تفسير سورة سورة البقرة من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تفسير سورة البقرةاعلم أن سورة البقرة مدنية باتفاق الأئمة، وحكى عن بعض العلماء أنه قال : يكره، تسميتها بسورة البقرة، والأولى أن يقال : السورة التي يذكر فيها البقرة، وكذا في سائر السور من أمثالها. والأصح أنه يجوز ؛ لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رمى جمرة العقبة من بطن الوادي ثم قال : هذا والله مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
وروى عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي أنه قال :«تعلموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة »( ١ ) أي : السحرة. وفي هذا دليل على فضيلة هذه السورة، وعلى جواز تسميتها سورة البقرة، وسمى بعض المتقدمين هذه السورة : فسطاط القرآن ؛ لشرفها وفضلها.
١ - أخرجه أحمد في مسنده (٥/٣٤٨، ٣٦١) والدارمي (٢/٥٤٣ رقم ٣٣٩١)، والحاكم في المستدرك (١/٥٦٠) وقال صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٦٢): رجاله رجال الصحيح والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة (٦/١٣٠ رقم ٨٠٤) ولفظه: «اقرءوا...»..
ﰡ
ﭑ
ﰀ
قَوْله تَعَالَى: ﴿آلم﴾ قَالَ الشّعبِيّ وَجَمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين، فِي هَذَا وَسَائِر حُرُوف التهجي فِي فواتح السُّور: والفائدة فِي أَوَائِل السُّور لَا (يعلم) مَعْنَاهَا، وَهِي سر الْقُرْآن، وَلكُل كتاب سر، وسر الْقُرْآن حُرُوف التهجي من فواتح السُّور، والفائدة من ذكرهَا طلب الْإِيمَان بهَا، وَأَن يعلم أَنَّهَا من عِنْد الله تَعَالَى.
وَقَالَ غَيرهم: هِيَ مَعْلُومَة الْمعَانِي. وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: معنى قَوْله: ﴿آلم﴾ أَنا الله أعلم، وكل حرف يدل على معنى، وَالْألف دَلِيل قَوْله: " أَنا "، وَاللَّام دَلِيل قَوْله: " الله "، وَالْمِيم دَلِيل قَوْله: " أعلم ".
وَكَذَا قَالَ فِي أَمْثَاله، فَقَالَ فِي ﴿آلمص﴾ : مَعْنَاهُ: أَنا الله أعلم وأفصل. وَفِي ﴿آلمر﴾ : أَنا " الله " أعلم وَأرى. وَفِي ﴿آلر﴾ : أَنا الله أرى.
قَالَ الزّجاج: هَذَا حسن، وبمثله قَالَت الْعَرَب فِي قَوْلهَا. فَإِن الْعَرَب قد تَأتي فِي كَلَامهَا بِحرف وتريد بِهِ معنى، كَمَا قَالَ الْقَائِل:
وَمعنى قَوْلهَا قَاف، أَي: وقفت. فَدلَّ الْحَرْف على معنى، كَذَا هَذَا.
وَقَالَ قَتَادَة فِي حُرُوف التهجي: إِنَّهَا اسْم لِلْقُرْآنِ.
وَقَالَ مُجَاهِد: إِنَّهَا أَسمَاء للسور وَقَالَ غَيرهم: هُوَ قسم، أقسم الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْحُرُوف؛ لشرفها وفضلها؛ لِأَنَّهَا مباني كتبه الْمنزلَة.
وَقَالَ غَيرهم: هِيَ مَعْلُومَة الْمعَانِي. وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: معنى قَوْله: ﴿آلم﴾ أَنا الله أعلم، وكل حرف يدل على معنى، وَالْألف دَلِيل قَوْله: " أَنا "، وَاللَّام دَلِيل قَوْله: " الله "، وَالْمِيم دَلِيل قَوْله: " أعلم ".
وَكَذَا قَالَ فِي أَمْثَاله، فَقَالَ فِي ﴿آلمص﴾ : مَعْنَاهُ: أَنا الله أعلم وأفصل. وَفِي ﴿آلمر﴾ : أَنا " الله " أعلم وَأرى. وَفِي ﴿آلر﴾ : أَنا الله أرى.
قَالَ الزّجاج: هَذَا حسن، وبمثله قَالَت الْعَرَب فِي قَوْلهَا. فَإِن الْعَرَب قد تَأتي فِي كَلَامهَا بِحرف وتريد بِهِ معنى، كَمَا قَالَ الْقَائِل:
(قلت لَهَا قفي فَقَالَت قَاف | لَا تحسبي أَنا نَسِينَا الإيجاف) |
وَقَالَ قَتَادَة فِي حُرُوف التهجي: إِنَّهَا اسْم لِلْقُرْآنِ.
