سورة الإسراء
آياتها مائة وإحدى عشرة آية، وهي مكية إلا ثلاث آيات قوله عز وجل ﴿ وإن كادوا ليستفزونك ﴾ نزلت حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف، وحين قالت اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء، وقوله :﴿ وقل رب أدخلني مدخل صدق ﴾.
وقوله :﴿ إن ربك أحاط بالناس ﴾ وزاد مقاتل قوله :﴿ إن الذين أوتوا العلم من قبله ﴾. وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة بني إسرائيل بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود قال : في بني إسرائيل والكهف ومريم، إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال : صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل.
ﰡ
سورة الإسراء
آياتها مائة وإحدى عشرة آية، وهي مكية إلا ثلاث آيات: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ نَزَلَتْ حِينَ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ، وَحِينَ قَالَتِ الْيَهُودُ: لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَوْلُهُ:
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَزَادَ مُقَاتِلٌ قَوْلَهُ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ. وَأَخْرَجَ النَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الضُّرَيْسِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَّلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي
«١». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَبْدُ اللَّهِ الْفَجْرَ فَقَرَأَ السُّورَتَيْنِ الْآخِرَةُ مِنْهُمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)
قَوْلُهُ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا هُوَ مَصْدَرُ سَبَّحَ، يُقَالُ سَبَّحَ يُسَبِّحُ تَسْبِيحًا وَسُبْحَانًا، مِثْلُ كَفَّرَ الْيَمِينَ تَكْفِيرًا وَكُفْرَانًا، وَمَعْنَاهُ: التَّنْزِيهُ وَالْبَرَاءَةُ لِلَّهِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ [من معناه]
«٢» لَا مِنْ لَفْظِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: أُنَزِّهُ اللَّهَ تَنْزِيهًا، فوقع سبحان مَكَانَ تَنْزِيهًا، فَهُوَ عَلَى هَذَا مِثْلُ قَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاءَ
«٣» وَقِيلَ: هُوَ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ كَعُثْمَانَ لِلرَّجُلِ، وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مَتْرُوكٍ إِظْهَارُهُ تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُ اللَّهَ سُبْحَانَ، ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْفِعْلِ وَسَدَّ مَسَدَّهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي قَوْلِهِ: سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا
«٤» طَرَفًا مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِسُبْحَانَ. وَالْإِسْرَاءُ قِيلَ: هو سير الليل، يقال: سرى وأسرى
245
كَسَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّاعِرُ
«١» في قوله:
حيّ النّضيرة ربّة الْخِدْرِ | أَسْرَتْ إِلَيَّ وَلَمْ تَكُنْ تُسْرِي |
وَقِيلَ: هُوَ سَيْرُ أَوَّلِ اللَّيْلِ خَاصَّةً، وَإِذَا كَانَ الْإِسْرَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي اللَّيْلِ فَلَا بُدَّ لِلتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اللَّيْلِ بَعْدَهُ مِنْ فَائِدَةٍ، فَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْلًا تَقْلِيلَ مُدَّةِ الْإِسْرَاءِ، وَأَنَّهُ أَسْرَى بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ مَسَافَةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَوَجْهُ دَلَالَةِ لَيْلًا عَلَى تَقْلِيلِ الْمُدَّةِ مَا فِيهِ مِنَ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْتَ سَرَيْتُ اللَّيْلَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اسْتِيعَابَ السَّيْرِ لَهُ جَمِيعًا. وَقَدِ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَلَى إِفَادَةِ لَيْلًا لِلْبَعْضِيَّةِ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةَ
«مِنَ اللَّيْلِ». وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا سَيَّرَ عَبْدَهُ يَعْنِي مُحَمَّدًا لَيْلًا، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى أَسْرَى مَعْنَى سَيَّرَ فَيَكُونُ لِلتَّقْيِيدِ بِاللَّيْلِ فَائِدَةٌ، وَقَالَ بِعَبْدِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِنَبِيِّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ بِمُحَمَّدٍ تَشْرِيفًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: لَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الِاسْمِ أَشْرَفَ مِنْهُ لَسَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ وَالْحَالَةِ الْعَلِيَّةِ:
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بياعبدها | فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي |
ادِّعَاءً بِأَسْمَاءٍ نَبْزًا فِي قَبَائِلِهَا | كَأَنَّ أَسْمَاءً أَضْحَتْ بَعْضَ أَسْمَائِي |
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْمَسْجِدَ نَفْسَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَقَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَارِ أُمِّ هَانِئٍ، فَحَمَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ على مكة أو الحرم لِإِحَاطَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ لِأَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَسْجِدٌ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْغَايَةَ الَّتِي أَسْرَى بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا فَقَالَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ، ثُمَّ وَصَفَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى بِقَوْلِهِ: الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِبَرَكَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِي بَارَكْنَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَسْرَى الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْعِلَّةَ الَّتِي أَسْرَى بِهِ لِأَجْلِهَا فَقَالَ: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا أَيْ: مَا أَرَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا قَطْعُ هَذِهِ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فِي جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ السَّمِيعُ بِكُلِّ مسموع، ومن جملة ذلك قول رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَصِيرُ بِكُلِّ مُبْصَرٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ ذَاتُ رَسُولِهِ وَأَفْعَالُهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ كَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ رُوحِهِ أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ؟ فَذَهَبَ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ إِلَى الْأَوَّلِ. وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَحَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا: كَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ يَقَظَةً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِلَى السَّمَاءِ بِالرُّوحِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَجَعَلَهُ غَايَةً لِلْإِسْرَاءِ بِذَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَعَ بِذَاتِهِ لَذَكَرَهُ، وَالَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ
246
هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَاءَ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً إِلَى بيت المقدس، ثم إلى السموات، وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَصَرْفِ هَذَا النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ وَمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ إِلَى مَا يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ، وَلَا مُقْتَضًى لِذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِبْعَادِ وَتَحْكِيمُ مَحْضِ الْعُقُولِ الْقَاصِرَةِ عَنْ فَهْمِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّهُ لَا يستحيل عليه سبحانه شيء، ولو كان مُجَرَّدَ رُؤْيَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ بِالرُّوحِ فَقَطْ، وَأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ لَمْ يَقَعِ التَّكْذِيبُ مِنَ الْكَفَرَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِمَّنْ لَمْ يَشْرَحْ بِالْإِيمَانِ صَدْرًا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرَى فِي نَوْمِهِ مَا هُوَ مُسْتَبْعَدٌ، بَلْ مَا هُوَ مُحَالٌ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَأَمَّا التَّمَسُّكُ لِمَنْ قَالَ بِأَنَّ هَذَا الْإِسْرَاءَ إِنَّمَا كَانَ بِالرُّوحِ عَلَى سَبِيلِ الرُّؤْيَا بِقَوْلِهِ: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ
«١» فَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا هُوَ هَذَا الْإِسْرَاءُ، فَالتَّصْرِيحُ الْوَاقِعُ هُنَا بِقَوْلِهِ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وَالتَّصْرِيحُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ بِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ لَا تَقْصُرُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْوَاقِعَةِ فِي الْآيَةِ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ رُؤْيَا، وَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريح الأحاديث الصحيحة بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ركب البراق؟ وكيف يصحّ وصف الروح بالركوب؟ وهكذا كيف يَصِحُّ حَمْلُ هَذَا الْإِسْرَاءِ عَلَى الرُّؤْيَا مَعَ تَصْرِيحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ كَانَ عند ما أُسَرِيَ بِهِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ؟.
وَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي تَارِيخِ الْإِسْرَاءِ، فَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ. وَرُوِيَ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِأَعْوَامٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ خَدِيجَةَ صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَقِيلَ: بِثَلَاثٍ، وَقِيلَ: بِأَرْبَعٍ، وَلَمْ تُفْرَضِ الصَّلَاةُ إِلَّا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: أُسْرِيَ بالنبي ﷺ ليلة سبع وَعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي تَارِيخِهِ: كَانَ الْإِسْرَاءُ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ قَالَ بِمِثْلِ هَذَا. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِسَبْعَةِ أَعْوَامٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ. وَرَوَى يُونُسُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ.
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أَيِ: التَّوْرَاةَ، قِيلَ: وَالْمَعْنَى: كَرَّمْنَا مُحَمَّدًا بِالْمِعْرَاجِ وَأَكْرَمْنَا مُوسَى بِالْكِتَابِ وَجَعَلْناهُ أَيْ: ذَلِكَ الْكِتَابَ، وَقِيلَ: مُوسَى هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ يَهْتَدُونَ بِهِ أَلَّا تَتَّخِذُوا.
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ، أَيْ: لِئَلَّا يَتَّخِذُوا. وَالْمَعْنَى: آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ لِهِدَايَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: كَفِيلًا بِأُمُورِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَافِيًا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَيْ: مُتَوَكِّلُونَ عَلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ وَقِيلَ: شَرِيكًا، وَمَعْنَى الْوَكِيلِ فِي اللُّغَةِ: مَنْ تُوكَلُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ نَصْبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ، ذَكَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ فِي ضِمْنِ إِنْجَاءِ آبَائِهِمْ مِنَ الْغَرَقِ، وَيَجُوزُ أن يكون المفعول الأوّل لقوله أَلَّا تَتَّخِذُوا أَيْ: لَا تَتَّخِذُوا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ مِنْ دُونِي وَكِيلًا، كَقَوْلِهِ: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً
«٢». وَقُرِئَ بالرفع
247
﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الكتاب ﴾ أي : التوراة، قيل : والمعنى كرّمنا محمداً بالمعراج وأكرمنا موسى بالكتاب ﴿ وجعلناه ﴾ أي : ذلك الكتاب ؛ وقيل : موسى ﴿ هُدًى لبَنِي إسرائيل ﴾ يهتدون به ﴿ أَن لا تَتَّخِذُوا ﴾. قرأ أبو عمر بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالفوقية أي : لئلا يتخذوا. والمعنى : آتيناه الكتاب لهداية بني إسرائيل لئلا يتخذوا ﴿ مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾ قال الفراء : أي كفيلاً بأمورهم، وروي عنه أنه قال : كافياً ؛ وقيل : أي متوكلون عليه في أمورهم، وقيل : شريكاً، ومعنى الوكيل في اللغة من توكل إليه الأمور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال : أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وأخرج البيهقي عن عروة مثله. وأخرج البيهقي أيضاً عن السدّي قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مهاجره بستة عشر شهراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ قال : أنبتنا حوله الشجر. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إسرائيل ﴾ قال : جعله الله هدى يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾ قال : شريكاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ قال : هو على النداء. يا ذرية من حملنا مع نوح. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾، ما كان مع نوح إلاّ أربعة أولاد : حام، وسام، ويافث، وكوش، فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق ) واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة.
﴿ ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ نصب على الاختصاص أو النداء، ذكرهم سبحانه إنعامه عليهم في ضمن إنجاء آبائهم من الغرق، ويجوز أن يكون المفعول الأوّل لقوله ﴿ أن لا تتخذوا ﴾ أي : لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلاً، كقوله :﴿ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الملائكة والنبيين أَرْبَابًا ﴾ [ آل عمران : ٨٠ ]. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من فاعل ﴿ تتخذوا ﴾، وقرأ مجاهد بفتح الذال، وقرأ زيد بن ثابت بكسرها، والمراد بالذرية هنا : جميع من في الأرض، لأنهم من ذرية من كان في السفينة ؛ وقيل : موسى وقومه من بني إسرائيل. وهذا هو المناسب لقراءة النصب على النداء والنصب على الاختصاص، والرفع على البدل وعلى الخبر، فإنها كلها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين، وأما على جعل النصب على أن ﴿ ذرية ﴾ هي المفعول الأوّل لقوله ﴿ لا تتخذوا ﴾، فالأولى تفسير الذرية بجميع من في الأرض من بني آدم. ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ أي : نوحاً، وصفه الله بكثرة الشكر وجعله كالعلة لما قبله إيذاناً بكون الشكر من أعظم أسباب الخير، ومن أفضل الطاعات حثاً لذريته على شكر الله سبحانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال : أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وأخرج البيهقي عن عروة مثله. وأخرج البيهقي أيضاً عن السدّي قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مهاجره بستة عشر شهراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ قال : أنبتنا حوله الشجر. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إسرائيل ﴾ قال : جعله الله هدى يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾ قال : شريكاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ قال : هو على النداء. يا ذرية من حملنا مع نوح. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾، ما كان مع نوح إلاّ أربعة أولاد : حام، وسام، ويافث، وكوش، فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق ) واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة.
عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ فَاعِلِ تَتَّخِذُوا. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ بِفَتْحِ الذَّالِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِكَسْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالذَّرِّيَّةِ هُنَا جَمِيعُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ، وَقِيلَ: مُوسَى وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقِرَاءَةِ النَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ وَعَلَى الْخَبَرِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَذْكُورِينَ، وَأَمَّا عَلَى جَعْلِ النَّصْبِ عَلَى أَنَّ ذُرِّيَّةَ هِيَ الْمَفْعُولُ الأوّل لقوله: أَلَّا تَتَّخِذُوا فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الذُّرِّيَّةِ بِجَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً أَيْ: نُوحًا، وَصَفَهُ اللَّهُ بِكَثْرَةِ الشُّكْرِ، وَجَعَلَهُ كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ إِيذَانًا بِكَوْنِ الشُّكْرِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ، وَمِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، حَثًّا لِذُرِّيَّتِهِ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مهاجرته بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ:
الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ قَالَ: أَنْبَتْنَا حَوْلَهُ الشَّجَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ قَالَ: جَعَلَهُ اللَّهُ هُدًى يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا قَالَ: شَرِيكًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ قَالَ:
هُوَ عَلَى النِّدَاءِ: يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ مَا كَانَ مَعَ نُوحٍ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ: حَامٌ، وَسَامٌ، وَيَافِثُ، وَكُوشٌ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ انْتَسَلُوا هَذَا الْخَلْقَ». وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَطَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَابْنِ كَثِيرٍ وَالسُّيُوطِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِسْرَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَثِيرُ فَائِدَةٍ، فَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَهَكَذَا أَطَالُوا بِذِكْرِ فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ مَبْحَثٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَذِكْرُ أَسْبَابِ النُّزُولِ، وَبَيَانُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلَةٌ لَا تَدْعُو إِلَيْهِ حاجة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤ الى ١١]
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
248
قَوْلُهُ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ أَيْ: أَعْلَمْنَا وَأَخْبَرْنَا، أَوْ حَكَمْنَا وَأَتْمَمْنَا وَأَصْلُ الْقَضَاءِ: الْإِحْكَامُ لِلشَّيْءِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ وَقِيلَ: أَوْحَيْنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ لَقَالَ: قَضَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى حَكَمْنَا لَقَالَ: عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى أَتْمَمْنَا: لِقَالٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ: التَّوْرَاةُ، وَيَكُونُ إِنْزَالُهَا عَلَى نَبِيِّهِمْ مُوسَى كَإِنْزَالِهَا عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ قَوْمَهُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
«فِي الْكُتُبِ». وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَفْسَدُوا فَسَدُوا فِي نُفُوسِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ: مُخَالَفَةُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ:
أَرْضُ الشَّامِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ: أَرْضُ مِصْرَ، وَاللَّامُ فِي لَتُفْسِدُنَّ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: أَوْ أَجْرَى الْقَضَاءَ الْمَبْتُوتَ مَجْرَى الْقَسَمِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَقْسَمْنَا لَتُفْسِدُنَّ وَانْتِصَابُ مَرَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَصْدَرٌ عَمِلَ فِيهِ مَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَالْمَرَّةُ الْأُولَى قَتْلُ شِعْيَاءَ، أَوْ حَبْسُ أَرْمِيَاءَ، أَوْ مُخَالَفَةُ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، وَالثَّانِيَةُ قَتْلُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالْعَزْمُ عَلَى قَتْلِ عِيسَى وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً هَذِهِ اللَّامُ كَاللَّامِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ: لَتَسْتَكْبِرُنَّ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَتَسْتَعْلُنَّ عَلَى النَّاسِ بِالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ مُجَاوِزِينَ لِلْحَدِّ فِي ذَلِكَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما أَيْ: أُولَى الْمَرَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أَيْ: قُوَّةٍ فِي الْحُرُوبِ وَبَطْشٍ عِنْدَ اللقاء. قيل: هُوَ بُخْتَنَصَّرُ وَجُنُودُهُ، وَقِيلَ: جَالُوتُ، وَقِيلَ: جُنْدٌ مِنْ فَارِسَ، وَقِيلَ: جُنْدٌ مِنْ بَابِلَ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أَيْ: عَاثُوا وَتَرَدَّدُوا، يُقَالُ:
جَاسُوا وهاسوا وداسوا بمعنى، ذكره ابن عزيز والقتبي. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ طَافُوا خِلَالَ الدِّيَارِ هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَمْ يَقْتُلُوهُ؟ قَالَ: وَالْجَوْسُ: طَلَبُ الشَّيْءِ بِاسْتِقْصَاءٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجَوْسُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ جَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ أَيْ: تَخَلَّلُوهَا كَمَا يَجُوسُ الرَّجُلُ لِلْأَخْبَارِ أَيْ: يَطْلُبُهَا، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ: ابْنُ جَرِيرٍ:
مَعْنَى جَاسُوا طَافُوا بَيْنَ الدِّيَارِ يَطْلُبُونَهُمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ قَتَلُوهُمْ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ، وَأَنْشَدَ لِحَسَّانَ:
وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ | فَجَاسَ بِهِ الْأَعْدَاءَ عَرْضَ الْعَسَاكِرِ |
وَقَالَ قُطْرُبٌ: مَعْنَاهُ نَزَلُوا، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَجُسْنَا دِيَارَهُمْ عُنْوَةً | وَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ مُوَثَّقِينَا |
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ
«فَحَاسُوا» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْحَوْسُ وَالْجَوْسُ وَالْعَوْسُ والهوس: الطوف بالليل. وقيل: الطَّوْفُ بِاللَّيْلِ هُوَ الْجَوَسَانُ مُحَرَّكًا، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَقُرِئَ
«خَلَلَ الدِّيَارِ» وَمَعْنَاهُ مَعْنَى خِلَالَ وَهُوَ وَسَطُ الدِّيَارِ وَكانَ ذَلِكَ وَعْداً مَفْعُولًا أَيْ: كَائِنًا لَا مَحَالَةَ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ أَيِ: الدَّوْلَةَ وَالْغَلَبَةَ وَالرَّجْعَةَ وَذَلِكَ عِنْدَ تَوْبَتِهِمْ. قِيلَ: وَذَلِكَ حِينَ قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ، وَقِيلَ: حِينَ
249
قُتِلَ بُخْتَنَصَّرُ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ بَعْدَ نَهْبِ أَمْوَالِكُمْ وَسَبْيِ أَبْنَائِكُمْ حَتَّى عَادَ أَمْرُكُمْ كَمَا كَانَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: النَّفِيرُ الْعَدَدُ مِنَ الرِّجَالِ فَالْمَعْنَى: أَكْثَرُ رِجَالًا مِنْ عَدُوِّكُمْ.
وَالنَّفِيرُ: مَنْ يَنْفِرُ مَعَ الرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، يُقَالُ: نَفِيرٌ وَنَافِرٌ مِثْلُ قَدِيرٌ وَقَادِرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّفِيرُ جَمْعَ نَفَرٍ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَيْ: أَفْعَالَكُمْ وَأَقْوَالَكُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مِنْكُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لِأَنَّ ثَوَابَ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَيْكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ أَفْعَالَكُمْ وَأَقْوَالَكُمْ فَأَوْقَعْتُمُوهَا لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مِنْكُمْ فَلَها أَيْ:
فَعَلَيْهَا. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
................
فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
«١»
أَيْ: عَلَى الْيَدَيْنِ وَعَلَى الْفَمِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ: فَإِلَيْهَا تَرْجِعُ الْإِسَاءَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها أَيْ: إِلَيْهَا وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَلَهَا الْجَزَاءُ أَوِ الْعِقَابُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ:
فَلَهَا رَبٌّ يَغْفِرُ الْإِسَاءَةَ. وَهَذَا الْخِطَابُ قِيلَ: هُوَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُلَابِثِينَ لِمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَقِيلَ: لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْكَائِنِينَ فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ: إِعْلَامُهُمْ مَا حَلَّ بِسَلَفِهِمْ فَلْيَرْتَقِبُوا مِثْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أَيْ: حَضَرَ وَقْتُ مَا وُعِدُوا مِنْ عُقُوبَةِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ، وَالْمَرَّةُ الْآخِرَةُ هِيَ قَتْلُهُمْ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا كَمَا سَبَقَ، وَقِصَّةُ قَتْلِهِ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْإِنْجِيلِ وَاسْمُهُ فِيهِ يُوحَنَّا، قَتَلَهُ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ بِسَبَبِ امْرَأَةٍ حَمَلَتْهُ عَلَى قَتْلِهِ، وَاسْمُ الْمَلِكِ لَاخْتَ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هِيرُدُوسْ، وَجَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بَعَثْنَاهُمْ لِدَلَالَةِ جَوَابِ إِذَا الْأُولَى عَلَيْهِ، ولِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ، أَيْ: لِيَفْعَلُوا بِكُمْ مَا يَسُوءُ وُجُوهَكُمْ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْكُمْ آثَارُ الْمُسَاءَةِ وَتَتَبَيَّنَ فِي وُجُوهِكُمُ الْكَآبَةُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوُجُوهِ السَّادَةُ مِنْهُمْ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ
«لِنَسُوءَ» بِالنُّونِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ
«لِنَسُوءَنَّ» بِنُونِ التَّأْكِيدِ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَابْنُ عَامِرٍ
«لِيَسُوءَ» بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْإِفْرَادِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ كَسَرْتَهُ وفتنه فَقَدْ تَبَّرْتَهُ، وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ أَوِ الْوَعْدِ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ مَعْطُوفٌ عَلَى لِيَسُوءُوا كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا أَيْ: يُدَمِّرُوا وَيُهْلِكُوا، وَقَالَ قُطْرُبٌ: يَهْدِمُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَمَا النَّاسُ إِلَّا عَامِلَانِ فَعَامِلٌ | يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعُ |
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِثْبَاتِ وَاوٍ بَعْدَهَا عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ عِبَادٌ لَنَا مَا عَلَوْا أَيْ: مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ مِنْ بِلَادِكُمْ أَوْ مُدَّةَ عُلُوِّهِمْ تَتْبِيراً أَيْ: تَدْمِيرًا، ذُكِرَ الْمَصْدَرُ إِزَالَةً لِلشَّكِّ وَتَحْقِيقًا لِلْخَبَرِ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ انْتِقَامِهِ مِنْكُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ عُدْتُمْ لِلثَّالِثَةِ عُدْنا إِلَى عُقُوبَتِكُمْ. قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: ثُمَّ إنهم عادوا إلا مَا لَا يَنْبَغِي، وَهُوَ تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلّم وكتمان ما ورد في
250
بَعْثِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَعَادَ اللَّهُ إِلَى عُقُوبَتِهِمْ عَلَى أَيْدِي الْعَرَبِ، فَجَرَى عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ وَخَيْبَرَ مَا جَرَى مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْإِجْلَاءِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً وَهُوَ الْمَحْبِسُ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ مَحْبُوسُونَ فِي جَهَنَّمَ لَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْهَا أَبَدًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَصَرَهُ يَحْصُرُهُ حَصْرًا ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَحَاطَ بِهِ، وَقِيلَ: فِرَاشًا وَمِهَادًا، وَأَرَادَ عَلَى هَذَا بِالْحَصِيرِ الْحَصِيرَ الَّذِي يَفْرِشُهُ النَّاسُ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ يَعْنِي الْقُرْآنُ يَهْدِي النَّاسَ الطَّرِيقَةَ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الطُّرُقِ وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، فَالَّتِي هِيَ أَقْوَمُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَهِيَ الطَّرِيقُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِلْحَالِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الْحَالَاتِ، وَهِيَ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ، وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
«يَبَشُّرُ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ مِنَ التَّبْشِيرِ أَيْ: يُبَشِّرُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعْدِ بِالْخَيْرِ آجِلًا وَعَاجِلًا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَى عَمَلِهَا الْقُرْآنُ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً أَيْ: بِأَنَّ لَهُمْ وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَأَحْكَامِهَا الْمُبَيَّنَةِ فِي الْقُرْآنِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ يُبَشِّرُ بِتَقْدِيرِ يُخْبِرُ، أَيْ: وَيُخْبِرُ بِأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَقِيلَ: مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وَيُرَادُ بِالتَّبْشِيرِ مُطْلَقُ الْإِخْبَارِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مُشْتَمِلًا عَلَى تَبْشِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِبِشَارَتَيْنِ: الْأُولَى: مَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، وَالثَّانِيَةُ: مَا لِأَعْدَائِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْجِنْسُ لِوُقُوعِ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الضَّجَرِ بِمَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ أَيْ: مِثْلَ دُعَائِهِ لِرَبِّهِ بِالْخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِهِ كَطَلَبِ الْعَافِيَةِ وَالرِّزْقِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّرِّ هَلَكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَجِبْ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ
«١» وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْقَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ هُوَ الْكَافِرُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِالشَّرِّ، وَهُوَ استعجال العذاب دعاءه بِالْخَيْرِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ
«٢». وَقِيلَ: هو أَنْ يَدْعُوَ فِي طَلَبِ الْمَحْظُورِ كَدُعَائِهِ فِي طَلَبِ الْمُبَاحِ، وَحُذِفَتِ الْوَاوُ مِنْ وَيَدَعُ الْإِنْسَانُ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ لِعَدَمِ التَّلَفُّظِ بِهَا لِوُقُوعِ اللَّامِ السَّاكِنَةِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ
«٣»، وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ
«٤»، وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ
«٥» وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا أَيْ: مَطْبُوعًا عَلَى الْعَجَلَةِ، وَمِنْ عَجَلَتِهِ أَنَّهُ يَسْأَلُ الشَّرَّ كَمَا يَسْأَلُ الْخَيْرَ وَقِيلَ: إِشَارَتُهُ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ نَهَضَ قَبْلَ أَنْ تَكْمُلَ فِيهِ الرُّوحُ، وَالْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ هُوَ الْأَوَّلُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ قَالَ: أَعْلَمْنَاهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرْنَاهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أيضا قضينا
251
﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ أولاهما ﴾ أي : أولى المرتين المذكورتين ﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ أي : قوّة في الحروب وبطش عند اللقاء. قيل : هو بختنصر وجنوده ؛ وقيل : جالوت ؛ وقيل : جند من فارس ؛ وقيل : جند من بابل ﴿ فَجَاسُوا خلال الديار ﴾ أي : عاثوا وتردّدوا، يقال : جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى، ذكره ابن غرير والقتيبي. قال الزجاج : معناه طافوا خلال الديار، هل بقي أحد لم يقتلوه ؟ قال : والجوس طلب الشيء باستقصاء. قال الجوهري : الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار، أي : تخللوها، كما يجوس الرجل للأخبار، أي : يطلبها، وكذا قال أبو عبيدة. وقال ابن جرير : معنى جاسوا طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين. وقال الفراء : معناه قتلوهم بين بيوتهم وأنشد لحسان :
وَمِنَّا الذي لاقى بسَيْفٍ مُحَمَدٍ *** فَجاسَ بِهِ الأعْدَاءَ عُرْض العَسِاكِرِ
وقال قطرب : معناه نزلوا. وأنشد قول الشاعر :
فجسنا ديارهم عنوة *** وأُبنَا بساداتهم موثقينا
وقرأ ابن عباس ( فحاسوا ) بالحاء المهملة. قال أبو زيد : الحوس، والجوس، والعوس، والهوس : الطوف بالليل، وقيل : الطوف بالليل هو الجوسان محركاً، كذا قال أبو عبيدة. وقرئ ( خلل الديار ). ومعناه معنى خلال وهو : وسط الديار ﴿ وَكَانَ ﴾ ذلك ﴿ وَعْدًا مفْعُولاً ﴾ أي : كائناً لا محالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾ أي : الدولة والغلبة والرجعة، وذلك عند توبتهم. قيل : وذلك حين قتل داود جالوت، وقيل : حين قتل بختنصر ﴿ وأمددناكم بأموال وَبَنِينَ ﴾ بعد نهب أموالكم وسبي أبنائكم، حتى عاد أمركم كما كان. ﴿ وجعلناكم أَكْثَرَكم نَفِيرًا ﴾ قال أبو عبيدة : النفير : العدد من الرجال ؛ فالمعنى ؛ أكثر رجالاً من عدوكم، والنفير : من ينفر مع الرجل من عشيرته، يقال : نفير ونافر مثل : قدير و[ قادر ]، ويجوز أن يكون النفير جمع : نفر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ ﴾ أي : أفعالكم وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم، ﴿ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ ﴾ لأن ثواب ذلك عائد إليكم ﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ ﴾ أفعالكم وأقوالكم فأوقعتموها لا على الوجه المطلوب منكم، ﴿ فَلَهَا ﴾ أي : فعليها. ومثله قول الشاعر :
فخر صريعاً لليدين وللفم ***. . .
أي : على اليدين وعلى الفم. قال ابن جرير : اللام بمعنى إلى، أي : فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا ﴾ [ الزلزلة : ٥ ] أي : إليها ؛ وقيل : المعنى : فلها الجزاء أو العقاب. وقال الحسين بن الفضل : فلها ربّ يغفر الإساءة، وهذا الخطاب : قيل هو لبني إسرائيل الملابثين لما ذكر في هذه الآيات، وقيل : لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناه : إعلامهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك، وقيل : هو خطاب لمشركي قريش. ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخرة ﴾ أي : حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة، والمرة الآخرة : هي قتلهم يحيى بن زكريا كما سبق، وقصة قتله مستوفاة في الإنجيل، واسمه فيه يوحنا، قتله ملك من ملوكهم بسبب امرأة حملته على قتله، واسم الملك لاخت قاله ابن قتيبة. وقال ابن جرير : هيردوس، وجواب ﴿ إذا ﴾ محذوف، تقديره : بعثناهم، لدلالة جواب «إذا » الأولى عليه، ﴿ يسؤووا وُجُوهَكُمْ ﴾ متعلق بهذا الجواب المحذوف أي : ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة، وتتبين في وجوهكم الكآبة، وقيل : المراد بالوجوه السادة منهم. وقرأ الكسائي ( لنسوء ) بالنون، على أن الضمير لله سبحانه. وقرأ أبيّ :( لنسوءن ) بنون التأكيد. وقرأ أبو بكر، والأعمش، وابن وثاب، وحمزة، وابن عامر «ليسوء » بالتحتية والإفراد. قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرئه، والضمير : لله أو الوعد ﴿ وَلِيَدْخُلُوا المسجد ﴾ معطوف على ﴿ ليسوءوا ﴾. ﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُوا ﴾ أي : يدمروا ويهلكوا، وقال قطرب : يهدموا، ومنه قول الشاعر :
فما الناسُ إلاّ عامِلان فَعَاملٌ *** يُتَبِّر ما يَبْنِي، وآخر رافع
وقرأ الباقون بالتحتية، وضم الهمزة، وإثبات واو بعدها على أن الفاعل عباد لنا ﴿ مَا عَلَوْاْ ﴾ أي : ما غلبوا عليه من بلادكم، أو مدة علوهم ﴿ تَتْبِيرًا ﴾ أي : تدميراً، ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقاً للخبر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم في المرة الثانية ﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ ﴾ للثالثة ﴿ عُدْنَا ﴾ إلى عقوبتكم. قال أهل السير : ثم إنهم عادوا إلى ما لا ينبغي وهو تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة والإنجيل، فعاد الله إلى عقوبتهم على أيدي العرب، فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء وضرب الجزية على من بقي منهم، وضرب الذلة والمسكنة. ﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ وهو المحبس، فهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. والمعنى : أنهم محبوسون في جهنم لا يتخلصون عنها أبداً. قال الجوهري : حصره يحصره حصراً : ضيق عليه وأحاط به ؛ وقيل : فراشاً ومهاداً، - وأراد على هذا - بالحصير : الحصير الذي يفرشه الناس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ يعني : القرآن يهدي الناس الطريقة التي هي أقوم من غيرها من الطرق وهي ملة الإسلام، فالتي هي أقوم صفة لموصوف محذوف وهي الطريق. وقال الزجاج : للحال التي هي أقوم الحالات، وهي توحيد الله والإيمان برسله، وكذا قال الفراء. ﴿ وَيُبَشّرُ المؤمنين ﴾ قرأ حمزة والكسائي ( يبشر ) [ بفتح ] الياء وضم الشين. وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الشين من التبشير أي : يبشر بما اشتمل عليه من الوعد بالخير آجلاً وعاجلاً للمؤمنين ﴿ الذين يَعْمَلُونَ الصالحات ﴾ التي أرشد إلى عملها القرآن ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ أي : بأنّ لهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
﴿ وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة ﴾ وأحكامها المبينة في القرآن ﴿ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ وهو عذاب النار، وهذه الجملة معطوفة على جملة يبشر بتقدير : يخبر، أي : ويخبر بأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ؛ وقيل : معطوفة على قوله :﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾، ويراد بالتبشير : مطلق الإخبار، أو يكون المراد منه معناه الحقيقي، ويكون الكلام مشتملاً على تبشير المؤمنين ببشارتين : الأولى : مالهم من الثواب، والثانية : ما لأعدائهم من العقاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر ﴾ المراد بالإنسان هنا : الجنس، لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده، وهو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له ﴿ دُعَاءهُ بالخير ﴾ أي : مثل دعائه لربه بالخير لنفسه ولأهله كطلب العافية والرزق ونحوهما، فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشرّ هلك، لكنه لم يستجب تفضلاً منه ورحمة، ومثل ذلك ﴿ وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير ﴾ [ يونس : ١١ ]. وقد تقدّم ؛ وقيل : المراد بالإنسان هنا القائل هذه المقالة : هو الكافر يدعو لنفسه بالشرّ، وهو استعجال العذاب دعاءه بالخير كقول القائل :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ]. وقيل : هو أن يدعو في طلب المحظور كدعائه في طلب المباح، وحذفت الواو من ﴿ ويدع الإنسان ﴾ في رسم المصحف لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها كقوله :﴿ سَنَدْعُ الزبانية ﴾ [ العلق : ١٨ ] و﴿ وَيَمْحُ الله الباطل ﴾ [ الشورى : ٢٤ ] و﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين ﴾ [ النساء : ١٤٦ ] ونحو ذلك. ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ أي : مطبوعاً على العجلة، ومن عجلته : أنه يسأل الشر كما يسأل الخير ؛ وقيل : إشارته إلى آدم عليه السلام حين نهض قبل أن تكمل فيه الروح، والمناسب للسياق هو الأوّل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ قَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل ﴾ : قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عليّ في قوله :﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ ﴾ قال : الأولى : قتل زكريا، والآخرة : قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية، قال : كان أوّل الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله :﴿ ثم رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ فَجَاسُوا ﴾ قال : فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ تَتْبِيرًا ﴾ تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ قال : كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ قال : فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرّتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال : سجنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، قال : معنى حصيراً : جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ حَصِيرًا ﴾ قال : فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ﴾ قال : للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً ( إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير ﴾ يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله ﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ قال : ضجراً، لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ أعجل قبل الليل، فذلك قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾.
إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ: قَضَيْنَا عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: الْأُولَى قَتْلُ زَكَرِيَّا، وَالْآخِرَةُ قَتْلُ يَحْيَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْآيَةِ قَالَ:
كَانَ أَوَّلُ الْفَسَادِ قَتْلَ زَكَرِيَّا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكَ النَّبَطِ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَجَهَّزُوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْأُولَى جَالُوتَ، وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُخْرَى بُخْتَنَصَّرَ، فَعَادُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فَجاسُوا قَالَ: فَمَشَوْا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
تَتْبِيراً تَدْمِيرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ قَالَ: كَانَتِ الرَّحْمَةُ الَّتِي وَعَدَهُمْ بَعْثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا قَالَ: فَعَادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهَا قَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي تَعْيِينِ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّتَيْنِ، وَفِي تَعْيِينِ مَنْ سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي كَيْفِيَّةِ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كَثِيرُ فَائِدَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً قَالَ: سِجْنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ. قَالَ:
مَعْنَى حَصِيراً جَعَلَ اللَّهُ مَأْوَاهُمْ فِيهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: حَصِيراً قَالَ: فِرَاشًا وَمِهَادًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ قَالَ: لِلَّتِي هِيَ أَصْوَبُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَتْلُو كَثِيرًا إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ بِالتَّخْفِيفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ يَعْنِي قَوْلَ الْإِنْسَانِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ وَاغَضَبْ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا قَالَ: ضَجِرًا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى سَرَّاءَ وَلَا ضَرَّاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ آدَمَ رَأْسُهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ وَهُوَ يُخْلَقُ وَبَقِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ: يَا رَبِّ أَعْجِلْ قَبْلَ اللَّيْلِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٢ الى ١٧]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)
252
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ وَالتَّوْحِيدِ أَكَّدَهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ عَجَائِبِ صُنْعِهِ وَبَدَائِعِ خَلْقِهِ، فَقَالَ:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْإِظْلَامِ وَالْإِنَارَةِ مَعَ تَعَاقُبِهِمَا وَسَائِرِ مَا اشْتَمَلَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي تَحَارُ فِي وَصْفِهَا الْأَفْهَامُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِمَا آيَتَيْنِ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَدَّمَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ أَيْ: طَمَسْنَا نُورَهَا، وَقَدْ كَانَ الْقَمَرُ كَالشَّمْسِ فِي الْإِنَارَةِ وَالضَّوْءِ. قِيلَ: وَمِنْ آثَارِ الْمَحْوِ السَّوَادُ الَّذِي يُرَى فِي الْقَمَرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِمَحْوِهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَهَا مَمْحُوَّةَ الضَّوْءِ مَطْمُوسَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَحَاهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أَيْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ شَمْسَهُ مُضِيئَةً تُبْصَرُ فِيهَا الْأَشْيَاءُ. قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَالْكِسَائِيُّ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَبْصَرَ النَّهَارُ إِذَا صَارَ بِحَالَةٍ يُبْصَرُ بِهَا وَقِيلَ: مُبْصَرَةٌ لِلنَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ أَبْصَرَهُ فَبَصَرَ. فَالْأَوَّلُ وَصْفٌ لَهَا بِحَالِ أَهْلِهَا، وَالثَّانِي وَصْفٌ لَهَا بِحَالِ نَفْسِهَا، وَإِضَافَةُ آيَةً إِلَى اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ: فَمَحَوْنَا الْآيَةَ الَّتِي هِيَ اللَّيْلُ وَالْآيَةَ الَّتِي هِيَ النَّهَارُ كَقَوْلِهِمْ نَفْسُ الشَّيْءِ وَذَاتُهُ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: لِتَتَوَصَّلُوا بِبَيَاضِ النَّهَارِ إِلَى التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ الْمَعَاشِ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أَيْ: جَعَلْنَاهَا لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: رِزْقًا، إِذْ غَالِبُ تَحْصِيلِ الْأَرْزَاقِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ يَكُونُ بِالنَّهَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا السُّكُونَ فِي اللَّيْلِ اكْتِفَاءً بِمَا قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً
«١»، ثُمَّ ذَكَرَ مَصْلَحَةً أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْجَعْلِ فَقَالَ: وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا، أَعْنِي مَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لَا بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ كَالْأَوَّلِ، إِذْ لَا يَكُونُ عِلْمُ عَدَدِ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ، إِلَّا بِاخْتِلَافِ الْجَدِيدَيْنِ
«٢» وَمَعْرِفَةِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَدَدِ وَالْحِسَابِ أَنَّ الْعَدَدَ إِحْصَاءُ مَا لَهُ كَمِّيَّةٌ بِتَكْرِيرِ أَمْثَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يتحصّل منه شيء، والحساب إحصاء ماله كَمِّيَّةٌ بِتَكْرِيرِ أَمْثَالِهِ مِنْ حَيْثُ يَتَحَصَّلُ بِطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ مِنْهُ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ فَالسَّنَةُ مَثَلًا إِنْ وَقَعَ النَّظَرُ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ عَدَدِ أَيَّامِهَا فَذَلِكَ هُوَ الْعَدَدُ وَإِنْ وَقَعَ النَّظَرُ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِهَا وَتَحَصُّلِهَا مِنْ عِدَّةِ أَشْهُرٍ، قَدْ يَحْصُلُ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ عِدَّةِ أَيَّامٍ، قَدْ يَحْصُلُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عِدَّةِ سَاعَاتٍ، قَدْ تَحَصَّلَتْ كُلَّ سَاعَةٍ مِنْ عِدَّةِ دَقَائِقَ، فَذَلِكَ هُوَ الْحِسَابُ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا أَيْ: كُلَّ مَا تَفْتَقِرُونَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ بَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا وَاضِحًا لَا يَلْتَبِسُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَنْزَاحُ الْعِلَلُ وَتَزُولُ الْأَعْذَارُ: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ
«٣»، وَلِهَذَا قَالَ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الطَّائِرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحَظُّ، وَيُقَالُ لَهُ الْبَخْتُ، فَالطَّائِرُ مَا وَقَعَ لِلشَّخْصِ فِي الْأَزَلِ بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْعَمَلِ وَالْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، كَأَنَّ طَائِرًا يَطِيرُ إِلَيْهِ مِنْ وَكْرِ الْأَزَلِ وَظُلُمَاتِ عَالَمِ الْغَيْبِ طَيَرَانًا لَا نِهَايَةَ لَهُ ولا غاية إلى أن انتهى إِلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ مِنْ غَيْرِ خَلَاصٍ وَلَا مَنَاصٍ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ عَلِمَ الْمُطِيعَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَالْعَاصِيَ، فَكَتَبَ مَا عَلِمَهُ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَقَضَى سَعَادَةَ مَنْ عَلِمَهُ مُطِيعًا وَشَقَاوَةَ مَنْ عَلِمَهُ عَاصِيًا، فَطَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ عِنْدَ خَلْقِهِ وَإِنْشَائِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ أَيْ: مَا طَارَ لَهُ في علم الله، وفي عنقه
253
عِبَارَةٌ عَنِ اللُّزُومِ كَلُزُومِ الْقِلَادَةِ الْعُنُقَ مِنْ بَيْنِ مَا يُلْبَسُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: ذِكْرُ الْعُنُقِ عِبَارَةٌ عَنِ اللُّزُومِ كَلُزُومِ الْقِلَادَةِ الْعُنُقَ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ
«وَيَخْرُجُ» بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالرَّاءِ المضمومة على معنى: ويخرج له الطائر، وكتابا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: يخرج له الطَّائِرُ فَيَصِيرُ كِتَابًا. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ
«يُخْرِجُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: أَيْ يُخْرِجُ الله. وقرأ شيبة ومحمد بن السّميقع. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
«يُخْرَجُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: وَيُخْرَجُ لَهُ الطَّائِرُ كِتَابًا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
«وَنُخْرِجُ» بِالنُّونِ عَلَى أَنَّ الْمُخْرِجَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَكِتَابًا مَفْعُولٌ بِهِ، وَاحْتَجَّ أَبُو عَمْرٍو لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلْزَمْناهُ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ عَامِرٍ يُلَقَّاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، وَإِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ يَلْقاهُ مَنْشُوراً تَعْجِيلًا لِلْبُشْرَى بِالْحَسَنَةِ وَلِلتَّوْبِيخِ عَلَى السَّيِّئَةِ اقْرَأْ كِتابَكَ أَيْ: نَقُولُ لَهُ: اقْرَأْ كِتَابَكَ، أَوْ قَائِلِينَ لَهُ، قِيلَ: يَقْرَأُ ذَلِكَ الْكِتَابَ مَنْ كَانَ قَارِئًا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا. كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الْبَاءُ في بِنَفْسِكَ زائدة وحَسِيباً تَمْيِيزٌ أَيْ:
حَاسِبًا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: ضَرِيبُ الْقِدَاحِ بِمَعْنَى ضَارِبِهَا، وَصَرِيمٌ بِمَعْنَى صَارِمٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَسِيبُ بِمَعْنَى الْكَافِي، ثُمَّ وُضِعَ مَوْضِعَ الشَّهِيدِ فَعُدِّيَ بِعَلَى، وَالنَّفْسُ بِمَعْنَى الشَّخْصِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَسِيبُ بِمَعْنَى الْمُحَاسِبِ كَالشَّرِيكِ وَالْجَلِيسِ. مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَعِقَابَ ضِدِّهِ يَخْتَصَّانِ بفاعلهما لا يتعدان مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَمَنِ اهْتَدَى بِفِعْلِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّمَا تَعُودُ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أَيْ: فَإِنَّ وَبَالَ ضَلَالِهِ وَاقِعٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا يُجَاوِزُهَا، فَكُلُّ أَحَدٍ مُحَاسَبٌ عَنْ نَفْسِهِ، مَجْزِيٌّ بِطَاعَتِهِ، مُعَاقَبٌ بِمَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا الْكَلَامَ بِأَبْلَغِ تَأْكِيدٍ فَقَالَ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَالْوِزْرُ: الْإِثْمُ، يُقَالُ: وَزَرَ يَزِرُ وِزْرًا وَوَزْرَةً. أَيْ: إِثْمًا، وَالْجَمْعُ أَوْزَارُ، وَالْوِزْرُ: الثِّقَلُ. وَمِنْهُ: يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ
«١» أَيْ: أَثْقَالَ ذُنُوبِهِمْ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ حَامِلَةٌ لِلْوِزْرِ وِزْرَ نَفْسٍ أُخْرَى حَتَّى تَخَلُصَ الْأُخْرَى عَنْ وِزْرِهَا وَتُؤْخَذَ بِهِ الْأُولَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي الْأَنْعَامِ. قَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ الْآثِمَ وَالْمُذْنِبَ لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ اخْتِصَاصَ الْمُهْتَدِي بِهِدَايَتِهِ وَالضَّالِّ بِضَلَالِهِ، وَعَدَمَ مُؤَاخَذَةِ الْإِنْسَانِ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ، ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ عِبَادَهُ إِلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ رُسُلِهِ، وَإِنْزَالِ كُتُبِهِ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُمْ سُدًى، وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُهُمْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ هُنَا هُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا لَا عَذَابُ الْآخِرَةِ وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى أَمَرْنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ النَّهْيِ، وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ الطَّاعَةُ وَالْخَيْرُ. وقال في الكشاف: معناه أمرناهم
254
بِالْفِسْقِ فَفَسَقُوا، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا وَتَبِعَهُ الْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَمَنْ تَابَعَهُ مُعَارَضٌ بِمِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ أَمَرْتُهُ فَعَصَانِي، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ يَفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُنَافِيَةٌ لِلْأَمْرِ مُنَاقِضَةٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ أَمَرْتُهُ فَفَسَقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْفِسْقِ، لِأَنَّ الْفِسْقَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَكَوْنُهُ فِسْقًا يُنَافِي كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ وَيُنَاقِضُهُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى أَمَرْنا مُتْرَفِيها
أَكْثَرْنَا فُسَّاقَهَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَمَرَ الْقَوْمَ إِذَا كَثُرُوا، وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ إِذَا أَكْثَرَهُمْ. وَقَدْ قَرَأَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ أَمَرْنا
بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ: جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ مُسَلَّطِينَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَيْوَةَ الشَّامِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَارِجَةُ عَنْ نَافِعٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ
«آمَرْنَا» بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ، أَيْ: أَكْثَرْنَا جَبَابِرَتَهَا وَأُمَرَاءَهَا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: آمِرْتُهُ بِالْمَدِّ وَأَمِرْتُهُ لُغَتَانِ بِمَعْنَى كَثْرَتِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
«خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ» أَيْ: كَثِيرَةُ النِّتَاجِ وَالنَّسْلِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَزِيزٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ
«أَمِرْنَا» بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى فَعَلْنَا، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: الْمَعْنَى أَكْثَرْنَا. وَحَكَى نَحْوَهُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَنْكَرَهُ الْكِسَائِيُّ وَقَالَ: لَا يُقَالُ مِنَ الْكَثْرَةِ إِلَّا آمَرْنَا بِالْمَدِّ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَمِرَ مَالُهُ- بِالْكَسْرِ- أَيْ: كَثُرَ، وَأَمِرَ الْقَوْمُ: أَيْ كَثِرُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
إِنْ يَغْبِطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أَمِرُوا | يوما يصيروا للهلك والنّكد «١» |
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَمَرْنا
مِنَ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى مُتْرَفِيها
الْمُنَعَّمُونَ الَّذِينَ قَدْ أَبْطَرَتْهُمُ النِّعْمَةُ وَسَعَةُ الْعَيْشِ، وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ الْمُتْرَفِينَ: إِنَّهُمُ الْجَبَّارُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ والملوك الجائرون، قالوا: وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ أَتْبَاعٌ لهم، ومعنى فَفَسَقُوا فِيها
خَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَتَمَرَّدُوا فِي كُفْرِهِمْ لِأَنَّ الْفُسُوقَ الْخُرُوجُ إِلَى مَا هُوَ أَفْحَشُ فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أَيْ: ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بَعْدَ ظُهُورِ فِسْقِهِمْ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
أَيْ: تَدْمِيرًا عَظِيمًا لَا يُوقَفُ عَلَى كُنْهِهِ لِشِدَّتِهِ وَعِظَمِ مَوْقِعِهِ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ أَمْرِنَا بِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنِ الْأَمْرِ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَى الْفِسْقِ، وَهُوَ إِدْرَارُ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ أَيْضًا:
إِنَّ الْمُرَادَ بِأَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَنَّهُ قُرْبُ إِهْلَاكِ قَرْيَةٍ، وَهُوَ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِدُونِ مُلْجِئٍ إِلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ عَادَتُهُ الْجَارِيَةُ مَعَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، فَقَالَ: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ أَيْ: كَثِيرًا مَا أَهْلَكْنَا مِنْهُمْ، فَ
«كَمْ» مَفْعُولُ
«أَهْلَكْنَا»، وَ
«مِنَ الْقُرُونِ» بَيَانٌ لِ
«كَمْ» وَتَمْيِيزٌ لَهُ، أَيْ: كَمْ مِنْ قَوْمٍ كَفَرُوا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كَعَادٍ وَثَمُودَ، فَحَلَّ بِهِمُ الْبَوَارُ، وَنَزَلَ بِهِمْ سَوْطُ الْعَذَابِ، وَفِيهِ تَخْوِيفٌ لِكُفَّارِ مَكَّةَ. ثُمَّ خَاطَبَ رَسُولَهُ بِمَا هُوَ رَدْعٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً فَقَالَ: وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْبَاءِ فِي الْمَرْفُوعِ إِذَا كَانَ يُمْدَحُ بِهِ صَاحِبُهُ أَوْ يُذَمُّ بِهِ، كَقَوْلِكَ: كَفَاكَ، وَأَكْرِمْ بِهِ رَجُلًا، وَطَابَ بِطَعَامِكَ طَعَامًا، وَلَا يُقَالُ قَامَ بِأَخِيكَ وَأَنْتَ تُرِيدُ قَامَ أَخُوكَ. وَفِي الْآيَةِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ، وَتَخْوِيفٌ شَدِيدٌ لِأَهْلِ
255
الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الْعِلْمَ التَّامَّ وَالْخِبْرَةَ الْكَامِلَةَ وَالْبَصِيرَةَ النَّافِذَةَ تَقْتَضِي إِيصَالَ الْجَزَاءِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَزِيدُ التَّفَضُّلِ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ خَبِيرًا بَصِيرًا أَنَّهُ مُحِيطٌ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا خَافِيَةٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
«أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ فَقَالَ: كَانَا شَمْسَيْنِ، قَالَ اللَّهُ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ فَالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى هَذَا بِأَطْوَلَ مِنْهُ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قَالَ: هُوَ السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً قَالَ: مُنِيرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ قَالَ: جَعَلَ لَكُمْ سَبْحًا طَوِيلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَصَّلْناهُ قَالَ: بَيَّنَّاهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عن ابن عباس فِي قَوْلِهِ: أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قَالَ: سَعَادَتُهُ وَشَقَاوَتُهُ، وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ وَعَلَيْهِ، لازمه أينما كَانَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: طائِرَهُ قَالَ: كِتَابَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَمَلُهُ: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً قَالَ: هُوَ عَمَلُهُ الَّذِي أُحْصِيَ عَلَيْهِ، فَأُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ فَقَرَأَهُ مَنْشُورًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: اقْرَأْ كِتابَكَ قَالَ: سَيَقْرَأُ يَوْمَئِذٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي
«التَّمْهِيدِ» عَنِ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى قَالَ:
سَأَلَتْ خَدِيجَةُ
«١» عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فقال:
«هم مع آبَائِهِمْ»، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:
«اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ، فَنَزَلَتْ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فَقَالَ:
«هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَوْ قَالَ، فِي الْجَنَّةِ». قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا:
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ فِي الْبَيَاتِ مِنْ ذَرَارِي الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ» «٢» وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَبَحْثٌ طَوِيلٌ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةَ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سريع
256
﴿ وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾ قال أبو عبيدة : الطائر عند العرب الحظ. ويقال له البخت : فالطائر ما وقع للشخص في الأزل بما هو نصيبه من العقل والعمل والعمر والرزق والسعادة والشقاوة ؛ كأن طائراً يطير إليه من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب طيراناً لا نهاية له ولا غاية إلى أن انتهى إلى ذلك الشخص في وقته المقدّر من غير خلاص ولا مناص. وقال الأزهري : الأصل في هذا أن الله سبحانه لما خلق آدم علم المطيع من ذريته والعاصي، فكتب ما علمه منهم أجمعين، وقضى سعادة من علمه مطيعاً وشقاوة من علمه عاصياً، فطار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه ؛ وذلك قوله :﴿ وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾ أي : ما طار له في علم الله، وفي عنقه عبارة عن اللزوم، كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس. قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق. ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً ﴾. قرأ ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن محيصن، وأبو جعفر، ويعقوب ( ويخرج ) بالمثناة التحتية المفتوحة وبالراء المضمومة على معنى ويخرج له الطائر. ﴿ وكتاباً ﴾ منصوب على الحال، ويجوز أن يكون المعنى : يخرج لها الطائر فيصير كتاباً. وقرأ يحيى بن وثاب ( يُخِرج ) بضم الياء وكسر الراء : أي : يخرج الله. وقرأ شيبة ومحمد بن السميفع، وروي أيضاً عن أبي جعفر ( يُخرج ) بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول أي : ويخرج له الطائر كتاباً. وقرأ الباقون ﴿ ونخرج ﴾ بالنون على أن المخرج هو الله سبحانه. و﴿ كتاباً ﴾ مفعول به، واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله تعالى :﴿ ألزمناه ﴾. وقرأ أبو جعفر، والحسن، وابن عامر ( يلقاه ) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف، وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف. وإنما قال سبحانه :﴿ يلقاه مَنْشُوراً ﴾ تعجيلاً للبشرى بالحسنة وللتوبيخ على السيئة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر عن سعيد المقبري :( أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر ؛ فقال :( كانا شمسين، قال الله ﴿ وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ فالسواد الذي رأيت هو المحو ) وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا بأطول منه. قال السيوطي : وإسناده واهٍ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ في قوله :﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ قال : هو السواد الذي في القمر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ قال : منيرة. ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ ﴾ قال : جعل لكم سبحاً طويلاً. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ قال : بيناه. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسندٍ حسن عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( طائر كل إنسان في عنقه ) وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ألزمناه طَآئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ﴾ قال : سعادته وشقاوته وما قدّر الله له وعليه فهو لازمه أين كان. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ طَائِرَهُ ﴾ قال : كتابه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله. ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً ﴾ قال : هو عمله الذي أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشوراً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إقرأ كتابك ﴾ قال : سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئاً في الدنيا. وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن عائشة في قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال : سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال :( هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ فقال : هم على الفطرة أو قال : في الجنة. قال السيوطي : وسنده ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال : هم منهم ). وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين، ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليها. وأخرج إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن حبان، وأبو نعيم في المعرفة، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصمّ لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ ثم قال : فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولاً أن أدخلوا النار، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها )، وإسناده عند أحمد، هكذا حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن أبي قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع. وأخرج نحوه إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة، وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. وأخرج قاسم بن أصبع، والبزار، وأبو يعلى، وابن عبد البرّ في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وجعل مكان الأحمق المعتوه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلاً وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً ) فذكر معناه مطولاً. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ قال : بطاعة الله فعصوا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول في الآية :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ بحق فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية قال : سلطنا شرارنا فعصوا، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب، وهو كقوله :﴿ وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٣ ]. وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود، قال : كنا نقول للحى إذا كثروا في الجاهلية : قد أمر بنو فلان.
﴿ اقرأ كتابك ﴾ أي نقول له : إقرأ كتابك، أو قائلين له، قيل : يقرأ ذلك الكتاب من كان قارئاً، ومن لم يكن قارئاً ﴿ كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ الباء في :﴿ بنفسك ﴾ زائدة. و﴿ حسيباً ﴾ تمييز، أي : حاسباً. قال سيبويه : ضريب القداح بمعنى : ضاربها، وصريم بمعنى صارم، ويجوز أن يكون الحسيب بمعنى الكافي، ثم وضع موضع الشهيد فعدّي ب﴿ على ﴾، والنفس بمعنى الشخص، ويجوز أن يكون الحسيب بمعنى : المحاسب كالشريك والجليس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر عن سعيد المقبري :( أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر ؛ فقال :( كانا شمسين، قال الله ﴿ وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ فالسواد الذي رأيت هو المحو ) وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا بأطول منه. قال السيوطي : وإسناده واهٍ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ في قوله :﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ قال : هو السواد الذي في القمر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ قال : منيرة. ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ ﴾ قال : جعل لكم سبحاً طويلاً. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ قال : بيناه. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسندٍ حسن عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( طائر كل إنسان في عنقه ) وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ألزمناه طَآئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ﴾ قال : سعادته وشقاوته وما قدّر الله له وعليه فهو لازمه أين كان. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ طَائِرَهُ ﴾ قال : كتابه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله. ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً ﴾ قال : هو عمله الذي أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشوراً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إقرأ كتابك ﴾ قال : سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئاً في الدنيا. وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن عائشة في قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال : سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال :( هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ فقال : هم على الفطرة أو قال : في الجنة. قال السيوطي : وسنده ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال : هم منهم ). وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين، ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليها. وأخرج إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن حبان، وأبو نعيم في المعرفة، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصمّ لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ ثم قال : فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولاً أن أدخلوا النار، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها )، وإسناده عند أحمد، هكذا حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن أبي قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع. وأخرج نحوه إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة، وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. وأخرج قاسم بن أصبع، والبزار، وأبو يعلى، وابن عبد البرّ في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وجعل مكان الأحمق المعتوه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلاً وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً ) فذكر معناه مطولاً. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ قال : بطاعة الله فعصوا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول في الآية :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ بحق فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية قال : سلطنا شرارنا فعصوا، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب، وهو كقوله :﴿ وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٣ ]. وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود، قال : كنا نقول للحى إذا كثروا في الجاهلية : قد أمر بنو فلان.
﴿ مَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ ﴾ بين سبحانه أن ثواب العمل الصالح وعقاب ضدّه يختصان بفاعلهما لا يتعدان منه إلى غيره، فمن اهتدى بفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه، فإنما تعود منفعة ذلك إلى نفسه، ﴿ وَمَن ضَلَّ ﴾ عن طريق الحق فلم يفعل ما أمر به، ولم يترك ما نهي عنه ﴿ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ أي : فإن وبال ضلاله واقع على نفسه لا يجاوزها، فكل أحد محاسب عن نفسه، مجزيّ بطاعته معاقب بمعصيته، ثم أكد هذا الكلام بأبلغ تأكيد فقال :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ والوزر الإثم، يقال : وزر : يزر وزراً ووزرة، أي : إثما، والجمع أوزار، والوزر : الثقل. ومنه ﴿ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ ﴾ [ الأنعام : ٣١ ] أي : أثقال ذنوبهم. ومعنى الآية : لا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلص الأخرى عن وزرها وتؤخذ به الأولى، وقد تقدّم مثل هذا في الأنعام. قال الزجاج في تفسير هذه الآية : إن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره. ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ لما ذكر سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته، والضالّ بضلاله، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره، ذكر أنه لا يعذب عباده إلاّ بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله، وإنزال كتبه، فبين سبحانه أنه لم يتركهم سدًى، ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم، والظاهر أنه لا يعذبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلاّ بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل، وبه قالت طائفة من أهل العلم. وذهب الجمهور إلى أن المنفي هنا هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر عن سعيد المقبري :( أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر ؛ فقال :( كانا شمسين، قال الله ﴿ وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ فالسواد الذي رأيت هو المحو ) وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا بأطول منه. قال السيوطي : وإسناده واهٍ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ في قوله :﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ قال : هو السواد الذي في القمر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ قال : منيرة. ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ ﴾ قال : جعل لكم سبحاً طويلاً. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ قال : بيناه. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسندٍ حسن عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( طائر كل إنسان في عنقه ) وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ألزمناه طَآئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ﴾ قال : سعادته وشقاوته وما قدّر الله له وعليه فهو لازمه أين كان. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ طَائِرَهُ ﴾ قال : كتابه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله. ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً ﴾ قال : هو عمله الذي أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشوراً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إقرأ كتابك ﴾ قال : سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئاً في الدنيا. وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن عائشة في قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال : سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال :( هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ فقال : هم على الفطرة أو قال : في الجنة. قال السيوطي : وسنده ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال : هم منهم ). وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين، ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليها. وأخرج إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن حبان، وأبو نعيم في المعرفة، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصمّ لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ ثم قال : فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولاً أن أدخلوا النار، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها )، وإسناده عند أحمد، هكذا حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن أبي قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع. وأخرج نحوه إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة، وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. وأخرج قاسم بن أصبع، والبزار، وأبو يعلى، وابن عبد البرّ في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وجعل مكان الأحمق المعتوه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلاً وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً ) فذكر معناه مطولاً. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ قال : بطاعة الله فعصوا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول في الآية :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ بحق فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية قال : سلطنا شرارنا فعصوا، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب، وهو كقوله :﴿ وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٣ ]. وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود، قال : كنا نقول للحى إذا كثروا في الجاهلية : قد أمر بنو فلان.
﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا ﴾ اختلف المفسرون في معنى
﴿ أمرنا ﴾ على قولين : الأوّل أن المراد به الأمر الذي هو نقيض النهي، وعلى هذا اختلفوا في المأمور به، فالأكثر على أنه : الطاعة والخير. وقال في الكشاف : معناه أمرناهم بالفسق ففسقوا، وأطال الكلام في تقرير هذا وتبعه المقتدون به في التفسير، وما ذكره هو ومن تابعه معارض بمثل قول القائل : أمرته فعصاني، فإن كل من يعرف اللغة العربية يفهم من هذا أن المأمور به شيء غير المعصية، لأن المعصية منافية للأمر، مناقضة له، فكذلك : أمرته ففسق يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق ؛ لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به، فكونه فسقاً ينافي كونه مأموراً به ويناقضه. القول الثاني أن معنى
﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ أكثرنا فساقها. قال الواحدي : تقول العرب أمر القوم، إذا كثروا وأمرهم الله : إذا أكثرهم. وقد قرأ أبو عثمان النهدي، وأبو رجاء، وأبو العالية، والربيع، ومجاهد، والحسن ( أمَّرنا ) بتشديد الميم، أي : جعلناهم أمراء مسلطين. وقرأ الحسن أيضاً، وقتادة، وأبو حيوة الشامي، ويعقوب، وخارجة عن نافع، وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعليّ وابن عباس :( آمرنا ) بالمدّ والتخفيف، أي : أكثرنا جبابرتها وأمراءها، قاله الكسائي. وقال أبو عبيدة :
«آمرته » بالمدّ و
«أمرته » لغتان بمعنى كثرته، ومنه الحديث :
«خير المال مهرة مأمورة » أي : كثيرة النتاج والنسل، وكذا قال ابن عزيز. وقرأ الحسن أيضاً. ويحيى بن يعمر ( أمرنا ) بالقصر وكسر الميم على معنى فعلنا، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس. قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا. وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد وأنكره الكسائي وقال : لا يقال من الكثرة إلاّ آمرنا بالمدّ. قال في الصحاح : وقال أبو الحسن أمر ماله بالكسر، أي : كثر، وأمر القوم، أي : كثروا، ومنه قول لبيد :
إن يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإنْ أمِرُوا | يوماً يكن للهَلاكِ والفَنَدِ |
وقرأ الجمهور
﴿ أمرنا ﴾ من الأمر، ومعناه ما قدّمنا في القول الأوّل، ومعنى
﴿ مُتْرَفِيهَا ﴾ : المنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون في تفسير المترفين : إنهم الجبارون المتسلطون، والملوك الجائرون، قالوا : وإنما خصوا بالذكر لأن من عداهم أتباع لهم، ومعنى
﴿ فسقوا فيها ﴾ : خرجوا عن الطاعة و[ تمردوا ] في كفرهم، لأن الفسوق الخروج إلى ما هو أفحش
﴿ فَحَقَّ عَلَيْهَا القول ﴾ أي ثبت وتحقق عليهم العذاب بعد ظهور فسقهم.
﴿ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ أي : تدميراً عظيماً لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه، وقد قيل في تأويل
﴿ أمرنا ﴾ بأنه مجاز عن الأمر الحامل لهم على الفسق، وهو إدرار النعم عليهم، وقيل أيضاً : إن المراد ب
﴿ أردنا أن نهلك قرية ﴾ أنه قرب إهلاك قرية، وهو عدول عن الظاهر بدون ملجئ إليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر عن سعيد المقبري :( أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر ؛ فقال :( كانا شمسين، قال الله ﴿ وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ فالسواد الذي رأيت هو المحو ) وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا بأطول منه. قال السيوطي : وإسناده واهٍ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ في قوله :﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ قال : هو السواد الذي في القمر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ قال : منيرة. ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ ﴾ قال : جعل لكم سبحاً طويلاً. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ قال : بيناه. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسندٍ حسن عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( طائر كل إنسان في عنقه ) وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ألزمناه طَآئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ﴾ قال : سعادته وشقاوته وما قدّر الله له وعليه فهو لازمه أين كان. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ طَائِرَهُ ﴾ قال : كتابه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله. ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً ﴾ قال : هو عمله الذي أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشوراً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إقرأ كتابك ﴾ قال : سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئاً في الدنيا. وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن عائشة في قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال : سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال :( هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ فقال : هم على الفطرة أو قال : في الجنة. قال السيوطي : وسنده ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال : هم منهم ). وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين، ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليها. وأخرج إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن حبان، وأبو نعيم في المعرفة، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصمّ لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ ثم قال : فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولاً أن أدخلوا النار، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها )، وإسناده عند أحمد، هكذا حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن أبي قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع. وأخرج نحوه إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة، وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. وأخرج قاسم بن أصبع، والبزار، وأبو يعلى، وابن عبد البرّ في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وجعل مكان الأحمق المعتوه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلاً وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً ) فذكر معناه مطولاً. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ قال : بطاعة الله فعصوا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول في الآية :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ بحق فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية قال : سلطنا شرارنا فعصوا، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب، وهو كقوله :﴿ وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٣ ]. وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود، قال : كنا نقول للحى إذا كثروا في الجاهلية : قد أمر بنو فلان.
ثم ذكر سبحانه أن هذه عادته الجارية مع القرون الخالية فقال :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون ﴾ أي : كثيراً ما أهلكنا منهم، ف﴿ كم ﴾ مفعول ﴿ أهلكنا ﴾، و﴿ من القرون ﴾ بيان ل﴿ كم ﴾ وتمييز له ؛ أي : كم من قوم كفروا من بعد نوح كعاد وثمود، فحلّ بهم البوار ونزل بهم سوط العذاب ؟ وفيه تخويف لكفار مكة. ثم خاطب رسوله بما هو ردع للناس كافة فقال :﴿ وكفى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا ﴾ قال الفراء : إنما يجوز إدخال الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم به، كقولك : كفاك، وأكرم به رجلاً، وطاب بطعامك طعاماً، ولا يقال : قام بأخيك، وأنت تريد : قام أخوك. وفي الآية بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف شديد لأهل المعصية، لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة تقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب استحقاقه، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك، والمراد بكونه سبحانه ﴿ خبيراً بصيراً ﴾ أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهراً وباطناً لا تخفى عليه منها خافية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر عن سعيد المقبري :( أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر ؛ فقال :( كانا شمسين، قال الله ﴿ وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ فالسواد الذي رأيت هو المحو ) وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا بأطول منه. قال السيوطي : وإسناده واهٍ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ في قوله :﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل ﴾ قال : هو السواد الذي في القمر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ قال : منيرة. ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ ﴾ قال : جعل لكم سبحاً طويلاً. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ قال : بيناه. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسندٍ حسن عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( طائر كل إنسان في عنقه ) وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ألزمناه طَآئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ﴾ قال : سعادته وشقاوته وما قدّر الله له وعليه فهو لازمه أين كان. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ طَائِرَهُ ﴾ قال : كتابه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله. ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً ﴾ قال : هو عمله الذي أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشوراً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إقرأ كتابك ﴾ قال : سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئاً في الدنيا. وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن عائشة في قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال : سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال :( هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ فقال : هم على الفطرة أو قال : في الجنة. قال السيوطي : وسنده ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال : هم منهم ). وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين، ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليها. وأخرج إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن حبان، وأبو نعيم في المعرفة، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصمّ لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ ثم قال : فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولاً أن أدخلوا النار، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها )، وإسناده عند أحمد، هكذا حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن أبي قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع. وأخرج نحوه إسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة، وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. وأخرج قاسم بن أصبع، والبزار، وأبو يعلى، وابن عبد البرّ في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وجعل مكان الأحمق المعتوه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلاً وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً ) فذكر معناه مطولاً. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ قال : بطاعة الله فعصوا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول في الآية :﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ بحق فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية قال : سلطنا شرارنا فعصوا، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب، وهو كقوله :﴿ وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٣ ]. وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود، قال : كنا نقول للحى إذا كثروا في الجاهلية : قد أمر بنو فلان.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ... ثُمَّ قَالَ: فَيَأْخُذُ اللَّهُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَنِ ادْخُلُوا النار، قال: فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا» وإسناده عند أحمد هكذا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فذكره نَحْوَهُ، وَجَعَلَ مَكَانَ الْأَحْمَقِ الْمَعْتُوهَ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْمَمْسُوحِ عَقْلًا، وَبِالْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ، وَبِالْهَالِكِ صَغِيرًا» فَذَكَرَ مَعْنَاهُ مُطَوَّلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
قَالَ: بِطَاعَةِ اللَّهِ فَعَصَوْا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْآيَةِ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
بِحَقٍّ فَخَالَفُوهُ، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ التَّدْمِيرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْهُ فِي الآية قال: سلطنا شرارها فَعَصَوْا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها
«١». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: قَدْ أَمِرَ بَنُو فلان.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٨ الى ٢٤]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)
قَوْلُهُ: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ هَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا سَلَفَ مِنْ جُمْلَةِ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَنِ اهْتَدى وَالْمُرَادُ بِالْعَاجِلَةِ: الْمَنْفَعَةُ الْعَاجِلَةُ أَوِ الدَّارُ الْعَاجِلَةُ. وَالْمَعْنَى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ أَوْ بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ ذَلِكَ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْكَفَرَةُ والفسقة والمراؤون وَالْمُنَافِقُونَ عَجَّلْنا لَهُ أَيْ: عَجَّلْنَا لِذَلِكَ الْمُرِيدِ فِيها أَيْ: فِي تِلْكَ الْعَاجِلَةِ، ثُمَّ قَيَّدَ الْمُعَجَّلَ بِقَيْدَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: مَا نَشاءُ أَيْ: مَا يَشَاءُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعْجِيلَهُ لَهُ مِنْهَا، لَا مَا يَشَاؤُهُ ذَلِكَ الْمُرِيدُ، وَلِهَذَا تَرَى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة يريدون
257
من الدُّنْيَا مَا لَا يَنَالُونَ، وَيَتَمَنَّوْنَ مَا لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ وَالْقَيْدُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: لِمَنْ نُرِيدُ أَيْ: لِمَنْ نُرِيدُ التَّعْجِيلَ لَهُ مِنْهُمْ مَا اقْتَضَتْهُ مَشِيئَتُنَا، وَجُمْلَةُ لِمَنْ نُرِيدُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي لَهُ بِإِعَادَةِ الْجَارِ بَدَلَ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى
«مَنْ» وَهُوَ لِلْعُمُومِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تُقَيِّدُ الْآيَاتِ الْمُطْلَقَةَ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها
«١». مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لَا يُبْخَسُونَ
«٢». وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ قُرِئَ
«مَا يَشَاءُ» بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَلَا نَدْرِي مَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ مِنْ أهل الشواذّ، وعلى هذه القراءة قيل: الضَّمِيرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: مَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِالنُّونِ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ عَجَّلْنَا وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ لِمَنْ نُرِيدُ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ: لِمَنْ نُرِيدُ أَيْ: عَجَّلْنَا لَهُ مَا يَشَاؤُهُ، لَكِنْ بِحَسَبِ إِرَادَتِنَا فَلَا يَحْصُلُ لِمَنْ أَرَادَ الْعَاجِلَةَ مَا يَشَاؤُهُ إِلَّا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَمِنْ وَرَاءِ هَذِهِ الطِّلْبَةِ الْفَارِغَةِ الَّتِي لَا تَأْثِيرَ لَهَا إِلَّا بِالْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَذَابُ الْآخِرَةِ الدَّائِمُ، وَلِهَذَا قَالَ: ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ أَيْ: جَعَلْنَا لَهُ بِسَبَبِ تَرْكِهِ لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ وَإِخْلَاصِهِ عَنِ الشَّوَائِبِ عَذَابَ جَهَنَّمَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ يَصْلاها فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: يَدْخُلُهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً أَيْ: مَطْرُودًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ مُبْعَدًا عَنْهَا، فَهَذِهِ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنَالُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ، فَأَيْنَ حَالُ هَذَا الشَّقِيِّ مِنْ حَالِ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ؟ فَإِنَّهُ يَنَالُ مِنَ الدُّنْيَا مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ وَأَرَادَهُ بِلَا هَلَعٍ مِنْهُ وَلَا جَزَعٍ، مَعَ سُكُونِ نَفْسِهِ وَاطْمِئْنَانِ قَلْبِهِ وَثِقَتِهِ بِرَبِّهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَامِلٌ لِلْآخِرَةِ مُنْتَظِرٌ لِلْجَزَاءِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ أَيْ: أَرَادَ بِأَعْمَالِهِ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها أي: السعي الحقيق بِهَا اللَّائِقَ بِطَالِبِهَا، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَتَرْكُ مَا نُهِيَ عَنْهُ خَالِصًا لِلَّهِ غَيْرَ مَشُوبٍ، وَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْقَانُونِ الشَّرْعِيِّ مِنْ دُونِ ابْتِدَاعٍ وَلَا هَوًى وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ إِيمَانًا صَحِيحًا، لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
«٣» وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
فَأُولئِكَ إِلَى الْمُرِيدِينَ لِلْآخِرَةِ السَّاعِينَ لَهَا سَعْيَهَا وَخَبَرُهُ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً عِنْدَ الله، أي: مقبولا غير مردود وقيل: مضاعفا إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، فَقَدِ اعْتَبَرَ سُبْحَانَهُ فِي كَوْنِ السَّعْيُ مَشْكُورًا أُمُورًا ثَلَاثَةً:
الْأَوَّلُ: إِرَادَةُ الْآخِرَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَسْعَى لَهَا السَّعْيَ الَّذِي يَحِقُّ لَهَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ كَمَالَ رَأْفَتِهِ وَشُمُولَ رَحْمَتِهِ، فَقَالَ: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ التَّنْوِينُ فِي كُلًّا عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ نُمِدُّ، أَيْ: نَزِيدُهُ مِنْ عَطَائِنَا عَلَى تَلَاحُقٍ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، نَرْزُقُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارَ وَأَهْلَ الطَّاعَةِ وَأَهْلَ الْمَعْصِيَةِ، لَا تُؤَثِّرُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِي فِي قَطْعِ رِزْقِهِ، وَمَا بِهِ الْإِمْدَادُ:
هُوَ مَا عَجَّلَهُ لِمَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، وَمَا أَنْعَمَ بِهِ فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَى عَلَى مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذلك بمحض التفضل، وهو متعلق بنمدّ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً أَيْ:
مَمْنُوعًا، يُقَالُ: حَظَرَهُ يَحْظُرُهُ حَظْرًا مَنَعَهُ، وَكُلُّ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ شَيْءٍ فَقَدْ حَظَرَهُ عَلَيْكَ، وهؤُلاءِ
258
بَدَلٌ مِنْ كُلًّا وهؤُلاءِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَدَلِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُعْطِيَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَأَنَّهُ يَرْزُقُهُمَا جَمِيعًا الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ: هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الْخِطَابُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا مَرَّ مِنَ الْإِمْدَادِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ وَالْمَعْنَى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا فِي الْعَطَايَا الْعَاجِلَةِ بَعْضَ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ، فَمِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَقَوِيٍّ وَضَعِيفٍ، وَصَحِيحٍ وَمَرِيضٍ وَعَاقِلٍ وَأَحْمَقَ وَذَلِكَ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ تَقْصُرُ الْعُقُولُ عَنْ إِدْرَاكِهَا وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا وَذَلِكَ لِأَنَّ نِسْبَةَ التفاضل في درجات الْآخِرَةُ أَكْبَرَ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرَ تَفْضِيلًا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرين يَدْخُلُونَ النَّارَ فَتَظْهَرُ فَضِيلَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْآخِرَةِ وَدَرَجَاتِهَا فَوْقَ التَّفَاضُلِ فِي الدُّنْيَا وَمَرَاتِبِ أَهْلِهَا فِيهَا مِنْ بَسْطٍ وَقَبْضٍ وَنَحْوِهِمَا. ثُمَّ لَمَّا أَجْمَلَ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبِرِّ فِي قَوْلِهِ: وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَخَذَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ مُبْتَدِئًا بِأَشْرَفِهَا الَّذِي هُوَ التَّوْحِيدُ فَقَالَ: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ تَهْيِيجًا وَإِلْهَابًا، أَوْ لِكُلِّ مُتَأَهِّلٍ لَهُ صَالِحٍ لِتَوْجِيهِهِ إِلَيْهِ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، وَالتَّقْدِيرُ:
قُلْ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ لَا تَجْعَلْ، وَانْتِصَابُ تَقْعُدَ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَكُنُ مِنْكَ جَعْلٌ فَقُعُودٌ وَمَعْنَى تَقْعُدُ تَصِيرُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: شَحَذَ الشَّفْرَةَ حَتَّى قَعَدَتْ كَأَنَّهَا خَرِبَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْقُعُودِ الْمُقَابِلِ لِلْقِيَامِ وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الْخَيْرَاتِ، فَإِنَّ السَّعْيَ فِيهِ إِنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْقِيَامِ، وَالْعَجْزُ عَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ قَاعِدًا عَنِ الطَّلَبِ وَقِيلَ: إِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمَذْمُومِ الْمَخْذُولِ أَنْ يَقْعُدَ نَادِمًا مُفَكِّرًا عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ، فَالْقُعُودُ عَلَى هَذَا حَقِيقَةٌ، وَانْتِصَابُ مَذْمُوماً مَخْذُولًا عَلَى خَبَرِيَّةِ تَقْعُدَ أَوْ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فَتَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الذَّمِّ لَكَ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَمِنْ صَالِحِي عِبَادِهِ، وَالْخِذْلَانِ لَكَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، أَوْ حَالَ كَوْنِكَ جَامِعًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ مَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ التَّوْحِيدُ أَتْبَعَهُ سَائِرَ الشَّعَائِرِ وَالشَّرَائِعِ فَقَالَ: وَقَضى رَبُّكَ أَيْ: أَمَرَ أمرا جزما، وحكما قطعا، وحتما مبرما أَلَّا تَعْبُدُوا أَيْ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا، فَتَكُونُ أَنْ نَاصِبَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَلَا نَهْيَ. وَقُرِئَ وَوَصَّى رَبُّكَ أَيْ: وَصَّى عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أَيْ: وَقَضَى بِأَنْ تُحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، أَوْ وَأَحْسِنُوا بِهِمَا إِحْسَانًا، وَلَا يَجُوزُ أن يتعلّق بالوالدين بإحسانا، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.
قِيلَ: وَوَجْهُ ذِكْرِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمَا السَّبَبُ الظَّاهِرُ فِي وُجُودِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا، وَفِي جَعْلِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَبَوَيْنِ قَرِينًا لِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ مِنَ الْإِعْلَانِ بِتَأَكُّدِ حَقِّهِمَا وَالْعِنَايَةِ بِشَأْنِهِمَا مَا لَا يَخْفَى، وَهَكَذَا جَعَلَ سُبْحَانَهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى شُكْرَهُمَا مُقْتَرِنًا بِشُكْرِهِ فَقَالَ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ
«١»، ثُمَّ خَصَّ سُبْحَانَهُ حَالَةَ الْكِبَرِ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا إِلَى الْبِرِّ مِنَ الْوَلَدِ أَحْوَجَ مِنْ غَيْرِهَا فَقَالَ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما إِمَّا مُرَكَّبَةٌ مِنْ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ وَمَا الْإِبْهَامِيَّةِ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الشَّرْطِ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ نُونُ التَّوْكِيدِ فِي الْفِعْلِ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِمَّا سَيَقَعُ الْبَتَّةَ عَادَةً
«٢». قَالَ النَّحْوِيُّونَ: إِنَّ الشَّرْطَ يُشْبِهُ النهي من
259
حَيْثُ الْجَزْمِ وَعَدَمِ الثُّبُوتِ، فَلِهَذَا صَحَّ دُخُولُ النُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
«يَبْلُغَانِ» قَالَ الْفَرَّاءُ:
ثَنّىَ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ قَدْ ذُكِرَا قَبْلَهُ فَصَارَ الْفِعْلُ عَلَى عَدَدِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ يَبْلُغَنَّ فَأَحَدُهُمَا فَاعِلٌ بِالِاسْتِقْلَالِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كِلاهُما فَاعِلٌ أَيْضًا لَكِنْ لَا بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ بِتَبَعِيَّةِ الْعَطْفِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَلَى قِرَاءَةِ
«يَبْلُغَانِ» بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ فِي الْفِعْلِ وَيَكُونُ كِلَاهُمَا عَطْفًا عَلَى الْبَدَلِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ كِلَاهُمَا تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ لِاسْتِلْزَامِ الْعَطْفِ الْمُشَارَكَةَ، وَمَعْنَى عِنْدَكَ فِي كَنَفِكَ وكفالتك، وتوحيد الضمير في عندك وَلَا تَقُلْ وَمَا بَعْدَهُمَا لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ مَنْهِيٌّ بِمَا فِيهِ النَّهْيُ، وَمَأْمُورٌ بِمَا فِيهِ الْأَمْرُ، وَمَعْنَى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ لَا تَقُلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالَتَيِ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ فَقَطْ وَفِي أُفٍّ لُغَاتٌ: ضَمُّ الْهَمْزَةِ مَعَ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْفَاءِ، وَبِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ، وَبِكَسْرِ الهمز والفاء بلا تنوين، وأفّي مُمَالًا
«١»، وَأُفَّهْ بِالْهَاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ يَتَأَفَّفُ مِنْ رِيحٍ وَجَدَهَا، أَيْ: يَقُولُ أُفٌّ أُفٌّ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْأُفُّ: وَسَخُ الْأُذُنِ، والتّف: وَسَخُ الْأَظْفَارِ، يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِقْذَارِ الشَّيْءِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتَعْمَلُوهُ فِي كُلِّ مَا يَتَأَذَّوْنَ بِهِ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أن الأف الضجر، وقال القتبي: أَصْلُهُ أَنَّهُ إِذَا سَقَطَ عَلَيْهِ تُرَابٌ وَنَحْوُهُ نَفَخَ فِيهِ لِيُزِيلَهُ، فَالصَّوْتُ الْحَاصِلُ عِنْدَ تِلْكَ النَّفْخَةِ هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: أُفٌّ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا فَذَكَرُوهُ عِنْدَ كُلِّ مَكْرُوهٍ يَصِلُ إِلَيْهِمْ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ النَّتَنُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ العلاء: الأف وسخ بين الأظفار والتّف قُلَامَتُهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ يُنْبِئُ عَنِ التَّضَجُّرِ وَالِاسْتِثْقَالِ، أَوْ صَوْتٌ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ، فَنُهِيَ الْوَلَدُ عَنْ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوِ الِاسْتِثْقَالِ لَهُمَا، وَبِهَذَا النَّهْيِ يُفْهَمُ النَّهْيُ عَنْ سَائِرِ مَا يُؤْذِيهِمَا بِفَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِلَحْنِهِ كَمَا هُوَ مُتَقَرِّرٌ فِي الْأُصُولِ وَلا تَنْهَرْهُما النَّهْرُ: الزَّجْرُ وَالْغِلْظَةُ، يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لَا تُكَلِّمْهُمَا ضَجِرًا صَائِحًا فِي وُجُوهِهِمَا وَقُلْ لَهُما بَدَلَ التَّأْفِيفِ وَالنَّهْرِ قَوْلًا كَرِيماً أَيْ: لَيِّنًا لَطِيفًا أَحْسَنَ مَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ مِنْ لُطْفِ الْقَوْلِ وَكَرَامَتِهِ مَعَ التَّأَدُّبِ وَالْحَيَاءِ وَالِاحْتِشَامِ وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي مَعْنَى خَفْضِ الْجَنَاحِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ:
أَنَّ الطَّائِرَ إِذَا أَرَادَ ضَمَّ فِرَاخَهُ إِلَيْهِ لِلتَّرْبِيَةِ خَفَضَ لَهَا جَنَاحَهُ، فَلِهَذَا صَارَ خَفْضُ الْجَنَاحِ كِنَايَةً عَنْ حُسْنِ التَّدْبِيرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلْوَلَدِ: اكْفُلْ وَالِدَيْكَ بِأَنْ تَضُمَّهُمَا إِلَى نَفْسِكَ كَمَا فَعَلَا ذَلِكَ بِكَ فِي حَالِ صِغَرِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الطَّائِرَ إِذَا أَرَادَ الطَّيَرَانَ وَالِارْتِفَاعَ نَشَرَ جَنَاحَهُ، وَإِذَا أَرَادَ النُّزُولَ خَفَضَ جَنَاحَهُ، فَصَارَ خَفْضُ الْجَنَاحِ كِنَايَةً عَنِ التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ الِارْتِفَاعِ. وَفِي إِضَافَةِ الْجَنَاحِ إِلَى الذُّلِّ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا كَإِضَافَةِ حَاتِمٍ إِلَى الْجُودِ فِي قَوْلِكَ حَاتِمُ الْجُودِ، فَالْأَصْلُ فِيهِ الْجَنَاحُ الذَّلِيلُ، وَالثَّانِي: سُلُوكُ سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ، كَأَنَّهُ تَخَيَّلَ لِلذُّلِّ جَنَاحًا، ثُمَّ أَثْبَتَ لِذَلِكَ الْجَنَاحِ خَفْضًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الذُّلِّ بِضَمِّ الذَّالِ مِنْ ذَلَّ يَذِلُّ ذُلًّا وَذِلَّةً وَمَذَلَّةً فَهُوَ ذَلِيلٌ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِكَسْرِ الذَّالِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَاصِمٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ دابة ذلول بيّنة الذُّلِّ أَيْ: مُنْقَادَةٌ سَهْلَةٌ لَا صُعُوبَةَ فِيهَا، ومن الرَّحْمَةِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ فرط الشفقة والعطف
260
عَلَيْهِمَا لِكِبَرِهِمَا وَافْتِقَارِهِمَا الْيَوْمَ لِمَنْ كَانَ أَفْقَرَ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِمَا بِالْأَمْسِ، ثُمَّ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سُبْحَانَهُ وَلَا تَكْتَفِ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي لَا دوام لها وَلكن قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً وَالْكَافُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: رَحْمَةً مِثْلَ تَرْبِيَتِهِمَا لِي أَوْ مِثْلَ رَحْمَتِهِمَا لِي وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ رَحْمَةً مِثْلَ الرَّحْمَةِ بَلِ الْكَافَ لِاقْتِرَانِهِمَا فِي الْوُجُودِ فَلْتَقَعْ هَذِهِ كَمَا وَقَعَتْ تِلْكَ. وَالتَّرْبِيَةُ: التَّنْمِيَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ:
لِأَجْلِ تَرْبِيَتِهِمَا لِي كَقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ
«١» وَلَقَدْ بَالَغَ سُبْحَانَهُ فِي التَّوْصِيَةِ بِالْوَالِدَيْنِ مُبَالَغَةً تَقْشَعِرُّ لَهَا جُلُودُ أَهْلِ الْعُقُوقِ، وَتَقِفُ عِنْدَهَا شُعُورُهُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ذَاكَ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: كُلًّا نُمِدُّ الآية قال: كل يَرْزُقُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في الآية قال: يرزق مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَيُرْزَقُ مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَحْظُوراً مَمْنُوعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا مِنْ عَبْدٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَفِعَ فِي الدُّنْيَا دَرَجَةً فَارْتَفَعَ بِهَا إِلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ دَرَجَةً أَكْبَرَ مِنْهَا وَأَطْوَلَ، ثم قرأ: أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
«أَنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ كَمَا يَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَابِرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَذْمُوماً يَقُولُ: مَلُومًا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْمَصَاحِفِ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: وَوَصَّى رَبُّكَ، مَكَانَ وَقَضى، وقال: التزقت الواو والصاد وأنتم تقرؤونها
«وَقَضى رَبُّكَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ مَنِيعٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْهُ أَيْضًا مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَلَوْ نَزَلَتْ عَلَى الْقَضَاءِ مَا أَشْرَكَ بِهِ أَحَدٌ. وَأَقُولُ: إِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ مِنَ الْأَمْرِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ مَعَانِي مُطْلَقِ الْقَضَاءِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ
«٢»، وَقَوْلِهِ: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ
«٣» فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ
«٤» وَلَكِنَّهُ- هَاهُنَا- بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي الْقَضَاءِ، وَالْأَمْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ بِجَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ إِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ وَتَوْحِيدُهُ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَقَعَ الشِّرْكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنْ مَعَانِي مُطْلَقِ الْقَضَاءِ مَعَانٍ أُخَرُ غَيْرُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ كَالْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ، وَمِنْهُ: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ
«٥». وَبِمَعْنَى الْإِرَادَةِ كَقَوْلِهِ: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
«٦». وَبِمَعْنَى الْعَهْدِ كَقَوْلِهِ: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ
«٧». وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
261
أي : أراد بأعماله الدار الآخرة ﴿ وسعى لَهَا سَعْيَهَا ﴾ أي : السعي الحقيقي بها اللائق بطالبها، وهو الإتيان بما أمر به، وترك ما نهى عنه خالصاً لله غير مشوب، وكان الإتيان به على القانون الشرعي من دون ابتداع ولا هوى ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ بالله إيماناً صحيحاً، لأن العمل الصالح لا يستحق صاحبه الجزاء عليه إلاّ إذا كان من المؤمنين :
﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين ﴾ [ المائدة : ٢٧ ]، والجملة في محل نصب على الحال، والإشارة بقوله :﴿ فَأُوْلَئِكَ ﴾ إلى المريدين للآخرة الساعين لها سعيها وخبره ﴿ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ عند الله، أي : مقبولاً غير مردود، وقيل : مضاعفاً إلى أضعاف كثيرة، فقد اعتبر سبحانه في كون السعي مشكوراً أموراً ثلاثة : الأول : إرادة الآخرة، الثاني : أن يسعى لها السعي الذي يحق لها، والثالث : أن يكون مؤمناً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة ﴾ قال : من كان يريد بعمله الدنيا، ﴿ عَجلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ ﴾ ذاك به. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ ﴾ الآية، قال : كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : يرزق الله من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال :﴿ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعاً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة، فارتفع بها إلاّ وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ )، وهو من رواية زاذان عن سلمان. وثبت في الصحيحين :( أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَذْمُومًا ﴾ يقول : ملوماً. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ :( ووصى ربك )، مكان ﴿ وقضى ﴾، وقال : التزقت الواو والصاد، وأنتم تقرأونها :( وقضى ربك ). وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد، وابن منيع، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله، وزاد ( ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ). وأقول : إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله :﴿ قُضِي الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [ يوسف : ٤١ ]. وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]. ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء، والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين، كالقضاء بمعنى : الخلق، ومنه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ فصلت : ١٢ ]. وبمعنى الإرادة كقوله :﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وبمعنى العهد كقوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر ﴾ [ القصص : ٤٤ ]. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ يقول : برّاً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ لما تميط عنهما من الأذى : الخلاء، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً :( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه ). وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله :﴿ وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ قال : إذا دعواك فقل : لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال : قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية، قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقُل رَّبّ ارحمهما ﴾ ثم أنزل الله بعد هذا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيّ والذين آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى ﴾ [ التوبة : ١١٣ ]. وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
ثم بين سبحانه كمال رأفته وشمول رحمته فقال :﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ ﴾ التنوين في «كلاً » عوض عن المضاف إليه، والتقدير كل واحد من الفريقين نمدّ، أي : نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع، نرزق المؤمنين والكفار، وأهل الطاعة وأهل المعصية، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه، وما به الإمداد هو ما عجله لمن يريد الدنيا، وما أنعم به في الأولى والأخرى على من يريد الآخرة، وفي قوله :﴿ مِنْ عَطَاء رَبّكَ ﴾ إشارة إلى أن ذلك بمحض التفضل وهو متعلق ب﴿ نمد ﴾، ﴿ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا ﴾ أي : ممنوعاً، يقال : حظره يحظره حظراً : منعه، وكل ما حال بينك وبين شيء، فقد حظره عليك، و﴿ هؤلاء ﴾ بدل من «كلا » وهؤلاء معطوف على البدل. قال الزجاج : أعلم الله سبحانه أنه يعطي المسلم [ و ] الكافر وأنه يرزقهما جميعاً الفريقين فقال :﴿ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة ﴾ قال : من كان يريد بعمله الدنيا، ﴿ عَجلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ ﴾ ذاك به. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ ﴾ الآية، قال : كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : يرزق الله من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال :﴿ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعاً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة، فارتفع بها إلاّ وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ )، وهو من رواية زاذان عن سلمان. وثبت في الصحيحين :( أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَذْمُومًا ﴾ يقول : ملوماً. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ :( ووصى ربك )، مكان ﴿ وقضى ﴾، وقال : التزقت الواو والصاد، وأنتم تقرأونها :( وقضى ربك ). وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد، وابن منيع، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله، وزاد ( ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ). وأقول : إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله :﴿ قُضِي الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [ يوسف : ٤١ ]. وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]. ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء، والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين، كالقضاء بمعنى : الخلق، ومنه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ فصلت : ١٢ ]. وبمعنى الإرادة كقوله :﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وبمعنى العهد كقوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر ﴾ [ القصص : ٤٤ ]. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ يقول : برّاً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ لما تميط عنهما من الأذى : الخلاء، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً :( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه ). وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله :﴿ وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ قال : إذا دعواك فقل : لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال : قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية، قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقُل رَّبّ ارحمهما ﴾ ثم أنزل الله بعد هذا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيّ والذين آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى ﴾ [ التوبة : ١١٣ ]. وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
﴿ انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ ﴾ الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والاعتبار، وهذه الجملة مقرّرة لما مرّ من الإمداد وموضحة له، والمعنى : انظر كيف فضلنا في العطايا العاجلة بعض العباد على بعض، فمن غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، وعاقل وأحمق، وذلك لحكمة بالغة تقصر العقول عن إدراكها. ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ وذلك لأن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا، وليس للدنيا بالنسبة إلى الآخرة مقدار، فلهذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، وقيل : المراد : أن المؤمنين يدخلون الجنة، والكافرين يدخلون النار، فتظهر فضيلة المؤمنين على الكافرين. وحاصل المعنى أن التفاضل في الآخرة ودرجاتها فوق التفاضل في الدنيا ومراتب أهلها فيها من بسط وقبض ونحوهما. ثم لما أجمل سبحانه أعمال البرّ في قوله :﴿ وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ أخذ في تفصيل ذلك مبتدئاً بأشرفها الذي هو التوحيد فقال :﴿ لا تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة ﴾ قال : من كان يريد بعمله الدنيا، ﴿ عَجلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ ﴾ ذاك به. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ ﴾ الآية، قال : كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : يرزق الله من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال :﴿ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعاً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة، فارتفع بها إلاّ وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ )، وهو من رواية زاذان عن سلمان. وثبت في الصحيحين :( أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَذْمُومًا ﴾ يقول : ملوماً. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ :( ووصى ربك )، مكان ﴿ وقضى ﴾، وقال : التزقت الواو والصاد، وأنتم تقرأونها :( وقضى ربك ). وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد، وابن منيع، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله، وزاد ( ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ). وأقول : إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله :﴿ قُضِي الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [ يوسف : ٤١ ]. وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]. ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء، والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين، كالقضاء بمعنى : الخلق، ومنه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ فصلت : ١٢ ]. وبمعنى الإرادة كقوله :﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وبمعنى العهد كقوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر ﴾ [ القصص : ٤٤ ]. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ يقول : برّاً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ لما تميط عنهما من الأذى : الخلاء، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً :( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه ). وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله :﴿ وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ قال : إذا دعواك فقل : لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال : قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية، قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقُل رَّبّ ارحمهما ﴾ ثم أنزل الله بعد هذا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيّ والذين آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى ﴾ [ التوبة : ١١٣ ]. وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
﴿ لاَ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته، تهييجاً وإلهاباً، أو لكل متأهل له صالح لتوجيهه إليه، وقيل : هو على إضمار القول، والتقدير : قل لكل مكلف : لا تجعل، وانتصاب ﴿ تقعد ﴾ على جواب النهي، والتقدير : لا يكون منك جعل فقعود ؛ ومعنى ﴿ تقعد ﴾ : تصير، من قولهم : شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها خربة، وليس المراد حقيقة القعود المقابل للقيام ؛ وقيل : هو كناية عن عدم القدرة على تحصيل الخيرات، فإن السعي فيه إنما يتأتى بالقيام، والعجز عنه يلزمه أن يكون قاعداً عن الطلب ؛ وقيل : إن من شأن المذموم المخذول أن يقعد نادماً مفكراً على ما فرط منه، فالقعود على هذا حقيقة، وانتصاب ﴿ مَذْمُومًا مَخْذُولاً ﴾ على خبرية تقعد أو على الحال : أي فتصير جامعاً بين الأمرين : الذم لك من الله ومن ملائكته، ومن صالحي عباده، والخذلان لك منه سبحانه، أو حال كونك جامعاً بين الأمرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة ﴾ قال : من كان يريد بعمله الدنيا، ﴿ عَجلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ ﴾ ذاك به. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ ﴾ الآية، قال : كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : يرزق الله من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال :﴿ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعاً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة، فارتفع بها إلاّ وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ )، وهو من رواية زاذان عن سلمان. وثبت في الصحيحين :( أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَذْمُومًا ﴾ يقول : ملوماً. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ :( ووصى ربك )، مكان ﴿ وقضى ﴾، وقال : التزقت الواو والصاد، وأنتم تقرأونها :( وقضى ربك ). وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد، وابن منيع، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله، وزاد ( ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ). وأقول : إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله :﴿ قُضِي الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [ يوسف : ٤١ ]. وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]. ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء، والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين، كالقضاء بمعنى : الخلق، ومنه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ فصلت : ١٢ ]. وبمعنى الإرادة كقوله :﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وبمعنى العهد كقوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر ﴾ [ القصص : ٤٤ ]. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ يقول : برّاً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ لما تميط عنهما من الأذى : الخلاء، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً :( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه ). وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله :﴿ وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ قال : إذا دعواك فقل : لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال : قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية، قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقُل رَّبّ ارحمهما ﴾ ثم أنزل الله بعد هذا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيّ والذين آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى ﴾ [ التوبة : ١١٣ ]. وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
ثم لما ذكر ما هو الركن الأعظم وهو التوحيد، أتبعه سائر الشعائر والشرائع فقال :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ أي : أمر أمراً جزماً، وحكماً قطعاً، وحتماً مبرماً ﴿ أَن لاَ تَعْبُدُوا ﴾ أي : بأن لا تعبدوا، فتكون «أن » ناصبة، ويجوز أن تكون مفسرة، و " لا " نهي. وقرئ ( ووصى ربك ) أي : وصى عباده بعبادته وحده، ثم أردفه بالأمر ببرّ الوالدين فقال :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ أي : وقضى بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا، أو وأحسنوا بهما إحساناً، ولا يجوز أن يتعلق ﴿ بالوالدين ب{ إحسانا ﴾، لأن المصدر لا يتقدّم عليه ما هو متعلق به. قيل : ووجه ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله سبحانه أنهما السبب الظاهر في وجود المتولد بينهما، وفي جعل الإحسان إلى الأبوين قريناً لتوحيد الله وعبادته من الإعلان بتأكد حقهما والعناية بشأنهما ما لا يخفى، وهكذا جعل سبحانه في آية أخرى شكرهما مقترناً بشكره فقال :﴿ أَنِ اشكر لِي ولوالديك ﴾ [ لقمان : ١٤ ]. ثم خص سبحانه حالة الكبر بالذكر، لكونها إلى البر من الولد أحوج من غيرها، فقال :﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا ﴾ :" إما " مركبة من " إن " الشرطية و " ما " الإبهامية لتأكيد معنى الشرط، ثم أدخلت نون التوكيد في الفعل لزيادة التقرير، كأنه قيل : إن هذا الشرط مما سيقع ألبتة عادة. قال النحويون : إن الشرط يشبه النهي من حيث الجزم وعدم الثبوت، فلهذا صح دخول النون المؤكدة عليه. وقرأ حمزة والكسائي ( يبلغان ). قال الفراء : ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبله، فصار الفعل على عددهما، ثم قال :﴿ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا ﴾ على الاستئناف، وأما على قراءة ﴿ يبلغن ﴾ فأحدهما فاعل بالاستقلال. وقوله :﴿ أَوْ كِلاَهُمَا ﴾ فاعل أيضاً، لكن لا بالاستقلال، بل بتبعية العطف، والأولى أن يكون أحدهما على قراءة ( يبلغان ) بدل من الضمير الراجع إلى الوالدين في الفعل، ويكون ﴿ كلاهما ﴾ عطفاً على البدل، ولا يصحّ جعل ﴿ كلاهما ﴾ تأكيداً للضمير، لاستلزام العطف المشاركة، ومعنى ﴿ عندك ﴾ في كنفك وكفالتك، وتوحيد الضمير في ﴿ عندك ﴾ و﴿ لا تقل ﴾ وما بعدهما للإشعار بأن كل فرد من الأفراد منهيّ بما فيه النهي، ومأمور بما فيه الأمر، ومعنى ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ : لا تقل لواحد منهما في حالتي الاجتماع والانفراد، وليس المراد حالة الاجتماع فقط ؛ وفي ﴿ أف ﴾ لغات : ضم الهمزة مع الحركات الثلاث في الفاء، وبالتنوين وعدمه، وبكسر الهمز والفاء بلا تنوين، وأفي ممالاً، وأفه بالهاء. قال الفراء : تقول العرب : فلان يتأفف من ريح وجدها، أي : يقول أف أف. وقال الأصمعي : الأف وسخ الأذن، والثف : وسخ الأظفار، يقال ذلك : عند استقذار الشيء، ثم كثر حتى استعملوه في كل ما يتأذون به. وروى ثعلب عن ابن الأعرابيّ أن الأفف : الضجر، وقال القتيبي : أصله : أنه إذا سقط عليه تراب ونحوه نفخ فيه ليزيله، فالصوت الحاصل عند تلك النفخة هو قول القائل : أفّ، ثم توسعوا فذكروه عند كل مكروه يصل إليهم. وقال الزجاج : معناه النتن. وقال أبو عمرو بن العلاء : الأف : وسخ بين الأظفار، والثف : قلامتها. والحاصل أنه اسم فعل ينبئ عن التضجر والاستثقال، أو صوت ينبئ عن ذلك، فنهى الولد عن أن يظهر منه ما يدل على التضجر من أبويه أو الاستثقال لهما، وبهذا النهي يفهم النهي عن سائر ما يؤذيهما بفحوى الخطاب أو بلحنه كما هو متقرر في الأصول. ﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ﴾ النهر : الزجر والغلظة، يقال : نهره وانتهره : إذا استقبله بكلام يزجره. قال الزجاج : معناه لا تكلمهما ضجراً صائحاً في وجوههما. ﴿ وَقُل لَّهُمَا ﴾ بدل التأفيف والنهر ﴿ قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ أي : ليناً لطيفاً أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته مع التأدب والحياء والاحتشام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة ﴾ قال : من كان يريد بعمله الدنيا، ﴿ عَجلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ ﴾ ذاك به. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ ﴾ الآية، قال : كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : يرزق الله من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال :﴿ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعاً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة، فارتفع بها إلاّ وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ )، وهو من رواية زاذان عن سلمان. وثبت في الصحيحين :( أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَذْمُومًا ﴾ يقول : ملوماً. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ :( ووصى ربك )، مكان ﴿ وقضى ﴾، وقال : التزقت الواو والصاد، وأنتم تقرأونها :( وقضى ربك ). وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد، وابن منيع، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله، وزاد ( ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ). وأقول : إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله :﴿ قُضِي الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [ يوسف : ٤١ ]. وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]. ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء، والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين، كالقضاء بمعنى : الخلق، ومنه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ فصلت : ١٢ ]. وبمعنى الإرادة كقوله :﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وبمعنى العهد كقوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر ﴾ [ القصص : ٤٤ ]. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ يقول : برّاً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ لما تميط عنهما من الأذى : الخلاء، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً :( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه ). وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله :﴿ وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ قال : إذا دعواك فقل : لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال : قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية، قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقُل رَّبّ ارحمهما ﴾ ثم أنزل الله بعد هذا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيّ والذين آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى ﴾ [ التوبة : ١١٣ ]. وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
﴿ واخفض لهما جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة ﴾ ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين : الأول : أن الطائر إذا أراد ضم فراخه إليه للتربية خفض لها جناحه، فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير، فكأنه قال للولد : أكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك. والثاني : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد النزول خفض جناحه، فصار خفض الجناح كناية عن التواضع وترك الارتفاع ؛ وفي إضافة الجناح إلى الذلّ وجهان : الأوّل : أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك : حاتم الجود، فالأصل فيه : الجناح الذليل، والثاني : سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذلّ جناحاً، ثم أثبت لذلك الجناح خفضاً. وقرأ الجمهور ( الذلّ ) بضم الذال من ذلّ يذل ذلاً وذلة ومذلة فهو ذليل. وقرأ سعيد بن جبير، وعروة بن الزبير بكسر الذال، وروي ذلك عن ابن عباس وعاصم، من قولهم : دابة ذلول، بنية الذل، أي : منقادة سهلة لا صعوبة فيها، و﴿ من الرحمة ﴾ فيه معنى التعليل، أي : من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم لمن كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، ثم كأنه قال له سبحانه : ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها ولكن ﴿ قُل رَّبّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ والكاف في محل نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي : رحمة مثل تربيتهما لي، أو مثل رحمتهما لي، وقيل : ليس المراد رحمة مثل الرحمة، بل الكاف لاقترانهما في الوجود، فلتقع هذه كما وقعت تلك. والتربية : التنمية، ويجوز أن يكون الكاف للتعليل، أي : لأجل تربيتهما، لي كقوله :﴿ واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ]. ولقد بالغ سبحانه في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ لها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة ﴾ قال : من كان يريد بعمله الدنيا، ﴿ عَجلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ ﴾ ذاك به. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ ﴾ الآية، قال : كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : يرزق الله من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال :﴿ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعاً. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة، فارتفع بها إلاّ وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ )، وهو من رواية زاذان عن سلمان. وثبت في الصحيحين :( أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَذْمُومًا ﴾ يقول : ملوماً. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ :( ووصى ربك )، مكان ﴿ وقضى ﴾، وقال : التزقت الواو والصاد، وأنتم تقرأونها :( وقضى ربك ). وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد، وابن منيع، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله، وزاد ( ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ). وأقول : إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله :﴿ قُضِي الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [ يوسف : ٤١ ]. وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]. ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء، والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين، كالقضاء بمعنى : الخلق، ومنه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ فصلت : ١٢ ]. وبمعنى الإرادة كقوله :﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وبمعنى العهد كقوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر ﴾ [ القصص : ٤٤ ]. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ يقول : برّاً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ﴾ لما تميط عنهما من الأذى : الخلاء، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً :( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه ). وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله :﴿ وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ قال : إذا دعواك فقل : لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال : قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية، قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقُل رَّبّ ارحمهما ﴾ ثم أنزل الله بعد هذا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيّ والذين آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى ﴾ [ التوبة : ١١٣ ]. وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
وَقَضى رَبُّكَ قَالَ: أَمَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: عَهِدَ رَبُّكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يَقُولُ: بِرًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ فيما تُمِيطُ عَنْهُمَا مِنَ الْأَذَى: الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ، كَمَا كَانَا لَا يَقُولَانِهِ فِيمَا كَانَا يُمِيطَانِ عَنْكَ من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسن بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا:
«لَوْ عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا مِنَ الْعُقُوقِ أَدْنَى مِنْ أُفٍّ لَحَرَّمَهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً قَالَ: إِذَا دَعَوَاكَ فَقُلْ لَبَّيْكُمَا وَسَعْدَيْكُمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: قَوْلًا لَيِّنًا سَهْلًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ قَالَ: يَلِينُ لَهُمَا حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: اخْضَعْ لِوَالِدَيْكَ كَمَا يَخْضَعُ الْعَبْدُ لِلسَّيِّدِ الْفَظِّ الْغَلِيظِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى
«١». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ نَحْوَهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ في كتب الحديث.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٥ الى ٣٣]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣)
قَوْلُهُ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ أَيْ: بِمَا فِي ضَمَائِرِكُمْ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَعَدَمِهِ فِي كُلِّ الطَّاعَاتِ، وَمِنَ التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي فَرُطَ مِنْكُمْ أَوِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ مَا فِي النَّفْسِ مِنَ الْبِرِّ وَالْعُقُوقِ انْدِرَاجًا أَوَّلِيًّا وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِمَا يَجِبُ لِلْأَبَوَيْنِ مِنَ الْبِرِّ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَوْلَادِ مِنَ الْعُقُوقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اعْتِبَارًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ، فَلَا تُخَصِّصُهُ دَلَالَةُ السِّيَاقِ وَلَا تُقَيِّدُهُ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قَاصِدِينَ الصَّلَاحَ، وَالتَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ وَالْإِخْلَاصَ لِلطَّاعَةِ فَلَا يَضُرُّكُمْ مَا وَقَعَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي تُبْتُمْ عَنْهُ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً أَيِ: الرَّجَّاعِينَ عَنِ الذُّنُوبِ إِلَى التَّوْبَةِ، وَعَنْ عَدَمِ الْإِخْلَاصِ إِلَى مَحْضِ الْإِخْلَاصِ غَفُورًا لِمَا فَرُطَ مِنْهُمْ من قول
262
أَوْ فِعْلٍ أَوِ اعْتِقَادٍ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ رَجَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ التَّوْصِيَةَ بِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْأَقَارِبِ بَعْدَ التَّوْصِيَةِ بِهِمَا فَقَالَ: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْخِطَابُ إِمَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهْيِيجًا وَإِلْهَابًا لِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ، أَوْ لِكُلِّ مَنْ هُوَ صَالِحٌ لِذَلِكَ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ وَالْمُرَادُ بِذِي الْقُرْبَى ذُو الْقَرَابَةِ، وَحَقُّهُمْ هُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، وَكَرَّرَ التَّوْصِيَةَ فِيهَا، وَالْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْقَرَابَةِ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ كَالْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَالْأَوْلَادُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ مَعْرُوفٌ، وَالَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وُجُوبُ صِلَتِهِمْ بِمَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ الْقُدْرَةُ وَحَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَالْمِسْكِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى
«ذَا الْقُرْبَى» وَفِي هَذَا الْعَطْفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الْحَقُّ الْمَالِيُّ وَابْنَ السَّبِيلِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِسْكِينَ، وَالْمَعْنَى: وَآتِ مَنِ اتَّصَفَ بِالْمَسْكَنَةِ، أَوْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ حَقَّهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي التَّوْبَةِ، وَالْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمَا بِمَا بَلَغَتْ إِلَيْهِ الْقُدْرَةُ مِنْ صَدَقَةِ النَّفْلِ، أَوْ مِمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ صَدَقَةِ الْفَرْضِ، فَإِنَّهُمَا مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي هِيَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ. ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ هَاهُنَا نَهَى عَنِ التَّبْذِيرِ فَقَالَ: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً التَّبْذِيرُ: تَفْرِيقُ الْمَالِ، كَمَا يُفَرَّقُ الْبِذْرُ كَيْفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ لِمَوَاقِعِهِ، وَهُوَ الْإِسْرَافُ الْمَذْمُومُ لِمُجَاوَزَتِهِ لِلْحَدِّ الْمُسْتَحْسَنِ شَرْعًا فِي الْإِنْفَاقِ، أَوْ هُوَ الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّبْذِيرُ: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَلَا تَبْذِيرَ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: التَّبْذِيرُ: هُوَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ حَقِّهِ، وَوَضْعُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَهُوَ الْإِسْرَافُ، وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّبْذِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ الْمُمَاثَلَةُ التَّامَّةُ، وَتَجَنُّبُ مُمَاثَلَةِ الشَّيْطَانِ وَلَوْ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خِصَالِهِ وَاجِبٌ، فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْإِسْرَافُ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَاقْتَدَى بِهِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أَيْ: كَثِيرَ الْكُفْرَانِ، عَظِيمَ التَّمَرُّدِ عَنِ الْحَقِّ لِأَنَّهُ مَعَ كُفْرِهِ لَا يَعْمَلُ إِلَّا شَرًّا، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِعَمَلِ الشَّرِّ، وَلَا يُوَسْوِسُ إِلَّا بِمَا لَا خَيْرَ فِيهِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَسْجِيلٌ عَلَى الْمُبَذِّرِينَ بِمُمَاثَلَةِ الشَّيَاطِينِ، ثُمَّ التَّسْجِيلُ عَلَى جِنْسِ الشَّيْطَانِ بِأَنَّهُ كَفُورٌ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَذِّرَ مُمَاثِلٌ لِلشَّيْطَانِ، وَكُلُّ مُمَاثِلٍ لِلشَّيْطَانِ لَهُ حُكْمُ الشَّيْطَانِ، وَكُلُّ شَيْطَانٍ كَفُورٌ، فَالْمُبَذِّرُ كَفُورٌ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ أَصْلَ إِمَّا هَذِهِ مُرَكَّبٌ مِنْ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ وما الْإِبْهَامِيَّةِ، وَأَنَّ دُخُولَ نُونِ التَّأْكِيدِ عَلَى الشَّرْطِ لِمُشَابَهَتِهِ لِلنَّهْيِ، أَيْ: إِنْ أَعْرَضْتَ عَنْ ذِي الْقُرْبَى وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لِأَمْرٍ اضْطَرَّكَ إِلَى ذَلِكَ الْإِعْرَاضِ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ أَيْ: لِفَقْدِ رِزْقٍ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّهُ أَقَامَ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ ابْتِغَاءُ رَحْمَةِ اللَّهِ مَقَامَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ فَقْدُ الرِّزْقِ لِأَنَّ فَاقِدَ الرِّزْقِ مُبْتَغٍ لَهُ وَالْمَعْنَى: وَإِنْ أَعْرَضْتَ عَنْهُمْ لِفَقْدِ رِزْقٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُو أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أَيْ: قَوْلًا سَهْلًا لَيِّنًا كَالْوَعْدِ الْجَمِيلِ أَوِ الِاعْتِذَارِ الْمَقْبُولِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: يَسَّرْتُ لَهُ الْقَوْلَ أَيْ لَيَّنْتُهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى الْآيَةِ إِنْ تُعْرِضْ عَنِ السَّائِلِ إِضَاقَةً وَإِعْسَارًا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا عِدْهُمْ عِدَةً حَسَنَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَمْ تَنْفَعْهُمْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِكَ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هنا الإعراض
263
بِالْوَجْهِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ إِذَا سَأَلَهُمْ سَائِلٌ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ كَيْفَ يَقُولُونَ وَبِمَا يَرُدُّونَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
إِنْ لَا يَكُنْ وَرِقٌ يَوْمًا أَجُودُ بِهَا | لِلسَّائِلِينَ فَإِنِّي لَيِّنُ الْعُودِ |
لَا يعدم السائلون الخير من خلقي | إمّا نوالي وإما حسن مردودي |
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَدَبَ الْمَنْعِ بَعْدَ النَّهْيِ عن التذيير بَيَّنَ أَدَبَ الْإِنْفَاقِ فَقَالَ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ وَهَذَا النَّهْيُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُكَلَّفٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيضًا لِأُمَّتِهِ وَتَعْلِيمًا لَهُمْ، أَوِ الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ لِلْإِنْسَانِ بِأَنْ يُمْسِكَ إِمْسَاكًا يَصِيرُ بِهِ مُضَيِّقًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ، وَلَا يُوَسِّعُ فِي الْإِنْفَاقِ تَوْسِيعًا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بِهِ مُسْرِفًا، فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ جَانِبَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ. وَيَتَحَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوَسُّطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ:
وَلَا تَكُ فِيهَا مُفْرِطًا أَوْ مُفَرِّطًا | كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ |
وَقَدْ مَثَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَالَ الشَّحِيحِ بِحَالِ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّصَرُّفَ بِهَا، وَمَثَّلَ حَالَ مَنْ يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِي التَّصَرُّفِ بِحَالِ مَنْ يَبْسُطُ يَدَهُ بَسْطًا لَا يَتَعَلَّقُ بِسَبَبِهِ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا تَقْبِضُ الْأَيْدِيَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا التَّصْوِيرِ مُبَالِغَةٌ بَلِيغَةٌ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ غَائِلَةَ الطَّرَفَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا فَقَالَ: فَتَقْعُدَ مَلُوماً عِنْدَ النَّاسِ بِسَبَبِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الشُّحِّ مَحْسُوراً بِسَبَبِ مَا فَعَلْتَهُ مِنَ الْإِسْرَافِ، أَيْ: مُنْقَطِعًا عَنِ الْمَقَاصِدِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ، وَالْمَحْسُورُ فِي الْأَصْلِ: الْمُنْقَطِعُ عَنِ السَّيْرِ، مِنْ حَسَرَهُ السَّفَرُ إِذَا بَلَغَ مِنْهُ، وَالْبَعِيرُ الْحَسِيرُ: هُوَ الَّذِي ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ فَلَا انْبِعَاثَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
«١»، أَيْ: كَلَيْلٌ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَادِمًا عَلَى مَا سَلَفَ، فَجَعَلَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنَ الْحَسْرَةِ الَّتِي هِيَ النَّدَامَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مِنَ الْحَسْرَةِ حَسْرَانٌ، وَلَا يُقَالُ مَحْسُورٌ إِلَّا لِلْمَلُومِ ثُمَّ سَلَّى رَسُولَهُ والمؤمنين بأن الذين يرهقهم من الإضافة لَيْسَ لِهَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنْ لِمَشِيئَةِ الْخَالِقِ الرَّازِقِ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أَيْ: يُوَسِّعُهُ عَلَى بَعْضٍ وَيُضَيِّقُهُ عَلَى بَعْضٍ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، لَا لِكَوْنِ مَنْ وَسَّعَ لَهُ رِزْقُهُ مُكَرَّمًا عِنْدَهُ، وَمَنْ ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ هَائِنًا لَدَيْهِ. قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ الْبَسْطَ وَالْقَبْضَ إِنَّمَا هُمَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي لَا تَفْنَى خَزَائِنُهُ، فَأَمَّا عِبَادُهُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتَصِدُوا، ثُمَّ عَلَّلَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْبَسْطِ لِلْبَعْضِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَى الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ:
إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً أَيْ: يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ خَافِيَةٌ، فَهُوَ الْخَبِيرُ بِأَحْوَالِهِمُ، الْبَصِيرُ بِكَيْفِيَّةِ تَدْبِيرِهِمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَكَفِّلُ بِأَرْزَاقِ عِبَادِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهَا: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ أَمْلَقَ الرَّجُلُ: لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا الْمَلَقَاتُ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْعِظَامُ الْمُلْسُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ يصف صائدا:
أتيح لها أقيدر ذو حشيف | إذا سامت على الملقات ساما |
264
الأقيدر: تصغير الأقدر وهو الرجل القصير، والحشيف مِنَ الثِّيَابِ: الْخَلِقُ، وَسَامَتْ: مَرَّتْ، وَيُقَالُ: أَمْلَقَ إِذَا افْتَقَرَ وَسَلَبَ الدَّهْرُ مَا بِيَدِهِ. قَالَ أَوْسٌ:
...................
وَأَمْلَقُ مَا عِنْدِي خُطُوبٌ تِنْبَلُ
«١»
نَهَاهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْلَادَهُمْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، وَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ خَوْفَهُمْ مِنَ الْفَقْرِ حَتَّى يَبْلُغُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَى قَتْلِ الْأَوْلَادِ لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الرَّازِقُ لِعِبَادِهِ، يَرْزُقُ الْأَبْنَاءَ كَمَا يَرْزُقُ الْآبَاءَ فَقَالَ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَلَسْتُمْ لَهُمْ بِرَازِقِينَ حَتَّى تَصْنَعُوا بِهِمْ هَذَا الصُّنْعَ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْأَنْعَامِ، ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَبِالْهَمْزِ الْمَقْصُورِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، خَطَأً، بِفَتْحِ الخاء والطاء والقصر في الهمز، يقال: خطىء في ذنبه خطأ إدا أَثِمَ، وَأَخْطَأَ: إِذَا سَلَكَ سَبِيلَ خَطَأٍ عَامِدًا أو غير عامد. قال الأزهري: خطىء يخطأ خِطَئًا مِثْلُ أَثِمَ يَأْثَمُ إِثْمًا إِذَا تَعَمَّدَ الخطأ، وأخطأ: إذا لم يتعمّد، إخطاء وخطأ، قال الشاعر:
دعيني إنما خطئي وصوبي | عليّ وإنّ ما أهلكت مال «٢» |
وَالْخَطَأُ الِاسْمُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَخْطَاءِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ الْقَصْرُ، وَهُوَ الْجَيِّدُ، وَالْمَدُّ وَهُوَ قَلِيلٌ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَمَدِّ الْهَمْزِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهًا، وَكَذَلِكَ جَعَلَهَا أَبُو حَاتِمٍ غَلَطًا.
وَقَرَأَ الحسن
«خطىّ» بفتح الخاء والطاء منوّنة من غير همزة. وَلَمَّا نَهَى سُبْحَانَهُ عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ الْمُسْتَدْعِي لِإِفْنَاءِ النَّسْلِ ذَكَرَ النَّهْيَ عَنِ الزِّنَا الْمُفْضِي إِلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَقَالَ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى وَفِي النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِهِ بِمُبَاشَرَةِ مُقَدَّمَاتِهِ نَهْيٌ عَنْهُ بِالْأَوْلَى، فَإِنَّ الْوَسِيلَةَ إِلَى الشَّيْءِ إِذَا كَانَتْ حَرَامًا كَانَ المتوسل إليه حراما بفحوى الخطاب، والزنى فِيهِ لُغَتَانِ: الْمَدُّ، وَالْقَصْرُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
كَانَتْ فَرِيضَةُ مَا تَقُولُ كَمَا | كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ |
ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ عَنِ الزِّنَا بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أَيْ: قَبِيحًا مُتَبَالِغًا فِي الْقُبْحِ مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ وَساءَ سَبِيلًا أَيْ: بِئْسَ طَرِيقًا طَرِيقُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى النَّارِ، وَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي تَقْبِيحِهِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الْقَتْلِ لِخُصُوصِ الْأَوْلَادِ وَعَنِ النَّهْيِ عَنِ الزِّنَا الَّذِي يُفْضِي إِلَى مَا يُفْضِي إِلَيْهِ قَتْلُ الْأَوْلَادِ مِنِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، نَهَى عَنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ الْمَعْصُومَةِ عَلَى الْعُمُومِ فَقَالَ: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ والمراد بالتي
265
حَرَّمَ اللَّهُ الَّتِي جَعَلَهَا مَعْصُومَةً بِعِصْمَةِ الدِّينِ أَوْ عِصْمَةِ الْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ هُوَ مَا يُبَاحُ بِهِ قَتْلُ الْأَنْفُسِ الْمَعْصُومَةِ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ كَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا مِنَ الْمُحْصَنِ، وَكَالْقِصَاصِ مِنَ الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، أَيْ: لَا تَقْتُلُوهَا بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا بِسَبَبِ مُتَلَبِّسٍ بِالْحَقِّ، أَوْ إِلَّا مُتَلَبِّسِينَ بِالْحَقِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي الْأَنْعَامِ. ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ بَعْضِ الْمَقْتُولِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً أَيْ: لَا بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُسَوِّغَةِ لِقَتْلِهِ شَرْعًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً أَيْ: لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ مَنْ وَرَثَتِهِ إِنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ، أَوْ مِمَّنْ لَهُ سُلْطَانٌ إِنْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ، وَالسُّلْطَانُ: التَّسَلُّطُ عَلَى الْقَاتِلِ إِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ. ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ إِبَاحَةَ الْقِصَاصِ لِمَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِدَمِ الْمَقْتُولِ، أَوْ مَا هُوَ عِوَضٌ عَنِ الْقِصَاصِ نَهَاهُ عَنْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ فَقَالَ: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أَيْ: لَا يُجَاوِزْ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ فَيَقْتُلْ بِالْوَاحِدِ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ يُمَثِّلْ بِالْقَاتِلِ، أَوْ يُعَذِّبْهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ
«لَا يُسْرِفْ» بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، أي: الولي، وقرأ حمز وَالْكِسَائِيُّ تُسْرِفْ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَهُوَ خِطَابٌ لِلْقَاتِلِ الْأَوَّلِ، وَنَهْيٌ لَهُ عَنِ الْقَتْلِ، أَيْ: فَلَا تُسْرِفُ أَيُّهَا الْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ فَإِنَّ عَلَيْكَ الْقِصَاصَ مَعَ مَا عَلَيْكَ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَسُخْطِهِ وَلَعْنَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، أَيْ: لَا تَقْتُلْ يَا مُحَمَّدُ غَيْرَ الْقَاتِلِ وَلَا يَفْعَلْ ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بَعْدَكَ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ
«وَلَا تُسْرِفُوا» ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ عَنِ السَّرَفِ فَقَالَ: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً أَيْ: مُؤَيَّدًا مُعَانًا، يَعْنِي الْوَلِيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ نَصَرَهُ بِإِثْبَاتِ الْقِصَاصِ لَهُ بِمَا أَبْرَزَهُ مِنَ الْحُجَجِ، وَأَوْضَحَهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَرَ أَهْلَ الْوِلَايَاتِ بِمَعُونَتِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الْمَقْتُولِ، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ نَصَرَهُ بِوَلِيِّهِ، قِيلَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قَالَ: تَكُونُ الْبَادِرَةُ مِنَ الْوَلَدِ إِلَى الْوَالِدِ، فَقَالَ اللَّهُ: إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ إِنْ تَكُنِ النِّيَّةُ صَادِقَةً فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً لِلْبَادِرَةِ الَّتِي بَدَرَتْ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً قَالَ: الرَّجَّاعِينَ إِلَى الْخَيْرِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَهَنَّادٌ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي الْآيَةِ قَالَ: الرَّجَّاعِينَ مِنَ الذَّنْبِ إِلَى التَّوْبَةِ، وَمِنَ السَّيِّئَاتِ إِلَى الْحَسَنَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لِلْأَوَّابِينَ قَالَ: لِلْمُطِيعِينَ الْمُحْسِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْهُ قَالَ: لِلتَّوَّابِينَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قَالَ: أَمَرَهُ بِأَحَقِّ الْحُقُوقِ، وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ، وَكَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَقَالَ: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها قال: إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رِزْقًا مِنَ اللَّهِ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً يقول: إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَكُونُ شِبْهَ الْعِدَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعِدَةُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ أَنْ تَصِلَ ذَا الْقَرَابَةِ وَتُطْعِمَ الْمِسْكِينَ وَتُحْسِنَ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا قَرَأْتَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ؟ قَالَ:
266
وَإِنَّكُمْ لَلْقَرَابَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤْتَى حَقُّهُمْ. قَالَ: نَعَمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ. قَالَ:
وَالْقُرْبَى قُرْبَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَأَقُولُ: لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يُفِيدُ هَذَا التَّخْصِيصَ، وَلَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ، وَمَعْنَى النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ وَاضِحٌ إِنْ كَانَ الْخِطَابُ مَعَ كُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَمْرُ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُتَمَكِّنٍ مِنْ صِلَةِ قَرَابَتِهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ حَقَّهُمْ، وَهُوَ الصِّلَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا. وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيضِ لِأُمَّتِهِ فَالْأَمْرُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لَهُ مِنْ دُونِ تَعْرِيضٍ، فَأُمَّتُهُ أُسْوَتُهُ، فَالْأَمْرُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى حَقَّهُ أَمْرٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ أُمَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ لَيْسَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَمَا بَعْدَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً- إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ.
وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ صِلَةِ الرَّحِمِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَنَسٍ
«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ذُو مَالٍ كَثِيرٍ وَذُو أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَحَاضِرَةٍ، فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ أُنْفِقُ وَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: تُخْرِجُ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، فَإِنَّهَا طُهْرَةٌ تُطَهِّرُكَ، وَتَصِلُ أَقَارِبَكَ، وَتَعْرِفُ حَقَّ السَّائِلِ وَالْجَارِ وَالْمِسْكِينِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْلِلْ لِي؟ قَالَ: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. قَالَ: حَسْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ». وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فَأَعْطَاهَا فَدَكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فَدَكَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ لَوْ صَحَّ إِسْنَادُهُ، لَأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَفْدَكُ إِنَّمَا فُتِحَتْ مَعَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا مَعَ هَذَا؟ انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً قَالَ:
التَّبْذِيرُ: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ نَتَحَدَّثُ أَنَّ التَّبْذِيرَ النَّفَقَةُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ الْمَالَ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا أَنْفَقْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَبْذِيرٍ وَمَا تَصَدَّقْتَ فَلَكَ، وَمَا أَنْفَقْتَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَذَلِكَ حَظُّ الشَّيْطَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً قَالَ: الْعِدَةُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَيَّارِ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرٌّ مِنَ الْعِرَاقِ، وَكَانَ مِعْطَاءً كَرِيمًا، فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: إِنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْأَلُهُ، فَوَجَدُوهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ قَالَ: مَحْبُوسَةً وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً يَلُومُكَ النَّاسُ مَحْسُوراً لَيْسَ بِيَدِكَ شَيْءٌ.
267
أَقُولُ: وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هَذَا؟ فَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ عَرَبٌ يَقْصِدُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُحْمَلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْعِرَاقِ وَلَا مِمَّا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، عَلَى أَنَّ فَتْحَ الْعِرَاقِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو
«بَعَثَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِهَا فَقَالَتْ: قُلْ لَهُ اكْسُنِي ثَوْبًا. فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالَتْ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ اكْسُنِي قَمِيصَكَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَنَزَعَ قَمِيصَهُ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ، فَنَزَلَتْ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً الْآيَةَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَالَ لِعَائِشَةَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ: أَنْفِقِي مَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّي، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ. قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً الْآيَةَ» وَيَقْدَحُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِعَائِشَةَ إِلَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً قَالَ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْبُخْلَ. وَأَخْرَجَا عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: هَذَا فِي النَّفَقَةِ يَقُولُ: لَا تَجْعَلْهَا مغلولة لا تبسطها بِخَيْرٍ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ، يَعْنِي التَّبْذِيرَ فَتَقْعُدَ مَلُوماً، يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ مَالِهِ مَحْسُوراً ذَهَبَ مَالُهُ كُلُّهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ قَالَ: يَنْظُرُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْغِنَى خَيْرًا لَهُ أَغْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْفَقْرُ خَيْرًا لَهُ أَفْقَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ قَالَ: مَخَافَةَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
خِطْأً قَالَ: خَطِيئَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى قَالَ: يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَكُنْ حُدُودٌ، فَجَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُدُودُ فِي سُورَةِ النُّورِ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبيّ ابن كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ:
«وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كان فاحشة ومقتا وَسَاءَ سَبِيلًا إِلَّا مَنْ تَابَ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا» فَذُكِرَ لِعُمَرَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لَكَ عَمَلٌ إِلَّا الصَّفْقَ بِالْبَقِيعِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّرْهِيبِ عَنْ فَاحِشَةِ الزِّنَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الْآيَةَ قَالَ: هَذَا بِمَكَّةَ وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَغْتَالُونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ قَتَلَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ قَتْلُهُ إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ تَقْتُلُوا لَهُ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ وَاحِدًا مِنْ عَشِيرَتِهِ وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، فَلَا تَقْتُلُوا إِلَّا قَاتِلَكُمْ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ براءة، وقبل أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً يَقُولُ: لَا تَقْتُلْ غَيْرَ قَاتِلِكَ، وَهِيَ الْيَوْمُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا إِلَّا قَاتِلَهُمْ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمِ: أَنَّ النَّاسَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ مِنَ الْقَوْمِ رَجُلًا لَمْ يَرْضَوْا حَتَّى يَقْتُلُوا بِهِ رَجُلًا شَرِيفًا، إِذَا كَانَ قَاتِلُهُمْ غَيْرَ شَرِيفٍ، لَمْ يَقْتُلُوا قَاتِلَهُمْ وَقَتَلُوا غَيْرَهُ، فَوُعِظُوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ إِلَى قَوْلِهِ: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً قَالَ: بَيِّنَةٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهَا يَطْلُبُهَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْقَوْدُ أَوِ الْعَقْلُ، وَذَلِكَ السُّلْطَانُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ قَالَ: لَا يُكْثِرْ فِي الْقَتْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ أَيْضًا: لَا يَقْتُلْ إِلَّا قَاتِلَ رحمه.
268
ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم تهييجاً وإلهاباً لغيره من الأمة، أو لكل من هو صالح لذلك من المكلفين كما في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] والمراد بذي القربى : ذو القرابة، وحقهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها، وكرّر التوصية فيها. والخلاف بين أهل العلم في وجوب النفقة للقرابة، أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد. والأولاد على الوالدين معروف، والذي ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال ﴿ والمساكين ﴾ معطوف على ﴿ ذا القربى ﴾، وفي هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق المالي ﴿ وابن السبيل ﴾ معطوف على المسكين، والمعنى : وآت من اتصف بالمسكنة، أو بكونه من أبناء السبيل حقه. وقد تقدّم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل في البقرة، وفي التوبة، والمراد في هذه الآية التصدّق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل، أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة. ثم لما أمر سبحانه بما أمر به ها هنا، نهى عن التبذير فقال :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ التبذير : تفريق المال كما يفرّق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحدّ المستحسن شرعاً في الإنفاق، أو هو الإنفاق في غير الحق، وإن كان يسيراً. قال الشافعي : التبذير : إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. قال القرطبيّ بعد حكايته [ لقول ] الشافعي هذا : وهذا قول الجمهور.
قال أشهب عن مالك : التبذير هو أخذ المال من حقه، ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام لقوله :﴿ إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾ فإن هذه الجملة تعليل للنهي عن التبذير، والمراد بالأخوة المماثلة التامة، وتجنب مماثلة الشيطان ولو في خصلة واحدة من خصاله واجب، فكيف فيما هو أعمّ من ذلك كما يدلّ عليه إطلاق المماثلة، والإسراف في الإنفاق من عمل الشيطان، فإذا فعله أحد من بني آدم فقد أطاع الشيطان واقتدى به ﴿ وَكَانَ الشيطان لِرَبّهِ كَفُورًا ﴾ أي : كثير الكفران عظيم التمرّد عن الحق، لأنه مع كفره لا يعمل إلاّ شراً، ولا يأمر إلاّ بعمل الشرّ، ولا يوسوس إلاّ بما لا خير فيه. وفي هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشياطين، ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل للشيطان، وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان، وكل شيطان كفور، فالمبذر كفور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم تهييجاً وإلهاباً لغيره من الأمة، أو لكل من هو صالح لذلك من المكلفين كما في قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] والمراد بذي القربى : ذو القرابة، وحقهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها، وكرّر التوصية فيها. والخلاف بين أهل العلم في وجوب النفقة للقرابة، أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد. والأولاد على الوالدين معروف، والذي ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال ﴿ والمساكين ﴾ معطوف على ﴿ ذا القربى ﴾، وفي هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق المالي ﴿ وابن السبيل ﴾ معطوف على المسكين، والمعنى : وآت من اتصف بالمسكنة، أو بكونه من أبناء السبيل حقه. وقد تقدّم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل في البقرة، وفي التوبة، والمراد في هذه الآية التصدّق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل، أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة. ثم لما أمر سبحانه بما أمر به ها هنا، نهى عن التبذير فقال :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ التبذير : تفريق المال كما يفرّق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحدّ المستحسن شرعاً في الإنفاق، أو هو الإنفاق في غير الحق، وإن كان يسيراً. قال الشافعي : التبذير : إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. قال القرطبيّ بعد حكايته [ لقول ] الشافعي هذا : وهذا قول الجمهور.
قال أشهب عن مالك : التبذير هو أخذ المال من حقه، ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام لقوله :﴿ إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾ فإن هذه الجملة تعليل للنهي عن التبذير، والمراد بالأخوة المماثلة التامة، وتجنب مماثلة الشيطان ولو في خصلة واحدة من خصاله واجب، فكيف فيما هو أعمّ من ذلك كما يدلّ عليه إطلاق المماثلة، والإسراف في الإنفاق من عمل الشيطان، فإذا فعله أحد من بني آدم فقد أطاع الشيطان واقتدى به ﴿ وَكَانَ الشيطان لِرَبّهِ كَفُورًا ﴾ أي : كثير الكفران عظيم التمرّد عن الحق، لأنه مع كفره لا يعمل إلاّ شراً، ولا يأمر إلاّ بعمل الشرّ، ولا يوسوس إلاّ بما لا خير فيه. وفي هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشياطين، ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل للشيطان، وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان، وكل شيطان كفور، فالمبذر كفور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ قد تقدّم قريباً أن أصل
«إما » هذه مركب من " إن " الشرطية و " ما " الإبهامية، وأن دخول نون التأكيد على الشرط لمشابهته للنهي ؛ أي : إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل لأمر اضطرك إلى ذلك الإعراض
﴿ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ ﴾ أي لفقد رزق من ربك، ولكنه أقام المسبب الذي هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذي هو فقد الرزق، لأن فاقد الرزق مبتغٍ له، والمعنى : وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح الله به عليك
﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ أي : قولاً سهلاً ليناً كالوعد الجميل أو الاعتذار المقبول. قال الكسائي : يسرت له القول أي : لينته. قال الفراء : معنى الآية إن تعرض عن السائل إضاقة وإعساراً
﴿ فقل لهم قولاً ميسوراً ﴾ : عدهم عدة حسنة. ويجوز أن يكون المعنى : وإن تعرض عنهم ولم تنفعهم لعدم استطاعتك فقل لهم قولاً ميسوراً، وليس المراد هنا الإعراض بالوجه. وفي هذه الآية تأديب من الله سبحانه لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون. ربما يردّون، ولقد أحسن من قال :
إنْ لا يَكُنْ وَرقٌ يَوْماً أَجُوُد بِها | لِلسَائِلين فإنِّي لينّ العُودِ |
لا يَعْدم السَائِلوُنَ الخْيرَ مِنْ خُلِقي | إمَّا نَوالٌ وإمَّا حُسنُ مَرْدُودِ |
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
لما ذكر سبحانه أدب المنع بعد النهي عن التبذير بيّن أدب الإنفاق فقال :
﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط ﴾ وهذا النهي يتناول كل مكلف، سواء كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته وتعليماً لهم، أو الخطاب لكل من يصلح له من المكلفين. والمراد : النهي للإنسان بأن يمسك إمساكاً يصير به مضيقاً على نفسه وعلى أهله، ولا يوسع في الإنفاق توسيعاً لا حاجة إليه، بحيث يكون به مسرفاً، فهو نهى عن جانبي الإفراط والتفريط. ويتحصل من ذلك مشروعية التوسط، وهو العدل الذي ندب الله إليه :
ولا تك فيها مُفْرِطاً أو مفَرِّطا | كلا طرفي قصد الأمور ذميم |
وقد مثّل الله سبحانه في هذه الآية حال الشحيح بحال من كانت يده مغلولة إلى عنقه، بحيث لا يستطيع التصرّف بها، ومثّل حال من يجاوز الحدّ في التصرف بحال من يبسط يده بسطاً لا يتعلق بسببه فيها شيء مما تقبض الأيدي عليه، وفي هذا التصوير مبالغة بليغة. ثم بيّن سبحانه غائلة الطرفين المنهيّ عنهما فقال :
﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ عند الناس بسبب ما أنت عليه من الشح
﴿ مَحْسُوراً ﴾ بسبب ما فعلته من الإسراف، أي : منقطعاً عن المقاصد بسبب الفقر، والمحسور في الأصل : المنقطع عن السير، من حسره السفر إذا بلغ منه، والبعير الحسير : هو الذي ذهبت قوّته فلا انبعاث به، ومنه قوله تعالى :
﴿ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [ الملك : ٤ ]. أي : كليل منقطع ؛ وقيل : معناه نادماً على ما سلف، فجعله هذا القائل من الحسرة التي هي الندامة، وفيه نظر، لأن الفاعل من الحسرة : حسران. ولا يقال محسور إلاّ للملوم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
ثم سلى رسوله والمؤمنين بأن الذين يرهقهم من الإضافة ليس لهوانهم على الله سبحانه، ولكن لمشيئة الخالق الرازق فقال :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ أي : يوسعه على بعض ويضيقه على بعض لحكمة بالغة لا لكون من وسع له رزقه مكرماً عنده، ومن ضيقه عليه هائناً لديه. قيل : ويجوز أن يراد أن البسط والقبض إنما هما من أمر الله الذي لا تفنى خزائنه. فأما عباده فعليهم أن يقتصدوا. ثم علل ما ذكره من البسط للبعض والتضييق على البعض بقوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ أي : يعلم ما يسرون وما يعلنون، لا يخفى عليه من ذلك خافية، فهو الخبير بأحوالهم، البصير بكيفية تدبيرهم في أرزاقهم، وفي هذه الآية دليل على أنه المتكفل بأرزاق عباده، فلذلك قال بعدها :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق ﴾ أملق الرجل : لم يبق له إلاّ الملقات، وهي الحجارة العظام الملس، قال الهذلي يصف صائداً :
أتيح لها أقيدر ذو خشيف *** إذا سامت على الملقات ساما
الأقيدر تصغير الأقدر : وهو الرجل القصير، والخشيف من الثياب : الخلق، وسامت : مرّت، ويقال : أملق : إذا افتقر وسلب الدهر ما بيده. قال أوس :
وأملق ما عندي خطوب تنبل ***. . .
نهاهم الله سبحانه عن أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر، وقد كانوا يفعلون ذلك، ثم بيّن لهم أن خوفهم من الفقر حتى يبلغوا بسبب ذلك إلى قتل الأولاد لا وجه له، فإن الله سبحانه هو الرازق لعباده، يرزق الأبناء كما يرزق الآباء، فقال :﴿ نحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ﴾ ولستم لهم برازقين حتى تصنعوا بهم هذا الصنع، وقد مرّ مثل هذه الآية في الأنعام ثم علل سبحانه النهي عن قتل الأولاد لذلك بقوله :﴿ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾. قرأ الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز المقصور.
وقرأ ابن عامر ( خطأ ) بفتح الخاء والطاء والقصر في الهمز، يقال : خطئ في دينه خطئاً : إذا أثم، وأخطأ : إذا سلك سبيل خطأً عامداً أو غير عامد. قال الأزهري، خطئ يخطأ خطئاً، مثل : أثم يأثم إثماً، إذا تعمد الخطأ، وأخطأ : إذا لم يتعمد إخطاء وخطأ، قال الشاعر :
دَعِيني إنما خطاء وصدا *** عليَّ وأَنَّ مَا أهلكتُ، مالي
والخطأ : الاسم يقوم مقام الأخطاء، وفيه لغتان : القصر، وهو الجيد، والمدّ وهو قليل. وقرأ ابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمز. قال النحاس : ولا أعرف لهذه القراءة وجهاً، وكذلك جعلها أبو حاتم غلطاً. وقرأ الحسن ( خطا ) بفتح الخاء والطاء منوّنة من غير همز.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
ولما نهى سبحانه عن قتل الأولاد المستدعي لإفناء النسل، ذكر النهي عن الزنا المفضي إلى ذلك لما فيه من اختلاط الأنساب فقال :
﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ وفي النهي عن قربانه بمباشرة مقدماته نهي عنه بالأولى، فإن الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حراماً كان المتوسل إليه حراماً بفحوى الخطاب، والزنا فيه لغتان : المد، والقصر. قال الشاعر :
كَانَتْ فَرِيضةُ مَا تَقُولُ كَمَا | كان الزناء فريضةَ الرَّجْمِ |
ثم علل النهي عن الزنا بقوله :
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾ أي : قبيحاً متبالغاً في القبح، مجاوزاً للحدّ
﴿ وَسَاء سَبِيلاً ﴾ أي : بئس طريقاً طريقه، وذلك لأنه يؤدي إلى النار، ولا خلاف في كونه من كبائر الذنوب. وقد ورد في تقبيحه والتنفير عنه من الأدلة ما هو معلوم. ولما فرغ من ذكر النهي عن القتل لخصوص الأولاد، وعن النهي عن الزنا الذي يفضي إلى ما يفضي إليه قتل الأولاد، من اختلاط الأنساب، وعدم استقرارها، نهى عن قتل الأنفس المعصومة على العموم فقال :
﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ﴾. والمراد بالتي حرّم الله : التي جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد. والمراد بالحق الذي استثناه : هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل، وذلك كالردّة، والزنا من المحصن، وكالقصاص من القاتل عمداً عدواناً، وما يلتحق بذلك. والاستثناء مفرّغ، أي : لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلاّ بسبب متلبس بالحق، أو إلاّ متلبسين بالحق، وقد تقدّم الكلام في هذا في الأنعام. ثم بين حكم بعض المقتولين بغير حق فقال :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا ﴾ أي : لا بسبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعاً ﴿ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ أي : لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين، والسلطان : التسلط على القاتل، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية. ثم لما بيّن إباحة القصاص، لمن هو مستحق لدم المقتول، أو ما هو عوض عن القصاص نهاه عن مجاوزة الحدّ فقال :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ أي : لا يجاوز ما أباحه الله له، فيقتل بالواحد اثنين أو جماعة، أو يمثل بالقاتل أو يعذبه. قرأ الجمهور ﴿ لا يسرف ﴾ بالياء التحتية، أي : الولي، وقرأ حمزة والكسائي ( تسرف ) بالتاء الفوقية، وهو خطاب للقاتل الأوّل، ونهي له عن القتل أي : فلا تسرف أيها القاتل بالقتل فإن عليك القصاص مع ما عليك من عقوبة الله وسخطه ولعنته. وقال ابن جرير : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللأئمة من بعده، أي : لا تقتل يا محمد غير القاتل، ولا يفعل ذلك الأئمة بعدك. وفي قراءة أبي :" ولا تسرفوا "، ثم علل النهي عن السرف فقال :﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ أي : مؤيداً معاناً، يعني : الولي، فإن الله سبحانه قد نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج، وأوضحه من الأدلة، وأمر أهل الولايات بمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه، ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى المقتول، أي : إن الله نصره بوليّه، قيل : وهذه الآية من أوّل ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله :﴿ إِن تَكُونُوا صالحين ﴾ إن تكن النية صادقة ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ قال : الرجاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لِلأوَّابِينَ ﴾ قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ قال : أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال :﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا ﴾ قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله ﴿ فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا ﴾ يكون إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم، قال : فما قرأت في بني إسرائيل :﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم ؟ قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال : والقربى : قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطاباً له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إياه ﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وما بعدها، وهي قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُوا إخوان الشياطين ﴾.
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أن :( أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ قال :( تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين )، فقال : يا رسول الله أقلل لي ؟ قال :( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً ) قال : حسبي يا رسول الله. وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ انتهى. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ﴾ قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا - أصحاب محمد - نتحدّث أن التبذير : النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ المبذرين ﴾ قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا : إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ قال : محبوسة ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ﴿ محْسُوراً ﴾ ليس بيدك شيء. أقول : ولا أدري كيف هذا ؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو :( بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له : اكسني ثوباً، فقال :«ما عندي شيء»، فقالت : ارجع إليه فقل له : اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده :( أنفقي ما على ظهر كفي )، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ الآية )، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً ﴾ قال : يعني بذلك : البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة، يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني : التبذير ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا ﴾، يلوم نفسه على ما فاته من ماله ﴿ مَحْسُوراً ﴾ ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ قال : ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له، أغناه، وإن كان الفقر خيراً له، أفقره. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خشْيَةَ إملاق ﴾ قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ خطأ ﴾ قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا ﴾ قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ ( إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال : أخذتها من في رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ الآية، قال : هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً أو أخاً أو واحداً من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقيل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه :﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس ﴾ إلى قوله :﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا ﴾ قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ﴿ فَلاَ يُسْرِف في القتل ﴾ قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضاً : لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٣٤ الى ٤١]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١)
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ النَّهْيَ عَنْ إِتْلَافِ النُّفُوسِ أَتْبَعَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَكَانَ أَهَمَّهَا بِالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ مَالُ الْيَتِيمِ، فَقَالَ: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ وَالنَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِهِ مُبَالَغَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لَهُ وَإِتْلَافِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قُرْبَانِهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فِيمَا يُصْلِحُهُ وَيُفْسِدُهُ، بَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَا يُصْلِحُهُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ مُبَاشَرَتَهُ، فَقَالَ: إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيْ: إِلَّا بِالْخَصْلَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الْخِصَالِ، وَهِيَ حِفْظُهُ وَطَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ وَالسَّعْيُ فِيمَا يَزِيدُ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي لِلنَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِ مَالِ الْيَتِيمِ فَقَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ أَيْ: لَا تَقْرَبُوهُ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَتِيمُ أَشُدَّهُ، فَإِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ كَانَ لَكُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ إِلَيْهِ، أَوْ تَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِإِذْنِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْأَنْعَامِ.
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعَهْدِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَمَا بَيْنَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ. وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ: هُوَ الْقِيَامُ بِحِفْظِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَانُونِ الْمَرْضِيِّ، إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ خَاصٌّ عَلَى جَوَازِ النَّقْضِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا أي: مسؤولا عنه، فالمسؤول هُنَا هُوَ صَاحِبُهُ، وَقِيلَ: إِنَّ الْعَهْدَ يُسْأَلُ تَبْكِيتًا لِنَاقِضِهِ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ أَيْ: أَتِمُّوا الْكَيْلَ وَلَا تُخْسِرُوهُ وَقْتَ كَيْلِكُمْ لِلنَّاسِ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ قَالَ الزَّجَّاجُ:
هُوَ مِيزَانُ الْعَدْلِ، أَيْ مِيزَانٌ كَانَ مِنْ مَوَازِينِ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ لُغَتَانِ: ضَمُّ الْقَافِ، وَكَسْرُهَا. وَقِيلَ:
هُوَ الْقَبَّانُ الْمُسَمَّى بِالْقَرْسَطُونِ وَقِيلَ: هُوَ الْعَدْلُ نَفْسُهُ، وَهِيَ لُغَةُ الرُّومِ وَقِيلَ: لُغَةٌ سُرْيَانِيَّةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْقُسْطَاسِ بِضَمِّ الْقَافِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ خَيْرٌ أَيْ: خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ يَتَأَثَّرُ عَنْهُ حُسْنُ الذِّكْرِ وَتَرْغِيبِ النَّاسِ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أَيْ: أَحْسَنُ عَاقِبَةً، مِنْ آلَ إِذَا رَجَعَ. ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِصْلَاحِ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فَقَالَ: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أَيْ: لَا تَتَّبِعْ مَا لَا تَعْلَمُ، مِنْ قَوْلِكَ: قَفَوْتُ فُلَانًا إِذَا اتَّبَعْتَ أَثَرَهُ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشِّعْرِ لِأَنَّهَا تَقْفُو كُلَّ بَيْتٍ، وَمِنْهُ الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْقَافَةِ لِأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ آثَارَ أَقْدَامِ النَّاسِ. وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: قفا وقاف مثل عتا وعات. قَالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ: قَفَا وَقَافَ، مِثْلُ جَذَبَ وَجَبَذَ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ: تَقُفْ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ. وَقَرَأَ الْفَرَّاءُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ لُغَةٌ
269
لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وَأَنْكَرَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ مَا لَا يَعْلَمُ أَوْ يَعْمَلُ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، وَقَدْ جَعَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ خَاصَّةً بِأُمُورٍ فَقِيلَ: لَا تَذُمَّ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وَقِيلَ: هِيَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ، وَقِيلَ: هِيَ في القذف. وقال القتبي: مَعْنَى الْآيَةِ: لَا تَتَّبِعِ الْحَدْسَ وَالظُّنُونَ، وَهَذَا صَوَابٌ، فَإِنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا هُوَ الِاعْتِقَادُ الرَّاجِحُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ مُسْتَنَدٍ قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا، قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي تَفْسِيرِهِ: وَاسْتِعْمَالُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُنْكَرُ شُيُوعُهُ. وَأَقُولُ:
إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَلَكِنَّهَا عَامَّةٌ مُخَصَّصَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ بِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ، كَالْعَمَلِ بِالْعَامِّ، وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ، وَفِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا تُخْرَجُ مِنْ عُمُومِهَا وَمِنْ عُمُومِ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ، فَالْعَمَلُ بِالرَّأْيِ فِي مَسَائِلِ الشَّرْعِ إِنْ كَانَ لِعَدَمِ وُجُودِ الدَّلِيلِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ قَاضِيًا:
«بِمَ تَقْضِي؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي» وَهُوَ حَدِيثٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي بَحْثٍ مُفْرَدٍ. وَأَمَّا التَّوَثُّبُ عَلَى الرَّأْيِ مَعَ وُجُودِ الدَّلِيلِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ- وَلَكِنَّهُ قَصْرُ صَاحِبِ الرَّأْيِ عَنِ الْبَحْثِ فَجَاءَ بِرَأْيِهِ- فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذَا النَّهْيِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، لِأَنَّهُ مَحْضُ رَأْيٍ فِي شَرْعِ اللَّهِ، وَبِالنَّاسِ عَنْهُ غِنًى بِكِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَدْعُ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، عَلَى أَنَّ التَّرْخِيصَ فِي الرَّأْيِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الدَّلِيلِ إِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِلْمُجْتَهِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ بِهِ وَيُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ مَسَائِلِ الشَّرْعِ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَكَ أَتَمَّ اتِّضَاحٍ، وَيَظْهَرُ لَكَ أَكْمَلَ ظُهُورٍ أَنَّ هَذِهِ الْآرَاءَ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْكُتُبِ الْفُرُوعِيَّةِ لَيْسَتْ مِنَ الشَّرْعِ فِي شَيْءٍ، وَالْعَامِلُ بِهَا عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَالْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الرَّأْيِ قَدْ قَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَالْمُقَلِّدُ الْمِسْكِينُ الْعَامِلُ بِرَأْيِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ قَدْ عَمِلَ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَلَا لِمَنْ قَلَّدَهُ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِالْعَقَائِدِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ النَّهْيَ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بعلم بِقَوْلِهِ: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا إِشَارَةٌ إِلَى الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَأُجْرِيَتْ مَجْرَى الْعُقَلَاءِ لما كانت مسؤولة عَنْ أَحْوَالِهَا شَاهِدَةً عَلَى أَصْحَابِهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَمَّا يَعْقِلُ وَعَمًّا لَا يَعْقِلُ بِأُولَئِكَ، وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ مُسْتَدِلًّا عَلَى جَوَازِ هَذَا قَوْلَ الشَّاعِرِ
«١» :
ذَمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى | وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ |
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ، وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ. وَالضَّمِيرُ فِي كان من قوله: كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا يَرْجِعُ إِلَى كُلُّ، وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي عَنْهُ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي كَانَ يَعُودُ إِلَى الْقَافِي الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلا تَقْفُ. وَقَوْلُهُ: عَنْهُ في محل رفع لإسناد مسؤولا إِلَيْهِ، وَرَدَ بِمَا حَكَاهُ النَّحَّاسُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْفَاعِلِ إِذَا كَانَ جَارَّا أَوْ مَجْرُورًا. قِيلَ: وَالْأَوْلَى
270
أن يقال إنه فاعل مسؤولا الْمَحْذُوفُ، وَالْمَذْكُورُ مُفَسِّرٌ لَهُ. وَمَعْنَى سُؤَالِ هَذِهِ الْجَوَارِحِ أَنَّهُ يَسْأَلُ صَاحِبَهَا عَمَّا اسْتَعْمَلَهَا فِيهِ لأنها آلات، والمستعمل لها هُوَ الرُّوحُ الْإِنْسَانِيُّ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَهَا فِي الْخَيْرِ اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ، وَإِنِ اسْتَعْمَلَهَا فِي الشَّرِّ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُنْطِقُ الْأَعْضَاءَ هَذِهِ عِنْدَ سُؤَالِهَا فَتُخْبِرُ عَمَّا فَعَلَهُ صَاحِبُهَا وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً الْمَرَحُ: قِيلَ هُوَ شِدَّةُ الْفَرَحِ، وَقِيلَ: التَّكَبُّرُ فِي الْمَشْيِ، وَقِيلَ:
تَجَاوُزُ الْإِنْسَانِ قَدْرَهُ، وَقِيلَ: الْخُيَلَاءُ فِي الْمَشْيِ، وَقِيلَ: الْبَطَرُ وَالْأَشَرُ، وَقِيلَ: النَّشَاطُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْخُيَلَاءُ وَالْفَخْرُ، قَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: لَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مُخْتَالًا فَخُورًا، وَذَكَرَ الْأَرْضَ مَعَ أَنَّ الْمَشْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَيْهَا تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا، وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الْأَرْضِ إِلَّا تَوَاضُعًا | فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمْ مِنْكَ أَرْفَعُ |
وَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِرْزٍ وَمَنَعَةٍ | فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَوْمٍ هُمْ مِنْكَ أَمْنَعُ |
وَالْمَرَحُ مَصْدَرٌ وَقَعَ حَالًا، أَيْ: ذَا مَرَحٍ، وَفِي وَضْعِ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الصِّفَةِ نَوْعُ تَأْكِيدٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَرَحاً بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ. وَحَكَى يَعْقُوبُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَسْرَهَا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ، ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ هَذَا النَّهْيَ فَقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ يُقَالُ خَرَقَ الثَّوْبَ، أَيْ: شَقَّهُ، وَخَرَقَ الْأَرْضَ قَطَعَهَا، وَالْخَرْقُ: الْوَاسِعُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بِمَشْيِكَ عَلَيْهَا تَكَبُّرًا، وَفِيهِ تَهَكُّمٌ بِالْمُخْتَالِ الْمُتَكَبِّرِ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا أَيْ: وَلَنْ تَبْلُغَ قُدْرَتُكَ إِلَى أَنْ تُطَاوِلَ الْجِبَالَ حَتَّى يَكُونَ عَظْمُ جُثَّتِكَ حَامِلًا لَكَ عَلَى الْكِبَرِ وَالِاخْتِيَالِ، فَلَا قُوَّةَ لَكَ حَتَّى تَخْرِقَ الْأَرْضَ بِالْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَلَا عِظَمَ فِي بَدَنِكَ حَتَّى تُطَاوِلَ الْجِبَالَ، فَمَا الْحَامِلُ لَكَ عَلَى مَا أنت فيه؟ وطولا مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَوْ تَمْيِيزٌ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِخَرْقِ الْأَرْضِ نَقْبُهَا لَا قَطْعُهَا بِالْمَسَافَةِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: خَرَقَهَا: قَطَعَهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَبْيَنُ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَرْقِ، وَهُوَ الْفَتْحَةُ الْوَاسِعَةُ وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَخْرَقُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ: أَكْثَرُ سَفَرًا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: كُلُّ ذلِكَ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، أَوْ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ فَقَطْ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَقْفُ- وَلا تَمْشِ قَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَمَسْرُوقٌ سَيِّئُهُ عَلَى إِضَافَةِ سَيِّئٍ إِلَى الضَّمِيرِ، وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ قَوْلُهُ: مَكْرُوهاً فَإِنَّ السَّيِّئَ هُوَ الْمَكْرُوهُ، وَيُؤَيِّدُهَا أَيْضًا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ:
«كَانَ سَيِّئَاتُهُ»، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو
«سَيِّئَةً» عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةُ السَّيِّئَاتِ، وَانْتِصَابُهَا عَلَى خَبَرِيَّةِ كَانَ، وَيَكُونُ مَكْرُوهاً صِفَةً لِسَيِّئَةٍ عَلَى الْمَعْنَى، فَإِنَّهَا بِمَعْنَى سَيِّئًا، أَوْ هُوَ بَدَلٌ مِنْ سَيِّئَةٍ وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِكَانَ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ كُلُّ، وَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ الْبَدَلَ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ بِغَيْرِ هَذَا مِمَّا فِيهِ تَعَسُّفٌ لَا يَخْفَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْإِضَافَةُ أحسن لأن ما تقدّم من الآيات فيها سَيِّئٌ وَحَسَنٌ، فَسَيِّئُهُ الْمَكْرُوهُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ التَّذْكِيرُ فِي الْمَكْرُوهِ قَالَ: وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّنْوِينِ جَعَلَ كُلُّ ذلِكَ إِحَاطَةً بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ الْحَسَنِ، الْمَعْنَى: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَانَ سَيِّئَةً وَكَانَ مَكْرُوهًا، قَالَ: وَالْمَكْرُوهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بَدَلٌ مِنَ السَّيِّئَةِ وَلَيْسَ بِنَعْتٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَكْرُوهِ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُبْغِضُهُ وَلَا يَرْضَاهُ، لَا أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ مُطْلَقًا لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ وَاقِعَةٌ بِإِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَذَكَرَ مُطْلَقَ الْكَرَاهَةِ مَعَ أَنَّ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا هُوَ
271
مِنَ الْكَبَائِرِ إِشْعَارًا بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ تَعَالَى يُوجِبُ انْزِجَارَ السَّامِعِ وَاجْتِنَابُهُ لِذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْخِصَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا هُوَ حَسَنٌ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَمَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَعَلَى قِرَاءَةِ الْإِضَافَةِ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بقوله:
كُلُّ ذلِكَ إلى جميع الخصال حسنها ومكروهها، ثم الإخبار بأن ما هو سيئ من هذه الأشياء وهو المنهي عنه مكروه عند الله، وعلى قراءة الإفراد من دون إضافة تَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَنْهِيَّاتِ، ثُمَّ الْإِخْبَارُ عَنْ هذه المنهيات بأنها سيئة مكروهة عند الله ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ:
لَا تَجْعَلْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، وَتَرْتَقِي إِلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ تَكْلِيفًا، مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ أَيْ: مِنْ جِنْسِهِ أَوْ بَعْضٍ مِنْهُ، وَسُمِّيَ حِكْمَةً لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُحْكَمٌ، وَهُوَ مَا عَلَّمَهُ مِنَ الشَّرَائِعِ أَوْ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُحْكَمَةِ الَّتِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الْفَسَادُ. وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ أَنَّ الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته، ومِنَ الْحِكْمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا، أَيْ: كَائِنًا مِنَ الْحِكْمَةِ، أَوْ بَدَلٌ مِنَ الْمَوْصُولِ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْحَى وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ النَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ رَأَسُ خِصَالِ الدِّينِ وَعُمْدَتُهُ. قِيلَ: وَقَدْ رَاعَى سُبْحَانَهُ فِي هَذَا التَّأْكِيدِ دَقِيقَةً
«١» فَرَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ كَوْنَهُ مَذْمُومًا مَخْذُولًا، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَالِ الشِّرْكِ فِي الدُّنْيَا، وَرَتَّبَ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَالِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي الْقُعُودِ هُنَاكَ، وَالْإِلْقَاءُ هُنَا، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا صُورَةَ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَلُومِ وَالْمَدْحُورِ. أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَصْفَاكُمْ خَصَّكُمْ، وَقَالَ الْفَضْلُ: أَخْلَصَكُمْ، وَهُوَ خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَفِيهِ تَوْبِيخٌ شَدِيدٌ وَتَقْرِيعٌ بَالِغٌ لِمَا كَانَ يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ كَنَظَائِرِهِ مِمَّا قَدْ كَرَّرْنَاهُ. إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ يَعْنِي الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لَهُمُ الذُّكُورَ وَلِلَّهِ الْإِنَاثُ قَوْلًا عَظِيماً بَالِغًا فِي الْعِظَمِ والجرأة عَلَى اللَّهِ إِلَى مَكَانٍ لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ أَيْ: بَيَّنَّا ضُرُوبَ الْقَوْلِ فِيهِ مِنَ الْأَمْثَالِ وَغَيْرِهَا، أَوْ كَرَّرْنَا فِيهِ وَقِيلَ: فِي زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا هَذَا الْقُرْآنَ، وَالتَّصْرِيفُ فِي الْأَصْلِ: صَرْفُ الشَّيْءِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ وَقِيلَ: مَعْنَى التَّصْرِيفِ الْمُغَايِرَةُ، أَيْ: غَايَرْنَا بَيْنَ الْمَوَاعِظِ لِيَتَذَكَّرُوا وَيَعْتَبِرُوا، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ صَرَّفْنا بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِالتَّخْفِيفِ، ثُمَّ عَلَّلَ تَعَالَى ذَلِكَ فَقَالَ: لِيَذَّكَّرُوا أَيْ: لِيَتَّعِظُوا وَيَتَدَبَّرُوا بِعُقُولِهِمْ وَيَتَفَكَّرُوا فِيهِ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى بُطْلَانِ مَا يَقُولُونَهُ.
قَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
«لِيَذْكُرُوا» مُخَفَّفًا، وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٌ لِمَا تُفِيدُهُ مِنْ مَعْنَى التَّكْثِيرِ، وَجُمْلَةُ وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا التَّصْرِيفَ وَالتَّذْكِيرَ مَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا تَبَاعُدًا عَنِ الْحَقِّ وَغَفْلَةً عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّوَابِ لِأَنَّهُمْ قَدِ اعْتَقَدُوا فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ حِيلَةٌ وَسِحْرٌ وَكِهَانَةٌ وَشِعْرٌ، وَهُمْ لَا يَنْزِعُونَ عَنْ هَذِهِ الْغِوَايَةِ وَلَا وَازِعَ لَهُمْ يَزَعُهُمْ إِلَى الْهِدَايَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ قَالَ: كَانُوا لَا يُخَالِطُونَهُمْ فِي مَالٍ
272
وقد تقدّم الكلام على هذا مستوفى في الأنعام ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾ قد مضى الكلام فيه في غير موضع. قال الزجاج : كل ما أمر الله به ونهى عنه، فهو من العهد، فيدخل في ذلك ما بين العبد وربه، وما بين العباد بعضهم البعض. والوفاء بالعهد : هو القيام [ بحفظه ] على الوجه الشرعي والقانون المرضي، إلاّ إذا دلّ دليل خاص على جواز النقض ﴿ إِنَّ العهد كَانَ مَّسْؤولاً ﴾ أي : مسئولاً عنه، فالمسئول هنا : هو صاحبه، وقيل : إن العهد يسأل تبكيتاً لناقضه. ﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ أي : أتموا الكيل ولا تخسروه وقت كيلكم للناس. ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس المستقيم ﴾. قال الزجاج : هو ميزان العدل أيّ : ميزان كان من موازين الدراهم وغيرها، وفيه لغتان : ضم القاف، وكسرها، وقيل هو القبّان المسمى بالقرسطون ؛ وقيل هو العدل نفسه، وهي لغة الروم، وقيل : لغة سريانية. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر ( القُسطاس ) بضم القاف، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بكسر القاف، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى إيفاء الكيل والوزن، وهو مبتدأ، وخبره ﴿ خَيْرٌ ﴾ أي : خير لكم عند الله وعند الناس، يتأثر عنه حسن الذكر وترغيب الناس في معاملة من كان كذلك ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ أي : أحسن عاقبة، من آل إذا رجع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
ثم أمر سبحانه بإصلاح اللسان والقلب فقال :
﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي : لا تتبع ما لا تعلم، من قولك : قفوت فلاناً : إذا اتبعت أثره، ومنه قافية الشعر، لأنها تقفو كل بيت، ومنه القبيلة المشهورة بالقافة، لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس. وحكى ابن جرير عن فرقة أنها قالت : قفا وقاف، مثل عثا وعاث. قال منذر بن سعيد البلوطي : قفا وقاف، مثل جذب وجبذ. وحكى الكسائي عن بعض القراء أنه قرأ ( تَقُفْ ) بضم القاف وسكون الفاء.
وقرأ الفراء بفتح القاف وهي لغة لبعض العرب، وأنكرها أبو حاتم وغيره. ومعنى الآية : النهي عن أن يقول الإنسان ما لا يعلم، أو يعمل بما لا علم له به، وهذه قضية كلية، وقد جعلها جماعة من المفسرين خاصة بأمور : فقيل : لا تذم أحداً بما ليس لك به علم ؛ وقيل : هي في شهادة الزور ؛ وقيل : هي في القذف. وقال القتيبي : معنى الآية : لا تتبع الحدس والظنون، وهذا صواب، فإن ما عدا ذلك هو العلم ؛ وقيل : المراد بالعلم هنا : هو الاعتقاد الراجح المستفاد من مستند قطعياً كان أو ظنياً. قال أبو السعود في تفسيره : واستعماله بهذا المعنى مما لا ينكر شيوعه. وأقول : إن هذه الآية قد دلت على عدم جواز العمل بما ليس بعلم، ولكنها عامة مخصصة بالأدلة الواردة بجواز العمل بالظنّ كالعمل بالعامّ، وبخبر الواحد، والعمل بالشهادة، والاجتهاد في القبلة وفي جزاء الصيد ونحو ذلك، فلا تخرج من عمومها ومن عموم
﴿ إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا ﴾ [ يونس : ٣٦ ]. إلاّ ما قام دليل جواز العمل به، فالعمل بالرأي في مسائل الشرع إن كان لعدم وجود الدليل في الكتاب والسنّة، فقد رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه قاضياً :( بم تقضي ؟ قال بكتاب الله، قال : فإن لم تجد، قال : فبسنّة رسول الله، قال : فإن لم تجد، قال : أجتهد رأيي ). وهو حديث صالح للاحتجاج به كما أوضحنا ذلك في بحث مفرد. وأما التوثب على الرأي مع وجود الدليل في الكتاب أو السنّة، ولكنه قصر صاحب الرأي عن البحث فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهي دخولاً أوّلياً، لأنه محض رأي في شرع الله، وبالناس عنه غنىً بكتاب الله سبحانه وبسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم تدع إليه حاجة، على أن الترخيص في الرأي عند عدم وجود الدليل إنما هو رخصة للمجتهد يجوز له أن يعمل به، ولم يدل دليل على أنه يجوز لغيره العمل به، وينزله منزلة مسائل الشرع، وبهذا يتضح لك أتمّ اتضاح، ويظهر لك أكمل ظهور أن هذه الآراء المدوّنة في الكتب الفروعية ليست من الشرع في شيء، والعامل بها على شفا جرف هار، فالمجتهد المستكثر من الرأي قد قفا ما ليس له به علم، والمقلد المسكين العامل برأي ذلك المجتهد قد عمل بما ليس له به علم ولا لمن قلده
﴿ ظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ [ النور : ٤٠ ]. وقد قيل : إن هذه الآية خاصة بالعقائد ولا دليل على ذلك أصلاً. ثم علل سبحانه النهي عن العمل بما ليس بعلم بقوله :
﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَّسْؤُولاً ﴾ إشارة إلى الأعضاء الثلاثة، وأجريت مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها. وقال الزجاج : إن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل ب : أولئك، وأنشد ابن جرير مستدلاً على جواز هذا قول الشاعر :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى | والعيش بعد أولئك الأيام |
واعترض بأن الرواية بعد أولئك الأقوام، وتبعه غيره على هذا الخطأ كصاحب الكشاف. والضمير في
﴿ كان ﴾ من قوله :
﴿ كَانَ عَنْهُ مَّسْؤولاً ﴾ يرجع إلى " كل "، وكذا الضمير في " عنه "، وقيل : الضمير في
﴿ كان ﴾ يعود إلى القافي المدلول عليه بقوله :
﴿ وَلاَ تَقف ﴾. وقوله :
«عنه » في محل رفع لإسناد
﴿ مسؤولاً ﴾ إليه، ورد بما حكاه النحاس من الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جاراً أو مجروراً. قيل : والأولى أن يقال : إنه فاعل
﴿ مسؤولاً ﴾ المحذوف، والمذكور مفسر له. ومعنى سؤال هذه الجوارح : أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات، والمستعمل لها : هو الروح الإنساني، فإن استعملها في الخير استحق الثواب، وإن استعملها في الشرّ استحق العقاب ؛ وقيل : إن الله سبحانه ينطق الأعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله صاحبها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ المرح : قيل : هو شدّة الفرح، وقيل : التكبر في المشي ؛ وقيل : تجاوز الإنسان قدره ؛ وقيل : الخيلاء في المشي ؛ وقيل : البطر والأشر، وقيل : النشاط. والظاهر أن المراد به هنا : الخيلاء والفخر، قال الزجاج في تفسير الآية : لا تمش في الأرض مختالاً فخوراً، وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلاّ عليها، أو على ما هو معتمد عليها تأكيداً وتقريراً، ولقد أحسن من قال :
ولا تمش فوق الأرض إلاّ تواضعا | فكم تحتها قوم هم منك أرفع |
وإن كنت في عزّ وحرز ومنعة | فكم مات من قوم هم منك أمنع |
والمرح مصدر وقع حالاً، أي : ذا مرح. وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد. وقرأ الجمهور
﴿ مرحاً ﴾ بفتح الراء على المصدر. وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل ثم علل سبحانه هذا النهي فقال :
﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض ﴾ يقال : خرق الثوب أي : شقه، وخرق الأرض : قطعها، والخرق : الواسع من الأرض، والمعنى : أنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها تكبراً، وفيه تهكم بالمختال المتكبر
﴿ وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً ﴾ أي : ولن تبلغ قدرتك إلى أن تطاول الجبال حتى يكون عظم جثتك حاملاً لك على الكبر والاختيال، فلا قوّة لك حتى تخرق الأرض بالمشي عليها، ولا عظم في بدنك حتى تطاول الجبال، فما الحامل لك على ما أنت فيه ؟. و
﴿ طولاً ﴾ مصدر في موضع الحال، أو تمييز، أو مفعول له ؛ وقيل : المراد بخرق الأرض نقبها، لا قطعها بالمسافة. وقال الأزهري : خرقها : قطعها، قال النحاس : وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق، وهو : الفتحة الواسعة، ويقال : فلان أخرق من فلان : أي أكثر سفراً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
والإشارة بقوله :﴿ كُلُّ ذلك ﴾ إلى جميع ما تقدّم ذكره من الأوامر والنواهي، أو إلى ما نهى عنه فقط من قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ ﴿ وَلاَ تَمْشِ ﴾. قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، ومسروق ( سيئه ) على إضافة سيء إلى الضمير، ويؤيد هذه القراءة قوله :﴿ مَكْرُوهًا ﴾ فإن السيئ هو المكروه. ويؤيدها أيضاً قراءة أبيّ :( كان سيئاته )، واختار هذه القراءة أبو عبيد. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ( سيئة ) على أنها واحدة السيئات، وانتصابها على خبرية كان، ويكون ﴿ مكروهاً ﴾ صفة ل«سيئة » على المعنى، فإنها بمعنى «سيئاً »، أو هو بدل من «سيئة » ؛ وقيل : هو خبر ثانٍ ل«كان » حملاً على لفظ ﴿ كل ﴾، ورجح أبو علي الفارسي البدل، وقد قيل في توجيهه بغير هذا مما فيه تعسف لا يخفى. قال الزجاج : والإضافة أحسن، لأن ما تقدّم من الآيات فيها سيء وحسن، فسيئه المكروه. ويقوّي ذلك التذكير في المكروه، قال : ومن قرأ بالتنوين جعل ﴿ كل ذلك ﴾ إحاطة بالمنهيّ عنه دون الحسن. المعنى : كل ما نهى الله عنه كان سيئة وكان مكروهاً. قال : والمكروه على هذه القراءة بدل من السيئة، وليس بنعت. والمراد بالمكروه عند الله : هو الذي يبغضه ولا يرضاه، لا أنه غير مراد مطلقاً، لقيام الأدلة القاطعة على أن الأشياء واقعة بإرادته سبحانه، وذكر مطلق الكراهة مع أن في الأشياء المتقدّمة ما هو من الكبائر إشعاراً بأن مجرّد الكراهة عنده تعالى يوجب انزجار السامع واجتنابه لذلك. والحاصل : أن في الخصال المتقدّمة ما هو حسن وهو المأمور به، وما هو مكروه وهو المنهيّ عنه، فعلى قراءة الإضافة تكون الإشارة بقوله :﴿ كُلُّ ذلك ﴾ إلى جميع الخصال حسنها ومكروهها، ثم الإخبار بأن ما هو سيء من هذه الأشياء وهو المنهي عنه مكروه عند الله، وعلى قراءة الإفراد من دون إضافة تكون الإشارة إلى المنهيات، ثم الإخبار عن هذه المنهيات بأنها سيئة مكروهة عند الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
﴿ ذلك مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة ﴾ الإشارة إلى ما تقدّم ذكره من قوله :﴿ لا تَجْعَل ﴾ إلى هذه الغاية، وترتقي إلى خمسة وعشرين تكليفاً، ﴿ مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ ﴾ أي : من جنسه أو بعض منه، وسمي حكمة لأنه كلام محكم، وهو ما علمه من الشرائع، أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها الفساد، وعند الحكماء : أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته، و﴿ من الحكمة ﴾ متعلق بمحذوف وقع حالاً، أي : كائناً من الحكمة، أو بدل من الموصول بإعادة الجار، أو متعلق ب﴿ أوحى ﴾. ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾ كرر سبحانه النهي عن الشرك تأكيداً وتقريراً وتنبيهاً عن أنه رأس خصال الدين وعمدته. قيل : وقد راعى سبحانه في هذا التأكيد دقيقة، فرتب على الأوّل كونه مذموماً مخذولاً، وذلك إشارة إلى حال الشرك في الدنيا، ورتب على الثاني أنه يلقى ﴿ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ وذلك إشارة إلى حاله في الآخرة، وفي القعود هناك، والإلقاء هنا إشارة إلى أن للإنسان في الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة، وقد تقدّم تفسير الملوم والمدحور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
﴿ أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثًا ﴾ قال أبو عبيدة :﴿ أصفاكم ﴾ : خصكم، وقال الفضل : أخلصكم، وهو خطاب للكفار القائلين بأن الملائكة بنات الله، وفيه توبيخ شديد، وتقريع بالغ لما كان يقوله هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل، والفاء للعطف على مقدّر، كنظائره مما قد كررناه. ﴿ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ ﴾ يعني : القائلين بأن لهم الذكر ولله الإناث ﴿ قَوْلاً عَظِيمًا ﴾ بالغاً في العظم والجراءة على الله إلى مكان لا يقادر قدره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذا القرآن ﴾ أي : بينا ضروب القول فيه من الأمثال وغيرها، أو كررنا فيه ؛ وقيل. «في » زائدة، والتقدير ولقد صرفنا هذا القرآن. والتصريف في الأصل : صرف الشيء من جهة إلى جهة ؛ وقيل : معنى التصريف : المغايرة، أي : غايرنا بين المواعظ ليتذكروا ويعتبروا، وقراءة الجمهور ﴿ صرّفنا ﴾ بالتشديد، وقرأ الحسن بالتخفيف، ثم علل تعالى ذلك فقال :﴿ ليَذْكُرُوا ﴾ أي : ليتعظوا ويتدبروا بعقولهم ويتفكروا فيه حتى يقفوا على بطلان ما يقولونه. قرأ يحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي ( ليذكروا ) مخففاً، والباقون بالتشديد، واختارها أبو عبيد لما تفيده من معنى التكثير، وجملة ﴿ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ﴾ في محل نصب على الحال، أي : والحال أن هذا التصريف والتذكير ما يزيدهم إلاّ تباعداً عن الحق وغفلة عن النظر في الصواب، لأنهم قد اعتقدوا في القرآن أنه حيلة وسحر وكهانة وشعر، وهم لا ينزعون عن هذه الغواية ولا وازع لهم يزعهم إلى الهداية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِنَّ العهد كَانَ مسْؤولاً ﴾ قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال : يسأل عهده من أعطاه إياه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ ﴾ يعني : لغيركم ﴿ وَزِنُوا بالقسطاس ﴾ يعني : الميزان، وبلغة الروم : الميزان : القسطاس :﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : وفاء الكليل والميزان خير من النقصان ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة. وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القسطاس : العدل بالرومية. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : القسطاس : القبّان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الحديد. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ قال : لا تقل. وأخرج ابن جرير عنه قال : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال : شهادة الزور. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ يقول : سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه. وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله :﴿ كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ قال : يوم القيامة أكذلك كان أم لا ؟ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا ﴾ قال : لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن التوراة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ مَدْحُورًا ﴾ قال : مطروداً.
وَلَا مَأْكَلٍ وَلَا مَرْكَبٍ حَتَّى نَزَلَتْ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ
«١». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا قَالَ: يَسْأَلُ اللَّهُ نَاقِضَ الْعَهْدِ عَنْ نَقْضِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَسْأَلُ عَهْدَهُ مَنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ يَعْنِي لِغَيْرِكُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ يَعْنِي الْمِيزَانَ، وَبِلُغَةِ الرُّومِ: الْمِيزَانُ:
الْقِسْطَاسُ ذلِكَ خَيْرٌ يَعْنِي وَفَاءَ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ خَيْرٌ مِنَ النُّقْصَانِ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا عَاقِبَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقِسْطَاسُ: الْعَدْلُ، بِالرُّومِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الْقِسْطَاسُ: الْقَبَّانُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
الحديث. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْفُ قَالَ: لَا تَقُلْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: لا ترم أحدا لما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْآيَةِ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا يَقُولُ: سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَفُؤَادُهُ تَشْهَدُ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ لَا؟. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً قَالَ: لَا تَمْشِ فَخْرًا وَكِبْرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ بِكَ الْجِبَالَ وَلَا أَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بِفَخْرِكَ وَكِبْرِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ التَّوْرَاةَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ تَلَا وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَدْحُوراً قَالَ: مطرودا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٢ الى ٤٨]
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨)
قَوْلُهُ: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ يَقُولُونَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ للقائلين بأن مع الله آلهة أخرى، وإِذاً جواب عن مقالتهم الباطلة وجزاء للو لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَبِيلًا طَرِيقًا لِلْمُغَالَبَةِ وَالْمُمَانَعَةِ، كَمَا تَفْعَلُ الْمُلُوكُ مَعَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُصَاوَلَةِ وَقِيلَ: معناه: إذا لابتغت الآلهة إلى الله القربة والزّلفى عنده، لأنهم دونه، والمشركون
273
إِنَّمَا اعْتَقَدُوا أَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ. وَالظَّاهِرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَمِثْلُ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
«١». ثُمَّ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ، فَقَالَ: سُبْحانَهُ وَالتَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ، وقد تقدّم. وَتَعالى متباعد عَمَّا يَقُولُونَ مِنَ الْأَقْوَالِ الشَّنِيعَةِ وَالْفِرْيَةِ الْعَظِيمَةِ عُلُوًّا أَيْ: تَعَالِيًا، وَلَكِنَّهُ وَضَعَ الْعُلُوَّ مَوْضِعَ التَّعَالِي كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً
«٢». ثُمَّ وَصَفَ الْعُلُوَّ بِالْكِبَرِ مُبَالَغَةً فِي النَّزَاهَةِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ وَالْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ، وَبَيْنَ الْغَنِيِّ الْمُطْلَقِ وَالْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ، مُبَايَنَةً لَا تُعْقَلُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ جَلَالَةَ مُلْكِهِ وَعَظَمَةَ سُلْطَانِهِ فَقَالَ: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قُرِئَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فِي يُسَبِّحُ وَبِالْفَوْقِيَّةِ، وَقَالَ: فِيهِنَّ بِضَمِيرِ الْعُقَلَاءِ لِإِسْنَادِهِ إِلَيْهَا التَّسْبِيحَ الَّذِي هُوَ فِعْلُ العقلاء، وقد أخبر سبحانه عن السموات وَالْأَرْضِ بِأَنَّهَا تُسَبِّحُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ فِيهَا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الَّذِينَ لَهُمْ عُقُولٌ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ، ثُمَّ زَادَ ذَلِكَ تَعْمِيمًا وَتَأْكِيدًا فَقَالَ:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فَشَمَلَ كُلَّ مَا يُسَمَّى شَيْئًا كَائِنًا مَا كَانَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَمَنْ فِيهِنَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالثَّقَلَيْنِ، وَيُحْمَلُ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ عَلَى مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْعُمُومِ هَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ، وَحَمَلُوا التَّسْبِيحَ عَلَى تَسْبِيحِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُدِلُّ غَيْرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقٌ قَادِرٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
هَذَا التَّسْبِيحُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْعُمُومُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ تُسَبِّحُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ هَذَا التَّسْبِيحُ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّنْزِيهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَشَرُ لَا يَسْمَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يَفْهَمُونَهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَسْبِيحَ الدَّلَالَةِ لَكَانَ أَمْرًا مَفْهُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا تَفْقَهُونَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنِ الِاعْتِبَارِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِالْمَلَائِكَةِ وَالثَّقَلَيْنِ دُونَ الْجَمَادَاتِ، وَقِيلَ: خَاصٌّ بِالْأَجْسَامِ النَّامِيَةِ فَيَدْخُلُ النَّبَاتَاتُ، كَمَا رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عن عكرمة والحسن، وخصّا تَسْبِيحَ النَّبَاتَاتِ بِوَقْتِ نُمُوِّهَا لَا بَعْدَ قَطْعِهَا، وَقَدِ اسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ» وَفِيهِ
«ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ اثْنَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» وَيُؤَيِّدُ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ:
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ
«٣» وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
«٤»، وَقَوْلُهُ: وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا
«٥» وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَهُمْ يَأْكُلُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَكَذَا حَدِيثُ حَنِينِ الْجِذْعِ، وَحَدِيثُ
«أَنَّ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ
«وَمِنْ ذَلِكَ تَسْبِيحُ الْحَصَى فِي كَفِّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُدَافَعَةُ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْعَادَاتِ لَيْسَ دَأْبَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَيُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، وَمَعْنَى إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ إِلَّا يُسَبِّحُ مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. قَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ تُسَبِّحُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فَمِنْ حِلْمِهِ الْإِمْهَالُ لَكُمْ، وَعَدَمُ إِنْزَالِ عُقُوبَتِهِ عَلَيْكُمْ، وَمِنْ مَغْفِرَتِهِ لَكُمْ
274
أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ مَنْ تَابَ مِنْكُمْ. وَلَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْإِلَهِيَّاتِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ بَعْضٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَمَا يَقَعُ مِنْ سَامِعِيهِ فَقَالَ: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً جَعَلْنَا بَيْنَكَ يَا مُحَمَّدُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا، أَيْ: إِنَّهُمْ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ قِرَاءَتِكَ وَتَغَافُلِهِمْ عَنْكَ كَمَنَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ يَمُرُّونَ بِكَ وَلَا يَرَوْنَكَ. ذَكَرَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ، وَمَعْنَى مَسْتُورًا سَاتِرٌ.
قَالَ الْأَخْفَشُ: أَرَادَ سَاتِرًا، وَالْفَاعِلُ قَدْ يَكُونُ فِي لَفْظِ الْمَفْعُولِ كَمَا تَقُولُ: إِنَّكَ لَمَشْئُومٌ وَمَيْمُونٌ، وَإِنَّمَا هو شائم ويا من وَقِيلَ: مَعْنَى مَسْتُورًا ذَا سِتْرٍ، كَقَوْلِهِمْ سَيْلٌ مُفْعَمٌ: أَيْ ذُو إِفْعَامٍ، وَقِيلَ: هُوَ حِجَابٌ لَا تَرَاهُ الْأَعْيُنُ فَهُوَ مَسْتُورٌ عَنْهَا، وَقِيلَ: حِجَابٌ مِنْ دُونِهِ حِجَابٌ فَهُوَ مَسْتُورٌ بِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحِجَابِ الْمَسْتُورُ الطَّبْعِ وَالْخَتْمِ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً الْأَكِنَّةُ: جَمْعُ كِنَانٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْأَنْعَامِ، وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةٌ لِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ
«١» وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ
«٢» وأَنْ يَفْقَهُوهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ، أَوْ لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ، أَيْ: يَفْهَمُوا مَا فِيهِ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالْحِكَمِ وَالْمَعَانِي وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أَيْ: صَمَمًا وَثَقَلًا، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ يَسْمَعُوهُ. وَمِنْ قَبَائِحِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَذْكُرَ آلِهَتُهُمْ كَمَا يَذْكُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَإِذَا سَمِعُوا ذِكْرَ اللَّهِ دُونَ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ نَفَرُوا عَنِ الْمَجْلِسِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ أَيْ: وَاحِدًا غَيْرَ مَشْفُوعٍ بِذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، فَهُوَ مَصْدَرٌ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَالِ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً هُوَ مَصْدَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ:
هَرَبُوا نُفُورًا، أَوْ نَفَرُوا نُفُورًا وَقِيلَ: جَمْعُ نَافِرٍ كَقَاعِدٍ وَقُعُودٍ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ: أَيْ: وَلَّوْا نَافِرِينَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أَيْ: يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ مُتَلَبِّسِينَ بِهِ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِكَ وَبِالْقُرْآنِ وَاللَّغْوِ فِي ذِكْرِكَ لِرَبِّكَ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالظَّرْفُ فِي إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ مُتَعَلِّقٍ بِأَعْلَمَ، أَيْ: نَحْنُ أَعْلَمُ وَقْتَ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ، وَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِلْوَعِيدِ، وَقَوْلُهُ: وَإِذْ هُمْ نَجْوى مُتَعَلِّقٌ بِأَعْلَمَ أَيْضًا، أَيْ: وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقْتَ تَنَاجِيهِمْ، وَقَدْ كَانُوا يَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، يَقُولُ: بَدَلٌ مِنْ إِذْ هُمْ نَجْوى. إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً أَيْ: يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِلْآخَرِينَ عِنْدَ تَنَاجِيهِمْ: مَا تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا سُحِرَ فَاخْتَلَطَ عَقْلُهُ وَزَالَ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَسْحُورُ: الذَّاهِبُ الْعَقْلِ الَّذِي أُفْسِدَ مِنْ قَوْلِهِمْ طَعَامٌ مَسْحُورٌ إِذَا أُفْسِدَ عَمَلُهُ، وَأَرْضٌ مَسْحُورَةٌ: أَصَابَهَا مِنَ الْمَطَرِ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْبَغِي فَأَفْسَدَهَا. وَقِيلَ: الْمَسْحُورُ: الْمَخْدُوعُ لِأَنَّ السِّحْرَ حِيلَةٌ وَخَدِيعَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ، وَكَانُوا يَخْدَعُونَهُ بِذَلِكَ التَّعْلِيمِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
مَعْنَى مَسْحُورًا أَنَّ لَهُ سَحْرًا أَيْ: رِئَةً، فَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهُوَ مِثْلُكُمْ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْجَبَانِ: قَدِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مَسْحُورٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَرَانَا موضعين لأمر غيب «٣» | ونسحر بالطّعام وبالشّراب |
275
أَيْ: نُغَذِّي وَنُعَلِّلُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَا أَدْرِي مَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْمُسْتَكْرَهِ مَعَ أَنَّ السَّلَفَ فَسَّرُوهُ بِالْوُجُوهِ الْوَاضِحَةِ. انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ أَيْ: قَالُوا تَارَةً إِنَّكَ كَاهِنٌ، وَتَارَةً سَاحِرٌ، وَتَارَةً شَاعِرٌ، وَتَارَةً مَجْنُونٌ فَضَلُّوا عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إِلَى الْهُدَى، أَوْ إِلَى الطَّعْنِ الَّذِي تَقْبَلُهُ الْعُقُولُ وَيَقَعُ التَّصْدِيقُ لَهُ لَا أَصْلَ الطَّعْنِ، فَقَدْ فَعَلُوا مِنْهُ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ مَخْرَجًا لِتَنَاقُضِ كَلَامِهِمْ كَقَوْلِهِمْ: سَاحِرٌ مَجْنُونٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا قَالَ:
عَلَى أَنْ يُزِيلُوا مُلْكَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى كَانَ جِبْرِيلُ عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السّموات الْعُلَى، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: سَمِعْتُ تَسْبِيحًا مِنَ «١» السّموات العلى مع تسبيح كثير، سبحت السّموات الْعُلَى مِنْ ذِي الْمَهَابَةِ، مُشْفِقَاتٍ لِذِي الْعُلُوِّ بِمَا عَلَا، سُبْحَانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ سَمِعَ هِدَّةً فَقَالَ: أطّت السماء وحقّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا فِيهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ سَاجِدٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إِنَّ نُوحًا قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ آمُرُكَ أَنْ تَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلَائِقِ، وَتَسْبِيحُ الْخَلْقِ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
«مَا مِنْ عَبْدٍ سَبَّحَ تَسْبِيحَةً إِلَّا سَبَّحَ مَا خلق الله من شيء» قَالَ اللَّهُ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ فِيهِ ضَعْفٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: مِنْ أَجْلِ نَمْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ». وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ
«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ وَقَالَ: نَقِيقُهَا تَسْبِيحٌ».
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قَالَ: الزَّرْعُ يُسَبِّحُ وَأَجْرُهُ لِصَاحِبِهِ، وَالثَّوْبُ يُسَبِّحُ، ويقول الوسخ: إن كنت مؤمنا فاغسلني إذا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ إِلَّا الْكَلْبَ وَالْحِمَارَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِغُرَابٍ وَافِرِ الْجَنَاحَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْشُرُ جَنَاحَيْهِ وَيَقُولُ: مَا صِيدَ مِنْ صَيْدٍ وَلَا عُضِدَ مِنْ شَجَرَةٍ إِلَّا بِمَا ضَيَّعَتْ مِنَ التسبيح. وأخرج أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: أَتَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرج أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج
276
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَعْنَى بَعْضِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِمَعْنَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رُهْمٍ نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّوْرَاةِ كَقَدْرِ أَلْفِ آيَةٍ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ تُسَبِّحُ لَهُ الْجِبَالُ، وَيُسَبِّحُ لَهُ الشَّجَرُ، وَيُسَبِّحُ لَهُ كَذَا، وَيُسَبِّحُ لَهُ كَذَا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى دَاوُدُ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ سُرُورًا
«١»، فَنَادَتْهُ ضُفْدَعَةٌ: يَا دَاوُدُ كُنْتُ أَدْأَبَ مِنْكَ، قد أغفيت إغفاء. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ دَاوُدُ فِي مِحْرَابِهِ فَأَبْصَرَ دُودَةً صَغِيرَةً فَفَكَّرَ فِي خَلْقِهَا وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِخَلْقِ هَذِهِ؟ فَأَنْطَقَهَا اللَّهُ فَقَالَتْ: يَا دَاوُدُ أَتُعْجِبُكَ نَفْسُكَ؟ لَأَنَا عَلَى قَدْرِ مَا آتَانِي اللَّهُ أَذْكَرُ لِلَّهِ وَأَشْكَرُ لَهُ مِنْكَ عَلَى مَا آتَاكَ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ وَرِوَايَاتٌ عَنِ السَّلَفِ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِتَسْبِيحِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ
«٢»، وَهِيَ تَقُولُ:
مُذَمَّمًا أَبَيْنَا | وَدِينَهُ قَلَيْنَا |
وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا
وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ أَقْبَلَتْ هَذِهِ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، فَقَالَ:
إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي، وَقَرَأَ قُرْآنًا اعْتَصَمَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فَجَاءَتْ حَتَّى قَامَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ تَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ، فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي بِنْتُ سَيِّدِهَا. وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً قَالَ: الْحِجَابُ الْمَسْتُورُ أَكِنَّةٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَأَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابن أبي حاتم عن زهير ابن مُحَمَّدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ سَمِعُوا قِرَاءَتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً قَالَ:
الشَّيَاطِينُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ قَالَ: عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ ابن المغيرة والعاص بن وائل.
277
ثم نزه تعالى نفسه، فقال :﴿ سبحانه ﴾ والتسبيح : التنزيه، وقد تقدّم، ﴿ وتعالى ﴾ متباعد ﴿ عَمَّا يَقُولُونَ ﴾ من الأقوال الشنيعة والفرية العظيمة ﴿ عُلُوّاً ﴾ أي : تعالياً، ولكنه وضع العلوّ موضع التعالي كقوله :﴿ والله أَنبَتَكُمْ منَ الأرض نَبَاتاً ﴾ [ نوح : ١٧ ]. ثم وصف العلوّ بالكبر مبالغة في النزاهة، وتنبيهاً على أن بين الواجب لذاته والممكن لذاته، وبين الغني المطلق، والفقير المطلق، مباينة لا تعقل الزيادة عليها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِذن لاَبْتَغَوْا إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ قال : على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى، فلما رجع قال :( سمعت تسبيحاً من السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) وأخرج ابن مردويه عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال :( أطت السماء [ ويحق لها ] أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق ) قال الله تعالى :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال :( ما من عبد سبّح تسبيحة إلا سبّح ما خلق الله من شيء )، قال الله ﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال ابن كثير : إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه : من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح ) وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال :«نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال : أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول : ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا. وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة : يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال : كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت : يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ قال : الحجاب المستور : أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ قال : الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
ثم بين سبحانه جلالة ملكه وعظمة سلطانه فقال :﴿ يُسَبّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ ﴾ قرئ بالمثناة التحتية في يسبح، وبالفوقية، وقال :﴿ فيهنّ ﴾ بضمير العقلاء لإسناده إليها التسبيح الذي هو فعل العقلاء، وقد أخبر سبحانه عن السماوات والأرض بأنها تسبحه، وكذلك من فيها من مخلوقاته الذين لهم عقول وهم الملائكة والإنس والجن وغيرهم من الأشياء التي لا تعقل، ثم زاد ذلك تعميماً وتأكيداً فقال :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ فشمل كل ما يسمى شيئاً كائناً ما كان، وقيل : إنه يحمل قوله :﴿ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ على الملائكة والثقلين، ويحمل ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ على ما عدا ذلك من المخلوقات.
وقد اختلف أهل العلم في هذا العموم هل هو مخصوص أم لا ؟ فقالت طائفة : ليس بمخصوص، وحملوا التسبيح على تسبيح الدلالة، لأن كل مخلوق يشهد على نفسه ويدلّ غيره بأن الله خالق قادر. وقالت طائفة : هذا التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره. والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحانه هذا التسبيح الذي معناه التنزيه وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه، ويؤيد هذا قوله سبحانه :﴿ ولكن لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمراً مفهوماً لكل أحد. وأجيب : بأن المراد بقوله ﴿ لاَ تَفْقَهُونَ ﴾ الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار. وقالت طائفة : إن هذا العموم مخصوص بالملائكة والثقلين دون الجمادات، وقيل : خاص بالأجسام النامية فيدخل النباتات، كما روي هذا القول عن عكرمة والحسن وخصا تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها وقد استدلّ لذلك بحديث :( أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على قبرين ) وفيه :( ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين، وقال : إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا ) ويؤيد حمل الآية على العموم قوله :﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبّحْنَ بالعشي والإشراق ﴾ [ ص : ١٨ ]. وقوله :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]. وقوله :﴿ وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً ﴾ [ مريم : ٩٠ ]، ونحو ذلك من الآيات. وثبت في الصحيح أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام، وهم يأكلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا حديث حنين الجذع، وحديث : أن حجراً بمكة كان يسلّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكلها في الصحيح، ومن ذلك تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم، ومدافعة عموم هذه الآية بمجرّد الاستبعادات ليس دأب من يؤمن بالله سبحانه ويؤمن بما جاء من عنده. ومعنى ﴿ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ إلاّ يسبح متلبساً بحمده ﴿ ولكن لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾. قرأ الحسن، وأبو عمرو، ويعقوب، وحفص، وحمزة، والكسائي، وخلف ( تسبح ) بالمثناة الفوقية على الخطاب، وقرأ الباقون بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ فمن حلمه الإمهال لكم وعدم إنزال عقوبته عليكم، ومن مغفرته لكم أنه لا يؤاخذ من تاب منكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِذن لاَبْتَغَوْا إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ قال : على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى، فلما رجع قال :( سمعت تسبيحاً من السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) وأخرج ابن مردويه عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال :( أطت السماء [ ويحق لها ] أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق ) قال الله تعالى :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال :( ما من عبد سبّح تسبيحة إلا سبّح ما خلق الله من شيء )، قال الله ﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال ابن كثير : إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه : من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح ) وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال :«نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال : أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول : ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا. وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة : يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال : كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت : يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ قال : الحجاب المستور : أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ قال : الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن وما يقع من سامعيه فقال :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ جعلنا بينك يا محمد وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً أي : إنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب يمرّون بك ولا يرونك، ذكر معناه الزجاج وغيره، ومعنى ﴿ مستوراً ﴾ : ساتر. قال الأخفش : أراد ساتراً، والفاعل قد يكون في لفظ المفعول كما تقول : إنك لمشؤوم وميمون، وإنما هو شائم ويامن ؛ وقيل : معنى ﴿ مستوراً ﴾ : ذا ستر، كقولهم : سيل مفعم : أي : ذو إفعام، وقيل : هو حجاب لا تراه الأعين فهو مستور عنها، وقيل : حجاب من دونه حجاب فهو مستور بغيره، وقيل : المراد بالحجاب : المستور الطبع والختم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِذن لاَبْتَغَوْا إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ قال : على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى، فلما رجع قال :( سمعت تسبيحاً من السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) وأخرج ابن مردويه عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال :( أطت السماء [ ويحق لها ] أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق ) قال الله تعالى :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال :( ما من عبد سبّح تسبيحة إلا سبّح ما خلق الله من شيء )، قال الله ﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال ابن كثير : إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه : من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح ) وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال :«نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال : أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول : ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا. وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة : يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال : كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت : يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ قال : الحجاب المستور : أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ قال : الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
﴿ وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ الأكنة : جمع كنان. وقد تقدّم تفسيره في الأنعام، وقيل : هو حكاية لما كانوا يقولونه، من قولهم :﴿ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ [ البقرة : ٨٨ ] ﴿ وفي آذننا وقر ومن بينا وبينك حجاب ﴾ [ فصلت : ٥ ]. و﴿ أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ مفعول لأجله، أي : كراهة أن يفقهوه، أو لئلا يفقهوه، أي : يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني ﴿ وفي آذانهم وقرا ﴾ أي : صمماً وثقلاً، وفي الكلام حذف، والتقدير : أن يسمعوه. ومن قبائح المشركين أنهم كانوا يحبون أن يذكر آلهتهم كما يذكر الله سبحانه، فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس، ولهذا قال الله :﴿ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ﴾ أي : واحداً غير مشفوع بذكر آلهتهم، فهو مصدر وقع موقع الحال ﴿ وَلَوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ هو مصدر، والتقدير : هربوا نفوراً، أو نفروا نفوراً ؛ وقيل : جمع نافر كقاعد وقعود. والأوّل أولى. ويكون المصدر في موضع الحال أي : ولوا نافرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِذن لاَبْتَغَوْا إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ قال : على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى، فلما رجع قال :( سمعت تسبيحاً من السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) وأخرج ابن مردويه عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال :( أطت السماء [ ويحق لها ] أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق ) قال الله تعالى :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال :( ما من عبد سبّح تسبيحة إلا سبّح ما خلق الله من شيء )، قال الله ﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال ابن كثير : إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه : من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح ) وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال :«نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال : أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول : ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا. وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة : يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال : كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت : يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ قال : الحجاب المستور : أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ قال : الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ﴾ أي : يستمعون إليك متلبسين به من الاستخفاف بك وبالقرآن واللغو في ذكرك لربك وحده، وقيل : الباء زائدة والظرف في
﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ متعلق ب
﴿ أعلم ﴾ أي : نحن أعلم وقت يستمعون إليك بما يستمعون به، وفيه تأكيد للوعيد، وقوله :
﴿ وَإِذْ هُمْ نجوى ﴾ متعلق بأعلم أيضاً، أي : ونحن أعلم بما يتناجون به فيما بينهم وقت تناجيهم، وقد كانوا يتناجون بينهم بالتكذيب والاستهزاء،
﴿ يقول ﴾ بدل من
﴿ إذ هم نجوى ﴾.
﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ﴾ أي : يقول كل منهم للآخرين عند تناجيهم : ما تتبعون إلاّ رجلاً سحر فاختلط عقله وزال عن حدّ الاعتدال. قال ابن الأعرابيّ : المسحور الذاهب العقل الذي أفسد، من قولهم : طعام مسحور إذا أفسد عمله، وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها ؛ وقيل : المسحور : المخدوع، لأن السحر حيلة وخديعة، وذلك لأنهم زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتعلم من بعض الناس، وكانوا يخدعونه بذلك التعليم. وقال أبو عبيدة : معنى
﴿ مسحوراً ﴾ أن له سحراً، أي : رئة، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب فهو مثلكم، وتقول العرب للجبان : قد انتفخ سحره، وكل من كان يأكل من آدمي أو غيره مسحور، ومنه قول امرئ القيس :
أرانا موضعين لأمر غيب | ونسحر بالطعام وبالشراب |
أي : نغذي ونعلل. قال ابن قتيبة : لا أدري ما حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسرّوه بالوجوه الواضحة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِذن لاَبْتَغَوْا إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ قال : على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى، فلما رجع قال :( سمعت تسبيحاً من السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) وأخرج ابن مردويه عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال :( أطت السماء [ ويحق لها ] أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق ) قال الله تعالى :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال :( ما من عبد سبّح تسبيحة إلا سبّح ما خلق الله من شيء )، قال الله ﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال ابن كثير : إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه : من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح ) وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال :«نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال : أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول : ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا. وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة : يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال : كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت : يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ قال : الحجاب المستور : أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ قال : الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
﴿ انظر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمثال ﴾ أي قالوا تارة : إنك كاهن، وتارة ساحر، وتارة شاعر، وتارة مجنون ﴿ فضّلوا ﴾ عن طريق الصواب في جميع ذلك ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعونَ سَبِيلاً ﴾ إلى الهدى أو إلى الطعن الذي تقبله العقول ويقع التصديق له لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه ؛ وقيل : لا يستطيعون مخرجاً لتناقض كلامهم كقولهم : ساحر مجنون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ إِذن لاَبْتَغَوْا إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ قال : على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى، فلما رجع قال :( سمعت تسبيحاً من السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) وأخرج ابن مردويه عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال :( أطت السماء [ ويحق لها ] أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق ) قال الله تعالى :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال :( ما من عبد سبّح تسبيحة إلا سبّح ما خلق الله من شيء )، قال الله ﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال ابن كثير : إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه : من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح ) وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال :«نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن من شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال : أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول : ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية ﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ قال : في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا. وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة : يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال : كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت : يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله :﴿ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مسْتُورًا ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ قال : الحجاب المستور : أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً ﴾ قال : الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٩ الى ٥٥]
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنْ حِكَايَةِ شُبَهِ الْقَوْمِ فِي النُّبُوَّاتِ حَكَى شُبْهَتَهُمْ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ، فَقَالَ: وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً وَالِاسْتِفْهَامُ لِلِاسْتِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ. وَتَقْرِيرُ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ جَفَّتْ عِظَامُهُ وَتَنَاثَرَتْ وَتَفَرَّقَتْ فِي جَوَانِبِ الْعَالَمِ، وَاخْتَلَطَتْ بِسَائِطُهَا بِأَمْثَالِهَا مِنَ الْعَنَاصِرِ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ بَعْدَ ذَلِكَ اجْتِمَاعُهَا بِأَعْيَانِهَا، ثُمَّ عَوْدُ الْحَيَاةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ؟ فَأَجَابَ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ بِأَنَّ إِعَادَةَ بَدَنِ الْمَيِّتِ إِلَى حَالِ الْحَيَاةِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، وَلَوْ فَرَضْتُمْ أَنَّ بَدَنَهُ قَدْ صَارَ أَبْعَدَ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَاةِ وَمِنْ رُطُوبَةِ الْحَيِّ كَالْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ، فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَتَطْمَعُ فِيَّ وَأَنَا ابْنُ فُلَانٍ، فَيَقُولُ: كُنِ ابْنَ السُّلْطَانِ أَوِ ابْنَ مَنْ شِئْتَ، فَسَأَطْلُبُ مِنْكَ حَقِّي. وَالرُّفَاتُ: مَا تَكَسَّرَ وَبَلِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَالْفُتَاتِ وَالْحُطَامِ وَالرُّضَاضِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ، تَقُولُ مِنْهُ:
رَفَتَ الشَّيْءُ رَفْتًا، أَيْ: حُطِّمَ فَهُوَ مَرْفُوتٌ. وَقِيلَ الرُّفَاتُ: الْغُبَارُ، وَقِيلَ: التُّرَابُ أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً كَرَّرَ الِاسْتِفْهَامَ الدَّالَّ عَلَى الِاسْتِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا، وَالْعَامِلُ فِي إِذَا هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَمَبْعُوثُونَ، لَا هُوَ نَفْسُهُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ إِنَّ وَالْهَمْزَةِ وَاللَّامِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَالتَّقْدِيرُ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً ورفاتا نبعث أإنا لَمَبْعُوثُونَ، وَانْتِصَابُ خَلْقًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ مِنْ غَيْرِ لفظه، أو على الحال، أي: مخلوقين، وجديدا صِفَةٌ لَهُ قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً- أَوْ خَلْقاً آخَرَ مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
مَعْنَاهُ إِنْ عَجِبْتُمْ مِنْ إِنْشَاءِ اللَّهِ لَكُمْ عِظَامًا وَلَحْمًا فَكُونُوا أَنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ، وقال علي ابن عِيسَى: مَعْنَاهُ إِنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حديدا لم تفوتوا الله عزّ وجلّ إذا أرادكم. إلا أنه خرج مخرج الأمر لأنه أبلغ في الإلزام وقيل: معناه: لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَأَعَادَكُمْ كَمَا بَدَأَكُمْ وَلَأَمَاتَكُمْ ثُمَّ أَحْيَاكُمْ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِخَالِقِهِمْ وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ، فَقِيلَ لَهُمُ: اسْتَشْعِرُوا أَنْ تَكُونُوا مَا شِئْتُمْ، فَلَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَبُعِثْتُمْ كَمَا خُلِقْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَرَّرْنَا جَوَابَ الشُّبْهَةِ قَبْلَ هَذَا أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أَيْ: يَعْظُمُ عِنْدَكُمْ مِمَّا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ مُبَايَنَةً لِلْحَيَاةِ فَإِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ لا محالة، وقيل: المراد به السموات وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ لِعِظَمِهَا فِي النُّفُوسِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ من الصحابة وَالتَّابِعِينَ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَكْبَرُ فِي نَفْسِ ابْنِ آدَمَ مِنْهُ. وَالْمَعْنَى: لَوْ كُنْتُمُ الْمَوْتَ لَأَمَاتَكُمُ اللَّهُ ثُمَّ بَعَثَكُمْ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنَ الْبُعْدِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ التَّرَقِّي مِنَ الْحِجَارَةِ إِلَى الْحَدِيدِ، ثُمَّ مِنَ الْحَدِيدِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ فِي صُدُورِ الْقَوْمِ مِنْهُ، وَالْمَوْتُ
278
نَفْسُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَعْقِلُ وَيَحُسُّ حَتَّى يَقَعَ التَّرَقِّي مِنَ الْحَدِيدِ إِلَيْهِ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا إِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا، أَوْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا مَعَ مَا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ مِنَ التَّفَاوُتِ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَيْ: يُعِيدُكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاخْتَرَعَكُمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ خَلْقِكُمْ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَلَا صُورَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أَيْ:
يُحَرِّكُونَهَا اسْتِهْزَاءً، يُقَالُ: نَغَضَ رَأْسُهُ يَنْغُضُ وَيُنْغِضُ نَغْضًا وَنُغُوضًا، أَيْ: تَحَرَّكَ، وَأَنْغَضَ رَأْسَهُ حَرَّكَهُ كَالْمُتَعَجِّبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
أَنَغَضَ نَحْوِي رَأَسَهُ وَأَقْنَعَا وَقَوْلُ الرَّاجِزِ الْآخَرِ:
وَنَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أَسْنَانُهَا وَقَالَ آخَرُ:
لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِي رَأْسَهَا
«١» وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ أَيِ: الْبَعْثُ وَالْإِعَادَةُ، اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ وَسُخْرِيَةً قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً أَيْ: هُوَ قَرِيبٌ لِأَنَّ عَسَى فِي كَلَامِ اللَّهِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ، وَمِثْلُهُ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً
«٢» وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ الظَّرْفُ مُنْتَصِبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيِ: اذْكُرْ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ قَرِيبًا، أَوِ التَّقْدِيرُ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ كَانَ مَا كَانَ، الدُّعَاءُ: النِّدَاءُ إِلَى الْمَحْشَرِ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ الْخَلَائِقُ وَقِيلَ: هُوَ الصَّيْحَةُ الَّتِي تَسْمَعُونَهَا، فَتَكُونُ دَاعِيَةً لَهُمْ إِلَى الِاجْتِمَاعِ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ أَيْ: مُنْقَادِينَ لَهُ، حَامِدِينَ لِمَا فَعَلَهُ بِكُمْ، فَهُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَتَسْتَجِيبُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ | لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ |
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ هُنَا الْبَعْثُ وَبِالِاسْتِجَابَةِ أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ، فَالْمَعْنَى: يَوْمَ يَبْعَثُكُمْ فَتُبْعَثُونَ مُنْقَادِينَ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ:
تَظُنُّونَ عِنْدَ الْبَعْثِ أَنَّكُمْ مَا لَبِثْتُمْ فِي قُبُورِكُمْ إِلَّا زَمَنًا قَلِيلًا وَقِيلَ: بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَذَابَ يُكَفُّ عَنِ الْمُعَذَّبِينَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ عَامًا يَنَامُونَ فِيهَا، فلذلك: قالُوا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا
«٣»، وَقِيلَ:
إِنَّ الدُّنْيَا تَحَقَّرَتْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَقَلَّتْ حِينَ رَأَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْكَلَامِ الْحَسَنِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
«٤» وَقَوْلِهِ:
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً
«٥» لِأَنَّ الْمُخَاشَنَةَ لَهُمْ رُبَّمَا تُنَفِّرُهُمْ عَنِ الْإِجَابَةِ أَوْ تُؤَدِّي إِلَى مَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
«٦» وَهَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ السَّيْفِ وَقِيلَ: المعنى:
279
قُلْ لَهُمْ يَأْمُرُوا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَيَنْهَوْا عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ خَاصَّةً، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا يَشْهَدُ بِهِ السَّبَبُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أَيْ: بِالْفَسَادِ وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْإِغْرَاءِ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: يُقَالُ: نَزَغَ بَيْنَنَا، أَيْ: أَفْسَدَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّزْغُ: الْإِغْرَاءُ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً أَيْ: مُتَظَاهِرًا بِالْعَدَاوَةِ مُكَاشِفًا بِهَا، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ. وَالْمَعْنَى: إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم أو يميتكم عَلَى الشِّرْكِ فَيُعَذِّبْكُمْ وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ بِأَنْ يَحْفَظَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْكُمْ وقيل: إن هذا تفسير لكلمة
«الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أَيْ: مَا وَكَّلْنَاكَ فِي مَنْعِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَقَسْرِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَقِيلَ: مَا جَعَلْنَاكَ كَفِيلًا لَهُمْ تُؤْخَذُ بِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ذَكَرْتُ أَبَا أَرْوَى فَبِتُّ كَأَنَّنِي | بِرَدِّ الْأُمُورِ الْمَاضِيَاتِ وَكِيلُ |
أَيْ: كَفِيلٌ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَعْلَمُ بِهِمْ ذَاتًا وَحَالًا وَاسْتِحْقَاقًا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ لأن هذا يشمل كل ما في السموات وَالْأَرْضِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَذَاكَ خَاصٌّ بِبَنِي آدَمَ أَوْ بِبَعْضِهِمْ، وَهَذَا كَالتَّوْطِئَةِ لِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ أَيْ: أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ عَنْ عِلْمٍ مِنْهُ بِمَنْ هُوَ أَعْلَى رُتْبَةً وَبِمَنْ دُونَهُ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ مَزِيدَ الْخُصُوصِيَّةِ بِتَكْثِيرِ فَضَائِلِهِ وَفَوَاضِلِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ. وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَمُوسَى كَلِيمًا، وَجَعَلَ عِيسَى كَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ، وَجَعَلَ لِسُلَيْمَانَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَغَفَرَ لِمُحَمَّدٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَفْعٌ لِمَا كَانَ يُنْكِرُهُ الْكُفَّارُ مِمَّا يَحْكِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ارْتِفَاعِ دَرَجَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا فَضَّلَ بِهِ دَاوُدَ، فَقَالَ: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً أَيْ: كِتَابًا مَزْبُورًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: فَلَا تُنْكِرُوا تَفْضِيلَ مُحَمَّدٍ وَإِعْطَاءَهُ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ دَاوُدَ زَبُورًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَرُفاتاً قَالَ: غُبَارًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَرُفاتاً قَالَ: تُرَابًا، وَفِي قَوْلِهِ:
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً قَالَ: مَا شِئْتُمْ فَكُونُوا، فَسَيُعِيدُكُمُ اللَّهُ كَمَا كُنْتُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قَالَ: الْمَوْتُ، لَوْ كنتم موتى لَأَحْيَيْتُكُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخُ فِي الْعَظَمَةِ، عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ ابن أَحْمَدَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ: قَالَ: فَكُونُوا الْمَوْتَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّ الْمَوْتَ سَيَمُوتُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عن ابن عباس في قوله: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ قَالَ: سَيُحَرِّكُونَهَا اسْتِهْزَاءً. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قَالَ: الْإِعَادَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
280
﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقًا ﴾ آخر ﴿ مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال ابن جرير : معناه : إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم على ذلك، وقال علي بن عيسى : معناه : إنكم لو كنتم حجارة أو حديداً لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم، قال النحاس : وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديداً، وإنما المعنى : أنهم قد أقرّوا بخالقهم وأنكروا البعث، فقيل لهم : استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديداً لبعثتم كما خلقتم أوّل مرة. قلت : وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا. ﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ أي : يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة، وقيل : المراد به السماوات والأرض والجبال لعظمها في النفوس. وقال جماعة من الصحابة والتابعين : المراد به الموت، لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه. والمعنى : لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم. ولا يخفى ما في هذا من البعد، فإن معنى الآية : الترقي من الحجارة إلى الحديد، ثم من الحديد إلى ما هو أكبر في صدور القوم منه، والموت نفسه ليس بشيء يعقل ويحسّ حتى يقع الترقي من الحديد إليه ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ﴾ إذا كنا عظاماً ورفاتاً، أو حجارة أو حديداً مع ما بين الحالتين من التفاوت.
﴿ قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ أي : يعيدكم الذي خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدّمة ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ أي : يحركونها استهزاءً، يقال : نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضاً ونغوضاً أي : تحرك، وأنغض رأسه حركه كالمتعجب، ومنه قول الراجز :
أنغض نحوي رأسه : وأقنعا ***. . .
وقول الراجز الآخر :
ونغضت من هرم أسنانها ***. . .
وقال آخر :
لما رأتني أنغضت لي رأسها ***. . .
﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ أي : البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية ﴿ قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ أي : هو قريب، لأن عسى في كلام الله واجب الوقوع، ومثله ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [ الأحزاب : ٦٣ ]، وكل ما هو آتٍ قريب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : تراباً، وفي قوله :﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ قال : ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال : الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ قال : سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بأمره. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بمعرفته وطاعته ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله :﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : نزغ الشيطان : تحريشه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ قال : كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : الزبور : ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت : الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود [ إلى ] ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٠:﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقًا ﴾ آخر ﴿ مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال ابن جرير : معناه : إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم على ذلك، وقال علي بن عيسى : معناه : إنكم لو كنتم حجارة أو حديداً لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم، قال النحاس : وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديداً، وإنما المعنى : أنهم قد أقرّوا بخالقهم وأنكروا البعث، فقيل لهم : استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديداً لبعثتم كما خلقتم أوّل مرة. قلت : وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا. ﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ أي : يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة، وقيل : المراد به السماوات والأرض والجبال لعظمها في النفوس. وقال جماعة من الصحابة والتابعين : المراد به الموت، لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه. والمعنى : لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم. ولا يخفى ما في هذا من البعد، فإن معنى الآية : الترقي من الحجارة إلى الحديد، ثم من الحديد إلى ما هو أكبر في صدور القوم منه، والموت نفسه ليس بشيء يعقل ويحسّ حتى يقع الترقي من الحديد إليه ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ﴾ إذا كنا عظاماً ورفاتاً، أو حجارة أو حديداً مع ما بين الحالتين من التفاوت.
﴿ قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ أي : يعيدكم الذي خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدّمة ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ أي : يحركونها استهزاءً، يقال : نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضاً ونغوضاً أي : تحرك، وأنغض رأسه حركه كالمتعجب، ومنه قول الراجز :
أنغض نحوي رأسه : وأقنعا ***...
وقول الراجز الآخر :
ونغضت من هرم أسنانها ***...
وقال آخر :
لما رأتني أنغضت لي رأسها ***...
﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ أي : البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية ﴿ قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ أي : هو قريب، لأن عسى في كلام الله واجب الوقوع، ومثله ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [ الأحزاب : ٦٣ ]، وكل ما هو آتٍ قريب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : تراباً، وفي قوله :﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ قال : ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال : الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ قال : سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بأمره. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بمعرفته وطاعته ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله :﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : نزغ الشيطان : تحريشه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ قال : كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : الزبور : ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت : الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود [ إلى ] ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ﴾ الظرف منتصب بفعل مضمر أي : اذكر، أو بدل من
﴿ قريباً ﴾ أو التقدير : يوم يدعوكم كان ما كان، الدعاء : النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق، وقيل : هو الصيحة التي تسمعونها، فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض المحشر
﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ أي : منقادين له، حامدين لما فعله بكم، فهو في محل نصب على الحال. وقيل : المعنى : فتستجيبون والحمد لله كما قال الشاعر :
وإني بحمد الله لا ثوب فاخر | لبست ولا من غدرة أتقنع |
وقد روي أن الكفار عند خروجهم من قبورهم يقولون : سبحانك وبحمدك ؛ وقيل : المراد بالدعاء هنا البعث، وبالاستجابة : أنهم يبعثون، فالمعنى : يوم يبعثكم فتبعثون منقادين
﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبثتم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلاّ زمناً قليلاً، وقيل : بين النفختين، وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين، وذلك أربعون عاماً ينامون فيها، فلذلك
﴿ قَالُوا مَن بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ]، وقيل : إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلّت حين رأوا يوم القيامة، فقالوا هذه المقالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : تراباً، وفي قوله :﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ قال : ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال : الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ قال : سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بأمره. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بمعرفته وطاعته ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله :﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : نزغ الشيطان : تحريشه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ قال : كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : الزبور : ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت : الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود [ إلى ] ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ أي قل : يا محمد لعبادي المؤمنين : إنهم يقولون عند محاورتهم للمشركين الكلمة التي هي أحسن من غيرها من الكلام الحسن كقوله سبحانه :﴿ وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ]. وقوله :﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً ﴾ [ طه : ٤٤ ] لأن المخاشنة لهم ربما تنفرهم عن الإجابة أو تؤدي إلى ما قال سبحانه :﴿ وَلاَ تَسُبُّوا الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠٨ ]. وهذا كان قبل نزول آية السيف، وقيل : المعنى : قل لهم يأمروا بما أمر الله وينهوا عما نهى عنه، وقيل : هذه الآية للمؤمنين فيما بينهم خاصة، والأوّل أولى كما يشهد به السبب الذي سنذكره إن شاء الله ﴿ إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي : بالفساد وإلقاء العداوة والإغراء. قال اليزيدي : يقال نزغ بيننا أي : أفسد. وقال غيره : النزغ الإغراء ﴿ إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُبِينًا ﴾ أي : متظاهراً بالعداوة مكاشفاً بها، وهو تعليل لما قبله، وقد تقدّم مثل هذا في البقرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : تراباً، وفي قوله :﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ قال : ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال : الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ قال : سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بأمره. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بمعرفته وطاعته ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله :﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : نزغ الشيطان : تحريشه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ قال : كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : الزبور : ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت : الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود [ إلى ] ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ ﴾ قيل : هذا خطاب للمشركين. والمعنى : إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم أو يميتكم عن الشرك فيعذبكم، وقيل : هو خطاب للمؤمنين أي :
﴿ إن يشأ يرحمكم ﴾ بأن يحفظكم من الكفار
﴿ أو إن يشأ يعذبكم ﴾ بتسليطهم عليكم ؛ وقيل : إن هذا تفسير للكلمة
﴿ التي هي أحسن ﴾ ﴿ وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ أي : ما وكلناك في منعهم من الكفر، وقسرهم على الإيمان ؛ وقيل : ما جعلناك كفيلاً لهم تؤخذ بهم، ومنه قول الشاعر :
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني | بردّ الأمور الماضيات وكيل |
أي : كفيل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : تراباً، وفي قوله :﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ قال : ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال : الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ قال : سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بأمره. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بمعرفته وطاعته ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله :﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : نزغ الشيطان : تحريشه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ قال : كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : الزبور : ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت : الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود [ إلى ] ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض ﴾ أعلم بهم ذاتاً وحالاً واستحقاقاً، وهو أعمّ من قوله :﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ لأن هذا يشمل كل ما في السماوات والأرض من مخلوقاته، وذاك خاص ببني آدم أو ببعضهم، وهذا كالتوطئة لقوله :﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ ﴾ أي : إن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن دونه، وبمن يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائله وفواضله. وقد تقدّم هذا في البقرة. وقد اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وجعل عيسى كلمته وروحه، وجعل لسليمان ملكاً عظيماً، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وجعله سيد ولد آدم. وفي هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار مما يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من [ ارتفاع ] درجته عند ربه عزّ وجلّ، ثم ذكر ما فضل به داود، فقال :﴿ وَآتَيْنَا داود زبورا ﴾ أي : كتاباً مزبوراً. قال الزجاج : أي فلا تنكروا تفضيل محمد وإعطاءه القرآن فقد أعطى الله داود زبوراً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ورفاتا ﴾ قال : تراباً، وفي قوله :﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ قال : ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ قال : الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسِهِمُ ﴾ قال : سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ متى هُوَ ﴾ قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بأمره. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : بمعرفته وطاعته ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله :﴿ وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا التي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : نزغ الشيطان : تحريشه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ قال : كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : الزبور : ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت : الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود [ إلى ] ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ قَالَ: بِأَمْرِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ قَالَ: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: فِي الدُّنْيَا تَحَاقَرَتِ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَلَّتْ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي قَوْلِهِ:
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يعفوا عَنِ السَّيِّئَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: يَقُولُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزْغُ الشَّيْطَانِ: تَحْرِيشُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ دُعَاءٌ عُلِّمَهُ دَاوُدُ وَتَحْمِيدٌ وَتَمْجِيدٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: الزَّبُورُ: ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَدُعَاءٌ وَتَسْبِيحٌ. قُلْتُ: الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ، فَإِنَّا وَقَفْنَا عَلَى الزَّبُورِ فَوَجَدْنَاهُ خُطَبًا يَخْطُبُهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُخَاطِبُ بِهَا رَبَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْكَنِيسَةَ، وَجُمْلَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ خُطْبَةً، كُلُّ خُطْبَةٍ تُسَمَّى مَزْمُورًا بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَسُكُونِ الزَّايِ وَضَمَّ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ وَآخِرُهُ رَاءٌ، فَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْخُطَبِ يَشْكُو دَاوُدُ إِلَى رَبِّهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَيَسْتَنْصِرُهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ وَالْغَلَبَةِ لَهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ الْخُطْبَةِ يَضْرِبُ بِالْقِيثَارَةِ، وَهِيَ آلَةٌ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي. وَقَدْ ذَكَرَ السيوطي في
«الدرّ المنثور» ها هنا رِوَايَاتٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ يَذْكُرُونَ أَلْفَاظًا وَقَفُوا عَلَيْهَا فِي الزَّبُورِ لَيْسَ لَهَا كَثِيرُ فَائِدَةٍ، فَقَدْ أَغْنَى عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا مَا اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٦ الى ٦٠]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)
قَوْلُهُ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ هَذَا رَدٌّ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ تَمَاثِيلَ عَلَى أَنَّهَا صُوَرُ الْمَلَائِكَةِ، وَعَلَى طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَقُولُونَ بِإِلَهِيَّةِ عِيسَى وَمَرْيَمَ وَعُزَيْرٍ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمُ: ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقِيلَ: أَرَادَ بِالَّذِينَ زَعَمْتُمْ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ عِنْدَهُمْ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا خُصِّصَتِ الْآيَةُ بِمَنْ ذَكَرْنَا لِقَوْلِهِ: يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِالْجَمَادَاتِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ، وَالْمَعْبُودُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى كَشْفِ الضُّرِّ، وَعَلَى تَحْوِيلِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَمِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّ
281
هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُونَهَا آلِهَةٌ لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكَّدَ عَدَمَ اقْتِدَارِهِمْ بِبَيَانِ غَايَةِ افْتِقَارِهِمْ إِلَى اللَّهِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، فَقَالَ: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ فَأُولَئِكَ مُبْتَدَأٌ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ صِفَتُهُ، وَضَمِيرُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ، أَيْ: يَدْعُونَهُمْ، وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ يَدْعُونَ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ، أَيِ: الَّذِينَ يَدْعُونَ عِبَادَهُ إِلَى عِبَادَتِهِمْ، وَيَكُونُ يَبْتَغُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ تَدْعُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى الْخَبَرِ وَلَا خِلَافَ فِي يَبْتَغُونَ أَنَّهُ بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْوَسِيلَةُ الْقُرْبَةُ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ: أَيْ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، وَالضَّمِيرُ فِي رَبِّهِمْ يَعُودُ إِلَى الْعَابِدِينَ أَوِ الْمَعْبُودِينَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بِالْوَسِيلَةِ إِلَى اللَّهِ، أَيْ: يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَبْتَغُونَ، أَيْ: يَبْتَغِي مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ تَعَالَى الْوَسِيلَةَ، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُ؟ وَقِيلَ: إِنَّ يَبْتَغُونَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى يحرصون، أي: يحرصون أيهم أقرب إليه سُبْحَانَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ كَمَا يَرْجُوهَا غَيْرُهُمْ وَيَخافُونَ عَذابَهُ كَمَا يَخَافُهُ غَيْرُهُمْ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً تعليل قوله: يَخافُونَ عَذابَهُ أَيْ: إِنَّ عَذَابَهُ سُبْحَانَهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يَحْذَرَهُ الْعِبَادُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَآلَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا فَقَالَ: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ إن نافية، ومن لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ: مَا مِنْ قَرْيَةٍ، أَيُّ قَرْيَةٍ كَانَتْ مِنْ قُرَى الْكُفَّارِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مَا مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ إِلَّا سَيُهْلَكُونَ إِمَّا بِمَوْتٍ وَإِمَّا بِعَذَابٍ يَسْتَأْصِلُهُمْ، فَالْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ أَهْلُهَا، وَإِنَّمَا قِيلَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الْإِهْلَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْقُرَى الْكَافِرَةِ، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ قَرْيَةٍ لِانْقِضَاءِ عُمْرِ الدُّنْيَا وَقِيلَ: الْإِهْلَاكُ لِلصَّالِحَةِ وَالتَّعْذِيبُ لِلطَّالِحَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ
«١». كانَ ذلِكَ الْمَذْكُورُ مِنَ الْإِهْلَاكِ، وَالتَّعْذِيبِ فِي الْكِتابِ أَيِ: اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَسْطُوراً أَيْ: مَكْتُوبًا، وَالسَّطْرُ الْخَطُّ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، وَالسَّطْرُ بِالتَّحْرِيكِ مِثْلُهُ. قَالَ جَرِيرٌ:
مَنْ شَاءَ بَايَعْتُهُ مَالِي وَخِلْعَتَهُ | مَا تُكْمِلُ التَّيْمُ فِي دِيوَانِهَا سطرا |
والخلعة بِضَمِّ الْخَاءِ خِيَارُ الْمَالِ، وَالسَّطْرُ: جَمْعُ أَسْطَارٍ، وَجَمْعُ السَّطْرِ بِالسُّكُونِ أَسْطُرٌ. وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ كَانَ مَا سَأَلَ قَوْمُكَ، وَلَكِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُمْهَلُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتَ بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَالْمَعْنَى: وَمَا مَنَعَنَا مِنْ إِرْسَالِ الْآيَاتِ الَّتِي سَأَلُوهَا إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ، فَإِنْ أَرْسَلْنَاهَا وَكَذَّبَ بِهَا هَؤُلَاءِ عُوجِلُوا وَلَمْ يُمْهَلُوا كَمَا هُوَ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي عِبَادِهِ، فَالْمَنْعُ مُسْتَعَارٌ لِلتَّرْكِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَشْيَاءِ، أَيْ: مَا تَرَكْنَا إِرْسَالَهَا لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ، فَإِنْ كَذَّبَ بِهَا هَؤُلَاءِ كَمَا كَذَّبَ بِهَا أُولَئِكَ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ
282
بِهِمْ، وَ
«أَنْ» الْأُولَى فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بإيقاع المنع عليها، وأن الثانية في محل رفع، والباء في الآيات زَائِدَةٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إِرْسَالِ الْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا هُوَ أَنَّ الِاقْتِرَاحَ مَعَ التَّكْذِيبِ مُوجِبٌ لِلْهَلَاكِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ الِاسْتِئْصَالُ، وَقَدْ عَزَمْنَا عَلَى أَنْ نُؤَخِّرَ أَمْرَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ:
إِنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مِنْ قُرَيْشٍ وَنَحْوَهِمْ مُقَلِّدُونَ لِآبَائِهِمْ، فَلَا يُؤْمِنُونَ الْبَتَّةَ كَمَا لَمْ يُؤْمِنْ أُولَئِكَ، فَيَكُونُ إِرْسَالُ الْآيَاتِ ضَائِعًا، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَشْهَدَ عَلَى مَا ذُكِرَ بِقِصَّةِ صَالِحٍ وَنَاقَتِهِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ مَا اقْتَرَحُوا مِنَ النَّاقَةِ وَصِفَتِهَا الَّتِي قَدْ بُيِّنَتْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ مَا اقْتَرَحُوا فَلَمْ يُؤْمِنُوا اسْتُؤْصِلُوا بِالْعَذَابِ، وَإِنَّمَا خُصَّ قَوْمُ صَالِحٍ بِالِاسْتِشْهَادِ لِأَنَّ آثَارَ إِهْلَاكِهِمْ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ قَرِيبَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَمْثَالِهِمْ يُبْصِرُهَا صَادِرُهُمْ وَوَارِدُهُمْ، فَقَالَ: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً أَيْ: ذَاتَ إِبْصَارٍ يُدْرِكُهَا النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ، كَقَوْلِهِ:
وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أَوْ أُسْنِدَ إِلَيْهَا حَالُ مَنْ يُشَاهِدُهَا مَجَازًا، أَوْ أَنَّهَا جَعَلَتْهُمْ ذَوِي إِبْصَارٍ، مِنْ أَبْصَرَهُ جَعَلَهُ بَصِيرًا. وَقُرِئَ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ. وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ وَانْتِصَابُهَا عَلَى الْحَالِ. وَقُرِئَ بِرَفْعِهَا عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، أَيْ: فَكَذَّبُوهَا وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ. وَمَعْنَى فَظَلَمُوا بِها فَظَلَمُوا بِتَكْذِيبِهَا أَوْ عَلَى تَضْمِينِ ظَلَمُوا مَعْنَى جَحَدُوا أَوْ كَفَرُوا، أَيْ:
فَجَحَدُوا بِهَا أَوْ كَفَرُوا بِهَا ظَالِمِينَ، وَلَمْ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ أَوِ الْجَحْدِ وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ عَلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعِبَرُ وَالْمُعْجِزَاتُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ مِنْ دَلَائِلِ الْإِنْذَارِ تَخْوِيفًا لِلْمُكَذِّبِينَ الثَّانِي: أَنَّهَا آيَاتُ الِانْتِقَامِ تَخْوِيفًا مِنَ الْمَعَاصِي الثَّالِثُ: تَقَلُّبُ الْأَحْوَالِ مِنْ صِغَرٍ إِلَى شَبَابٍ ثُمَّ إِلَى تَكَهُّلٍ ثُمَّ إِلَى شَيْبٍ لِيَعْتَبِرَ الْإِنْسَانُ بِتَقَلُّبِ أَحْوَالِهِ فَيَخَافُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ الرَّابِعُ: آيَاتُ الْقُرْآنِ الْخَامِسُ: الْمَوْتُ الذَّرِيعُ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ أَنْ تُفَسَّرَ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ بِالْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ، أَيْ: لَا نُرْسِلُ الْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةَ إِلَّا تَخْوِيفًا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، فَإِنْ لَمْ يَخَافُوا وَقَعَ عَلَيْهِمْ. وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ ظَلَمُوا بِهَا، أَيْ: فَظَلَمُوا بِهَا وَلَمْ يَخَافُوا، وَالْحَالُ أَنَّ مَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَتِهَا إِلَّا تَخْوِيفًا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ إِلَّا تَخْوِيفًا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ. وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ إِرْسَالِ الْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ عَلَى رَسُولِهِ لِلصَّارِفِ الْمَذْكُورِ قَوَّى قَلْبَهُ بِوَعْدِ النَّصْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَقَالَ: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيِ: اذْكُرْ إِذْ قُلْنَا لَكَ، أَيْ: أَنَّهُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قُدْرَتِهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ مِمَّا يُرِيدُهُ بِهِمْ لِإِحَاطَتِهِ لَهُمْ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّاسِ أَهْلُ مَكَّةَ، وَإِحَاطَتُهُ بِهِمْ إِهْلَاكُهُ إِيَّاهُمْ، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ سَيُهْلِكُهُمْ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَذَلِكَ كَمَا وَقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الْفَتْحِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَقْتُلُوهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ إِنْزَالَ الْآيَاتِ يَتَضَمَّنُ التَّخْوِيفَ ضَمَّ إِلَيْهِ ذِكْرَ آيَةِ الْإِسْرَاءِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي صَدْرِ السُّورَةِ وَجْهًا آخَرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الرُّؤْيَا، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ ارْتِدَادَ قَوْمٍ كَانُوا أَسْلَمُوا حِينَ أَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ، وَقِيلَ: كَانَتْ رُؤْيَا نَوْمٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَافْتَتَنَ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ، فَلَمَّا فتح الله مكة نزل قوله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ
283
الرُّؤْيا بِالْحَقِ
«١» وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ أَنَّهُ رَأَى بَنِي مَرْوَانَ يَنْزَوْنَ
«٢» عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَقِيلَ: إِنَّمَا هِيَ الدُّنْيَا أَعْطَوْهَا فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، فَإِنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالنَّاسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَيُرَادُ بِالْفِتْنَةِ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَسَاءَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَخْبَرَ النَّاسَ بِهَا فَافْتَتَنُوا.
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَاهُ فِي الْمَنَامِ مَصَارِعَ قُرَيْشٍ، حتى قال:
«والله لكأني أنظر مَصَارِعِ الْقَوْمِ» وَهُوَ يُومِئُ إِلَى الْأَرْضِ وَيَقُولُ:
«هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ»، فَلَمَّا سمعت قُرَيْشُ ذَلِكَ جَعَلُوا رُؤْيَاهُ سُخْرِيَةً.
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ عَطْفٌ عَلَى الرُّؤْيَا، قِيلَ: وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، وَالْمُرَادُ بِلَعْنِهَا لَعْنُ آكِلِهَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ- طَعامُ الْأَثِيمِ
«٣». وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِكُلِّ طَعَامٍ مَكْرُوهٍ مَلْعُونٌ، وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ فِيهَا أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ تَحْرِقُ الْحَجَرَ، ثُمَّ يَقُولُ يَنْبُتُ فِيهَا الشَّجَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَمَرَ جَارِيَةً فَأَحْضَرَتْ تَمْرًا وَزُبْدًا وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَزَقَّمُوا. وَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: كَثَّرَ اللَّهُ مِنَ الزَّقُّومِ فِي دَارِكُمْ فَإِنَّهُ التَّمْرُ بِالزُّبْدِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ. وَقِيلَ:
إِنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي تَلْتَوِي عَلَى الشَّجَرِ فَتَقْتُلُهَا، وَهِيَ شَجَرَةُ الْكُشُوثُ، وَقِيلَ: هِيَ الشَّيْطَانُ، وَقِيلَ: الْيَهُودُ، وَقِيلَ: بَنُو أُمَيَّةَ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً أَيْ: نُخَوِّفُهُمْ بِالْآيَاتِ فَمَا يَزِيدُهُمُ التَّخْوِيفُ إِلَّا طُغْيَانًا مُتَجَاوِزًا لِلْحَدِّ، مُتَمَادِيًا غَايَةَ التَّمَادِي، فَمَا يُفِيدُهُمْ إِرْسَالُ الْآيَاتِ إِلَّا الزِّيَادَةَ فِي الْكُفْرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَفْعَلُ بِهِمْ مَا فَعَلْنَاهُ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ، وَلَكِنَّا قَدْ قَضَيْنَا بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ، وَتَمَسَّكَ الْإِنْسِيُّونَ بِعِبَادَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ كِلَاهُمَا، يَعْنِي الْفِعْلَيْنِ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا. وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ عِيسَى وَأُمِّهِ وَعُزَيْرٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ:
هُمْ عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، قَالُوا: وَمَا الْوَسِيلَةُ؟ قَالَ: الْقُرْبُ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فِي قَوْلِهِ: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً قَالَ: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مكة
284
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، قَالَ: لَا، بَلْ أَسَتَأْنِي بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّاسُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: لَوْ جِئْتَنَا بِآيَةٍ كَمَا جَاءَ بِهَا صَالِحٌ وَالنَّبِيُّونَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَأَنْزَلَهَا عَلَيْكُمْ، فَإِنْ عَصَيْتُمْ هَلَكْتُمْ، فَقَالُوا: لَا نُرِيدُهَا». وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً قَالَ: الْمَوْتُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ الْمَوْتُ الذَّرِيعُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ:
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ قَالَ: عَصَمَكَ مِنَ النَّاسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الْآيَةَ قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَيْسَتْ بِرُؤْيَا مَنَامٍ.
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وَأَخْرَجَ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ أَصْبَحَ يُحَدِّثُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، فَطَلَبُوا مِنْهُ آيَةً فَوَصَفَ لَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَذَكَرَ لَهُمْ قِصَّةَ الْعِيرِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: هَذَا سَاحِرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي فُلَانٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ إِسْنَادَهُ: وَهَذَا السَّنَدُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ رِجَالِ السَّنَدِ مُحَمَّدَ بن الحسن بن زبالة وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«رَأَيْتُ وَلَدَ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَلَى الْمَنَابِرِ كَأَنَّهُمُ الْقِرَدَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ» : يَعْنِي الْحَكَمَ وَوَلَدَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رَأَيْتُ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مَنَابِرِ الْأَرْضِ، وَسَيَمْلِكُونَكُمْ، فَتَجِدُونَهُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ، وَاهْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ لِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ نَحْوَهُ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ:
سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَبِيكَ وَجَدِّكَ:
«إِنَّكُمُ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ» وَفِي هَذَا نَكَارَةٌ لِقَوْلِهَا:
يَقُولُ لِأَبِيكَ وَجَدِّكَ، وَلَعَلَّ جَدَّ مَرْوَانَ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ النُّبُوَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَنَّهُ دَخْلَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَسَارَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ
285
ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضارّ، فقال :﴿ أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة ﴾ ف﴿ أولئك ﴾ مبتدأ ﴿ والذين يدعون ﴾ صفته، وضمير الصلة محذوف أي : يدعونهم، وخبر المبتدأ :﴿ يبتغون إلى ربهم الوسيلة ﴾، ويجوز أن يكون ﴿ الذين يدعون ﴾ خبر المبتدأ أي : الذين يدعون عباده إلى عبادتهم، ويكون ﴿ يبتغون ﴾ في محل نصب على الحال. وقرأ ابن مسعود ( تدعون ) بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ؛ ولا خلاف في ﴿ يبتغون ﴾ أنه بالتحتية. و﴿ الوسيلة ﴾ : القربة بالطاعة والعبادة أي : يتضرّعون إلى الله في طلب ما يقربهم إلى ربهم، والضمير في ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين ﴿ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ مبتدأ وخبر. قال الزجاج : المعنى أيهم أقرب بالوسيلة إلى الله أي : يتقرّب إليه بالعمل الصالح، ويجوز أن يكون بدلاً من الضمير في ﴿ يبتغون ﴾ أي : يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة، فكيف بمن دونه ؟ وقيل : إن يبتغون مضمن معنى يحرصون أي : يحرصون أيهم أقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة ﴿ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ﴾ كما يرجوها غيرهم ﴿ ويخافون عَذَابَهُ ﴾ كما يخافه غيرهم ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ تعليل قوله ﴿ يخافون عذابه ﴾ أي : إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود في قوله :﴿ قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم من دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجنّ وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله ﴿ أُولَئِكَ الذين يَدّعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة ﴾ كلاهما، يعني : الفعلين بالياء التحتية، وروي نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً. وروي عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزير. وروي عنه أيضاً من وجه آخر بلفظ هم : عيسى وعزير، والشمس والقمر. وأخرج الترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سلوا الله لي الوسيلة، قالوا وما الوسيلة ؟ قال القرب من الله، ثم قرأ ﴿ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ ) وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله :﴿ كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُورًا ﴾ قال : في اللوح المحفوظ. وأخرج أحمد، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال :( سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم، قال :( لا بل أستأني بهم )، فأنزل الله ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نرْسِلَ بالآيات ﴾ ) الآية. وأخرج أحمد، والبيهقي من طريق أخرى عنه نحوه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس قال : قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيّون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم )، فقالوا : لا نريدها ). وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ قال : الموت. وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال : هو الموت الذريع. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس ﴾ قال : عصمك من الناس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : فهم في قبضته. وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية قال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست برؤيا منام ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ قال : هي شجرة الزقوم. وأخرج أبو سعيد، وأبو يعلى، وابن عساكر عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدّث نفراً من قريش وهم يستهزئون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر، فأنزل الله إليه ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ ﴾. قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده : وهذا السند ضعيف جداً. وذكر من جملة رجال السند محمد بن الحسن بن زبان وهو متروك وشيخه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف جداً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ والشجرة الملعونة ﴾ ) يعني : الحكم وولده. وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء )، واهتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأنزل الله الآية. وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ نحوه مرفوعاً وهو مرسل. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدّك :( إنكم الشجرة الملعونة في القرآن ) وفي هذا نكارة، لقولها : يقول لأبيك وجدّك، ولعل جدّ مروان لم يدرك زمن النبوّة. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بالمدينة فسار إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون، فقال ناس : قد ردّ، وقد كان حدّثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم. وقد تعارضت هذه الأسباب، ولم يمكن الجمع بينها فالواجب المصير إلى الترجيح، والراجح كثرة وصحة هو كون سبب نزول هذه الآية قصة الإسراء فيتعين ذلك. وقد حكى ابن كثير إجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك في الرؤيا، وفي تفسير الشجرة وأنها شجرة الزقوم، فلا اعتبار بغيرهم معهم. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لما ذكر رسول الله شجرة الزقوم تخويفاً لهم : يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ؟ قالوا لا، قال : عجوة يثرب بالزبد. والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً. قال الله سبحانه :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ ٤٤ ]، وأنزل ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ والشجرة الملعونة ﴾ قال : ملعونة لأنه قال :﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشياطين ﴾ [ الصافات : ٦٥ ]. والشياطين ملعونون.
ثم بيّن سبحانه مآل الدنيا وأهلها فقال :
﴿ وَإِن من قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة ﴾ «إن » نافية، و
«من » للاستغراق أي : ما من قرية، أيّ قرية كانت من قرى الكفار. قال الزجاج : أي ما من أهل قرية إلاّ سيهلكون إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم، فالمراد بالقرية : أهلها، وإنما قيل :
﴿ قبل يوم القيامة ﴾ لأن الإهلاك يوم القيامة غير مختص بالقرى الكافرة، بل يعم كل قرية لانقضاء عمر الدنيا ؛ وقيل : الإهلاك للصالحة والتعذيب للطالحة، والأوّل أولى لقوله :
﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون ﴾ [ القصص : ٥٩ ].
﴿ كَانَ ذَلِكَ ﴾ المذكور من الإهلاك، والتعذيب
﴿ فِي الكتاب ﴾ أي : اللوح المحفوظ
﴿ مَسْطُورًا ﴾ أي : مكتوباً، والسطر الخط وهو في الأصل مصدر، والسطر بالتحريك مثله. قال جرير :
من شاء بايعته مالي وخلعته | ما تكمل التيم في ديوانهم سطرا |
والخلفة بضم الخاء : خيار المال، والسطر : جمع أسطار، وجمع السطر بالسكون أسطر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود في قوله :﴿ قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم من دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجنّ وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله ﴿ أُولَئِكَ الذين يَدّعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة ﴾ كلاهما، يعني : الفعلين بالياء التحتية، وروي نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً. وروي عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزير. وروي عنه أيضاً من وجه آخر بلفظ هم : عيسى وعزير، والشمس والقمر. وأخرج الترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سلوا الله لي الوسيلة، قالوا وما الوسيلة ؟ قال القرب من الله، ثم قرأ ﴿ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ ) وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله :﴿ كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُورًا ﴾ قال : في اللوح المحفوظ. وأخرج أحمد، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال :( سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم، قال :( لا بل أستأني بهم )، فأنزل الله ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نرْسِلَ بالآيات ﴾ ) الآية. وأخرج أحمد، والبيهقي من طريق أخرى عنه نحوه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس قال : قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيّون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم )، فقالوا : لا نريدها ). وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ قال : الموت. وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال : هو الموت الذريع. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس ﴾ قال : عصمك من الناس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : فهم في قبضته. وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية قال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست برؤيا منام ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ قال : هي شجرة الزقوم. وأخرج أبو سعيد، وأبو يعلى، وابن عساكر عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدّث نفراً من قريش وهم يستهزئون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر، فأنزل الله إليه ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ ﴾. قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده : وهذا السند ضعيف جداً. وذكر من جملة رجال السند محمد بن الحسن بن زبان وهو متروك وشيخه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف جداً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ والشجرة الملعونة ﴾ ) يعني : الحكم وولده. وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء )، واهتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأنزل الله الآية. وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ نحوه مرفوعاً وهو مرسل. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدّك :( إنكم الشجرة الملعونة في القرآن ) وفي هذا نكارة، لقولها : يقول لأبيك وجدّك، ولعل جدّ مروان لم يدرك زمن النبوّة. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بالمدينة فسار إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون، فقال ناس : قد ردّ، وقد كان حدّثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم. وقد تعارضت هذه الأسباب، ولم يمكن الجمع بينها فالواجب المصير إلى الترجيح، والراجح كثرة وصحة هو كون سبب نزول هذه الآية قصة الإسراء فيتعين ذلك. وقد حكى ابن كثير إجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك في الرؤيا، وفي تفسير الشجرة وأنها شجرة الزقوم، فلا اعتبار بغيرهم معهم. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لما ذكر رسول الله شجرة الزقوم تخويفاً لهم : يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ؟ قالوا لا، قال : عجوة يثرب بالزبد. والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً. قال الله سبحانه :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ ٤٤ ]، وأنزل ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ والشجرة الملعونة ﴾ قال : ملعونة لأنه قال :﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشياطين ﴾ [ الصافات : ٦٥ ]. والشياطين ملعونون.
﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُرْسِلَ بالآيات وَلاَ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون ﴾ قال المفسرون : إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي عنهم جبال مكة، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان ما سأل قومك، ولكنهم إن لم يؤمنوا بها يمهلوا وإن شئت استأنيت بهم، فأنزل الله هذه الآية. والمعنى : وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلاّ تكذيب الأوّلين، فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنّة الله سبحانه في عباده، فالمنع مستعار للترك، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأشياء، أي : ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلاّ تكذيب الأوّلين، فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم في الكفر والعناد حلّ بهم ما حلّ بهم، و«أن » الأولى في محل نصب [ بإيقاع ] المنع عليها، و«أن » الثانية في محل رفع، والباء في ﴿ بالآيات ﴾ زائدة. والحاصل : أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي وهو الاستئصال، وقد عزمنا على أن نؤخر أمر من بعث إليهم محمد إلى يوم القيامة ؛ وقيل : معنى الآية : إن هؤلاء الكفار من قريش ونحوهم مقلدون لآبائهم فلا يؤمنون ألبتة كما لم يؤمن أولئك، فيكون إرسال الآيات ضائعاً، ثم إنه سبحانه استشهد على ما ذكر بقصة صالح وناقته، فإنهم لما اقترحوا عليه ما اقترحوا من الناقة وصفتها التي قد بينت في محل آخر، وأعطاهم الله ما اقترحوا فلم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب. وإنما خصّ قوم صالح بالاستشهاد، لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من قريش وأمثالهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال :﴿ وآتينا ثمود الناقة مبصرة ﴾ أي : ذات إبصار يدركها الناس بأبصارهم كقوله :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ [ الإسراء : ١٢ ] أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازاً، أو أنها جعلتهم ذوي إبصار، من أبصره جعله بصيراً. وقرئ على صيغة المفعول. وقرئ بفتح الميم والصاد وانتصابها على الحال. وقرئ برفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف، والجملة معطوفة على محذوف يقتضيه سياق الكلام أي : فكذبوها وآتينا ثمود الناقة، ومعنى ﴿ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾ فظلموا بتكذيبها أو على تضمين ظلموا معنى جحدوا أو كفروا أي : فجحدوا بها أو كفروا بها ظالمين ولم يكتفوا بمجرد الكفر أو الجحد ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ اختلف في تفسير ﴿ بالآيات ﴾ على وجوه : الأوّل : أن المراد بها العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذبين ؛ الثاني : أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي ؛ الثالث : تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى شيب، ليعتبر الإنسان بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره ؛ الرابع آيات القرآن، الخامس : الموت الذريع، والمناسب للمقام أن تفسر الآيات المذكورة بالآيات المقترحة، أي : لا نرسل الآيات المقترحة إلا تخويفاً من نزول العذاب، فإن لم يخافوا وقع عليهم. والجملة مستأنفة لا محل لها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير ظلموا بها أي : فظلموا بها، ولم يخافوا، والحال أنّ ما نرسل بالآيات التي هي من جملتها إلاّ تخويفاً. قال ابن قتيبة : وما نرسل بالآيات المقترحة إلاّ تخويفاً من نزول العذاب العاجل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود في قوله :﴿ قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم من دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجنّ وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله ﴿ أُولَئِكَ الذين يَدّعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة ﴾ كلاهما، يعني : الفعلين بالياء التحتية، وروي نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً. وروي عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزير. وروي عنه أيضاً من وجه آخر بلفظ هم : عيسى وعزير، والشمس والقمر. وأخرج الترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سلوا الله لي الوسيلة، قالوا وما الوسيلة ؟ قال القرب من الله، ثم قرأ ﴿ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ ) وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله :﴿ كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُورًا ﴾ قال : في اللوح المحفوظ. وأخرج أحمد، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال :( سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم، قال :( لا بل أستأني بهم )، فأنزل الله ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نرْسِلَ بالآيات ﴾ ) الآية. وأخرج أحمد، والبيهقي من طريق أخرى عنه نحوه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس قال : قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيّون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم )، فقالوا : لا نريدها ). وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ قال : الموت. وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال : هو الموت الذريع. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس ﴾ قال : عصمك من الناس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : فهم في قبضته. وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية قال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست برؤيا منام ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ قال : هي شجرة الزقوم. وأخرج أبو سعيد، وأبو يعلى، وابن عساكر عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدّث نفراً من قريش وهم يستهزئون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر، فأنزل الله إليه ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ ﴾. قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده : وهذا السند ضعيف جداً. وذكر من جملة رجال السند محمد بن الحسن بن زبان وهو متروك وشيخه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف جداً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ والشجرة الملعونة ﴾ ) يعني : الحكم وولده. وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء )، واهتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأنزل الله الآية. وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ نحوه مرفوعاً وهو مرسل. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدّك :( إنكم الشجرة الملعونة في القرآن ) وفي هذا نكارة، لقولها : يقول لأبيك وجدّك، ولعل جدّ مروان لم يدرك زمن النبوّة. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بالمدينة فسار إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون، فقال ناس : قد ردّ، وقد كان حدّثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم. وقد تعارضت هذه الأسباب، ولم يمكن الجمع بينها فالواجب المصير إلى الترجيح، والراجح كثرة وصحة هو كون سبب نزول هذه الآية قصة الإسراء فيتعين ذلك. وقد حكى ابن كثير إجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك في الرؤيا، وفي تفسير الشجرة وأنها شجرة الزقوم، فلا اعتبار بغيرهم معهم. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لما ذكر رسول الله شجرة الزقوم تخويفاً لهم : يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ؟ قالوا لا، قال : عجوة يثرب بالزبد. والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً. قال الله سبحانه :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ ٤٤ ]، وأنزل ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ والشجرة الملعونة ﴾ قال : ملعونة لأنه قال :﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشياطين ﴾ [ الصافات : ٦٥ ]. والشياطين ملعونون.
ولما ذكر سبحانه الامتناع من إرسال الآيات المقترحة على رسوله للصارف المذكور، قوي قلبه بوعد النصر والغلبة فقال :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس ﴾ الظرف متعلق بمحذوف، أي : اذكر إذ قلنا لك، أي : أنهم في قبضته وتحت قدرته، فلا سبيل لهم إلى الخروج مما يريده بهم لإحاطته لهم بعلمه وقدرته، وقيل : المراد بالناس : أهل مكة، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم أي : إن الله سيهلكهم، وعبر بالماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه، وذلك كما وقع يوم بدر ويوم الفتح، وقيل : المراد أنه سبحانه عصمه من الناس أن يقتلوه حتى يبلّغ رسالة ربه ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ ﴾ لما بين سبحانه أن إنزال الآيات يتضمن التخويف ضمّ إليه ذكر آية الإسراء، وهي المذكورة في صدر السورة، وسماها رؤيا لأنها وقعت بالليل، أو لأن الكفرة قالوا لعلها رؤيا، وقد قدّمنا في صدر السورة وجهاً آخر في تفسير هذه الرؤيا، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به، وقيل : كانت رؤيا نوم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه يدخل مكة فافتتن المسلمون لذلك، فلما فتح الله مكة نزل قوله تعالى :﴿ لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وقد تعقب هذا بأن هذه الآية مكية، والرؤيا المذكورة كانت بالمدينة، وقيل : إن هذه الرؤيا المذكورة في هذه الآية هي أنه رأى بني مروان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك، فقيل : إنما هي الدنيا أعطوها فسرّي عنه، وفيه ضعف، فإنه لا فتنة للناس في هذه الرؤيا إلاّ أن يراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، ويراد بالفتنة ما حصل من المساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يحمل على أنه قد كان أخبر الناس بها فافتتنوا، وقيل : إن الله سبحانه أراه في المنام مصارع قريش حتى قال :( والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم )، وهو يومئ إلى الأرض ويقول :( هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان ) فلما سمع قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية. ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ عطف على الرؤيا، قيل : وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلاّ فتنة للناس. قال جمهور المفسرين : وهي شجرة الزقوم، والمراد بلعنها لعن آكلها كما قال سبحانه :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ - ٤٤ ]. وقال الزجاج : إن العرب تقول : لكل طعام مكروه : ملعون، ومعنى الفتنة فيها : أن أبا جهل وغيره قالوا : زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر، ثم يقول : ينبت فيها الشجر، فأنزل الله هذه الآية. وروي أن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمراً وزبداً وقال لأصحابه : تزقموا. وقال ابن الزبعري : كثر الله من الزقوم في داركم، فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن، وقيل : إن الشجرة الملعونة : هي الشجرة التي تلتوي على الشجر فتقتلها، وهي شجرة الكشوث ؛ وقيل : هي الشيطان ؛ وقيل : اليهود ؛ وقيل : بنو أمية ﴿ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ أي : نخوّفهم بالآيات فما يزيدهم التخويف إلاّ طغياناً متجاوزاً للحد، متمادياً غاية التمادي، فما يفيدهم إرسال الآيات إلاّ الزيادة في الكفر، فعند ذلك نفعل بهم ما فعلناه بمن قبلهم من الكفار، وهو عذاب الاستئصال، ولكنا قد قضينا بتأخير العقوبة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود في قوله :﴿ قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم من دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجنّ وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله ﴿ أُولَئِكَ الذين يَدّعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة ﴾ كلاهما، يعني : الفعلين بالياء التحتية، وروي نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً. وروي عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزير. وروي عنه أيضاً من وجه آخر بلفظ هم : عيسى وعزير، والشمس والقمر. وأخرج الترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سلوا الله لي الوسيلة، قالوا وما الوسيلة ؟ قال القرب من الله، ثم قرأ ﴿ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ ) وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله :﴿ كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُورًا ﴾ قال : في اللوح المحفوظ. وأخرج أحمد، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال :( سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم، قال :( لا بل أستأني بهم )، فأنزل الله ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نرْسِلَ بالآيات ﴾ ) الآية. وأخرج أحمد، والبيهقي من طريق أخرى عنه نحوه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس قال : قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيّون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم )، فقالوا : لا نريدها ). وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ قال : الموت. وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال : هو الموت الذريع. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس ﴾ قال : عصمك من الناس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : فهم في قبضته. وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية قال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست برؤيا منام ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ قال : هي شجرة الزقوم. وأخرج أبو سعيد، وأبو يعلى، وابن عساكر عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدّث نفراً من قريش وهم يستهزئون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر، فأنزل الله إليه ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ ﴾. قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده : وهذا السند ضعيف جداً. وذكر من جملة رجال السند محمد بن الحسن بن زبان وهو متروك وشيخه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف جداً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ والشجرة الملعونة ﴾ ) يعني : الحكم وولده. وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء )، واهتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأنزل الله الآية. وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ نحوه مرفوعاً وهو مرسل. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدّك :( إنكم الشجرة الملعونة في القرآن ) وفي هذا نكارة، لقولها : يقول لأبيك وجدّك، ولعل جدّ مروان لم يدرك زمن النبوّة. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بالمدينة فسار إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون، فقال ناس : قد ردّ، وقد كان حدّثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم. وقد تعارضت هذه الأسباب، ولم يمكن الجمع بينها فالواجب المصير إلى الترجيح، والراجح كثرة وصحة هو كون سبب نزول هذه الآية قصة الإسراء فيتعين ذلك. وقد حكى ابن كثير إجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك في الرؤيا، وفي تفسير الشجرة وأنها شجرة الزقوم، فلا اعتبار بغيرهم معهم. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لما ذكر رسول الله شجرة الزقوم تخويفاً لهم : يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ؟ قالوا لا، قال : عجوة يثرب بالزبد. والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً. قال الله سبحانه :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ ٤٤ ]، وأنزل ﴿ والشجرة الملعونة فِي القرآن ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ والشجرة الملعونة ﴾ قال : ملعونة لأنه قال :﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشياطين ﴾ [ الصافات : ٦٥ ]. والشياطين ملعونون.
الْأَجَلِ فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ نَاسٌ: قَدْ رُدَّ، وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُهَا فَكَانَتْ رَجْعَتُهُ فِتْنَتَهُمْ، وَقَدْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إِلَى التَّرْجِيحِ، وَالرَّاجِحُ كَثْرَةً وَصِحَّةً هُوَ كَوْنُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قِصَّةَ الْإِسْرَاءِ فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ كَثِيرٍ إِجْمَاعَ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا، وَفِي تَفْسِيرِ الشَّجَرَةِ وَأَنَّهَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِغَيْرِهِمْ مَعَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهِلٍ لَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ:
عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزُّبْدِ. وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا لَنَزْقُمَنَّهَا تَزَقُّمًا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ- طَعامُ الْأَثِيمِ
«١»، وَأَنْزَلَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ قال: ملعونة لأنه قال: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ والشياطين ملعونون.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الرسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَلِيَّةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَمِحْنَةٍ شَدِيدَةٍ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ كَانُوا كَذَلِكَ، حَتَّى أَنَّ هَذِهِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ سَنَّهَا إِبْلِيسُ اللَّعِينُ، وَأَيْضًا لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
هَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْبَقَرَةِ، وَالْأَعْرَافِ، وَالْحِجْرِ، وَهَذِهِ السُّورَةِ، وَالْكَهْفِ، وَطَه، وَص، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا مَبْسُوطًا، فَلْنَقْتَصِرْ هَاهُنَا عَلَى تَفْسِيرِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ، فَقَوْلُهُ: طِيناً مُنْتَصِبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: مِنْ طِينٍ، أَوْ عَلَى الْحَالِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ طِينًا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَرَأَيْتَكَ أَيْ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ لِمَ فَضَّلْتَهُ؟ وَقَدْ: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
«٢» فَحُذِفَ هَذَا لِلْعِلْمِ بِهِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أَيْ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَصْلُهُ مِنِ احْتِنَاكِ الْجَرَادِ الزَّرْعَ، وَهُوَ أَنْ تَسْتَأْصِلَهُ بِأَحْنَاكِهَا وَتُفْسِدَهُ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ سُمِّيَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الشَّيْءِ وَأَخْذُهُ كُلَّهُ احْتِنَاكًا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ:
لَأَسُوقَنَّهُمْ حَيْثُ شِئْتُ، وَأَقُودَنَّهُمْ حَيْثُ أَرَدْتُ، مِنْ قَوْلِهِمْ حَنَّكْتُ الْفَرَسَ أُحَنِّكُهُ حَنْكًا إِذَا جَعَلْتَ فِي فِيهِ الرَّسَنَ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْسَبُ بمعنى هذه الآية، ومنه قول الشاعر:
286
أَشْكُو إِلَيْكَ سَنَةً قَدْ أَجْحَفَتْ | جَهْدًا إِلَى جهد بنا وأضعفت |
واحتنكت أموالنا واجتلفت
أَيِ: اسْتَأْصَلَتْ أَمْوَالَنَا. وَاللَّامُ فِي لَئِنْ أَخَّرْتَنِ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ، وَإِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّعِينُ هَذَا الْقَسَمَ عَلَى أَنَّهُ سَيَفْعَلُ بِذُرِّيَّةِ آدَمَ مَا ذَكَرَهُ لِعِلْمٍ قَدْ سَبَقَ إِلَيْهِ مِنْ سَمْعٍ اسْتَرَقَهُ، أَوْ قَالَهُ لِمَا ظَنَّهُ مِنْ قُوَّةِ نُفُوذِ كَيْدِهِ فِي بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُ يَجْرِي مِنْهُمْ فِي مَجَارِي الدَّمِ، وَأَنَّهُمْ بِحَيْثُ يَرُوجُ عِنْدَهُمْ كَيْدُهُ، وَتَنْفَقُ لَدَيْهِمْ وَسْوَسَتُهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ، وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا قَلِيلًا وَفِي مَعْنَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ
«١» فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ قَالَ مَا قَالَهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى الظَّنِّ وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
«٢»، وَقِيلَ: عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ طَبْعِ الْبَشَرِ لِمَا رُكِّبَ فِيهِمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ، أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَسَوَسَ لِآدَمَ فَقَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ لَهُ عَزْمًا، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَيْ: أَطَاعَكَ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ أَيْ: إِبْلِيسَ وَمَنْ أَطَاعَهُ جَزاءً مَوْفُوراً أَيْ: وَافِرًا مُكَمَّلًا، يُقَالُ: وَفَرْتُهُ أَفِرُهُ وَفْرًا، وَوَفَرَ الْمَالُ بِنَفْسِهِ يَفِرُ وُفُورًا، فَهُوَ وَافِرٌ، فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَمَنْ يَجْعَلِ الْمَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ | يَفِرْهُ ومن لا يتّقي الشَّتْمَ يُشْتَمِ |
ثُمَّ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ الْإِمْهَالَ لِإِبْلِيسَ اللَّعِينِ فَقَالَ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ أَيِ: اسْتَزْعِجْ وَاسْتَخِفَّ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْ بَنِي آدَمَ، يُقَالُ: أَفَزَّهُ وَاسْتَفَزَّهُ، أَيْ: أَزْعَجَهُ وَاسْتَخَفَّهُ، وَالْمَعْنَى: اسْتَخِفَّهُمْ بِصَوْتِكَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْغِنَاءُ وَاللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَالْمَزَامِيرُ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: أَجْلِبْ مِنَ الْجَلَبَةِ وَالصِّيَاحِ، أَيْ: صِحْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيِ اجْمَعْ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَايِدِكَ، فَالْإِجْلَابُ: الْجَمْعُ، وَالْبَاءُ فِي بِخَيْلِكَ زَائِدَةٌ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ:
الْإِجْلَابُ الْإِعَانَةُ، وَالْخَيْلُ تَقَعُ عَلَى الْفُرْسَانِ كَقَوْلِهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي»، وَتَقَعُ عَلَى الأفراس، والرجل بسكون الجيم: جمع رجل، كَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ، وَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَقَرَأَ حَفْصٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ رَجِلَ وَرَجُلَ، بِمَعْنَى رَاجِلٍ، فَالْخَيْلُ وَالرَّجْلُ كِنَايَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، أَوِ الْمُرَادُ كُلُّ رَاكِبٍ وَرَاجِلٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ أَمَّا الْمُشَارَكَةُ فِي الْأَمْوَالِ، فَهِيَ:
كُلُّ تَصَرُّفٍ فِيهَا يُخَالِفُ وَجْهَ الشَّرْعِ، سَوَاءٌ كَانَ أَخْذًا مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ وَضْعًا فِي غَيْرِ حَقٍّ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا، وَمِنْ ذَلِكَ تَبْتِيكُ آذَانِ الْأَنْعَامِ وَجَعْلُهَا بَحِيرَةً وَسَائِبَةً، وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْأَوْلَادِ دَعْوَى الْوَلَدِ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، وَتَحْصِيلُهُ بِالزِّنَا وَتَسْمِيَتُهُمْ بِعَبْدِ اللَّاتَ وَعَبْدِ الْعُزَّى، وَالْإِسَاءَةُ فِي تَرْبِيَتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَأْلَفُونَ فِيهِ خِصَالَ الشَّرِّ وَأَفْعَالَ السُّوءِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا قَتَلُوا مِنْ أَوْلَادِهِمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، وَوَأْدُ الْبَنَاتِ وَتَصْيِيرُ أَوْلَادِهِمْ عَلَى الْمِلَّةِ الْكُفْرِيَّةِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مُشَارَكَةُ الشَّيْطَانِ لِلْمُجَامِعِ إِذَا لَمْ يُسَمِّ، ثُمَّ قَالَ: وَعِدْهُمْ قال الفراء:
287
﴿ أَرَأيتَكَ ﴾ أي : أخبرني عن هذا الذي فضلته عليّ لم فضلته ؟ وقد ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] فحذف هذا للعلم به ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ أي : لأستولينّ عليهم بالإغواء والإضلال. قال الواحدي : أصله من احتناك الجراد الزرع، وهو أن تستأصله بأحناكها وتفسده، هذا هو الأصل، ثم سمي الاستيلاء على الشيء وأخذه كله احتناكاً ؛ وقيل معناه : لأسوقنّهم حيث شئت، وأقودنّهم حيث أردت، من قولهم : حنكت الفرس أحنكه حنكاً : إذا جعلت في فيه الرسن، والمعنى الأوّل أنسب بمعنى هذه الآية، ومنه قول الشاعر :
أشكو إليك سنة قد أجحفت *** جهدا إلى جهد بنا وأضعفت
واحتنكت أموالنا واختلفت ***. . .
أي : استأصلت أموالنا، واللام في ﴿ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ ﴾ هي الموطئة، وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه، أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم، وأنه يجري منهم في مجاري الدم، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده وتنفق لديهم وسوسته إلاّ من عصم الله، وهم المرادون بقوله :﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ وفي معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان ﴾ ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ صَدقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ [ سبأ : ٢٠ ]. فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتماداً على الظن، وقيل : إنه استنبط ذلك من قول الملائكة ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ [ البقرة : ٣٠ ]، وقيل : علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات، أو ظنّ ذلك لأنه وسوس لآدم، فقبل منه ذلك ولم يجد له عزماً، كما روي عن الحسن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين، خلق ضعيفاً وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ فصدق ظنّه عليهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأستولينّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأحتوينّهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لأضلنّهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مَوفُورًا ﴾ قال : وافراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ قال : صوته : كل داع دعا إلى معصية الله ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ﴾ قال : كل راكب في معصية الله ﴿ وَرَجِلِكَ ﴾ قال : كل راجل في معصية الله ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال ﴾ قال : كل مال في معصية الله ﴿ والأولاد ﴾ قال : كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه في الآية قال : كل خيل تسير في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال :﴿ الأموال ﴾ ما كانوا يحرّمون من أنعامهم ﴿ والأولاد ﴾ أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ الأموال ﴾ البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله ﴿ والأولاد ﴾ سموا عبد الحارث وعبد شمس.
﴿ قَالَ اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾ أي : أطاعك
﴿ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ ﴾ أي : إبليس ومن أطاعه
﴿ جَزَاء مَوفُورًا ﴾ أي : وافراً مكملاً، يقال : وفرته أفره وفراً، ووفر المال بنفسه يفر وفوراً، فهو وافر، فهو مصدر، ومنه قول زهير :
ومن يجعل المعروف من دون عرضه | يفره ومن لا يتّقي الشتم يشتم |
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين، خلق ضعيفاً وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ فصدق ظنّه عليهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأستولينّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأحتوينّهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لأضلنّهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مَوفُورًا ﴾ قال : وافراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ قال : صوته : كل داع دعا إلى معصية الله ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ﴾ قال : كل راكب في معصية الله ﴿ وَرَجِلِكَ ﴾ قال : كل راجل في معصية الله ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال ﴾ قال : كل مال في معصية الله ﴿ والأولاد ﴾ قال : كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه في الآية قال : كل خيل تسير في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال :﴿ الأموال ﴾ ما كانوا يحرّمون من أنعامهم ﴿ والأولاد ﴾ أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ الأموال ﴾ البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله ﴿ والأولاد ﴾ سموا عبد الحارث وعبد شمس.
ثم كرّر سبحانه الإمهال لإبليس اللعين فقال :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ أي : استزعج واستخف من استطعت من بني آدم، يقال : أفزه واستفزه أي : أزعجه واستخفه، والمعنى : أستخفهم بصوتك داعياً لهم إلى معصية الله، وقيل : هو الغناء واللهو واللعب والمزامير ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرجلكَ ﴾ قال الفراء وأبو عبيدة : أجلب من الجلبة والصياح، أي : صح عليهم. وقال الزجاج أي : أجمع عليهم كل ما تقدر من مكايدك. فالإجلاب : الجمع. والباء في ﴿ بخيلك ﴾ زائدة. وقال ابن السكيت : الإجلاب : الإعانة، والخيل تقع على الفرسان كقوله صلى الله عليه وسلم :«يا خيل الله اركبي »، وتقع على الأفراس، والرجل بسكون الجيم : جمع رجل كتاجر وتجر، وصاحب وصحب. وقرأ حفص بكسر الجيم على أنه صفة. قال أبو زيد : يقال : رجل ورجل، بمعنى راجل، فالخيل والرجل كناية عن جميع مكايد الشيطان، أو المراد كل راكب وراجل في معصية الله. ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد ﴾ أما المشاركة في الأموال، فهي : كل تصرف فيها يخالف وجه الشرع سواء كان أخذاً من غير حق، أو وضعاً في غير حق كالغصب والسرقة والربا، ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام وجعلها بحيرة وسائبة، والمشاركة في الأولاد : دعوى الولد بغير سبب شرعي، وتحصيله بالزنا وتسميتهم بعبد اللات وعبد العزى، والإساءة في تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر وأفعال السوء ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق، ووأد البنات وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التي هم عليها، ومن ذلك مشاركة الشيطان للمجامع إذا لم يسم، ثم قال :﴿ وعدهُمْ ﴾ قال الفراء : قل لهم : لا جنة ولا نار. وقال الزجاج : وعدهم بأنهم لا يبعثون ﴿ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً ﴾ أي : باطلاً، وأصل الغرور : تزيين الخطأ بما يوهم الصواب ؛ وقيل معناه : وعدهم النصرة على من خالفهم، وهذه الأوامر للشيطان من باب التهديد والوعيد الشديد، وقيل : هي على طريقة الاستخفاف به وبمن تبعه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين، خلق ضعيفاً وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ فصدق ظنّه عليهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأستولينّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأحتوينّهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لأضلنّهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مَوفُورًا ﴾ قال : وافراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ قال : صوته : كل داع دعا إلى معصية الله ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ﴾ قال : كل راكب في معصية الله ﴿ وَرَجِلِكَ ﴾ قال : كل راجل في معصية الله ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال ﴾ قال : كل مال في معصية الله ﴿ والأولاد ﴾ قال : كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه في الآية قال : كل خيل تسير في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال :﴿ الأموال ﴾ ما كانوا يحرّمون من أنعامهم ﴿ والأولاد ﴾ أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ الأموال ﴾ البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله ﴿ والأولاد ﴾ سموا عبد الحارث وعبد شمس.
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان ﴾ يعني : عباده المؤمنين كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز من أن إضافة العباد إليه يراد بها المؤمنون لما في الإضافة من التشريف، وقيل : المراد جميع العباد بدليل الاستثناء بقوله في غير هذا الموضع ﴿ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] والمراد بالسلطان : التسلط ﴿ وكفى بِرَبّكَ وَكِيلاً ﴾ يتوكلون عليه، فهو الذي يدفع عنهم كيد الشيطان ويعصمهم من إغوائه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين، خلق ضعيفاً وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ فصدق ظنّه عليهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأستولينّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ ﴾ قال : لأحتوينّهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لأضلنّهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مَوفُورًا ﴾ قال : وافراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ قال : صوته : كل داع دعا إلى معصية الله ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ﴾ قال : كل راكب في معصية الله ﴿ وَرَجِلِكَ ﴾ قال : كل راجل في معصية الله ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال ﴾ قال : كل مال في معصية الله ﴿ والأولاد ﴾ قال : كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه في الآية قال : كل خيل تسير في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال :﴿ الأموال ﴾ ما كانوا يحرّمون من أنعامهم ﴿ والأولاد ﴾ أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال :﴿ الأموال ﴾ البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله ﴿ والأولاد ﴾ سموا عبد الحارث وعبد شمس.
قل لهم لا جنة لا نَارٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَعَدَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُبَعَثُونَ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أَيْ:
بَاطِلًا، وَأَصْلُ الْغُرُورِ تَزْيِينُ الْخَطَأِ بِمَا يُوهِمُ الصَّوَابَ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَعِدْهُمُ النُّصْرَةَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَهَذِهِ الْأَوَامِرُ لِلشَّيْطَانِ مِنْ بَابِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَقِيلَ: هِيَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَبِمَنْ تَبِعَهُ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ يَعْنِي عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنْ أَنَّ إِضَافَةَ الْعِبَادِ إِلَيْهِ يُرَادُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ لِمَا فِي الْإِضَافَةِ مِنَ التَّشْرِيفِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ جَمِيعُ الْعِبَادِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الموضع: إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ
«١»، وَالْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ: التَّسَلُّطُ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا يَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ، فَهُوَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُمْ كَيْدَ الشَّيْطَانِ، وَيَعْصِمُهُمْ مِنْ إِغْوَائِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ إِبْلِيسُ: إِنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ومن طِينٍ، خُلِقَ ضَعِيفًا وَإِنِّي خُلِقْتُ مِنْ نَارٍ، وَالنَّارُ تُحْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا فَصَدَّقَ ظَنَّهُ عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ قَالَ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ قَالَ: لَأَحْتَوِيَنَّهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ:
لَأُضِلَّنَّهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مَوْفُوراً قَالَ: وَافِرًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قَالَ: صَوْتُهُ كُلُّ دَاعٍ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ قَالَ: كُلُّ رَاكِبٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَجِلِكَ قَالَ: كُلُّ رَاجِلٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ قَالَ: كُلُّ مَالٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْأَوْلادِ قَالَ: كُلُّ مَا قَتَلُوا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَتَوْا فِيهِمُ الْحَرَامَ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: كُلُّ خَيْلٍ تَسِيرُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكُلُّ مَالٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَكُلُّ وَلَدِ زِنَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْأَمْوالِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ وَالْأَوْلادِ أَوْلَادُ الزِّنَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْأَمْوالِ: الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالْأَوْلادِ سمّوا عبد الحارث وعبد شمس.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٦ الى ٧٠]
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠)
288
قَوْلُهُ: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ الْإِزْجَاءُ: السَّوْقُ وَالْإِجْرَاءُ وَالتَّسْيِيرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً
«١»، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ
«٢» :
يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُزْجِي مَطِيَّتَهُ | سائل بني أسد ما هذه الصّوت؟ |
وَقَوْلُ الْآخَرُ:
عُوَّذَا تُزَجِّي خَلْفَهَا أَطْفَالَهَا
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُسَيِّرُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ بِالرِّيحِ، وَالْفُلْكُ هَاهُنَا جَمْعٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْبَحْرُ: هُوَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ عَذْبًا كَانَ أَوْ مَالِحًا، وَقَدْ غَلَبَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أَيْ: مِنْ رِزْقِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَوْ مِنَ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ، ومن زَائِدَةٌ أَوْ لِلتَّبْعِيضِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا يَعْبُدُوا غَيْرَهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ أَحَدًا، وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً تَعْلِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، أَيْ:
كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَهَدَاكُمْ إِلَى مَصَالِحِ دُنْيَاكُمْ وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ يَعْنِي خَوْفَ الْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَذَهَبَ عَنْ خَوَاطِرِكُمْ، وَلَمْ يُوجَدْ لِإِغَاثَتِكُمْ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ صَنَمٍ، أَوْ جِنٍّ، أَوْ مَلَكٍ، أَوْ بَشَرٍ إِلَّا إِيَّاهُ وَحْدَهُ فَإِنَّكُمْ تَعْقِدُونَ رَجَاءَكُمْ بِرَحْمَتِهِ وَإِغَاثَتِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ إِنَّمَا يَعْتَقِدُونَ فِي أَصْنَامِهِمْ وَسَائِرِ مَعْبُودَاتِهِمْ أَنَّهَا نَافِعَةٌ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْلَمُ بِالْفِطْرَةِ عِلْمًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مُدَافَعَتِهِ أَنَّ الْأَصْنَامَ وَنَحْوَهَا لَا فِعْلَ لَهَا. فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَرَجَعْتُمْ إِلَى دُعَاءِ أَصْنَامِكُمْ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهَا وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً أَيْ: كَثِيرَ الْكُفْرَانِ لِنِعْمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ يَتَمَسَّكُونَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَفِي الرَّخَاءِ يُعْرِضُونَ عَنْهُ. ثُمَّ أَنْكَرَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ سُوءَ مُعَامَلَتِهِمْ قَائِلًا: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ الْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَنَجَوْتُمْ فَأَمِنْتُمْ فَحَمَلَكُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِعْرَاضِ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أنه قادر على هلاكهم فِي الْبَرِّ وَإِنْ سَلِمُوا مِنَ الْبَحْرِ. وَالْخَسْفُ: أَنْ تَنْهَارَ الْأَرْضُ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: بِئْرٌ خَسِيفٌ، إِذَا انْهَدَمَ أَصْلُهَا، وَعَيْنٌ خَاسِفٌ، أَيْ: غَائِرَةٌ حَدَقَتُهَا فِي الرَّأْسِ، وَخَسَفَتْ عَيْنُ الْمَاءِ: إِذَا غَارَ مَاؤُهَا، وَخَسَفَتِ الشَّمْسُ: إِذَا غَابَتْ عَنِ الأرض، وجانب الْبَرِّ: نَاحِيَةُ الْأَرْضِ، وَسَمَّاهُ جَانِبًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْدَ الْخَسْفِ جَانِبًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَحْرَ جَانِبٌ مِنَ الْأَرْضِ وَالْبَرَّ جَانِبٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَسَاحِلُهُ جَانِبُ الْبَرِّ، فَكَانُوا فِيهِ آمِنِينَ مِنْ مَخَاوِفِ الْبَحْرِ، فَحَذَّرَهُمْ مَا أَمِنُوهُ مِنَ الْبَرِّ كَمَا حَذَّرَهُمْ مَا خَافُوهُ مِنَ الْبَحْرِ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً قَالَ أبو عبيدة والقتبي: الْحَاصِبُ: التُّرَابُ الَّذِي فِيهِ حَصْبَاءُ، فَالْحَاصِبُ ذُو الْحَصْبَاءِ كَاللَّابِنِ وَالتَّامِرِ وَقِيلَ: الْحَاصِبُ حِجَارَةٌ مِنَ السماء تحصبهم كما فعل بقوم لوط
289
وَيُقَالُ لِلسَّحَابَةِ الَّتِي تَرْمِي بِالْبَرَدِ حَاصِبٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
مُسْتَقْبِلِينَ جِبَالَ «١» الشَّامِ تَضْرِبُنَا | بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْنِ مَنْثُورُ |
ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أَيْ: حَافِظًا وَنَصِيرًا يَمْنَعُكُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى أَيْ: فِي الْبَحْرِ مَرَّةً أُخْرَى بِأَنْ يُقَوِّيَ دَوَاعِيَكُمْ وَيُوَفِّرَ حَوَائِجَكُمْ إِلَى رُكُوبِهِ، وَجَاءَ بفي وَلَمْ يَقُلْ إِلَى الْبَحْرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِقْرَارِهِمْ فِيهِ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ الْقَاصِفُ: الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الَّتِي تَكْسِرُ بِشِدَّةٍ، مِنْ قَصَفَ الشَّيْءَ يَقْصِفُهُ، أَيْ: كَسَرَهُ بِشِدَّةٍ، وَالْقَصْفُ: الْكَسْرُ، أَوْ هُوَ الرِّيحُ الَّتِي لَهَا قَصِيفٌ، أَيْ: صَوْتٌ شَدِيدٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: رَعْدٌ قَاصِفٌ، أَيْ: شَدِيدُ الصَّوْتِ فَيُغْرِقَكُمْ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَرُوَيْسٌ وَمُجَاهِدٌ فَتُغْرِقَكُمْ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ الرِّيحُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ وَرْدَانَ فَيُغَرِّقَكُمْ بِالتَّحْتِيَّةِ وَالتَّشْدِيدِ فِي الرَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا: الرِّيَاحِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالنُّونِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فِي جَمِيعِهَا أَيْضًا، وَالْبَاءُ فِي بِمَا كَفَرْتُمْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ:
بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً أَيْ: ثَائِرًا يُطَالِبُنَا بِمَا فَعَلْنَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا تَجِدُوا مَنْ يَتْبَعُنَا بِإِنْكَارِ مَا نَزَلَ بِكُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ مِنَ الثَّأْرِ، وَكَذَا يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ بِثَأْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: تَبِيعٌ وَتَابِعٌ وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ هَذَا إِجْمَالٌ لِذِكْرِ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى بَنِي آدَمَ، أَيْ: كَرَّمْنَاهُمْ جَمِيعًا، وَهَذِهِ الْكَرَامَةُ يَدْخُلُ تَحْتَهَا خَلْقُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْحَسَنَةِ وَتَخْصِيصُهُمْ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجَدُ لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ مِثْلُهُ. وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ هَذَا التَّكْرِيمَ هُوَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بِأَيْدِيهِمْ، وَسَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ تَأْكُلُ بِالْفَمِ، وَكَذَا حَكَاهُ النَّحَّاسُ. وَقِيلَ: مَيَّزَهُمْ بِالنُّطْقِ وَالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، وَقِيلَ: أَكْرَمَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَكْرَمَهُمْ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ وَتَسْخِيرِ سَائِرِ الْخَلْقِ لَهُمْ، وَقِيلَ: بِالْكَلَامِ وَالْخَطِّ وَالْفَهْمِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ التَّكْرِيمِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَأَعْظَمُ خِصَالِ التَّكْرِيمِ الْعَقْلُ، فَإِنَّ بِهِ تَسَلَّطُوا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَيَّزُوا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، وَتَوَسَّعُوا فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَكَسَبُوا الْأَمْوَالَ الَّتِي تَسَبَّبُوا بِهَا إِلَى تَحْصِيلِ أُمُورٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْحَيَوَانُ، وَبِهِ قَدَرُوا عَلَى تَحْصِيلِ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي تَمْنَعُهُمْ مِمَّا يَخَافُونَ، وَعَلَى تَحْصِيلِ الْأَكْسِيَةِ الَّتِي تَقِيهِمُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَقِيلَ: تَكْرِيمُهُمْ هُوَ أَنْ جَعَلَ محمدا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْهُمْ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هَذَا تَخْصِيصٌ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ التَّكْرِيمِ، حَمَلَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي الْبَرِّ عَلَى الدَّوَابِّ، وَفِي الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ، وَقِيلَ: حَمَّلْنَاهُمْ فِيهِمَا حَيْثُ لَمْ نَخْسِفْ بِهِمْ وَلَمْ نُغْرِقْهُمْ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَيْ: لَذِيذِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَسَائِرِ مَا يَسْتَلِذُّونَهُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أَجْمَلَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْكَثِيرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنْوَاعَهُ، فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ بَنِي آدَمَ فَضَّلَهُمْ سُبْحَانَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكَثِيرَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ تَعَسُّفٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ.
وَقَدْ شُغِلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ تَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ تَفْضِيلِ الملائكة على
290
الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ مُفْضِلُو الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ إِجْمَالِ الْكَثِيرِ وَعَدَمِ تَبْيِينِهِ، وَالتَّعَصُّبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الَّذِي حَمَلَ بَعْضَ الْأَشَاعِرَةِ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَثِيرِ هُنَا بِالْجَمِيعِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ التَّفْضِيلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا دَلَالَةَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنَ الْقَلِيلِ الْخَارِجِ عَنْ هَذَا الْكَثِيرِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْكَثِيرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَمَ، بَلْ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْإِنْسَانُ مُفَضَّلًا عَلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلْإِنْسَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ، وَالتَّأْكِيدُ بِقَوْلِهِ: تَفْضِيلًا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ هَذَا التَّفْضِيلِ وَأَنَّهُ بِمَكَانٍ مَكِينٍ، فَعَلَى بَنِي آدَمَ أَنْ يَتَلَقَّوْهُ بِالشُّكْرِ، وَيَحْذَرُوا مِنْ كُفْرَانِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُزْجِي قَالَ: يُجْرِي.
وَأَخْرَجُوا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يُسَيِّرُهَا فِي الْبَحْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: حاصِباً قَالَ:
مَطَرُ الْحِجَارَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قَالَ: الَّتِي تُغْرِقُ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: الْقَاصِفُ وَالْعَاصِفُ فِي الْبَحْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
قاصِفاً قَالَ: عَاصِفًا، وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً قَالَ: نَصِيرًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا مِنْ شَيْءٍ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنِ ابْنِ آدَمَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ: وَلَا الْمَلَائِكَةُ، الْمَلَائِكَةُ مَجْبُورُونَ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ». وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مَلَائِكَتِهِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ: يَا رَبِّ أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَيَلْبِسُونَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَلَا نَأْكُلُ وَلَا نَشْرَبُ وَلَا نَلْهُو، فَكَمَا جَعَلْتَ لَهُمُ الدُّنْيَا فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَةَ، قَالَ: لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ». وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ. وَإِسْنَادُ الطَّبَرَانِيِّ هَكَذَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أبو غسان محمد بن مطرف، عن صفوان بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قَالَ: جَعَلْنَاهُمْ يَأْكُلُونَ بِأَيْدِيهِمْ وسائر الخلق
291
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر ﴾ يعني : خوف الغرق ﴿ فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ ﴾ من الآلهة وذهب عن خواطركم، ولم يوجد لإغاثتكم ما كنتم تدعون من دونه من صنم، أو جنّ، أو ملك، أو بشر ﴿ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ وحده فإنكم تعقدون رجاءكم برحمته وإغاثته، والاستثناء منقطع، ومعنى الآية : أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم وسائر معبوداتهم أنها نافعة لهم في غير هذه الحالة، فأما في هذه الحالة فإن كل واحد منهم يعلم بالفطرة علماً لا يقدر على مدافعته أن الأصنام ونحوها لا فعل لها ﴿ فَلَمَّا نجاكم إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ ﴾ عن الإخلاص لله وتوحيده ورجعتم إلى دعاء أصنامكم والاستغاثة بها ﴿ وَكَانَ الإنسان كَفُورًا ﴾ أي : كثير الكفران لنعمة الله، وهو تعليل لما تقدّمه، والمعنى : أنهم عند الشدائد يتمسكون برحمة الله، وفي الرخاء يعرضون عنه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُزْجِي ﴾ قال : يجري، وأخرجوا عن قتادة قال : يسيرها في البحر. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حاصبا ﴾ قال : مطر الحجارة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : حجارة من السماء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ قَاصِفًا مّنَ الريح ﴾ قال : التي تغرق. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، عن عبد الله بن عمرو قال : القاصف والعاصف في البحر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قَاصِفًا ﴾ قال : عاصفاً، وفي قوله :﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ قال : نصيراً. وأخرج الطبراني، والبيهقي في الشعب، والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل : يا رسول الله ولا الملائكة ؟ قال : ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر )، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفاً قال : وهو الصحيح. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : المؤمن أكرم على الله من ملائكته. وأخرج الطبراني عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الملائكة قالت : يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، قال : لا أجعل صالح ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال : قالت الملائكة. وإسناد الطبراني هكذا : حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، حدّثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال : حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة. وأخرج نحوه البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ قال : جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم. وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله :( الكرامة الأكل بالأصابع ).
ثم أنكر سبحانه عليهم سوء معاملتهم قائلاً :
﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض، فبين لهم أنه قادر على هلاكهم في البرّ وإن سلموا من البحر. والخسف أن تنهار الأرض بالشيء، يقال : بئر خسيف إذا انهدم أصلها، وعين خاسف : أي. غائرة حدقتها في الرأس، وخسفت عين الماء : إذا غار ماؤها، وخسفت الشمس : إذا غابت عن الأرض، و
﴿ جانب البرّ ﴾ ناحية الأرض، وسماه جانباً، لأنه يصير بعد الخسف جانباً، وأيضاً فإن البحر جانب من الأرض والبرّ جانب ؛ وقيل : إنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البرّ فكانوا فيه آمنين من مخاوف البحر، فحذرهم ما أمنوه من البرّ كما حذرهم ما خافوه من البحر
﴿ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ﴾ قال أبو عبيدة والقتيبي : الحصب : الرمي أي : ريحاً شديدة حاصبة، وهي التي ترمي بالحصى الصغار.
وقال الزجاج : الحاصب : التراب الذي فيه حصباء، فالحاصب : ذو الحصباء كاللابن، والتامر ؛ وقيل : الحاصب : حجارة من السماء تحصبهم كما فعل بقوم لوط، ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد : حاصب، ومنه قول الفرزدق :
مستقبلين جبال الشام تضربنا | بحاصب كنديف القطن منثور |
﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً ﴾ أي : حافظاً ونصيراً يمنعكم من بأس الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُزْجِي ﴾ قال : يجري، وأخرجوا عن قتادة قال : يسيرها في البحر. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حاصبا ﴾ قال : مطر الحجارة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : حجارة من السماء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ قَاصِفًا مّنَ الريح ﴾ قال : التي تغرق. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، عن عبد الله بن عمرو قال : القاصف والعاصف في البحر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قَاصِفًا ﴾ قال : عاصفاً، وفي قوله :﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ قال : نصيراً. وأخرج الطبراني، والبيهقي في الشعب، والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل : يا رسول الله ولا الملائكة ؟ قال : ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر )، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفاً قال : وهو الصحيح. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : المؤمن أكرم على الله من ملائكته. وأخرج الطبراني عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الملائكة قالت : يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، قال : لا أجعل صالح ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال : قالت الملائكة. وإسناد الطبراني هكذا : حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، حدّثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال : حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة. وأخرج نحوه البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ قال : جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم. وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله :( الكرامة الأكل بالأصابع ).
﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى ﴾ أي : في البحر مرة أخرى بأن يقوي دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى ركوبه، وجاء بفي ولم يقل إلى البحر، للدلالة على استقرارهم فيه ﴿ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا منَ الريح ﴾ القاصف : الريح الشديدة التي تكسر بشدّة، من قصف الشيء يقصفه أي : كسره بشدّة، والقصف : الكسر، أو هو الريح التي لها قصيف أي : صوت شديد من قولهم رعد قاصف أي : شديد الصوت ﴿ فَيُغْرِقَكُم ﴾ قرأ أبو جعفر، وشيبة، ورويس، ومجاهد ( فتغرقكم ) بالتاء الفوقية على أن فاعله الريح. وقرأ الحسن وقتادة، وابن وردان ( فيغرقكم ) بالتحتية والتشديد في الراء. وقرأ أبو جعفر أيضاً ( الرياح ). وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون في جميع هذه الأفعال. وقرأ الباقون بالياء التحتية في جميعها أيضاً، والباء في ﴿ بما كفرتم ﴾ للسببية أي : بسبب كفركم ﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ أي : ثائراً يطالبنا بما فعلنا. قال الزجاج : لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم. قال النحاس : وهو من الثأر، وكذا يقال لكل من طلب بثأر أو غيره تبيع وتابع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُزْجِي ﴾ قال : يجري، وأخرجوا عن قتادة قال : يسيرها في البحر. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حاصبا ﴾ قال : مطر الحجارة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : حجارة من السماء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ قَاصِفًا مّنَ الريح ﴾ قال : التي تغرق. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، عن عبد الله بن عمرو قال : القاصف والعاصف في البحر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قَاصِفًا ﴾ قال : عاصفاً، وفي قوله :﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ قال : نصيراً. وأخرج الطبراني، والبيهقي في الشعب، والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل : يا رسول الله ولا الملائكة ؟ قال : ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر )، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفاً قال : وهو الصحيح. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : المؤمن أكرم على الله من ملائكته. وأخرج الطبراني عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الملائكة قالت : يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، قال : لا أجعل صالح ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال : قالت الملائكة. وإسناد الطبراني هكذا : حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، حدّثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال : حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة. وأخرج نحوه البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ قال : جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم. وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله :( الكرامة الأكل بالأصابع ).
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ هذا إجمال لذكر النعمة التي أنعم الله بها على بني آدم أي : كرّمناهم جميعاً، وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله. وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم، وسائر الحيوانات تأكل بالفم، وكذا حكاه النحاس. وقيل : ميزهم بالنطق والعقل والتمييز، وقيل : أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب. وقال ابن جرير : أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم، وقيل : بالكلام والخط والفهم، ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء. وأعظم خصال التكريم العقل، فإن به تسلطوا على سائر الحيوانات، وميزوا بين الحسن والقبيح، وتوسعوا في المطاعم والمشارب، وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون، وعلى تحصيل الأكسية التي تقيهم الحرّ والبرد، وقيل تكريمهم : هو أن جعل محمداً صلى الله عليه وسلم منهم ﴿ وحملناهم فِي البر والبحر ﴾ هذا تخصيص لبعض أنواع التكريم، حملهم سبحانه في البرّ على الدواب، وفي البحر على السفن، وقيل : حملناهم فيهما حيث لم نخسف بهم ولم نغرقهم ﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات ﴾ أي : لذيذ المطاعم والمشارب وسائر ما يستلذونه وينتفعون به ﴿ وفضلناهم على كَثِيرٍ ممنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته. وقد جعل بعض أهل العلم الكثير هنا بمعنى الجميع وهو تعسف لا حاجة إليه.
وقد شغل كثير من أهل العلم بما لم تكن إليه حاجة ولا تتعلق به فائدة، وهو مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء أو الأنبياء على الملائكة، ومن جملة ما تمسك به مفضلو الأنبياء على الملائكة هذه الآية، ولا دلالة لها على المطلوب لما عرفت من إجمال الكثير وعدم تبيينه، والتعصب في هذه المسألة هو الذي حمل بعض الأشاعرة على تفسير الكثير هنا بالجميع حتى يتم له التفضيل على الملائكة، وتمسك بعض المعتزلة بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء. ولا دلالة بها على ذلك، فإنه لم يقم دليل على أن الملائكة من القليل الخارج عن هذا الكثير، ولو سلمنا ذلك فليس فيما خرج عن هذا الكثير ما يفيد أنه أفضل من بني آدم، بل غاية ما فيه أنه لم يكن الإنسان مفضلاً عليه. فيحتمل أن يكون مساوياً للإنسان، ويحتمل أن يكون أفضل منه، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال، والتأكيد بقوله :﴿ تَفْضِيلاً ﴾ يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين، فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُزْجِي ﴾ قال : يجري، وأخرجوا عن قتادة قال : يسيرها في البحر. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حاصبا ﴾ قال : مطر الحجارة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : حجارة من السماء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ قَاصِفًا مّنَ الريح ﴾ قال : التي تغرق. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، عن عبد الله بن عمرو قال : القاصف والعاصف في البحر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قَاصِفًا ﴾ قال : عاصفاً، وفي قوله :﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ قال : نصيراً. وأخرج الطبراني، والبيهقي في الشعب، والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل : يا رسول الله ولا الملائكة ؟ قال : ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر )، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفاً قال : وهو الصحيح. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : المؤمن أكرم على الله من ملائكته. وأخرج الطبراني عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الملائكة قالت : يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، قال : لا أجعل صالح ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال : قالت الملائكة. وإسناد الطبراني هكذا : حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، حدّثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال : حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة. وأخرج نحوه البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ قال : جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم. وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله :( الكرامة الأكل بالأصابع ).
يَأْكُلُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم:
«الكرامة: الأكل بالأصابع».
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧١ الى ٧٧]
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)
قَوْلُهُ: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وهو منصوب على معنى اذكر يوم ندعوا. وقرئ يدعوا بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَيُدْعَى عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْبَاءُ فِي بِإِمَامِهِمْ لِلْإِلْصَاقِ، كَمَا تَقُولُ: أَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ هُوَ حَالٌ، وَالتَّقْدِيرُ:
نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ مُتَلَبِّسِينَ بِإِمَامِهِمْ، أَيْ يُدْعَوْنَ وَإِمَامُهُمْ فِيهِمْ، نَحْوَ رَكْبٍ بِجُنُودِهِ، وَالْأَوَّلُ أُولَى. وَالْإِمَامُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَا يُؤْتَمُّ بِهِ مِنْ نَبِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمٍ فِي الدِّينِ، أَوْ كِتَابٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ المفسرون في تعيين الإمام الذي يدعى كُلُّ أُنَاسٍ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:
إِنَّهُ كِتَابُ كُلِّ إِنْسَانٍ الَّذِي فِيهِ عَمَلُهُ، أَيْ: يُدْعَى كُلُّ إِنْسَانٍ بِكِتَابِ عَمَلِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ الْآيَةَ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْإِمَامُ: هُوَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ، فَيُدْعَى أَهْلُ التَّوْرَاةِ بِالتَّوْرَاةِ، وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِالْإِنْجِيلِ، وَأَهْلُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ، يَا أَهْلَ الْإِنْجِيلِ، يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: إِمَامُهُمْ نَبِيُّهُمْ، فَيُقَالُ: هَاتُوا مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيمَ، هَاتُوا مُتَّبِعِي مُوسَى، هَاتُوا مُتَّبِعِي عِيسَى، هَاتُوا مُتَّبِعِي مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ إِمَامُ عَصْرِهِمْ، فَيُدْعَى أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ بِإِمَامِهِمْ الَّذِي كَانُوا يَأْتَمِرُونَ بِأَمْرِهِ وَيَنْتَهُونَ بِنَهْيِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: الْمُرَادُ بِإِمَامِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، فَيُقَالُ مَثَلًا: أَيْنَ الْمُجَاهِدُونَ؟ أَيْنَ الصَّابِرُونَ؟ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ أَيْنَ الْمُصَلُّونَ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُرَادُ بِإِمَامِهِمْ صَاحِبُ مَذْهَبِهِمْ، فَيُقَالُ مَثَلًا: أَيْنَ التَّابِعُونَ لِلْعَالِمِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ؟ وَهَذَا مِنَ الْبُعْدِ بِمَكَانٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: بِإِمامِهِمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ، عَلَى أَنَّ إِمَامَ جَمْعُ أُمٍّ كَخُفٍّ وَخِفَافٍ، وَهَذَا بِعِيدٌ جِدًّا. وَقِيلَ: الْإِمَامُ هُوَ كُلُّ خُلُقٍ يَظْهَرُ مِنَ الْإِنْسَانِ حَسَنٍ كَالْعِلْمِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ، أَوْ قَبِيحٍ كَأَضْدَادِهَا، فَالدَّاعِي إِلَى تِلْكَ الْأَفْعَالِ خُلُقٌ بَاطِنٌ هُوَ كَالْإِمَامِ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ مِنْ أُولَئِكَ الْمَدْعُوِينَ، وَتَخْصِيصُ الْيَمِينِ بِالذِّكْرِ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّبْشِيرِ فَأُولئِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ. قِيلَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى شَأْنٍ جَلِيلٍ، أَوِ الْإِشْعَارُ بِأَنَّ قِرَاءَتَهُمْ
292
لِكُتُبِهِمْ تَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ لَا عَلَى وجه الانفراد يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ الَّذِي أُوتُوهُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْ لَا يُنْقَصُونَ مِنْ أُجُورِهِمْ قَدْرَ فَتِيلٍ، وَهُوَ الْقِشْرَةُ الَّتِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ، أَوْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَقَلِّ شَيْءٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابَ الشِّمَالِ تَصْرِيحًا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَالِهِمُ الْقَبِيحِ فَقَالَ: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى أَيْ مَنْ كَانَ مِنَ الْمَدْعُوِينَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى: أَيْ فَاقِدَ الْبَصِيرَةِ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ عَمَى الْبَصَرِ كَقَوْلِهِ: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً وَفِي هَذَا زِيَادَةُ الْعُقُوبَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ عَمَى الْقَلْبِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآخِرَةِ عَمَلُ الْآخِرَةِ، أَيْ: فَهُوَ فِي عَمَلِ، أَوْ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ أَعْمَى وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ عَمِي عَنِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ عَنْ نِعَمِ الْآخِرَةِ أَعْمَى وَقِيلَ: مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تُقْبَلُ فِيهَا التَّوْبَةُ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ الَّتِي لَا تَوْبَةَ فِيهَا أَعْمَى وَقِيلَ: مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ حُجَجِ اللَّهِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ أَيْ: أَشَدُّ عَمًى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عَمَى الْقَلْبِ إِذْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي عَمَى الْعَيْنِ. قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ: لِأَنَّهُ خَلَقَهُ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَلَا يُقَالُ مَا أَعْمَاهُ كَمَا لَا يُقَالُ مَا أَيْدَاهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَا يقال فيه ذلك لأنه أكثر من [ثلاثة]
«١» أَحْرُفٍ. وَقَدْ حَكَى الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: مَا أَسْوَدَ شَعَرَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَمَّا الْمُلُوكُ فَأَنْتَ الْيَوْمَ أَلْأَمُهُمْ | لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَبَّاخِ |
وَالْبَحْثُ مُسْتَوْفًي فِي النَّحْوِ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ أَعْمى بِالْإِمَالَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَرَأَهُمَا أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ إِمَالَةٍ، وَأَمَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي. وَأَضَلُّ سَبِيلًا يَعْنِي أَنَّ هَذَا أَضَلُّ سَبِيلًا مِنَ الْأَعْمَى لِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ طَرِيقًا إِلَى الْهِدَايَةِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى فَقَدْ يَهْتَدِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
ثُمَّ لَمَّا عَدَّدَ سُبْحَانَهُ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَقْسَامَ النِّعَمِ عَلَى بَنِي آدَمَ أَرْدَفَهُ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى التَّحْذِيرِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِوَسَاوِسِ الْأَشْقِيَاءِ، فَقَالَ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ الشَّأْنَ قَارَبُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَاتِنِينَ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِاخْتِبَارُ، وَمِنْهُ فَتَنَ الصَّائِغُ الذَّهَبَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ أَزَالَ الشَّيْءَ عَنْ حَدِّهِ وَجِهَتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي إِعْطَائِهِمْ مَا سَأَلُوهُ مُخَالَفَةً لِحُكْمِ الْقُرْآنِ، وَافْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ تَبْدِيلِ الْوَعْدِ بِالْوَعِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ لِتَتَقَوَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِمَّا اقْتَرَحَهُ عَلَيْكَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أَيْ: لَوِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا لَهُمْ، أَيْ: وَالَوْكَ وَصَافَوْكَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلَّةِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ عَلَى الْحَقِّ وَعَصَمْنَاكَ عَنْ مُوَافَقَتِهِمْ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ لَقَارَبْتَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِمْ أَدْنَى مَيْلٍ، وَالرُّكُونُ: هُوَ الْمَيْلُ
293
الْيَسِيرُ، وَلِهَذَا قَالَ: شَيْئاً قَلِيلًا لَكِنْ أَدْرَكَتْهُ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ الْعِصْمَةُ فَمَنَعَتْهُ مِنْ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ، فَضْلًا عَنْ نَفْسِ الرُّكُونِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَا هَمَّ بِإِجَابَتِهِمْ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ:
الْمَعْنَى: وَإِنْ كَادُوا لَيُخْبِرُونِ عَنْكَ بِأَنَّكَ مِلْتَ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَنُسِبَ فِعْلُهُمْ إِلَيْهِ مَجَازًا وَاتِّسَاعًا، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ:
كِدْتَ تَقْتُلُ نَفْسَكَ، أَيْ: كَادَ النَّاسُ يَقْتُلُونَكَ بِسَبَبِ مَا فَعَلْتَ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الَمَهَدَوِيُّ. ثُمَّ تَوَعَّدَهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ الْوَعِيدِ، فَقَالَ: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أَيْ: لَوْ قَارَبْتَ أَنْ تَرْكَنَ إِلَيْهِمْ، أَيْ: مِثْلَيْ مَا يُعَذَّبُ بِهِ غَيْرُكَ مِمَّنْ يَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ فِي الدَّارَيْنِ، وَالْمَعْنَى: عَذَابًا ضِعْفًا فِي الْحَيَاةِ وَعَذَابًا ضِعْفًا فِي الْمَمَاتِ، أَيْ: مُضَاعَفًا، ثُمَّ حُذِفَ الْمَوْصُوفُ وَأُقِيمَتِ الصِّفَةُ مَقَامَهُ وَأُضِيفَتْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ خطأ العظيم عظيم كما قال سبحانه: يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ
«١» وَضِعْفُ الشَّيْءِ: مِثْلَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ الضِّعْفُ النَّصِيبَ كقوله: لِكُلٍّ ضِعْفٌ
«٢» أَيْ: نَصِيبٌ. قَالَ الرَّازِيُّ: حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّكَ لَوْ مَكَّنْتَ خَوَاطِرَ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِكَ، وَعَقَدْتَ عَلَى الرُّكُونِ هَمَّكَ، لَاسْتَحْقَقْتَ تَضْعِيفَ الْعَذَابِ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَصَارَ عَذَابُكَ مِثْلَيْ عَذَابِ الْمُشْرِكِ فِي الدُّنْيَا وَمِثْلَيْ عَذَابِهِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يَنْصُرُكَ فَيَدْفَعُ عَنْكَ هَذَا الْعَذَابَ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْبَ مِنَ الْفِتْنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ فِيهَا، وَالتَّهْدِيدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْآيَةِ طَعْنٌ فِي الْعِصْمَةِ وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ الْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ أَيْ: وَإِنَّ الشَّأْنَ أَنَّهُمْ قَارَبُوا أَنْ يُزْعِجُوكَ مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ لِتَخْرُجَ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، بَلْ مَنَعَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ حتى هاجر بأمر ربه بعد أَنْ هَمُّوا بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أُطْلِقَ الْإِخْرَاجُ عَلَى إِرَادَةِ الْإِخْرَاجِ تَجْوِيزًا وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا مَعْطُوفٌ عَلَى لَيَسْتَفِزُّونَكَ، أَيْ: لَا يَبْقُونَ بَعْدَ إِخْرَاجِكَ إِلَّا زَمَنًا قَلِيلًا، ثُمَّ عُوقِبُوا عُقُوبَةً تَسْتَأْصِلُهُمْ جَمِيعًا.
وَقَرَأَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَا يُلَبَّثُوا بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقُرِئَ لَا يَلْبَثُوا بِالنَّصْبِ عَلَى إِعْمَالِ إذن على أن الجملة معطوف عَلَى جُمْلَةِ: وَإِنْ كادُوا لَا عَلَى الْخَبَرِ فَقَطْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عَمْرٍو خَلْفَكَ وَمَعْنَاهُ بَعْدَكَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ خِلافَكَ وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَعْدَكَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: خِلَافَكَ بِمَعْنَى مُخَالَفَتِكَ، وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِمٍ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ لِقَوْلِهِ: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ
«٣» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَ بِمَعْنَى بَعْدَ قَوْلُ الشَّاعِرِ
«٤» :
عَفَتِ الدِّيَارُ خِلَافَهَا «٥» فَكَأَنَّمَا | بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا |
يُقَالُ: شَطَبَتِ الْمَرْأَةُ الْجَرِيدَ إذا شقّته لتعمل منه الحصر. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ثُمَّ تُلْقِيهِ الشَّاطِبَةُ إِلَى المنقّية سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا سُنَّةَ مُنْتَصِبَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: سَنَّ اللَّهُ سُنَّةً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ يُعَذَّبُونَ كَسُنَّةِ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا، فَلَمَّا سَقَطَ الْخَافِضُ عَمَلَ الْفِعْلُ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: سُنَّتُنَا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَقُولُ إِنَّ سُنَّتَنَا هَذِهِ السُّنَّةَ فِيمَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا أَخْرَجُوا نبيهم من بين أظهرهم أو قتلوه
294
أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ بِهِمْ وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أَيْ: مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ لَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ تَحْوِيلِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قَالَ: إِمَامُ هُدًى وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ أَنَسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَبِيُّهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بِكِتَابِ أَعْمَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلَيٍّ فِي الْآيَةِ قَالَ: يُدْعَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِمَامِ زَمَانِهِمْ، وَكِتَابِ رَبِّهِمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قَالَ:
«يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ، فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهَذَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ:
أَبْشِرُوا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هَذَا وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتِّينَ ذِرَاعًا عَلَى صورة آدم، ويلبس تاجا من نار فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهَذَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، فَيَقُولُ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا». قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ:
لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا يَرَى مِنْ قُدْرَتِي مِنْ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَأَشْبَاهِ هَذَا فَهُوَ عَمَّا وَصَفْتُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يَرَهُ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا يَقُولُ: أَبْعَدُ حُجَّةً. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ نَحْوَ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا يَقُولُ: مَنْ عَمِيَ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
«إِنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَرِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: تَعَالَ فَتَمْسَحْ «١» آلِهَتَنَا وَنَدْخُلْ مَعَكَ فِي دِينِكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَيُحِبُّ إِسْلَامَهُمْ، فَرَقَّ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ إِلَى قَوْلِهِ: نَصِيراً».
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ باذان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُكَ تَسْتَلِمُهُ حتى تستلم آلهتنا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا عَلَيَّ لَوْ فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنِّي خِلَافَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الْآيَةَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ
«أَنَّ قُرَيْشًا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ أُرْسِلْتَ إِلَيْنَا فَاطْرُدِ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ مِنْ سِقَاطِ النَّاسِ وَمَوَالِيهِمْ لِنَكُونَ نَحْنُ أَصْحَابَكَ، فَرَكَنَ إِلَيْهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الْآيَةَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قال: أنزل الله وَالنَّجْمِ إِذا هَوى
«٢» فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآية
295
ولم يذكر أصحاب الشمال تصريحاً ؛ ولكنه ذكر سبحانه ما يدلّ على حالهم القبيح فقال :
﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ أي : من كان من المدعوّين في هذه الدنيا أعمى أي : فاقد البصيرة. قال النيسابوري : لا خلاف أن المراد بهذا العمى عمى القلب، وأما قوله :
﴿ فَهُوَ فِي الآخرة أعمى ﴾ فيحتمل أن يراد به : عمى البصر كقوله :
﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ﴾ [ طه : ١٢٤ ١٢٥ ] وفي هذا زيادة العقوبة، ويحتمل أن يراد عمى القلب ؛ وقيل : المراد بالآخرة : عمل الآخرة، أي : فهو في عمل، أو في أمر الآخرة أعمى ؛ وقيل : المراد : من عمي عن النعم التي أنعم الله بها عليه في الدنيا فهو عن نعم الآخرة أعمى ؛ وقيل : من كان في الدنيا التي تقبل فيها التوبة أعمى فهو في الآخرة التي لا توبة فيها أعمى ؛ وقيل : من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله فهو في الآخرة أعمى، وقد قيل : إن قوله :
﴿ فَهُوَ فِي الآخرة أعمى ﴾ أفعل تفضيل، أي : أشدّ عمى، وهذا مبنيّ على أنه من عمى القلب، إذ لا يقال ذلك في عمى العين. قال الخليل وسيبويه : لأنه خلقه بمنزلة اليد والرجل، فلا يقال ما أعماه كما لا يقال : ما أيداه. وقال الأخفش : لا يقال فيه ذلك لأنه أكثر من ثلاثة أحرف. وقد حكى الفراء عن بعض العرب أنه سمعه يقول : ما أسود شعره، ومن ذلك قول الشاعر :
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم | لؤما وأبيضهم سربال طباخ |
والبحث مستوفى في النحو. وقرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف. ( أعمى ) بالإمالة في الموضعين. وقرأهما أبو عمرو ويعقوب والباقون بغير إمالة، وأمال أبو عبيد الأوّل دون الثاني
﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يعني : أن هذا أضلّ سبيلاً من الأعمى لكونه لا يجد طريقاً إلى الهداية، بخلاف الأعمى فقد يهتدي في بعض الأحوال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال : إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال : نبيهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ في الآية قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنّة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه، والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال :( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا، اللّهم لا تأتنا بهذا، قال : فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه، فيقول : أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا ) قال البزار بعد إخراجه : لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ يقول : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ﴿ فَهُوَ ﴾ عما وصفت له ﴿ فِي الآخرة ﴾ ولم يره ﴿ أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يقول : أبعد حجة. وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً يقول : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال :( إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ نَصِيراً ﴾ ). وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان، عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله :( وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه ؟ ) فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير :( أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية ). وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أَفَرَأيْتُمُ اللات والعزى ﴾ [ النجم : ١٩ ]. فألقى عليه الشيطان : تلك الغراييق العلى. وأين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُول وَلاَ نَبِيّ إِلاَّ إِذَا تمنى ﴾ الآية [ الحج : ٥٢ ]. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس :( أن ثقيفاً قالوا للنبيّ : أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجلهم، فنزلت ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ يعني : ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة ؟ فهمّ أن يشخص، فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم، أن اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبياً فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلاّ الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ تَحْوِيلاً ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال :«ما تأمرني أن أسأل ؟» قال :﴿ قُل ربّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله :﴿ قَاتِلُوا الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ]. وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلاّ قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قال : يعني بالقليل : يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
ثم لما عدد سبحانه في الآيات المتقدّمة أقسام النعم على بني آدم أردفه بما يجري مجرى التحذير من الاغترار بوساوس الأشقياء فقال :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ :«إن » هي المخففة من الثقيلة، واسمها : ضمير شأن محذوف، واللام : هي الفارقة بينها وبين النافية، والمعنى : وإن الشأن قاربوا أن يخدعوك فاتنين، وأصل الفتنة : الاختبار، ومنه فتن الصائغ الذهب، ثم استعمل في كل من أزال الشيء عن حدّه وجهته، وذلك لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن وافتراء على الله سبحانه من تبديل الوعد بالوعيد وغير ذلك ﴿ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد ﴿ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾ لتتقوّل علينا غير الذي أوحينا إليك مما اقترحه عليك كفار قريش ﴿ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ أي : لو اتبعت أهواءهم لاتخذوك خليلاً لهم أي : والوك وصافوك، مأخوذ من الخلة بفتح الخاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال : إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال : نبيهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ في الآية قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنّة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه، والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال :( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا، اللّهم لا تأتنا بهذا، قال : فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه، فيقول : أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا ) قال البزار بعد إخراجه : لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ يقول : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ﴿ فَهُوَ ﴾ عما وصفت له ﴿ فِي الآخرة ﴾ ولم يره ﴿ أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يقول : أبعد حجة. وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً يقول : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال :( إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ نَصِيراً ﴾ ). وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان، عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله :( وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه ؟ ) فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير :( أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية ). وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أَفَرَأيْتُمُ اللات والعزى ﴾ [ النجم : ١٩ ]. فألقى عليه الشيطان : تلك الغراييق العلى. وأين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُول وَلاَ نَبِيّ إِلاَّ إِذَا تمنى ﴾ الآية [ الحج : ٥٢ ]. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس :( أن ثقيفاً قالوا للنبيّ : أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجلهم، فنزلت ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ يعني : ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة ؟ فهمّ أن يشخص، فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم، أن اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبياً فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلاّ الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ تَحْوِيلاً ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال :«ما تأمرني أن أسأل ؟» قال :﴿ قُل ربّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله :﴿ قَاتِلُوا الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ]. وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلاّ قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قال : يعني بالقليل : يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
﴿ وَلَوْلاَ أَن ثبتناك ﴾ على الحق وعصمناك عن موافقتهم ﴿ لَقَدْ كِدت تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ﴾ لقاربت أن تميل إليهم أدنى ميل، والركون هو الميل اليسير، ولهذا قال :﴿ شَيْئًا قَلِيلاً ﴾ لكن أدركته صلى الله عليه وسلم العصمة فمنعته من أن يقرب من أدنى مراتب الركون إليهم، فضلاً عن نفس الركون، وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم ما همّ بإجابتهم، ذكر معناه القشيري وغيره، وقيل : المعنى وإن كادوا ليخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازاً واتساعاً كما تقول للرجل : كدت تقتل نفسك، أي : كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت، ذكر معناه المهدوي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال : إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال : نبيهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ في الآية قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنّة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه، والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال :( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا، اللّهم لا تأتنا بهذا، قال : فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه، فيقول : أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا ) قال البزار بعد إخراجه : لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ يقول : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ﴿ فَهُوَ ﴾ عما وصفت له ﴿ فِي الآخرة ﴾ ولم يره ﴿ أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يقول : أبعد حجة. وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً يقول : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال :( إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ نَصِيراً ﴾ ). وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان، عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله :( وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه ؟ ) فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير :( أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية ). وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أَفَرَأيْتُمُ اللات والعزى ﴾ [ النجم : ١٩ ]. فألقى عليه الشيطان : تلك الغراييق العلى. وأين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُول وَلاَ نَبِيّ إِلاَّ إِذَا تمنى ﴾ الآية [ الحج : ٥٢ ]. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس :( أن ثقيفاً قالوا للنبيّ : أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجلهم، فنزلت ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ يعني : ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة ؟ فهمّ أن يشخص، فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم، أن اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبياً فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلاّ الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ تَحْوِيلاً ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال :«ما تأمرني أن أسأل ؟» قال :﴿ قُل ربّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله :﴿ قَاتِلُوا الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ]. وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلاّ قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قال : يعني بالقليل : يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
ثم توعده سبحانه في ذلك أشدّ الوعيد فقال :﴿ إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ أي : لو قاربت أن تركن إليهم، أي : مثلي ما يعذب به غيرك ممن يفعل هذا الفعل في الدارين، والمعنى : عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات أي : مضاعفاً، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وأضيفت، وذلك لأن خطأ العظيم عظيم كما قال سبحانه :﴿ يا نساء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة مُبَيّنَةٍ يُضَاعفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ]. وضعف الشيء : مثلاه، وقد يكون الضعف النصيب كقوله :﴿ لِكُلّ ضِعْفٌ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] أي : نصيب. قال الرازي : حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون همك لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة ﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ ينصرك فيدفع عنك هذا العذاب. قال النيسابوري : اعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها، والتهديد على المعصية لا يدلّ على الإقدام عليها، فلا يلزم من الآية طعن في العصمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال : إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال : نبيهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ في الآية قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنّة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه، والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال :( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا، اللّهم لا تأتنا بهذا، قال : فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه، فيقول : أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا ) قال البزار بعد إخراجه : لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ يقول : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ﴿ فَهُوَ ﴾ عما وصفت له ﴿ فِي الآخرة ﴾ ولم يره ﴿ أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يقول : أبعد حجة. وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً يقول : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال :( إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ نَصِيراً ﴾ ). وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان، عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله :( وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه ؟ ) فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير :( أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية ). وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أَفَرَأيْتُمُ اللات والعزى ﴾ [ النجم : ١٩ ]. فألقى عليه الشيطان : تلك الغراييق العلى. وأين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُول وَلاَ نَبِيّ إِلاَّ إِذَا تمنى ﴾ الآية [ الحج : ٥٢ ]. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس :( أن ثقيفاً قالوا للنبيّ : أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجلهم، فنزلت ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ يعني : ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة ؟ فهمّ أن يشخص، فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم، أن اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبياً فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلاّ الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ تَحْوِيلاً ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال :«ما تأمرني أن أسأل ؟» قال :﴿ قُل ربّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله :﴿ قَاتِلُوا الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ]. وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلاّ قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قال : يعني بالقليل : يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ الكلام في هذا كالكلام في
﴿ وَإِن كَادُوا [ لَيَفْتِنُونَكَ ] ﴾ أي : وإن الشأن أنهم قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة لتخرج عنها، ولكنه لم يقع ذلك منهم، بل منعهم الله منه حتى هاجر بأمر ربه بعد أن هموا به، وقيل : إنه أطلق الإخراج على إرادة الإخراج تجويزاً
﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبَثُونَ خلفك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ معطوف على
﴿ ليستفزونك ﴾ أي : لا يبقون بعد إخراجك إلاّ زمناً قليلاً، ثم عوقبوا عقوبة تستأصلهم جميعاً. وقرأ عطاء بن أبي رباح :( لا يلبثوا ) بتشديد الباء الموحدة. وقرئ :( لا يلبثوا ) بالنصب على إعمال
«إذن »، على أن الجملة معطوف على جملة :
﴿ وَإِن كَادُوا ﴾ لا على الخبر فقط. وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو بكر، وأبو عمرو ( خلفك ) ومعناه : بعدك. وقرأ ابن عامر، وحفص، وحمزة، والكسائي
﴿ خلافك ﴾ ومعناه أيضاً : بعدك. وقال ابن الأنباري :
﴿ خلافك ﴾ بمعنى : مخالفتك، واختار أبو حاتم القراءة الثانية لقوله :
﴿ فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُولِ الله ﴾ [ التوبة : ٨١ ] ومما يدلّ على أن خلاف بمعنى بعد قول الشاعر :
عفت الديار خلافها فكأنما | بسط الشواطب بينهنّ حصيرا |
يقال : شطبت المرأة الجريد : إذا شققته لتعمل منه الحصير. قال أبو عبيدة : ثم تلقيه الشاطبة إلى المثقبة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال : إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال : نبيهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ في الآية قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنّة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه، والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال :( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا، اللّهم لا تأتنا بهذا، قال : فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه، فيقول : أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا ) قال البزار بعد إخراجه : لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ يقول : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ﴿ فَهُوَ ﴾ عما وصفت له ﴿ فِي الآخرة ﴾ ولم يره ﴿ أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يقول : أبعد حجة. وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً يقول : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال :( إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ نَصِيراً ﴾ ). وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان، عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله :( وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه ؟ ) فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير :( أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية ). وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أَفَرَأيْتُمُ اللات والعزى ﴾ [ النجم : ١٩ ]. فألقى عليه الشيطان : تلك الغراييق العلى. وأين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُول وَلاَ نَبِيّ إِلاَّ إِذَا تمنى ﴾ الآية [ الحج : ٥٢ ]. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس :( أن ثقيفاً قالوا للنبيّ : أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجلهم، فنزلت ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ يعني : ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة ؟ فهمّ أن يشخص، فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم، أن اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبياً فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلاّ الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ تَحْوِيلاً ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال :«ما تأمرني أن أسأل ؟» قال :﴿ قُل ربّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله :﴿ قَاتِلُوا الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ]. وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلاّ قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قال : يعني بالقليل : يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رسُلِنَا ﴾ ﴿ سنّة ﴾ منتصبة على المصدرية، أي : سنّ الله سنّة. وقال الفراء : أي يعذبون كسنّة من قد أرسلنا فلما سقط الخافض عمل الفعل. وقيل : المعنى : سنّتنا سنّة من قد أرسلنا. قال الزجاج : يقول إن سنّتنا هذه السنّة فيمن أرسلنا قبلك إليهم أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم أو قتلوه أن ينزل العذاب بهم ﴿ وَلاَ تَجِد لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾ أي : ما أجرى الله به العادة لم يتمكن أحد من تحويله ولا يقدر على تغييره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال : إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال : نبيهم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ في الآية قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنّة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه، والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم ﴾ قال :( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا، اللّهم لا تأتنا بهذا، قال : فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه، فيقول : أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا ) قال البزار بعد إخراجه : لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ يقول : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ﴿ فَهُوَ ﴾ عما وصفت له ﴿ فِي الآخرة ﴾ ولم يره ﴿ أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ يقول : أبعد حجة. وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً يقول : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال :( إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ نَصِيراً ﴾ ). وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان، عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله :( وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه ؟ ) فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير :( أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية ). وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله ﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ [ النجم : ١ ]. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أَفَرَأيْتُمُ اللات والعزى ﴾ [ النجم : ١٩ ]. فألقى عليه الشيطان : تلك الغراييق العلى. وأين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُول وَلاَ نَبِيّ إِلاَّ إِذَا تمنى ﴾ الآية [ الحج : ٥٢ ]. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس :( أن ثقيفاً قالوا للنبيّ : أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجلهم، فنزلت ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ﴾ يعني : ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة ؟ فهمّ أن يشخص، فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم، أن اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت نبياً فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلاّ الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ تَحْوِيلاً ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال :«ما تأمرني أن أسأل ؟» قال :﴿ قُل ربّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله :﴿ قَاتِلُوا الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ]. وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض ﴾ قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلاّ قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِذًا لاَ يَلْبثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قال : يعني بالقليل : يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى
«١» فَأَلْقَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ لَتُرْتَجَى، فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنَ السُّورَةِ وَسَجَدَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الْآيَةَ، فَمَا زَالَ مَهْمُومًا مَغْمُومًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى
«٢» الْآيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
«أَنَّ ثَقِيفًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَجِّلْنَا سَنَةً حَتَّى يُهْدَى لِآلِهَتِنَا، فَإِذَا قَبَضْنَا الَّذِي يُهْدَى لِلْآلِهَةِ أَحْرَزْنَاهُ ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَكَسَّرْنَا الْآلِهَةَ، فَهَمَّ أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ، فَنَزَلَتْ وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ يَعْنِي ضِعْفَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قال المشركون للنبي صلّى الله عليه وسلّم: كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك وَالْمَدِينَةِ؟
فَهَمَّ أَنْ يُشَخِصَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ حَضْرَمِيٍّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَبْدِ الرحمن ابن غَنْمٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَالْحَقْ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ، فَصَدَّقَ النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مَا قَالُوا، فَتَحَرَّى غَزْوَةَ تَبُوكَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّامَ، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَا خُتِمَتِ السُّورَةُ: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ إِلَى قَوْلِهِ: تَحْوِيلًا فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: فِيهَا مَحْيَاكَ وَفِيهَا مَمَاتُكَ وَمِنْهَا تُبْعَثُ، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سَلْ رَبَّكَ فَإِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ مَسْأَلَةً، فَقَالَ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَسْأَلَ؟ قال: قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً فَهَؤُلَاءِ نَزَلْنَ عَلَيْهِ فِي رَجَعَتِهِ مِنْ تَبُوكَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لَمْ يَغْزُ تَبُوكَ عَنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، وَإِنَّمَا غَزَاهَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ «٣» وَغَزَاهَا لِيَقْتَصَّ وَيَنْتَقِمَ مِمَّنْ قَتَلَ أَهْلَ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ: هَمَّ أَهْلُ مَكَّةَ بِإِخْرَاجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ فَعَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ إِذَا فَعَلَ بِهِمْ قَوْمُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ: يَعْنِي بِالْقَلِيلِ يَوْمَ أَخْذِهِمْ بِبَدْرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْقَلِيلَ الَّذِينَ لَبِثُوا بَعْدَهُ.
296
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْإِلَهِيَّاتِ وَالْمَعَادَ وَالْجَزَاءَ أَرْدَفَهَا بِذِكْرِ أَشْرَفِ الطَّاعَاتِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ، فَقَالَ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْمُرَادُ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الدُّلُوكِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ زَوَالُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، قَالَهُ عُمَرُ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ، قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: دُلُوكُ الشَّمْسِ مِنْ لَدُنْ زَوَالِهَا إِلَى غروبها. قال الأزهري:
معنى الدُّلُوكِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الزَّوَالُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلشَّمْسِ إِذَا زَالَتْ نِصْفَ النَّهَارِ: دَالِكَةٌ، وَقِيلَ لَهَا إِذَا أَفَلَتْ:
دَالِكَةٌ لِأَنَّهَا فِي الْحَالَتَيْنِ زَائِلَةٌ. قَالَ: وَالْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ زَوَالُهَا نِصْفَ النَّهَارِ لِتَكُونَ الْآيَةُ جَامِعَةً لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْمَعْنَى: أَقِمِ الصَّلَاةَ مِنْ وَقْتِ دُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ فَيَدْخُلُ فِيهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَصَلَاتَا غَسَقِ اللَّيْلِ، وَهُمَا الْعِشَاءَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ هَذِهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ. وَقَالَ أَبُو عُبِيدٍ: دُلُوكُهَا غُرُوبُهَا، وَدَلَكَتْ بِرَاحٍ: يَعْنِي الشَّمْسَ، أَيْ: غَابَتْ، وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ عَلَى هَذَا قَوْلَ الشَّاعِرِ:
هذا مقام قدمي رباح... ذبّب حَتَّى دَلَكَتْ بَرَاحْ
اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّمْسِ
«١» عَلَى وَزْنِ حَذَامٍ وَقَطَامٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
مَصَابِيحٌ لَيْسَتْ بِاللَّوَاتِي تَقُودُهَا... نُجُومٌ ولا بالآفات الدَّوَالِكِ
أَيِ: الْغَوَارِبِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ: اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: يُقَالُ: غَسَقَ اللَّيْلُ وَأَغْسَقَ إِذَا أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغَسَقُ سواد الليل. قال ابن قيس الرُّقَيَّاتِ:
إِنَّ هَذَا اللَّيْلَ قَدْ غَسَقَا... وَاشْتَكَيْتُ الْهَمَّ وَالْأَرَقَا
وَقِيلَ: غَسَقُ اللَّيْلِ: مَغِيبُ الشَّفَقِ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
ظَلَّتْ تَجُودُ يَدَاهَا وَهِيَ لَاهِيَةٌ... حَتَّى إِذَا جَعْجَعَ
«٢» الْإِظْلَامُ وَالْغَسَقُ
وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ السَّيَلَانِ، يُقَالُ: غَسَقَتْ إِذَا سَالَتْ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ غَسَقَ اللَّيْلُ وَأَغْسَقَ، وَظَلِمَ وَأَظْلَمَ، ودجا وَأَدْجَى، وَغَبِشَ وَأَغْبَشَ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْغَايَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ يَتَمَادَى وَقْتُهَا مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حنيفة، وجوّزه مالك
297
وَالشَّافِعِيُّ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْيِينِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، فَيَجِبُ حَمْلُ مُجْمَلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ انْتِصَابُ قُرْآنَ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ: وَأَقِمْ قُرْآنَ الْفَجْرِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْبَصْرِيُّونَ:
انْتِصَابُهُ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ: فَعَلَيْكَ قُرْآنَ الْفَجْرِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِقُرْآنِ الْفَجْرِ صَلَاةُ الصُّبْحِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِي هَذِهِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ حَتَّى سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ قُرْآنًا، وَقَدْ دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: الْخَارِجَةِ مِنْ مَخْرَجٍ حَسَنٍ وَقُرْآنٍ مَعَهَا، وَوَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَقَدْ حَرَّرْتُهُ فِي مُؤَلَّفَاتِي تَحْرِيرًا مُجَوَّدًا. ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً أَيْ: تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِمُضْمَرٍ، أَيْ: قُمْ بَعْضَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: عَلَيْكَ بَعْضَ اللَّيْلِ فَبِعِيدٌ جِدًّا، وَالتَّهَجُّدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْهُجُودِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ لِأَنَّهُ يُقَالُ هَجَدَ الرَّجُلُ: إِذَا نَامَ، وَهَجَدَ إِذَا سَهِرَ، فَمِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي السَّهَرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا زَارَتْ وَأَهْلُ مِنًى هُجُودُ | فَلَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنًى يَعُودُ |
يَعْنِي مُنْتَبِهِينَ، ومن استعماله في النوم قول الآخر:
أَلَا طَرَقَتْنَا وَالرِّفَاقُ هُجُودُ | فَبَاتَتْ بِعِلَّاتِ «١» النَّوَالِ تَجُودُ |
يَعْنِي نِيَامًا. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْهُجُودُ فِي الْأَصْلِ هُوَ النَّوْمُ بِاللَّيْلِ، وَلَكِنْ جَاءَ التَّفَعُّلُ فيه لأجل التجنب، ومنه تأثم تتحرّج أَيْ: تَجَنَّبَ الْإِثْمَ وَالْحَرَجَ، فَالْمُتَهَجِّدُ مَنْ تَجَنَّبَ الْهُجُودَ، فَقَامَ بِاللَّيْلِ. وَرُوِيَ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَهَجِّدُ الْقَائِمُ إِلَى الصَّلَاةِ مِنَ النَّوْمِ، هَكَذَا حَكَى عَنْهُ الْوَاحِدِيُّ، فَقَيَّدَ التَّهَجُّدَ بِالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ فَقَالُوا: التَّهَجُّدُ بَعْدَ النَّوْمِ. قَالَ اللَّيْثُ: تَهَجَّدَ إِذَا اسْتَيْقَظَ لِلصَّلَاةِ نافِلَةً لَكَ مَعْنَى النَّافِلَةِ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَصْلِ، فَالْمَعْنَى أنها للنبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ نَافِلَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّهَجُّدِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهِ نَافِلَةً قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلْأَمْرِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّافِلَةِ هُنَا أَنَّهَا فَرِيضَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ في حقه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَيَدْفَعُ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ النَّافِلَةِ وَقِيلَ: كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً فِي حَقِّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوبُ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ، وَلِأُمَّتِهِ تَطَوُّعٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: إِنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كَانَتْ زِيَادَةً لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَاصَّةً لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، لَا لِلْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّهُ غُفِرَ لَهُ مِنْ ذَنْبِهِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَلَيْسَ لَنَا بِنَافِلَةٍ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِنَا إِنَّمَا نَعْمَلُ لِكَفَّارَتِهَا، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كان خاصا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ
298
فَالْأَمْرُ لَهُ أَمْرٌ لِأُمَّتِهِ، فَهُوَ شَرْعٌ عَامٌّ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، وَالتَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ نَافِلَةً يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَالتَّهَجُّدُ مِنَ اللَّيْلِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَمَشْرُوعٌ لِكُلَّ مُكَلَّفٍ. ثُمَّ وَعَدَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَقَالَ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قَدْ ذَكَرْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ عَسَى مِنَ الْكَرِيمِ إِطْمَاعٌ وَاجِبُ الْوُقُوعِ، وَانْتِصَابُ مَقَامًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ بِتَضْمِينِ الْبَعْثِ مَعْنَى الْإِقَامَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ أَيْ: يَبْعَثَكَ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَقَامِ مَحْمُودًا أَنَّهُ يَحْمَدُهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِهِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ الْمَقَامُ الَّذِي يَقُومُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِلشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَإِجْمَاعُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ إِعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِوَاءَ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، إِذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ الشَّفَاعَةِ وَبِيَدِهِ لِوَاءُ الْحَمْدِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُجْلِسُ محمدا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مَعَهُ عَلَى كُرْسِيِّهِ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ. وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ عِنْدَنَا مُتَّهَمٌ، مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَتَحَدِّثُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُجَاهِدٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ مَهْجُورَيْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي فِي تَأْوِيلِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ- إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ
«١» قَالَ: مَعْنَاهُ تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ، انْتَهَى. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِإِمْكَانِ أَنْ يُقْعِدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمَقْعَدَ وَيَشْفَعَ تِلْكَ الشَّفَاعَةَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَقَامٍ يَجْلِبُ الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَالْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْوَارِدَةَ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ مُتَوَاتِرَةٌ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا مُتَعَيِّنٌ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ حَتَّى يُقَالَ: الِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْدَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا هُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُعَبَّرُ عَنِ الْعَامِّ بِلَفْظِ الْمُطْلَقِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي ذَبْحِ الْبَقَرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ هُنَا. وَقِيلَ:
الْمُرَادُ الشَّفَاعَةُ، وَهِيَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ يَعْنِي لَفْظَ الْمَقَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ الْبَدَلِيِّ وَالْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ مَعْرُوفٌ، فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وقرأ الْجُمْهُورُ مُدْخَلَ صِدْقٍ ومُخْرَجَ صِدْقٍ بِضَمِّ الْمِيمَيْنِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ بِفَتْحِهِمَا، وَهُمَا مَصْدَرَانِ بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الصِّدْقِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ نَحْوَ حَاتِمُ الْجُودِ أَيْ: إِدْخَالًا يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُسَمَّى إِدْخَالًا، وَلَا يَرَى فِيهِ مَا يَكْرَهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَإِضَافَتُهُمَا إِلَى الصِّدْقِ مَدْحٌ لَهُمَا، وَكُلُّ شَيْءٍ أَضَفْتَهُ إِلَى الصِّدْقِ فَهُوَ مَدْحٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقِيلَ: نَزَلَتْ حِينَ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، يُرِيدُ إِدْخَالَ الْمَدِينَةِ وَالْإِخْرَاجَ مِنْ مَكَّةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَمِتْنِي إِمَاتَةَ صِدْقٍ وَابْعَثْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَبْعَثَ صِدْقٍ وَقِيلَ المعنى:
299
أَدْخِلْنِي فِيمَا أَمَرْتَنِي بِهِ، وَأَخْرِجْنِي مِمَّا نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَقِيلَ: إِدْخَالُهُ مَوْضِعَ الْأَمْنِ وَإِخْرَاجُهُ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِدْخَالُ عِزٍّ وَإِخْرَاجُ نَصْرٍ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَدْخِلْنِي في الأمر الذي أكرمتني به من النبوّة مدخل صدق، وأخرجني منه إذا أمتني مخرج صدق وقيل: أَدْخِلْنِي الْقَبْرَ عِنْدَ الْمَوْتِ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ عِنْدَ الْبَعْثِ مُخْرَجَ صِدْقٍ وَقِيلَ: أَدْخِلْنِي حَيْثُمَا أَدْخَلْتَنِي بِالصِّدْقِ وَأَخْرِجْنِي بِالصِّدْقِ وَقِيلَ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا تَتَنَاوَلُهُ مِنَ الْأُمُورِ فَهِيَ دُعَاءٌ، وَمَعْنَاهَا: رَبِّ أَصْلِحْ لِي وِرْدِي فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَصَدْرِيِ عَنْهَا وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أَيْ: حُجَّةً ظَاهِرَةً قَاهِرَةً تَنْصُرُنِي بِهَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَالَفَنِي، وَقِيلَ: اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ مُلْكًا وَعِزًّا قويّا، وكأنه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهُوَ الْأَرْجَحُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْحَقِّ مِنْ قَهْرٍ لِمَنْ عَادَاهُ وَنَاوَأَهُ، وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ
«١».
وَفِي الْحَدِيثِ:
«إِنَّ اللَّهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ» أَيْ: لَيَمْنَعُ بِالسُّلْطَانِ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ مَا لَا يَمْنَعُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ الْأَكِيدِ وَالتَّهْدِيدِ الشَّدِيدِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، انْتَهَى.
وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: الْجِهَادُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَى مَا هُوَ حَقٌّ كَائِنًا مَا كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ الشِّرْكُ وَقِيلَ: الشَّيْطَانُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كُلِّ مَا يُقَابِلُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ بَاطِلٍ وَبَاطِلٍ. وَمَعْنَى زَهَقَ: بَطَلَ وَاضْمَحَلَّ، وَمِنْهُ زُهُوقُ النَّفْسِ وَهُوَ بُطْلَانُهَا إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً أَيْ: إِنَّ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ يَبْطُلُ وَلَا يَثْبُتُ، وَالْحَقُّ ثَابِتٌ دَائِمًا وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ نُنَزِّلُ بِالنُّونِ
«٢». وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ والتخفيف، ورواها المروزي عن حفص، ومن لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنَّ بَعْضَهُ لَا شِفَاءَ فِيهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ بِأَنَّ الْمُبَعَّضَ هُوَ إِنْزَالُهُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ في معنى كونه شفاء على القولين الْأَوَّلُ: أَنَّهُ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ بِزَوَالِ الْجَهْلِ عَنْهَا وَذَهَابِ الرَّيْبِ وَكَشْفِ الْغِطَاءِ عَنِ الْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ الظَّاهِرَةِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الشِّفَاءِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ، أَوْ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلِمَا فِي تِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِرَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَغْفِرَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
«٣».
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ذَكَرَ مَا فِيهِ لِمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْمَضَرَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً أَيْ: وَلَا يَزِيدُ الْقُرْآنُ كُلُّهُ أَوْ كُلُّ بَعْضٍ مِنْهُ الظَّالِمِينَ الذي وضعوا التكذيب موضع
300
التَّصْدِيقِ، وَالشَّكَّ وَالِارْتِيَابَ مَوْضِعَ الْيَقِينِ وَالِاطْمِئْنَانِ إِلَّا خَساراً أَيْ: هَلَاكًا لِأَنَّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ يَغِيظُهُمْ وَيَحْنِقُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى زِيَادَةِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ تَمَرُّدًا وَعِنَادًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُهْلَكُونَ وَقِيلَ: الْخَسَارُ:
النَّقْصُ، كقوله: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ
«١» ثُمَّ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى فَتْحِ بَعْضِ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الطَّبَائِعِ الْمَذْمُومَةِ فَقَالَ: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَيْ: عَلَى هَذَا الْجِنْسِ بِالنِّعَمِ الَّتِي تُوجِبُ الشُّكْرَ كَالصِّحَّةِ وَالْغِنَى أَعْرَضَ عَنِ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَالذِّكْرِ لَهُ وَنَأى بِجانِبِهِ النَّأْيُ: الْبُعْدُ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِلْإِعْرَاضِ، لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَرْضَ وَجْهِهِ، أَيْ: نَاحِيَتِهِ، وَالنَّأْيُ بِالْجَانِبِ أَنْ يَلْوِيَ عَنْهُ عِطْفَهُ وَيُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِعْرَاضِ هُنَا الْإِعْرَاضُ عَنِ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلْوَى وَالْمِحْنَةِ بِهِ، وَيُرَادُ بِالنَّأْيِ بِجَانِبِهِ التَّكَبُّرُ وَالْبُعْدُ بِنَفْسِهِ عَنِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النِّعَمِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذكوان وأبو جعفر
«ناء» مثل باغ بتأخير الهمزة على القلب، وقرأ حمزة
«نئي» بِإِمَالَةِ الْفَتْحَتَيْنِ، وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيُّ، وَأَمَالَ شُعْبَةُ وَالسُّوسِيُّ الْهَمْزَةَ فَقَطْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا. وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فَقْرٍ كانَ يَؤُساً شَدِيدَ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِنْ فَازَ بِالْمَطْلُوبِ الدُّنْيَوِيِّ، وَظَفِرَ بِالْمَقْصُودِ نَسِيَ الْمَعْبُودَ، وَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْأَسَفُ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْقُنُوطُ، وَكِلْتَا الْخَصْلَتَيْنِ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَلَا يُنَافِي مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ
«٢» وَنَظَائِرَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ شَأْنُ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُمْ غَيْرِ الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ مَعَ شِدَّةِ يَأْسِهِ وَكَثْرَةِ قُنُوطِهِ كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِلِسَانِهِ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ الشَّاكِلَةُ قَالَ الْفَرَّاءُ: الطَّرِيقَةُ، وَقِيلَ: النَّاحِيَةُ، وَقِيلَ: الطَّبِيعَةُ، وَقِيلَ: الدِّينُ، وَقِيلَ: النِّيَّةُ، وَقِيلَ: الْجِبِلَّةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّكْلِ، يُقَالُ: لَسْتَ عَلَى شَكْلِي وَلَا عَلَى شَاكِلَتِي، وَالشَّكْلُ: هُوَ الْمِثْلُ وَالنَّظِيرُ. وَالْمَعْنَى:
أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَعْمَلُ عَلَى مَا يُشَاكِلُ أَخْلَاقَهُ الَّتِي أَلِفَهَا، وَهَذَا ذَمٌّ لِلْكَافِرِ وَمَدْحٌ لِلْمُؤْمِنِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لَكُمُ الْعَالِمُ بِمَا جُبِلْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الطَّبَائِعِ وَمَا تَبَايَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الطَّرَائِقِ، فَهُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُعْرِضُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَلَا يَيْأَسُ عِنْدَ الْمِحْنَةِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ الَّذِي شَأْنُهُ الْبَطَرُ لِلنِّعَمِ وَالْقُنُوطُ عِنْدَ النِّقَمِ. ثُمَّ لَمَّا انْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ الْإِنْسَانِ وَمَا جُبِلَ عَلَيْهِ، ذَكَرَ سُبْحَانَهُ سُؤَالَ السَّائِلِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الروح فقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الرُّوحِ المسؤول عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ الرُّوحُ الْمُدَبِّرُ لِلْبَدَنِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ حَيَاتُهُ، وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الرُّوحُ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الْإِنْسَانُ لَمْ يُخْبِرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَمْ يُعْطِ عِلْمَهُ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ، فَقَالَ: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أَيْ: إنكم لا تعملونه، وقيل: الروح المسؤول عَنْهُ جِبْرِيلُ، وَقِيلَ: عِيسَى، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَظِيمُ الْخَلْقِ، وَقِيلَ: خَلْقٌ كَخَلْقِ بَنِي آدَمَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي إِيرَادِهِ، وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيَانُ السَّائِلِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ حَقِيقَةِ الرُّوحِ، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ أَهَمُّ وَأَقْدَمُ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، ثم
301
أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُجِيبَ عَلَى السَّائِلِينِ لَهُ عَنِ الرُّوحِ فَقَالَ: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي مِنْ بَيَانِيَّةٌ، وَالْأَمْرُ الشَّأْنُ، وَالْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ: هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يُعْلِمُ بِهَا عِبَادَهُ وَقِيلَ: مَعْنَى مِنْ أَمْرِ رَبِّي مِنْ وَحْيِهِ وَكَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الْبَشَرِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَزْجُرُ الْخَائِضِينَ فِي شَأْنِ الرُّوحِ الْمُتَكَلِّفِينَ لِبَيَانِ مَا هَيْئَتُهُ وَإِيضَاحِ حَقِيقَتِهِ أَبْلَغَ زَجْرٍ، وَيَرْدَعُهُمْ أَعْظَمَ رَدْعٍ، وَقَدْ أَطَالُوا الْمَقَالَ فِي هَذَا الْبَحْثِ بِمَا لَا يَتِمُّ لَهُ الْمَقَامُ، وَغَالِبُهُ بَلْ كُلُّهُ مِنَ الْفُضُولِ الَّذِي لَا يَأْتِي بِنَفْعٍ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا.
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ أَقْوَالَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الرُّوحِ بَلَغَتْ إِلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ومائة قَوْلٍ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْفُضُولِ الْفَارِغِ وَالتَّعَبِ الْعَاطِلِ عَنِ النَّفْعِ، بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ، وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَلَا أَذِنَ لَهُمْ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَلَا الْبَحْثِ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَضْلًا عَنْ أُمَمِهِمُ المقتدين بهم، فيا لله الْعَجَبَ حَيْثُ تَبْلُغُ أَقْوَالُ أَهْلِ الْفُضُولِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ الَّذِي لَمْ تَبْلُغْهُ وَلَا بَعْضَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا أَذِنَ اللَّهُ بِالْكَلَامِ فِيهِ، وَلَمْ يَسْتَأْثِرْ بِعِلْمِهِ. ثُمَّ خَتَمَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: أَنَّ عِلْمَكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، لَيْسَ إِلَّا الْمِقْدَارُ الْقَلِيلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ، وَإِنْ أُوتِيَ حَظًّا مِنَ الْعِلْمِ وَافِرًا، بَلْ عِلْمُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَيْسَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا كَمَا يَأْخُذُ الطَّائِرُ فِي مِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دُلُوكِ الشَّمْسِ غُرُوبِهَا، تَقُولُ الْعَرَبُ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ: دَلَكَتِ الشَّمْسُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم عن عَلِيٍّ قَالَ: دُلُوكُهَا: غُرُوبُهَا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لِزَوَالِ الشَّمْسِ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«دُلْوُكُ الشَّمْسِ زَوَالُهَا» وَضَعَّفَ السُّيُوطِيُّ إِسْنَادَهُ. وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ قَوْلِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ:
«دُلُوكُ الشَّمْسِ زِيَاغُهَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ». وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دُلُوكُهَا: زَوَالُهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ قَالَ: إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتَانِي جِبْرِيلُ لِدُلُوِكِ الشَّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ تَلَا أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مردويه من حديث أنس نحوه، مما يُسْتَشْهَدُ بِهِ عَلَى أَنَّ الدُّلُوكَ الزَّوَالُ وَسَطَ النَّهَارِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ دَعَوْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ يُطْعَمُونَ عِنْدِي، ثُمَّ خَرَجُوا حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«اخْرُجْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَهَذَا حِينَ دَلَكَتِ الشَّمْسُ»، وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عَنْ جَابِرٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عن
302
ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ قَالَ: إِلَى الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
غَسَقِ اللَّيْلِ اجْتِمَاعِ اللَّيْلِ وَظُلْمَتِهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: غَسَقِ اللَّيْلِ بُدُوِّ اللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ غُرُوبُ الشَّمْسِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ قَالَ: صَلَاةُ الصُّبْحِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قَالَ:
«تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ تَجْتَمِعُ فِيهَا»، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ:
«تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قَالَ:
«تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: نافِلَةً لَكَ يَعْنِي خاصة للنبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَكُتُبَ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَهُنَّ لَكَمَ سُنَّةٌ: الْوِتْرُ، وَالسِّوَاكُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ أَبِي أُمَامَةَ فِي قَوْلِهِ: نافِلَةً لَكَ قَالَ: كانت للنبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ نَافِلَةً وَلَكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي لَفْظٍ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وَسُئِلَ عَنْهُ، قَالَ:
«هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِي». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، وَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ كُلَّ أُمَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ، يَا فُلَانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمُ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا. وَأَخْرَجَ عَنْهُ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، وَمَنْ رَامَ الِاسْتِيفَاءَ نَظَرَ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ فِي الْأُمَّهَاتِ
«١» وَغَيْرِهَا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي قَوْلِهِ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قَالَ: يُجْلِسُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِبْرِيلَ وَيَشْفَعُ لِأُمَّتِهِ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ. وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قَالَ: يُجْلِسُنِي مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ» وَيَنْبَغِي الْكَشْفُ عن إسناد هذين الحديثين.
303
﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾ :
«من » للتبعيض، وانتصابه على الظرفية بمضمر، أي : قم بعض الليل فتهجد به، والضمير المجرور راجع إلى القرآن، وما قيل من أنه منتصب على الإغراء، والتقدير : عليك بعض الليل، فبعيد جداً، والتهجد مأخوذ من الهجود. قال أبو عبيدة وابن الأعرابي : هو من الأضداد، لأنه يقال : هجد الرجل : إذا نام، وهجد : إذا سهر، فمن استعماله في السهر قول الشاعر :
ألا زارت وأهل منى هجود | فليت خيالها بمنى يعود |
يعني : منتبهين، ومن استعماله في النوم قول الآخر :
ألا طرقتنا والرفاق هجود | فباتت بعلات النوال تجود |
يعني : نياماً. وقال الأزهري : الهجود في الأصل هو النوم بالليل، ولكن جاء التفعل فيه لأجل التجنب ومنه تأثم وتحرّج، أي : تجنب الإثم والحرج، فالمتهجد : من تجنب الهجود، فقام بالليل. وروي عن الأزهري أيضاً أنه قال : المتهجد : القائم إلى الصلاة من النوم، هكذا حكى عنه الواحدي، فقيد التهجد بالقيام من النوم، وهكذا قال مجاهد، وعلقمة، والأسود فقالوا : التهجد بعد النوم. قال الليث : تهجد إذا استيقظ للصلاة
﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ معنى النافلة في اللغة : الزيادة على الأصل، فالمعنى أنها للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة زائدة على الفرائض، والأمر بالتهجد وإن كان ظاهره الوجوب لكن التصريح بكونه نافلة قرينة صارفة للأمر، وقيل : المراد بالنافلة هنا أنها فريضة زائدة على الفرائض الخمس في حقه صلى الله عليه وسلم، ويدفع ذلك التصريح بلفظ النافلة، وقيل : كانت صلاة الليل فريضة في حقه صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعاً، وعلى هذا يحمل ما ورد في الحديث أنها عليه فريضة، ولأمته تطوع. قال الواحدي : إن صلاة الليل كانت زيادة للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة لرفع الدرجات، لا للكفارات، لأنه غفر له من ذنبه ما تقدّم وما تأخر، وليس لنا بنافلة لكثرة ذنوبنا، إنما نعمل لكفارتها، قال : وهو قول جميع المفسرين. والحاصل : أن الخطاب في هذه الآية وإن كان خاصاً بالنبيّ في قوله
﴿ أَقِمِ الصلاة ﴾، فالأمر له أمر لأمته، فهو شرع عام، ومن ذلك الترغيب في صلاة الليل، فإنه يعمّ جميع الأمة، والتصريح بكونه نافلة يدل على عدم الوجوب، فالتهجد من الليل مندوب إليه ومشروع لكل مكلف. وعده سبحانه على إقامة الفرائض والنوافل فقال :
﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قد ذكرنا في مواضع أن
﴿ عسى ﴾ من الكريم إطماع واجب الوقوع، وانتصاب
﴿ مقاماً ﴾ على الظرفية بإضمار فعل، أو بتضمين البعث معنى الإقامة، ويجوز أن يكون انتصابه على الحال أي : يبعثك ذا مقام محمود ؛ ومعنى كون المقام محموداً : أنه يحمده كل من علم به. وقد اختلف في تعيين هذا المقام على أقوال : الأول أنه المقام الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ليريحهم ربهم سبحانه مما هو فيه، وهذا القول هو الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة في تفسير الآية، وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل، قال الواحدي : وإجماع المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة. القول الثاني : أن المقام المحمود إعطاء النبيّ لواء الحمد يوم القيامة. ويمكن أن يقال : إن هذا لا ينافي القول الأوّل، إذ لا منافاة بين كونه قائماً مقام الشفاعة وبيده لواء الحمد. القول الثالث : أن المقام المحمود : هو أن الله سبحانه يجلس محمداً صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه، حكاه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد، وقد ورد في ذلك حديث. وحكى النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا الحديث. قال ابن عبد البرّ : مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم : أحدهما هذا، والثاني في تأويل
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ القيامة : ٢٢ ٢٣ ]. قال : معناه تنتظر الثواب، وليس من النظر. انتهى. وعلى كل حال فهذا القول غير منافٍ للقول الأوّل لإمكان أن يقعده الله سبحانه هذا المقعد ويشفع تلك الشفاعة. القول الرابع : أنه مطلق في كل مقام يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ذكره صاحب الكشاف والمقتدون به في التفسير، ويجاب عنه بأن الأحاديث الصحيحة الواردة في تعيين هذا المقام المحمود متواترة، فالمصير إليها متعين، وليس في الآية عموم في اللفظ حتى يقال : الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومعنى قوله :( وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد ) أنه عام في كل ما هو كذلك، ولكنه يعبر عن العام بلفظ المطلق، كما ذكره في ذبح البقرة، ولهذا قال هنا. وقيل : المراد : الشفاعة، وهي نوع واحد مما يتناوله، يعني : لفظ المقام، والفرق بين العموم البدليّ والعموم الشموليّ معروف، فلا نطيل بذكره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود قال :﴿ دلوك الشمس ﴾ : غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، قال :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ : لزوال الشمس. وأخرج البزار، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( دلوك الشمس زوالها ) وضعف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال :( دلوك الشمس : زياغها بعد نصف النهار ). وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا ﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه. ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال :( دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس )، وفي إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنبري، عن جابر فذكر نحوه مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلى غسق الليل ﴾ قال : إلى العشاء الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ : بدّو الليل. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال : دلوك الشمس : إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل : غروب الشمس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ قال : صلاة الصبح. وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها )، وهو في الصحيحين عنه مرفوعاً بلفظ ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر )، ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ). وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ يعني : خاصة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بقيام الليل وكتب عليه. وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هنّ عليّ فرائض وهنّ لكم سنّة : الوتر، والسواك، وقيام الليل ) وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي أمامة في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ وسئل عنه، قال :( هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لأمتي ). وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تلّ، ويكسوني ربى حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ). وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال : إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً. وأخرج عنه نحوه مرفوعاً، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ثابتة في الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها، ومن رام الاستيفاء نظر في أحاديث الشفاعة في الأمهات وغيرها. وأخرج الطبراني في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾، قال : يجلسني معه على السرير ) وينبغي الكشف عن إسناد هذين الحديثين. وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله ﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لّي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن قتادة في قوله :﴿ وَقُل ربّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبيّ الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم. وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :﴿ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ و﴿ جَاء الحق وَمَا يُبْدِئ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ [ سبأ : ٤٩ ]. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ قال : تباعد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ قال : قنوطاً، وفي قوله :﴿ كُل يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال : على ناحيته. وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن قال : على شاكلته : على نيته. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( كنت أمشي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : اسألوه عن الروح، فقال بعضهم : لا تسألوه، فقالوا : يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متكئاً على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ). وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، قالوا : سلوه عن الروح، فنزلت ﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قالوا : أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله ﴿ قُل لوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]. وفي الباب أحاديث وآثار.
﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ قرأ الجمهور ﴿ مدخل صدق ومخرج صدق ﴾ بضم الميمين. وقرأ الحسن، وأبو العالية، ونصر بن عاصم بفتحهما، وهما مصدران بمعنى الإدخال والإخراج، والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي : إدخالاً يستأهل أن يسمى إدخالاً، ولا يرى فيه ما يكره. قال الواحدي : وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما، وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح.
وقد اختلف المفسرون في معنى الآية، فقيل : نزلت حين أمر بالهجرة، يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة واختاره ابن جرير، وقيل : المعنى : أمتني إماتة صدق، وابعثني يوم القيامة مبعث صدق، وقيل : المعنى : أدخلني فيما أمرتني به، وأخرجني مما نهيتني عنه، وقيل : إدخاله موضع الأمن وإخراجه من بين المشركين، وهو كالقول الأوّل، وقيل : المراد إدخال عزّ وإخراج نصر، وقيل : المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق، وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق، وقيل : أدخلني حيثما أدخلتني بالصدق، وأخرجني بالصدق. وقيل : الآية عامة في كل ما تتناوله من الأمور فهي دعاء، ومعناها : ربّ أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري عنها. ﴿ واجعل لي مِن لَدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾ أي : حجة ظاهرة قاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني، وقيل : اجعل لي من لدنك ملكاً وعزاً قوّياً وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً. وبه قال الحسن وقتادة واختاره ابن جرير. قال ابن كثير : وهو الأرجح لأنه لا بدّ مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه، ولهذا يقول تعالى :﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومنافع لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله من ينصره ورسله بالغيب ﴾ [ الحديد : ٢٥ ] وفي الحديث :( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )، أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمنع كثيراً من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع. انتهى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود قال :﴿ دلوك الشمس ﴾ : غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، قال :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ : لزوال الشمس. وأخرج البزار، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( دلوك الشمس زوالها ) وضعف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال :( دلوك الشمس : زياغها بعد نصف النهار ). وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا ﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه. ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال :( دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس )، وفي إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنبري، عن جابر فذكر نحوه مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلى غسق الليل ﴾ قال : إلى العشاء الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ : بدّو الليل. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال : دلوك الشمس : إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل : غروب الشمس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ قال : صلاة الصبح. وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها )، وهو في الصحيحين عنه مرفوعاً بلفظ ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر )، ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ). وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ يعني : خاصة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بقيام الليل وكتب عليه. وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هنّ عليّ فرائض وهنّ لكم سنّة : الوتر، والسواك، وقيام الليل ) وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي أمامة في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ وسئل عنه، قال :( هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لأمتي ). وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تلّ، ويكسوني ربى حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ). وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال : إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً. وأخرج عنه نحوه مرفوعاً، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ثابتة في الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها، ومن رام الاستيفاء نظر في أحاديث الشفاعة في الأمهات وغيرها. وأخرج الطبراني في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾، قال : يجلسني معه على السرير ) وينبغي الكشف عن إسناد هذين الحديثين. وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله ﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لّي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن قتادة في قوله :﴿ وَقُل ربّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبيّ الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم. وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :﴿ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ و﴿ جَاء الحق وَمَا يُبْدِئ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ [ سبأ : ٤٩ ]. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ قال : تباعد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ قال : قنوطاً، وفي قوله :﴿ كُل يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال : على ناحيته. وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن قال : على شاكلته : على نيته. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( كنت أمشي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : اسألوه عن الروح، فقال بعضهم : لا تسألوه، فقالوا : يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متكئاً على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ). وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، قالوا : سلوه عن الروح، فنزلت ﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قالوا : أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله ﴿ قُل لوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]. وفي الباب أحاديث وآثار.
﴿ وَقُلْ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل ﴾ المراد بالحق : الإسلام، وقيل : القرآن، وقيل : الجهاد ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك وعلى ما هو حق كائناً ما كان، والمراد بالباطل : الشرك، وقيل : الشيطان ولا يبعد أن يحمل على كل ما يقابل الحق من غير فرق بين باطل وباطل. ومعنى زهق : بطل واضمحل، ومنه زهوق النفس وهو بطلانها ﴿ إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ أي : إن هذا شأنه فهو يبطل ولا يثبت، والحق ثابت دائماً.
سورة الإسراء
آياتها مائة وإحدى عشرة آية، وهي مكية إلا ثلاث آيات قوله عز وجل ﴿ وإن كادوا ليستفزونك ﴾ نزلت حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف، وحين قالت اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء، وقوله :﴿ وقل رب أدخلني مدخل صدق ﴾.
وقوله :﴿ إن ربك أحاط بالناس ﴾ وزاد مقاتل قوله :﴿ إن الذين أوتوا العلم من قبله ﴾. وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة بني إسرائيل بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود قال : في بني إسرائيل والكهف ومريم، إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال : صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل.
﴿ وَنُنَزّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ ﴾ قرأ الجمهور ﴿ ننزل ﴾ بالنون. وقرأ أبو عمرو بالتخفيف. وقرأ مجاهد بالياء التحتية والتخفيف، ورواها المروزي عن حفص، و«من » لابتداء الغاية، ويصح أن تكون لبيان الجنس. وقيل : للتبعيض، وأنكره بعض المفسرين لاستلزامه أن بعضه لا شفاء فيه، ورده ابن عطية بأن المبعض هو إنزاله.
واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على القولين : الأوّل : أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه. القول الثاني : أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوّذ ونحو ذلك، ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز، أو من باب حمل المشترك على معنييه. ثم ذكر سبحانه أنه رحمة للمؤمنين لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدين والدنيا، ولما في تلاوته وتدبره من الأجر العظيم الذي يكون سبباً لرحمة الله سبحانه ومغفرته ورضوانه، ومثل هذه الآية قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء والذين لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [ فصلت : ٤٤ ]. ثم لما ذكر سبحانه ما في القرآن من المنفعة لعباده المؤمنين، ذكر ما فيه لمن عداهم من المضرّة عليهم فقال :﴿ وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا ﴾ أي : ولا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الظالمين الذي وضعوا التكذيب موضع التصديق، والشك والارتياب موضع اليقين والاطمئنان ﴿ إَلاَّ خَسَارًا ﴾ أي : هلاكاً، لأن سماع القرآن يغيظهم ويحنقهم ويدعوهم إلى زيادة ارتكاب القبائح تمرّداً وعناداً، فعند ذلك يهلكون ؛ وقيل : الخسار : النقص كقوله :﴿ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٥ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود قال :﴿ دلوك الشمس ﴾ : غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، قال :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ : لزوال الشمس. وأخرج البزار، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( دلوك الشمس زوالها ) وضعف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال :( دلوك الشمس : زياغها بعد نصف النهار ). وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا ﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه. ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال :( دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس )، وفي إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنبري، عن جابر فذكر نحوه مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلى غسق الليل ﴾ قال : إلى العشاء الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ : بدّو الليل. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال : دلوك الشمس : إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل : غروب الشمس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ قال : صلاة الصبح. وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها )، وهو في الصحيحين عنه مرفوعاً بلفظ ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر )، ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ). وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ يعني : خاصة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بقيام الليل وكتب عليه. وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هنّ عليّ فرائض وهنّ لكم سنّة : الوتر، والسواك، وقيام الليل ) وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي أمامة في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ وسئل عنه، قال :( هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لأمتي ). وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تلّ، ويكسوني ربى حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ). وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال : إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً. وأخرج عنه نحوه مرفوعاً، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ثابتة في الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها، ومن رام الاستيفاء نظر في أحاديث الشفاعة في الأمهات وغيرها. وأخرج الطبراني في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾، قال : يجلسني معه على السرير ) وينبغي الكشف عن إسناد هذين الحديثين. وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله ﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لّي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن قتادة في قوله :﴿ وَقُل ربّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبيّ الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم. وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :﴿ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ و﴿ جَاء الحق وَمَا يُبْدِئ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ [ سبأ : ٤٩ ]. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ قال : تباعد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ قال : قنوطاً، وفي قوله :﴿ كُل يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال : على ناحيته. وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن قال : على شاكلته : على نيته. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( كنت أمشي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : اسألوه عن الروح، فقال بعضهم : لا تسألوه، فقالوا : يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متكئاً على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ). وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، قالوا : سلوه عن الروح، فنزلت ﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قالوا : أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله ﴿ قُل لوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]. وفي الباب أحاديث وآثار.
ثم نبّه سبحانه على فتح بعض ما جبل عليه الإنسان من الطبائع المذمومة فقال :﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان ﴾ أي : على هذا الجنس بالنعم التي توجب الشكر كالصحة والغنى ﴿ أَعْرَضَ ﴾ عن الشكر لله والذكر له ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ النأي : البعد، والباء للتعدية أو للمصاحبة، وهو تأكيد للإعراض، لأن الإعراض عن الشيء هو أن يوليه عرض وجهه أي : ناحيته، والنأي بالجانب : أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره، ولا يبعد أن يراد بالإعراض هنا : الإعراض عن الدعاء والابتهال الذي كان يفعله عند نزول البلوى والمحنة به، ويراد بالنأي بجانبه : التكبر والبعد بنفسه عن القيام بحقوق النعم. وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان وأبو جعفر ( ناء ) مثل باع بتأخير الهمزة على القلب، وقرأ حمزة ( ناءي ) بإمالة الفتحتين ووافقه الكسائي، وأمال شعبة والسوسي الهمزة فقط. وقرأ الباقون بالفتح فيهما ﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الشر ﴾ من مرض أو فقر ﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ شديد اليأس من رحمة الله، والمعنى : أنه إن فاز بالمطلوب الدنيوي وظفر بالمقصود نسي المعبود، وإن فاته شيء من ذلك استولى عليه الأسف، وغلب عليه القنوط، وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة ولا ينافي ما في هذه الآية قوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ ﴾ [ فصلت : ٥١ ]. ونظائره، فإن ذلك شأن بعض آخر منهم غير البعض المذكور في هذه الآية، ولا يبعد أن يقال : لا منافاة بين الآيتين، فقد يكون مع شدة يأسه وكثرة قنوطه كثير الدعاء بلسانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود قال :﴿ دلوك الشمس ﴾ : غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، قال :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ : لزوال الشمس. وأخرج البزار، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( دلوك الشمس زوالها ) وضعف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال :( دلوك الشمس : زياغها بعد نصف النهار ). وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا ﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه. ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال :( دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس )، وفي إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنبري، عن جابر فذكر نحوه مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلى غسق الليل ﴾ قال : إلى العشاء الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ : بدّو الليل. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال : دلوك الشمس : إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل : غروب الشمس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ قال : صلاة الصبح. وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها )، وهو في الصحيحين عنه مرفوعاً بلفظ ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر )، ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ). وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ يعني : خاصة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بقيام الليل وكتب عليه. وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هنّ عليّ فرائض وهنّ لكم سنّة : الوتر، والسواك، وقيام الليل ) وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي أمامة في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ وسئل عنه، قال :( هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لأمتي ). وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تلّ، ويكسوني ربى حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ). وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال : إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً. وأخرج عنه نحوه مرفوعاً، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ثابتة في الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها، ومن رام الاستيفاء نظر في أحاديث الشفاعة في الأمهات وغيرها. وأخرج الطبراني في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾، قال : يجلسني معه على السرير ) وينبغي الكشف عن إسناد هذين الحديثين. وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله ﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لّي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن قتادة في قوله :﴿ وَقُل ربّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبيّ الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم. وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :﴿ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ و﴿ جَاء الحق وَمَا يُبْدِئ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ [ سبأ : ٤٩ ]. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ قال : تباعد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ قال : قنوطاً، وفي قوله :﴿ كُل يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال : على ناحيته. وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن قال : على شاكلته : على نيته. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( كنت أمشي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : اسألوه عن الروح، فقال بعضهم : لا تسألوه، فقالوا : يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متكئاً على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ). وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، قالوا : سلوه عن الروح، فنزلت ﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قالوا : أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله ﴿ قُل لوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]. وفي الباب أحاديث وآثار.
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ الشاكلة قال الفراء : الطريقة، وقيل : الناحية، وقيل : الطبيعة، وقيل : الدين، وقيل : النية، وقيل : الجبلة، وهي مأخوذة من الشكل، يقال : لست على شكلي ولا على شاكلتي، والشكل : هو المثل والنظير. والمعنى : أن كل إنسان يعمل على ما يشاكل أخلاقه التي ألفها، وهذا ذمّ للكافر ومدح للمؤمن ﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً ﴾ لأنه الخالق لكم، العالم بما جبلتم عليه من الطبائع وما تباينتم فيه من الطرائق، فهو الذي يميز بين المؤمن الذي لا يعرض عند النعمة ولا ييأس عند المحنة، وبين الكافر الذي شأنه البطر للنعم والقنوط عند النقم. ثم لما انجرّ الكلام إلى ذكر الإنسان وما جبل عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود قال :﴿ دلوك الشمس ﴾ : غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، قال :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ : لزوال الشمس. وأخرج البزار، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( دلوك الشمس زوالها ) وضعف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال :( دلوك الشمس : زياغها بعد نصف النهار ). وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا ﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه. ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال :( دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس )، وفي إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنبري، عن جابر فذكر نحوه مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلى غسق الليل ﴾ قال : إلى العشاء الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ : بدّو الليل. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال : دلوك الشمس : إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل : غروب الشمس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ قال : صلاة الصبح. وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها )، وهو في الصحيحين عنه مرفوعاً بلفظ ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر )، ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ). وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ يعني : خاصة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بقيام الليل وكتب عليه. وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هنّ عليّ فرائض وهنّ لكم سنّة : الوتر، والسواك، وقيام الليل ) وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي أمامة في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ وسئل عنه، قال :( هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لأمتي ). وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تلّ، ويكسوني ربى حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ). وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال : إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً. وأخرج عنه نحوه مرفوعاً، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ثابتة في الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها، ومن رام الاستيفاء نظر في أحاديث الشفاعة في الأمهات وغيرها. وأخرج الطبراني في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾، قال : يجلسني معه على السرير ) وينبغي الكشف عن إسناد هذين الحديثين. وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله ﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لّي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن قتادة في قوله :﴿ وَقُل ربّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبيّ الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم. وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :﴿ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ و﴿ جَاء الحق وَمَا يُبْدِئ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ [ سبأ : ٤٩ ]. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ قال : تباعد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ قال : قنوطاً، وفي قوله :﴿ كُل يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال : على ناحيته. وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن قال : على شاكلته : على نيته. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( كنت أمشي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : اسألوه عن الروح، فقال بعضهم : لا تسألوه، فقالوا : يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متكئاً على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ). وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، قالوا : سلوه عن الروح، فنزلت ﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قالوا : أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله ﴿ قُل لوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]. وفي الباب أحاديث وآثار.
ذكر سبحانه سؤال السائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فقال :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح ﴾ قد اختلف الناس في الروح المسؤول عنه، فقيل : هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين. قال الفراء : الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله سبحانه به أحداً من خلقه، ولم يعط علمه أحداً من عباده فقال :﴿ قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي ﴾ أي : إنكم لا تعلمونه، وقيل : الروح المسؤول عنه جبريل، وقيل : عيسى، وقيل القرآن، وقيل : ملك من الملائكة عظيم الخلق، وقيل : خلق كخلق بني آدم، وقيل : غير ذلك مما لا طائل تحته ولا فائدة في إيراده، والظاهر القول الأول، وسيأتي ذكر سبب نزول هذه الآية، وبيان السائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، ثم الظاهر أن السؤال عن حقيقة الروح، لأن معرفة حقيقة الشيء أهم وأقدم من معرفة حال من أحواله، ثم أمره سبحانه أن يجيب على السائلين له عن الروح فقال :﴿ قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى ﴾ «من » بيانية، والأمر : الشأن، والإضافة للاختصاص، أي : هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده، وقيل : معنى ﴿ مِنْ أَمْرِ رَبّى ﴾ من وحيه وكلامه لا من كلام البشر. وفي هذه الآية ما يزجر الخائضين في شأن الروح المتكلفين لبيان ما هيئته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر ويردعهم أعظم ردع، وقد أطالوا المقال في هذا البحث بما لا يتم له المقام، وغالبه بل كله من الفضول الذي لا يأتي بنفع في دين ولا دنيا.
وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلفين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر مائة قول، فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع، بعد أن علموا أن الله سبحانه قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه ولا البحث عن حقيقته فضلاً عن أممهم المقتدين بهم، فيالله العجب حيث تبلغ أقوال أهل الفضول إلى هذا الحدّ الذي لم تبلغه ولا بعضه في غير هذه المسألة مما أذن الله بالكلام فيه، ولم يستأثر بعلمه. ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه :﴿ وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي : أن علمكم الذي علمكم الله، ليس إلاّ المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظاً من العلم وافراً، بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلاّ كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهم السلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود قال :﴿ دلوك الشمس ﴾ : غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، قال :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ : لزوال الشمس. وأخرج البزار، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( دلوك الشمس زوالها ) وضعف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال :( دلوك الشمس : زياغها بعد نصف النهار ). وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عنه في قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا ﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه. ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال :( دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس )، وفي إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنبري، عن جابر فذكر نحوه مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلى غسق الليل ﴾ قال : إلى العشاء الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ غَسَقِ الليل ﴾ : بدّو الليل. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال : دلوك الشمس : إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل : غروب الشمس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ قال : صلاة الصبح. وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها )، وهو في الصحيحين عنه مرفوعاً بلفظ ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر )، ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ قال :( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ). وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ يعني : خاصة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بقيام الليل وكتب عليه. وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هنّ عليّ فرائض وهنّ لكم سنّة : الوتر، والسواك، وقيام الليل ) وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي أمامة في قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ وسئل عنه، قال :( هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لأمتي ). وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تلّ، ويكسوني ربى حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ). وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال : إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً. وأخرج عنه نحوه مرفوعاً، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ثابتة في الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها، ومن رام الاستيفاء نظر في أحاديث الشفاعة في الأمهات وغيرها. وأخرج الطبراني في قوله :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا ﴾ قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾، قال : يجلسني معه على السرير ) وينبغي الكشف عن إسناد هذين الحديثين. وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله ﴿ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لّي مِن لدُنكَ سلطانا نَصِيرًا ﴾. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن قتادة في قوله :﴿ وَقُل ربّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبيّ الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم. وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :﴿ جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا ﴾ و﴿ جَاء الحق وَمَا يُبْدِئ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ [ سبأ : ٤٩ ]. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ قال : تباعد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَ يَؤوساً ﴾ قال : قنوطاً، وفي قوله :﴿ كُل يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال : على ناحيته. وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن قال : على شاكلته : على نيته. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :( كنت أمشي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : اسألوه عن الروح، فقال بعضهم : لا تسألوه، فقالوا : يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متكئاً على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ). وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، قالوا : سلوه عن الروح، فنزلت ﴿ وَيَسْألُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُم من العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قالوا : أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله ﴿ قُل لوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]. وفي الباب أحاديث وآثار.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْآيَةَ قَالَ: أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ مَكَّةَ مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَأَدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ. قَالَ: وَعَلِمَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَلِإِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ عِزَّةٌ مِنَ اللَّهِ جَعَلَهَا بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: وَاللَّهِ لَمَا يَزَعُ اللَّهُ بِالسُّلْطَانِ أَعْظَمُ مِمَّا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
«دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصْبٍ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ»
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَنَأى بِجانِبِهِ قَالَ: تَبَاعَدَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كانَ يَؤُساً قَالَ: قَنُوطًا، وَفِي قَوْلِهِ: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قَالَ: عَلَى نَاحِيَتِهِ. وَأَخْرَجَ هَنَّادٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَلى شاكِلَتِهِ عَلَى نِيَّتِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
«كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِرَبِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا الرُّوحُ؟ فَمَا زَالَ مُتَّكِئًا عَلَى الْعَسِيبِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إليه، فقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالُوا:
سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فنزلت وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالُوا: أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا، أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً
«٢». وفي الباب أحاديث وآثار.
304
لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا بَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ هَذَا الْقَلِيلَ لَفَعَلَ، فَقَالَ:
وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَاللَّامُ هي الموطئة، ولنذهبن جَوَابُ الْقَسَمِ سَادٌّ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لَوْ شِئْنَا لَمَحَوْنَاهُ مِنَ الْقُلُوبِ وَمِنَ الْكُتُبِ حَتَّى لَا يُوجَدَ لَهُ أَثَرٌ، انْتَهَى. وَعَبَّرَ عَنِ الْقُرْآنِ بِالْمَوْصُولِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ أَيْ: بِالْقُرْآنِ عَلَيْنا وَكِيلًا أَيْ: لَا تَجِدُ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَيْنَا فِي رَدِّ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبْنَا بِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَمَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ يَرْحَمَكَ رَبُّكَ فَلَا نَذْهَبُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ منقطعا فمعناه لكن لا يشأ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، أَوْ لَكِنَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ تَرَكَتْهُ غَيْرَ مَذْهُوبٍ بِهِ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً حَيْثُ جَعَلَكَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَصَيَّرَكَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وَأَعْطَاكَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ. ثُمَّ احْتَجَّ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الْجَلِيلَةِ مِنْ كَمَالِ الْبَلَاغَةِ وَحُسْنِ النَّظْمِ وَجَزَالَةِ اللَّفْظِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ أَظْهَرَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِأَنْ يَقُولَ لَا يَأْتُونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ مُعَيَّنٌ، وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفِيُ الْمِثْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَهُوَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ، وَسَادٌّ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ، ثُمَّ أَوْضَحَ سُبْحَانَهُ عَجْزَهُمْ عَنِ الْمُعَارَضَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَصَدِّي لَهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ، أَوْ كَانَ الْمُتَصَدِّرُ بِهَا الْمَجْمُوعَ بِالْمُظَاهَرَةِ فَقَالَ: وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً أَيْ:
عَوْنًا وَنَصِيرًا، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ردّ لِمَا قَالَهُ الْكُفَّارُ:
لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا
«١» وَإِكْذَابٌ لَهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنِ الْمُعَارَضَةِ اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعَدَمِ إِيمَانِهِمْ، فَقَالَ: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أَيْ: رَدَّدْنَا الْقَوْلَ فِيهِ بِكُلِّ مَثَلٍ يُوجِبُ الِاعْتِبَارَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَأَقَاصِيصِ الْأَوَّلِينَ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْقِيَامَةِ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً يَعْنِي مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ جَحَدُوا وَأَنْكَرُوا كَوْنَ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَاقْتَرَحُوا مِنَ الْآيَاتِ مَا لَيْسَ لَهُمْ، وَأَظْهَرَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ حَيْثُ قَالَ:
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ تَوْكِيدًا أَوْ تَوْضِيحًا، وَلَمَّا كَانَ أَبَى مُؤَوَّلًا بِالنَّفْيِ، أَيْ: مَا قَبِلَ أَوْ لَمْ يَرْضَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ قَوْلُهُ: إِلَّا كُفُوراً وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أَيْ: قَالَ رُؤَسَاءُ مَكَّةَ كَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابني ربيعة
305
وَأَبِي سُفْيَانَ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، ثُمَّ عَلَّقُوا نَفْيَ إِيمَانِهِمْ بِغَايَةٍ طَلَبُوهَا فَقَالُوا: حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ
«حَتَّى تَفْجُرَ» مُخَفَّفًا مِثْلَ تَقْتُلَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ أَنَّهَا مُشَدَّدَةٌ، وَوَجَّهَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ بِأَنَّ الْأُولَى بَعْدَهَا يَنْبُوعٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالثَّانِيَةَ بَعْدَهَا الْأَنْهَارُ وَهِيَ جَمْعٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْيَنْبُوعَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ، فَإِنَّ الْيَنْبُوعَ الْعُيُونُ الَّتِي لَا تَنْضُبُ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْيَنْبُوعَ عَيْنُ الْمَاءِ وَالْجَمْعُ الْيَنَابِيعُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْعَيْنِ يَنْبُوعٌ إِذَا كَانَتْ غَزِيرَةً مِنْ شَأْنِهَا النُّبُوعُ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ كَيَعْبُوبٍ مَنْ عَبَّ الْمَاءَ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ أَيْ: بُسْتَانٌ تَسْتُرُ أَشْجَارُهُ أَرْضَهُ.
وَالْمَعْنَى: هَبْ أَنَّكَ لَا تُفَجِّرُ الْأَنْهَارَ لِأَجْلِنَا فَفَجِّرْهَا مِنْ أَجْلِكَ بِأَنْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ أَيْ: تُجْرِيهَا بِقُوَّةٍ خِلالَها تَفْجِيراً أَيْ: وَسَطَهَا تَفْجِيرًا كَثِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً قَرَأَ مُجَاهِدٌ أَوْ تُسْقِطَ مُسْنَدًا إِلَى السَّمَاءِ. وَقَرَأَ مَنْ عَدَاهُ أَوْ تُسْقِطَ عَلَى الْخِطَابِ، أَيْ: أَوْ تُسْقِطَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ السَّمَاءَ. وَالْكِسَفُ بِفَتْحِ السِّينِ جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٍ، وَالْكِسْفَةُ: الْقِطْعَةُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ كِسَفاً بِإِسْكَانِ السِّينِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: مَنْ قَرَأَ بِإِسْكَانِ السِّينِ جَعَلَهُ وَاحِدًا وَمَنْ قَرَأَ بِفَتْحِهَا جَعَلَهُ جَمْعًا. قَالَ الَمَهَدَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِرَاءَةِ السُّكُونِ جَمْعَ كِسْفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْكِسْفَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: أَعْطِنِي كِسْفَةً مِنْ ثَوْبِكَ، وَالْجَمْعُ كِسَفٌ وَكُسُفٌ، وَيُقَالُ: الْكِسَفُ وَالْكِسْفَةُ وَاحِدٌ، وَانْتِصَابُ كِسَفًا عَلَى الْحَالِ، وَالْكَافُ فِي كَمَا زَعَمْتَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِسْقَاطًا مُمَاثِلًا لِمَا زَعَمْتَ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ:
إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ
«١». قَالَ أَبُو عَلِيِّ: الْكِسْفُ: بِالسُّكُونِ الشَّيْءُ الْمَقْطُوعُ، كَالطَّحْنِ لِلْمَطْحُونِ، وَاشْتِقَاقُهُ عَلَى مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ مِنْ كَسَفْتُ الثَّوْبَ كِسَفًا إِذَا قَطَعْتَهُ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مِنْ كَسَفْتُ الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْتَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أَوْ تُسْقِطَهَا طَبَقًا عَلَيْنَا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا.
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَبِيلًا فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: مُعَايَنَةً، قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فَقَالَ: إِذَا حَمَلْتَهُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ كَانَ الْقَبِيلُ مَصْدَرًا كَالنَّكِيرِ وَالنَّذِيرِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَفِيلًا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَقِيلَ: شَهِيدًا، قَالَهُ مُقَاتِلٌ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ الْقَبِيلَةِ، أَيْ: تَأْتِي بِأَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ، وَقِيلَ: ضِمْنًا، وَقِيلَ: مُقَابِلًا كَالْعَشِيرِ وَالْمُعَاشِرِ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ، وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَصْلُهُ الزِّينَةُ، وَالْمُزَخْرَفُ: الْمُزَيَّنُ، وَزَخَارِفُ الْمَاءِ: طَرَائِقُهُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
هُوَ الزِّينَةُ، فَرَجَعَ إِلَى الأصل مَعْنَى الزُّخْرُفِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زِينَةٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ أَيْ: تَصْعَدُ فِي مَعَارِجِهَا، يُقَالُ: رَقَيْتُ فِي السُّلَّمِ إِذَا صَعِدْتَ وَارْتَقَيْتَ مِثْلُهُ. وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أَيْ: لِأَجْلِ رُقِيِّكَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ نَحْوَ مَضَى يَمْضِي مُضِيًّا وَهَوَى يَهْوِي هَوِيًّا حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ أَيْ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا يصدقك ويدل على نبوّتك نقرؤه جميعا، أو يقرؤه
306
كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: كِتَابًا مِنَ اللَّهِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا كَمَا فِي قَوْلِهِ: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً
«١» فأمر سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُفِيدُ التَّعَجُّبَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَالتَّنْزِيهَ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَنِ اقْتِرَاحَاتِهِمُ الْقَبِيحَةِ فَقَالَ: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي أَيْ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنْ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ شَيْءٍ. وَقَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالشَّامِ
«قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي» يَعْنِي النَّبِيَّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً مِنَ الْبَشَرِ لَا مَلَكًا حَتَّى أَصْعَدَ السَّمَاءَ رَسُولًا مَأْمُورًا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِبْلَاغِكُمْ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ أَيُّهَا الْمُقْتَرِحُونَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّ بَشَرًا قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا؟ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنِّي أَطْلُبُ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى يُظْهِرَهَا عَلَى يَدَيَّ، فَالرَّسُولُ إِذَا أَتَى بِمُعْجِزَةٍ وَاحِدَةٍ كَفَاهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ بِهَا يَتَبَيَّنُ صِدْقُهُ، وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى طَلَبِ الزِّيَادَةِ، وَأَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ لَيْسَ لِي أَنْ أَتَحَكَّمَ عَلَى رَبِّي بِمَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، وَلَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَلَوْ لَزِمَتْنِي الْإِجَابَةُ لِكُلِّ مُتَعَنِّتٍ لَاقْتَرَحَ كُلُّ مُعَانِدٍ فِي كُلِّ وَقْتِ اقْتِرَاحَاتٍ، وَطَلَبَ لِنَفْسِهِ إِظْهَارَ آيَاتٍ، فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَتَنَزَّهَ عَنْ تَعَنُّتَاتِهِمْ، وَتَقَدَّسَ عَنِ اقْتِرَاحَاتِهِمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَيُرْفَعُ، قِيلَ: كَيْفَ يُرْفَعُ وَقَدْ أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا وَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْمَصَاحِفِ؟ قَالَ: يُسْرَى عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُتْرَكُ مِنْهُ آيَةٌ فِي قَلْبٍ وَلَا مُصْحَفٍ إِلَّا رُفِعَتْ، فَتُصْبِحُونَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ قَرَأَ: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا مِنْ طُرُقٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَحْوَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
«أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمود بن سيحان ونعيمان بن أحي «٢» وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَسَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا يَا مُحَمَّدُ بِهَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ أَحَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّا لَا نَرَاهُ مُتَنَاسِقًا كَمَا تَنَاسَقُ التَّوْرَاةُ؟
فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ إنكم لتعرفونه أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالُوا: إِنَّا نَجِيئُكَ بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» الْآيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عبد الدار وأبا البختري أخا بني أسيد والأسود ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَأُمِّيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَالْعَاصِ بْنَ وَائِلٍ وَنُبَيْهًا وَمُنَبِّهًا ابْنَيِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّيْنِ اجْتَمَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ وَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ، وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ وَتَعَنَّتُوهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ قَوْلِهِ: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ إِلَى قَوْلِهِ: بَشَراً رَسُولًا. وإسناده عند
307
والاستثناء بقوله :﴿ إِلاَّ رَحْمَةً من رَبّكَ ﴾ إن كان متصلاً فمعناه : إلاّ أن يرحمك ربك فلا نذهب به، وإن كان منقطعاً فمعناه : لكن لا يشأ ذلك رحمة من ربك، أو لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ﴿ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴾ حيث جعلك رسولاً وأنزل عليك الكتاب وصيرك سيد ولد آدم، وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك مما أنعم به عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال :﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذا القرآن ﴾ المنزل من عند الله الموصوف بالصفات الجليلة من كمال البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ ﴿ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ أظهر في مقام الإضمار، ولم يكتف بأن يقول : لا يأتون به على أن الضمير راجع إلى المثل المذكور، لدفع توهم أن يكون له مثل معين، وللإشعار بأن المراد نفي المثل على أي صفة كان، وهو جواب قسم محذوف كما تدل عليه اللام الموطئة، وسادّ مسدّ جواب الشرط، ثم أوضح سبحانه عجزهم عن المعارضة سواء كان المتصدي لها كل واحد منهم على الانفراد، أو كان المتصدر بها المجموع بالمظاهرة فقال :﴿ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ أي : عوناً ونصيراً، وجواب لو محذوف، والتقدير : ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لا يأتون بمثله، فثبت أنهم لا يأتون بمثله على كل حال، وقد تقدّم وجه إعجاز القرآن في أوائل سورة البقرة. وفي هذه الآية ردّ لما قاله الكفار :﴿ لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا ﴾ [ الأنفال : ٣١ ]، وإكذاب لهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
ثم بين سبحانه أن الكفار مع عجزهم عن المعارضة استمروا على كفرهم وعدم إيمانهم فقال :﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلّ مَثَلٍ ﴾ أي : رددنا القول فيه بكلّ مثل يوجب الاعتبار من الآيات والعبر والترغيب والترهيب والأوامر والنواهي وأقاصيص الأوّلين والجنة والنار والقيامة ﴿ فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا ﴾ يعني : من أهل مكة، فإنهم جحدوا وأنكروا كون القرآن كلام الله بعد قيام الحجة عليهم، واقترحوا من الآيات ما ليس لهم، وأظهر في مقام الإضمار حيث قال :﴿ فأبى أكثر الناس ﴾ توكيداً أو توضيحاً، ولما كان ﴿ أبى ﴾ مؤولاً بالنفي، أي : ما قبل، أو لم يرض، صح الاستثناء منه قوله :﴿ إِلاَّ كُفُورًا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
﴿ وَقَالُوا لَن نؤْمِنَ لَكَ ﴾ أي قال رؤساء مكة كعتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي سفيان والنضر بن [ الحارث ]، ثم علقوا نفي إيمانهم بغاية طلبوها فقالوا :﴿ حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ﴾. قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم ﴿ حتى تفجر ﴾ مخففاً، مثل : تقتل. وقرأ الباقون بالتشديد، ولم يختلفوا في ﴿ فتفجر الأنهار ﴾ أنها مشدّدة، ووجه ذلك أبو حاتم بأن الأولى بعدها ينبوع وهو واحد، والثانية بعدها الأنهار وهي جمع. و[ أجيب ] عنه : بأن الينبوع وإن كان واحداً في اللفظ فالمراد به الجمع، فإن الينبوع العيون التي لا تنضب. ويردّ بأن الينبوع : عين الماء، والجمع : الينابيع، وإنما يقال للعين ينبوع إذا كانت غزيرة من شأنها النبوع من غير انقطاع، والياء زائدة كيعبوب، من عبّ الماء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ أي : بستان تستر أشجاره أرضه. والمعنى : هب أنك لا تفجر الأنهار لأجلنا ففجرها من أجلك بأن تكون لك جنة ﴿ مّن نخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنهار ﴾ أي : تجريها بقوة ﴿ خلالها تَفْجِيرًا ﴾ أي : وسطها تفجيراً كثيراً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
﴿ أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ قرأ مجاهد ( أو تسقط ) مسنداً إلى السماء. وقرأ من عداه ( أو تسقط ) على الخطاب، أي : أو تسقط أنت يا محمد السماء. والكسف بفتح السين جمع كسفة. وهي قراءة نافع وابن عامر، وعاصم، والكسفة : القطعة. وقرأ الباقون «كسفاً » بإسكان السين. قال الأخفش : من قرأ بإسكان السين جعله واحداً ومن قرأ بفتحها جعله جمعاً. قال المهدوي : ويجوز أن يكون على قراءة الكون جمع كسفة، ويجوز أن يكون مصدراً. قال الجوهري : الكسفة القطعة من الشيء، يقال : أعطني كسفة من ثوبك، والجمع كِسْفٌ وكِسَفٌ، ويقال : الكسف والكسفة واحد، وانتصاب ﴿ كسفاً ﴾ على الحال، والكاف في ﴿ كما زعمت ﴾ في محل نصب على أنه صفة مصدر محذوف، أي : إسقاطاً ممائلاً لما زعمت، يعنون بذلك قول الله سبحانه ﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً منَ السماء ﴾ [ سبأ : ٩ ]. قال أبو علي : الكسف بالسكون : الشيء المقطوع، كالطحن للمطحون، واشتقاقه على ما قال أبو زيد من كسفت الثوب كسفاً : إذا قطعته. وقال الزجاج : من كسفت الشيء، إذا غطيته، كأنه قيل : أو تسقطها طبقاً علينا ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً ﴾.
اختلف المفسرون في معنى ﴿ قَبِيلاً ﴾ فقيل : معناه : معاينة، قاله قتادة وابن جريج، واختاره أبو علي الفارسي فقال : إذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدراً كالنكير والنذير. وقيل : معناه : كفيلاً، قاله الضحاك، وقيل : شهيداً، قاله مقاتل، وقيل هو جمع القبيلة، أي : تأتي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة، قاله مجاهد وعطاء، وقيل : ضمناً، وقيل : مقابلاً كالعشير والمعاشر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
﴿ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ من زُخْرُفٍ ﴾ أي : من ذهب، وبه قرأ ابن مسعود، وأصله : الزينة، والمزخرف : المزين، وزخارف الماء : طرائقه، وقال الزجاج : هو الزينة، فرجع إلى الأصل معنى الزخرف، وهو بعيد ؛ لأنه يصير المعنى : أو يكون لك بيت من زينة ﴿ أَوْ ترقى فِي السماء ﴾ أي : تصعد في معارجها يقال : رقيت في السلم : إذا صعدت وارتقيت.
مثله ﴿ وَلَن نؤْمِنَ لِرُقِيّكَ ﴾ أي : لأجل رقيك، وهو مصدر نحو : مضى يمضي مضياً، وهوى يهوي هوياً ﴿ حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ أي : حتى تنزل علينا من السماء كتاباً يصدقك ويدل على نبوّتك نقرؤه جميعاً، أو يقرؤه كل واحد منا، وقيل : معناه : كتاباً من الله إلى كل واحد منا كما في قوله :﴿ بَلْ يُرِيدُ كُل امرئ منْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ﴾ [ المدثر : ٥٢ ] فأمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بما يفيد التعجب من قولهم، والتنزيه للربّ سبحانه عن اقتراحاتهم القبيحة فقال :﴿ قُلْ سبحان رَبّي ﴾ أي : تنزيهاً لله عن أن يعجز عن شيء. وقرأ أهل مكة والشام ( قال سبحان ربي ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا ﴾ من البشر لا ملكاً حتى أصعد السماء ﴿ رَسُولاً ﴾ مأموراً من الله سبحانه بإبلاغكم، فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشراً قدر على شيء منها ؟ وإن أردتم أني أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يظهرها على يدي، فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفاه ذلك، لأن بها يتبين صدقه، ولا ضرورة إلى طلب الزيادة، وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على ربي بما ليس بضروري، ولا دعت إليه حاجة، ولو لزمتني الإجابة لكل متعنت لاقترح كل معاند في كل وقت اقتراحات، وطلب لنفسه إظهار آيات، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً، وتنزّه عن تعنتاتهم، وتقدّس عن اقتراحاتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف ؟ قال : يسري عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلاّ رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عدّي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفاً. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شيخان ونعيمان بن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة ؟ فقال لهم :( والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله )، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله ﴿ قُل لئِنِ اجتمعت الإنس والجن ﴾ )، الآية. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، وذكر حديثاً طويلاً يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه، وأن ذلك كان سبب نزول قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ بَشَرًا رسُولاً ﴾. وإسناده عند ابن جرير هكذا : حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره، ففيه هذا الرجل المجهول. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وَقَالُوا لَن نُؤْمِنَ لَكَ ﴾ قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أمية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ يَنْبُوعًا ﴾ قال : عيوناً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : الينبوع : هو النهر الذي يجري من العين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ يقول : ضيعة. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كسفاً ﴾ قال : قطعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ قَبِيلاً ﴾ قال : عياناً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ من زُخْرُفٍ ﴾ قال : من ذهب. وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وأبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أحسن ما الزخرف ؟ حتى سمعتها في قراءة عبد الله ( أو يكون لك بيت من ذهب ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ كِتَابًا نَقْرَأهُ ﴾ قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان. يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها.
ابْنِ جَرِيرٍ هَكَذَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَدِمَ مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ، فَفِيهِ هَذَا الرَّجُلُ الْمَجْهُولُ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: يَنْبُوعاً قَالَ: عُيُونًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْيَنْبُوعُ هُوَ النَّهْرُ الَّذِي يَجْرِي مِنَ الْعَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ يَقُولُ:
ضَيْعَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ كِسَفاً قَالَ: قِطَعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا: قَبِيلًا قَالَ:
عِيَانًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا: مِنْ زُخْرُفٍ قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ مَا الزُّخْرُفُ؟
حَتَّى سَمِعْتُهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: كِتاباً نَقْرَؤُهُ قَالَ: مِنْ رَبِّ العالمين إلى فلان بن فُلَانٍ. يُصْبِحُ عِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ صَحِيفَةٌ عِنْدَ رأسه موضوعة يقرؤها.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٤ الى ١٠٠]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠)
حَكَى سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ شُبْهَةً أُخْرَى، قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ التَّعَرُّضُ لِإِيرَادِهَا وَرَدِّهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَقَالَ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا الْمُرَادُ النَّاسُ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الْخُصُوصِ، أَيْ: ما منعهم الإيمان بالقرآن والنبوّة محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِمَنَعَ وَمَعْنَى إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أَنَّهُ جَاءَهُمُ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، وَهُوَ ظَرْفٌ لِمَنَعَ أَوْ يُؤْمِنُوا، أَيْ: مَا مَنَعَهُمْ وَقْتَ مَجِيءِ الْهُدَى أَنْ يُؤْمِنُوا بِالْقُرْآنِ وَالنُّبُوَّةِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَيْ: مَا مَنَعَهُمْ إِلَّا قَوْلُهُمْ، فَهُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ مَنَعَ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا لِلْإِنْكَارِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ بَشَرًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ الشَّامِلَ لَهُمْ، وَهُوَ إِنْكَارُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِنْ جِنْسِ الْبَشَرِ، هُوَ الَّذِي مَنَعَهُمْ عَنِ
308
الْإِيمَانِ بِالْكِتَابِ وَبِالرَّسُولِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا مُجَرَّدُ قَوْلٍ قَالُوهُ بِأَفْوَاهِهِمْ، ثم أمر رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ هَذِهِ، فَقَالَ: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ أَيْ: لَوْ وُجِدَ وَثَبَتَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ بَدَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ الْبَشَرِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ عَلَى الْأَقْدَامِ كَمَا يَمْشِي الْإِنْسُ مُطَمْئِنِّينَ مُسْتَقِرِّينَ فِيهَا سَاكِنِينَ بِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: مُطْمَئِنِّينَ: مُسْتَوْطِنِينَ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَى الطُّمَأْنِينَةِ السُّكُونُ، فَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَقَامُ وَالِاسْتِيطَانُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ سَكَنَ الْبَلَدَ فُلَانٌ إِذَا أَقَامَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا مُتَقَّلِبًا فِي حَاجَاتِهِ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا حَتَّى يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَفِيهِ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الرُّسُلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ اعْتَبَرَ فِي تَنْزِيلِ الرَّسُولِ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: كَوْنُ سُكَّانِ الْأَرْضِ مَلَائِكَةً. وَالثَّانِي: كَوْنُهُمْ مَاشِينَ عَلَى الْأَقْدَامِ غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى الطَّيَرَانِ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، إِذْ لَوْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ لَطَارُوا إِلَيْهَا، وَسَمِعُوا مِنْ أَهْلِهَا مَا يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ وَسَمَاعُهُ، فَلَا يَكُونُ فِي بَعْثَةِ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ فَائِدَةٌ. وَانْتِصَابُ بشرا وملكا على أنهما مفعولان للفعلين، ورسولا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَصْفٌ لَهُمَا. وَجَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ رَسُولًا فِيهِمَا وَقَوَّاهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْكَارَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّسُولِ الْمُتَّصِفِ بِالْبَشَرِيَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ، فَيَلْزَمُ بِحُكْمِ التَّقَابُلِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَتَمَ الْكَلَامَ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى التَّهْدِيدِ، فَقَالَ: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَيْ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ جِهَتِكَ كَفَى بِاللَّهِ وَحْدَهُ شَهِيدًا عَلَى إِبْلَاغِي إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ أُمُورِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ بَيْنَنَا، تَحْقِيقًا لِلْمُفَارَقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَقِيلَ: إِنَّ إِظْهَارَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى وَفْقِ دَعْوَى النَّبِيِّ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى الصِّدْقِ، ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَهُ سُبْحَانَهُ شَهِيدًا كَافِيًا بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً أَيْ: عَالِمًا بِجَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ مُحِيطًا بِظَوَاهِرِهَا وَبَوَاطِنِهَا بَصِيرًا بِمَا كَانَ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مُسْتَنِدَانِ إِلَى مَشِيئَتِهِ فَقَالَ:
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ أَيْ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ هِدَايَتَهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي إِلَى الْحَقِّ أَوْ إِلَى كُلِّ مَطْلُوبٍ وَمَنْ يُضْلِلْ أَيْ: يُرِدْ إِضْلَالَهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِهِ يَعْنِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيَهْدُونَهُمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي أَضَلَّهُمُ اللَّهُ عَنْهُ أو إلى طريق النجاة، وقوله: فَهُوَ الْمُهْتَدِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَقَوْلُهُ:
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: فَلَنْ تَجِدَ إِمَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ هَذَا الْحَشْرُ عَلَى الْوُجُوهِ فِيهِ وَجْهَانِ لِلْمُفَسِّرِينَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِسْرَاعِ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: قَدْ مَرَّ الْقَوْمُ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِذَا أَسْرَعُوا. الثَّانِي: أَنَّهُمْ يُسْحَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ حَقِيقَةً كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّنْيَا بِمَنْ يُبَالَغُ فِي إِهَانَتِهِ وَتَعْذِيبِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ
«١»، وَلِمَا صَحَّ فِي السُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَحَلُّ عَلَى وُجُوهِهِمْ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ المفعول وعُمْياً مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ وَبُكْماً وَصُمًّا مَعْطُوفَانِ عَلَيْهِ، وَالْأَبْكَمُ:
الَّذِي لَا يَنْطِقُ، وَالْأَصَمُّ: الَّذِي لَا يَسْمَعُ، وَهَذِهِ هَيْئَةٌ يُبْعَثُونَ عَلَيْهَا فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، وَأَشْنَعِ مَنْظَرٍ، قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ بَيْنَ عَمَى الْبَصَرِ وَعَدَمِ النُّطْقِ وَعَدَمِ السَّمْعِ مَعَ كَوْنِهِمْ مَسْحُوبِينَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، ثُمَّ مِنْ وراء ذلك
309
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أَيْ: الْمَكَانُ الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً أَيْ: كُلَّمَا سَكَنَ لَهَبُهَا، يُقَالُ: خَبَتِ النَّارُ تَخْبُو خَبْوًا: إِذَا خَمَدَتْ وَسَكَنَ لَهَبُهَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَمَعْنَى زِدْناهُمْ سَعِيراً تَسَعُّرًا، وَهُوَ التَّلَهُّبُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ فِي خَبْوِ النَّارِ تَخْفِيفًا لِعَذَابِ أَهْلِهَا، فَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ
«١» ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّخْفِيفِ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ زَمَانٌ مَحْسُوسٌ بَيْنَ الْخَبْوِ وَالتَّسَعُّرِ وَقِيلَ: إِنَّهَا تَخْبُو مِنْ غَيْرِ تَخْفِيفٍ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ذلِكَ أَيْ: الْعَذَابُ جَزاؤُهُمْ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ وَاسْتَحَقُّوهُ عِنْدَهُ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِهَا فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِالْآيَاتِ التَّنْزِيلِيَّةِ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الْآيَاتِ التَّكْوِينِيَّةِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جزاؤهم، وبأنهم كَفَرُوا خَبَرٌ آخَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُمْ مُبْتَدَأً ثَانِيًا، وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ المبتدأ الأوّل وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً الْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تفسير الآية في هذه السورة، وخلقا في قوله: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ أَوْ حَالٌ، أَيْ: مَخْلُوقِينَ. فَجَاءَ سُبْحَانَهُ بِحُجَّةٍ تَدْفَعُهُمْ عَنِ الْإِنْكَارِ وَتَرُدُّهُمْ عَنِ الْجُحُودِ. فَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أَيْ: مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ هَذَا، فَهُوَ عَلَى إِعَادَةِ مَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ أَقْدَرُ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِفْنَائِهِمْ وَإِيجَادِ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْخَلْقُ بِمَعْنَى الْإِعَادَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَجُمْلَةُ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ عطف على أو لم يَرَوْا، وَالْمَعْنَى: قَدْ عَلِمُوا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَنَّ من قدر على خلق السموات وَالْأَرْضِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ أَمْثَالِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَشَدِّ خَلْقًا مِنْهُنَّ كَمَا قَالَ: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ
«٢». وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوِ الْقِيَامَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: أو لم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً أَيْ: أَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا جُحُودًا، وَفِيهِ وُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ طَلَبُ إِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ فِي أَرَاضِيهِمْ لِتَتَّسِعَ مَعَايِشُهُمْ، بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَا يَقْنَعُونَ، بَلْ يَبْقُونَ عَلَى بُخْلِهِمْ وَشُحِّهِمْ، فَقَالَ: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي أَنْتُمْ مُرْتَفَعٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، أَيْ: لَوْ تَمْلِكُونَ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ، عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُنْفَصِلَ مُبْدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ وَهُوَ الْوَاوُ، وَخَزَائِنُ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ: هِيَ خَزَائِنُ الْأَرْزَاقِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَهَمُ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوا خَزَائِنَ الْأَرْزَاقِ لَأَمْسَكُوا شُحًّا وَبُخْلًا، وَهُوَ خَشْيَةُ الْإِنْفَاقِ، أَيْ: خَشْيَةُ أَنْ يُنْفِقُوا فَيَفْتَقِرُوا، وَفِي حَذْفِ الْفِعْلِ الَّذِي ارْتَفَعَ بِهِ أَنْتُمْ، وَإِيرَادِ الْكَلَامِ فِي صُورَةِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالشُّحِّ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَنْفَقَ وَأَصْرَمَ وَأَعْدَمَ وَأَقْتَرَ بِمَعْنَى قَلَّ مَالُهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ قَلِّ الْمَالِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أَيْ: بَخِيلًا مُضَيِّقًا عَلَيْهِ. يُقَالُ: قَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ يَقْتُرُ وَيُقَتِّرُ قَتْرًا وَقُتُورًا: ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أَيْ: قَلِيلَ الْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي وصفه بالشحّ، لأن الإنسان ليس
310
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عن شبهتهم هذه فقال :﴿ قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ ﴾ أي : لو وجد وثبت أن في الأرض بدل من فيها من البشر، ملائكة يمشون على الأقدام كما يمشي الإنس مطمئنين مستقرين فيها ساكنين بها. قال الزجاج :﴿ مطمئنين ﴾ : مستوطنين في الأرض، ومعنى الطمأنينة : السكون، فالمراد ها هنا : المقام والاستيطان، فإنه يقال : سكن البلد فلان : إذا أقام فيها وإن كان ماشياً متقلباً في حاجاته ﴿ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً ﴾ حتى يكون من جنسهم، وفيه إعلام من الله سبحانه بأن الرسل ينبغي أن تكون من جنس المرسل إليهم، فكأنه سبحانه اعتبر في تنزيل الرسول من جنس الملائكة أمرين : الأوّل : كون سكان الأرض ملائكة، والثاني : كونهم ماشين على الأقدام غير قادرين على الطيران بأجنحتهم إلى السماء، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لطاروا إليها، وسمعوا من أهلها ما يجب معرفته وسماعه فلا يكون في بعثة الملائكة إليهم فائدة. وانتصاب ﴿ بشراً ﴾ و﴿ ملكاً ﴾ على أنهما مفعولان للفعلين، و﴿ رسولاً ﴾ في الموضعين وصف لهما. وجوّز صاحب الكشاف أن يكونا حالين في الموضعين من ﴿ رسولاً ﴾ فيهما وقوّاه صاحب الكشاف، ولعل وجه ذلك أن الإنكار يتوجه إلى الرسول المتصف بالبشرية في الموضع الأوّل، فيلزم بحكم التقابل أن يكون الآخر كذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال ( قيل يا رسول الله : كيف يحشر الناس على وجوههم قال :
( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) وأخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف على وجوههم )، ثم ذكر نحو حديث أنس. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله :﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ قال : يعني : أنهم وقودها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه في قوله :﴿ كُلمَا خَبَتْ ﴾ قال : سكنت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في الآية قال : كلما أحرقهم سعرتهم حطباً، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمراً تتوهج فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقاً جديداً عاودتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله :﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ قال : الرزق. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله :﴿ إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : إذا ما أطعمتم أحداً شيئاً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : الفقر ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : خشية الفاقة ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً ممسكاً.
ثم ختم الكلام بما يجري مجرى التهديد، فقال :﴿ قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي قل لهم يا محمد من جهتك : كفى بالله وحده شهيداً على إبلاغي إليكم ما أمرني به من أمور الرسالة، وقال :﴿ بيني وبينكم ﴾ ولم يقل : بيننا ؛ تحقيقاً للمفارقة الكلية، وقيل : إن إظهار المعجزة على وفق دعوى النبيّ شهادة من الله له على الصدق، ثم علّل كونه سبحانه شهيداً كافياً بقوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ أي : عالماً بجميع أحوالهم محيطاً بظواهرها وبواطنها بصيراً بما كان منها وما يكون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال ( قيل يا رسول الله : كيف يحشر الناس على وجوههم قال :
( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) وأخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف على وجوههم )، ثم ذكر نحو حديث أنس. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله :﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ قال : يعني : أنهم وقودها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه في قوله :﴿ كُلمَا خَبَتْ ﴾ قال : سكنت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في الآية قال : كلما أحرقهم سعرتهم حطباً، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمراً تتوهج فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقاً جديداً عاودتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله :﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ قال : الرزق. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله :﴿ إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : إذا ما أطعمتم أحداً شيئاً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : الفقر ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : خشية الفاقة ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً ممسكاً.
ثم بيّن سبحانه أن الإقرار والإنكار مستندان إلى مشيئته فقال :﴿ وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي ﴾ أي : من يرد الله هدايته فهو المهتدي إلى الحق أو إلى كل مطلوب ﴿ وَمَن يُضْلِلِ ﴾ أي : يرد إضلاله ﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء ﴾ ينصرونهم ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ يعني : الله سبحانه، ويهدونهم إلى الحق الذي أضلهم الله عنه أو إلى طريق النجاة، وقوله :﴿ فَهُوَ المهتدي ﴾ حملاً على لفظ «من »، وقوله :﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ ﴾ حملاً على المعنى، والخطاب في قوله :﴿ فَلَن تَجِدَ ﴾ إما للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ ﴾ هذا الحشر على الوجوه فيه وجهان للمفسرين : الأوّل : أنه عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم، من قول العرب : قد مرّ القوم على وجوههم : إذا أسرعوا. الثاني : أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم حقيقة كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه، وهذا هو الصحيح، لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ ﴾ [ القمر : ٤٨ ]. ولما صح في السنة كما سيأتي، ومحل ﴿ على وجوههم ﴾ النصب على الحال من ضمير المفعول. و﴿ عُمْيًا ﴾ منتصب على الحال ﴿ وَبُكْمًا وَصُمّا ﴾ معطوفان عليه، والأبكم : الذي لا ينطق، والأصمّ : الذي لا يسمع، وهذه هيئة يبعثون عليها في أقبح صورة، وأشنع منظر، قد جمع الله لهم بين عمى البصر وعدم النطق وعدم السمع مع كونهم مسحوبين على وجوههم، ثم من وراء ذلك ﴿ مأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي : المكان الذي يأوون إليه، والجملة في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة لا محل لها ﴿ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ أي : كلما سكن لهبها، يقال : خبت النار تخبو خبواً : إذا خمدت وسكن لهبها. قال ابن قتيبة : ومعنى ﴿ زدناهم سعيراً ﴾ : تسعراً، وهو التلهب. وقد قيل : إن في خبوّ النار تخفيفاً لعذاب أهلها، فكيف يجمع بينه وبين قوله :﴿ لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب ﴾ [ البقرة : ١٦٢ ] ؟ وأجيب بأن المراد بعدم التخفيف : أنه لا يتخلل زمان محسوس بين الخبوّ والتسعر، وقيل : إنها تخبو من غير تخفيف عنهم من عذابها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال ( قيل يا رسول الله : كيف يحشر الناس على وجوههم قال :
( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) وأخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف على وجوههم )، ثم ذكر نحو حديث أنس. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله :﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ قال : يعني : أنهم وقودها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه في قوله :﴿ كُلمَا خَبَتْ ﴾ قال : سكنت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في الآية قال : كلما أحرقهم سعرتهم حطباً، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمراً تتوهج فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقاً جديداً عاودتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله :﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ قال : الرزق. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله :﴿ إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : إذا ما أطعمتم أحداً شيئاً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : الفقر ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : خشية الفاقة ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً ممسكاً.
﴿ ذلك ﴾ أي : العذاب ﴿ جَزَاؤُهُمْ ﴾ الذي أوجبه الله لهم واستحقوه عنده، والباء في قوله :﴿ بأنهم كفروا بآياتنا ﴾ للسببية أي : بسبب كفرهم بها فلم يصدّقوا بالآيات التنزيلية، ولا تفكّروا في الآيات التكوينية، واسم الإشارة مبتدأ وخبره ﴿ جزاؤهم ﴾، و﴿ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا ﴾ خبر آخر، ويجوز أن يكون ﴿ جزاؤهم ﴾ مبتدأً ثانياً، وخبره ما بعده، والجملة خبر المبتدأ الأوّل. ﴿ وَقَالُوا أَئذَا كُنَّا عظاما ورفاتا ﴾ الهمزة للإنكار، وقد تقدم تفسير الآية في هذه السورة، و﴿ خلقاً ﴾ في قوله :﴿ أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾ مصدر من غير لفظه أو حال أي : مخلوقين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال ( قيل يا رسول الله : كيف يحشر الناس على وجوههم قال :
( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) وأخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف على وجوههم )، ثم ذكر نحو حديث أنس. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله :﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ قال : يعني : أنهم وقودها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه في قوله :﴿ كُلمَا خَبَتْ ﴾ قال : سكنت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في الآية قال : كلما أحرقهم سعرتهم حطباً، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمراً تتوهج فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقاً جديداً عاودتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله :﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ قال : الرزق. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله :﴿ إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : إذا ما أطعمتم أحداً شيئاً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : الفقر ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : خشية الفاقة ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً ممسكاً.
فجاء سبحانه بحجة تدفعهم عن الإنكار وتردّهم عن الجحود، فقال :﴿ أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض *قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾ أي : من هو قادر على خلق هذا، فهو على إعادة ما هو أدون منه أقدر، وقيل : المراد أنه قادر على إفنائهم وإيجاد غيرهم، وعلى القول الأوّل يكون الخلق بمعنى الإعادة، وعلى هذا القول هو على حقيقته، وجملة :﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ عطف على ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾، والمعنى : قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السماوات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم، لأنهم ليسوا بأشدّ خلقاً منهنّ كما قال :﴿ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السماء ﴾ [ النازعات : ٢٧ ]. ﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ وهو الموت أو القيامة، ويحتمل أن تكون الواو للاستئناف، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير، أي : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم ﴿ فأبى الظالمون إَلاَّ كُفُورًا ﴾ أي : أبى المشركون إلاّ جحوداً، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر للحكم عليهم بالظلم ومجاوزة الحدّ. ثم لما وقع من هؤلاء الكفار طلب إجراء الأنهار والعيون في أراضيهم لتتسع معايشهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال ( قيل يا رسول الله : كيف يحشر الناس على وجوههم قال :
( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) وأخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف على وجوههم )، ثم ذكر نحو حديث أنس. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله :﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ قال : يعني : أنهم وقودها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه في قوله :﴿ كُلمَا خَبَتْ ﴾ قال : سكنت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في الآية قال : كلما أحرقهم سعرتهم حطباً، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمراً تتوهج فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقاً جديداً عاودتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله :﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ قال : الرزق. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله :﴿ إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : إذا ما أطعمتم أحداً شيئاً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : الفقر ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : خشية الفاقة ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً ممسكاً.
بيّن الله سبحانه أنهم لا يقنعون، بل يبقون على بخلهم وشحهم فقال :﴿ قُل لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ :﴿ أنتم ﴾ مرتفع على أنه فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده، أي : لو تملكون أنتم تملكون على أن الضمير المنفصل مبدل من الضمير المتصل وهو الواو، وخزائن رحمته سبحانه : هي خزائن الأرزاق. قال الزجاج : أعلمهم الله أنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لأمسكوا شحاً وبخلاً، وهو خشية الإنفاق، أي : خشية أن ينفقوا فيفتقروا، وفي حذف الفعل الذي ارتفع به أنتم، وإيراد الكلام في صورة المبتدأ والخبر دلالة على أنهم هم المختصون بالشحّ. قال أهل اللغة : أنفق وأصرم وأعدم وأقتر بمعنى : قلّ ماله، فيكون المعنى : لأمسكتم خشية قلّ المال ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ أي : بخيلاً مضيقاً عليه. يقال : قتر على عياله يقتر ويقتر قتراً وقتوراً : ضيق عليهم في النفقة، ويجوز أن يراد : وكان الإنسان قتوراً أي : قليل المال، والظاهر : أن المراد : المبالغة في وصفه بالشح، لأن الإنسان ليس بقليل المال على العموم. بل بعضهم كثير المال، إلاّ أن يراد أن جميع النوع الإنساني قليل المال بالنسبة إلى خزائن الله وما عنده. وقد اختلف في هذه الآية على قولين : أحدهما أنها نزلت في المشركين خاصة، وبه قال الحسن، والثاني : أنها عامة وهو قول الجمهور، حكاه الماوردي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال ( قيل يا رسول الله : كيف يحشر الناس على وجوههم قال :
( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) وأخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة، وصنف ركباناً، وصنف على وجوههم )، ثم ذكر نحو حديث أنس. وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله :﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ قال : يعني : أنهم وقودها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه في قوله :﴿ كُلمَا خَبَتْ ﴾ قال : سكنت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في الآية قال : كلما أحرقهم سعرتهم حطباً، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمراً تتوهج فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقاً جديداً عاودتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله :﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّي ﴾ قال : الرزق. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله :﴿ إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : إذا ما أطعمتم أحداً شيئاً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : الفقر ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ قال : خشية الفاقة ﴿ وَكَانَ الإنسان قَتُورًا ﴾ قال : بخيلاً ممسكاً.
بِقَلِيلِ الْمَالِ عَلَى الْعُمُومِ. بَلْ بَعْضُهُمْ كَثِيرُ الْمَالِ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ جَمِيعَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ قَلِيلُ الْمَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خَزَائِنِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا عَامَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
«قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ». وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مُشَاةً، وَصِنْفٌ رُكْبَانًا، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ قَالَ:
يَعْنِي أَنَّهُمْ وَقُودُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
كُلَّما خَبَتْ قَالَ: سَكَنَتْ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: كُلَّمَا أَحْرَقَتْهُمْ سَعَرَتْهُمْ حَطَبًا، فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْءٌ صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّجُ فَذَلِكَ خَبْوُهَا، فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي قَالَ: الرِّزْقُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ:
إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ قَالَ: إِذًا مَا أَطْعَمْتُمْ أَحَدًا شَيْئًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ قَالَ: الْفَقْرُ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً قَالَ: بَخِيلًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ قَالَ: خَشْيَةَ الْفَاقَةِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً قال:
بخيلا ممسكا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٩]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥)
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)
قَوْلُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ أَيْ: عَلَامَاتٍ دَالَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ. قِيلَ: وَوَجْهُ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ الْمَذْكُورَةَ كَأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِتِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، بَلْ أَقْوَى مِنْهَا، فَلَيْسَ عَدَمُ الِاسْتِجَابَةِ لِمَا طَلَبُوهُ مِنَ الْآيَاتِ إِلَّا لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْآيَاتُ التِّسْعُ: هِيَ الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالسِّنِينَ، وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ. وَجَعَلَ الْحَسَنُ مَكَانَ السِّنِينَ وَنَقْصِ الثَّمَرَاتِ: الْبَحْرَ وَالْجَبَلَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: هِيَ
311
الْخَمْسُ الَّتِي فِي الْأَعْرَافِ، وَالْبَحْرُ، وَالْعَصَا، وَالْحَجَرُ، وَالطَّمْسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ مُسْتَوْفًى، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عسال في تعداد هذه الآيات التسع. فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ نَهِيكٍ
«فسئل» عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ: سَأَلَ مُوسَى فِرْعَوْنَ أَنْ يُخَلِّيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُطْلِقَ سَبِيلَهُمْ وَيُرْسِلَهُمْ مَعَهُ، وقرأ الآخرون فَسْئَلْ عَلَى الْأَمْرِ، أَيْ: سَلْهُمْ يَا مُحَمَّدُ حِينَ جاءَهُمْ مُوسَى، وَالسُّؤَالُ سُؤَالُ اسْتِشْهَادٍ لِمَزِيدِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْإِيقَانِ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إِذَا تَضَافَرَتْ كَانَ ذَلِكَ أقوى، والمسؤولون مُؤْمِنُو بَنِي إِسْرَائِيلَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وأصحابه فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى مَسْحُوراً الْفَاءُ هِيَ الْفَصِيحَةُ، أَيْ فَأَظْهَرَ مُوسَى عِنْدَ فِرْعَوْنَ مَا آتَيْنَاهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَبَلَّغَهُ مَا أُرْسِلَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ.
المسحور: الَّذِي سُحِرَ فَخُولِطَ عَقْلُهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ: هُوَ بِمَعْنَى السَّاحِرِ، فَوُضِعَ الْمَفْعُولُ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ، فَ قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ يَعْنِي الْآيَاتِ الَّتِي أَظْهَرَهَا، وَأَنْزَلَ بِمَعْنَى أَوْجَدَ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ أَيْ: دَلَالَاتٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَانْتِصَابُ بَصَائِرَ عَلَى الْحَالِ.
قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ عَلِمْتَ عَلَى أَنَّهَا لِمُوسَى، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا عَلَى الْخِطَابِ لِفِرْعَوْنَ. وَوَجْهُ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلِمَهُ مُوسَى. وَوَجْهُ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا
«١» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَنَا فَتْحُ التَّاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ مُوسَى لَا يَقُولُ عَلِمْتُ أَنَا وَهُوَ الدَّاعِي، وَرُوِيَ نَحْوُ هذا عن الزجاج وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَالثُّبُورُ: الْهَلَاكُ وَالْخُسْرَانُ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَرَأَتْ قَضَاعَةُ فِي الْأَيَا | مِنْ رَأْيٍ مَثْبُورٍ وَثَابِرِ |
أَيْ: مَخْسُورٍ وَخَاسِرٍ، وَقِيلَ: الْمَثْبُورُ: الْمَلْعُونُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
«٢» :
يَا قومنا لا تروموا حربنا سَفِهًا | إِنَّ السَّفَاهَ وَإِنَّ الْبَغْيَ مَثْبُورُ |
أَيْ: ملعون، وقيل: الْمَثْبُورُ: نَاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْخَيْرِ، يُقَالُ: مَا ثَبَرَكَ عَنْ كَذَا مَا مَنَعَكَ مِنْهُ، حَكَاهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: الْمَسْحُورُ فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أَيْ: أَرَادَ فِرْعَوْنُ أَنْ يُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُوسَى وَيُزْعِجَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، يَعْنِي أَرْضَ مِصْرَ بِإِبْعَادِهِمْ عَنْهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَعَلَى هَذَا يُرَادُ بِالْأَرْضِ مُطْلَقُ الْأَرْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا مَعْنَى الِاسْتِفْزَازِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً فَوَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الْهَلَاكُ بِالْغَرَقِ، وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِغْرَاقِهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ هُنَا: أَرْضُ مِصْرَ الَّتِي أَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْهَا فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أَيْ: الدَّارِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْقِيَامَةُ، أَوِ الْكَرَّةِ الْآخِرَةِ، أَوِ السَّاعَةِ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
اللَّفِيفُ مَا اجْتَمَعَ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، يُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ بِلَفِّهِمْ وَلَفِيفِهِمْ، أي: بأخلاطهم، فالمراد هنا
312
جِئْنَا بِكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ مُخْتَلِطِينَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ، قَدِ اخْتَلَطَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اللَّفِيفُ جَمْعٌ وَلَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِثْلُ الْجَمْعِ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَمَعْنَى بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أَوْحَيْنَاهُ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ وَمَعْنَى وَبِالْحَقِّ نَزَلَ أَنَّهُ نَزَلَ وَفِيهِ الحق، وقيل: الباء في
«وَبِالْحَقِّ» الْأَوَّلُ بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ: مَعَ الْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ، كَقَوْلِهِمْ: رَكِبَ الْأَمِيرُ بِسَيْفِهِ، أَيْ: مَعَ سَيْفِهِ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ أَيْ:
بِمُحَمَّدٍ كَمَا تَقُولُ نَزَلْتُ بِزَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْبَاءُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى مَعَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى:
وَبِالْحَقِّ قَدَّرْنَا أَنْ يَنْزِلَ وَكَذَلِكَ نَزَلَ، أَوْ مَا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا مُحْفُوظًا، وَمَا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا مَحْفُوظًا من تخليط الشياطين، والتقديم في الموضعين للتخصص وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً أَيْ: مُبَشِّرًا لِمَنْ أَطَاعَ بِالْجَنَّةِ وَنَذِيرًا مُخَوِّفًا لِمَنْ عَصَى بِالنَّارِ وَقُرْآناً فَرَقْناهُ انْتِصَابُ قُرْآنًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، قَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالشَّعْبِيُّ فَرَقْناهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ:
أَنْزَلْنَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَا جُمْلَةً وَاحِدَةً. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَرَقْنَاهُ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: بَيَّنَّاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ، وَفَرَقْنَا فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فَرَقَهُ فِي التَّنْزِيلِ لِيَفْهَمَهُ النَّاسُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّخْفِيفُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بَيَّنَّاهُ، وَلَيْسَ لِلتَّشْدِيدِ مَعْنًى إِلَّا أَنَّهُ نَزَلَ مُتَفَرِّقًا. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
فَرَقْتُ مُخَفَّفًا بَيْنَ الْكَلَامِ، وَفَرَّقْتُ مُشَدَّدًا بَيْنَ الْأَجْسَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْعِلَّةَ لِقَوْلِهِ: فَرَقْنَاهُ، فَقَالَ: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ أَيْ: عَلَى تَطَاوُلٍ فِي الْمُدَّةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، أَوْ أَنْزَلْنَاهُ آيَةً آيَةً، وَسُورَةً سُورَةً. وَمَعْنَاهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مُكْثٍ، أَيْ: عَلَى تَرَسُّلٍ وَتَمَهُّلٍ فِي التِّلَاوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الْفَهْمِ وَأَسْهَلُ لِلْحِفْظِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى ضَمِّ الْمِيمِ فِي مُكْثٍ إِلَّا ابْنَ مُحَيْصِنٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنْزَلْنَاهُ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ أَخَذُوا بِجَمِيعِ الْفَرَائِضِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَنَفَرُوا وَلَمْ يَطِيقُوا قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِلْكَافِرِينَ الْمُقْتَرِحِينَ لِلْآيَاتِ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا، فَسَوَاءٌ إِيمَانُكُمْ بِهِ وَامْتِنَاعُكُمْ عَنْهُ لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ وَلَا يُنْقِصُهُ. وَفِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَاحْتِقَارِهِمْ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ أَيْ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ قَرَءُوا الْكُتُبَ السَّابِقَةَ قَبْلَ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ، وَعَرَفُوا حَقِيقَةَ الْوَحْيِ وَأَمَارَاتِ النبوّة كزيد ابن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ أَيِ: الْقُرْآنُ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً أَيْ: يَسْقُطُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ سَاجِدِينَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْخُرُورَ، وَهُوَ السُّقُوطُ بِكَوْنِهِ لِلْأَذْقَانِ، أَيْ: عَلَيْهَا، لِأَنَّ الذَّقَنَ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، أَوَّلُ مَا يُحَاذِي الْأَرْضَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لِأَنَّ الذَّقَنَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَكَمَا يَبْتَدِئُ الْإِنْسَانُ بِالْخُرُورِ لِلسُّجُودِ، فَأَوَّلُ مَا يُحَاذِي الْأَرْضَ بِهِ مِنْ وَجْهِهِ الذَّقَنُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَعْفِيرُ اللِّحْيَةِ فِي التُّرَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الْخُضُوعِ، وَإِيثَارُ اللَّامِ فِي الْأَذْقَانِ عَلَى الدلالة عَلَى الِاخْتِصَاصِ، فَكَأَنَّهُمْ خَصُّوا أَذْقَانَهُمْ بِالْخُرُورِ، أَوْ خَصُّوا الْخُرُورَ بِأَذْقَانِهِمْ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِهِ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى الْقُرْآنِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَعْرِفَةَ بِكُتُبِ اللَّهِ وَلَا بِأَنْبِيَائِهِ، فَلَا تُبَالِ
313
بِذَلِكَ، فَقَدْ آمَنَ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَخَشَعُوا لَهُ وَخَضَعُوا عِنْدَ تِلَاوَتِهِ عَلَيْهِمْ خُضُوعًا ظَهَرَ أَثَرُهُ الْبَالِغُ بِكَوْنِهِمْ يَخِرُّونَ عَلَى أَذْقَانِهِمْ سُجَّدًا لِلَّهِ وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا أَيْ: يَقُولُونَ فِي سُجُودِهِمْ تَنْزِيهًا لِرَبِّنَا عَمَّا يَقُولُهُ الْجَاهِلُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ أَوْ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ خَلْفِ وَعْدِهِ إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا إِنْ هَذِهِ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ خَرُّوا لِأَذْقَانِهِمْ بَاكِينَ فَقَالَ: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَكَرَّرَ ذِكْرَ الْخُرُورِ لِلْأَذْقَانِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَنْزِيهِهِ، وَالثَّانِي لِلْبُكَاءِ بِتَأْثِيرِ مَوَاعِظِ الْقُرْآنِ فِي قُلُوبِهِمْ وَمَزِيدِ خُشُوعِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: وَيَزِيدُهُمْ أَيْ: سَمَاعُ الْقُرْآنِ، أَوِ الْقُرْآنُ بِسَمَاعِهِمْ لَهُ خُشُوعاً أَيْ: لِينَ قَلْبٍ وَرُطُوبَةَ عَيْنٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
تِسْعَ آياتٍ فَذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: يَدُهُ، وَعَصَاهُ وَلِسَانُهُ، وَالْبَحْرُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ. وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ:
«أَنَّ يَهُودِيَّيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ نَسْأَلْهُ، فَأَتَيَاهُ فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَقَالَ: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تُسْرِفُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ فَيَقْتُلْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحَصَّنَةً. أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ- شَكَّ شُعْبَةُ- وَعَلَيْكُمْ يَا يَهُودُ خَاصَّةً أَنَّ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ، فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيُّ اللَّهِ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا؟ قالا: إن داود دعا الله أن يزاد فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ يَقْتُلَنَا الْيَهُودُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي
«ذَمِّ الْغَضَبِ» عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنه سئل عن قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً قَالَ: مُخَالِفًا، وَقَالَ: الْأَنْبِيَاءُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تَلْعَنَ أَوْ تَسُبَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَثْبُوراً قَالَ:
مَلْعُونًا. وَأَخْرَجَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْأَلْقَابِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: قَلِيلُ الْعَقْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا لَفِيفًا قَالَ: جَمِيعًا. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ
«وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ» مُثَقَلًا قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ رَمَضَانَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْدَثُوا شَيْئًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ جَوَابًا، فَفَرَّقَهُ اللَّهُ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا فَرَقْناهُ قَالَ: فَصَلْنَاهُ عَلَى مُكْثٍ بِأَمَدٍ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَقُولُ: لِلْوُجُوهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قال:
كتابهم.
314
ف﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء ﴾ يعني : الآيات التي أظهرها، وأنزل بمعنى : أوجد ﴿ إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَائِرَ ﴾ أي : دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته، وانتصاب ﴿ بصائر ﴾ على الحال. قرأ الكسائي بضمّ التاء من «علمت » على أنها لموسى، وروي ذلك عن عليّ، وقرأ الباقون بفتحها على الخطاب لفرعون. ووجه القراءة الأولى أن فرعون لم يعلم ذلك، وإنما علمه موسى. ووجه قراءة الجمهور أن فرعون كان عالماً بذلك كما قال تعالى :﴿ وَجَحَدُوا بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾ [ النمل : ١٤ ]. قال أبو عبيد : المأخوذ به عندنا فتح التاء، وهو الأصح للمعنى، لأن موسى لا يقول : علمت أنا وهو الداعي، وروي نحو هذا عن الزجاج. ﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ الظنّ هنا بمعنى اليقين، والثبور : الهلاك والخسران. قال الكميت :
ورأت قضاعة في الأيا *** من رأي مثبور وثابر
أي : مخسور وخاسر، وقيل : المثبور : الملعون، ومنه قول الشاعر :
يا قومنا لا تروموا حزينا سفها *** إن السفاه وإن البغي مثبور
أي : ملعون، وقيل : المثبور : ناقص العقل، وقيل : هو الممنوع من الخير، يقال : ما ثبرك عن كذا : ما منعك منه، حكاه أهل اللغة، وقيل : المسحور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
﴿ فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم منَ الأرض ﴾ أي أراد فرعون أن يخرج بني إسرائيل وموسى ويزعجهم من الأرض، يعني : أرض مصر بإبعادهم عنها، وقيل : أراد أن يقتلهم، وعلى هذا يراد بالأرض مطلق الأرض، وقد تقدم قريباً معنى الاستفزاز ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا ﴾ فوقع عليه وعليهم الهلاك بالغرق، ولم يبق منهم أحداً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
﴿ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إسرائيل اسكنوا الأرض ﴾ أي : من بعد إغراقه ومن معه، والمراد بالأرض هنا : أرض مصر التي أراد أن يستفزّهم منها ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخرة ﴾ أي الدار الآخرة وهو القيامة، أو الكرّة الآخرة، أو الساعة الآخرة ﴿ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴾ قال الجوهري : اللفيف : ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال : جاء القوم بلفهم ولفيفهم أي : بأخلاطهم، فالمراد هنا جئنا بكم من قبوركم مختلطين من كل موضع، قد اختلط المؤمن بالكافر. قال الأصمعي : اللفيف جمع وليس له واحد، وهو مثل الجمع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
﴿ وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ ﴾ الضمير يرجع إلى القرآن، ومعنى ﴿ بالحق أنزلناه ﴾ : أوحيناه متلبساً بالحق، ومعنى ﴿ وبالحق نَزَلَ ﴾ : أنه نزل وفيه الحق، وقيل : الباقي، وبالحق الأول بمعنى : مع، أي : مع الحق أنزلناه كقولهم : ركب الأمير بسيفه أي : مع سيفه، و﴿ بالحق نزل ﴾ أي : بمحمد كما تقول : نزلت [ بزيد ]. وقال أبو علي الفارسي : الباء في الموضعين بمعنى : مع، وقيل : يجوز أن يكون المعنى : وبالحق قدرنا أن ينزل وكذلك نزل، أو : ما أنزلناه من السماء إلاّ محفوظاً، وما نزل على الرسول إلاّ محفوظاً من تخليط الشياطين، والتقديم في الموضعين للتخصص. ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا ﴾ أي : مبشراً لمن أطاع بالجنة ونذيراً مخوّفاً لمن عصى بالنار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ﴾ انتصاب ﴿ قرآناً ﴾ بفعل مضمر يفسره ما بعده، قرأ عليّ، وابن عباس، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وقتادة، وأبو رجاء، والشعبي ( فرقناه ) بالتشديد، أي : أنزلناه شيئاً بعد شيء لا جملة واحدة. وقرأ الجمهور ﴿ فرقناه ﴾ بالتخفيف، أي : بيناه وأوضحناه، وفرقنا فيه بين الحق والباطل. وقال الزجاج : فرقه في التنزيل ليفهمه الناس. قال أبو عبيد : التخفيف أعجب إليّ، لأن تفسيره بيناه، وليس للتشديد معنى إلاّ أنه نزل متفرقاً. ويؤيده ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : فرقت مخففاً بين الكلام، وفرقت مشدداً بين الأجسام، ثم ذكر سبحانه العلة لقوله : فَرَقْنَاهُ، فقال :﴿ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مكْثٍ ﴾ أي : على تطاول في المدّة شيئاً بعد شيء على القراءة الأولى، أو أنزلناه آية آية، وسورة سورة. ومعناه على القراءة الثانية ﴿ على مكث ﴾ أي : على ترسل وتمهل في التلاوة، فإن ذلك أقرب إلى الفهم وأسهل للحفظ. وقد اتفق القراء على ضم الميم في :﴿ مكث ﴾ إلاّ ابن محيصن فإنه قرأ بفتح الميم ﴿ ونزلناه تَنْزِيلاً ﴾ التأكيد بالمصدر للمبالغة، والمعنى : أنزلناه منجماً مفرّقاً لما في ذلك من المصلحة، ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا ولم يطيقوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا ﴾ أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكافرين المقترحين للآيات : آمنوا به أو لا تؤمنوا، فسواء إيمانكم به وامتناعكم عنه لا يزيده ذلك ولا ينقصه. وفي هذا وعيد شديد لأمره بالإعراض عنهم واحتقارهم، ثم علّل ذلك بقوله :﴿ إِنَّ الذين أُوتُوا العلم مِن قَبْلِهِ ﴾ أي : أن العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة قبل إنزال القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوّة كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعبد الله بن سلام ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ أي : القرآن ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا ﴾ أي : يسقطون على وجوههم ساجدين لله سبحانه، وإنما قيد الخرور، وهو السقوط، بكونه للأذقان، أي : عليها، لأن الذقن، وهو مجتمع اللحيين أوّل ما يحاذي الأرض. قال الزجاج : لأن الذقن مجتمع اللحيين، وكما يبتدئ الإنسان بالخرور للسجود، فأوّل ما يحاذي الأرض به من وجهه الذقن، وقيل : المراد تعفير اللحية في التراب، فإن ذلك غاية الخضوع، وإيثار اللام في الأذقان على «على » للدلالة على الاختصاص، فكأنهم خصوا أذقانهم بالخرور، أو خصوا الخرور بأذقانهم، وقيل : الضمير في قوله ﴿ مِن قَبْلِهِ ﴾ راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأولى ما ذكرناه من رجوعه إلى القرآن لدلالة السياق على ذلك، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وحاصلها : أنه إن لم يؤمن به هؤلاء الجهال الذين لا علم عندهم ولا معرفة بكتب الله ولا بأنبيائه، فلا تبال بذلك، فقد آمن به أهل العلم وخشعوا له وخضعوا عند تلاوته عليهم خضوعاً ظهر أثره البالغ بكونهم يخرّون على أذقانهم سجداً لله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
﴿ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا ﴾ أي : يقولون في سجودهم تنزيهاً لربنا عما يقوله الجاهلون من التكذيب، أو تنزيهاً له عن خلف وعده ﴿ إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً ﴾ «إن » هذه هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
ثم ذكر أنهم خروا لأذقانهم باكين فقال :﴿ وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ ﴾ وكرّر ذكر الخرور للأذقان، لاختلاف السبب، فإن الأول لتعظيم الله سبحانه وتنزيهه، والثاني : للبكاء بتأثير مواعظ القرآن في قلوبهم ومزيد خشوعهم، ولهذا قال :﴿ وَيَزِيدهُمْ ﴾ أي : سماع القرآن، أو القرآن بسماعهم له ﴿ خُشُوعًا ﴾ أي : لين قلب ورطوبة عين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تِسْع آيات ﴾ فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال : يده، وعصاه ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وأخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن قانع، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن مردويه عن صفوان بن عسال :( أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَات ﴾ فقال :
( لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شكّ شعبة - وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن [ لا ] يزال في ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود ). وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله :﴿ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا ﴾ قال : مخالفاً، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس «مثبوراً» قال : ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ﴿ لفيفاً ﴾ قال : جميعاً. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ :( وقرآناً فرقناه ) مثقلاً قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ قال : فصلناه على مكث بأمد ﴿ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ ﴾ يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ قال : كتابهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعَلِّمَ عِبَادَهُ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ وَالْخُشُوعِ فَقَالَ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ وَمَعْنَاهُ:
أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي جَوَازِ الْإِطْلَاقِ وَحُسْنِ الدُّعَاءِ بِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ: أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى التَّنْوِينُ فِي
«أيّا» عوض عن المضاف إليه، وما مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ الْإِبْهَامِ فِي أَيًّا، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَمَّى، وَكَانَ أَصْلُ الْكَلَامِ: أَيًّا مَا تَدْعُوا فَهُوَ حَسَنٌ، فَوَضَعَ مَوْضِعَهُ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى لِلْمُبَالَغَةِ، وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا إِذَا حَسُنَتْ أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حَسُنَ هَذَانِ الِاسْمَانِ، وَمَعْنَى حُسْنِ الْأَسْمَاءِ اسْتِقْلَالُهَا بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا النَّيْسَابُورِيُّ وَتَبِعَهُ أَبُو السُّعُودِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ دُعَاءَهُمُ اللَّهَ وَدُعَاءَهُمُ الرَّحْمَنَ يَرْجِعَانِ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَبِهِ يَتَّضِحُ الْمُرَادُ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةً أُخْرَى لِلدُّعَاءِ فَقَالَ:
وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها أَيْ: بِقِرَاءَةِ صَلَاتِكِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ نُعُوتِ الصَّوْتِ، لَا مِنْ نُعُوتِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، يُقَالُ: خَفَتَ صَوْتُهُ خُفُوتًا إِذَا انْقَطَعَ كَلَامُهُ وَضَعُفَ وَسَكَنَ، وَخَفَتَ الزَّرْعُ إِذَا ذَبُلَ، وَخَافَتَ الرَّجُلُ بِقِرَاءَتِهِ: إِذَا لَمْ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ كُلِّهَا وَلَا تُخَافِتْ بِهَا كُلِّهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ أَيْ: الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهَا بِالْفِعْلَيْنِ سَبِيلًا أَيْ: طَرِيقًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَا تَكُنْ مَجْهُورَةً وَلَا مُخَافَتًا بِهَا، وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي يَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ النَّهْيَ عَنِ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُخَافَتَةِ بِقِرَاءَةِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، وَالْأَمْرُ بِجَعْلِ الْبَعْضِ مِنْهَا مَجْهُورًا بِهِ، وَهُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْمُخَافَتَةُ بِصَلَاةِ النَّهَارِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
«١» وَلَمَّا أَمَرَ أَنْ لَا يُذْكَرَ وَلَا يُنَادَى إِلَّا بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى نَبَّهَ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْحَمْدِ لَهُ، فَقَالَ: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً كَمَا تَقُولُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أَيْ: مُشَارِكٌ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ كَمَا تَزْعُمُهُ الثَّنَوِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ مِنَ الْفِرَقِ الْقَائِلِينَ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أَيْ: لَمْ يَحْتَجْ إِلَى مُوَالَاةِ أَحَدٍ لِذُلٍّ يَلْحَقُهُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْوَلِيِّ وَالنَّصِيرِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
أَيْ: لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَنْتَصِرَ بِغَيْرِهِ، وَفِي التَّعَرُّضِ فِي أَثْنَاءِ الْحَمْدِ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَلِيلَةِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْحَمْدِ مَنْ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ، لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِيجَادِ وَإِفَاضَةِ النِّعَمِ لِكَوْنِ الْوَلَدِ مَجْبَنَةً وَمَبْخَلَةً، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْأَبِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَالْمُحْدَثُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى كَمَالِ الْإِنْعَامِ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْمُلْكِ إِنَّمَا تُتَصَوَّرُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ بِهِ، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ عاجز، عَنْ تَمَامِ مَا هُوَ لَهُ، فَضْلًا عَنْ تمام مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا الشَّرِكَةُ مُوجِبَةٌ لِلتَّنَازُعِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَقَدْ يَمْنَعُهُ الشَّرِيكُ مِنْ إِفَاضَةِ الخير إلى أوليائه، ومؤدية
315
إِلَى الْفَسَادِ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
«١» وَالْمُحْتَاجُ إِلَى وَلِيٍّ يَمْنَعُهُ مِنَ الذُّلِّ وَيَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ إِذْلَالَهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً أَيْ: عَظِّمْهُ تَعْظِيمًا وَصِفْهُ بِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
«صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ فِي دُعَائِهِ: يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ يَنْهَانَا أَنْ نَدْعُوَ إِلَهَيْنِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الْآيَةَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ لَهُمْ كَاهِنٌ بِالْيَمَامَةِ يسمونه الرحمن، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَهَجَّدُ بِمَكَّةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ يَدْعُو اللَّيْلَةَ الرَّحْمَنَ الَّذِي بِالْيَمَنِ، وَكَانَ رَجُلٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ رَحْمَنُ، فَنَزَلَتْ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، مِنْ طَرِيقِ نَهْشَلِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا إِلَى آخَرِ الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ أَمَانٌ مِنَ السَّرَقِ» وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَاهَا حَيْثُ أَخَذَ مَضْجَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَارِقٌ فَجَمَعَ مَا فِي الْبَيْتِ وَحَمَلَهُ، وَالرَّجُلُ لَيْسَ بِنَائِمٍ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَابِ فَوَجَدَ الْبَابَ مَرْدُودًا، فَوَضَعَ الْكَارَةَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَضَحِكَ صَاحِبُ الدَّارِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي حَصَّنْتُ بَيْتِي. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الْآيَةَ قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ وَلا تُخافِتْ بِها عَنْ أَصْحَابِكَ، فَلَا تُسْمِعَهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَأْخُذُوهُ عَنْكَ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا يَقُولُ: بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ بِمَكَّةَ فَيُؤْذَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: كَانَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ قَدْ سُمِّيَ الرَّحْمَنَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى فَجَهَرَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَذْكُرُ إِلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِذَا قَرَأَ خَفَضَ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا قَرَأَ جَهَرَ، فَقِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا أُنَاجِي رَبِّي، وَقَدْ عَرَفَ حَاجَتِي وَقِيلَ:
لِعُمَرَ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ شَيْئًا، وَقِيلَ لِعُمَرَ: اخْفِضْ شَيْئًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها
316
فِي الدُّعَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ عَنْهَا قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي التَّشَهُّدِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَنِيعٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَقَالَتِ الْعَرَبُ:
لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا، هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، وَقَالَ الصَّابِئُونَ وَالْمَجُوسُ: لَوْلَا أَوْلِيَاءُ الله لذلّ، فأنزل الله هذه الآية: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى آخِرِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ قَالَ: لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا وَلَمْ يَبْتَغِ نَصْرَ أَحَدٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ:
«آيَةُ الْعِزِّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الْآيَةَ كُلَّهَا». وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
«خَرَجْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُهُ فِي يَدِي، فَأَتَى عَلَيَّ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَقَالَ: أَيْ فُلَانُ مَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: السُّقْمُ وَالضُّرُّ، قَالَ: أَلَا أُعْلِمُكَ كَلِمَاتٍ تُذْهِبُ عَنْكَ السُّقْمَ وَالضُّرَّ؟ تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً إلى آخر الْآيَةِ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حسنت حاله فقال: ممّ؟ قَالَ: لَمْ أَزَلْ أَقُولُ الْكَلِمَاتِ الَّتِي عَلَّمْتَنِي». وَفِي لَفْظٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَفِي مَتْنِهِ نَكَارَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:
«ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُ أَهْلَهُ هَذِهِ الْآيَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً إلى آخرها الصغير مِنْ أَهْلِهِ وَالْكَبِيرِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ الْغُلَامَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِذَا أَفْصَحَ سَبْعَ مَرَّاتٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
إِلَى آخَرِ السُّورَةِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي
«عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ» مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
317
سورة الكهف
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى قَوْلِهِ:
جُرُزاً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى. وَمِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهَا مَكِّيَّةُ جَمِيعُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ النَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَمِنْهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مَنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
«قَرَأَ رَجُلٌ سُورَةَ الْكَهْفِ وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اقْرَأْ فُلَانٌ، فَإِنَّ السَّكِينَةَ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ» وَهَذَا الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَمَا بَيَّنَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» وَفِي قِرَاءَةِ الْعَشْرِ الْآيَاتِ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ مِنْ آخِرِهَا أَحَادِيثُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ مَعْصُومٌ إِلَى ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ تَكُونُ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّجَّالُ عُصِمَ مِنْهُ». وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالضِّيَاءُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَمَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا ثُمَّ خَرَجَ الدَّجَّالُ لَمْ يَضُرُّهُ». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي السُّنَنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، يُضِيءُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِسُورَةٍ مَلَأَ عَظَمَتُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلِكَاتِبِهَا مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيَّنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ قَرَأَ الْخَمْسَ الْأَوَاخِرَ مِنْهَا عِنْدَ نَوْمِهِ بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ اللَّيْلِ شَاءَ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: سُورَةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْبَيْتُ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْكَهْفِ لَا يَدْخُلُهُ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ، وَفِيمَا أَوْرَدْنَاهُ كِفَايَةٌ مُغَنِيَةٌ.
318
ولما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلاّ بأسمائه الحسنى نبه على كيفية الحمد له فقال :﴿ وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ كما تقوله اليهود والنصارى، ومن قال من المشركين : إن الملائكة بنات الله، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ﴿ وَلَم يَكُنْ لهُ شَرِيكٌ فِي الملك ﴾ أي : مشارك له في ملكه وربوبيته كما تزعمه الثنوية ونحوهم من الفرق القائلين بتعدد الآلهة ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لهُ وَلِيٌ مَنَ الذل ﴾ أي : لم يحتج إلى موالاة أحد لذل يلحقه فهو مستغنٍ عن الوليّ والنصير. قال الزجاج : أي لم يحتج أن ينتصر بغيره، وفي التعرّض في أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من له هذه الصفات، لأنه القادر على الإيجاد وإفاضة النعم لكون الولد مجبنة ومبخلة، ولأنه أيضاً يستلزم حدوث الأب لأنه متولد من جزء من أجزائه، والمحدث غير قادر على كمال الإنعام، والشركة في الملك إنما تتصور لمن لا يقدر على الاستقلال به، ومن لا يقدر على الاستقلال عاجز فضلاً عن تمام ما هو له، فضلاً عن نظام ما هو عليه، وأيضاً الشركة موجبة للتنازع بين الشريكين، فقد يمنعه الشريك من إفاضة الخير إلى أوليائه ومؤدية إلى الفساد :
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ]. والمحتاج إلى وليّ يمنعه من الذلّ وينصره على من أراد إذلاله، ضعيف لا يقدر على ما يقدر عليه من هو [ مستغن ] بنفسه ﴿ وَكَبرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ أي : عظمه تعظيماً وصفه بأنه أعظم من كل شيء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فقال في دعائه :" يا ألله يا رحمن " فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين، وهو يدعو إلهين، فأنزل الله ﴿ قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن ﴾ الآية. ) وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال : إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرحمن، وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه الرحمن، فنزلت الآية. وهو مرسل. وأخرج ابن جرير عن مكحول :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده :" يا رحمن يا رحيم " فسمعه رجل من المشركين، فلما أصبح قال لأصحابه : إن ابن أبي كبشة يدعو الليلة الرحمن الذي باليمن، وكان رجل باليمن يقال له : رحمن، فنزلت ). وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك، عن ابن عباس قال :( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله :﴿ قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيَّاما تَدْعُوا ﴾ إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هو أمان من السرق " وإن رجلاً من المهاجرين من أصحاب رسول الله تلاها حيث أخذ مضجعه، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردوداً، فوضع الكارة، ففعل ذلك ثلاث مرات، فضحك صاحب الدار ثم قال : إني حصّنت بيتي. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ﴾ الآية قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ﴾ أي : بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبوا القرآن ﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ﴿ وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً ﴾ يقول : بين الجهر والمخافتة. وأخرج ابن مردويه عنه قال : كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة بمكة فيؤذى، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ﴾. وأخرج ابن أبي شيبة عنه أيضاً نحوه. وأخرج أبو داود في ناسخه عنه نحوه. وأخرج الطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً قال : كان مسيلمة الكذاب قد سمي الرحمن، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال المشركون : يذكر إله اليمامة، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ﴾. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا قرأ خفض، وكان عمر إذا قرأ جهر، فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا ؟ قال : أنا أناجي ربي، وقد عرف حاجتي، وقيل لعمر : لم تصنع هذا ؟ قال : أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزل ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ قيل لأبي بكر : ارفع شيئاً، وقيل لعمر اخفض شيئاً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم وغيرهم عن عائشة قالت : إنما نزلت هذه الآية ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ في الدعاء. وأخرج ابن جرير، والحاكم عنها قالت : نزلت في التشهد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن منيع، وابن جرير، ومحمد بن نصر، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس مثل حديث عائشة الأوّل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولداً، وقالت العرب : لبيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك، وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذلّ. فأنزل الله هذه الآية :﴿ وقل الحمد لِلَّهِ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِي منَ الذل ﴾ قال : لم يحالف أحداً ولم يبتغ نصر أحد. وأخرج أحمد، والطبراني عن معاذ بن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( آية العزّ ﴿ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ الآية كلها ). وأخرج أبو يعلى وابن السني عن أبي هريرة قال :( خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي، فأتى عليّ رجل رثّ الهيئة فقال :( أي فلان ما بلغ بك ما أرى ؟ ) قال : السقم والضرّ، قال :( ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضرّ ؟ توكلت على الحي الذي لا يموت )، ﴿ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ إلى آخر الآية، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حسنت حاله فقال :" مهيمّ " ؟ قال : لم أزل أقول الكلمات التي علمتني ). وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أبا هريرة. قال ابن كثير : وإسناده ضعيف وفي متنه نكارة. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال :( ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ إلى آخرها الصغير من أهله والكبير ). وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ إلى آخر السورة ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف من طريق عبد الكريم، عن عمرو بن شعيب فذكره. وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه.