يوم القياهة، وعن آخرين. "زاد المسير" ٨/ ٢٩١، ٢٩٢.
(١) ساقط من (أ).
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٦، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٢ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) قال بمعناه مجاهد، وعطية، ومقاتل: "تفسير مقاتل" ٢٤٧/ ب، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٢ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٧٩.
وقال به أيضًا السمرقندي: "بحر العلوم" ٣/ ٥٠٠، والثعلبي: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٤ ب.
وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٥، وعزاه ابن كثير إلى غير واحد من السلف. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٧٦.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٣ بمعناه.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥١ بنحوه.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) في (أ): (ألفظت).
وقال أبو عبيدة (١)، وغيره (٢): الأثقال جمع الثقل، والناس ثقل على الأرض إذا كانوا على ظهرها، فإذا مَاتوا وكانوا في بطنها كانوا ثقلًا لها. فذلك قوله: ﴿أَثْقَالَهَا﴾ وهي الأبدان إذا نشرت، ومنه قول الخنساء (٣) ترثي أخاها:
أبعَدَ ابنِ عَمْرو من آلِ الشّريدِ حَلَّتْ بهِ الأرْضُ أثقالَها (٤)
تقول: لما دفن صار حمله (٥) لأثقال الأرض، يعني (٦) موتاها. وذكرنا عند قوله: ﴿أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾
ثم ذكر أن الكافر ينكر (٧) تلك الحالة فقال:
٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾ وهو الكافر (٨). الذي لم يؤمن بالبعث، يقول: لأي شئ زلزالها.
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٦.
(٢) وهو الأخفش، وقد ورد قوله في: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٥٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٤٧، و"فتح القدير" ٥/ ٤٧٩.
(٣) تقدمت ترجمتها في سورة التوبة.
(٤) ورد البيت في "ديوانها" ص ١٢٠، ط. دار بيروت، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٧.
ومعناه: حلت: زَينت بها الأرض موتاها. وقيل: حلت من حللت الشيء. والمعنى: ألقت مراسيها، كأنه كان ثقلًا عليها. "ديوانها": ١٢٠.
(٥) في (ع): (حيله).
(٦) في) أ): (بعد).
(٧) في (أ): (منكر).
(٨) قال بذلك ابن عباس: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٦، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٠.
قال الماوردي: ومن قال إنهم الكفار خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة؛ لأن المؤمن يعترف بها، فهو لا يسأل عنها، والكافر جاحد لها، فلذلك يسأل عنها.
٤ - قال الله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)﴾ أي تخبر بما عُمل عليها. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الأرض لتخبر يوم القيامة بكل عمل عُمل على ظهرها، وتلا هذه الآية" (١).
= "النكت والعيون" ٦/ ٣١٩.
(١) الحديث أخرجه أحمد في: المسند: ٢/ ٢٧٤ من طريق أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في سننه: ٤/ ٦١٩ - ٦٢٠، ح ٢٤٢٩: كتاب صفة القيامة: باب ٧، والرواية عنده عن أبي هريرة (قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، قال: فهذه أخبارها".
قال أبو عيسى: هذه حديث حسن غريب، كما أخرجه عنه في موضع آخر: المرجع السابق: ٥/ ٤٤٦ - ٤٤٧، ح ٣٣٥٣: كتاب التفسير: باب ٨٨، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في "التفسير" ٢/ ٥٤٤، ح ٧١٣ سورة الزلزلة، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٣٢: كتاب التفسير: تفسير سورة الزلزلة: وقال: هذا حديث صحيح، وقال الذهبي: قلت: يحيى هذا منكر الحديث، قاله البخاري، والحديث ضعفه الألباني: "ضعيف سنن الترمذي" ٢٧٥/ ح: ٤٢٨ - ٢٥٥٩، و ٦٤٦ - ٣٥٩١. وأيضًا ضعفه محقق تفسير النسائي: ٥٤٤ - ٥٤٥ حاشية: ٢ لوجود يحيى بن سليمان قال: قال عنه البخاري: منكر الحديث (ميزان الاعتدال: ٤/ ٣٨٣)، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث؛ ليس بالقوي، يكتب حديثه. (كتاب الجرح والتعديل: ٩/ ١٥٤ - ١٥٥ ت: ٦٤٠)، وذكره ابن حبان في الثقات: كتاب الثقات: ٧/ ٦٠٤). وقال الحافظ في تخريج الكشاف: وسعيد يحيى بن أبي أيوب ثقة، وخالفه رشيدين بن سعد، وهو ضعيف، فقال عن يحيى بن أبي سليمان بن أبي حازم يالسندين المذكورين عن أنس ابن مالك، وأخرجه ابن مردويه (الكافي الشاف: ٤/ ١٨٦ - ١٨٧، خ ٣٥٠).
ثم قال: وله شاهد أخرجه الطبراني في الكبير: ٥/ ٦٥ رقم: ٤٥٩٦ من حديث ابن لهيعه عن الحارث ابن يزيد سمع ربيعة الحرشي يقول وذكر الحديث مرفوعاً. =
٥ - قوله: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾. قال الفراء: يقول تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها (١).
قال ابن عباس: يريد أذن لها لتخبر بما عُمِل عليها (٢).
وقال أبو عبيدة (٣): ﴿أَوْحَى لَهَا﴾ أي أوحى إليها. وأنشد للعجاج:
أَوْحَى لها القَرَارُ فاسْتَقَرَّتِ (٤)
= قال: وربيعة الحرشي هذا مختلف في صحبته كما في "التقريب" ١/ ٢٤٧ ت: ٦٤. وقال الهيثمي في: "مجمع الزوائد" ١/ ٢٤١: باب المحافظة على الوضوء: كتاب الطهارة، وفيها ابن لهيعة وهو ضعيف.
وأخرجه ابن حبان كما في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" ٦٤١، ح ٢٥٨٦: باب ١١ كتاب البعث.
كما ورد مرفوعاً عن طريق أبي هريرة كما في "كنز العمال" ٢/ ١٤، ح ٢٩٤٩، و"النكت والعيون" ٦/ ٣١٩، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٥ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥١٦، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠١، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٧٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٢ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في: "شعب الإيمان" ٥/ ٤٦٤، ح ٧٢٩٨ و"جامع الأصول" ٢/ ٤٣٣، ح ٨٨٢ وقال الأرناؤوط في تخريج "جامع الأصول" نقول: وفي سنده يحيي بن أبي سليمان المدني ليّنه الحافظ في "التقريب" ٢/ ٣٤٨: ت: ٤٨ وباقي رجاله ثقات.
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٣ بنصه.
(٢) "زاد المسير" ٨/ ٢٩٣ وورد بمئله من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠١.
(٣) ورد قول أبي عبيدة في: "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٦ بتصرف.
(٤) قال في أرجوزته:
227
قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ قال المفسرون (١): يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض متفرقين، أهل الإيمان على حدة وأهل كل دين على حدة، كقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ (٢)، و ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٣)﴾ (٤)
قوله: ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ قال ابن عباس: ليروا جزاء أعمالهم (٥) (٦). والمعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقًا ليروا منازلهم في الجنة أو النار (٧).
= وقد وردت في "ديوانه": ٢٦٦: تح د. عزة حسن، و"لسان العرب"، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٢٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٥ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٩٣ برواية: "سدها" بدلاً من: "شدها"، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٦٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥١١، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠١، و"فتح الباري" ٨/ ٧٢٧، و"الدر المصون" ٦/ ٥٥٥.
ومعنى بيت الأرجوزة المذكور: أن أوحى إليها أن استقري فاستقرت. "ديوانه": ص ٢٦٦.
(١) وممن قال بمعنى ذلك: يحيى بن سلام، وابن عباس، والسدي.
"النكت والعيون" ٦/ ٣٢٠، و"البحر المحيط " ٨/ ٥٠١، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٣ وبه قال الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٧، والسمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٥٠٠، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٥ ب، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥١١، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٣.
(٢) سورة الروم: ١٤، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾.
(٣) بياض في: (ع).
(٤) سورة الروم: ٤٣، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾
(٥) (ليروا جزاء أعمالهم)، بياض في: (ع).
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٦، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠١.
(٧) بياض في: (ع).
228
وقال الكلبي (١)، ومقاتل (٢): هذا على التقديم بتقدير: تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم، أي إنما أذن لها في الإخبار عن أعمال بني آدم (٣) ليروا إياها.
قال الفراء: واعترَض بينهما: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ (٤) أَشْتَاتًا﴾ (٥)
قوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾.
قال أبو عبيدة: زنة (٦) ذرة (٧).
وقال الكلبي: وزن نملة أصغر ما يكون من (٨) النمل (٩).
وروى يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق به من التراب مثقال ذرة (١٠)، وقال في معنى الآية: ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو شرًا في الدنيا إلا أراه الله إياه، فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد
(١) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد معنى قوله من غير عزو في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٧، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٥ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٣.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٧ أ.
(٣) بياض في: (ع).
(٤) بياض في: (ع).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٣ قال: يقول: "تحدث أخبارها" بوحي الله تبارك وتعالى وإذنه لها، ثم قال: ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ فهي فيما جاء به التفسير متأخرة، وهذا موضعها اعترض بينهما: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ مقدم معناه التأخير.
(٦) (أبو عبيدة زنة): بياض في: (ع).
(٧) "مجاز القرآن"٢/ ٣٠٦ بنصه.
(٨) (أصغر ما يكون من): بياض في: (ع).
(٩) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٦١، وورد بمثله من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٦/ ٥١٤.
(١٠) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٦١.
229
حسناته، ويعذبه بسيئاته (١).
قال مقاتل: يعني: فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره في القيامة في كتابه، فيفرح (٢) به، وكذلك من الشر في كتابه فيسوؤه ذلك (٣). قال: وكان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير، ويقول: إنما نؤجر على مَا يعطى، ونحن نحبه، وليس اليسير مما نحب، ويتهاون بالذنب اليسير، ويقول: إنما وعد الله النار على الكبائر، فأنزل الله هذه الآية يرغبهم (٤) في القليل من الخير، ويحذرهم اليسير من الشر (٥).
وقال محمد بن كعب: فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره في الدنيا، وهو الكافر يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر يره، وهو المؤمن يرى عقوبة ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها شر (٦).
(١) ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٥ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥١٦، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٦١، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠١، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٥ وعزاه إلى ابن المنذر، والبيهقي في: "البعث".
(٢) في (أ): (مفرح).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٤٧ أ - ب، و"فتح القدير" ٥/ ٤٧٩.
(٤) في (أ): (ترغيبهم).
(٥) ورد معنى قوله في "تفسير مقاتل" ٢٤٧ ب، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٦ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٢١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥١٦، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٣، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٠، و"أسباب النزول" تح أيمن صالح: ص ٣٩٨، كما وردت رواية بمثله عن سعيد بن جبير: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٧٨، ووردت أيضًا من غير عزو في: "لباب التأويل" ٤/ ٤٠١.
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٨٨، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٨، و"بحر العلوم" ٣/ ٥٠١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥١٦، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٦١ مختصرًا، و"لباب التأويل" =
230
(ونحو هذا قال ابن عباس في رواية عطاء (١)) (٢). ويدل على صحة هذا التأويل ما روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر -رضي الله عنه- في هذه الآية: يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذرة الشر، ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة (٣).
وقال أهل المعَاني: يُري جزاؤه، ألا ترى أن ما (٤) عمله قد سلف لا يجوز له أن يراه، وهذا في حذف المضاف، كقوله: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ [الشورى: ٢٢].
فالمعنى على أن "جزاؤه" واقع بهم، لا ما كسبوا من أفعالهم التي قد مضت (٥) (٦).
= ٤/ ٤٠١، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٠.
(١) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٦١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) وردت هذه الرواية في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٦ أ، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٦١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٧٧ بطرق مختلفة، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٩٤ بطرق مختلفة وعزاه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم في تاريخه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان. "فتح القدير" ٥/ ٤٨٠ بالطرق التي وردت في الدر، وأقربها لفظًا رواية أبي قلابة عن أنس.
(٤) في (أ): (مما).
(٥) بياض في: (ع).
(٦) قول أهل المعاني لم أعثر له على مصدره.
231
سورة العاديات
233
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
الحمد لله الذي استقلت بإذنه السماء واطمأنت
بإذنه الأرض وماتعنت وحي لها القرار استقرت
وشدها بالراسيات الثبت رب البلاد والعباد القُنت =