وَقَالَ مُجَاهِد: إِنَّهَا أَسمَاء للسور وَقَالَ غَيرهم: هُوَ قسم، أقسم الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْحُرُوف؛ لشرفها وفضلها؛ لِأَنَّهَا مباني كتبه الْمنزلَة.
قَوْله عز وَجل: ﴿ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ﴾، أما قَوْله: ﴿ذَلِك الْكتاب﴾ أَي: هَذَا الْكتاب، كَمَا قَالَ الْقَائِل:
41
﴿ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ هدى لِلْمُتقين (٢) ﴾
[أَي] : أنني أَنا هَذَا. وَقيل: هَذَا مُضْمر فِيهِ، وَمَعْنَاهُ: هَذَا ذَلِك الْكتاب الَّذِي وعدتك يَا مُحَمَّد أَن أنزلهُ عَلَيْك على لِسَان الَّذين قبلك، و " هَذَا " للتقريب و " ذَلِك " للتبعيد.
فَأَما ﴿الْكتاب﴾ هُوَ الْقُرْآن، وَالْكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب كَمَا يُقَال: " ضرب الْأَمِير " أَي: مضروبه.
﴿لَا ريب فِيهِ﴾ أَي: لَا شكّ فِيهِ. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ أخبر قَالَ: " لَا ريب فِيهِ " وَقد ارتاب فِيهِ كثير من النَّاس، وَخبر الله تَعَالَى لَا يكون بِخِلَاف مخبره؟ يُقَال: مَعْنَاهُ أَنه الْحق والصدق لَا شكّ فِيهِ.
وَقيل: هُوَ خبر بِمَعْنى النهى، أَي: لَا ترتابوا فِيهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هدى لِلْمُتقين﴾ وَالْهدى بِمَعْنى الرشد وَالْبَيَان.
وَأما المتقون مَأْخُوذ من الاتقاء وَالتَّقوى. وَأَصله الحجز بَين شَيْئَيْنِ، وَمِنْه يُقَال: اتَّقى بترسه، أَي: جعله حاجزا بَين نَفسه وَبَين مَا قصد بِهِ من الْمَكْرُوه. وَفِي الْخَبَر " كُنَّا إِذا احمر الْبَأْس اتقينا برَسُول الله ". أَي: " اشتدت الْحَرْب " جَعَلْنَاهُ حاجزا بَيْننَا وَبَين الْعَدو.
فَكَأَن المتقى يَجْعَل امْتِثَال أَمر الله والاجتناب عَن نَهْيه حاجزا بَينه وَبَين الْعَذَاب فيتحرز بِطَاعَة الله عَن عُقُوبَة الله.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم خص الْمُتَّقِينَ بِالذكر وَهُوَ هدى لجَمِيع الْمُؤمنِينَ؟ قيل: إِنَّمَا خصهم بِالذكر تَشْرِيفًا، أَو لأَنهم هم المنتفعون بِالْهدى، حَيْثُ نزلُوا منزل التَّقْوَى دون غَيرهم،
(أَقُول لَهُ وَالرمْح يأطر مَتنه | تَأمل خفافا إِنَّنِي أَنا ذلكا) |
فَأَما ﴿الْكتاب﴾ هُوَ الْقُرْآن، وَالْكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب كَمَا يُقَال: " ضرب الْأَمِير " أَي: مضروبه.
﴿لَا ريب فِيهِ﴾ أَي: لَا شكّ فِيهِ. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ أخبر قَالَ: " لَا ريب فِيهِ " وَقد ارتاب فِيهِ كثير من النَّاس، وَخبر الله تَعَالَى لَا يكون بِخِلَاف مخبره؟ يُقَال: مَعْنَاهُ أَنه الْحق والصدق لَا شكّ فِيهِ.
وَقيل: هُوَ خبر بِمَعْنى النهى، أَي: لَا ترتابوا فِيهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هدى لِلْمُتقين﴾ وَالْهدى بِمَعْنى الرشد وَالْبَيَان.
وَأما المتقون مَأْخُوذ من الاتقاء وَالتَّقوى. وَأَصله الحجز بَين شَيْئَيْنِ، وَمِنْه يُقَال: اتَّقى بترسه، أَي: جعله حاجزا بَين نَفسه وَبَين مَا قصد بِهِ من الْمَكْرُوه. وَفِي الْخَبَر " كُنَّا إِذا احمر الْبَأْس اتقينا برَسُول الله ". أَي: " اشتدت الْحَرْب " جَعَلْنَاهُ حاجزا بَيْننَا وَبَين الْعَدو.
فَكَأَن المتقى يَجْعَل امْتِثَال أَمر الله والاجتناب عَن نَهْيه حاجزا بَينه وَبَين الْعَذَاب فيتحرز بِطَاعَة الله عَن عُقُوبَة الله.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم خص الْمُتَّقِينَ بِالذكر وَهُوَ هدى لجَمِيع الْمُؤمنِينَ؟ قيل: إِنَّمَا خصهم بِالذكر تَشْرِيفًا، أَو لأَنهم هم المنتفعون بِالْهدى، حَيْثُ نزلُوا منزل التَّقْوَى دون غَيرهم،
42
﴿الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ (٣) ﴾ فَلهَذَا خصهم بِهِ.
43
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة﴾
قَوْله: ﴿الَّذين﴾ نعت الْمُتَّقِينَ ﴿يُؤمنُونَ﴾ من الْإِيمَان. وَهُوَ التَّصْدِيق، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا﴾ أَي: بمصدق لنا.
وَالْإِيمَان فِي الشَّرِيعَة يشْتَمل على الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ، وَالْعَمَل بالأركان. وَقيل: الْإِيمَان مَأْخُوذ من الْأمان، فسعي الْمُؤمن مُؤمنا؛ لِأَنَّهُ يُؤمن نَفسه من عَذَاب الله. وَالله مُؤمن؛ لِأَنَّهُ يُؤمن الْعباد من عَذَابه.
﴿بِالْغَيْبِ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: الْغَيْب كل مَا أمرت بِالْإِيمَان بِهِ مِمَّا غَابَ عَن بَصرك، وَذَلِكَ مثل الْمَلَائِكَة، وَالْجنَّة، وَالنَّار، والصراط، وَالْمِيزَان، وَنَحْوهَا.
وَقَالَ غَيره: الْغَيْب هَاهُنَا هُوَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ ابْن كيسَان: أَرَادَ بِهِ الْقدر. ﴿يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، أَي: بِالْقدرِ.
﴿ويقيمون الصَّلَاة﴾ أَي: يديمون الصَّلَاة. وَحَقِيقَة إِقَامَة الصَّلَاة الْمُحَافظَة على أَدَائِهَا بأركانها وسننها وهيئاتها.
فَالصَّلَاة فِي اللُّغَة: الدُّعَاء، وَقد ورد فِي الْخَبَر: " من دعى إِلَى الطَّعَام فليجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فَليَأْكُل، وَإِن كَانَ صَائِما فَليصل ". أَي: فَليدع. وَقد قَالَ الشَّاعِر:
قَوْله: ﴿الَّذين﴾ نعت الْمُتَّقِينَ ﴿يُؤمنُونَ﴾ من الْإِيمَان. وَهُوَ التَّصْدِيق، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا﴾ أَي: بمصدق لنا.
وَالْإِيمَان فِي الشَّرِيعَة يشْتَمل على الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ، وَالْعَمَل بالأركان. وَقيل: الْإِيمَان مَأْخُوذ من الْأمان، فسعي الْمُؤمن مُؤمنا؛ لِأَنَّهُ يُؤمن نَفسه من عَذَاب الله. وَالله مُؤمن؛ لِأَنَّهُ يُؤمن الْعباد من عَذَابه.
﴿بِالْغَيْبِ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: الْغَيْب كل مَا أمرت بِالْإِيمَان بِهِ مِمَّا غَابَ عَن بَصرك، وَذَلِكَ مثل الْمَلَائِكَة، وَالْجنَّة، وَالنَّار، والصراط، وَالْمِيزَان، وَنَحْوهَا.
وَقَالَ غَيره: الْغَيْب هَاهُنَا هُوَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ ابْن كيسَان: أَرَادَ بِهِ الْقدر. ﴿يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، أَي: بِالْقدرِ.
﴿ويقيمون الصَّلَاة﴾ أَي: يديمون الصَّلَاة. وَحَقِيقَة إِقَامَة الصَّلَاة الْمُحَافظَة على أَدَائِهَا بأركانها وسننها وهيئاتها.
فَالصَّلَاة فِي اللُّغَة: الدُّعَاء، وَقد ورد فِي الْخَبَر: " من دعى إِلَى الطَّعَام فليجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فَليَأْكُل، وَإِن كَانَ صَائِما فَليصل ". أَي: فَليدع. وَقد قَالَ الشَّاعِر: