ﰡ
«إِنَّ الله تعالى كتب كتابا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بألفي عام، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، فلا تقرءان في [دار] [٢] ثلاث ليال فيقربها شيطان».
سورة آل عمران [مدنية] [٣]
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)قَوْلُهُ تَعَالَى: الم (١) اللَّهُ.
«٣٥٨» قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمَا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ [٤] فِي وَفْدِ نَجْرَانَ وَكَانُوا سِتِّينَ رَاكِبًا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وفيه أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ عَشَرَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَؤُولُ إِلَيْهِمْ أَمْرُهُمُ، الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمُ الَّذِي لَا يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ ثِمَالُهُمْ [٥] وَصَاحِبُ رحلهم ومجتمعهم وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ علقمة وهو أسقفهم وحبرهم، دخلوا
- وهو في «شرح السنة» (١١٩٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٢٨٨٢ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (٩٧٣) وفي «الكبرى» (١٠٨٠٣).
وأحمد ٤/ ٧٤ وابن حبان ٧٨٢ والدارمي ٢/ ٤٤٩ والحاكم ١/ ٥٦٢ و٢/ ٢٦٠ من طرق عن حماد بن سلمة به.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، واستغربه المصنف في «شرح السنة» وأخرجه النسائي ٩٧٢ وفي «الكبرى» (١٠٨٠٢) من طريق ريحان بن سعيد، عن عباد بن منصور، عن أيوب السختياني، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي صالح الحارثي، عن النعمان به وإسناده لين، أبو صالح الحارثي مقبول كما في «التقريب» لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
- وله شاهد من حديث شداد بن أوس أخرجه الطبراني ٧١٤٦ لكن فيه أشعث بن عبد الرحمن، وهو في إسناده حديث النعمان المتقدم، وعلى هذا قد توبع من طريق فيه جهالة، وصدره فيه غرابة، ولعجزه شواهد كثيرة.
٣٥٨- أخرجه الطبري ٦٥٤٠ وابن هشام في «السيرة» (٢/ ١٦٤) من طريق ابن إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزبير به.
وكذا ذكره ابن كثير في «التفسير» (١/ ٣٧٦) من طريق ابن إسحاق، وعزاه المصنف للكلبي والربيع بن أنس وغيرهما، وإسناده إليهما أول الكتاب، وتقدم، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (١٩٠) نقلا عن المفسرين. وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي (٥/ ٣٨٢- ٣٨٤) وهذه المراسيل تتأيد بمجموعها.
(١) في الأصل «الزيات» وهو تصحيف.
٢ سقط من المطبوع.
٣ سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «الآية».
(٥) ثمال القوم: أصلهم الذين يرجعون إليه، ويقوم بأمورهم وشؤونهم والثمال أيضا: الملجأ والغياث، والمطعم في الشدة.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣ الى ٦]
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ، أَيِ: الْقُرْآنَ، بِالْحَقِّ: بِالصِّدْقِ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ في التوحيد والنبوّة وَالْأَخْبَارِ وَبَعْضِ الشَّرَائِعِ، وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ.
مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ أُنْزِلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ: نَزَّلَ لِأَنَّهُ نَزَلَ مُفَصَّلًا، وَالتَّنْزِيلُ: لِلتَّكْثِيرِ، وَالتَّوْرَاةُ، قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: أَصْلُهَا وَوْرَيَةٌ عَلَى وَزْنِ:
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من المصادر السابقة.
(٣) زيادة عن المخطوط وحده، ليست في كتب التفسير والسير، وقد أثبتها لأن فيها فائدة وضوح السياق.
(٤) زيد في- ط «وربنا ليس بصورة، وليس له مثل» وليست في المخطوط والمطبوع ولا في «أسباب النزول».
(٥) زيد في المخطوط «أن يكون ابن الله» وليست في شيء من كتب التخريج.
(٦) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «موصولة». [.....]
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ، [من الصور المختلفة] [١٤] ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وهذا ردّ عَلَى وَفْدِ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا: عِيسَى وَلَدُ اللَّهِ، وكأنه يقول: كيف يكون ولدا وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّحِمِ؟
«٣٥٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [١٥] بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد
- وهو في «شرح السنة» (٧٠) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي في «الجعديات» (٢٦٨٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٢٠٨ و٣٣٣٢ ومسلم ٢٦٤٣ وأبو داود ٤٧٠٨ والترمذي ٢١٣٧ والنسائي في «الكبرى» (١١٢٤٦) وابن ماجه ٧٦ والحميدي ١٢٦ وأحمد ١/ ٣٨٢ و٤٣٠ وابن أبي عاصم في «السنة» (١٧٥ و١٧٦) وأبو يعلى ٥١٥٧ واللالكاني في «أصول الاعتقاد» (١٠٤٠ و١٠٤١ و١٠٤٢) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٣٨٧) وفي «الاعتقاد» ص (١٣٧- ١٣٨) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه البخاري ٦٥٩٤ و٧٤٥٤ ومسلم ٢٦٤٣ وأبو داود ٤٧٠٨ والطيالسي ٢٩٨ والدارمي في «الرد على الجهمية»
(١) في المطبوع وحده «دوخلة».
(٢) في المطبوع وط «بالياء».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) زيد في المخطوط وط «وللتوصية توصاة» وهو مقحم، راجع البحر (٢/ ٣٨٧).
(٥) في المخطوط «هو».
(٦) عند القرطبي «فكأن» (٤/ ٥).
(٧) في المطبوع «في» بدل «أكثر».
(٨) في المخطوط «تفعيل» والمثبت عن المطبوع وط- والقرطبي (٤/ ٥).
(٩) في المطبوع وط «ويقال».
(١٠) في المطبوع وط «سعة».
(١١) في المخطوط «تورية» وهو خطأ.
(١٢) كذا في المطبوع والمخطوط، وعند القرطبي (٤/ ٦) «إنكليون».
(١٣) في المطبوع وط «المفرق». [.....]
(١٤) زيد في المطبوع.
(١٥) في الأصل «عبد الرحيم» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ [خَلْقَ] [٢] أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ أَوْ قَالَ: يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، قَالَ: وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ غَيْرُ ذِرَاعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ غَيْرُ ذِرَاعٍ [فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ] [٣] فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا».
«٣٦٠» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ:
يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النطفة بعد ما تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ [وَأَثَرُهُ] [٤] وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ ثُمَّ تُطْوَى الصحف، فلا يزاد فيها [و] لا ينقص».
[سورة آل عمران (٣) : آية ٧]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ، مُبَيِّنَاتٌ مُفَصَّلَاتٌ سُمِّيَتْ مُحْكَمَاتٍ من الإحكام، [لإحكامها] [٥] فَمَنَعَ الْخَلْقَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا لِظُهُورِهَا وَوُضُوحِ مَعْنَاهَا، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ،
٣٦٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الطفيل اسمه عامر بن واثلة، صحابي صغير أكثر رواياته عن الصحابة، توفي سنة ١١٠، وهو آخر من مات من الصحابة قاله مسلم وغيره.
- أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (٢٦٤٤) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ٦- ٧ والآجري في «الشريعة» ص (١٨٢- ١٨٣) وابن أبي عاصم في «السنة» ٨٠ من طريق سفيان بن عيينة به.
- وورد من وجه آخر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة به.
أخرجه مسلم ٢٦٤٥ والحميدي ٨٢٦ وابن حبان ٦١٧٧ واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (١٠٤٥ و١٠٤٧) والآجري ص ١٨٣- ١٨٤ والطبراني ٣٠٣٦ و٣٠٤٣ و٣٠٤٥.
(١) في الأصل «زين» والتصويب من «كتب التراجم».
(٢) زيادة عن المخطوط وط- و «شرح السنة».
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع وط.
(٥) في المطبوع وط «كأنه أحكمها».
٢٣] ؟ قِيلَ: حَيْثُ جَعَلَ الْكُلَّ مُحْكَمًا أَرَادَ أَنَّ الْكُلَّ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ عَبَثٌ وَلَا هَزْلٌ، وَحَيْثُ جَعَلَ الْكُلَّ مُتَشَابِهًا أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بعضا في الحق والصدق [٣] والحسن، وجعل بعضه هاهنا مُحْكَمًا وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُحْكَمَاتُ هُنَّ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام: ١٥١]، وَنَظِيرُهَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] الْآيَاتِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَشَابِهَاتُ حُرُوفُ التَّهَجِّي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الْمُحْكَمُ مَا فِيهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مُتَشَابِهٌ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحَقِّ وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢٦]، وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [يُونُسَ: ١٠٠]، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: الْمُحْكَمُ النَّاسِخُ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهُ الْمَنْسُوخُ الَّذِي يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مُحْكَمَاتُ الْقُرْآنِ: نَاسِخُهُ، وَحَلَالُهُ، وَحَرَامُهُ، وَحُدُودُهُ، وَفَرَائِضُهُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ، وَيُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهَاتُ: مَنْسُوخُهُ، وَمُقَدَّمُهُ، وَمُؤَخَّرُهُ، وَأَمْثَالُهُ، وَأَقْسَامُهُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وقيل:
المحكم [٤] مَا أَوْقَفَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى مَعْنَاهُ. وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تعالى بعلمه، ولا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى عِلْمِهِ، نَحْوَ الخبر عن أشراط الساعة، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وقيام الساعة، وفناء الدنيا. قال أحمد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: الْمُحْكَمُ مَا لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ غَيْرَ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا احْتَمَلَ أَوْجُهًا. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا يعرف معناه وتكون حجّته واضحة، ودلائله لائحة لا يشتبه، وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ الَّذِي يُدْرَكُ عِلْمُهُ بِالنَّظَرِ، وَلَا يَعْرِفُ الْعَوَامُّ تَفْصِيلَ الْحَقِّ فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُحْكَمُ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْمَعْنَى، وَالْمُتَشَابِهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِرَدِّهِ إِلَى غيره.
ع «٣٦١» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ بَاذَانَ: الْمُتَشَابِهُ حُرُوفُ التَّهَجِّي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بن الأشرف ونظراؤهما أتوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ حُيَيٌّ: بَلَغَنَا أنه أنزل عليك الم (١) ننشدك الله أأنزلت عَلَيْكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنْ كان
(١) في المخطوط وط «يعمل» والمثبت يناسب لفظ «عليه».
(٢) زيادة عن- ط-.
(٣) زيد في المطبوع «في».
(٤) في المطبوع «المحكمات». [.....]
المص (١) [الأعراف: ١] »، قَالَ: فَهَذِهِ أَكْثَرُ، هِيَ إِحْدَى وسبعون وَمِائَةُ سَنَةٍ، قَالَ: فَهَلْ غَيْرُهَا؟ قال:
«نعم، الر [هود: ١] »، قَالَ: هَذِهِ أَكْثَرُ هِيَ مِائَتَانِ وإحدى وسبعون سَنَةٍ، [قَالَ] [١] : فَهَلْ غَيْرُهَا؟
قَالَ: «نعم المر [الرعد: ١] »، قَالَ: هَذِهِ أَكْثَرُ هِيَ مِائَتَانِ وإحدى وسبعون سنة، ولقد غلظت عَلَيْنَا فَلَا نَدْرِي أَبِكَثِيرِهِ نَأْخُذُ أَمْ بِقَلِيلِهِ، وَنَحْنُ مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، أَيْ: مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ، وَقِيلَ: شَكٌّ، فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ الرَّبِيعُ: هم وفد نجران الذين [٢] خَاصَمُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالُوا لَهُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحٌ مِنْهُ؟ قَالَ: بلى، قالوا: حسبنا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمُ الْيَهُودُ طَلَبُوا علم أجل هذه الأمة واستخراجه [٣] بِحِسَابِ الْجُمَّلِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْخَوَارِجُ. وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُونُوا الْحَرُورِيَّةَ وَالسَّبَئِيَّةَ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟ وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ الْمُبْتَدِعَةِ.
«٣٦٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ: طَلَبَ الشِّرْكِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ابْتِغَاءَ الشُّبُهَاتِ وَاللَّبْسِ لِيُضِلُّوا بِهَا جُهَّالَهُمْ، وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ: تَفْسِيرِهِ وَعِلْمِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف: ٧٨]، وقيل: ابتغاء [٤] عاقبته، وطلب أَجَلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حِسَابِ الجمل،
- وهو في «شرح السنة» (١٠٦) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٤٥٤٧) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٦٥ وأبو داود ٤٥٩٨ والترمذي ٢٩٩٣ و٢٩٩٤ وأحمد ٦/ ٢٥٦ وابن حبان ٧٣ والدارمي ١/ ٥٥ والطحاوي في «المشكل» (٣/ ٢٠٨) والبيهقي في «الدلائل» (٦/ ٥٤٥) من طريق يزيد بن إبراهيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٩٩٣ وابن ماجه ٤٧ وأحمد ٦/ ٤٨ وابن حبان ٧٦ والطحاوي في «المشكل» (٣/ ٢٠٧ و٢٠٨) من طرق عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عائشة.
قال الترمذي: هكذا روى غير واحد هذا الحديث عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عائشة، ولم يذكروا فيه القاسم بن محمد....
اهـ.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في الأصل «إن» والتصويب عن «تفسير الطبري» (٦٥٩٩).
(٣) في المخطوط «استخرجها».
(٤) لفظ «ابتغاء» ليس في المخطوط.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالرَّاسِخُونَ وَاوُ الْعَطْفِ، يَعْنِي: أَنَّ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: يَقُولُونَ حَالًا مَعْنَاهُ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [١] قَائِلِينَ آمَنَّا بِهِ، هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [الْحَشْرِ: ٧]، ثُمَّ قَالَ: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [الْحَشْرِ: ٨]، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الْحَشْرِ: ٩] ثُمَّ قال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الْحَشْرِ:
١٠]، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى مَا سَبَقَ، ثُمَّ قَالَ: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا [الْحَشْرِ: ١٠]، يعني: هم مع استحقاقهم للفيء يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا، أَيْ: قَائِلِينَ عَلَى الْحَالِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي العلم، وقال مُجَاهِدٍ: أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَالرَّاسِخُونَ وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وَرِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ، وَقَالُوا: لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقُرْآنِ [٢] تَأْوِيلٌ اسْتَأْثَرَ الله بعلمه ولم يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ السَّاعَةِ، وَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَنَحْوِهَا. وَالْخَلْقُ مُتَعَبِّدُونَ فِي الْمُتَشَابِهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَلِ، وَمِمَّا يُصَدِّقُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ «إِنْ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ، وَالرَّاسِخُونَ في العلم يقولون آمنّا»، وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ:
«وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ»، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: انْتَهَى عِلْمُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَى أَنْ قَالُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ من عند ربنا. وهذا القول أَقْيَسُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، [أَيِ: الدَّاخِلُونَ فِي الْعِلْمِ] [٣] هُمُ الَّذِينَ أَتْقَنُوا عِلْمَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي مَعْرِفَتِهِمْ شَكٌّ، وَأَصْلُهُ مِنْ رُسُوخِ الشَّيْءِ [فِي الشَّيْءِ] [٤] وَهُوَ ثُبُوتُهُ، يُقَالُ: رَسَخَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِ فُلَانٍ، يَرْسُخُ رُسْخَا وَرُسُوخًا، وَقِيلَ: الرَّاسِخُونَ فِي العلم مؤمنو أَهْلِ الْكِتَابِ، مَثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ [النساء: ١٦٢]، يعني: الدارسون [٥] علم التوراة والإنجيل، وَسُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، قَالَ: الْعَالِمُ الْعَامِلُ بِمَا عَلِمَ الْمُتَّبِعُ لَهُ [٦]. وَقِيلَ: الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ مَنْ وُجِدَ فِي عِلْمِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: التَّقْوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَالتَّوَاضُعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ، وَالزُّهْدُ [٧] بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّنْيَا، وَالْمُجَاهَدَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: بِقَوْلِهِمْ آمَنَّا بِهِ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى رَاسِخِينَ [٨] فِي الْعِلْمِ، فَرُسُوخُهُمْ فِي الْعِلْمِ قَوْلُهُمْ آمَنَّا بِهِ، أَيْ: بِالْمُتَشَابِهِ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا: الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا عَلِمْنَا وَمَا لم نعلم، وَما يَذَّكَّرُ: [و] ما يَتَّعِظُ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ: ذوو العقول.
(٢) في المطبوع «في القرآن» بدل «للقرآن».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) في المخطوط «المدارسين».
(٦) في المطبوع «لما علم» بدل «له» والمثبت عن- ط.
(٧) في المخطوط «وزهده».
(٨) في المخطوط «راسخون».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨ الى ١١]
رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١)قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا، أَيْ: ويقول الراسخون [في العلم] [١] : رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا، أَيْ:
لَا تُمِلْهَا عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى كَمَا أَزَغْتَ قُلُوبَ الَّذِينَ فِي قلوبهم زيغ [فضلّوا وأضلوا] [٢]، بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، وَفَّقْتَنَا لِدِينِكَ وَالْإِيمَانِ بِالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ كِتَابِكَ، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ: أَعْطِنَا مِنْ عِنْدِكَ، رَحْمَةً، تَوْفِيقًا [٣] وَتَثْبِيتًا لِلَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَجَاوُزًا وَمَغْفِرَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
«٣٦٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بكر [٤] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْقُرَشِيُّ، يُعْرَفُ بِابْنِ الرَّوَّاسِ الْكَبِيرِ بِدِمَشْقَ، أَنَا أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ أَنَا صَدَقَةُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [٥] [بْنُ يَزِيدَ] [بْنِ] جابر حدّثني بسر [٦] بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصابع الرحمن، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ [٧]، وإن شاء أن يقيمه أقامه»، [قال:] [٨] وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [٩] يَقُولُ: «اللَّهُمَّ يَا مقلّب القلوب
- وهو في «شرح السنة» بإثر رقم: (٨٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه ١٩٩ وابن أبي عاصم في «السنة» (٢١٩) من طريق صدقة بن خالد بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن مندة في «التوحيد» (٥١١) والبغوي في «شرح السنة» (٨٨) من طريق الوليد بن مسلم قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يزيد.... فذكره بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٧٣٨) وأحمد ٤/ ١٨٢ والآجري في «الشريعة» ص (٣١٧) وابن حبان ٩٤٣ والحاكم ٢/ ٢٨٩ وابن مندة ٥١١ من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جابر به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح اهـ.
- ومن وجه آخر، أخرجه ابن مندة في «التوحيد» (٥١٢) من حديث النواس وقال: هذا إسناد متصل صحيح اهـ. وله شواهد انظر الحديث المتقدم برقم: ٢٨٦. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «توثيقا».
(٤) في الأصل «أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التراجم».
(٥) في الأصل «ابن عبد الرحمن» والتصويب من «كتب التخريج» وكتب «التراجم».
(٦) في الأصل «بشر» وهو تصحيف.
(٧) في العبارة تقديم وتأخير في المطبوع والمثبت عن المخطوط وط و «شرح السنة».
(٨) زيادة عن «شرح السنة».
(٩) زيد في المخطوط وحده «كثيرا ما».
«٣٦٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ [أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ] إِيَاسٍ [١] الْجُرَيْرِيُّ [٢] عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْقَلْبِ كَرِيشَةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ تقلّبها الرياح ظهرا لبطن».
قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ، أَيْ: لِقَضَاءِ [٣] يَوْمٍ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى: فِي [أَيْ فِي] [٤] يَوْمٍ، لَا رَيْبَ فِيهِ، أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، وهو مِفْعَالٌ، مِنَ الْوَعْدِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ: لَنْ تَنْفَعَ وَلَنْ تَدْفَعَ، عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ بِمَعْنَى عِنْدَ، أَيْ: عِنْدَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: كفعل آل فرعون وصنيعهم [مع نبيّهم] [٥] في الكفر والتكذيب [به وبما جاء] [٦]، وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: كَسُنَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: كَأَمْرِ آلِ فِرْعَوْنَ وَشَأْنِهِمْ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: كَعَادَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، يُرِيدُ عَادَةَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ فِي تَكْذِيبِ الرَّسُولِ [٧] وَجُحُودِ الْحَقِّ كَعَادَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: كَفَّارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مِثْلِ عَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ، كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ، بِذُنُوبِهِمْ، وقيل:
- وهو في «شرح السنة» (٨٦) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» (٧٥٣) عن حاجب بن أحمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ٤١٩ وابن أبي عاصم في «السنة» (٢٢٧) من طريق آخر عن يزيد بن هارون به، وهذا إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وأخرجه ابن ماجه ٨٨ وابن أبي عاصم ٢٢٨ من طريق يزيد الرقاشي عن غنيم بن قيس به.
- وأخرجه أحمد ١٩١٦٣ والبيهقي ٧٥٢ من طريق عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ عاصم الأحول، عن أبي كبشة، عن أبي موسى به.
وصدره عند أحمد «مثل الجليس الصالح... » وعند البيهقي «إنما سمي القلب من تقلبه... » وحسّن إسناده العراقي في «تخريج الإحياء» (٣/ ٤٦).
- وله شاهد من حديث أنس أخرجه البزار (٤٤) والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٣٦٩) والبيهقي ٧٥١ من طريق أبي بكر بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أبي سفيان عنه.
وإسناده ضعيف. لكن يصلح شاهدا لما قبله، وفي الباب أحاديث.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(٢) في الأصل «الحميري» وهو تصحيف والتصويب من كتب «التخريج» و «التراجم».
(٣) في المطبوع «لانقضاء».
(٤) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «الرسل» وفي المخطوط «بالرسول» والمثبت عن- ط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢ الى ١٣]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ فِيهِمَا، أَيْ: أَنَّهُمْ يُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا عَلَى الْخِطَابِ، أَيْ: قُلْ لهم [يا محمد] [٤] إنّكم ستغلبون وتحشرون [إلى جهنم] [٥].
ع «٣٦٥» وقال مُقَاتِلٌ: أَرَادَ مُشْرِكِي مَكَّةَ، مَعْنَاهُ: قُلْ لِكُفَّارِ مَكَّةَ سَتُغْلَبُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «إِنَّ اللَّهَ غَالِبُكُمْ وَحَاشِرُكُمْ إِلَى جَهَنَّمَ».
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَنْ أَبِي [٦] صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا لَمَّا هَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: هَذَا وَاللَّهِ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ [مُوسَى] [٧]، لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ، وَأَرَادُوا اتِّبَاعَهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَى وقعة [له] [٨] أُخْرَى، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَنُكِبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَكُّوا، فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ، فَلَمْ يُسْلِمُوا، وَقَدْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ إِلَى مُدَّةٍ فَنَقَضُوا ذَلِكَ الْعَهْدَ، وَانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي ستين راكبا إلى مكة يستفزهم [٩]، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الآية [١٠].
ع «٣٦٦» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ رِجَالِهِ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيْضًا: أَنَّهُ [١١] لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا بِبَدْرٍ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، جَمَعَ الْيَهُودَ فِي سوق بني قينقاع، وقال:
٣٦٦- ع أخرجه أبو داود ٣٠٠١ وابن جرير ٦٦٦٣، من حديث ابن عباس وفيه محمد بن أبي محمد وهو مجهول، وإن وثقه ابن حبان فقد نص على جهالته الذهبي وابن حجر.
لكن يتقوى بما أخرجه ابن جرير ٦٦٦٤ عن قتادة مرسلا بنحوه و٦٦٦٧ من وجه آخر عن عكرمة، وذكره الواحدي ١٩٢ عن ابن إسحاق بهذا السياق.
(١) زيد في المخطوط هاهنا العبارة الآتية بين معقوفتين.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع هاهنا، وليست هذه العبارة في- ط- أصلا.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في الأصل «ابن صالح» وهو تصحيف.
(٧) في المطبوع «وسمى» بدل «موسى».
(٨) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول».
(٩) في المخطوط «يستنفرهم». [.....]
(١٠) هذا إسناد ساقط، الكلبي متروك متهم، وأبو صالح لم يلق ابن عباس.
(١١) زيادة عن المخطوط.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا، يعني اليهود. سَتُغْلَبُونَ: تهزمون في الدنيا في قتالكم محمّدا وَتُحْشَرُونَ فِي الْآخِرَةِ إِلى جَهَنَّمَ، وَبِئْسَ الْمِهادُ: الْفِرَاشُ [٢]، أَيْ: بِئْسَ مَا مُهِّدَ لَهُمْ، يَعْنِي:
النَّارَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ [قَدْ] كَانَتْ، وَالْآيَةُ مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى الْبَيَانِ، أَيْ:
قَدْ كَانَ [لَكُمْ] [٣] بَيَانٌ، فَذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا ذُكِّرَ لِأَنَّهُ حَالَتِ [٤] الصِّفَةُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ الْمُؤَنَّثِ فَذُكِّرَ الْفِعْلُ، وَكُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَذَا وَجْهُهُ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ، أَيْ:
عِبْرَةً وَدَلَالَةً عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُ إِنَّكُمْ [٥] سَتَغْلِبُونَ، فِي فِئَتَيْنِ: فِرْقَتَيْنِ، وَأَصْلُهَا فَيْءُ [٦] الْحَرْبِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَفِيءُ إِلَى بَعْضٍ، الْتَقَتا، يَوْمَ بَدْرٍ، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، طَاعَةِ اللَّهِ، وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَمِائَتَانِ وستة وثلاثون رجلا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَصَاحِبُ رَايَةِ الْمُهَاجِرِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَصَاحِبُ رَايَةِ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا وَفَرَسَانِ فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، وَفَرَسٌ لِمَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ، وَأَكْثَرُهُمْ رَجَّالَةٌ وَكَانَ مَعَهُمْ مِنَ السِّلَاحِ سِتَّةُ أَدْرُعٍ وَثَمَانِيَةُ سُيُوفٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُخْرى كافِرَةٌ، أَيْ: فِرْقَةٌ أُخْرَى كَافِرَةٌ، هم مُشْرِكُو مَكَّةَ وَكَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، رَأْسُهُمْ [٧] عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَفِيهِمْ مِائَةُ فَرَسٍ، وَكَانَتْ حَرْبُ بَدْرٍ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ، يَعْنِي: تَرَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَهْلَ مَكَّةَ مِثْلَيِ [٨] عدد الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا حَضَرُوا قِتَالَ بَدْرٍ لِيَنْظُرُوا عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ فَرَأَوُا الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ ورأوا النصر مَعَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً وَآيَةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الرُّؤْيَةَ لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَهُ تَأْوِيلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَرَى الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْهِمْ كَمَا هُمْ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ مِثْلَيْهِمْ وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ [٩] ؟ قِيلَ:
هَذَا مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ وَعِنْدَهُ دِرْهَمٌ: أَنَا أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْ [١٠] هَذَا الدِّرْهَمِ، يَعْنِي: إِلَى مِثْلَيْهِ سِوَاهُ [١١]، فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ دراهم. والتأويل الثاني هو الْأَصَحُّ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ أَنْفُسِهِمْ قَلَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى رَأَوْهُمْ سِتَّمِائَةٍ وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ قَلَّلَهُمُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فِي حَالَةٍ أُخْرَى، حَتَّى رَأَوْهُمْ مِثْلَ عَدَدِ أَنْفُسِهِمْ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَظَرْنَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَرَأَيْنَاهُمْ [يُضْعَفُونَ عَلَيْنَا، ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَيْهِمْ فَمَا رَأَيْنَاهُمْ] [١٢]، يَزِيدُونَ [عَلَيْنَا] [١٣] رَجُلًا وَاحِدًا، ثُمَّ قَلَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى رأوهم
(٢) زيد في المطبوع «أي».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المخطوط «جالت القصة».
(٥) في المخطوط وط «أنكم».
(٦) في المطبوع «أفيء» وفي المخطوط «في» والمثبت عن- ط.
(٧) في المخطوط وط «رأسهم».
(٨) في المطبوع «مثل».
(٩) في المطبوع «أمثال».
(١٠) في المخطوط «مثل».
(١١) في المطبوع «سواء».
(١٢) سقط من المخطوط. [.....]
(١٣) زيادة عن المخطوط.
قَالَ أَرَاهُمْ مائة [١]. وقال بَعْضُهُمُ: الرُّؤْيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: يَرَى الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْهِمْ، قَلَّلَهُمُ اللَّهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ لِيَجْتَرِئَ [٢] الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ، ولا ينصرفوا [عنهم] [٣]، فَلَمَّا أَخَذُوا فِي الْقِتَالِ كَثَّرَهُمُ [اللَّهُ] [٤] فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، لِيَجْبُنُوا، وَقَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَجْتَرِئُوا [عليهم] [٥]، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الْأَنْفَالِ:
٤٤]. قَوْلُهُ تَعَالَى: رَأْيَ الْعَيْنِ، أَيْ: فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصفة، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ، [أي: في] [٦] الَّذِي ذَكَرْتُ، لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ، لِذَوِي الْعُقُولِ، وَقِيلَ: لِمَنْ أَبْصَرَ الجمعين.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤]
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ، جَمْعُ شَهْوَةٍ، وَهِيَ مَا تَدْعُو النَّفْسُ إِلَيْهِ، مِنَ النِّساءِ، بَدَأَ بِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ، جَمْعُ قِنْطَارٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:
الْقِنْطَارُ الْمَالُ الْكَثِيرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ [٧].
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالضَّحَّاكُ: أَلْفٌ وَمِائَتَا مِثْقَالٍ، وَعَنْهُمَا رِوَايَةٌ أُخْرَى: اثْنَا عشر ألف درهم أو ألف دِينَارٍ، دِيَةُ أَحَدِكُمْ. وَعَنِ الْحَسَنِ قال: الْقِنْطَارُ دِيَةُ أَحَدِكُمْ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ:
هُوَ مِائَةُ أَلْفٍ وَمِائَةُ مَنٍّ [٨] وَمِائَةُ رَطْلٍ وَمِائَةُ مِثْقَالٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلَقَدْ جاء الإسلام وَبِمَكَّةَ مِائَةُ رَجُلٍ قَدْ قَنْطَرُوا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ: ثَمَانُونَ أَلْفًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ أَلْفًا. وَعَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أَرْبَعَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ، وَقَالَ الْحَكَمُ: الْقِنْطَارُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَالٍ، وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ [٩] : مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً. وَسُمِّيَ قِنْطَارًا مِنَ الْإِحْكَامِ، يُقَالُ: قَنْطَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَحْكَمْتُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَنْطَرَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: الْمُقَنْطَرَةِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: الْمُحَصَّنَةُ الْمُحْكَمَةُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْكَثِيرَةُ الْمُنَضَّدَةُ بَعْضُهَا فوق بعض. وَقَالَ يَمَانُ [بْنُ رَبَابٍ] [١٠] : هِيَ المدفونة. وقال السدي: [هي] [١١] الْمَضْرُوبَةُ الْمَنْقُوشَةُ حَتَّى صَارَتْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُضَعَّفَةُ. فَالْقَنَاطِيرُ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُقَنْطَرَةُ تِسْعَةٌ، مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قيل: سُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ ولا يبقى، والفضة فضة لِأَنَّهَا تَنْفَضُّ، أَيْ: تَتَفَرَّقُ، وَالْخَيْلِ:
الْخَيْلُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَاحِدُهَا فَرَسٌ، كَالْقَوْمِ وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمَا، الْمُسَوَّمَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَسْوِيمُهَا حُسْنُهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ الرَّاعِيَةُ، يُقَالُ: أَسَامَ الخيل
(٢) فِي المخطوط «فيجترئوا». وليس فيه «المشركون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع «لكل أوقية أربعين درهما» وهذه الزيادة ليست في المخطوط وط- ولا في «الدر المنثور» و «تفسير الطبري».
(٨) في المخطوط «مد».
(٩) في المطبوع «نصرة».
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) زيد في المطبوع.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥]
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥)
قوله تعالى: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ، أي: أخبركم بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ، قرأ الْعَامَّةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْعُدْوَانِ وَالْعِدْوَانِ.
«٣٦٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ [٤] بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لأهل الجنّة: فيقولون: لبّيك يا ربّنا وسعديك والخير فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فيقولون: يا رب [و] [٥] ما لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا [٦] وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أحلّ لكم [٧] رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦ الى ١٨]
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» (٤٢٩٠) من وجه آخر عن ابن وهب بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٧٥١٨) عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨٢٩ وابن مندة في «الإيمان» (٨٢٠) وابن حبان ٧٤٤٠ وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٤٢ وفي «صفة الجنة» (٢٨٢) والبيهقي في «البعث» (٤٤٥) من طرق عن ابن وهب به.
- وأخرجه البخاري ٦٥٤٩ ومسلم ٢٨٢٩ والترمذي ٢٥٥٥ والنسائي في «الكبرى» (٧٧٤٩) وأحمد ٣/ ٨٨ وابن مندة ٨٢٠ والبيهقي في «البعث» (٤٤٥) من طريق ابن المبارك عن مالك به. وهو في «زهد ابن المبارك» برقم: (٤٣٠).
(١) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) في المخطوط «تزهيد».
(٤) في الأصل «زين» وهو تصحيف.
(٥) زيد في المطبوع وط- وصحيح البخاري، وليس في المخطوط و «شرح السنة».
(٦) في المطبوع «يا رب».
(٧) في المطبوع «عليكم».
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ، إِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهَا عَلَى الْمَدْحِ، وَإِنْ شِئْتَ خَفَضْتَهَا عَلَى النَّعْتِ، يَعْنِي:
الصابرين في أداء الأوامر، وَعَنِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ، وَعَلَى [٢] الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ وَالصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ قَوْمٌ صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ فَصَدَقُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقانِتِينَ: الْمُطِيعِينَ الْمُصَلِّينَ، وَالْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ [٣]، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْمُصَلِّينَ بِالْأَسْحَارِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصبح في الجماعة، وقيد [٤] بِالسَّحَرِ لِقُرْبِهِ مِنَ الصُّبْحِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرُوا، وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحْيِي اللَّيْلَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَسْحَرْنَا؟ فَأَقُولُ: لَا، فَيُعَاوِدُ الصَّلَاةَ، فَإِذَا قُلْتُ: نَعَمْ، [قَعَدَ وأخذ] [٥] يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ.
«٣٦٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [٦] الْحَسَنُ بْنِ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، أنا قتيبة أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [٧] عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى الثلث الأخير، فيقول: أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ، مَنْ ذَا الذي يستغفرني فأغفر له».
- وهو في «شرح السنة» (٩٤١) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٧٥٨ من طريق قتيبة بن سعيد به.
- وأخرجه الترمذي ٤٤٦ وأحمد ٢/ ٢٨٢ و٤١٩ وابن خزيمة في «التوحيد» ص (١٣٠) من طريق سهيل بن أبي صالح به.
- أخرجه البخاري ١١٤٥ و٦٣٢١ ومسلم ٧٥٨ وأبو داود ١٣١٥ وابن خزيمة في «التوحيد» ص (١٢٧) وابن أبي عاصم ٤٩٢ وابن حبان ٩٢٠ والبيهقي ٣/ ٢ من طريق مالك عن الزهري، عن الأغر وأبي سلمة، عن أبي هريرة به وهو في «الموطأ» (١/ ٢١٤).
وأخرجه مسلم ٧٥٨ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (٤٧٧ و٤٧٨ و٤٨٣) وأحمد ٢/ ٢٥٨ و٥٠٤ والدارمي ١/ ٣٤٦ وابن أبي عاصم ٤٩٥ وابن خزيمة ص ١٢٩ وابن حبان ٩١٩ من طرق من حديث أبي هريرة.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «عن».
(٣) زيد في المخطوط وحده «ورسوله».
(٤) في المطبوع وط «قيل».
(٥) زيد في المطبوع وط- ولفظ «وأخذ» سقط من- ط أيضا.
(٦) في الأصل «أبو محمد بن الحسن» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
(٧) في الأصل «عبد الله» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح مسلم». و «كتب التراجم». [.....]
قَوْلُهُ تَعَالَى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَصَارَى نجران.
ع ٣٦»
قال الْكَلْبِيُّ: قَدِمَ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَا الْمَدِينَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ بِصِفَةِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فلما دخلا عليه [ورأياه] [١] عرفاه بالصفة [التي رأياها له في كتبهم] [٢]، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَا لَهُ: وَأَنْتَ أَحْمَدُ؟ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ»، قَالَا لَهُ: فَإِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَإِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهِ آمَنَّا بِكَ وصدقناك، فقال: اسألا [٣]، قالا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَعْظَمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَسْلَمَ الرَّجُلَانِ.
قَوْلُهُ: شَهِدَ اللَّهُ، أَيْ: بيّن الله، لأن الشهادة تبيين، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَكَمَ اللَّهُ، وَقِيلَ: عَلِمَ اللَّهُ، [وَقِيلَ: أَعْلَمَ اللَّهُ] [٤] أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ، وَخَلَقَ الْأَرْزَاقَ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ، فَشَهِدَ بِنَفْسِهِ [لِنَفْسِهِ] [٥] قَبْلَ أن يخلق الخلق حين كان ولم يكن سَمَاءٌ وَلَا أَرْضٌ وَلَا بَرٌّ وَلَا بَحْرٌ، فَقَالَ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وَقَوْلُهُ: وَالْمَلائِكَةُ، أَيْ: وَشَهِدَتِ الْمَلَائِكَةُ [٦]، قِيلَ: مَعْنَى شَهَادَةِ اللَّهِ: الْإِخْبَارُ وَالْإِعْلَامُ، وَمَعْنَى شَهَادَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ: الإقرار، وَأُولُوا الْعِلْمِ، يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عُلَمَاءُ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سلام وأصحابه. وقال السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: [يَعْنِي] [٧] جَمِيعَ عُلَمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. قائِماً بِالْقِسْطِ، أَيْ: بِالْعَدْلِ، ونظم الْآيَةِ: شَهِدَ اللَّهُ قَائِمًا [بِالْقِسْطِ] [٨]، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: نَصْبٌ عَلَى الْقَطْعِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قائِماً بِالْقِسْطِ، أَيْ:
قَائِمًا بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ قَائِمٌ بِأَمْرِ فُلَانٍ، أَيْ: مُدَبِّرٌ لَهُ وَمُتَعَهِّدٌ لشأنه [٩]، وفلان قائم بِحَقِّ فُلَانٍ أَيْ: مُجَازٍ لَهُ، فالله تعالى مدبر ورازق ومجاز بِالْأَعْمَالِ، لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٩]
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ، يعني: الدين المرضي [لله] [١٠] الصحيح، كما قال: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [الْمَائِدَةِ: ٣]، وَقَالَ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آلِ عِمْرَانَ: ٨٥]، وَفَتَحَ الْكِسَائِيُّ الْأَلِفَ مِنْ إِنَّ الدِّينَ رَدًّا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى، تَقْدِيرُهُ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَشَهِدَ أن الدين
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «نعم» والمثبت عن المخطوط وط. وفي «أسباب النزول» «سلاني».
(٤) زيادة عن نسخة- ط-.
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
(٦) زيد في المخطوط «و».
(٧) ليس في المخطوط.
(٨) ليس في المخطوط.
(٩) في المطبوع «لأسبابه».
(١٠) زيادة عن المخطوط.
«٣٧٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أبو عمر الفزاري أَنَا أَبُو مُوسَى عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَا عَمَّارُ بْنُ عُمَرَ [١] بْنِ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ، قَالَ: أَتَيْتُ الْكُوفَةَ فِي تِجَارَةٍ فَنَزَلْتُ قَرِيبًا مِنَ الْأَعْمَشِ، وكنت أختلف إليه، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أتحدّر إِلَى الْبَصْرَةِ، فَإِذَا الْأَعْمَشُ قَائِمٌ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)، ثُمَّ قَالَ الْأَعْمَشُ: وَأَنَا أَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللَّهُ بِهِ، وَأَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهِيَ لِي عِنْدَ اللَّهِ وَدِيعَةٌ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ، قَالَهَا مِرَارًا. قُلْتُ: لَقَدْ سَمِعَ فِيهَا شَيْئًا، فَصَلَّيْتُ الصبح معه وودعته، ثم قال: قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ آيَةً تُرَدِّدُهَا، فَمَا بَلَغَكَ فِيهَا؟
[قَالَ لي: أو ما بَلَغَكَ مَا فِيهَا؟ قُلْتُ: أَنَا عِنْدَكَ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَمْ تُحَدِّثْنِي] [٢]، قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكَ بِهَا إلى سنة، فمكثت [٣] عَلَى بَابِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَأَقَمْتُ سَنَةً فَلَمَّا مَضَتِ السَّنَةُ قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ [قَدْ] [٤] مَضَتِ السنة، فقال: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [٥] قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّ لِعَبْدِي هَذَا عِنْدِي عَهْدًا وأنا أحقّ
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٥/ ٣٥- ٣٦) من طريق الحسن بن سفيان، عن عبدان وحمدان بن حفص، عن عمار بن عمر به.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» (٢٤١٤) من طريق الحسن بن سفيان وأحمد بن داود، عن عمار بن عمر به.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١٠٤٥٣) وابن الجوزي في «العلل» (١٤٦ و١٤٧ و١٤٨) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٧/ ١٩٣) والواحدي ١/ ٤٢١ «الوسيط» من طريق عمار بن عمر المختار به، ووقع في الرواية الأولى لابن الجوزي وكذا عند الخطيب «عمار بن عمران» بدل «بن عمر» وهو خطأ.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم تفرد به عمر بن المختار وعمر يحدث بالأباطيل، وفي الطريق الأول عمران، وهو غلط إنما هو «عمار بن عمر» قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به اهـ.
وكذا أعله ابن عدي بعمر بن المختار وقال: يحدث بالبواطيل عن يونس بن عبيد وغيره اهـ.
وضعفه البيهقي كما في «الدر المنثور» (٢/ ٢١). والصواب أنه ضعيف جدا شبه موضوع.
(١) في الأصل «عمرو» وهو تصحيف.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط. [.....]
(٣) تصحف في المطبوع إلى «فكتبت».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) وقع في الأصل «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما» وهذا ليس في باقي النسخ، والظاهر أنها زيادة من النساخ، والتصويب عن «ط» وكتب التخريج المتقدمة، ثم إن رجال الإسناد كوفيون، فالصواب كونه ابن مسعود فإنه إمام أهل الكوفة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نزلت [هذه الآية] [١] فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ تَرَكُوا الْإِسْلَامَ، أَيْ: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ، يَعْنِي: بَيَانَ نَعْتِهِ فِي كُتُبِهِمْ، وقال الربيع بن أنس: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاسْتَوْدَعَهُمُ التَّوْرَاةَ وَاسْتَخْلَفَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ، فَلَمَّا مَضَى الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ أَبْنَاءِ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ، حَتَّى أَهْرَقُوا بَيْنَهُمُ الدِّمَاءَ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالِاخْتِلَافُ وَذَلِكَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، يَعْنِي بَيَانَ مَا فِي التَّوْرَاةِ، بَغْياً بَيْنَهُمْ، أَيْ: طَلَبًا لِلْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَابِرَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزبير:
نَزَلَتْ [هَذِهِ الْآيَةُ] [٢] فِي نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَعْنَاهَا [٣] : وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، يَعْنِي: الْإِنْجِيلَ فِي أَمْرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفَرَّقُوا الْقَوْلَ فِيهِ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَغْياً بَيْنَهُمْ، أَيْ: لِلْمُعَادَاةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٠]
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ حَاجُّوكَ، أَيْ: خَاصَمُوكَ يَا مُحَمَّدُ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قالوا:
ألسنا [عَلَى] [٤] مَا سَمَّيْتَنَا بِهِ يَا محمد وإنما الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ نَسَبٌ، وَالدِّينُ هُوَ الْإِسْلَامُ وَنَحْنُ عَلَيْهِ؟
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ، أَيِ: انْقَدْتُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِقَلْبِي وَلِسَانِي وَجَمِيعِ جَوَارِحِي، وَإِنَّمَا خُصَّ الوجه لأنه أكرم الجوارح للإنسان، وَفِيهِ بَهَاؤُهُ فَإِذَا خَضَعَ وَجْهُهُ للشيء فقد خَضَعَ لَهُ جَمِيعُ جَوَارِحِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ أَخْلَصْتُ عَمَلِي لِلَّهِ، وَمَنِ اتَّبَعَنِ، أَيْ: وَمَنِ اتَّبَعَنِي فأسلم كَمَا أَسْلَمْتُ، وَأَثْبَتَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو الْيَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «اتَّبَعَنِي» عَلَى الْأَصْلِ وَحَذَفَهَا الْآخَرُونَ عَلَى الْخَطِّ لِأَنَّهَا [٥] فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَقَوْلُهُ: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ، يَعْنِي: الْعَرَبَ أَأَسْلَمْتُمْ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، أي: وأسلموا، كَمَا قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [الْمَائِدَةِ: ٩١]، أَيِ: انْتَهُوا، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، فَقَرَأَ [٦] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: أَسْلَمْنَا، فقال لليهود: أتشهدون أن عزيزا عبده ورسوله؟ فَقَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ [أَنْ يَكُونَ عزيز عليه السلام عبدا] [٧]، وَقَالَ لِلنَّصَارَى: أَتَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عِيسَى عَبْدًا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، أَيْ: تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ الْهِدَايَةُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ، عَالِمٌ بِمَنْ يُؤْمِنُ وَبِمَنْ لَا يُؤْمِنُ.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد لفظ «معناها» في المطبوع وط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «الخطأ لأنها».
(٦) لم أره مسندا.
(٧) سقط من المخطوط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، قَرَأَ حَمْزَةُ «وَيُقَاتِلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ» بألف، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ الْوَحْيُ يَأْتِي عَلَى أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ [١] فَيُذَكِّرُونَ قَوْمَهُمْ فَيُقْتَلُونَ [٢]، فَيَقُومُ رِجَالٌ مِمَّنِ اتَّبَعَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَيُذَكِّرُونَ قَوْمَهُمْ فَيُقْتَلُونَ أَيْضًا فَهُمُ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ.
«٣٧١» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ] فَنْجُوَيْهِ الدَّيْنَوَرِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مَنْصُورُ بْنُ جَعْفَرٍ النُّهَاوَنْدِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْجَارُودِ [٣] أَنَا مُحَمَّدُ بن عمرو بن حنان [٤] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
قلت لِرَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ رَجُلًا أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ»، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا عُبَيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَامَ مِائَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَنْ عُبَّادِ بَنِي إسرائيل، فأمروا من قتلوهم [٥] بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَتَلُوهُمْ جَمِيعًا فِي آخِرِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَأَنْزَلَ الْآيَةَ فيهم».
فَبَشِّرْهُمْ: أَخْبِرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، وَجِيعٍ، وَإِنَّمَا أدخل الفاء على الباء في خبر إِنَّ لتضمن الذين معنى الشرط والجزاء، وَتَقْدِيرُهُ: الَّذِينَ يَكْفُرُونَ وَيَقْتُلُونَ فَبَشِّرْهُمْ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: إِنَّ زَيْدًا فقائم.
وأخرجه الطبري ٦٧٧٧ من طريق محمد بن حفص، عن محمد بن حمير به. وإسناده ضعيف لضعف محمد بن حفص الحمصي، ضعفه ابن مندة كما في «الميزان».
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٦٣) والبزار ٣٣١٤ «كشف» ومداره على أبي الحسن مولى بني أسد، وهو مجهول كما قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٣٤٨).
وقال الهيثمي في «المجمع» (١٢١٦٦) : فيه ممن لم أعرفه اثنان اهـ.
- وفي الباب من حديث ابن عباس بلفظ «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي....» أخرجه البيهقي في «الشعب» (٧٨٨٨) وإسناده واه، فيه محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف متروك.
(١) زيد في المطبوع «الله».
(٢) زيد في المطبوع «أنبيائهم».
(٣) في المخطوط «الجاربودي». [.....]
(٤) وقع في الأصل «حيان» وهو تصحيف.
(٥) في المخطوط وط «قتلهم».
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ، اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ دُعُوا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ فَأَعْرَضُوا عَنْهُ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُرْآنَ حُكْمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَكَمَ الْقُرْآنُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ الْهُدَى، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالَ آخرون: هو [٣] التوراة.
ع «٣٧٢» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: «على ملّة إبراهيم»، فقالا: إن إبراهيم كان يهوديا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلُمُّوا إِلَى التَّوْرَاةِ، فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ»، فَأَبَيَا عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
ع «٣٧٣» وَرَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ زَنَيَا، وَكَانَ فِي كِتَابِهِمُ الرَّجْمُ فَكَرِهُوا رَجْمَهُمَا لِشَرَفِهِمَا فِيهِمْ، فَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا [٤] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ [٥]، فَحَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالرَّجْمِ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ أَوْفَى وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو: جُرْتَ عَلَيْهِمَا يَا مُحَمَّدُ لَيْسَ عَلَيْهِمَا الرَّجْمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بيني وبينكم التوراة»، فقالوا: قَدْ أَنْصَفَتْنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَعْلَمُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ» ؟ قَالُوا: رَجُلٌ أَعْوَرُ يَسْكُنُ فَدَكَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ صُورِيَّا، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ جِبْرِيلُ قَدْ وَصَفَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ ابْنُ صُورِيَّا»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَنْتَ أَعْلَمُ الْيَهُودِ» ؟ قَالَ: كَذَلِكَ يَزْعُمُونَ، قَالَ:
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنَ التَّوْرَاةِ [فيها الرجم] [٦]، فَقَالَ لَهُ: «اقْرَأْ»، فَلَمَّا أَتَى عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ كَفَّهُ عَلَيْهَا، وَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَاوَزَهَا، فَقَامَ فَرَفَعَ كَفَّهُ عَنْهَا، ثُمَّ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْيَهُودِ بِأَنَّ الْمُحْصَنَ وَالْمُحْصَنَةَ إِذَا زَنَيَا وَقَامَتْ عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ رُجِمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حُبْلَى تُرُبِّصَ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَهُودِيَّيْنِ فَرُجِمَا فَغَضِبَ الْيَهُودُ لِذَلِكَ وَانْصَرَفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ التوراة
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (١٩٥) معلقا بدون إسناد.
٣٧٣- ع هذا إسناد ساقط، الكلبي متروك متهم، وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس، وأصل الخبر صحيح يأتي في سورة المائدة آية: ٤١، وليس فيه ذكر نزول الآية، بل فيه قصة الرجم وبعض هذه القصة.
(١) زيادة عن- ط-.
(٢) زيد في المخطوط «الله منه شيء في الدنيا».
(٣) في المخطوط «هي».
(٤) في المطبوع «أمرهم».
(٥) زيد في المخطوط «في الرجم».
(٦) زيادة عن المخطوط وط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَالْغُرُورُ: هُوَ الْإِطْمَاعُ فِيمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، مَا كانُوا يَفْتَرُونَ، وَالِافْتِرَاءُ: اخْتِلَاقُ الْكَذِبِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ، أَيْ: فَكَيْفَ حَالُهُمْ أَوْ كَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ، لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَوُفِّيَتْ، وُفِّرَتْ [١] كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، أَيْ: جَزَاءَ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، أَيْ: لَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ وَلَا يُزَادُ على سيئاتهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ:
ع «٣٧٤» قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ فِي أُمَّتِهِ فَأَنْزَلَ الله تعالى هذه الآية.
ع «٣٧٥» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ الله عنه: لما فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَعَدَ أُمَّتَهُ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ. [قَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مِنْ أَيْنَ لمحمد مُلْكُ فَارِسَ وَالرُّومِ؟] [٢] وَهُمْ أَعَزُّ وَأَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، أَلَمْ يَكْفِ مُحَمَّدًا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ حَتَّى طَمِعَ فِي مُلْكِ فَارِسَ وَالرُّومِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: قُلِ اللَّهُمَّ.
قِيلَ: مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ، فَلَمَّا حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ زِيدَ الْمِيمُ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: للميم فيه معنى، ومعناه: يَا أَللَّهُ [٣] أُمَّنَا بِخَيْرٍ، أَيِ: اقْصِدْنَا، حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، كَقَوْلِهِمْ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، كَانَ أَصْلُهُ هَلْ أُمَّ إِلَيْنَا، ثُمَّ كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ اسْتِخْفَافًا وربما خففوا أيضا فقالوا لا همّ، قَوْلُهُ: مالِكَ الْمُلْكِ، [يَعْنِي: يَا مَالِكَ الْمُلْكِ] [٤]، أَيْ: مَالِكَ الْعِبَادِ وَمَا مَلَكُوا، وَقِيلَ: يَا مَالِكَ [٥] السموات وَالْأَرْضِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: [أَنَا اللَّهُ مَلِكُ الملوك] [٦]، ومالك الملوك [٧] قلوب الْمُلُوكِ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِي، فَإِنِ الْعِبَادُ أَطَاعُونِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً وَإِنْ عَصَوْنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً، فَلَا تَشْتَغِلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ، وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَيَّ أَعْطِفْهُمْ عَلَيْكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي ملك النبوة، وقال
٣٧٥- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (١٩٧) عن ابن عباس وأنس بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٣٥٠) : ولم أجد له إسنادا اهـ فالخبر ليس بحجة، بل هو لا شيء لخلوه عن الإسناد.
(١) لفظ «وفرت» ليس في المخطوط وهو في المطبوع وط.
(٢) سقط من المخطوط. [.....]
(٣) في المطبوع «اللهم».
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) في المطبوع «يا ملك».
(٦) زيد في المطبوع وط.
(٧) في المخطوط «الملك».
[سُورَةُ آل عمران (٣) : آية ٢٧]
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ، أَيْ: تُدْخِلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، حَتَّى يَكُونَ النَّهَارُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَاللَّيْلُ تِسْعَ سَاعَاتٍ، وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، حَتَّى يَكُونَ اللَّيْلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالنَّهَارُ تِسْعَ سَاعَاتٍ، فَمَا نَقَصَ مِنْ أَحَدِهِمَا زَادَ فِي الْآخَرِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ الْمَيِّتِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي الْأَنْعَامِ وَيُونُسَ وَالرُّومِ [٦]، وفي الأعراف: لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف: ٥٧]، وَفِي فَاطِرٍ: إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ [فاطر: ٩]، زَادَ نَافِعٌ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: ١٢٢]، ولَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات: ١٢] والْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها [يس:
٣٣] فيشددها والآخرون يخففونها وشدّد يعقوب وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ولَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات: ١٢]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ: يُخْرِجُ الْحَيَوَانَ مِنَ النُّطْفَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ، وَيُخْرِجُ النُّطْفَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ، [وهو حيّ] [٧]، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، أَيِ: الْفَرْخَ مِنَ الْبَيْضَةِ وَيُخْرِجُ الْبَيْضَةَ مِنَ الطَّيْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ، فَالْمُؤْمِنُ حَيُّ الْفُؤَادِ وَالْكَافِرُ مَيِّتُ الْفُؤَادِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الْأَنْعَامِ: ١٢٢]، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُخْرِجُ النَّبَاتَ الْغَضَّ الطَّرِيَّ مِنَ الْحَبِّ الْيَابِسِ، وَيُخْرِجُ الحب اليابس من النبات الطري [٨] النامي.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(٦) الأنعام: ٩٥ ويونس: ٣١ والروم: ١٩.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «الْحَيِّ».
«٣٧٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بن محمد الحيري [١] أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ أَنَا محمد بن [زنبور بْنُ أَبِي] [٢] الْأَزْهَرِ أَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ محمد بن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَتَيْنِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ شَهِدَ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ، وقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ إِلَى قَوْلِهِ: بِغَيْرِ حِسابٍ مشفّعات [٣] معلقات بالعرش [٤] مَا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ، قُلْنَ: يَا رَبُّ تُهْبِطُنَا إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى مَنْ يَعْصِيكَ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِي حَلَفْتُ لَا يَقْرَؤُكُنَّ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ عَلَى ما كان منه وأسكنته حظيرة القدس، ونظرت إِلَيْهِ بِعَيْنِيَ الْمَكْنُونَةِ، [كُلَّ يَوْمٍ سبعين مرة] [٥] وقضيت لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ حَاجَةً أدناها المغفرة، وأعذته مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ وَحَاسِدٍ، وَنَصَرْتُهُ منهم». [رواه الحارث بن عمير وهو ضعيف] [٦].
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٨]
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
كَانَ الحجاج بن عمرو وابن أَبِي الْحُقَيْقِ وَقَيْسُ بْنُ زَيْدٍ [يبطنون بِنَفَرٍ] [٧] مِنَ الْأَنْصَارِ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ خَيْثَمَةَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ: اجْتَنِبُوا هؤلاء اليهود لا يفتنوكم عن دينكم [ويخرجوكم عن طاعة الله ورسوله] [٨]، فَأَبَى أُولَئِكَ النَّفَرُ إِلَّا مُبَاطَنَتَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَغَيْرِهِ، وَكَانُوا يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِكُفَّارِ مَكَّةَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ: عَبْدِ اللَّهِ بن أبي
- وأخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (١٢٥) وابن حبان في «المجروحين» (١/ ٢٢٣) وابن الجوزي في «الموضوعات» (١/ ٢٤٤- ٢٤٥) من طريق محمد بن زنبور بن أبي الأزهر، عن الحارث بن عمير به.
قال ابن حبان: موضوع لا أصل له، والحارث بن عمير كان يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات.
ووافقه ابن الجوزي وزاد: وقال ابن خزيمة: الحارث كذاب، ولا أصل لهذا الحديث اهـ. وضعفه المصنف بالحارث بن عمير! وانظر «تفسير الشوكاني» (٤٧٩) بتخريجي، وهو حديث باطل لا أصل له، وألفاظه تدل على وضعه، والله أعلم. [.....]
(١) في المطبوع «الحنقي».
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من «التقريب» و «تهذيب الكمال» للمزي.
(٣) «مشفعات» سقط من المخطوط.
(٤) لفظ «بالعرش» سقط من المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
(٦) زيد في المطبوع وط.
(٧) كذا في المطبوع، وفي- ط «يظنون بنفر» وهو في «أسباب النزول» «يباطنون نفرا» وتصحف في المخطوط إلى ناظر والنفر».
(٨) زيادة عن المخطوط، وليست في النسخ وكتب الحديث والأثر.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠)
. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [١٢]، ما في قلوبكم من مودّة الكفارة، أَوْ تُبْدُوهُ من مُوَالَاتُهُمْ، قَوْلًا وَفِعْلًا، يَعْلَمْهُ اللَّهُ، قال الْكَلْبِيُّ: إِنْ تُسِرُّوا مَا فِي قُلُوبِكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّكْذِيبِ، أَوْ تُظْهِرُوهُ بِحَرْبِهِ وَقِتَالِهِ، يَعْلَمْهُ اللَّهُ ويحفظه عليكم حتى يجازيكم [في الدنيا بالأسر والقتل بنصره عليكم وفي الآخرة بالعذاب الشديد] [١٣]، ثم قال: وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي: [إِذَا كَانَ] [١٤]
(٢) في المخطوط «عورات».
(٣) في المخطوط «مصدره».
(٤) في المخطوط «عن اللفظ».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط وط.
(٩) سقط من المخطوط.
(١٠) في المخطوط «النهي».
(١١) في المخطوط «الأمر».
(١٢) زيادة عن المخطوط، وفي ط «أي» بدل «ما في».
(١٣) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(١٤) ما بين المعقوفتين في المخطوط «إذ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ نصب يَوْمَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، أَيْ: فِي يَوْمِ، وَقِيلَ:
بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيِ اذْكُرُوا وَاتَّقُوا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ، مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً لَمْ يُبْخَسْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً [الْكَهْفِ: ٤٩]، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَبَرًا [١] فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، أَيْ تَجِدُ مُحْضَرًا مَا عَمِلَتْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَتُسَرُّ بِمَا عَمِلَتْ مِنَ الْخَيْرِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَبَرًا [٢] مُسْتَأْنَفًا، دَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ وَدَّتْ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا»، قَوْلُهُ تَعَالَى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها، أَيْ: بَيْنَ النَّفْسِ وَبَيْنَهُ، يَعْنِي: وَبَيْنَ السُّوءِ أَمَداً بَعِيداً، قَالَ السُّدِّيُّ: مَكَانًا بَعِيدًا، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالْأَمَدُ الْأَجَلُ، وَالْغَايَةُ الَّتِي ينتهى إليها، قال الْحَسَنُ: يَسُرُّ أَحَدَهُمْ أَنْ لَا يَلْقَى عَمَلَهُ أَبَدًا، وَقِيلَ: يَوَدُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا: نَحْنُ أبناء الله وأحبّاؤه.
ع «٣٧٧» وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ نَصَبُوا أَصْنَامَهُمْ وَعَلَّقُوا عَلَيْهَا بَيْضَ النَّعَامِ وَجَعَلُوا فِي آذَانِهَا الشُّنُوفَ [٣] وَهُمْ يَسْجُدُونَ لَهَا، فَقَالَ:
«والله [٤] يا معشر قريش لَقَدْ خَالَفْتُمْ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ»، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: إِنَّمَا نَعْبُدُهَا حُبًّا لِلَّهِ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وَتَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ليقرّبوكم إليه [زلفى] [٥]، فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، فَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ وَحُجَّتُهُ عَلَيْكُمْ، [أَيِ:] [٦] اتَّبِعُوا شَرِيعَتِي وَسُنَّتِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، فَحُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ اتِّبَاعُهُمْ أَمْرَهُ وَإِيثَارُ طَاعَتِهِ، وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ وَحُبُّ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ وَثَوَابُهُ لَهُمْ وَعَفْوُهُ عَنْهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[و] [٧] قيل: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ طَاعَتَهُ كَطَاعَةِ الله
١ في المطبوع «خيرا».
٢ في المطبوع «خيرا».
(٣) الشنف: القرط الأعلى.
(٤) زيد في المطبوع «والله» وليس في- ط والمخطوط وكتب الأثر.
(٥) زيادة من المخطوط. [.....]
(٦) زيادة من المخطوط.
(٧) زيادة من المخطوط.
«٣٧٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ أَنَا فُلَيْحٌ أَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ [٢] أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
«٣٧٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ أَنَا يزيد أنا سُلَيْمُ [٣] بْنُ حَيَّانَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، [فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا]]
، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا [لَهُ] [٥] يَفْقَهْهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: فَالدَّارُ [٦] : الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الناس.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)
قوله تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَتِ الْيَهُودُ نَحْنُ مِنْ أَبْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي: إن الله اصطفى
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٧٢٨٠) عن محمد بن سنان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٦١ والحاكم ١/ ٥٥ من طريق فليح بن سليمان به.
- وفي الباب من أبي سعيد الخدري أخرجه ابن حبان ١٧ والطبراني في «الأوسط» (٨١٢) وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٧٠) : ورجاله رجال الصحيح اهـ.
- ومن حديث أبي أمامة الباهلي أخرجه أحمد ٥/ ٢٥٨ والحاكم ١/ ٥٥ و٤/ ٢٤٧ والطبراني في «الأوسط» (٣١٧٣).
قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح غير علي بن خالد، وهو ثقة اهـ.
٣٧٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، يزيد هو ابن هارون وهو في «شرح السنة» (٩٣) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٧٢٨١) عن محمد بن عبادة بهذا الإسناد.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «من» وليس بشيء.
(٣) في الأصل «سليمان» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
(٤) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «أما الدار» والمثبت عن «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ كُلَّهُمْ مِنْ نسلهم، عَلَى الْعالَمِينَ [أَيْ عَالَمِي زَمَانِهِمْ] [٤].
ذُرِّيَّةً، اشْتِقَاقُهَا مِنْ ذَرَأَ بِمَعْنَى خَلَقَ، وَقِيلَ: مِنَ الذَّرِّ لِأَنَّهُ استخرجهم مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ، وَيُسَمَّى الْأَوْلَادُ [٥] وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةً، فَالْأَبْنَاءُ ذُرِّيَّةٌ، لِأَنَّهُ ذَرَأَهُمْ، وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةٌ لِأَنَّهُ ذَرَأَ الْأَبْنَاءَ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ [يس: ٤١]، أَيْ: آبَاءَهُمْ، ذُرِّيَّةً نصب على معنى: اصطفى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أَيْ: بَعْضُهَا مِنْ وَلَدِ بَعْضٍ، وَقِيلَ: بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فِي التَّنَاصُرِ، وَقِيلَ: بَعْضُهَا عَلَى دِينِ بَعْضٍ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ، وهي حنة بنت فاقوذا [٦] أم مريم، وعمران: هو [٧] ابن ماثان، وليس [هو] [٨] بِعِمْرَانَ أَبِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأن [٩] بينهما ألفا وثمانمائة سنة، [وقيل: كان بين إبراهيم وموسى عليهما السلام أَلْفُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى عليهما السلام ألفا سنة] [١٠]، وكان بنو [١١] ماثان [١٢] رؤوس بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ، وَقِيلَ: عِمْرَانُ بْنُ أَشْهَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، أَيْ: جَعَلْتُ الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا نَذْرًا مني لك [١٣]، وَالنَّذْرُ: مَا يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مُحَرَّراً، أَيْ: عَتِيقًا خَالِصًا لِلَّهِ مُفْرَغًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَلِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ، لَا أَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَكُلُّ مَا أُخْلِصَ فَهُوَ مُحَرَّرٌ، يُقَالُ: حَرَّرْتُ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقْتُهُ وَخَلَّصْتُهُ مِنَ الرِّقِّ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ الْمُحَرَّرُ إِذَا حُرِّرَ جُعِلَ في الكنيسة يقوم عليها يكنسها ويخدمها ولا يبرح [مقيما عليها] [١٤] حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، ثُمَّ يُخَيَّرُ إن أحب أقام فيها وَإِنْ أَحَبَّ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ والعلماء إلا من نسله محرّر لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّرًا إِلَّا الْغِلْمَانُ وَلَا تَصْلُحُ لَهُ الْجَارِيَةُ، لِمَا يُصِيبُهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى، فَحَرَّرَتْ أَمُّ مَرْيَمَ مَا فِي بَطْنِهَا وَكَانَتِ الْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا وَعِمْرَانَ تَزَوَّجَا أختين، وكانت إيشاع بنت فاقوذا أم يحيى عند زكريا،
(٢) في المطبوع «وآله».
(٣) في المخطوط «والد».
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) في المطبوع «فالأولاد».
(٦) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط «قاقوذا» وهو تصحيف. وعند ابن كثير «فاقوذ» وكذا عند الطبري.
(٧) زيد في المطبوع وط «عمران».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) في المخطوط وط «و» بدل «لأن».
(١٠) زيد في المطبوع وحده.
(١١) في المخطوط «أبو» والتصويب عن- ط و «الدر المنثور».
(١٢) زيد في المخطوط «من».
(١٣) زيد في المطبوع وط فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
(١٤) زيادة عن المخطوط.
وَيْحَكِ مَا صَنَعْتِ؟ أَرَأَيْتِ إِنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِكِ أُنْثَى [لَا] [٢] تَصْلُحُ لِذَلِكَ؟ فَوَقَعَا جَمِيعًا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلَكَ عِمْرَانُ وَحَنَّةُ حامل بمريم.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٦]
فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦)
فَلَمَّا وَضَعَتْها، أَيْ: وَلَدَتْهَا، إِذَا هِيَ جَارِيَةٌ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: وَضَعَتْها راجعة إلى النذيرة لا إلى [ما في بطنها] [٣]، ولذلك أُنِّثَ، قالَتْ حَنَّةُ وَكَانَتْ تَرْجُو أَنْ يَكُونَ غُلَامًا، رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، اعْتِذَارًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، بِجَزْمِ التَّاءِ إِخْبَارًا عَنِ الله تعالى عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ وَضَعَتْ بِرَفْعِ التَّاءِ جَعَلُوهَا مِنْ كَلَامِ أَمِّ مَرْيَمَ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، فِي خِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ والعبّاد الذين فيها للينها وَضَعْفِهَا وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنَ الْحَيْضِ والنفاس، وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ، وهي بِلُغَتِهِمُ الْعَابِدَةُ وَالْخَادِمَةُ، وَكَانَتْ مَرْيَمُ من أَجْمَلَ النِّسَاءِ فِي وَقْتِهَا وَأَفْضَلَهُنَّ، وَإِنِّي أُعِيذُها أَمْنَعُهَا وَأُجِيرُهَا، بِكَ وَذُرِّيَّتَها أَوْلَادَهَا مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، والشيطان الطَّرِيدُ اللَّعِينُ وَالرَّجِيمُ الْمَرْمِيُّ بِالشُّهُبِ.
«٣٨٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا من بني آدم من مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ الصَّبِيُّ صَارِخًا مِنَ [مسّ] [٤] الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.
«٣٨١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
- وهو في «شرح السنة» (٤١٠٤) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣٤٣١) عن أبو اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٣٦٦ والطبري ٦٨٨٧ من طريق الزهري به.
- وأخرجه البخاري ٤٥٤٨ ومسلم ٢٣٦٦ وأحمد ٢/ ٢٣٣ و٢٧٤- ٢٧٥ والطبري ٦٨٩١ وابن حبان ٦٢٣٥. والواحدي ١/ ٤٣١.
٣٨١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
(١) في المطبوع وط «أسنت».
(٢) سقط من المطبوع. [.....]
(٣) في المطبوع «ما» بدل «ما في بطنها» وفي- ط «ما ولد».
(٤) سقط من المطبوع.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ بِأُصْبُعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يطعن فطعن في الحجاب».
[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٧]
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
قَوْلُهُ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، أَيْ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مَرْيَمَ مِنْ حَنَّةَ، مَكَانَ الْمُحَرَّرِ، وَتَقَبَّلَ بِمَعْنَى:
قَبِلَ وَرَضِيَ، وَالْقَبُولُ: مَصْدَرُ قَبِلَ يقبل قبولا، مثل الولوع [١]، وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّقَبُّلِ: التَّكَفُّلُ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهَا، وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، مَعْنَاهُ: وَأَنْبَتَهَا فَنَبَتَتْ نَبَاتًا حَسَنًا، وَقِيلَ:
هَذَا مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ [٢]، [٣] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَمَثَلُهُ شَائِعٌ [٤] كقوله:
تَكَلَّمْتُ كَلَامًا [٥]، وَقَالَ جُوَيْبِرٌ [٦] عَنِ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، أَيْ: سَلَكَ بِهَا طَرِيقَ السُّعَدَاءِ، وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا، يَعْنِي: سَوَّى خَلْقَهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، فَكَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْيَوْمِ مَا يَنْبُتُ الْمَوْلُودُ فِي الْعَامِ، وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا، قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ: أَخَذَتْ حَنَّةُ مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْهَا، فَلَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمْلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ هَارُونَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَلُونَ مِنْ [٧] بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا يَلِي الْحَجَبَةُ مِنَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: دُونَكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَةَ، فَتَنَافَسَ فِيهَا الأحبار [أيهم يأخذها] [٨]، لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ وَصَاحِبِ قُرْبَانِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: أَنَا أَحَقُّكُمْ بِهَا، عِنْدِي خَالَتُهَا، فَقَالَتْ له الأحبار: لا تفعل ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ لِأَحَقِّ الناس بها لَتُرِكَتْ لِأُمِّهَا الَّتِي وَلَدَتْهَا، لَكِنَّا نَقْتَرِعُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ عِنْدَ مَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ، فَانْطَلَقُوا وَكَانُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا إِلَى نَهْرٍ جَارٍ، قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ، فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ فِي الْمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ ثَبَتَ قَلَمُهُ فِي الماء وصعد فَهُوَ أَوْلَى بِهَا، وَقِيلَ: كَانَ عَلَى كُلِّ قَلَمٍ اسْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ التَّوْرَاةَ فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ في الماء فارتدّ قَلَمُ زَكَرِيَّا، فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ وَانْحَدَرَتْ أَقْلَامُهُمْ وَرَسَبَتْ فِي النَّهْرِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: جَرَى قَلَمُ زَكَرِيَّا مُصْعِدًا إِلَى أَعْلَى الْمَاءِ وَجَرَتْ أَقْلَامُهُمْ بجري الماء، قال السُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ:
بَلْ ثَبَتَ قَلَمُ زَكَرِيَّا وَقَامَ فَوْقَ الْمَاءِ كَأَنَّهُ فِي طِينٍ، وَجَرَتْ أَقْلَامُهُمْ مَعَ جَرْيَةِ الْمَاءِ [فَذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ] [٩]، فسهمهم وقرعهم زكريا، وكان رَأْسَ الْأَحْبَارِ وَنَبِيَّهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا، قَرَأَ حَمْزَةُ
وأخرجه الحميدي ١٠٤٢ من طريق أبي الزناد به.
وأخرجه مسلم ٢٣٦٦ ح ١٤٧ والطبري ٦٨٨٩ وابن حبان ٦٢٣٤ من طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة.
وأخرجه الطبري ٦٨٧٩ و٦٨٨٠ من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أبي هريرة مرفوعا.
وانظر ما تقدم.
(١) في المطبوع «الولوغ والوزوع».
(٢) في المطبوع «الصدر» وفي المخطوط «مصدر» والمثبت عن- ط وتفسير الطبري (٣/ ٢٤٠).
(٣) زيد في المطبوع «أي المصدر».
(٤) في المطبوع «سائغ».
(٥) لو كان مصدرا على اللفظ لكان الكلام «تكلمت تكلما». ومثل: «أنبتها إنباتا»، فتنبه، والله الموفق.
(٦) تصحف في المطبوع إلى «جرير».
(٧) لفظ من ليس في المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط وط.
وَاللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنَا وَأَصَابَنَا مِنَ السَّنَةِ مَا تَرَى فَتَدَافَعُوهَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا مِنْ حَمْلِهَا بُدًّا فَتَقَارَعُوا عَلَيْهَا بِالْأَقْلَامِ، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى رَجُلٍ نَجَّارٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ مَرْيَمَ، فَحَمَلَهَا فَعَرَفَتْ مَرْيَمُ فِي وَجْهِهِ شِدَّةَ مُؤْنَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ أَحْسِنْ بِاللَّهِ الظَّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُنَا، فَجَعَلَ يُوسُفُ يُرْزَقُ بِمَكَانِهَا مِنْهُ فَيَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ كَسْبِهِ بِمَا يُصْلِحُهَا فَإِذَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي الْكَنِيسَةِ أَنْمَاهُ اللَّهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا فَيَرَى عِنْدَهَا فَضْلًا مِنَ الرِّزْقِ لَيْسَ بِقَدْرِ مَا يَأْتِيهَا بِهِ يُوسُفُ، فَيَقُولُ:
يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ:
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زَكَرِيَّا قَالَ: إِنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَرْيَمَ بِالْفَاكِهَةِ فِي غَيْرِ حِينِهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يُصْلِحَ زَوْجَتِي وَيَهَبَ لِي ولدا في غير حينه على الْكِبَرِ، فَطَمِعَ فِي الْوَلَدِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كَانُوا قَدِ انْقَرَضُوا، وَكَانَ زَكَرِيَّا قَدْ شَاخَ وأيس من الولد.
(٢) في المطبوع وط «يمدونه». [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط و «الوسيط» (١/ ٤٣٢).
(٥) زيد في المطبوع وط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) كذا في المطبوع وط- وتفسير الطبري (٣/ ٢٤٦) وفي المخطوط «ولذلك».
(٨) في المطبوع «إليه بدرجة» وكذا في- ط-.
(٩) هذا من الإسرائيليات المنكرة.
(١٠) في المطبوع «فتحها».
(١١) زيادة عن المخطوط.
(١٢) في المطبوع «ثديها».
[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٨]
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨)قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُنالِكَ، أَيْ: عِنْدَ ذَلِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، فدخل المحراب وغلّق الأبواب وَنَاجَى رَبَّهُ، قالَ رَبِّ، أَيْ: يَا رَبِّ، هَبْ لِي أَعْطِنِي مِنْ لَدُنْكَ، أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ، ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، أَيْ: وَلَدًا مُبَارَكًا تَقِيًّا صَالِحًا رَضِيًّا، وَالذُّرِّيَّةُ تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَهُوَ هَاهُنَا وَاحِدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مَرْيَمَ: ٥]، وَإِنَّمَا قَالَ: طَيِّبَةً لِتَأْنِيثِ لَفْظِ الذُّرِّيَّةِ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ، أَيْ: سَامِعُهُ، وَقِيلَ: مُجِيبُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) [يس: ٢٥]، أي: فأجيبوني.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٩]
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ فناداه بالألف، وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ [فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فالتأنيث] [١] لتأنيث لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ، وَلِلْجَمْعِ مَعَ أَنَّ الذُّكُورَ إِذَا تَقَدَّمَ فِعْلُهُمْ وَهُمْ جماعة كان التأنيث فيهم أَحْسَنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ [الْحُجُرَاتِ: ١٤]، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عنه [٢] : يُذَكِّرُ الْمَلَائِكَةَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا نَرَى عَبْدَ اللَّهِ اخْتَارَ ذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي التَّاءِ وَالْيَاءِ فَاجْعَلُوهَا يَاءً، وَذَكِّرُوا الْقُرْآنَ، وَأَرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ هَاهُنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النحل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ [النحل: ٢]، يعني: جبريل بالروح والوحي، وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُخْبَرَ عَنِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِمْ: سَمِعْتُ هَذَا الْخَبَرَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ وَاحِدٍ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ [آلِ عِمْرَانَ: ١٧٣]، يَعْنِي: نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ، إِنَّ النَّاسَ، يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَقَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ سَلَمَةَ: إِذَا كَانَ الْقَائِلُ رَئِيسًا يَجُوزُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْجَمْعِ، لِاجْتِمَاعِ أَصْحَابِهِ مَعَهُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَئِيسَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَلَّ مَا يُبْعَثُ إِلَّا وَمَعَهُ جَمْعٌ، فَجَرَى عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ، أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ الْحَبْرَ الْكَبِيرَ الَّذِي يُقَرِّبُ الْقُرْبَانَ فَيَفْتَحُ بَابَ الْمَذْبَحِ، فَلَا يَدْخُلُونَ حَتَّى يَأْذَنَ لهم بالدخول، فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ، يَعْنِي: فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمَذْبَحِ يُصَلِّي وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ شَابٍّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بيض تلمع فَفَزِعَ مِنْهُ، فَنَادَاهُ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا زَكَرِيَّا أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ، [قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ أَنَّ اللَّهَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، تَقْدِيرُهُ: فَنَادَتْهُ الملائكة فقالت: إنّ الله، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ بِإِيقَاعِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ] [٣]، قَرَأَ حَمْزَةُ يُبَشِّرُكَ وَبَابُهُ بِالتَّخْفِيفِ كُلَّ الْقُرْآنِ إِلَّا قَوْلَهُ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الْحِجْرِ: ٥٤]، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَشْدِيدِهَا، وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيُّ هَاهُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي «سبحان» و «الكهف» و «حمعسق»، وَوَافَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو في «حمعسق»، وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مِنْ بَشَّرَ يُبَشِّرُ تَبْشِيرًا، وَهُوَ أَعْرَبُ اللُّغَاتِ وَأَفْصَحُهَا، دَلِيلُ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَشِّرْ عِبادِ [الزمر: ١٧]، ووَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ [الصافات: ١١٢]،
(٢) وقع في المطبوع «عنهما».
(٣) زيد في المطبوع وط.
يَزِيدَ وَيَعَمُرَ، وَجَمْعُهُ يَحْيَوْنَ مِثْلَ مُوسَوْنَ وَعِيسَوْنَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لم سمي يحيى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لِأَنَّ اللَّهَ أَحْيَا بِهِ عقر أمّه، [و] [٢] قَالَ قَتَادَةُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أحيا قلبه بالإيمان، [وقيل: سمّي يحيى لأنه استشهد، والشهداء أحياء، وقيل: معناه يموت] [٣]، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ، مُصَدِّقاً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، سُمِّيَ عِيسَى كَلِمَةَ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: كُنْ مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَكَانَ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَلِمَةِ [لِأَنَّهُ بِهَا كَانَ] [٤]، وَقِيلَ: سُمِّيَ كَلِمَةً لِأَنَّهُ يُهْتَدَى بِهِ كَمَا يُهْتَدَى بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: هِيَ بِشَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى لمريم بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِكَلَامِهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ الْأَنْبِيَاءَ بِكَلَامِهِ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ يَخْلُقُ نَبِيًّا بِلَا أَبٍ، فَسَمَّاهُ كَلِمَةً لِحُصُولِهِ بِذَلِكَ الْوَعْدِ، وَكَانَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَدَّقَهُ، وَكَانَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْبَرَ مِنْ عِيسَى بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَا ابْنَيِ خالة، ثُمَّ قُتِلَ يَحْيَى قَبْلَ أَنْ يرفع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [إِلَى السَّمَاءِ] [٥]، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ: بِكِتَابٍ مِنَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنْشِدْنِي كَلِمَةَ فُلَانٍ، أَيْ: قَصِيدَتَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَيِّداً هو فعيل مِنْ سَادَ يَسُودُ، وَهُوَ الرَّئِيسُ الَّذِي يُتْبَعُ وَيُنْتَهَى [٦] إِلَى قَوْلِهِ، قَالَ الْمُفَضَّلُ: أَرَادَ سَيِّدًا فِي الدِّينِ، قَالَ الضَّحَّاكُ:
السَّيِّدُ: الْحَسَنُ الْخُلُقَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: السَّيِّدُ الَّذِي يُطِيعُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
السَّيِّدُ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: سَيِّدٌ فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ، وَقِيلَ: الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْكَرِيمُ عَلَى الله تعالى، وقيل: السيد التقي [قاله الضحاك] [٧]، [و] [٨] قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الَّذِي لَا يحسد، وقيل: الذي يفوق [أقرانه و] [٩] قَوْمَهُ فِي جَمِيعِ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَانِعُ بِمَا قَسَمَ الله له، وقيل: هو السخي.
ع «٣٨٢» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بُنِيَ سَلَمَةَ؟» قَالُوا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّا نُبَخِّلُهُ، قَالَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ، لَكِنَّ سَيِّدَكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ».
(١) في المطبوع «الاسم».
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) زيد في المطبوع وحده.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «ينتمي».
(٧) زيد في المطبوع وحده، ويدل عليه سياق الطبري (٦٩٦٨ و٦٩٦٩).
(٨) زيادة يقتضيها السياق.
(٩) زيادة عن المخطوط.
إِنَّ الْحَصُورَ [هُوَ] [٣] الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْوَطْءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ قَوْمٌ هَذَا الْقَوْلَ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّنَاءِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اسْتِحْقَاقِ الثَّنَاءِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ إِلْحَاقِ الْآفَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤٠]
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (٤٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ رَبِّ، أَيْ: يَا سَيِّدِي، قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَجَمَاعَةٍ:
وَقِيلَ: قَالَهُ لِلَّهِ عزّ وجلّ أَنَّى يَكُونُ، يعني: أَيْنَ يَكُونُ، لِي غُلامٌ، أَيِ: ابْنٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ، هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، أَيْ: وَقَدْ بَلَغْتُ الكبر وشخت، كما تقول: بَلَغَنِي الْجَهْدُ، أَيْ: [أَنَا فِي] [٤] الْجَهْدِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَقَدْ نَالَنِيَ الْكِبَرُ وَأَدْرَكَنِي وَأَضْعَفَنِي، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ زَكَرِيَّا يَوْمَ بُشِّرَ بِالْوَلَدِ ابن اثنتين وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَامْرَأَتِي عاقِرٌ، أَيْ:
عَقِيمٌ لَا تَلِدُ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَاقِرٌ وَامْرَأَةٌ عَاقِرٌ، وَقَدْ عَقُرَ بِضَمِّ الْقَافِ يَعْقِرُ عُقْرًا وَعُقَارَةً، قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ، فَإِنْ قِيلَ: لم قال زكريا بعد ما وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، أَكَانَ شَاكًّا فِي وَعْدِ اللَّهِ وَفِي قُدْرَتِهِ، قِيلَ: إِنَّ زَكَرِيَّا لَمَّا سَمِعَ [نِدَاءَ] [٥] الْمَلَائِكَةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا إِنَّ الصَّوْتَ الَّذِي [سَمِعْتَ] [٦] ليس مِنَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَوْ كَانَ مِنَ اللَّهِ لَأَوْحَاهُ إِلَيْكَ كَمَا يُوحِي إِلَيْكَ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ [٧]، فَقَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ، قَالَهُ [٨] عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِي وَعْدِ اللَّهِ إِنَّمَا شَكَّ فِي كَيْفِيَّتِهِ، أَيْ: كَيْفَ ذلك [أتجعلني وامرأتي شابّين، أم ترزقنا ولدا على الكبر منّا أم ترزقني من امرأة أخرى؟ قاله مستفهما لا شاكّا، هذا قول الحسن] [٩].
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً، أَيْ [١٠] : عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وَقْتَ حَمْلِ امْرَأَتِي فَأَزِيدُ فِي الْعِبَادَةِ شُكْرًا لَكَ، قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، أي: تَكُفَّ عَنِ الْكَلَامِ، ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَتُقْبِلَ بِكُلِّيَّتِكَ عَلَى عِبَادَتِي لَا أنه يحبس لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْكَلَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ سَوِيٌّ كما قال في سورة
(٢) ما بين المعقوفتين في المخطوط «المعسر الذي لا مال له» وهو تصحيف، ليس بشيء.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المخطوط «نالني» والمثبت هو الذي يدل عليه كلام المصنف.
(٥) في المطبوع وحده «النداء من». [.....]
(٦) في المطبوع «كنت تسمعه».
(٧) في المطبوع «الأحوال».
(٨) في المطبوع «قال».
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من- ط-.
(١٠) زيد في المخطوط «قال بعضهم».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ، يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ: اخْتَارَكِ، وَطَهَّرَكِ، قِيلَ: مِنْ مَسِيسِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتْ مَرْيَمُ لَا تَحِيضُ، وَقِيلَ: مِنَ الذُّنُوبِ، وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ، قيل: على [نساء] [٤] عَالَمِي زَمَانِهَا، وَقِيلَ:
عَلَى جَمِيعِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي أَنَّهَا وَلَدَتْ بِلَا أَبٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَقِيلَ: بِالتَّحْرِيرِ في المسجد ولم [يحرر فيه أحد من النساء إلّا هي] [٥].
«٣٨٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن [أبي] رَجَاءٍ [٦]، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ أخبرني أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عمران، وخير نسائها خديجة».
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
«٣٨٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٧] الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف] [٨]
- وهو في «شرح السنة» (٣٨٤٧) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣٤٣٢) عن أحمد بن أبي رجاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٨١٥ ومسلم ٢٤٣١ والترمذي ٣٨٨٧ وأحمد ١/ ٨٤ و١٣٢ و١٤٣ وأبو يعلى ٥٢٢ من طرق عن هشام بن عروة به.
٣٨٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، آدم هو ابن أبي إياس عبد الرحمن العسقلاني، روى له البخاري دون مسلم، ومن فوقه رجال الشيخين، شعبة هو ابن الحجاج، عمرو هو ابن مرة بن عبد الله الجملي، ومرة هو ابن شراحيل الهمداني.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) في المخطوط «يشبه».
(٣) في المطبوع وط «غروب الشمس».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) العبارة في المطبوع وط «تحرر أنثى».
(٦) في الأصل «بن رجاء» والتصويب من «صحيح البخاري» و «شرح السنة».
(٧) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
«٣٨٥» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ [٣] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ [٤]، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ [٥] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ، قَالَتْ لَهَا الْمَلَائِكَةُ شَفَاهًا، أي: أطيعي ربك، قال مُجَاهِدٌ:
أَطِيلِي الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ لِرَبِّكِ، وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ، وَقِيلَ: الْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمَّا قالت
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٣٤٣٣) عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٤١٨ ومسلم ٢٤٣١ وابن ماجه ٣٢٨٠ وابن حبان ٧١١٤ من طريق محمد بن بشار، عن غندر مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ به.
- وأخرجه البخاري ٣٤١١ و٣٧٦٩ والنسائي ٧/ ٦٨ وابن أبي شيبة ١٢/ ١٢٨ وأحمد ٤/ ٣٩٤ و٤٠٩ والطبراني ٢٣/ (١٠٦) من طرق عن شعبة به.
(١) وقع في الأصل «عروة» والتصويب عن «صحيح البخاري» و «شرح السنة».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «صحيح البخاري» و «شرح السنة».
(٣) وقع في الأصل «أبو بكر سعيد بن عبد الله» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
(٤) وقع في الأصل «عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ البزار» والتصويب من «الأنساب» للسمعاني (٤/ ٣٣) و «شرح السنة».
(٥) في الأصل «الديري» وهو تصحيف.
٣٨٥- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، سوى إسحق، وهو ثقة، معمر هو ابن راشد، قتادة هو ابن دعامة السدوسي.
وهو في «شرح السنة» (٣٨٤٨) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق وهو في «مصنفه» (٢٠٩١٩) عن معمر بهذا الإسناد.
- ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الترمذي ٣٨٧٨ وأحمد ٣/ ١٣٥ وابن حبان ٧٠٠٣ والطحاوي في «المشكل» (١٤٧) والطبراني في «الكبير» (٢٢/ (١٠٠٣) والحاكم ٣/ ١٥٧.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح اهـ.
- وأخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (١٣٣٢ و١٣٣٨) ومن طريقه الحاكم ٣/ ١٥٧- ١٥٨ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عن الزهري، عن أنس به وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي.
- وله شاهد من حديث ابن عباس بلفظ «أفضل نساء أهل الجنة خديجة... ».
أخرجه أحمد ١/ ٢٩٣ والطحاوي في «المشكل» (١٤٨) وأبو يعلى ٢٧٢٢ وابن حبان ٧٠١٠ والطبراني ١١٩٢٨ و٢٢/ (١٠١٩) والحاكم ٢/ ٥٩٤ و٣/ ١٦٠ و١٨٥ وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، يَقُولُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا ويحيى ومريم وعيسى، [على نبيّنا وعليهم السلام، مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ، أَيْ] [٢] : مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى ذَلِكَ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ، وَما كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ، لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ، سِهَامَهُمْ فِي الْمَاءِ لِلِاقْتِرَاعِ، أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ يَحْضُنُهَا وَيُرَبِّيهَا، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ، فِي كَفَالَتِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، إنما قال اسمه، وردّ الْكِنَايَةَ إِلَى عِيسَى، وَاخْتَلَفُوا فِي أنه لم سمّي مسيحا، فمنهم مَنْ قَالَ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَعْنِي: أَنَّهُ مُسِحَ مِنَ الْأَقْذَارِ وَطُهِّرَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَقِيلَ: مَسَحَهُ جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ مَسِيحَ الْقَدَمِ لَا أَخْمَصَ لَهُ، وَسُمِّيَ الدجال مسيحا [لأنه مَمْسُوحَ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ] [٣]، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، مِثْلُ عليم وعالم، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: سمّي [عيسى عليه السلام] [٤] مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَا مَسَحَ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِأَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُقِيمُ فِي مَكَانٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةً، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ، وَيَكُونُ الْمَسِيحُ بِمَعْنَى:
الْكَذَّابِ، وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ. وَالْحَرْفُ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَجِيهاً، أَيْ: شَرِيفًا رَفِيعًا ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ، فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، عِنْدَ الله.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَغِيرًا قَبْلَ أَوَانِ الْكَلَامِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مريم: ٣٠] الآية، حكي عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ مَرْيَمُ: كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ أَنَا وَعِيسَى حَدَّثَنِي وَحَدَّثْتُهُ، فَإِذَا شَغَلَنِي عَنْهُ إِنْسَانٌ سَبَّحَ فِي بَطْنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قَوْلَهُ، وَكَهْلًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: يعني إذا [اجتمعت قوته] [٥] قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: وَكَهْلًا: بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: أخبرها [الله] [٦] أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَكْتَهِلَ وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْكُهُولَةِ إِخْبَارُهُ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُعْجِزَةِ، وَقِيلَ:
وَكَهْلًا: نَبِيًّا بَشَّرَهَا بِنُبُوَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ مُعْجِزَةٌ وَفِي الْكُهُولَةِ دعوة، وقال مجاهد:
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) العبارة في المخطوط «لأنه ممسوح العين».
(٤) زيد في المطبوع وحده.
(٥) ما بين المعقوفتين في المخطوط وط «اجتمع».
(٦) زيادة عن المخطوط. [.....]
قالَتْ رَبِّ يَا سَيِّدِي، تَقُولُهُ لِجِبْرِيلَ، وَقِيلَ: تَقُولُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ولم يُصِبْنِي رَجُلٌ، قَالَتْ ذَلِكَ تَعَجُّبًا إِذْ لَمْ تَكُنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنْ يُولَدَ وَلَدٌ لَا أَبَ لَهُ، قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً، أراد كَوْنَ الشَّيْءِ، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، كَمَا يُرِيدُ، قَوْلُهُ تعالى:
وَيُعَلِّمُهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ، وَقِيلَ:
رَدَّهُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ.
وَيُعَلِّمُهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ [١] تَعَالَى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران: ٤٤]، قَوْلُهُ: الْكِتابَ، أَيِ: الْكِتَابَةَ وَالْخَطَّ، وَالْحِكْمَةَ: الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ، وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ علّمه الله التوراة والإنجيل.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤٩]
وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)
وَرَسُولًا، أَيْ: وَنَجْعَلُهُ رَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ، قِيلَ: كَانَ رَسُولًا فِي حَالِ الصِّبَا، وَقِيلَ:
إِنَّمَا كَانَ رَسُولًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَانَ أَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوسُفَ وَآخِرُهُمْ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا بُعِثَ قَالَ: أَنِّي، قَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنَّمَا فَتَحَ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الرِّسَالَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بِأَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ، عَلَامَةٍ، مِنْ رَبِّكُمْ، تُصَدِّقُ قَوْلِي، وَإِنَّمَا قَالَ بِآيَةٍ وَقَدْ أَتَى بِآيَاتٍ لِأَنَّ الْكُلَّ [من ذلك الآيات] [٢] دَلَّ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ صِدْقُهُ فِي الرِّسَالَةِ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنِّي، قَرَأَ نَافِعٌ بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ عَلَى مَعْنَى بِإِنِّي أَخْلُقُ، أَيْ: أُصَوِّرُ وَأُقَدِّرُ، لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «كَهَيْئَةِ الطَّائِرِ»، هَاهُنَا وَفِي الْمَائِدَةِ، وَالْهَيْئَةُ الصُّورَةُ الْمُهَيَّأَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: هَيَّأْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرْتُهُ وَأَصْلَحْتُهُ، فَأَنْفُخُ فِيهِ، أَيْ:
فِي الطَّيْرِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ، قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِينَ بِالْجَمْعِ، [لِأَنَّهُ خَلَقَ طَيْرًا كَثِيرًا] [٣]، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ «فَيَكُونُ طَائِرًا» عَلَى الْوَاحِدِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، ذَهَبُوا إِلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّيْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ غَيْرَ الْخُفَّاشِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْخُفَّاشَ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ الطَّيْرِ خلقا لأن له ثَدْيًا وَأَسْنَانًا، وَهِيَ تَحِيضُ، قَالَ وَهْبٌ:
كَانَ يَطِيرُ مَا دَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَإِذَا غَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ سَقَطَ مَيِّتًا لِيَتَمَيَّزَ فِعْلُ الْخَلْقِ مِنْ فِعْلِ الْخَالِقِ [تعالى]، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ الْكَمَالَ لِلَّهِ عَزَّ وجلّ، قوله تعالى: وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، أَيْ: أَشْفِيهِمَا وَأُصَحِّحُهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَكْمَهِ قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ: هُوَ الَّذِي وُلِدَ أَعْمَى، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ الْأَعْمَى، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْأَعْمَشُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ ولا يبصر بالليل، وَالْأَبْرَصَ هو الَّذِي بِهِ وَضَحٌ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَيْنِ لِأَنَّهُمَا دَاءَانِ عَيَاءَانِ وَكَانَ الغالب في
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المخطوط «على أنه طيور كثيرة».
خوفا من خروج روحه ثانيا فيحصل له ما حصل أولا من سكرات الموت] [٦]، وَلَمْ يَكُونُوا يَشِيبُونَ فِي ذَلِكَ الزمان، فقال [سام] [٧] : قد قامت القيامة؟ قال [عيسى] [٨] : لَا وَلَكِنَّ دَعَوْتُكَ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:
مُتْ، قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ يُعِيذَنِي اللَّهُ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَدَعَا اللَّهَ ففعل [٩]. قوله تعالى: وَأُنَبِّئُكُمْ أخبركم، بِما تَأْكُلُونَ، مِمَّا لَمَّ أُعَايِنْهُ، وَما تَدَّخِرُونَ، تَرْفَعُونَهُ، فِي بُيُوتِكُمْ، حَتَّى تَأْكُلُوهُ، وَقِيلَ: كَانَ يُخْبِرُ الرَّجُلَ بِمَا أَكَلَ الْبَارِحَةَ وَبِمَا يَأْكُلُ الْيَوْمَ وَبِمَا ادَّخَرَهُ لِلْعَشَاءِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْكُتَّابِ يُحَدِّثُ الْغِلْمَانَ بِمَا يَصْنَعُ آبَاؤُهُمْ، وَيَقُولُ لِلْغُلَامِ: انْطَلِقْ فَقَدْ أَكَلَ أَهْلُكَ كَذَا وَكَذَا وَرَفَعُوا لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَيَنْطَلِقُ الصَّبِيُّ إِلَى أَهْلِهِ وَيَبْكِي عَلَيْهِمْ حَتَّى يُعْطُوهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، فَيَقُولُونَ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ فَيَقُولُ: عيسى عليه السلام، فَحَبَسُوا صِبْيَانَهُمْ عَنْهُ، وَقَالُوا: لَا تَلْعَبُوا مَعَ هَذَا السَّاحِرِ فَجَمَعُوهُمْ فِي بَيْتٍ، فَجَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَطْلُبُهُمْ فَقَالُوا: لَيْسُوا هَاهُنَا، فَقَالَ: فَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ؟ قَالُوا: خَنَازِيرُ، قَالَ عِيسَى: كَذَلِكَ يكونون، ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير، ففشا ذَلِكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَهَمَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا خَافَتْ عليه أمه حملته على حمار لها وخرجت هاربة إلى مصر، وقال قتادة: إنما كان هذا في المائدة، وكانت خِوَانًا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَيْنَمَا كَانُوا كَالْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَأُمِرُوا أَنْ لَا يخونوا ولا يخبئوا للغد فخانوا وخبؤوا، فَجَعَلَ عِيسَى يُخْبِرُهُمْ بِمَا أَكَلُوا مِنَ الْمَائِدَةِ وَبِمَا ادَّخَرُوا مِنْهَا، فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ، لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
(٢) هذا من إسرائيليات وهب بن منبه.
(٣) لا يصح عن ابن عباس، وهو من الإسرائيليات.
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) في المخطوط وط «وولد لها».
(٦) زيادة عن المخطوط، ولعلها ليست من كلام ابن عباس لأن فيه لفظ «قيل» وإنما هي تفسيرية معترضة، والله أعلم.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «عليهم».
(٩) هذا من الإسرائيليات لا حجة فيه.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)وَمُصَدِّقاً عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَرَسُولًا، لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، مِنَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْكُلَّ، يَعْنِي: كُلَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وقد ذكر الْبَعْضُ وَيُرَادُ بِهِ الْكُلُّ كَقَوْلِ لَبِيدٍ:
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أرضها | أو يرتبط بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا |
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي: مَا ذَكَرَ [١] مِنَ الْآيَاتِ، وَإِنَّمَا وَحَّدَهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى رِسَالَتِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٥٢]
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢)
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى، أي: وجد، قال الْفَرَّاءُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَرَفَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: رَأَى، مِنْهُمُ الْكُفْرَ وأرادوا قتله استنصر عليهم، قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بعثه الله تعالى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَمَرَهُ بِالدَّعْوَةِ نَفَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَخْرَجُوهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَأُمُّهُ يَسِيحَانِ [٢] فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلَ فِي قَرْيَةٍ عَلَى رَجُلٍ فَأَضَافَهُمَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا وَكَانَ لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ جَبَّارٌ مُتَعَدٍّ فَجَاءَ ذَلِكَ الرجل يوما مغتما [٣] حَزِينًا فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَرْيَمُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ لَهَا مَرْيَمُ: مَا شَأْنُ زَوْجِكِ أَرَاهُ كَئِيبًا، قَالَتْ: لَا تَسْأَلِينِي، قَالَتْ: أَخْبِرِينِي لَعَلَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ كُرْبَتَهُ، قَالَتْ: إِنَّ لَنَا مَلِكًا يَجْعَلُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا أَنْ يُطْعِمَهُ وَجُنُودَهُ وَيَسْقِيَهُمُ الْخَمْرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَاقَبَهُ، وَالْيَوْمَ نَوْبَتُنَا وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا سَعَةٌ، قَالَتْ: فَقُولِي له لا تهتم فَإِنِّي آمُرُ ابْنِي فَيَدْعُو لَهُ فَيُكْفَى ذَلِكَ، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عِيسَى: إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ وَقَعَ شرّ، قالت: فلا تبالي فَإِنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَأَكْرَمَنَا، قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَقُولِي لَهُ إِذَا اقْتَرَبَ ذَلِكَ فَامْلَأْ قُدُورَكَ وَخَوَابِيكَ مَاءً، ثُمَّ أَعْلِمْنِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَحَوَّلَ مَاءُ الْقُدُورِ [٤] مَرَقًا وَلَحْمًا وَمَاءُ الْخَوَابِي خَمْرًا لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَلَمَّا جَاءَ الْمَلِكُ أَكَلَ فَلَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ قَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الْخَمْرُ؟ قَالَ: مَنْ أَرْضِ كَذَا، قَالَ الْمَلِكُ: فَإِنَّ خَمْرِي مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ مِثْلَ هَذِهِ، قَالَ: هِيَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى، فَلَمَّا خَلَطَ عَلَى الْمَلِكِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَنَا أُخْبِرُكَ عِنْدِي غُلَامٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنَّهُ دَعَا اللَّهُ فَجَعَلَ الْمَاءَ خَمْرًا [٥]، وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنٌ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَكَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا دَعَا اللَّهَ حتى جعل الماء خمرا ليجاء به إليّ حَتَّى يُحْيِيَ ابْنِي، فَدَعَا عِيسَى فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عِيسَى: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ إِنْ عَاشَ وقع شر، قال الْمَلِكُ: لَا أُبَالِي أَلَيْسَ أَرَاهُ حيا؟ فقال عِيسَى: إِنْ أَحْيَيْتُهُ تَتْرُكُونِي وَأُمِّي نذهب حيث
(٢) في المطبوع «يسبحان». [.....]
(٣) في المطبوع وط «مهتما».
(٤) في المطبوع «القدر».
(٥) زيد في المطبوع وحده «ومرقا ولحما».
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، تَقُولُ الْعَرَبُ: الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ، أَيْ: مَعَ الذود كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ: ٢]، أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: إِلى، بِمَعْنَى فِي، أَيْ: مَنْ أَعْوَانِي فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي ذَاتِ اللَّهِ وَسَبِيلِهِ، وقيل: إِلى على مَوْضِعِهِ [٢] مَعْنَاهُ: مَنْ يَضُمُّ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ لِي، وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَوَارِيِّينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا صَيَّادِينَ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، سُمُّوا حَوَارِيِّينَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَقِيلَ: كَانُوا مَلَّاحِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا قَصَّارِينَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ، أَيْ: يُبَيِّضُونَهَا، وَقَالَ عَطَاءٌ: أسلمت [٣] مَرْيَمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَعْمَالٍ شَتَّى، فَكَانَ آخِرُ مَا دَفَعَتْهُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ وَكَانُوا قَصَّارِينَ وَصَبَّاغِينَ، فَدَفَعَتْهُ إِلَى رَئِيسِهِمْ لِيَتَعَلَّمَ منه فاجتمع عنده ثياب [كثيرة، لتصبغ على ألوان شتى] [٤]، وَعَرَضَ لَهُ سَفَرٌ فَقَالَ لِعِيسَى: إِنَّكَ قَدْ تَعَلَّمْتَ هَذِهِ الْحِرْفَةَ وَأَنَا خَارِجٌ فِي سَفَرٍ لَا أَرْجِعُ إِلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَهَذِهِ ثياب مختلفة الألوان وقد علّمت كل واحد بِخَيْطٍ عَلَى اللَّوْنِ الَّذِي يُصْبَغُ به، فأحب [٥] أَنْ تَكُونَ فَارِغًا مِنْهَا وَقْتَ قدومي، وخرج فطبخ عيسى حبّا [٦] وَاحِدًا عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ وَأَدْخَلَ جميع الثياب [فيه] [٧]، وَقَالَ: كُونِي بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى مَا أُرِيدَ مِنْكِ، فَقَدِمَ الْحَوَارِيُّ والثياب كلها في الحب، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ:
فَرَغْتُ [مِنْهَا] [٨]، قَالَ: أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: في الحب، قَالَ: كُلُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لقد أفسدت تلك الثياب، قال: قُمْ فَانْظُرْ، فَأَخْرَجَ عِيسَى ثَوْبًا أَحْمَرَ وَثَوْبًا أَصْفَرَ وَثَوْبًا أَخْضَرَ إِلَى أَنْ أَخْرَجَهَا عَلَى الْأَلْوَانِ التي أرادها [ذلك الحواري] [٩]، فجعل الحواري يتعجّب ويعلم أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى]، فَقَالَ لِلنَّاسِ [١٠] :
تَعَالَوْا فَانْظُرُوا، فَآمَنَ بِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَهُمُ الْحَوَارِيُّونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سُمُّوا حَوَارِيِّينَ لِصَفَاءِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: سُمُّوا بِهِ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ وَنُورِهَا، وَأَصْلُ الْحَوَرِ عِنْدَ الْعَرَبِ: شِدَّةُ الْبَيَاضِ، [يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْوَرُ وَامْرَأَةٌ حَوْرَاءُ، أَيْ: شَدِيدَةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ] [١١]، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: الْحَوَارِيُّونَ هُمُ الْأَصْفِيَاءُ، وَهُمْ كَانُوا أَصْفِيَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ قَتَادَةَ عَنِ الحواريين، قال: هم الذين تصلح لهم الخلافة، وعنه أيضا أَنَّهُ قَالَ: الْحَوَارِيُّونَ هُمُ الْوُزَرَاءُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْحَوَارِيُّونَ الْأَنْصَارُ، وَالْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ، وَالْحَوَارِيُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ خَاصَّةً: الرَّجُلُ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِ فيما ينويه.
(٢) في المطبوع «في موضعها» وفي- ط «في موضعه».
(٣) في المطبوع وط «سلمت» والمثبت عن المخطوط والقرطبي (٤/ ٩٦).
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في- ط «فيجب».
(٦) تصحف في المخطوط إلى «جنسا» وفي ط «جبا» والمثبت هو الصواب، والحب وعاء كبير كان يستخدم قديما.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) في المطبوع «الناس».
(١١) زيد في المطبوع وط. [.....]
نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ».
قَالَ سُفْيَانُ: الْحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ [١].
قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْحَوَارِيِّينَ كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍّ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، أَعْوَانُ دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ، يَا عيسى، بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ، مِنْ كِتَابِكَ [٢]، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ، عِيسَى، فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ، الَّذِينَ شَهِدُوا لِأَنْبِيَائِكَ بِالصِّدْقِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: مَعَ النَّبِيِّينَ لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ شَاهِدُ أُمَّتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ، لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ للرسل بالبلاغ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَكَرُوا، يَعْنِي: كُفَّارَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَحَسَّ عِيسَى منهم الكفر، دبروا فِي قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، [وذلك أن عيسى] [٣] بَعْدَ إِخْرَاجِ قَوْمِهِ [إِيَّاهُ] وَأُمَّهُ [من بينهم] [٤] عَادَ إِلَيْهِمْ مَعَ الْحَوَارِيِّينَ، وَصَاحَ فيهم بالدعوة فهمّوا بقتله وتواطؤوا عَلَى الْفَتْكِ بِهِ فَذَلِكَ مَكْرُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ، فَالْمَكْرُ مِنَ المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة و [٥]، من الله: استدراج
- وأخرجه البخاري ٢٨٤٧ و٧٢٦١ ومسلم ٢٤١٥ والنسائي في «الكبرى» (٨٨٦٠) وأحمد ٣/ ٣٠٧ وأبو عوانة ٤/ ٣٠١ من طريق سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٨٤٦ و٤١١٣ ومسلم ٢٤١٥ والترمذي ٣٧٤٥ والنسائي في «الكبرى» (٨٢١١ و١١١٥٩) وابن ماجه ١٢٢ وأحمد ٣/ ٣٦٥ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٤٣١) والبغوي في «شرح السنة» (٣٨١١) من طرق عن سفيان الثوري عن ابن المنكدر به.
- وأخرجه البخاري ٣٧١٩ وأحمد ٣/ ٣٣٨ من طريق عبد العزيز عن ابن المنكدر به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة ١٢/ ٩٢ ومسلم ٢٤١٥ وأحمد ٣/ ٣١٤ وابن حبان ٦٩٨٥ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ ابن المنكدر به.
(١) إلى هنا لفظ البخاري.
(٢) في المخطوط «آياتك» والمثبت عن المطبوع وط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع وط «والمكر» بدل «و».
[النِّسَاءِ: ١٤٢]، وَمَكْرُ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً بِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ إِلْقَاؤُهُ الشَّبَهَ عَلَى صَاحِبِهِمُ الَّذِي أَرَادَ قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى قُتِلَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [٣] : أَنَّ عِيسَى اسْتَقْبَلَ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: قَدْ جَاءَ السَّاحِرُ ابْنُ السَّاحِرَةِ وَالْفَاعِلُ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، وَقَذَفُوهُ وَأَمَّهُ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ منهم دَعَا عَلَيْهِمْ، وَلَعَنَهُمْ فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يَهُوذَا رَأْسُ الْيَهُودِ وَأَمِيرُهُمْ، فَزِعَ لِذَلِكَ وَخَافَ دَعْوَتَهُ، فَاجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ الْيَهُودِ عَلَى قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، [فثاروا إليه] [٤] ليقتلوه فبعث الله جِبْرِيلَ فَأَدْخَلَهُ فِي خَوْخَةٍ فِي سقفها روزنة فرفعه إِلَى السَّمَاءِ مِنْ تِلْكَ الرَّوْزَنَةِ، فَأَمَرَ يَهُوذَا رَأْسُ الْيَهُودِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ: طَطْيَانُوسُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَوْخَةَ وَيَقْتُلَهُ، فَلَمَّا دخل غرفته لَمْ يَرَ عِيسَى فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَظَنُّوا أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ فِيهَا فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شِبْهَ عِيسَى عَلَيْهِ السلام، فلما خرج [عليهم] [٥] ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، قَالَ وَهْبٌ: طَرَقُوا عِيسَى فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَنَصَبُوا [له] [٦] خشبة ليصلبوه [عليها] [٧]، فَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَجَمَعَ عِيسَى الْحَوَارِيِّينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْصَاهُمْ ثُمَّ قَالَ: لَيَكْفُرَنَّ بِي أَحَدُكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ وَيَبِيعُنِي بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ، فَخَرَجُوا وَتَفَرَّقُوا، وَكَانَتِ [٨] الْيَهُودُ تَطْلُبُهُ فَأَتَى أَحَدُ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُودِ فَقَالَ لَهُمْ: مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى الْمَسِيحِ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسَى، فَرُفِعَ عِيسَى، وَأُخِذَ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ عِيسَى، فَلَمَّا صُلِبَ شِبْهُ عِيسَى جاءت مريم وَامْرَأَةٌ كَانَ عِيسَى دَعَا لَهَا فَأَبْرَأَهَا اللَّهُ مِنَ الْجُنُونِ تَبْكِيَانِ عِنْدَ الْمَصْلُوبِ، فَجَاءَهُمَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُمَا: عَلَامَ تَبْكِيَانِ إن الله قَدْ رَفَعَنِي وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ، وَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ شُبِّهَ لَهُمْ، فَلَّمَا كَانَ بَعْدَ سَبْعَةِ أيام [من فعلهم] [٩]، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اهْبِطْ عَلَى مَرْيَمَ الْمَجْدَلَانِيَّةِ. اسْمُ مَوْضِعٍ فِي جَبَلِهَا. فَإِنَّهُ لَمْ يَبْكِ [عَلَيْكَ] أَحَدٌ بكاءها، ولم يحزن عليك أحد حُزْنَهَا، ثُمَّ لِيَجْتَمِعَ لَكَ الْحَوَارِيُّونَ فَبُثَّهُمْ فِي الْأَرْضِ دُعَاةً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَهْبَطَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَاشْتَعَلَ الْجَبَلُ حِينَ هَبَطَ نورا فجمعت له الْحَوَارِيُّونَ فَبُثَّهُمْ فِي الْأَرْضِ دُعَاةً ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ هِيَ الَّتِي تَدَخَّنَ فِيهَا النَّصَارَى، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْحَوَارِيُّونَ حَدَّثَ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِلُغَةِ مَنْ أَرْسَلَهُ عِيسَى إِلَيْهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ الْيَهُودَ حَبَسُوا عِيسَى فِي بَيْتٍ وَعَشْرَةً مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، فدخل عليهم رجل منهم ليقتله فألقى الله عليه شبهه [فقتل وصلب] [١٠]، وَقَالَ قَتَادَةُ: [١١] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَيُّكُمْ يُقْذَفُ عَلَيْهِ شبهي فإنه مقتول، فقال
(٢) في المخطوط «الاعتداء» والمثبت عن المطبوع وط و «تفسير القرطبي».
(٣) لا أصل له عن ابن عباس، الكلبي متروك متهم.
(٤) في المطبوع «وساروا» بدل المثبت.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «وكلفت». [.....]
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) هذا من الإسرائيليات.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٥٥]
إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥)
. إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى [٦] التَّوَفِّي هَاهُنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: إني قابضك ورافعك من الدُّنْيَا إِلَيَّ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [الْمَائِدَةِ: ١١٧]، أَيْ: قَبَضْتَنِي إِلَى السَّمَاءِ وَأَنَا حَيٌّ، لِأَنَّ قَوْمَهُ إنما تنصّروا بعد رفعه لَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى هَذَا لِلتَّوَفِّي تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا: إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَافِيًا لَمْ يَنَالُوا مِنْكَ شَيْئًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: تَوَفَّيْتُ كَذَا وَاسْتَوْفَيْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ تَامًّا، وَالْآخَرُ: إني متسلمك [٧]، مِنْ قَوْلِهِمْ تَوَفَّيْتُ مِنْهُ كَذَا، أَيْ: تَسَلَّمْتُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنس: المراد بالتوفي النوم، وَكَانَ عِيسَى قَدْ نَامَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ نَائِمًا إِلَى السَّمَاءِ، مَعْنَاهُ إني منيمك وَرَافِعُكَ إِلَيَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام: ٦٠]، أي: ينيمكم بالليل، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ بِالتَّوَفِّي الْمَوْتُ، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ [أَبِي] [٨] طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ:
أَنِّي مُمِيتُكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السَّجْدَةِ: ١١]، فَعَلَى هَذَا لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا مَا قاله وهب [بن منبه] [٩] : تَوَفَّى اللَّهُ عِيسَى ثَلَاثَ سَاعَاتٍ من النهار ثم أحياه ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَفَّاهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ أحياه ورفعه إليه، وَالْآخَرُ: مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مَعْنَاهُ: أَنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِكَ مِنَ السَّمَاءِ.
«٣٨٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شريح أخبرنا أبو القاسم
- وهو في «شرح السنة» (٤١٧٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي وهو في «الجعديات» (٢٩٧٣) بهذا الإسناد.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط وط «وكان» والمثبت أقرب سياقا.
(٣) في المطبوع «التاريخ».
(٤) في المطبوع «الله».
(٥) زيد في المطبوع وحده.
(٦) في المطبوع «بعض» وهو تصحيف.
(٧) في المخطوط «مستلمك».
(٨) زيادة عن كتب التراجم.
(٩) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَنَّهُ] [١] قال: «والذي نفسي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، فيفيض الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ [٢] ».
ع «٣٨٨» وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِ عيسى عليه السلام قال: «يهلك [الله] [٣] فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيَهْلَكُ الدَّجَّالُ، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ».
وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ: هَلْ تَجِدُ نُزُولَ عِيسَى فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قوله: وَكَهْلًا وهو لم يَكْتَهِلْ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ «وَكَهْلًا» بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ: مُخْرِجُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَمُنْجِيكَ مِنْهُمْ، وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوا دِينَهُ [فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلّم] [٤]، فهم [٥] فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظَاهِرِينَ قَاهِرِينَ بِالْعِزَّةِ وَالْمَنْعَةِ وَالْحُجَّةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْحَوَارِيِّينَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقيل هم الرُّومِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ النَّصَارَى، أي: فَهُمْ فَوْقَ الْيَهُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ قَدْ ذَهَبَ مُلْكُهُمْ، وَمُلْكُ النَّصَارَى دَائِمٌ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ، فَعَلَى هذا يكون الاتباع [في الآية] [٦] بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَالْمَحَبَّةِ، لَا اتِّبَاعَ الدِّينِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ، فِي الْآخِرَةِ، فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، من الدين وأمر عيسى.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)
. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا، بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ والجزية والذّلّة، وَالْآخِرَةِ، أي: في الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
- وأخرجه البخاري ٢٢٢٢ ومسلم ١٥٥ والترمذي ٢٢٣٣ وأحمد ٢/ ٥٣٧ وابن حبان ٦٨١٨ وابن مندة ٤٠٧ من طرق عن الليث بن سعد، عن الزهري به. [.....]
٣٨٨- ع جيد. أخرجه أبو داود ٤٣٢٤ وأحمد ٢/ ٤٠٦ و٤٣٧ وابن حبان ٦٨٢١ والحاكم ٢/ ٥٩٥ والطبري ٧١٤١ من طريق قتادة عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قال:
«ليس بيني وبينه نبي- يعني عيسى عليه السلام- وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه | » وإسناده جيد رجاله رجال الشيخين غير عبد الرحمن بن آدم فإنه من رجال مسلم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. |
(٢) في المطبوع «وما أقول» بدل «أحد».
(٣) زيادة عن المخطوط و «سنن أبي داود».
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) في المطبوع «فهو».
(٦) زيادة عن المخطوط.
الْحَسَنُ وَحَفْصٌ بِالْيَاءِ [٢]، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، أَيْ: نُوَفِّي [٣] أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، أَيْ: لَا يَرْحَمُ الْكَافِرِينَ ولا يثني عليهم بالجميل.
ذلِكَ، أي: هذا الذي ذكرت [٤] مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى وَمَرْيَمَ والحواريين نَتْلُوهُ عَلَيْكَ، يعني: نُخْبِرُكَ بِهِ بِتِلَاوَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْكَ، مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، يَعْنِي: القرآن [و] [٥] الذكر ذِي الْحِكْمَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، أَيِ: الْمُحْكَمُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الذِّكْرُ الْحَكِيمُ: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، وَقِيلَ: مِنَ الآيات، أي: من الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ لِأَنَّهَا أَخْبَارٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا قَارِئُ كتاب [الله] [٦] أَوْ مَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَنْتَ أمّي لا تقرأ.
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ الآية:
ع «٣٨٩» نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ تَشْتُمُ صَاحِبَنَا، قَالَ: «وَمَا أَقُولُ؟» قَالُوا: تَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: «أَجَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ»، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: هَلْ رَأَيْتَ إِنْسَانًا قَطُّ مِنْ غَيْرِ أب؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ:
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ، فِي كَوْنِهِ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَمَثَلِ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ، يَعْنِي: لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، كُنْ فَيَكُونُ، يَعْنِي: فَكَانَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَلَا تَكْوِينَ بَعْدَ الْخَلْقِ، قيل: معناه خَلَقَهُ ثُمَّ أَخْبَرَكُمْ أَنِّي قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِي الْخَلْقِ كَمَا يَكُونُ فِي الْوِلَادَةِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ:
أَعْطَيْتُكَ الْيَوْمَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَعْطَيْتُكَ أَمْسِ دِرْهَمًا، أَيْ: ثُمَّ أُخْبِرُكَ [٧] أَنِّي أَعْطَيْتُكَ أَمْسِ دِرْهَمًا، وَفِيمَا سَبَقَ مِنَ التَّمْثِيلِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ: هُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِنَوْعِ شَبَهٍ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَ عِيسَى إِلَى آدَمَ عليهم السلام بنوع شبه.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، [أَيْ: هُوَ الْحَقُّ] [٨]، وَقِيلَ: جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، أي: الشاكّين، الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، والمراد أمّته.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ، أي: جادلك في أمر عِيسَى أَوْ فِي الْحَقِّ، مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
لكن ورد مرسلا من وجوه فقد أخرجه الطبري ٧١٥٨ عن قتادة مرسلا و٧١٥٩ عن السدي ٧١٥٦٠ عن عكرمة. وانظر ما بعده.
(١) زيد في المطبوع «ورش».
(٢) قرأ حفص «فيوفيهم» وقرأ رويس «فيوفيهم». وقرأ روح «فنوفيهم» والباقون «فنوفيهم».
(٣) في المطبوع «يوفيهم».
(٤) في المطبوع «ذكرته لك».
(٥) كذا في المطبوع وط وفي المخطوط «أي» بدل «و».
(٦) زيد في المطبوع وهو مثبت في «الوسيط» (١/ ٤٤٢). [.....]
(٧) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «أخبرتك».
(٨) سقط من المخطوط.
ع «٣٩٠» فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى وَفْدِ نَجْرَانَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، قَالُوا: حَتَّى نَرْجِعَ وَنَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ نَأْتِيكَ غَدًا فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالُوا لِلْعَاقِبِ وكان إذا رَأْيِهِمْ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَاللَّهِ مَا لَاعَنَ قوم نبيّا قط فبقي [٥] كبيرهم ونبت صغيرهم، ولئن فعلتم ذلك لتهلكنّ [عن آخركم] [٦]، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَضِنًا لِلْحُسَيْنِ آخِذًا بِيَدِ الْحَسَنِ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ وَعَلِيٌّ خَلْفَهَا، وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِذَا أَنَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا»، فَقَالَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى إِنِّي لِأَرَى وُجُوهًا لَوْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُزِيلَ جَبَلًا مِنْ مَكَانِهِ لِأَزَالَهُ، فَلَا تَبْتَهِلُوا فَتَهْلَكُوا وَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ رَأَيْنَا أَنْ لَا نُلَاعِنَكَ وَأَنْ نَتْرُكَكَ عَلَى دِينِكَ وَنَثْبُتَ عَلَى دِينِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ أَبَيْتُمُ الْمُبَاهَلَةَ فَأَسْلِمُوا، يَكُنْ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ»، فَأَبَوْا فَقَالَ: «فإني أنابذكم [بالحرب] [٧] »، فَقَالُوا: مَا لَنَا بِحَرْبِ الْعَرَبِ طَاقَةٌ، وَلَكِنَّا نُصَالِحُكَ عَلَى أَنْ لا تغزونا ولا
- وورد نحوه عن الشعبي مرسلا أخرجه الطبري ٧١٧٦ وهو مرسل حسن رجاله ثقات. ووصله الحاكم ٢/ ٥٩٤ لكن دون عجزه وكرره ٧١٧٧ عن ابن إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزبير مرسلا وذكره الواحدي في «الوسيط» (١/ ٤٤٤- ٤٤٥) بنحوه بدون إسناد.
- وورد بعضه عن ابن عباس بلفظ «صالح رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا» الحديث.
أخرجه أبو داود ٣٠٤١ وإسناده ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن ابن عباس وعبد الرحمن لين الحديث، وفي سماعه من ابن عباس نظر، وبهذا يتبين أن لبعض ألفاظ الحديث شواهد وبعضها غريب، والله أعلم.
تنبيه: لفظ «ولو تلاعنوا... » منكر ليس من كلام النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تفرد به الكلبي وعنه السدي الصغير، وهما متهمان.
(١) في المخطوط «قال».
(٢) في المطبوع «ل».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المطبوع «نبتهل» وفي المخطوط «نلتفت» والمثبت عن- ط- وكتب الأثر.
(٥) في المطبوع وط «فعاش» وفي المخطوط «فنجى» والمثبت عن كتب التخريج والأثر.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ: النَّبَأُ الْحَقُّ، وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ، [ومِنْ صِلَةٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ] [٣]، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ، الَّذِينَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الآية:
ع «٣٩١» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ الْمَدِينَةَ فَالْتَقَوْا مَعَ الْيَهُودِ فَاخْتَصَمُوا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَهُمْ عَلَى دِينِهِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وزعمت [٤]
اليهود: أنه [٥]
كَانَ يَهُودِيًّا وَهُمْ عَلَى دِينِهِ وأولى الناس به، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، بَلْ كَانَ [إِبْرَاهِيمُ] [٦]
حَنِيفًا مُسْلِمًا وَأَنَا عَلَى دِينِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فاتبعوا دينه الْإِسْلَامِ»، [فَقَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَكَ رِبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى رَبًّا؟] [٧]
وَقَالَتِ النَّصَارَى: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ فِيكَ مَا قَالَتِ الْيَهُودُ فِي عُزَيْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ.
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ قِصَّةٍ لَهَا شَرْحٌ كَلِمَةٍ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَصِيدَةُ كَلِمَةً سَوَاءٍ عَدْلٍ بَيْنَنَا وبينكم
٧٩- ثم ذكر ما أخذ عليهم، وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ إلى قوله: مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١- اهـ.
وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد، وهو مجهول.
(١) في المطبوع «تخفينا» والمثبت عن- ط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) سقط من المخطوط. [.....]
(٤) في المطبوع وط «وقالت».
(٥) في المطبوع «بل».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) سقط من المخطوط.
وَإِنَّمَا قِيلَ: لِلنِّصْفِ سَوَاءٌ لِأَنَّ أَعْدَلَ الْأُمُورِ وَأَفْضَلَهَا أَوْسَطُهَا، وَسَوَاءٌ نَعْتٌ لِكَلِمَةٍ إِلَّا أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصَادِرُ [٢]
لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ وَلَا تُؤَنَّثُ، فَإِذَا فَتَحْتَ السِّينَ مدت [٣]
، وإذ كسرت أو ضمّت قَصَرْتَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَكاناً سُوىً [طه: ٥٨]، ثُمَّ فَسَّرَ الْكَلِمَةَ فَقَالَ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَمَحَلُّ أَنْ رَفْعٌ عَلَى إِضْمَارِ هِيَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ: محلّه نصب بنزع حرف الصلة [٤]
، مَعْنَاهُ بِأَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَقِيلَ: مَحَلُّهُ خَفْضٌ بَدَلًا مِنَ الْكَلِمَةِ أَيْ: تَعَالَوْا إِلَى [٥]
أَنْ لَا نَعْبُدَ [إِلَّا] اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التَّوْبَةِ: ٣١]، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ سُجُودُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَيْ لَا نسجد [٦]
لِغَيْرِ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا نُطِيعُ أَحَدًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا، أي: فقولوا أنتم [يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم] [٧]
لَهُمُ:
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ مُخْلِصُونَ بِالتَّوْحِيدِ.
«٣٩٢»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا [مُحَمَّدُ بْنُ] [٨]
يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزهري أخبرنا مُحَمَّدِ بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ:
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم مادّ [٩]
فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكَفَّارَ قُرَيْشٍ فأتوه وهو بإيليا فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الروم ثم دعا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دحية [١٠]
إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هرقل فقرأه فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسلام أسلم تسلم يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجَرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تولّيت فإنّما عليك
وهو في «شرح السنة» (٣٢٠٩) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٧) عن أبي اليمان بهذا الإسناد. مطوّلا.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٩٧٢٤٠) عن معمر عن الزهري به، ومن طريق عبد الرزاق.
أخرجه البخاري ٤٥٥٣ ومسلم ١٧٧٣ وأحمد ١/ ٢٦٣ وابن حبان ٦٥٥٥ واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (١٤٥٧) والبيهقي في «الدلائل» (٤/ ٣٨٠- ٣٨١).
- وأخرجه البخاري ٢٩٤١ و٥٩٨٠ ومسلم ١٧٧٣ والترمذي ٢٧١٧ وابن مندة في «الإيمان» (١٤٣) والبيهقي في «الدلائل» (٤/ ٣٨١- ٣٨٣) من طرق عن الزهري به.
(١) سقط من المخطوط وط.
(٢) في المطبوع «المصدر».
(٣) في المطبوع وط «مددت».
(٤) كذا في المطبوع، وفي المخطوط وط «الصفة».
(٥) زيد في المطبوع عقب إلى «كلمة» وقد سقط لفظ: «إلى كلمة» من المخطوط.
(٦) في المخطوط وط «تسجدوا».
(٧) زيد في المطبوع وحده.
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة».
(٩) كذا في المطبوع و «شرح السنة» و «صحيح البخاري» وفي المخطوط وط «عاهد». [.....]
(١٠) زيد في المطبوع عقب لفظ: دحية «بن خليفة الكلبي وأمره أن يدفعه».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِكُمْ، وَإِنَّمَا دِينُكُمُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَقَدْ حَدَثَتِ الْيَهُودِيَّةُ بَعْدَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ، والنصرانية بعد نزول الإنجيل، وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، أي: [وإنما أنزلت التوراة والإنجيل] [١]
بَعْدِ إِبْرَاهِيمَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَكَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى أَلْفُ سَنَةٍ وَبَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى أَلْفَا سَنَةٍ أَفَلا تَعْقِلُونَ بُطْلَانَ قَوْلِكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَا أَنْتُمْ بِتَلْيِينِ الْهَمْزَةِ، حَيْثُ كَانَ مَدَنِيٌّ، وَأَبُو عَمْرٍو والباقون بالهمزة وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أصله أنتم، وهاء تَنْبِيهٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَصْلُهُ أَأَنْتُمْ، فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى هَاءً كَقَوْلِهِمْ: هَرَقْتَ الْمَاءَ وَأَرَقْتَ، هؤُلاءِ أَصْلُهُ أُولَاءِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَاءُ التَّنْبِيهِ، وهو مَوْضِعِ النِّدَاءِ يَعْنِي: يَا هَؤُلَاءِ أَنْتُمْ، حاجَجْتُمْ [جَادَلْتُمْ] فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، يَعْنِي: فِي أَمْرِ مُوسَى وَعِيسَى، وَادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ عَلَى دِينِهِمَا، وَقَدْ أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عَلَيْكُمْ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، [وَلَيْسَ فِي كِتَابِكُمْ أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقِيلَ: حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ] [٢]
، يَعْنِي: فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا نَعْتَهُ فِي كِتَابِهِمْ، فَجَادَلُوا فِيهِ بِالْبَاطِلِ، فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِكُمْ وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، ثُمَّ برّأ الله تعالى إبراهيم عمّا قالوا، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]
مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)
مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)، وَالْحَنِيفُ الْمَائِلُ عَنِ الْأَدْيَانِ [كُلِّهَا] [٣]
إِلَى الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقِيلَ: الْحَنِيفُ الَّذِي يُوَحِّدُ وَيَحُجُّ وَيُضَحِّي ويختنن وَيَسْتَقْبِلُ [٤]
الْكَعْبَةَ وَهُوَ أَسْهَلُ الْأَدْيَانِ وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، أَيْ: مَنِ اتّبعه في زمانه وملّته بعده، وَهذَا النَّبِيُّ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.
ع «٣٩٣»
رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بإسناد [٥]
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (٢/ ٣٠١- ٣٠٦) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن أبي بكر بن
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) كذا في المطبوع وط. وفي المخطوط «ويصلي إلى».
(٥) في المطبوع وط «بِإِسْنَادِهِ».
بْنَ أبي معيط مَعَ الْهَدَايَا الْأُدُمَ وَغَيْرِهِ، فَرَكِبَا الْبَحْرَ وَأَتَيَا الْحَبَشَةَ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدَا لَهُ وَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَقَالَا لَهُ: إِنَّ قَوْمَنَا لك ناصحون شاكرون ولأصحابك مُحِبُّونَ، وَإِنَّهُمْ بَعَثُونَا إِلَيْكَ لِنُحَذِّرَكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْكَ لِأَنَّهُمْ قَوْمُ رَجُلٍ كَذَّابٍ خَرَجَ فِينَا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا السُّفَهَاءُ وَإِنَّا كُنَّا قَدْ ضَيَّقْنَا عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ وَأَلْجَأْنَاهُمْ إِلَى شِعْبٍ بِأَرْضِنَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ [قَدْ قَتَلَهُمُ] [٢]
الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ بَعَثَ إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّهِ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ دِينَكَ وَمُلْكَكَ وَرَعِيَّتَكَ، فَاحْذَرْهُمْ وَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا لِنَكْفِيَكَهُمْ، وَقَالَا [٣]
: وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ لَا يَسْجُدُونَ لَكَ وَلَا يُحَيُّونَكَ بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي يُحَيِّيكَ بِهَا النَّاسُ رَغْبَةً عَنْ دِينِكَ وَسُنَّتِكَ، قَالَ: فَدَعَاهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَلَمَّا حَضَرُوا صَاحَ جَعْفَرٌ بِالْبَابِ: يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ حِزْبُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مُرُوا هَذَا الصَّائِحَ فَلْيُعِدْ كَلَامَهُ، فَفَعَلَ جَعْفَرٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَعَمْ فَلْيَدْخُلُوا بِأَمَانِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ، فَنَظَرَ عَمْرُو بن العاص إلى صاحبه وقال: أَلَا تَسْمَعُ كَيْفَ يَرْطُنُونَ [٤]
بِحِزْبِ اللَّهِ، وَمَا أَجَابَهُمْ بِهِ النَّجَاشِيُّ، فَسَاءَهُمَا ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَلَّا تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَكْبِرُونَ أَنْ يَسْجُدُوا لَكَ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تسجدوا إليّ وَتُحَيُّونِي بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي يُحَيِّينِي بِهَا مَنْ أَتَانِي مِنَ الْآفَاقِ؟
قَالُوا: نَسْجُدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَمُلْكَكَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ التَّحِيَّةُ لَنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، فَبَعَثَ اللَّهُ فينا نبيا صادقا وأمرنا بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي رَضِيَهَا اللَّهُ وَهِيَ السَّلَامُ، تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَعَرَفَ النَّجَاشِيُّ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَأَنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ: أَيُّكُمُ الْهَاتِفُ: يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ حِزْبُ اللَّهِ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا، قَالَ: فَتَكَلَّمْ، قَالَ: إِنَّكَ مَلِكٌ مَنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا يَصْلُحُ عِنْدَكَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَلَا الظُّلْمُ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُجِيبَ عَنْ أَصْحَابِي، فَمُرْ هَذَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَلْيَتَكَلَّمْ أَحَدُهُمَا وَلْيُنْصِتِ الْآخَرُ، فَتَسْمَعُ مُحَاوَرَتَنَا، فَقَالَ عَمْرٌو لِجَعْفَرٍ: تَكَلَّمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ لِلنَّجَاشِيِّ: سَلْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَعَبِيدٌ نَحْنُ أَمْ أَحْرَارٌ، فَإِنْ كُنَّا عَبِيدًا أَبَقْنَا مِنْ أَرْبَابِنَا فَارْدُدْنَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَعَبِيدٌ هُمْ أَمْ أَحْرَارٌ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ أَحْرَارٌ كِرَامٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجَوْا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: سَلْهُمَا هَلْ أَهْرَقْنَا دَمًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُقْتَصُّ منّا؟ فقال عمرو: لا ولا قطرة، فقال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها؟ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنْ كَانَ قِنْطَارًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا وَلَا قِيرَاطًا، قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَمَا تَطْلُبُونَ مِنْهُمْ؟ قَالَ عَمْرٌو: كُنَّا وَهُمْ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَأَمْرٍ وَاحِدٍ، عَلَى دِينِ آبَائِنَا فَتَرَكُوا ذلك
- وأخرجه عبد بن حميد كما في «الدر» (٢/ ٧٣- ٧٤) من طريق شهر بن حوشب قال: حدثني ابن غنم أنه لما أن خرج أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم إلى النجاشي أدركهم عمرو بن العاص... فذكره.
- وحديث الهجرة أخرجه أيضا الحاكم ٢/ ٣٠٩- ٣١٠ والبيهقي ٢/ ٢٩٩- ٣٠٠ من حديث أبي موسى وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(١) زيد في المطبوع «بن الوليد أو عمارة» والمثبت عن المخطوط و «أسباب النزول».
(٢) في المطبوع «فقتلهم».
(٣) في المخطوط و «أسباب النزول» «وقالوا».
(٤) الرطانة: الكلام بالأعجمية.
وَالدِّينُ الَّذِي اتَّبَعْتُمُوهُ اصْدُقْنِي؟ قَالَ جَعْفَرٌ: أَمَّا الدِّينُ الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ فَتَرَكْنَاهُ فَهُوَ دِينُ الشَّيْطَانِ كُنَّا نَكْفُرُ بِاللَّهِ وَنَعْبُدُ الْحِجَارَةَ، وَأَمَّا [الدِّينُ] [٢]
الَّذِي تَحَوَّلْنَا إِلَيْهِ فَدِينُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ جَاءَنَا بِهِ مِنَ اللَّهِ رَسُولٌ وَكِتَابٌ مِثْلَ كِتَابِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، مُوَافِقًا لَهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: يَا جَعْفَرُ لقد تَكَلَّمْتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَعَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ النَّجَاشِيُّ فَضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ [٣]
كُلُّ قِسِّيسٍ وَرَاهِبٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، قَالَ النَّجَاشِيُّ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى هَلْ تَجِدُونَ بَيْنَ عيسى وبين القيامة نبيّ مرسل، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَدْ بَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى، وَقَالَ:
مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ آمَنَ بِي وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِي، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ: مَاذَا يَقُولُ لَكُمْ هَذَا الرَّجُلُ؟ وَمَا يَأْمُرُكُمْ به؟ وما ينهاكم عنه؟ قال: يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللَّهِ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُ بِحُسْنِ الْجِوَارِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَبِرِّ الْيَتِيمِ، وَيَأْمُرُنَا بِأَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَالَ: اقرأ عليّ [شيئا] [٤]
مِمَّا يَقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ، فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الدَّمْعِ، وَقَالُوا: زِدْنَا يَا جَعْفَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الطَّيِّبِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الْكَهْفِ، فَأَرَادَ عَمْرٌو أَنْ يُغْضِبَ النَّجَاشِيَّ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يَشْتُمُونَ عِيسَى وَأُمَّهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا تَقُولُونَ في عيسى وأمه؟ فقرأ جعفر عَلَيْهِمْ سُورَةَ مَرْيَمَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ مَرْيَمَ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ رَفَعَ النَّجَاشِيُّ نُفْثَةً [٥] مِنْ سواكه قدر ما يقذي الْعَيْنُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ المسيح على ما تقولون مثل هَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي- يَقُولُ: آمِنُونَ- مَنْ سَبَّكُمْ أَوْ آذَاكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرُوا وَلَا تَخَافُوا فَلَا دَهْوَرَةَ الْيَوْمَ عَلَى حِزْبِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ عَمْرٌو: [يَا نَجَاشِيُّ] [٦] وَمَنْ حِزْبُ إِبْرَاهِيمَ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ وَصَاحِبُهُمُ الذي جاؤوا مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَادَّعَوْا [فِي] [٧] دِينِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ رَدَّ النَّجَاشِيُّ عَلَى عَمْرٍو وَصَاحِبِهِ الْمَالَ الَّذِي حَمَلُوهُ، وقال: إنما هديتكم إليّ رَشْوَةٌ فَاقْبِضُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ مَلَّكَنِي وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي رِشْوَةً، قَالَ جَعْفَرٌ: فَانْصَرَفْنَا فَكُنَّا فِي خَيْرِ دَارٍ وَأَكْرَمِ جَوَارٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى في ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُصُومَتِهِمْ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨).
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٩ الى ٧٢]
وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ دَعَاهُمُ الْيَهُودُ إِلَى دِينِهِمْ، فَنَزَلَتْ وَدَّتْ طائِفَةٌ، أي: تَمَنَّتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يعني اليهود، لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [يستزيلونكم] [٨] عَنْ دِينِكُمْ وَيَرُدُّونَكُمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ.
(٢) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٣) في المطبوع «عليه».
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) تصحف في المخطوط هذا اللفظ إلى «نفسه من سواله».
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول».
(٨) زيد في المطبوع وحده، ويدل عليه عبارة «الوسيط» (١/ ٤٤٨).
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ تَخْلِطُونَ الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: لِمَ تَخْلِطُونَ الْإِيمَانَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الْحَقُّ، بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الباطل. وقيل: لم تخلطون التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى بِالْبَاطِلِ الَّذِي حَرَّفْتُمُوهُ وَكَتَبْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه حق.
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا الآية، قال الحسن وقتادة وَالسُّدِّيُّ [١] : تَوَاطَأَ اثْنَا عَشَرَ حَبْرًا من يهود خيبر وقرى عربية [٢]، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْخُلُوا فِي دِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أَوَّلَ النَّهَارِ بِاللِّسَانِ دُونَ الِاعْتِقَادِ ثُمَّ اكْفُرُوا آخِرَ النَّهَارِ، وَقُولُوا: إِنَّا نَظَرْنَا فِي كُتُبِنَا وَشَاوَرْنَا علماءنا فوجدنا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس هو بذاك المنعوت وَظَهَرَ لَنَا كَذِبُهُ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ شَكَّ أَصْحَابُهُ فِي دِينِهِمْ واتّهموه، وقالوا إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منّا، فَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ لَمَّا صُرِفَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ لِأَصْحَابِهِ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ أَمْرِ الْكَعْبَةِ وَصَلُّوا إِلَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ اكْفُرُوا وَارْجِعُوا إِلَى قِبْلَتِكُمْ آخِرَ النَّهَارِ لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُمْ أَعْلَمُ [منا] [٣]، فَيَرْجِعُونَ إِلَى قِبْلَتِنَا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى سِرِّهِمْ، وَأَنْزَلَ: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا، بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ، أَوَّلَهُ سُمِّيَ وَجْهًا لِأَنَّهُ أَحْسَنُهُ وَأَوَّلُ مَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ فَيَرَاهُ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، [عند غروب الشمس] [٤]، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَيَشُكُّونَ وَيَرْجِعُونَ عَنْ دينهم.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٣]
وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣)
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، هَذَا مُتَّصِلٌ بِالْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا تؤمنوا، أي: ولا تُصَدِّقُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أي: وَافَقَ مِلَّتَكُمْ، وَاللَّامُ فِي لِمَنْ صِلَةٌ، أَيْ: لَا تُصَدِّقُوا إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينَكُمُ الْيَهُودِيَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ [النمل: ٧٢]، أَيْ: رِدْفَكُمْ. قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، هَذَا خَبَرٌ مِنَ الله تعالى أَنَّ الْبَيَانَ بَيَانُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فيه فمنهم من قال: هذا كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ مُتَّصِلٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِخْبَارٌ عَنْ قَوْلِ الْيَهُودِ [بَعْضُهُمْ] [٥] لِبَعْضٍ، وَمَعْنَاهُ:
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْآيَاتِ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لِأَنَّكُمْ أَصَحُّ دِينًا مِنْهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِسَفَلَتِهِمْ: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ: لِئَلَّا يُؤْتَى أَحَدٌ، وَ «لَا» فِيهِ مُضْمَرَةٌ كَقَوْلِهِ تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ
(٢) في المطبوع وط «عرينة» والمثبت عن المخطوط و «الدر المنثور» (٢/ ٧٥) والطبري ٧٢٢٩.
(٣) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
عند فعل رَبِّكُمْ بِكُمْ [ذَلِكَ]، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى حَتَّى كَمَا يُقَالُ: تَعَلَّقْ بِهِ أَوْ يُعْطِيَكَ حَقَّكَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنَ الدِّينِ وَالْحُجَّةِ حَتَّى يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ! وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «آنْ يُؤْتَى» بِالْمَدِّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ تَحْسُدُونَهُ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ، هَذَا قول قتادة والربيع، قالا: هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ بِأَنْ أَنْزَلَ كِتَابًا مِثْلَ كِتَابِكُمْ وَبَعَثَ نَبِيًّا حَسَدْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ، قَوْلُهُ: أَوْ يُحاجُّوكُمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ رُجُوعٌ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى «أَنَّ»، لِأَنَّهُمَا حَرْفَا شَرْطٍ وَجَزَاءٍ يُوضَعُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ، أَيْ: وَإِنْ يُحَاجُّوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ رَبِّكُمْ، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وَنَحْنُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ نَظْمُ الْآيَةِ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسَدُوكُمْ، فَقُلْ: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنْ حَاجُّوكُمْ، فقل: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنِ الْيَهُودِ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُؤْمِنُوا من كَلَامُ اللَّهِ يُثَبِّتُ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ لِئَلَّا يَشُكُّوا عِنْدَ تَلْبِيسِ الْيَهُودِ وَتَزْوِيرِهِمْ فِي دِينِهِمْ، يَقُولُ: لَا تُصَدِّقُوا يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مَنْ تَبِعْ [٣] دِينَكُمْ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ ما أوتيتم من العلم والدين وَالْفَضْلِ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ فِي دِينِكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَوْ [٤] يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْهُدَى هدى اللَّهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ كُلُّهَا خِطَابَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ تَلْبِيسِ الْيَهُودِ لئلّا يرتابوا.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
قَوْلُهُ: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ، أَيْ: بِنُبُوَّتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ..
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ أَمَانَةً وَخِيَانَةً، وَالْقِنْطَارُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالدِّينَارُ عِبَارَةٌ عَنِ المال القليل، يقول منهم
(٢) في المخطوط «القبلة».
(٣) في المطبوع «لمن اتبع». [.....]
(٤) في المطبوع «أي».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧)
بَلى، أَيْ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مَنْ أَوْفى [أَيْ: وَلَكِنَّ مَنْ أَوْفَى] [٥]، بِعَهْدِهِ، أَيْ: بِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي عَهْدِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمُوفِي وَاتَّقى الْكَفْرَ وَالْخِيَانَةَ وَنَقْضَ الْعَهْدِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.
«٣٩٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف أنا
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) تصحف في المطبوع إلى «فيما».
(٤) في المخطوط «كتابهم».
(٥) زيد في المطبوع وط.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا ائْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذا خاصم فجر».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا، قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي رُؤُوسِ الْيَهُودِ كَتَمُوا مَا عَهِدَ اللَّهَ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَدَّلُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ غَيْرَهُ وَحَلَفُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمُ الْمَآكِلُ وَالرِّشَا الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ.
«٣٩٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مسلم لقي الله [٢] وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثته، فقال: «بَيِّنَتَكَ أَوْ يَمِينَهُ»، قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».
«٣٩٦» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بن عيسى الجلودي، أنا
هو في «شرح السنة» (٣٧) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٣٤) عن قبيصة بن عقبة به.
- وأخرجه البخاري ٢٤٥٩ ومسلم ٥٨ وأبو داود ٤٦٨٨ والترمذي ٢٦٣٢ والنسائي ٨/ ١١٦ وابن أبي شيبة ٨/ ٥٩٣ و٥٩٤ وأبو عوانة ١/ ٢٠ وأحمد ٢/ ١٨٩ و١٩٨ وابن مندة في «الإيمان» (٥٢٢ و٥٢٣ و٥٢٤ و٥٢٦) وابن حبان ٢٥٤ ووكيع في «الزهد» (٤٧٣) والبيهقي ٩/ ٢٣٠ و١٠/ ٧٤ من طرق عن الأعمش به.
٣٩٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو عوانة اسمه وضاح، مشهور بكنيته، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو وائل اسمه شقيق بن سلمة.
هو في «شرح السنة» (٢٤٩٤) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٢٦٧٣) عن موسى بن إسماعيل به.
- وأخرجه البخاري ٢٣٥٦ و٢٦٧٦ و٤٥٤٩ و٦٦٥٩ و٦٦٧٦ و٧١٨٣ ومسلم ١٣٨ وابن ماجه ٢٣٢٣ والطيالسي ١٠٥٠ وأحمد ١/ ٤٤ و٥/ ٢١١ و٢١٢ وابن حبان ٥٠٨٤ والطبري ٧٢٧٩ والبيهقي ١٠/ ٤٤ و١٧٨ و٣٥٣ من طرق عن سليمان الأعمش به.
- وأخرجه البخاري ٢٥١٥ و٢٥١٦ و٢٦٦٩ و٢٦٧٠ و٦٦٥٩ ومسلم ١٣٨ والشافعي ٢/ ٥١ والطيالسي ٢٦٢ و١٠٥١ والطبري ٨٢٨٢ والطحاوي في «المشكل» (٤٤٢) والواحدي ٢١٦ والبيهقي ١٠/ ١٧٨ و٢٥٣ و٢٦١ من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة به.
٣٩٦- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنيفي، سماك بن حرب فيه كلام بسبب تغيره
(١) في الأصل «عمر» وهو تصحيف.
(٢) زيد في المطبوع «يوم القيامة» وليست في المخطوط وط وكتب الحديث.
جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضٌ فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي على ما حلف عَلَيْهِ، قَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلا ذلك»، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ [١]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لَمَّا أدبر] [٢] :«أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ».
وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ هُوَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ، وروى [أنه] [٣] لَمَّا هَمَّ أَنْ يَحْلِفَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَامْتَنَعَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَنْ يَحْلِفَ. وَأَقَرَّ لِخَصْمِهِ بِحَقِّهِ وَدَفْعَهُ إِلَيْهِ [٤].
«٣٩٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ [أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ] [٥]، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن عن معبد [٦] بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عن أبي أمامة:
- أخرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١٣٩) عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ١٣٤٠ والنسائي في «الكبرى» (٥٩٨٩) وابن حبان ٥٠٧٤ والبيهقي ١٠/ ١٧٩ من طريق قتيبة بن سعيد به.
وأخرجه مسلم ١٣٩ وأبو داود ٣٢٤٥ و٣٦٢٣ والطحاوي في «المعاني» (٤/ ١٤٨) وفي «المشكل» (٤/ ٢٤٨) والبيهقي ١٠/ ١٤٤ و١٥٤ من طرق عن أبي الأحوص به.
- وأخرجه مسلم ١٣٩ ح ٢٢٤ وأحمد ٤/ ٣١٧ والطحاوي ٤/ ١٤٧ وفي «المشكل» (٤/ ٢٤٨) والبيهقي ١٠/ ١٣٧ و٢٦١ من طرق عن أبي عوانة عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن علقمة به.
٣٩٧- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٠١) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (٢/ ٢٧) عن العلاء به.
- وأخرجه مسلم ١٣٧ والنسائي ٨/ ٢٤٦ وأحمد ٥/ ٢٦٠ والدارمي ٢/ ٢٦٦ والطبراني ٧٩٦ و٧٩٧ والبيهقي ١٠/ ١٧٩ من طرق عن العلاء به.
- وأخرجه ابن حبان ٥٠٨٨ والطبراني ٧٩٨ من طريق معيد بن كعب به.
- وأخرجه مسلم ١٣٧ ح ٢١٩ وابن ماجه ٢٣٢٤ والدارمي ٢/ ٢٦٦ والطحاوي في «المشكل» (١/ ١٨٦) والطبراني ٧٩٩ من طريق محمد بن كعب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ به.
- وأخرجه الطبراني ٨٠١ والحاكم ٢/ ٢٩٤ من وجه آخر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبي أمامة به. [.....]
(١) زيد في المطبوع «له، فلما أدبر» والصواب في هذه العبارة ما يأتي.
(٢) هذه العبارة في المطبوع قبل كلمات.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) هذه الرواية لابن جرير ٧٢٧٨ عن ابن جريج.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة».
(٦) في الأصل «سعيد» وهو تصحيف.
«٣٩٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا هُشَيْمُ بْنُ بشير [١] أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى:
أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ، لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ، أَيْ: يستبدلون بِعَهْدِ اللَّهِ أداء [٢] الْأَمَانَةَ، وَأَيْمانِهِمْ الْكَاذِبَةِ ثَمَناً قَلِيلًا، أَيْ: شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ، لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَنَعِيمِهَا، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، كَلَامًا يَنْفَعُهُمْ وَيَسُرُّهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْغَضَبِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا كَانَ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَيْ: لَا يَرْحَمُهُمْ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُنِيلُهُمْ خَيْرًا، وَلا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ: لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ بِالْجَمِيلِ وَلَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
«٣٩٩» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ أَنَا سُفْيَانُ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا [أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا: حدّثنا] [٣] مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، قَالَ: قَرَأَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»، في رواية: «المسبل إزاره».
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٠٨٨) عن عمرو بن محمد بهذا الإسناد. و٢٦٧٥ و٤٥٥١ هن هشيم به.
وذكره السيوطي في «الدر» (٢/ ٧٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
٣٩٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي. شعبة هو ابن الحجاج.
أخرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١٠٦) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة ومحمد بن المثنى، وابن بشار قالوا: حدثنا محمد بن جعفر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٤٠٨٧ والترمذي ١٢١١ والنسائي ٧/ ٢٤٥- ٢٤٦ وابن أبي شيبة ٩/ ٩٢- ٩٣ والطيالسي ٤٦٧ وأحمد ٥/ ١٤٨ و١٦٢ و١٦٨ والدارمي ٢/ ٢٦٧ وفي «الرد على الجهمية» ص (٩٣) وابن حبان ٤٩٠٧ والبيهقي ٥/ ٢٦٥ من طرق عن شعبة به.
(١) في الأصل «محمد» والتصويب من «كتب التراجم».
(٢) في المطبوع «وأراد».
(٣) زيادة عن «صحيح مسلم» و «كتب التخريج» و «التراجم»، ومسلم لم يدرك محمد بن جعفر.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَاقْتَطَعَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَنَّهُ أُعْطِيَ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ منع فضل مائه [٣]، فإن الله [سبحانه و] تعالى يقول: اليوم أمنعك فضلي [كما منعت فَضْلَ] [٤] مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَفَرِيقاً، أَيْ: طَائِفَةً، وَهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَبُو يَاسِرٍ وَشُعْبَةُ بن عمرو الشَّاعِرُ، يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ، أَيْ: يَعْطِفُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّغْيِيرِ، وَهُوَ مَا غَيَّرُوا مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: لَوَى لسانه عن كذا، إذا غَيَّرَهُ، لِتَحْسَبُوهُ، أَيْ: لِتَظُنُّوا مَا حرّفوا مِنَ الْكِتابِ، [أي] : الذي أنزله الله تعالى [على أنبيائه] [٥]، وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، عَمْدًا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أنهم كاذبون [وأنهم هم المغيرون له من عند أنفسهم] [٦]، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَأَلْحَقُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ الْآيَةَ، قَالَ مُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنْ نَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ عِيسَى أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوهُ رَبًّا فَقَالَ تَعَالَى: مَا كانَ لِبَشَرٍ، يَعْنِي: عِيسَى أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ، أي: الإنجيل، وقال ابن عباس
- وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٤٧٦) من طريق محمد بن الحسين العلوي به.
- وأخرجه البخاري ٢٣٦٩ و٧٤٤٦ ومسلم ١٠٨ وابن مندة في «الإيمان» (٦٢٦) وابن حبان ٤٩٠٨ والبيهقي ٦/ ١٥٢ والبغوي في «شرح السنة» (٢٥١٠) من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مسلم ١٠٨ والنسائي ٧/ ٢٤٦- ٢٤٧ وأبو عوانة ١/ ٤١ وابن مندة ٦٢٣ و٦٢٤ والبيهقي ١٠/ ٧٧ من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ به.
(١) في الأصل «أسيد» وهو تصحيف.
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٣) تصحف في المطبوع وط إلى «ماله».
(٤) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
م (٣٩١) وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ الْقُرَظِيَّ مِنَ الْيَهُودِ، وَالرَّئِيسَ مِنْ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَالَا: يَا مُحَمَّدُ تُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ وَنَتَّخِذَكَ رَبًّا، فقال: معاذ الله أن آمر بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، مَا بِذَلِكَ أمرني الله، وما بذلك بعثني، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: مَا كانَ لِبَشَرٍ، أَيْ: مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا [النور:
١٦]، أَيْ: مَا يَنْبَغِي لَنَا، وَالْبَشَرُ: جَمِيعُ بَنِي آدَمَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ وَالْجَيْشِ [١]، يوضع مَوْضِعَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ، الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ، وَقِيلَ: إِمْضَاءَ الْحُكْمِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنُّبُوَّةَ، الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ بالإنباء، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا، أَيْ: وَلَكِنْ يَقُولُ كُونُوا، رَبَّانِيِّينَ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: كُونُوا فُقَهَاءَ علماء، وقال قتادة:
حكماء علماء، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فُقَهَاءَ مُعَلِّمِينَ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كباره، وقال عطاء: حكماء علماء نُصَحَاءَ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ والأمر والنهي العارف بِأَنْبَاءِ الْأُمَّةِ [٢] مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ فَوْقَ الْأَحْبَارِ، والأحبار فوق الْعُلَمَاءُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ الَّذِينَ جَمَعُوا مَعَ الْعِلْمِ الْبَصَارَةَ [٣] بِسِيَاسَةِ النَّاسِ، قَالَ الْمُؤَرِّجُ:
كُونُوا رَبَّانِيِّينَ تَدِينُونَ لِرَبِّكُمْ.
مِنَ [٤] الرُّبُوبِيَّةِ، كَانَ فِي الْأَصْلِ رَبِّيٌّ، فَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ لِلتَّفْخِيمِ، ثُمَّ أُدْخِلَتِ النُّونُ لِسُكُونِ الْأَلِفِ، كَمَا قِيلَ: صَنْعَانِيٌّ وَبَهْرَانِيٌّ [٥]، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يُرَبُّونَ الْعِلْمَ، وَيَقُومُونَ بِهِ وَيُرَبُّونَ الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ كِبَارِهَا، وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِإِصْلَاحِ الشيء وَإِتْمَامِهِ فَقَدْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ، وَاحِدُهَا:
رَبَّانُ كَمَا قَالُوا: رَيَّانُ وَعَطْشَانُ وشبعان وغرثان، ثُمَّ ضُمَّتْ إِلَيْهِ يَاءُ النِّسْبَةِ، كما يقال: الحياني وَرَقَبَانِيٌّ، وَحُكِيَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الذي يربي عِلْمَهُ بِعَمَلِهِ [٦]، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحنفية يوم مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بِما كُنْتُمْ، أَيْ: بِمَا أَنْتُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم: ٢٩]، أَيْ: مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ، تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ [وَحَمْزَةُ] [٧] وَالْكِسَائِيُّ تُعَلِّمُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ تَعْلَمُونَ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ:
وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، أي: تقرءون.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١)
قَوْلُهُ: وَلا يَأْمُرَكُمْ، قَرَأَ ابن عامر وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَطْفًا على قوله: ثم يقول،
(٢) في المخطوط «الإمامة».
(٣) في المطبوع «البصائر» وفي المخطوط «بالبصارة» والمثبت عن- ط.
(٤) في المخطوط «بمعنى» بدل «من» والمثبت عن المطبوع وط.
(٥) في المخطوط «نهراني».
(٦) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط على التقديم والتأخير.
(٧) زيادة عن المخطوط وط.
وَلَا يَأْمُرُكُمْ مُحَمَّدٌ، أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً، كَفِعْلِ قُرَيْشٍ وَالصَّابِئِينَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ مَا قَالُوا، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، قَالَهُ [٢] عَلَى طريق التعجّب والإنكار، يعني: ولا يَقُولُ [٣] هَذَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ لَما بِكَسْرِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، فَمَنْ كَسَرَ اللَّامَ فَهِيَ لَامُ الْإِضَافَةِ دَخَلَتْ على ما الموصولة، ومعناه:
إن الَّذِي يُرِيدُ لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ، أَيْ: أَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لِأَجْلِ الَّذِي آتاهم من الكتاب والحكمة وأنهم أَصْحَابُ الشَّرَائِعِ، وَمَنْ فَتَحَ اللَّامَ معناه: لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ، بِمَعْنَى الْخَبَرِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، أَيْ: لَئِنْ آتَيْتُكُمْ وَمَهْمَا آتَيْتُكُمْ، وَجَوَابُ الْجَزَاءِ، قَوْلُهُ: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، قَوْلُهُ: لَما آتَيْتُكُمْ قَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ «آتَيْنَاكُمْ» عَلَى التَّعْظِيمِ كَمَا قَالَ: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [النساء: ١٦٣]، ووَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مَرْيَمَ: ١٢]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْخَطِّ، وَلِقَوْلِهِ: وَأَنَا مَعَكُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ:
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْذَ الْمِيثَاقِ عَلَى النَّبِيِّينَ خَاصَّةً أن يبلّغوا كتاب الله ورسالته إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بعضا وأخذ العهود عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَنْصُرَهُ إِنْ أَدْرَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بِنُصْرَتِهِ إِنْ أَدْرَكُوهُ [٤]، فَأَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ مُوسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِعِيسَى، وَمِنْ عِيسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إنما [٥] أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْهُمْ فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فعلى هذا اختلفوا فمنهم مَنْ قَالَ: إِنَّمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَرْسَلَ مِنْهُمُ النَّبِيِّينَ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، وَإِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ النَّبِيِّينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «وَإِذْ أخذ الله ميثق الّذين أوتوا الكتب»، وإنّما الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ، فَأَرَادَ: أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ أَنْ يَأْخُذُوا الميثاق إلى أُمَمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ، إِنْ أَدْرَكُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
أَرَادَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَى النَّبِيِّينَ، وَأُمَمِهِمْ جَمِيعًا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاكْتَفَى بذكر الأنبياء [ذكر أممهم] [٦] لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعَ [٧] الْمَتْبُوعِ عَهْدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه الميثاق والعهد فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ، وَلَئِنْ بعث وهم أحياء لنصرنّه [٨]، قَوْلِهِ: ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ حِينَ اسْتَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْأَنْبِيَاءُ فِيهِمْ كَالْمَصَابِيحِ وَالسُّرُجِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي
(٢) في المطبوع «قالوا له».
(٣) في المطبوع «لا يقوله». [.....]
(٤) في المطبوع «أدركه».
(٥) في المطبوع وط «بما».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «على».
(٨) في الآية الكريمة المتقدمة، وهذه الأقوال رد وإبطال لما يزعمه بعضهم من كون إلياس عليه السلام وكذا الخضر في عداد الأحياء، وأنهما ما ماتا!!؟.
فَاشْهَدُوا أَيْ: فَاشْهَدُوا أَنْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى أَتْبَاعِكُمْ، وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاشْهَدُوا، أَيْ: فَاعْلَمُوا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِمْ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مذكور.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٢ الى ٨٣]
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ، الْإِقْرَارِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، الْعَاصُونَ الْخَارِجُونَ عن الإيمان.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَلَفُوا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى [١] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بينهم أن] [٢] «كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ إبراهيم عليه السلام»، [وأن دينه الإسلام] [٣]، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِقَضَائِكَ وَلَا نَأْخُذُ بِدِينِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ، قرأ أهل الْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ يَبْغُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَما آتَيْتُكُمْ، وَلَهُ أَسْلَمَ: خَضَعَ وَانْقَادَ، مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، فَالطَّوْعُ:
الِانْقِيَادُ وَالِاتِّبَاعُ بِسُهُولَةٍ، وَالْكُرْهُ: مَا كَانَ بِمَشَقَّةٍ وَإِبَاءٍ مِنَ النَّفْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: طَوْعاً وَكَرْهاً، قَالَ الحسن: أسلم أهل السموات طَوْعًا وَأَسْلَمَ مَنْ فِي الْأَرْضِ بَعْضُهُمْ طَوْعًا وَبَعْضُهُمْ كَرْهًا خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ وَالسَّبْيِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: طَوْعًا الْمُؤْمِنُ، وَكَرْهَا ذَلِكَ الْكَافِرُ، بِدَلِيلِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) [الرَّعْدِ: ١٥]، وَقِيلَ: هَذَا يَوْمُ الْمِيثَاقِ حِينَ قَالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: ١٧٢]، قال بَعْضُهُمْ: طَوْعًا، وَبَعْضُهُمْ: كَرْهًا، وَقَالَ قَتَادَةُ:
الْمُؤْمِنُ أَسْلَمَ طَوْعًا فَنَفَعَهُ الإسلام [٤]، وَالْكَافِرُ أَسْلَمَ كَرْهًا فِي وَقْتِ اليأس فلم ينفعه الإسلام، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرِ: ٨٥]، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ اسْتِعَاذَتُهُمْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَارِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٥]، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: طَوْعًا الَّذِي وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَرْهًا الَّذِينَ أُجْبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ مِمَّنْ يُسْبَى مِنْهُمْ فَيُجَاءُ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ، قَرَأَ بِالْيَاءِ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ كَمَا قَرَأَ يَبْغُونَ بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالتاء فيهما إلا أبو عَمْرٍو فَإِنَّهُ قَرَأَ يَبْغُونَ بِالْيَاءِ وترجعون بالتاء، قال: لِأَنَّ الْأَوَّلَ [٥] خَاصٌّ وَالثَّانِي عَامٌّ، لِأَنَّ مَرْجِعَ جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَى الله عزّ وجلّ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦)
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المخطوط «الإسلام» وفي المطبوع «الإيمان» وليس في- ط والطبري ٧٣٥١ و «الوسيط» (١/ ٤٥٩) و «الدر المنثور» (٢/ ٨٦).
(٥) في المطبوع «الأولى».
قَوْلُهُ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، نَزَلَتْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا مَكَّةَ كُفَّارًا، مِنْهُمُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥).
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ جَحْدٌ، أَيْ: لَا يَهْدِي اللَّهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: كَيْفَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ إلى الجنّة [ويعطيهم] [١] الثواب [فيها] [٢]، وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٧ الى ٩٠]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)
خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨)، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ لَمَّا لَحِقَ بِالْكُفَّارِ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قومه [بالمدينة] [٣]، أَنْ سَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)، لَمَّا كَانَ مِنْهُ، فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قومه فقرأها عَلَيْهِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا [٤] عَلِمْتُ لَصَدُوقٌ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَصْدَقُ مِنْكَ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَأَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ، فَرَجَعَ الْحَارِثُ إلى المدينة فأسلم وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَفَرُوا بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْإِنْجِيلِ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَوْهُ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، يَعْنِي: ذُنُوبًا فِي حَالِ كُفْرِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ أَشْرَكُوا بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، أي: أقاموا على أمرهم [٥] [وما هم عليه من الكفر والطغيان] [٦] حَتَّى هَلَكُوا عَلَيْهِ، قَالَ الْحَسَنُ: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً كُلَّمَا نَزَلَتْ آيَةٌ كَفَرُوا بِهَا، فَازْدَادُوا كُفْرًا، وَقِيلَ: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بِقَوْلِهِمْ: نَتَرَبَّصُ بِمُحَمَّدٍ رَيْبَ الْمَنُونِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في أحد عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، لَمَّا رَجَعَ الْحَارِثُ إِلَى الْإِسْلَامِ أَقَامُوا هُمْ عَلَى الْكُفْرِ بمكة وقالوا:
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فيما» والمثبت عن المخطوط وط و «أسباب النزول» ٢٢٥. [.....]
(٥) في المطبوع وط «كفرهم».
(٦) زيادة عن المخطوط.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَعَدَ اللَّهُ قَبُولَ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ، قِيلَ: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ إِذَا [رَجَعُوا فِي حَالِ الْمُعَايَنَةِ] [٢]، كَمَا قَالَ: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء: ١٨]، وَقِيلَ: هَذَا فِي أَصْحَابِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ حَيْثُ أَمْسَكُوا [٣] عَنِ [دين] [٤] الإسلام، وقالوا: نتربص بمحمد [ريب المنون] [٥]، فَإِنْ سَاعَدَهُ الزَّمَانُ نَرْجِعُ إِلَى دينه، [لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، لن يقبل ذَلِكَ] [٦] لِأَنَّهُمْ مُتَرَبِّصُونَ غَيْرُ مُحَقِّقِينَ، [وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ] [٧].
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩١ الى ٩٣]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢) كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ، أَيْ: قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الأرض من مشرقها إلى مغربها [٨]، ذَهَباً، نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ، كَقَوْلِهِمْ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا.
وَلَوِ افْتَدى بِهِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ لَوِ افْتَدَى بِهِ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ مُقْحَمَةٌ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
«٤٠١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ [حدثنا غُنْدَرٌ] أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [٩] : لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ [١٠] مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تفتدي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ منك أهون من هذا وَأَنْتَ فِي [١١] صُلْبِ آدَمَ أَنْ لا
- وهو في «شرح السنة» (٤٢٩٩) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٥٥٧) عن محمد بن بشار به.
- وأخرجه البخاري ٣٣٣٤ ومسلم ٢٨٠٥ وأحمد ٣/ ١٢٧ و١٢٩ وأبو يعلى ٤١٨٦ وابن أبي عاصم في «السنة» (٩٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٣١٥) من طرق، عن شعبة به.
- وورد من وجه آخر بنحوه أخرجه البخاري ٦٥٣٨ ومسلم ٢٨٠٥ وأبو يعلى ٢٩٢٦ و٢٩٧٦ و٣٠٢١ وابن حبان ٧٣٥١ من طرق عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أبيه، عن قتادة، عن أنس به.
(١) لا يصح فهو معلّق، ومع تعليقه. الكلبي هو محمد بن السائب متروك كذاب فالخبر لا شيء.
(٢) العبارة في المخطوط «رجعوا في الحشرجة».
(٣) في المطبوع وط «أعرضوا».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المخطوط فقط.
(٦) العبارة في المخطوط وط. [لن يقبل منهم توبة لذلك وذلك].
(٧) سقط من المخطوط.
(٨) في المطبوع «شرقها إلى غربها».
(٩) زيد في المطبوع وحده «أرأيت» وليس في المخطوط وط. وكتب الحديث.
(١٠) زيد في المطبوع «جميعا» وهو كسابقه.
(١١) «في» سقطت من الأصل واستدركت من كتب «التخريج» والنسخة «خ». [.....]
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: التَّقْوَى، وَقِيلَ: الطَّاعَةَ، وقيل: الخير، وقال الحسن: لن تكونوا أبرارا.
«٤٠٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ [١] أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن حماد الأبيوردي [٢] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرَّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، و [إن] [٣] الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، أَيْ: مِنْ أَحَبِّ أَمْوَالِكُمْ إِلَيْكُمْ، رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الزَّكَاةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ إِنْفَاقٍ يَبْتَغِي بِهِ المسلم وجه الله حتى التمرة يَنَالُ بِهِ هَذَا الْبِرَّ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، أَيْ: شَرَفَ الدِّينِ وَالتَّقْوَى حَتَّى تَتَصَدَّقُوا وَأَنْتُمْ أَصِحَّاءُ أَشِحَّاءُ.
«٤٠٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أنس بن مالك يقول:
(٢) وقع في الأصل «الصالحي» وهو تصحيف من النساخ.
(٣) زيادة عن المخطوط.
٤٠٢- إسناده صحيح، محمد بن حماد هو الأبيوردي أبو عبد الله الزاهد ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير، الأعمش هو سليمان بن مهران، شقيق هو ابن سلمة أبو وائل، عَبْدَ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وهذا إسناد كوفي جليل.
- وهو في «شرح السنة» (٣٤٦٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٠٧ وأبو داود ٤٩٨٩ والترمذي ١٩٧٢ والبخاري في «الأدب المفرد» (٣٨٦) وابن أبي شيبة ٨/ ٥٩٠ و٥٩١ وأحمد ١/ ٣٨٤ و٤٣٢ ووكيع في «الزهد» (٣٩٧) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه البخاري ٦٠٩٤ ومسلم ٢٦٠٧ ح ١٠٣ وابن حبان ٢٧٣ و٢٧٤ والبيهقي ١٠/ ٢٤٣ من طرق عن جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وائل به.
٤٠٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (١٦٧٧) بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٥٩٥- ٥٩٦) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به، ومن طريق مالك.
أخرجه البخاري ١٤٦١ و٢٣١٨ و٢٧٥٢ و٢٧٦٩ و٤٥٥٤ و٥٦١١ ومسلم ٩٩٨ وأحمد ٣/ ١٤١ والدارمي ٢/ ٣٩٠ وابن حبان ٣٣٤٠ والبيهقي ٦/ ١٦٤- ١٦٥ و٢٧٥.
- وأخرجه الترمذي ٢٩٩٧ من وجه آخر عن أنس بنحوه.
- وأخرجه البخاري ٢٧٥٨ وأحمد ٣/ ٢٥٦ وابن خزيمة من طريق إسحاق بن عبد الله به.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ جَلُولَاءَ يَوْمَ فُتِحَتْ فَدَعَا بِهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فقال عمر: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ.
وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ الْآيَةُ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [٥]، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَذَكَرْتُ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا كَانَ شَيْءٌ أعجب إليّ من فلانة، [وكانت جارية له] [٦] هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، ولولا أَنَّنِي لَا أَعُودُ فِي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ لَنَكَحْتُهَا.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، أَيْ: يَعْلَمُهُ وَيُجَازِي بِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ.
ع «٤٠٤» سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: إنك تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الإبل وَأَنْتَ تَأْكُلُهَا، فَلَسْتَ عَلَى مِلَّتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَقَالُوا: كُلُّ مَا نُحَرِّمُهُ الْيَوْمَ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَى نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ.
يُرِيدُ: سِوَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَلَالًا قَطُّ، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ وَهُوَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ، يَعْنِي: لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ حُرْمَةِ لُحُومِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، بَلْ كَانَ الْكُلُّ حَلَالًا لَهُ وَلِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ، يَعْنِي: لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ حُرْمَتُهَا.
(١) في المطبوع «ماله».
(٢) في المخطوط «قال» والمثبت عن المطبوع و «شرح السنة».
(٣) زيد في المطبوع وط «أو قال» وليس في المخطوط و «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
وَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَطَالَ سُقْمُهُ فَنَذَرَ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانَ [٢] الْإِبِلِ وَأَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَهَا، فَحَرَّمَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ الْعُرُوقُ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا وَكَانَ أَصْلُ وَجَعِهِ [٣]، فِيمَا رَوَى جُوَيْبِرٌ [وَمُقَاتِلٌ] [٤] عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ يَعْقُوبَ [عليه السلام] [٥] كَانَ نَذَرَ إِنْ وَهَبَهُ اللَّهُ اثَّنَى عَشَرَ وَلَدًا وَأَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَحِيحًا أَنْ يَذْبَحَ آخِرَهُمْ، فَتَلَقَّاهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ:
يَا يَعْقُوبُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ فهل لك في الصراع، فصارعه فَلَمْ يَصْرَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَغَمَزَهُ الْمَلَكُ غَمْزَةً فَعَرَضَ لَهُ عِرْقُ النَّسَا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قال له الملك: أَمَا إِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ أَصْرَعَكَ لَفَعَلْتُ وَلَكِنْ غَمَزْتُكَ هَذِهِ الْغَمْزَةَ لِأَنَّكَ كُنْتَ نَذَرْتَ إِنْ أَتَيْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَحِيحًا ذَبَحْتَ آخِرَ وَلَدِكَ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَكَ بِهَذِهِ الْغَمْزَةِ مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجًا، فَلَمَّا قَدِمَهَا يَعْقُوبُ أَرَادَ ذَبْحَ ولده ونسي ما قال له الْمَلَكِ، فَأَتَاهُ الْمَلَكُ وَقَالَ:
إِنَّمَا غَمَزْتُكَ لِلْمَخْرَجِ وَقَدْ وُفِّيَ نَذْرُكَ فَلَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَقْبَلَ يَعْقُوبُ مِنْ حَرَّانَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ هَرَبَ مِنْ أَخِيهِ عِيصُو، وَكَانَ رَجُلًا بطشا قَوِيًّا فَلَقِيَهُ مَلَكٌ فَظَنَّ يَعْقُوبُ أَنَّهُ لِصٌّ فَعَالَجَهُ أَنْ يَصْرَعَهُ [فلم يَصْرَعَهُ] [٦]، فَغَمَزَ الْمَلَكُ فَخِذَ يَعْقُوبَ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَيَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهَاجَ بِهِ عِرْقُ النَّسَا وَلَقِيَ مِنْ ذلك بلاء وشدة، فكان لا ينام الليل مِنَ الْوَجَعِ، وَيَبِيتُ وَلَهُ زُقَاءٌ، أَيْ: صِيَاحٌ، فَحَلَفَ يَعْقُوبُ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ عِرْقًا وَلَا طَعَامًا فِيهِ عِرْقٌ، فحرمه على نفسه [حين شفاه الله] [٧]، فَكَانَ بَنُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّبِعُونَ العروق ويخرجونها مِنَ اللَّحْمِ.
وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [قَالَ] [٨] : لَمَّا أَصَابَ يَعْقُوبَ عِرْقُ النَّسَا وَصَفَ لَهُ الْأَطِبَّاءُ أَنْ يَجْتَنِبَ لُحْمَانَ الْإِبِلِ فَحَرَّمَهَا يَعْقُوبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ لَحْمَ الْجَزُورِ تَعَبُّدًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يجيز له ذلك فحرّمها اللَّهُ عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في هَذَا الطَّعَامِ الْمُحَرَّمِ عَلَى بَنِي إسرائيل بعد نزول التوراة، فقال السُّدِّيُّ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ قَبْلَ نُزُولِهَا، وَقَالَ عَطِيَّةُ: إِنَّمَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ [كان] [٩] قد قال: إن عافاني الله [تعالى] لا آكله ولا يأكله ولد لي وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَإِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّوْرَاةِ بِظُلْمِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: ١٦٠]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ [الأنعام: ١٤٦]، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابُوا ذَنْبًا عَظِيمًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
(٢) في المطبوع «لحم». [.....]
(٣) هذه الآثار من الإسرائيليات المنكرة وأشدها نكارة مصارعة الملك!!؟.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦)
. قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)، وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ فِي اتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ اتِّبَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [في جميع ما جاء به] [٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ قِبْلَتُنَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْكَعْبَةِ وَأَقْدَمُ وَهُوَ مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلِ [٤] الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦).
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٧]
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧)
. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ، قال بَعْضُهُمْ [٥] : هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ ظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ عِنْدَ خَلْقِ السماء والأرض، خلقه [الله تعالى] قبل الأرض بألفي عام، وكان زُبْدَةً بَيْضَاءَ عَلَى الْمَاءِ فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ بُنِيَ فِي الْأَرْضِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ [٦] : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ تَحْتَ الْعَرْشِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ أَنْ يَبْنُوا فِي الْأَرْضِ بَيْتًا عَلَى مِثَالِهِ وَقَدْرِهِ، فبنوه وَاسْمُهُ الضِّرَاحُ، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ كَمَا يَطُوفُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَرُوِيَ [٧] : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَوْهُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، وَكَانُوا يَحُجُّونَهُ، فَلَمَّا حَجَّهُ آدَمُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ، حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ بَنَاهُ آدَمُ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ مبارك وضع هُدًى لِلنَّاسِ [يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ علي. وقال الضحاك: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ] [٨] يعبد الله فيه ويحجّ إليه، وقيل: هو أول
(٢) في المطبوع «قلت».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «في».
٥ هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الآتي.
٦ هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الآتي.
٧ هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الآتي. [.....]
(٨) ما بين المعقوفتين جعل في المطبوع عقب كلام الحسن والضحاك.
«٤٠٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ] [١] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [أنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [٢] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ أَنَا الْأَعْمَشُ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ:
قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلًا؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟
قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سنة»، ثم قال: «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَلَّذِي بِبَكَّةَ قَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ مَكَّةُ نَفْسُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ، وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْمِيمِ، فَتَقُولُ: سَبَّدَ رَأْسَهُ وَسَمَّدَهُ، وَضَرْبَةُ [٣] لَازِبٍ وَلَازِمٍ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَكَّةُ موضع البيت، ومكة: اسم للبلد كُلِّهِ، وَقِيلَ: بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَطَافِ، سُمِّيَتْ بَكَّةَ: لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا، أَيْ يَزْدَحِمُونَ يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا [وَيُصَلِّي بَعْضُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضٍ] [٤]، وَيَمُرُّ بَعْضُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ، أَيْ تَدُقُّهَا فَلَمْ يَقْصِدْهَا جَبَّارٌ بِسُوءٍ إِلَّا قصمه الله، وأما مكة [فإنها] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ مَائِهَا، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ وَامْتَكَّهُ إِذَا امْتَصَّ كُلَّ مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ، وَتُدْعَى أُمَّ رَحِمٍ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ بِهَا، مُبارَكاً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: ذَا بَرَكَةٍ وَهُدىً لِلْعالَمِينَ، لأنه قبلة للمؤمنين فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ قَرَأَ ابْنُ عباس «آية بينة» على الواحد، وَأَرَادَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آياتٌ بَيِّناتٌ بِالْجَمْعِ، فَذَكَرَ مِنْهَا مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِيهِ فَانْدَرَسَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسْحِ بِالْأَيْدِي، وَمِنْ تِلْكَ الآيات في البيت الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْحَطِيمُ وَزَمْزَمُ وَالْمَشَاعِرُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعُ الْحَرَمِ، وَمِنَ الْآيَاتِ فِي الْبَيْتِ أن الطير تطير [حوله] فَلَا تَعْلُو فَوْقَهُ، وَأَنَّ الْجَارِحَةَ إِذَا قَصَدَتْ صَيْدًا فَإِذَا دَخَلَ الصيد الحرم كفت عنه [ولم تجرحه فيه] [٥]، وَإِنَّهُ بَلَدٌ صَدَرَ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالْأَبْرَارُ، وَإِنَّ الطَّاعَةَ وَالصَّدَقَةَ فِيهَا تُضَاعَفُ بِمِائَةِ أَلْفٍ.
«٤٠٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ [٦] بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
- خرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٣٣٦٦) عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٤٢٥ ومسلم ٥٢٠ والنسائي ٢/ ٣٢ وابن ماجه ٧٥٣ وعبد الرزاق ١٥٧٨ وابن أبي شيبة ٢/ ٤٠٢ والحميدي ١٣٤ وأحمد ٥/ ١٥٠ و١٥٦ و١٥٧ و١٦٠ وأبو عوانة ١/ ٣٩١ و٣٩٢ وابن حبان ٦٢٢٨ والطحاوي في «المشكل» (١/ ٣٢) والبيهقي ٢/ ٤٣٣ وفي «الدلائل» (٢/ ٤٣) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه الطيالسي ٤٦٢ وأحمد ٥/ ١٦٠ و١٦٦ و١٦٧ وأبو عوانة ١/ ٣٩٢ وابن حبان ١٥٩٨ من طريق شعبة عن الأعمش به.
٤٠٦- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو عبد الله الأغر اسمه سلمان، مشهور بكنيته.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «صحيح البخاري» (٣٣٦٦).
(٣) كذا في النسخ والوسيط وفي القرطبي «طين» بدل «ضربة».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في الأصل «أبو محمد بن الحسن» والتصويب من «شرح السنة».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً من أن يهاج فِيهِ، وَذَلِكَ بِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً، وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ أَمِنَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْغَارَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت: ٦٧]، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ مَنْ دَخَلَهُ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آمِنًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الْفَتْحِ: ٢٧] وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ تَقْدِيرُهُ: وَمَنْ دَخَلَهُ فَأَمِّنُوهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [الْبَقَرَةِ: ١٩٧]، أَيْ: لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا فَالْتَجَأَ إِلَى الحرام فَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، فَيُقْتَلُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ يُسْتَوْفَى فِيهِ، أَمَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْجَرِيمَةَ في الحرم فيستوفى فِيهِ عُقُوبَتَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: من دَخَلَهُ مُعَظِّمًا لَهُ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، أَيْ: وَلِلَّهِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ «حِجُّ الْبَيْتَ»، بِكَسْرِ الْحَاءِ فِي هَذَا الْحَرْفِ خَاصَّةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَالْحَجُّ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.
«٤٠٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أخبرنا
- أخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ١٩٦) عن زيد بن رباح بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١١٩٠ والترمذي ٣٢٥ وأحمد ٢/ ٤٤٦ وابن ماجه ١٤٠٤ وابن حبان ١٦٢٥ والبيهقي ٥/ ٢٤٦.
- وأخرجه مسلم ١٣٩٤ وأحمد ٢/ ٢٥١ و٤٧٣ والطحاوي في «المشكل» (١/ ٢٤٧) من طريق إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قارظ عن أبي هريرة مرفوعا.
- وأخرجه النسائي ٥/ ٢١٤ وابن أبي شيبة ٢/ ٣٧١ وأحمد ٢/ ٣٨٦ و٤٦٨ عن شعبة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سلمان الأغر، عن أبي هريرة مرفوعا.
(١) ما بين المعقوفتين، وقع فيه تخليط وتصحيف من قبل النساخ، والمثبت عن «شرح السنة» و «الموطأ» و «كتب التخريج».
٤٠٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو سفيان والد حنظلة هو ابن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي، لم يذكر الحافظ ابن حجر اسمه. والله أعلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٦ ح ٢٢ والنسائي ٨/ ١٠٧ وأحمد ٢/ ١٤٣ وأبو عبيد في «الإيمان» (٤) وابن حبان ١٥٨ وأبو
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: وَلِوُجُوبِ الْحَجِّ خَمْسُ شَرَائِطَ الْإِسْلَامُ والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة، ولا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ، وَلَوْ حَجَّا بِأَنْفُسِهِمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ وَلَا حُكْمَ لِفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ، وَلَوْ حَجَّ صَبِيٌّ يَعْقِلُ، أَوْ عَبْدٌ يَصِحُّ حجّهما تطوّعا ولكن لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ عَنْهُمَا فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أعتق العبد بعد ما حَجَّ وَاجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ شَرَائِطُ وجوب الحجّ، عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ ثَانِيًا وَلَا يَجِبَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ فَحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرَضُ الْإِسْلَامِ، وَالِاسْتِطَاعَةُ نوعان، أحدهما: أن يكون قادرا مُسْتَطِيعًا بِنَفْسِهِ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِغَيْرِهِ، أَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ بِنَفْسِهِ، فأن يَكُونَ قَادِرًا بِنَفْسِهِ عَلَى الذِّهَابِ [بنفسه] [٢] وَوَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ.
«٤٠٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلال ثنا أبو العباس
- أخرجه مسلم ١٦ والترمذي ٢٦٠٩ والحميدي ٧٠٣ وابن مندة ٤١ و٤٢ و٤٣ و١٥٠ وأحمد ٤/ ٢٦ و٩٣ و١٢٠ وابن خزيمة ٣٠٩ والطبراني في «الكبير» (١٣٢٠٣ و١٣٥١٨) وأبو نعيم في «الحلية» (٣/ ٦٢) والبيهقي ٣/ ٣٦٧ من طرق من حديث ابن عمر.
٤٠٨- حديث يشبه الحسن بمجموع طرقه وشواهده. إسناده واه لأجل إبراهيم بن يزيد الخوزي، لكن لم ينفرد به حيث توبع، وله شواهد واهية.
- وهو في «شرح السنة» (١٨٤٠) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ٢٨٤) عن سعيد بن سالم بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٨١٣ و٢٩٩٨ وابن ماجه ٢٨٩٦ والدارقطني ٢/ ٢١٧ والطبري ٤٧٨٢ و٤٧٨٣ والبيهقي ٤/ ٣٣٠ من طريق إبراهيم بن الخوزي به.
وأشار الترمذي لضعفه حيث قال: إبراهيم هو ابن يزيد الخوزي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه اهـ.
وكذا ضعف إسناده الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٣٩٠).
لكن تابعه محمد بن عبد الله الليثي عند ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٩٤) لكن الليثي هذا واه.
- ولقوله «العج والثج» شاهد من حديث أبي بكر أخرجه الترمذي ٨٢٧ وابن ماجه ٢٩٢٤ والدارمي ٢/ ٣١ والبيهقي ٥/ ٤٢ وأبو يعلى ١١٧ وصححه الحاكم ١/ ٤٥١ ووافقه الذهبي.
قال الترمذي: حديث أبي بكر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان، ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع... اهـ.
- ومن حديث ابن مسعود أخرجه أبو يعلى ٥٠٨٦ وذكره الهيثمي في «المجمع» (٣/ ٢٢٤) وقال: وفيه رجل ضعيف اهـ. [.....]
(١) في الأصل «عبد الله» وهو تصحيف.
(٢) زيادة عن المخطوط.
سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْحَاجُّ؟ قَالَ: «الشَّعِثُ التَّفِلُ»، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعَجُّ وَالثَّجُّ»، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ:
«زَادٌ وَرَاحِلَةٌ».
وَتَفْصِيلُهُ: أَنْ يَجِدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ، وَوَجَدَ الزَّادَ للذهاب والرجوع، فاضلا عن [نفقته و] [٢] نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَكُسْوَتُهُمْ لِذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ، وَعَنْ دَيْنٍ يَكُونُ عَلَيْهِ، وَوَجَدَ رُفْقَةً يَخْرُجُونَ فِي وَقْتٍ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ إِلَى وَقْتٍ لَا يَصِلُونَ إِلَّا أَنْ يَقْطَعُوا كُلَّ يَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ لَا يَلْزَمُهُمُ الْخُرُوجُ [فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ] [٣]، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنًا فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ رَصْدِيٍّ يَطْلُبُ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَنَازِلُ [الْمَأْهُولَةُ] [٤] مَعْمُورَةً يجد الزَّادَ وَالْمَاءَ، فَإِنْ كَانَ زَمَانُ جُدُوبَةٍ تَفَرَّقَ أَهْلُهَا أَوْ غَارَتْ مياهها، فلا يلزمه الحج، وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الرَّاحِلَةَ لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ لَمْ يَجِدِ الزَّادَ وَلَكِنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَيُسْتَحَبُّ لَوْ فَعَلَ، وَعِنْدَ مالك يلزمه، [و] أمّا الاستطاعة بالغير فهي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَاجِزًا بِنَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ بِهِ مَرَضٌ غَيْرُ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، لَكِنْ لَهُ مَالٌ يُمَكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ [به مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ] [٥]، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَكِنْ بَذَلَ لَهُ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ الطَّاعَةَ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، يَلْزَمُهُ أَنْ
- ولقوله «الزاد والراحلة» شاهد.
- من حديث أنس أخرجه الدارقطني ٢/ ٢١٦ والحاكم ١/ ٤٤٢ وصححه الحاكم على شرطهما، وقال: وقد توبع سعيد بن أبي عروبة تابعه حماد بن سلمة على قتادة ثم أسنده هو والدارقطني من طريق حماد، وقال: صحيح على شرط مسلم! وسكت الذهبي!.
وليس كذلك بل فيه عبد الله بن واحد الحراني، وهو متروك وأما الجواب عن الطريق الأول فقد أعله البيهقي ٤/ ٢٣٠ فقال: لا أراه إلا وهما.
ثم أسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عن قتادة، عن الحسن مرسلا، وقال: هذا هو المحفوظ اهـ.
- ومن حديث عائشة أخرجه الدارقطني ٢/ ٢١٧ والعقيلي ٣٢٣ والبيهقي ٤/ ٣٣٠ وأعله العقيلي بعتاب بن أعين وقال:
وهم فيه والصواب عن الحسن مرسلا.
ومع ذلك يشهد للموصول المتقدم.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٣٩٠) : حديث ابن عمر ضعيف وحديث أنس معلول، وصوّب البيهقي كونه من مرسل الحسن.
ثم ذكر شواهده وقال: أخرجها الدارقطني بأسانيد ضعيفة اهـ باختصار.
- وجاء في «تلخيص الحبير» (٢/ ٢٢١) ما ملخصه: وطرقه كلها ضعيفة، وكذا قال عبد الحق. وقال ابن المنذر: لا يثبت مسندا، والصواب من الروايات رواية الحسن المرسلة اهـ.
ولمزيد الكلام عليه راجع «نصب الراية» (٣/ ٨- ١٠) فقد ذكر طرقه وكشف عن عللها وانظر أيضا «تفسير ابن كثير» بتخريجي عند هذه الآية وكذا «فتح القدير» للشوكاني، والله أعلم.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) سقط من المخطوط.
«٤٠٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟
قَالَ: «نَعَمْ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: جَحَدَ فَرْضَ الْحَجِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا:
الْحَجُّ إِلَى مَكَّةَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ مَنْ وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ كُفْرٌ بِهِ.
«٤١٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الكلماتي [٢]
هو في «شرح السنة» (١٨٤٧) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ٣٥٩) عن الزهري بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٥١٣ و١٨٥٥ ومسلم ١٣٣٤ وأبو داود ١٨٠٩ والنسائي ٥/ ١١٨- ١١٩ و٨/ ٢٢٨ والشافعي ١/ (٩٩٣) وأحمد ١/ ٣٤٦ و٣٥٩ وابن خزيمة ٣٠٣١ و٣٠٣٣ و٣٠٣٦ وابن حبان ٣٩٨٩ والطبراني ١٨/ (٧٢٢) والبيهقي ٤/ ٣٢٨.
- وأخرجه البخاري ٤٣٩٩ و٦٢٢٨ والنسائي ٥/ ١١٩ و٨/ ٢٢٨ و٢٢٩ وأحمد ١/ ٢١٩ و٢٥١ و٣٢٩ وابن خزيمة ٣٠٣١ و٣٠٣٢ و٣٠٣٣ والدارمي ٢/ ٤٠ والطبراني ١٨/ (٧٢٣) و (٧٢٥) والبيهقي ٤/ ٣٢٨ و٣٢٩ و٥/ ١٧٩ من طرق عن الزهري به.
٤١٠- متن منكر بأسانيد واهية. إسناده ضعيف جدا، وله علتان: ليث بن أبي سليم ضعيف، وعبد الرحمن بن سابط، لم يسمع من أبي أمامة، وشريك أيضا سيئ الحفظ، وقد خالفه الثوري فأرسله.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» (٣٩٧٩) من طريق محمد بن عمرو بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي ٢/ ٢٨- ٢٩ ح ١٧٣٣ والبيهقي ٤/ ٣٣٤ وابن الجوزي في «الموضوعات» (٢/ ٢٠٩- ٢١٠) من طريقين عن شريك بهذا الإسناد، وحكم بوضعه، وأعله بليث بن أبي سليم. وبأن عبد الرحمن بن سابط، لم يسمع من أبي أمامة.
وقال البيهقي في «الشعب» : وهذا إن صح فإنما أراد والله أعلم إذا لم يحج، وهو لا يرى تركه إثما ولا فعله برّا اهـ.
وقال في «السنن» : وهذا وإن كان إسناده غير قوي فله شاهد من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه اهـ. ثم أخرج البيهقي قول عمر من طريق عبد الرحمن بن غنم وصحح ابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣٩٥) إسناد الموقوف.
- وله شاهد من حديث علي أخرجه الترمذي ٨١٢ وابن عدي ٧/ ١٢٠.
- وقال الترمذي: غريب، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث الأعور يضعف في الحديث اهـ.
(١) كذا في المخطوط والمطبوع، وفي- ط «أو» بدل «و».
(٢) في الأصل «الكلماني» والتصويب من «الأنساب» (٥/ ٨٩) للسمعاني.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ تَحْبِسْهُ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨).
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: لِمَ تَصْرِفُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها تَطْلُبُونَهَا، عِوَجاً زَيْغًا وَمَيْلًا، يَعْنِي: لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بَاغِينَ لَهَا عِوَجًا؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعِوَجُ- بِالْكَسْرِ- فِي الدِّينِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالْعَوَجُ. بِالْفَتْحِ. فِي الْجِدَارِ، وَكُلِّ شَخْصٍ قَائِمٍ وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، [أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ] [٢].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، ع «٤١١» قال زيد بن أسلم: مرّ [٣] شَاسَ بْنَ قَيْسٍ الْيَهُودِيَّ. وَكَانَ شيخا عظيم الكفر شديد الضغن [٤] على
وقال ابن الجوزي: قال الترمذي: هلال مجهول وأما الحارث فقد كذبه الشعبي اهـ.
وقال الزيلعي في «نصب الراية» (٤/ ٤١١) : قال ابن القطان: علة هذا الحديث ضعف الحارث والجهل بحال هلال.
- وورد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن عدي ٢/ ٣١٢ ومن طريقه ابن الجوزي وأعله ابن الجوزي بيزيد بن سفيان ونقل عن يحيى قوله: ليس حديثه بشيء وقال النسائي: متروك.
وفيه عبد الرحمن القطامي كذبه الغلاس.
- وجاء في «تلخيص الحبير» (٢/ ٢٢٢- ٢٢٣) : ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» وقال العقيلي والدارقطني: لا يصح فيه شيء. قلت: وله طرق من حديث أبي أمامة فيه ليث وهو ضعيف، وشريك سيّئ الحفظ وخالفه الثوري فأرسله، عن ابن سابط رواه أحمد في «كتاب الإيمان» وكذا رواه ابن أبي شيبة عن ليث مرسلا، وفي الطريق الثاني عمار بن مطر وهو ضعيف، وحديث الترمذي، عن علي سئل الحربي عنه فقال: من هلال؟؟ وقال ابن عدي: يعرف بهذا الحديث وليس بمحفوظ وقال العقيلي: لا يتابع عليه.
قال ابن حجر: وورد عن عمر موقوفا، وإذا انضمّ هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع اهـ. قلت: المرسل لا يقوى بالموقوف، لأن المرسل مداره عند الجميع على ليث، وهو ضعيف سيئ الحفظ، والصواب فيه الوقف فحسب، والله أعلم.
٤١١- ع أخرجه الطبري ٧٥٢٢ من طريق ابن إسحاق قال حدثني الثقة عن زيد بن أسلم، وهذا مرسل ومع إرساله فيه راو لم يسمّ. [.....]
(١) وقع في الأصل «سهيل بن عمارة» والتصويب من «شعب الإيمان» وكتب «التراجم».
(٢) ما بين المعقوفتين جعل في المخطوط عقب لفظ «شهداء» والمثبت عن- ط والمطبوع، وكلاهما محتمل.
(٣) في الأصل «إن مرشاس» والتصويب من «تفسير الطبري» و «أسباب النزول» للواحدي و «الدر المنثور».
(٤) في المطبوع وحده «الطغى».
«يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ إِذْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَلَّفَ بَيْنَكُمْ؟ تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفَّارًا، اللَّهَ اللَّهَ!!» فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَأَلْقَوُا السِّلَاحَ [مِنْ أَيْدِيهِمْ] [٤] وَبَكَوْا وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مطيعين، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، يعني: شاسا [٥] وأصحابه، يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ يَوْمًا أقبح، [أولا و] [٦] أحسن آخِرًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التعجب:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ، يَعْنِي: وَلِمَ تَكْفُرُونَ؟ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ، [أي] [٧] : الْقُرْآنُ، وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ قَتَادَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَمَانِ بَيِّنَانِ: كِتَابُ اللَّهِ وَنَبِيُّ اللَّهِ، أَمَّا نَبِيُّ اللَّهِ فَقَدْ مَضَى، وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ فَأَبْقَاهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً.
«٤١٢» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [٨] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله
٤١٢- إسناده صحيح، جعفر بن عون فمن فوقه رجال البخاري ومسلم غير يزيد بن حيان، فإنه من رجال مسلم، ومن دون جعفر توبعوا، وهم ثقات.
(١) زيد في الأصل «فمر».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المطبوع وحده «بعضهم».
(٤) زيادة عن المخطوط وكتب الأثر.
(٥) في الأصل «مرشاسا».
(٦) في المطبوع «أو لا».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في الأصل «أبو عبيد الله» والتصويب من «شرح السنة». [.....]
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ، أَيْ: يَمْتَنِعْ بِاللَّهِ وَيَسْتَمْسِكْ بِدِينِهِ وَطَاعَتِهِ، فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، طَرِيقٍ وَاضِحٍ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ أَيْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، وَأَصْلُ الْعِصْمَةِ: الْمَنْعُ، فَكُلُّ مَانِعٍ شَيْئًا فَهُوَ عَاصِمٌ له.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.
ع «٤١٣» قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: كَانَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقِتَالٌ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَافْتَخَرَ بَعْدَهُ مِنْهُمْ رَجُلَانِ: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمٍ مِنَ الْأَوْسِ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ الْأَوْسِيُّ: مِنَّا خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ، وَمِنَّا حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنَّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أبي الأقلح [٤] حَمِيُّ الدَّبْرِ، وَمِنَّا سَعْدُ بْنُ معاذ الذي اهتزّ عرش الرحمن له وَرَضِيَ اللَّهُ بِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ أَحْكَمُوا الْقُرْآنَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَمِنَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ وَرَئِيسُهُمْ، فَجَرَى الْحَدِيثُ بَيْنَهُمَا فَغَضِبَا وَأَنْشَدَا الْأَشْعَارَ وَتَفَاخَرَا، فَجَاءَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَمَعَهُمُ السِّلَاحُ، فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يطاع فلا يعصى، وقال مجاهد: أن تجاهدوا
- وأخرجه الدارمي ٢/ ٤٣١- ٤٣٢ والبيهقي ١٠/ ١١١٣- ١١٤ من طريق جعفر بن عون بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٤٠٨ ح ٣٦ والنسائي في «الكبرى» (٨١٧٥) وأحمد ٤/ ٣٦٦- ٣٦٧ والطحاوي في «المشكل» (٣٤٦٤) والطبراني ٥٠٢٨ والبيهقي ١٠/ ١١٤ من طرق عن أبي حيان التيمي به.
- وأخرجه مسلم ٢٤٠٨ والطبراني ٥٠٢٦ من طريق يزيد بن حيان به.
- وأخرجه الترمذي ٣٧٨٨ من طريق الأعمش عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن زيد بن أرقم به... وقال: هذا حديث حسن غريب اهـ.
وأخرجه مسلم ٢٤٠٨ وابن أبي عاصم ١٥٥٠ والطبراني ٥٠٢٨ والطحاوي في «المشكل» (٣٤٦٤) من طريق محمد بن فضيل، عن أبي حيان التيمي به.
٤١٣- ع هذا معضل، فهو واه، وإسناد المصنف إلى مقاتل أول الكتاب، ولم أره عند غير المصنف، ثم بعض الموافقات المذكورة إنما كانت بعد نزول هذه الآيات.
(١) في الأصل «أبو جعفر بن عوف» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التراجم».
(٢) في الأصل «أبو حبان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التراجم».
(٣) العبارة في المطبوع «على كتاب الله» والمثبت عن المخطوط وط و «شرح السنة».
(٤) في الأصل «بن أفلح» والتصويب من «دلائل النبوة» للبيهقي و «الإصابة».
«٤١٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَبْدُوسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ [٣] بْنُ حمدون بن خالد بن بريدة [٤] أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ [٥] أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ عَلَى الْأَرْضِ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ وَلَيْسَ لَهُ طعام غيره» ؟.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٣]
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، الْحَبْلُ: السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْبُغْيَةِ، وَسُمِّيَ الْإِيمَانُ حَبْلًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى زَوَالِ الْخَوْفِ [من النار] [٦]، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ هَاهُنَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا حبل الله الذي أمر بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ:
بِعَهْدِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هو القرآن.
- وهو في «شرح السنة» (٤٣٠٤) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٥٨٥ والطيالسي ٢٦٤٣ وأحمد ١/ ٣٠٠- ٣٠١ و٣٣٨ وابن حبان ٧٤٧٠ والحاكم ٢/ ٢٩٤ و٤٥١ والطبراني ١١٠٦٨ والبيهقي في «البعث» (٥٩٦) من طرق عن شعبة به.
وصححه الحاكم عن شرطهما! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: حسن صحيح!؟ والصواب أنه ضعيف فيه عنعنة الأعمش وهو مدلس وقد سقط من الإسناد رجل بدليل ما أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ١٦١ وأحمد ١/ ٣٣٨ والبيهقي في «البعث» (٥٩٧) من وجه آخر عن الأعمش، عن أبي يحيى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ موقوفا عليه، وأبو يحيى فيه لين، لكن حديثه أصح من المرفوع.
(١) زيد في المطبوع «سبيل».
(٢) وقع في المخطوط «الفضل».
(٣) في الأصل «أبو بكر بن محمد» والتصويب من «شرح السنة».
(٤) في الأصل «يزيد» والتصويب من «شرح السنة».
(٥) في الأصل «يوسف» والتصويب من «شرح السنة» و «كتب التراجم».
(٦) زيادة من المخطوط.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بِحَبْلِ اللَّهِ أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَلا تَفَرَّقُوا، كَمَا افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
«٤١٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا [وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا] [١]، يرضى لكم أن
صححه الحاكم، وقال الذهبي: إبراهيم بن مسلم ضعيف اهـ.
وقال ابن الجوزي: يشبه أن يكون كلام ابن مسعود اهـ.
- وورد موقوفا على ابن مسعود أخرجه عبد الرزاق ٣/ ٣٧٥ وابن المبارك في «الزهد» (٨٠٨) والدارمي ٢/ ٤٣١ والطبراني في «الكبير» (٩/ ١٣٩) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢/ ٢٧٢) وأبو الفضل الرازي ٣١ والبيهقي في «الشعب» (٤/ ٥٤٩) من طرق عن الهجري، عن أبي الأحوص عنه.
قلت: رواه عبد الرزاق بإسناده، عن ابن عيينة، عن الهجري به وقد ورد عن ابن عيينة أنه قال: أتيت إبراهيم الهجري فدفع إلى عامة كتبه فرحمت الشيخ وأصلحت له كتابه، قلت: هذا عن عبد الله وهذا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا عن عمر.
وقال الحافظ في «التهذيب» (١/ ١٦٦) : هذه القصة تقتضي أن حديثه عنه صحيح لأنه إنما عيب عليه رفعه أحاديث موقوفة وابن عيينة ذكر أنه ميّز حديث عبد الله من حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم اهـ.
- وله شاهد من حديث علي أخرجه الترمذي ٢٩٠٦ وابن أبي شيبة ١٠/ ٤٨٢ وأحمد ١/ ٩١ وأبو يعلى ٣٦٧ والخطيب ٨/ ٣٢١ والدارمي ٢/ ٤٣٥- ٤٣٦ وجعفر الفريابي في «فضائل القرآن» (٧٩) والبزار ٣/ ٧٠- ٧١ وأبو الفضل الرازي ٣٥ والبيهقي في «الشعب» (٤/ ٤٩٦- ٤٩٧) والبغوي في «شرح السنة» (١١٧٦).
وفي إسناده الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف.
- وقال ابن كثير في «فضائل القرآن» ص (١٧- ١٨) ذكر هذا الحديث وتكلم على إسناده: وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح اهـ.
الخلاصة: هذا الحديث الراجح فيه الوقف، مع أنه من جهة الإسناد لا بأس به بشواهده، لكن اختار ابن كثير رحمه الله وغيره الوقف في هذا المتن، والله أعلم. [.....]
٤١٦- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (١٠١) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٩٩٠) عن سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٤٤٢) وابن حبان ٣٣٨٨.
وأخرجه مسلم ١٧١٥ وأحمد ٢/ ٣٢٧ و٣٦٠ و٣٦٧ من طريق سهيل بن أبي صالح به.
- ولعجزه شاهد من حديث المغيرة أخرجه البخاري ١٤٧٧ ومسلم ٣/ ١٣٤١ (١٣) وأحمد ٤/ ٢٤٩ وابن حبان ٥٧١٩ والطبراني ١٠/ (٩٠٠).
(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
قَوْلُهُ تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ.
«٤١٧» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ: كَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَوَقَعَتْ بينهما عداوة بسبب قتيل قتل بينهم، فَتَطَاوَلَتْ تِلْكَ الْعَدَاوَةُ وَالْحَرْبُ بَيْنَهُمْ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ إِلَى أَنْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ، وَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ سَبَبُ أُلْفَتِهِمْ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ الصَّامِتِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ شَرِيفًا يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ الْكَامِلَ لِجَلَدِهِ وَنَسَبِهِ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ وَأُمِرَ بِالدَّعْوَةِ، فَتَصَدَّى لَهُ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم] [٢] حِينَ سَمِعَ بِهِ وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا الَّذِي مَعَكَ» ؟ فقال: مَجَلَّةُ [٣] لُقْمَانَ، يَعْنِي: حِكْمَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْرِضْهَا عَلَيَّ»، فَعَرَضَهَا، فقال:
«إن هذا الكلام [٤] حسن، ومعي أفضل من هذا، قرآن أنزل اللَّهُ عَلَيَّ نُورًا وَهُدًى»، فَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فلم يبعد منه ولم ينفر وسرّ بذلك، وقال: إن هذا القول حَسَنٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ فلم يلبث أن قتله الْخَزْرَجُ قِبَلَ يَوْمِ بُعَاثٍ، فَإِنَّ قومه ليقولون: إنه قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ [٥] أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ، وَمَعَهُ فِئَةٌ مِنْ بَنِي الْأَشْهَلِ فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْخَزْرَجِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، وقال: هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ مِمَّا جئتم له؟ قالوا: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ:
«أَنَا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَادِ أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شيئا، وأنزل الله عَلَيَّ الْكِتَابَ»، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: أَيْ قَوْمِ هَذَا وَاللَّهِ خير ممّا جئتم له [يا بني الأشهل] [٦]، فَأَخَذَ أَبُو الْحَيْسَرِ حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا، فَصَمَتَ إِيَاسٌ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ خَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَ فيه النفر من الأنصار ويعرض نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، فَلَقِيَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا، وَهُمْ سِتَّةُ نَفَرٍ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ بن العجلان، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ [٧]،
- وأخرجه الطبري ٧٥٨٤ من طريق ابن إسحاق عن الحصين بن عبد الرحمن، عن محمود بن لبيد مرسلا بنحوه.
- وأخرج صدره الطبري ٧٥٨٣ من طريق ابن إسحاق أيضا عن عاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت... فذكره.
(١) زيد في المطبوع «ثلاثا».
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) تصحف في المطبوع إلى «مجلد» والمجلة: الصحيفة، وفيها حكم لقمان.
(٤) في المطبوع «كلام» والمثبت عن- ط.
(٥) تصحف في المطبوع إلى «الجيسر».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) تصحف في المطبوع «خريدة».
نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ؟ قَالَ: «أَمِنَ مَوَالِي يَهُودَ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، قَالُوا: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لَهُمْ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ بِبِلَادِهِمْ [وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ وَهُمْ] [٣] كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ وَشِرْكٍ، وَكَانُوا إِذَا كان بينهم [٤] شَيْءٌ قَالُوا: إِنَّ نَبِيًّا الْآنَ مَبْعُوثٌ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتْبَعُهُ وَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرِ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمُ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدُكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ وَصَدَّقُوهُ وَأَسْلَمُوا، وَقَالُوا: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِكَ، وَسَنَقْدُمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إلى أمرك، فإن جمعهم اللَّهُ عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزَّ مِنْكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وصدّقوه] [٥]، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى فَشَا فِيهِمْ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كان العام المقبل، أتى الْمَوْسِمَ مِنَ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَهُمْ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ [بْنِ الْعَجْلَانِ] [٦]، وَذَكْوَانُ بن عبد قيس [٧]، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَهَؤُلَاءِ خَزْرَجِيُّونَ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التيهان وعويم بْنُ سَاعِدَةَ مِنَ الْأَوْسِ، فَلَقُوهُ بِالْعَقَبَةِ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى، فَبَايَعُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، «فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِيتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأُخِذْتُمْ بِحَدِّهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَإِنَّ سُتِرَ عَلَيْكُمْ فَأَمْرُكُمْ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَكُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَكُمْ»، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْحَرْبَ، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ الْقَوْمُ بَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمَهُمُ الْإِسْلَامَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، وَكَانَ مُصْعَبٌ يُسَمَّى بِالْمَدِينَةِ الْمُقْرِئَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبٍ فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظُفَرَ، فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ فاجتمع إِلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَنَا لِيُسَفِّهَا ضُعَفَاءَنَا فَازْجُرْهُمَا، فَإِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زرارة ابن خالتي [معهم] [٨]، ولولا ذلك لَكَفَيْتُكَهُ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ سَيِّدَيْ قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلُ إِلَى مُصْعَبٍ وَأَسْعَدَ وَهُمَا جَالِسَانِ فِي الْحَائِطِ، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قال لمصعب: هذا والله سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ، فَاصْدُقِ اللَّهَ فِيهِ، قَالَ مُصْعَبٌ: إِنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا متشتّما، فقال: ما جاء بكما إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَا إِنْ كَانَتْ لَكُمَا فِي أَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ؟ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، [فَقَالَا] [٩] : وَاللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قبل أن يتكلّم في إشراقة [١٠] وجهه وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا
(٢) زيادة تزيل الالتباس، فإنه غير جابر بن عبد الله بن حرام.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «منهم». [.....]
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «العجلاني».
(٧) في المطبوع «القيس».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط و «السيرة».
(١٠) في المطبوع «إشراق».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «لا تفعل».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «ثوبه ثم».
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
فَلَمَّا جَلَسْنَا كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، وكانت العرب إنما يُسَمُّونَ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مَنْ قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأَيْنَا وَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ وَاللُّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ فَمِنَ الْآنَ فَدَعُوهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَا الْقُرْآنَ ودعا إلى الله تعالى وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ»، قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بيده [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [٢] ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعْثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لنمنعنك مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، قَالَ: فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا يَعْنِي الْعُهُودَ [٣]، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْنَا [نَحْنُ] [٤] ذَلِكَ ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ [٥] :«الدَّمُ الدَّمُ وَالْهَدْمُ الْهَدْمُ، أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ، كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»، فَأَخْرَجُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا تِسْعَةً مِنَ الْخَزْرَجِ وَثَلَاثَةً مِنَ الْأَوْسِ.
قال عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ هَلْ تَدْرُونَ على ما تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ إِذَا نَهَكَتْ أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الْآنَ فَهُوَ وَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ على نهك الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، [فَخُذُوهُ فَهُوَ والله خير في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، قالوا] [٦] : فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا؟ قَالَ: «الْجَنَّةُ»، قَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ على يده [صلّى الله عليه وسلّم] الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمَّ تَتَابَعَ الْقَوْمُ، فَلَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشيطان من رأس العقبة [فأنفذ] [٧] صوتا مَا سَمِعْتُهُ قَطُّ: يَا أَهْلَ الجباجب، أهل لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةِ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ هَذَا أَزَبُّ العقبة،
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) كذا في سائر النسخ والسيرة وفي نسخة من المخطوط «اليهود».
(٤) زيادة عن المخطوط والسيرة.
(٥) زيد في المطبوع وحده «لا بل الأبد الأبد» وليس في باقي النسخ والمخطوط وكتب السيرة.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) سقط من المطبوع.
فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَمَى بِهِمَا إلي فقال: والله لتنعلنهما، قَالَ: يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ رَضِيَ الله عنه: مه والله لقد أحفظت [٢] الفتى فاردد إليه نعله، قَالَ: لَا أَرُدُّهُمَا، [فَأْلٌ وَاللَّهِ صَالِحٌ] [٣] وَاللَّهِ لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنَّهُ، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ الْأَنْصَارُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ شَدَّدُوا الْعَقْدَ، فَلَمَّا قَدِمُوهَا أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا وَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَآذَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخوانا ودارا تأمنون فيها»، وأمرهم بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، ثُمَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ثُمَّ تَتَابَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَمَعَ اللَّهُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا بِالْإِسْلَامِ وَأَصْلَحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بِالْإِسْلَامِ، فَأَصْبَحْتُمْ، أَيْ:
فَصِرْتُمْ، بِنِعْمَتِهِ بِرَحْمَتِهِ وَبِدِينِهِ الْإِسْلَامِ، إِخْواناً فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ بَيْنَكُمْ، وَكُنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، أي: على طرف مثل شفا البئر [أي: طرفها] [٤]، معناه:
وكنتم عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى كُفْرِكُمْ، فَأَنْقَذَكُمْ اللَّهُ مِنْها بِالْإِيمَانِ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٤]
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ، أَيْ: كُونُوا [٥] أُمَّةً، مِنْ صِلَةٌ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الْحَجِّ: ٣٠]، لَمْ يُرِدِ اجْتِنَابَ بَعْضِ الأوثان بل أراد اجتنبوا [جميع] [٦] الْأَوْثَانَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَلْتَكُنْ لَامُ الْأَمْرِ، يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ: إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
«٤١٨» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عيسى
(١) في المطبوع «ليملن».
(٢) أحفظه: أغضبه.
(٣) في المطبوع [قال والله يا أبا صالح] وهو تصحيف، وفي المخطوط «صلح» بدل «صالح» وهو تصحيف أيضا.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) كذا في المخطوط وط، وفي المطبوع «ولتكونوا».
(٦) زيادة عن المخطوط.
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
«٤١٩» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ [٢] الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرحمن الأشهليّ عن حذيفة:
- وأخرجه الترمذي ٢١٧٢ والنسائي ٨/ ١١١ وأحمد ٣/ ٤٩ من طريق سفيان الثوري به.
- وأخرجه مسلم ٤٩ والطيالسي ٢١٩٦ وأحمد ٣/ ٢٠ والنسائي ٨/ ١١٢ من طريق شعبة عن قيس به.
- وأخرجه مسلم ٤٩ ح ٧٩ وأبو داود ١١٤٠ و٤٣٤٠ وابن ماجه ١٢٧٥ و٤٠١٣ وابن حبان ٣٠٧ من طرق عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
وعن قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بن شهاب، عن أبي سعيد.
- وذكره المصنف في «شرح السنة» بإثر (٤٠٥٢) معلّقا بدون إسناد. [.....]
٤١٩- حسن صحيح بشواهده. علي بن حجر فمن فوقه رجال البخاري ومسلم غير عبد الله بن عبد الرحمن، وهو مقبول كما في «التقريب» فحديثه لين، ويحسن عند المتابعة، وقد توبع على معنى حديثه. أبو عمرو هو ميسرة مولى المطلب.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٤٩) بهذا الإسناد.
- أخرجه الترمذي ٢١٦٩ وأحمد ٥/ ٣٩١ والبيهقي في «الشعب» (٧٥٥٨) من طريق عمرو بن أبي عمرو بهذا الإسناد.
وحسنه الترمذي، وأقرّه العراقي في «تخريج الإحياء» (٢/ ٣٠٨) وكذا المنذري في «الترغيب» (٣/ ٢٢٧).
- وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه أبو داود ٤٣٣٦ و٤٣٣٧ والترمذي ٣٠٥٠ و٣٠٥١ وابن ماجه ٤٠٠٦ وأحمد ١/ ٣٩١ وأبو يعلى ٥٠٣٥ والطحاوي في «المشكل» (١١٦٤) والطبري ١٢٣٠٧ و١٢٣١٠ والطبراني ١٠٢٦٤ و١٠٢٦٥ و١٠٢٦٦ والدارقطني في «العلل» (٥/ ٢٨٨)، وإسناده منقطع، وقال الترمذي: حسن غريب! - ومن حديث أبي موسى أخرجه الطحاوي في «المشكل» (١١٦٣) والطبراني كما في «المجمع» (٧/ ٢٦٩) ورجاله ثقات إلا أن إسناده منقطع.
- ومن حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٤٠١) وقال الهيثمي ٧/ ٢٦٦: فيه حبان بن منقذ متروك، ووثقه يحيى في رواية اهـ.
وضعّفه العراقي في «تخريج الإحياء» (٢/ ٣٠٨).
- ومن حديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٣٨٩) وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم.
- ومن حديث عائشة أخرجه ابن ماجه ٤٠٠٤ وأحمد ٦/ ١٥٩ وابن حبان ٢٩٠ والبزار ٣٣٠٤ و٣٣٠٥ وقال الهيثمي:
وفيه عاصم بن عمر أحد المجاهيل.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(١) زيادة عن كتب التخريج والتراجم.
(٢) في المطبوع «عمرو».
«٤٢٠» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا عَلِيُّ بن الحسين الدارابجردي [٢] أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ [٣] أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: ١٠٥]، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ تعالى بعقابه».
«٤٢١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ [٤] بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ أَخْبَرَنَا أَبِي أَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُدَاهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرّ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: ما لك؟ قال: تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا [٥] أَنْفُسَهُمْ وَإِنْ تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦)
(٢) في الأصل «الدراوردي» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» (٢/ ٤٣٦) للسمعاني.
(٣) في الأصل «المقسميلي» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب».
(٤) في الأصل «عمرو» والتصويب من «صحيح البخاري».
(٥) في المطبوع «وأنجو».
٤٢٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو النعمان هو محمد بن الفضل- عارم- وقد توبع هو ومن دونه وكذا شيخه القسملي.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٤٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٤٣٣٨ والترمذي ٢١٦٨ و٢٠٥٧ وابن ماجه ٤٠٠٥ والحميدي ٣ وأحمد ١/ ٢ و٥ والطحاوي في «المشكل» (١١٦٥- ١١٧٠) وابن حبان ٣٠٤ والبيهقي ١٠/ ٩١ وفي «الشعب» (٧٥٥٠) من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به. وإسناده صحيح.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه غير واحد عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ نحو هذا الحديث مرفوعا وروى بعضهم عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي بكر قوله ولم يرفعوه اهـ. قلت: رواه غير واحد من الأئمة الثقات:
شعبة والقسملمي وغيرهما عن إسماعيل به مرفوعا. فلا يضره وقف من وقفه، والله أعلم.
٤٢١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، والشعبي هو عامر بن شراحيل.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٦٨٦) عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٤٦) من وجه آخر عن يعلى، عن الأعمش به.
- وأخرجه البخاري ٢٤٩٣ والترمذي ٢١٧٣ وابن حبان ٢٩٧ و٢٩٨ وأبو الشيخ في «الأمثال» (٣١٧ و٣٤٨) والرامهرمزي في «الأمثال» (٦١ و٦٢ و٦٣) والبيهقي ١٠/ ٩١ و٢٨٨ من طرق عن الشعبي به.
وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُمُ الْحَرُورِيَّةُ بِالشَّامِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: وَقَفَ أَبُو أُمَامَةَ وَأَنَا مَعَهُ عَلَى رَأْسِ الْحَرُورِيَّةِ بِالشَّامِ، فَقَالَ: هُمْ كِلَابُ النَّارِ، كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ.
«٤٢٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [١] بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من سرّه أن يسكن بُحْبُوحَةُ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، يَوْمَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: فِي يَوْمِ، وَانْتِصَابُ الظَّرْفِ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ، يُرِيدُ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُخْلِصِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْمُنَافِقِينَ، [وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ:
تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ] [٢]، قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُفِعَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ، فَيَسْعَى كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [٣]، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
- وهو في «شرح السنة» (٥/ ٢٥٧) بدون إسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق وهو في «مصنفة» (٢٧١٠) عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي في «عشرة النساء» (٣٤٠ و٣٤١) وعبد بن حميد في «المنتخب» (٢٣) وأبو يعلى ١٤١ و١٤٢ و١٤٣ من طريق عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد. رووه مطولا ومختصرا.
- وأخرجه الترمذي ٢١٦٥ والنسائي في «عشرة النساء» (٣٤٣) وابن أبي عاصم في «السنة» (٨٨ و٨٩٧) والحاكم ١/ ١١٤ من طريق محمد بن سوقة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عن ابن عمر، عن عمر به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة، وروي هذا الحديث من غير وجه عن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم اهـ.
- وأخرجه أحمد ١/ ١٨ والطحاوي في «المعاني» (٤/ ١٥٠- ١٥١) وابن حبان ٧٢٥٤ والحاكم ١/ ١١٤ والبيهقي ٧/ ٩١ وإسناده صحيح، صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه النسائي ٢٢٧ وابن ماجه ٢٣٦٣ وأحمد ١/ ٢٦ وأبو يعلى ١٤٣ وابن مندة ١٠٨٧ من طريق جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جابر بن سمرة قال: خطبنا عمر.... فذكره.
وإسناده صحيح.
(١) في المطبوع «الحسن».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المطبوع «يعبدونه». [.....]
٤٠]، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ، مَعْنَاهُ: يُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، [فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ] [٣]، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟ قِيلَ:
حُكِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أنه قال: أَرَادَ بِهِ الْإِيمَانَ يَوْمِ الْمِيثَاقِ، حين قال لهم ربهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا:
بَلَى، يَقُولُ: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ تَكَلَّمُوا بالإيمان بألسنتهم، وأنكروا بقلوبهم، وقال عِكْرِمَةَ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ آمَنُوا بِأَنْبِيَائِهِمْ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا، وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: هُمُ الْخَوَارِجُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ.
«٤٢٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ:
يَا رَبِّ مَنِّي ومن أمّتي، فقال: هلّ شعرت ما عملوا بعدك؟ فو الله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ».
وَقَالَ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهِ فَمَا يَعُودُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَعْمَلَ عَمَلًا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَخْرُجُ مَنْ أَهْلِهِ فما يؤوب إِلَيْهِمْ حَتَّى يَعْمَلَ عَمَلًا يَسْتَوْجِبُ بِهِ النَّارَ، ثُمَّ قَرَأَ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ الْآيَةَ، ثم نادى: هم الذي كَفَرُوا بَعْدَ الْإِيمَانِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٦٥٩٣) عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٢٩٣ وابن مندة في «الإيمان» (١٠٧٦) من طريق نافع بن عمر به.
- وورد من حديث عائشة أخرجه مسلم ٢٢٩٤ وأحمد ٦/ ١٢١ وأبو يعلى ٤٤٥٥ وابن أبي عاصم في «السنة» (٧٧٠) من طريق عثمان بن خيثم، عن ابن أبي مليكة عنها.
(١) في المطبوع «بياض».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع وط.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دينه بعرض من الدنيا».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ، هَؤُلَاءِ أَهْلُ الطَّاعَةِ، فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ، [ففي جَنَّةِ اللَّهِ] [١]، هُمْ فِيها خالِدُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠)
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ الصَّيْفِ وَوَهْبَ بْنَ يَهُودَا الْيَهُودِيَّيْنِ قَالَا لَهُمْ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ وَدِينُنَا خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ هم الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ: هُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم خاصة [يعني: وكانوا] [٢]، الرواة الدعاة الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِمْ. وَرُوِيَ [عَنْ] [٣] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَكُونُ لِأَوَّلِنَا وَلَا تَكُونُ لِآخِرِنَا.
«٤٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ [٤] أنا أبو القاسم البغوي
وأخرجه مسلم ١١٨ من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢١٩٥ وأحمد ٢/ ٣٠٤ و٣٧٢ و٥٢٣ وابن حبان ٦٧٠٤ وابن أبي عاصم في «الزهد» (٢١٨) والفريابي في «صفة النفاق» (١٠١ و١٠٢ و١٠٣) من طرق عن العلاء به.
- وورد بنحوه من وجه آخر عن ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عن أبي هريرة أخرجه أحمد ٢/ ٣٩٠ و٣٩١ والفريابي ١٠٠.
٤٢٥- إسناده على شرط الصحيح، تفرد البخاري عن علي بن الجعد، وقد توبع، وأبو حمزة هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الله
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) زيادة عن الطبري ٧٦١١ يتضح بها السياق.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في الأصل «عبد الرحمن بن شريح» والتصويب من «شرح السنة».
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، [وَقَالَ: «إِنَّ بَعْدَكُمْ] [٢] قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيُنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».
«٤٢٦» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نصيفه».
وقال الآخرون: جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ كُنْتُمْ أَيْ: أَنْتُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا [الْأَعْرَافِ: ٨٦]، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ [الْأَنْفَالِ: ٢٦]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وقال قوم: قوله لِلنَّاسِ صِلَةُ قَوْلِهِ خَيْرَ أُمَّةٍ، أَيْ: أنتم خير أمة للناس.
وهو في «شرح السنة» (٣٧٥٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٦٥١ و٣٦٥٠ و٦٤٢٨ و٦٦٩٥ ومسلم ٢٥٣٥ والنسائي ٧/ ١٧- ١٨ والطبراني ١٨/ ٥٨٠ و٥٨١ و٥٨٢ والبيهقي ١٠/ ١٢٣ وفي «الدلائل» (٦/ ٥٥٢) من طريق عن زهدم بن المضرّب به.
- وأخرجه مسلم ٢٥٣٥ وأبو داود ٤٦٥٧ والترمذي ٢٢٢٢ والطيالسي ٨٥٢ وأحمد ٤/ ٤٢٦ و٤٤٠ وابن حبان ٦٧٢٩ والطحاوي في «المشكل» (٣/ ١٧٦) والطبراني ١٨/ (٥٢٦) و (٥٢٨) و (٥٢٩) والبيهقي ١٠/ ١٦٠ من طريق قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عن عمران بن حصين به.
٤٢٦- إسناده صحيح، علي بن الجعد من رجال البخاري، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج، أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير.
- وهو في «شرح السنة» (٣٧٥٢) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق علي بن الجعد، وهو في «الجعديات» (٧٦٠ و٢٥٥٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٦٧٣ ومسلم ٢٥٤١ والترمذي ٣٨٦١ والطيالسي ٢١٨٣ وأحمد ٣/ ٥٤ و٥٥ وابن حبان ٧٢٥٥ وابن أبي عاصم في «السنة» (٩٨٩) من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه أبو داود ٤٦٥٨ والترمذي ٣٨٦١ وأبو يعلى ١١٩٨ وابن أبي عاصم ٩٩٠ و٩٩١ من طرق عن أبي معاوية به.
- وأخرجه مسلم ٢٥٤٠ وابن ماجه ١٦١ من طريق أبي معاوية به إلا أنهما قالا عن أبي هريرة، وهو خطأ، كما أشار إلى ذلك المزي في «تحفة الأشراف» (٣/ ٣٤٣- ٣٤٤) وانظر أيضا «فتح الباري» (٧/ ٣٥).
- وأخرجه ابن أبي عاصم ٩٨٨ وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢/ ١٢٢) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٧/ ١٤٤) من طرق عن الأعمش به.
(١) في الأصل «بن» والتصويب عن كتب التخريج.
(٢) العبارة في المطبوع [ثم إن بعدهم]. [.....]
«٤٢٧» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ حُبَيْشٍ الْمَقْرِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قَالَ: «إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ [٢] سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
«٤٢٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا [أَبُو] [٣] مَعْشَرٍ [٤] إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِيرَكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو الصَّلْتِ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُوُفِّي سَبْعِينَ أُمَّةً هِيَ أَخْيَرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
«٤٢٩» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحسين بن محمد أنا
خرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «تفسيره» (٤٤٦) عن معمر بهذا الإسناد ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبري ٧٦٢٠.
- وأخرجه الترمذي ٣٠٠١ وابن ماجه ٤٢٨٧ وأحمد ٤/ ٤٤٧ والحاكم ٤/ ٨٤ والطبري ٧٦١٩ والطبراني في «الكبير» (١٩/ (١٠٢٣ و١٠٣٠) من حديث بهز بن حكيم به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن، وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٨٦٤٥) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.
- وأخرج الطبري ٧٦٢١ عن قتادة قال: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذات يوم، وهو مسند ظهره إلى الكعبة: نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة، نحن آخرها وخيرها» اهـ.
وللحديث شواهد يتقوى بها إن شاء الله تعالى، وانظر ما بعده.
٤٢٨- إسناده ضعيف، له علتان: الأولى: ضعف أبي الصلت الهروي واسمه عبد السلام بن صالح، والثانية: ضعف علي بن زيد، وهو ابن جدعان. وأخرجه أحمد ٣/ ٦١ (١١١٩٣) من طريق معمر، عن علي بن زيد بهذا الإسناد، وهو عجز حديث عنده وعلته علي بن زيد لكن يصلح شاهدا لما قبله. وانظر «أحكام القرآن» (٣٥٣) بتخريجي.
٤٢٩- حديث حسن صحيح بشواهده. إسناده لا بأس به، عبد الرحمن بن المبارك، ثقة روى له البخاري، ومن دونه توبعوا، وشيخه حماد بن يحيى الأبح، صدوق يخطئ.
- وأخرجه الترمذي ٢٨٧٣ من طريق حماد بن يحيى به، وحسّنه وأخرجه أحمد ٣/ ١٣٠ و١٤٣ وأبو يعلى ٣٤٧٥ والطيالسي ٢٠٢٣ وأبو الشيخ في «الأمثال» (٣٣٠ و٣٣١).
(١) تصحف في المطبوع «بعده».
(٢) في الأصل «تنمون» والتصويب من «كتب الحديث».
(٣) زيادة عن- ط.
(٤) زيد في المطبوع «بن».
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ».
«٤٣٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عدي أخبرنا أحمد [٣] بن عيسى التنيسي أخبرنا عمر بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ [٤] مُحَمَّدٍ عَنْ [٥] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ حَتَّى أَدْخُلَهَا، وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهِمْ حتى تدخلها أمتي».
- وله شواهد منها:
- حديث ابن عمر أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٢٣١) والقضاعي ١٣٤٩ و١٣٥٠ وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٦٨) وقال: رواه الطبراني وفيه عيسى بن ميمون، وهو متروك اهـ.
لكن لا يفرح بهذا الشاهد، وحكمه أن يطرح، لكن ذكرته لأبين حاله.
- وحديث عمار بن ياسر، أخرجه الطيالسي ٧٤٧ وأحمد ٤/ ٣١٩ والبزار ٢٨٤٣ وابن حبان ٧٢٢٦.
وقال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح غير الحسن بن قزعة وعبيد بن سلمان الأغر، وهما ثقتان، وفي عبيد خلاف لا يضرّ اهـ.
- وحديث عمران بن حصين أخرجه البزار ٢٨٤٤ وقال الهيثمي: وإسناد البزار حسن.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(١) زيادة عن كتب التراجم.
(٢) في الأصل «الأشج» وهو تصحيف.
(٣) في المطبوع وحده «محمد».
(٤) في الأصل «زهير محمد» والتصويب من «كتب التراجم».
(٥) في الأصل «بن» والتصويب من «كتب التخريج».
٤٣٠- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف صدقة بن عبد الله، وزهير بن محمد ضعفه غير واحد في رواية أهل الشام عنه وهذا منها، وابن المسيب عن عمر فيه إرسال.
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٤/ ١٢٩) والطبراني في «الأوسط» (٩٤٦) من طريق صدقة بن عبد الله به.
ونسبه ابن كثير في «تفسيره» (١/ ٤٠٤) للثعلبي.
وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٦٨ (١٦٧١٧)) : وفيه صدقة بن عبد الله السمين، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، فإسناده حسن اهـ. كذا قال رحمه الله، وقد جزم الحافظ في ترجمته في «التقريب» بقوله: ضعيف.
- وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» (٤٧٩١) وفي «الأوسط» (٤١٦٥) وفيه خارجة بن مصعب، وهو متروك كما قال الهيثمي. فهذا الشاهد لا يفرح به لشدة ضعفه، والله أعلم. [.....]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ، أَيِ: الْكَافِرُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١١ الى ١١٢]
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً، قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ رُؤُوسَ الْيَهُودِ عَمَدُوا إِلَى مَنْ آمَنُ منهم كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، فآذوهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، [يعني] [٣] : لا يضركم أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ إِلَّا أَذًى بِاللِّسَانِ وَعِيدًا وَطَعْنًا [٤]، وَقِيلَ: كَلِمَةُ كُفْرٍ تَتَأَذَّوْنَ بِهَا وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ
- وأخرجه الترمذي ٢٥٤٦ وابن أبي شيبة في «المصنف» (١١/ ٤٧٠- ٤٧١) وأحمد ٥/ ٣٤٧ والطحاوي في «المشكل» (٣٣٦) وابن حبان ٧٤٥٩ من طرق عن ضرار بن مرّة به.
- وحسّنه الترمذي، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٤/ ١٠٠) من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ضرار بن عمرو، عن محارب بن دثار به.
وقال: ضرار منكر الحديث، وتعقبه الحافظ في «اللسان» (٣/ ٢٠٢) بأن هذا الحديث ليس من منكراته، فقد رواه ضرار بن مرة الثقة الثبت عن محارب بن دثار.
- وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه أحمد ١/ ٤٥٣ وأبو يعلى ٥٣٥٨ والبزار ٣٥٣٤ والطبراني في «الكبير» (١٣٠٥٠ و١٠٣٩٨) والطحاوي في «المشكل» (٣٦٥) وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٢٣٩).
وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٤٠٣) : رجاله رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة، وقد وثق اهـ. قلت: وله علة: وهي أن الجمهور على عدم سماع عبد الرحمن من أبيه وقيل: سمع من أبيه يسيرا.
- ومن حديث معاوية بن حيدة أخرجه الطبراني ١٩/ (١٠١٢) وابن عدي ٦/ ٢٨٦.
وقال الهيثمي: وحماد بن عيسى الجهني ضعيف اهـ.
- ومن حديث ابن عباس أخرجه الطبراني ١٠٦٨٢ وابن عدي ٣/ ١٣ وقال الهيثمي: وفيه خالد بن يزيد الدمشقي، وهو ضعيف، وقد وثق اهـ. وله شاهد من مرسل الشعبي أخرجه الواحدي ١/ ٤٧٨ وهو مرسل حسن.
الخلاصة: هو حديث قوي بمجموع شواهده وطرقه، والله أعلم.
(١) في- ط «لأمي».
(٢) زيد في المطبوع «محمد بن».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «طغيانا».
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا، حَيْثُ مَا وُجِدُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: أَيْنَمَا وُجِدُوا استضعفوا وقتلوا أو سبوا فلا يأمنون إلا بحبل: عَهْدٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يسلموا، وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ من الْمُؤْمِنِينَ بِبَذْلِ جِزْيَةٍ أَوْ أَمَانٍ، يعني: إلا أن يعصموا بحبل الله فيأمنوا [على أنفسهم وأموالهم] [٢]، قوله تعالى: وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، رَجَعُوا بِهِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُقَاتِلٌ:
لَمَّا أَسْلَمَ [٣] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ، قَالَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا شِرَارُنَا ولولا ذلك ما [٤] تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ وَأُخْرَى غَيْرُ قَائِمَةٍ، فَتَرَكَ الْأُخْرَى اكْتِفَاءً بِذِكْرِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: [لَيْسُوا سَواءً وَهُوَ وَقْفٌ، لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:] [٥] : مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسُوا سَواءً، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْفَاسِقِينَ، ثُمَّ وَصَفَ الْفَاسِقِينَ، فَقَالَ: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً، وَوَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: أُمَّةٌ قائِمَةٌ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ابتداء كلام آخَرَ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ جَرَى، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ سَوَاءٌ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ ابْنُ مسعود رضي الله عنه: لَا يَسْتَوِي الْيَهُودُ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَائِمَةُ بِأَمْرِ اللَّهِ الثَّابِتَةُ عَلَى الْحَقِّ الْمُسْتَقِيمَةُ، [وَقَوْلُهُ تَعَالَى] [٦] :
أُمَّةٌ قائِمَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مُهْتَدِيَةٌ قَائِمَةٌ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّعُوهُ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
عَادِلَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مُطِيعَةٌ قَائِمَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَحُدُودِهِ [٧]. وَقِيلَ: قَائِمَةٌ فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: الْأُمَّةُ الطريقة. ومعنى الآية: أي ذوو [٨] أمة، أي: ذوو طَرِيقَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ. يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ، يقرؤون كِتَابَ اللَّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّبِعُونَ آناءَ اللَّيْلِ: سَاعَاتِهِ، وَاحِدُهَا: إِنًى وآناء، مِثْلَ نِحًى وَأَنْحَاءَ، وَإِنًى وَآنَاءُ مِثْلَ: مِعًى وَأَمْعَاءٍ، وَإِنًى مِثْلَ مِنًا وَأَمْنَاءٍ، وَهُمْ يَسْجُدُونَ، أَيْ: يُصَلُّونَ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَكُونُ فِي السُّجُودِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا، فقال بعضهم: هي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: [هي في] [٩] صَلَاةُ الْعَتَمَةِ يُصَلُّونَهَا وَلَا يُصَلِّيهَا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ الْآيَةَ، يُرِيدُ: أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنَ الْعَرَبِ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةً مِنَ الرُّومِ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى وَصَدَّقُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من الأنصار منهم عِدَّةٌ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم،
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «آمن».
(٤) في المطبوع «لما».
(٥) زيد في المطبوع وط.
(٦) زيد في المطبوع وط.
(٧) تصحف في المطبوع «وحده».
(٨) كذا في المخطوط وط والقرطبي (٤/ ١٧٥) وفي المطبوع «ذووا».
(٩) زيادة عن المخطوط. [.....]
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٥ الى ١١٨]
وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)
. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالْيَاءِ فِيهِمَا إِخْبَارٌ عَنِ الْأُمَّةِ الْقَائِمَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ، وَأَبُو عَمْرٍو يَرَى الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا، وَمَعْنَى هذه الْآيَةِ: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُعْدَمُوا ثَوَابَهُ بَلْ يُشْكَرُ لَكُمْ وَتُجَازُونَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ، بِالْمُؤْمِنِينَ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أَيْ: لا تدفع أموالهم بالفدية وأولادهم بالنصرة مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، أَيْ: مَنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ تَارَةً بِفِدَاءِ الْمَالِ وَتَارَةً بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْأَوْلَادِ. وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهَا لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُفَارِقُونَهَا، كَصَاحِبِ الرَّجُلِ لَا يفارقه.
َلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا
، قِيلَ: أَرَادَ نَفَقَاتِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ عَلَى عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وقال مقاتل: أراد نَفَقَةُ الْيَهُودِ عَلَى عُلَمَائِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي جَمِيعَ نَفَقَاتِ الْكُفَّارِ [فِي الدُّنْيَا] [٣] وَصَدَقَاتِهِمْ، وَقِيلَ: أَرَادَ إِنْفَاقَ الْمُرَائِي الَّذِي لَا يَبْتَغِي به وجه الله تعالى، مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
، حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهَا السَّمُومُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَقْتُلُ، وَقِيلَ: فِيهَا صِرٌّ أَيْ:
صَوْتٌ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: فِيهَا بَرْدٌ شديد، صابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
[زرع قوم] [٤]، لَمُوا أَنْفُسَهُمْ
، بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ وَمَنْعِ حَقِّ الله تعالى، أَهْلَكَتْهُ
، فَمَعْنَى الْآيَةِ: مَثَلُ نَفَقَاتِ الْكُفَّارِ وذهابها وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَمَثَلِ زَرْعٍ أَصَابَتْهُ رِيحٌ بَارِدَةٌ فَأَهْلَكَتْهُ أَوْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ فَلَمْ يَنْتَفِعْ أَصْحَابُهُ منه بشيء، ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
، [بذلك] [٥]، لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
، بِالْكَفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ الْيَهُودَ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْحِلْفِ وَالْجِوَارِ وَالرَّضَاعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ في قوم من
(٢) في المطبوع زيادة «ابن».
(٣) سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع والوسيط.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٩ الى ١٢٠]
هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)
. هَا أَنْتُمْ هَا تَنْبِيهٌ وَأَنْتُمْ كِنَايَةٌ لِلْمُخَاطَبِينَ مِنَ الذُّكُورِ، أُولاءِ اسم للمشار إليه، يُرِيدُ: أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، تُحِبُّونَهُمْ، أَيْ: تُحِبُّونَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، وَلا يُحِبُّونَكُمْ لِمَا بَيْنَكُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ الدِّينِ، وقال مُقَاتِلٌ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ يُحِبُّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِمَا أَظْهَرُوا مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ، يَعْنِي: بِالْكُتُبِ كُلِّهَا وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ، وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا، وَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ، يَعْنِي: أَطْرَافَ الْأَصَابِعِ وَاحِدَتُهَا أُنْمُلَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، مِنَ الْغَيْظِ لِمَا يَرَوْنَ مِنَ ائْتِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، [وَعَضُّ الْأَنَامِلِ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ وَهَذَا مِنْ مَجَازِ الْأَمْثَالِ] [٣]، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَضٌّ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، أَيِ: ابْقَوْا إِلَى الْمَمَاتِ بِغَيْظِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، أَيْ: بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خير وشر.
وقوله تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ، أي: تصبكم أيها المؤمنون حَسَنَةٌ بِظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَغَنِيمَةٍ تَنَالُونَهَا مِنْهُمْ، وَتَتَابُعِ النَّاسِ فِي الدُّخُولِ فِي دِينِكُمْ، وَخِصْبٍ فِي مَعَايِشِكُمْ تَسُؤْهُمْ، تُحْزِنْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ، مَسَاءَةٌ بِإِخْفَاقِ سَرِيَّةٍ لَكُمْ أَوْ إصابة عدوّ منكم، واختلاف يَكُونُ بَيْنَكُمْ أَوْ جَدْبٍ أَوْ نكبة، يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا عَلَى أذاهم وَتَتَّقُوا تخافوا رَبَّكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ، أَيْ: لَا يَنْقُصُكُمْ، كَيْدُهُمْ شَيْئاً، قَرَأَ [٤] ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ: لَا يَضُرُّكُمْ بِكَسْرِ الضَّادِ خَفِيفَةٍ [٥]، يُقَالُ: ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا، وَهُوَ جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ الْجَزَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنْ ضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا، مِثْلَ رَدَّ يَرُدُّ رَدًّا وَفِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْجَزْمَ، وَأَصْلُهُ يضرركم أدغمت
(٢) سقط عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) زيد في المطبوع وحده «ابن عامر».
(٥) أي بسكون الراء.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٢١]
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ، وقال مقاتل: [هو] يَوْمُ الْأَحْزَابِ، [وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ يَوْمُ أُحُدٍ] [١]، [لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ آخِرِ السورة في حرب أحد] [٢]، وقال مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالْوَاقِدِيُّ: غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْزِلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها يمشي عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى أُحُدٍ فَجَعَلَ يَصُفُّ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ كَمَا يُقَوَّمُ القدح.
ع «٤٣٢» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالسُّدِّيُّ عَنْ رِجَالِهِمَا:
إِنَّ الْمُشْرِكِينَ نَزَلُوا بِأُحُدٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُزُولِهِمُ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ وَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَلَمْ يَدْعُهُ قَطُّ قَبْلَهَا فَاسْتَشَارَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَكْثَرُ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إليهم فو الله مَا خَرَجْنَا [مِنْهَا] [٣] إِلَى عَدُوٍّ قَطُّ إِلَّا أَصَابَ مِنَّا وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إِلَّا أَصَبْنَا مِنْهُ، فَكَيْفَ وَأَنْتَ فِينَا فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مَجْلِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمُ [٤] الرِّجَالُ فِي وُجُوهِهِمْ وَرَمَاهُمُ النِّسَاءُ والصبيان بالحجارة من فوق، وإن رَجَعُوا خَائِبِينَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّأْيُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَى هَذِهِ الْأَكْلُبِ، لَا يَرَوْنَ أَنَا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي بَقَرًا مذبوحة فَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثُلَمًا فَأَوَّلْتُهَا هَزِيمَةً، وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ»، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أن يدخلوا عليهم بِالْمَدِينَةِ فَيُقَاتِلُوا فِي الْأَزِقَّةِ، فَقَالَ رِجَالٌ [٥] مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ فَاتَهُمْ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ: اخْرُجْ بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا فَلَمْ يَزَالُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حبهم
وأخرجه الطبري أيضا ٧٧١٦ عن السدي مرسلا بنحوه.
وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٠٦- ٢١٠) من طريق موسى بن عقبة، عن الزهري مرسلا وللمرفوع منه شواهد.
فقد أخرجه البخاري ٣٦٢٢ و٤٠٨١ و٣٠٤١ و٧٠٣٥ ومسلم ٢٢٧٢ وابن ماجه ٣٩٢١ والدارمي ٢/ ١٢٩ وابن حبان ٦٢٧٥ و٦٢٧٦ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضا بقرا، والله خير فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر».
- ولقوله «ما يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَتَهُ | » شاهد من حديث ابن عباس عند البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٠٤- ٢٠٥). |
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) زيادة عن المخطوط والطبري ٧٧١٧. [.....]
(٤) تصحف في المطبوع إلى «قابلهم».
(٥) تصحف في المطبوع «رجل».
«لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يُقَاتِلَ»، وَكَانَ قَدْ أَقَامَ الْمُشْرِكُونَ بِأُحُدٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، فَرَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم [إليهم] [١] يوم الجمعة بعد ما صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْجُمُعَةَ وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَأَصْبَحَ بِالشِّعْبِ مِنْ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فكان من [أمر] [٢] حَرْبِ أُحُدٍ مَا كَانَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ تُنْزِلُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، أَيْ: مَوَاطِنَ، وَمَوَاضِعَ لِلْقِتَالِ، يُقَالُ: بَوَّأْتُ القوم إذا وطنتهم، وتبوّؤوا هم إذا تواطؤوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ [يُونُسَ: ٩٣]، وقال: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً [يُونُسَ: ٨٧]، وَقِيلَ: تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٥]
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)
. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، أَيْ: تَجْبُنَا وَتَضْعُفَا وَتَتَخَلَّفَا، وَالطَّائِفَتَانِ بَنُو سَلَمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ وبنو حارثة من الأوس، وكانا جَنَاحَيِ الْعَسْكَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَقِيلَ: فِي تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رجلا، فلما بلغوا الشوط اتخذ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ الناس ورجع في ثلاث مائة، وَقَالَ: عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا وَأَوْلَادَنَا؟ فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِرٍ السُّلَمِيُّ، فَقَالَ: أنشدكم الله فِي نَبِيِّكُمْ وَفِي أَنْفُسِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، وَهَمَّتْ بَنُو سَلَمَةُ وَبَنُو حَارِثَةَ بِالِانْصِرَافِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَنْصَرِفُوا فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، نَاصِرُهُمَا وَحَافِظُهُمَا [عن الانصراف من القتال] [٣]، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
«٤٣٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٤] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ [عَمْرٍو] [٥] عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما بَنُو سَلَمَةُ وَبَنُو حَارِثَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، وَاللَّهُ يَقُولُ: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما.
- خرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٤٠٥١) عن محمد بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (٤٥٤) ومن طريقه الطبري ٧٧٢٧ عن ابن عيينة به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في الأصل «عمر» والتصويب من «صحيح البخاري» وعمرو هو ابن دينار.
ذَلِيلٍ، وَأَرَادَ بِهِ قِلَّةَ الْعَدَدِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَنَصَرَهُمُ الله مع قلة عددهم وعددهم، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ، اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ [هَذَا] [٣] يَوْمَ بَدْرٍ أَمَدَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قَالَ: فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [الْأَنْفَالِ: ٩]، ثُمَّ صَارُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ ثُمَّ صَارُوا خَمْسَةَ آلَافٍ كَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا، بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ.
بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، فَصَبَرُوا يوم بدر واتقوا فأمدّهم الله بخمسة آلاف [من الملائكة] [٤] كَمَا وَعَدَ، قَالَ الْحَسَنُ: وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ آلَافٍ رِدْءُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي المعركة إلا يوم بدر، [و] فيما سِوَى ذَلِكَ يَشْهَدُونَ الْقِتَالَ وَلَا يقاتلون، وإنما يكونون عددا ومددا.
ع «٤٣٤» قال عمير [٥] بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْجَلَى الْقَوْمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ يَرْمِي، وَفَتًى شَابٌّ يَتَنَبَّلُ لَهُ كُلَّمَا فَنِيَ النَّبْلُ أَتَاهُ بِهِ فَنَثَرَهُ، فَقَالَ: ارْمِ أَبَا إِسْحَاقَ مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا انْجَلَتِ الْمَعْرَكَةُ سُئِلَ عَنْ ذلك الرجل فلم يعرفه أحد.
«٤٣٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قبل ولا بعد.
٤٣٥- إسناده صحيح، عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ روى له البخاري، وقد توبع، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- هو في «شرح السنة» (٢٩٨٢ و٣٦٨٠) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٠٥٤) عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٨٢٦ ومسلم ٢٣٠٦ وابن أبي شيبة ١٢/ ٨٩ وأحمد ١/ ١٧١ و١٧٧ وابن حبان ٦٩٨٧ وابن أبي عاصم في «السنة» (١٤١٠) والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٥٤ و٢٥٥) من طرق عن سعد بن إبراهيم به.
(١) في المخطوط «إلى موضع».
(٢) في المخطوط «يومئذ».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع وحده. [.....]
(٥) في المطبوع وط «محمد» والمثبت عن المخطوط و «الدلائل».
ع «٤٣٧» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَالْمُسْلِمِينَ] [١] يَوْمَ بَدْرٍ: أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيَّ يُرِيدُ أَنْ يَمُدَّ الْمُشْرِكِينَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: مُسَوِّمِينَ، فَبَلَغَ كُرْزًا الْهَزِيمَةُ فَرَجَعَ فَلَمْ يَأْتِهِمْ وَلَمْ يَمُدَّهُمْ، فَلَمْ يَمُدَّهُمُ اللَّهُ أيضا بالخمسة آلاف، وكانوا قدموا بِأَلْفٍ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ إِنْ صَبَرُوا عَلَى طَاعَتِهِ وَاتَّقَوْا مَحَارِمَهُ أَنْ يَمُدَّهُمْ أَيْضًا فِي حُرُوبِهِمْ كُلِّهَا، فَلَمْ يَصْبِرُوا إِلَّا يوم الأحزاب، فأمدّهم حين حاصروا قريظة والنضير.
ع «٤٣٨» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَوْفَى: كُنَّا مُحَاصِرِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنَا فَرَجَعْنَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُسْلٍ فَهُوَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ وَلَمْ تَضَعِ الْمَلَائِكَةُ أَوْزَارَهَا؟ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِرْقَةٍ فَلَفَّ بِهَا رَأْسَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ، ثُمَّ نَادَى فِينَا فَقُمْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَيَوْمَئِذٍ أَمَدَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَفَتَحَ لَنَا فَتْحًا يَسِيرًا.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ: كَانَ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ وَعَدَهُمُ اللَّهُ الْمَدَدَ إِنْ صَبَرُوا فلم يصبروا فلم يمدّوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ، الإمداد: إِعَانَةُ الْجَيْشِ [بِالْجَيْشِ] [٢]، وَقِيلَ: مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْقُوَّةِ وَالْإِعَانَةِ، يُقَالُ فِيهِ: أُمِدُّهُ إِمْدَادًا، وَمَا كان على جهة الزيادة، ويقال فيه: مدّه مددا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ [لُقْمَانَ: ٢٧]، وَقِيلَ: الْمَدُّ فِي الشَّرِّ، وَالْإِمْدَادُ فِي الْخَيْرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ [الْبَقَرَةِ: ١٥]، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا [مَرْيَمَ: ٧٩]، وَقَالَ فِي الْخَيْرِ: [أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ] [٣] [الأنفال: ٩]، وَقَالَ: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ [الْإِسْرَاءِ: ٦]، قَوْلُهُ تَعَالَى: بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى التَّكْثِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ [الْأَنْعَامِ: ١١١]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ دَلِيلُهُ قوله تعالى: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ [الْفَرْقَانِ: ٢١]، وَقَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها [التَّوْبَةِ: ٢٦]، ثم قال: بَلى يمدّكم وإِنْ تَصْبِرُوا لعدوكم وَتَتَّقُوا مُخَالَفَةَ نَبِيِّكُمْ وَيَأْتُوكُمْ [يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ] [٤] مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ:
مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا رَجَعُوا لِلْحَرْبِ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ غَضَبِهِمْ لِيَوْمِ بَدْرٍ، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ، لَمْ يُرِدْ خَمْسَةَ آلَافٍ سِوَى مَا ذَكَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، بَلْ أَرَادَ مَعَهُمْ، وَقَوْلُهُ: مُسَوِّمِينَ، أَيْ:
مُعَلِّمِينَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بفتحها، فمن كسر الواو أراد أنهم
٤٣٧- ع ضعيف. أخرجه الطبري ٧٧٤٣ و٧٧٤٥ عن عامر الشعبي مرسلا.
٤٣٨- ع ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٧٧٥٧ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي أوفى، وإسناده ضعيف جدا، فيه سليمان بن زيد أبو إدام، وهو متروك الحديث ليس بثقة. والمتن منكر كونه نزول ثلاثة آلاف من الملائكة كان يوم قريظة والنضير، والحمل فيه على سليمان هذا.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) زيد في المطبوع وط.
«٤٣٩» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ بِالصُّوفِ الْأَبْيَضِ فِي قلانسهم ومغافرهم».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٨]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨)
قَوْلُهُ تَعَالِي: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ يَعْنِي هَذَا الْوَعْدَ [٢] وَالْمَدَدَ، إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، أَيْ: بِشَارَةً لِتَسْتَبْشِرُوا بِهِ وَلِتَطْمَئِنَّ وَلِتَسْكُنَ قُلُوبُكُمْ بِهِ فَلَا تَجْزَعُوا مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّكُمْ وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، يَعْنِي: لَا تُحِيلُوا بِالنَّصْرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْجُنْدِ، فَإِنَّ النَّصْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَعِينُوا بِهِ وَتَوَكَّلُوا عليه، فإن الْعِزَّ وَالْحُكْمَ لَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَقُولُ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ [بِبَدْرٍ] [٣] لِيَقْطَعَ طَرَفًا، أَيْ:
لِكَيْ يُهْلِكَ طَائِفَةً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ لِيَهْدِمَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الشِّرْكِ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، فَقُتِلَ مِنْ قَادَتِهِمْ وَسَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ، وَمَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَرْبِ أُحُدٍ، فَقَدْ [٤] قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ وكان النصر لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى [٥] خَالَفُوا أَمْرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْقَلَبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَكْبِتَهُمْ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَهْزِمَهُمْ، وَقَالَ يَمَانٌ: يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: يَلْعَنُهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
يُهْلِكُهُمْ، وَقِيلَ: يُحْزِنُهُمْ، وَالْمَكْبُوتُ: الْحَزِينُ، وَقِيلَ: [أَصْلُهُ] [٦] يَكْبِدَهُمْ، أَيْ: يُصِيبُ الْحُزْنُ وَالْغَيْظُ أَكْبَادَهُمْ، وَالتَّاءُ وَالدَّالُ يَتَعَاقَبَانِ كَمَا يُقَالُ: سَبَتَ رَأْسَهُ وَسَبَدَهُ إِذَا حَلَقَهُ، وَقِيلَ: يكبتهم بالخيبة، فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ، لم ينالوا شيئا ممّا كانوا يرجونه [٧] مِنَ الظَّفَرِ بِكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْآيَةَ، اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هذه الآية.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «العدد».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) زيد في المخطوط «قال».
(٥) تصحف في المطبوع «حين». [.....]
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «يرجون».
«٤٤١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قال:
حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ من الفجر يقول:
«اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا، بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨).
وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ.
«٤٤٢» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أخبرنا
وفي الباب من حديث أنس قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم سريّة يقال لهم: القرّاء فأصيبوا، فَمًا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وجد على شيء ما وجد عليهم فقنت شهرا في صلاة الفجر، ويقول: إن عصيّة عصوا الله ورسوله».
أخرجه البخاري ٦٣٩٤ ومسلم ٦٧٧.
٤٤١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد، والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، سالم هو ابن عبد الله بن عمر.
- خرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٤٥٥٩) عن حبان بن موسى بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٠٦٩ و٧٣٤٦ والنسائي في «الكبرى» (١١٠٧٦) والبيهقي ٢/ ١٩٨ و٢٠٧ من طريق ابن المبارك به.
- وأخرجه النسائي ٢/ ٢٠٣ وفي «الكبرى» (٦٦٥ و١١٠٧٥) وأحمد ٢/ ١٤٧ وابن حبان ١٩٨٧ وابن خزيمة ٦٢٢ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٢٤٢) من طريق عبد الرزاق عن معمر به.
٤٤٢- إسناده صحيح على شرط مسلم، ثابت هو ابن أسلم البناني.
- خرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١٧٩١) عن عبد الله بن مسلم بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد ٣/ ٢٥٣ و٢٨٨ وابن حبان ٦٥٧٥ والواحدي في «أسباب النزول» (٢٤٤) والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٦٢) من طرق عن حماد بن سلمة به.
- وأخرجه الترمذي ٣٠٠٢ و٣٠٠٣ وابن ماجه ٤٠٢٧ وأحمد ٣/ ٩٩ وابن حبان ٦٥٧٤ والواحدي ٢٤٢ والبغوي ٣٦٤٢ والطبري ٧٨٠٥ و٧٨٠٦ و٧٨٠٧ من طريق حميد الطويل عن أنس به.
(١) في المخطوط «الصلاة».
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلِتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيِّهِمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
ع «٤٤٣» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ»، فَنَزَلَتْ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ.
ع «٤٤٤» وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون يوم أحد ما أصابهم من جذع الْآذَانِ وَالْأُنُوفِ وَقَطْعِ الْمَذَاكِيرِ، قَالُوا: لَئِنْ [أَدَالَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ] [٢] لَنَفْعَلَنَّ [بِهِمْ] [٣] مِثْلَ مَا فَعَلُوا، وَلَنُمَثِّلَنَّ [بِهِمْ] [٤] مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، [وَقِيلَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِئْصَالِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ] [٥]، وَذَلِكَ لِعِلْمِهِ فِيهِمْ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسْلِمُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَيْ: لَيْسَ إِلَيْكَ، اللام بِمَعْنَى إِلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٣]، أَيْ: إِلَى الْإِيمَانِ، وقوله تَعَالَى: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ حَتَّى يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أو: إلا [٦] أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ نَسَقٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِيَقْطَعَ طَرَفاً، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [اعتراض بين الكلامين، وَنَظْمِ الْآيَةِ: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، بَلِ الْأَمْرُ أَمْرِي فِي
وإسناده ضعيف لضعف عمر بن حمزة، لكن لم ينفرد به.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب يستغرب من حديث عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمِ، عن أبيه، وقد رواه الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ لم يعرفه البخاري من حديث عمر بن حمزة، وعرفه من حديث الزهري اهـ.
- وأخرجه البخاري ٤٠٧٠ عن حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سالم بن عبد الله يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم يدعو....
فذكره مرسلا.
وقال الحافظ في «الفتح» (٧/ ٣٦٦) : قوله «عن حنظلة» معطوف على معمر، والراوي هو ابن المبارك، ووهم من زعم أن معلّق... وقوله سمعت سالم بن عبد الله يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم يدعو إلخ» هو مرسل اهـ.
٤٤٤- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٥٧٣) نقلا عن المفسرين، وأن الآية التي نزلت هي وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦).
وبنحوه أيضا ورد من حديث ابن عباس أخرجه الواحدي ٥٧٢ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٨٨) وإسناده ضعيف.
لضعف ابن أبي ليلى واسمه محمد ومن حديث أبي هريرة أخرجه الواحدي ٥٧١ والبيهقي ٣/ ٢٨٨. وإسناده ضعيف لضعف صالح بن بشير المرّي.
(١) تصحف في المطبوع «مسلم».
(٢) ما بين المعقوفتين في المخطوط «مكنا منهم».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) في المخطوط وط «إلى». [.....]
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٠]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠)
. ثُمَّ قَالَ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً، أَرَادَ بِهِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ عِنْدَ حُلُولِ [٢] أَجَلِ الدّين من زيادة المال [على الدين] [٣] وَتَأْخِيرِ الطَّلَبِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَمْرِ الرِّبَا فَلَا تَأْكُلُوهُ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣١ الى ١٣٤]
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)
ثُمَّ خَوَّفَهُمْ فَقَالَ: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١).
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) لِكَيْ تُرْحَمُوا.
وَسارِعُوا قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ سارعوا بلا واو [وقرأ الباقون بالواو] [٤] إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [أَيْ] [٥] بَادِرُوا وَسَابِقُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الَّتِي تُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِلَى الْإِسْلَامِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: إِلَى التَّوْبَةِ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: إِلَى الْهِجْرَةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِلَى الْجِهَادِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِلَى الأعمال الصالحة.
وروي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهَا التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى، وَجَنَّةٍ أَيْ وَإِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ، أَيْ: عَرَضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الْحَدِيدِ: ٢١] أَيْ: سَعَتُهَا، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْعَرْضُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ طُولَ كل شيء في الأغلب أكبر [٦] مِنْ عَرْضِهِ، يَقُولُ: هَذِهِ صِفَةُ عَرْضِهَا فَكَيْفَ طُولُهَا؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وإنما وَصَفَ عَرْضَهَا فَأَمَّا طُولُهَا فَلَا يعلمه إلا الله [تعالى] وَهَذَا عَلَى التَّمْثِيلِ لَا أَنَّهَا كَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا غَيْرَ، مَعْنَاهُ: كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ عِنْدَ ظَنِّكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [هُودٍ: ١٠٧] يَعْنِي: عِنْدَ ظَنِّكُمْ وَإِلَّا فُهُمَا زَائِلَتَانِ، وَرُوِيَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَنَّ نَاسًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قالوا: أَرَأَيْتُمْ قَوْلَهُ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ: عُمَرُ: أفرأيتم إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ أَيْنَ يَكُونُ النهار، وإذا جاء النهار فأين يَكُونُ اللَّيْلُ؟
فَقَالُوا: إِنَّهُ [٧] لَمِثْلُهَا فِي التَّوْرَاةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) [الذَّارِيَاتِ: ٢٢] وَأَرَادَ بِالَّذِي وَعَدَنَا: الْجَنَّةَ فَإِذَا كَانَتِ الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ فكيف يكون
(٢) في المطبوع «طول» ولفظ «أجل» ليس في المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «أكثر».
(٧) في المطبوع «إنها».
[و] أي أرض وسماء تسع الجنة؟ فقيل: فَأَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السبع تحت العرش [و] قال قَتَادَةُ: كَانُوا يَرَوْنَ [أَنَّ] [٣] الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ [تَحْتَ الْعَرْشِ] [٤]، وَأَنَّ جَهَنَّمَ تَحْتَ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ. أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، أَيْ: فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، فَأَوَّلُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَخْلَاقِهِمُ الْمُوجِبَةِ لِلْجَنَّةِ ذِكْرُ السَّخَاوَةِ [وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ] [٥] :
«٤٤٥» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الثعلبي أخبرنا أبو عمر الْفُرَاتِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَنْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَازِمٍ الْبَغَوِيُّ بِمَكَّةَ أَخْبَرَنَا [أَبُو] [٦] صَالِحِ بْنُ أَيُّوبَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النّار، ولجاهل [٧] سخي أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ».
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ أَيِ: الْجَارِعِينَ الْغَيْظَ عِنْدَ امْتِلَاءِ نُفُوسِهِمْ مِنْهُ، وَالْكَظْمُ: حَبْسُ الشَّيْءِ [٨] عِنْدَ امْتِلَائِهِ، وَكَظْمُ الْغَيْظِ أَنْ يَمْتَلِئَ غَيْظًا فَيَرُدُّهُ فِي جَوْفِهِ وَلَا يُظْهِرُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ [غَافِرٍ: ١٨].
«٤٤٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْفُرَاتِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو محمد
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٣/ ٤٠٣) والبيهقي في «الشعب» (١٠٨٥٢) من طريق سعيد بن محمد الوراق به.
وأعله ابن عدي بسعيد بن محمد الوراق، وقال البيهقي: تفرد به سعيد بن محمد، وهو ضعيف اهـ.
- وأخرجه البيهقي ١٠٨٥١ من طريق الوراق بهذا الإسناد لكن بين يحيى والأعرج ذكر «أبي الزناد».
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٢٣٨٤) والبيهقي ١٠٨٥٣ من طريق سعيد الورّاق عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ محمد بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة به.
وسعيد الورّاق ضعيف، وكذا قال الهيثمي في «المجمع» (٤٧٠٧).
- وورد من وجه آخر عن عائشة أخرجه البيهقي ١٠٨٤٧ وقال: فيه تليد وسعيد الوراق ضعيفان، وقد قيل عن سعيد بن مسلمة اهـ.
- وورد من حديث جابر أخرجه البيهقي ١٠٨٤٨ و١٠٨٤٩ وفي إسناده سعيد بن مسلمة، وهو ضعيف كما في «التقريب».
٤٤٦- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، فيه محمد بن زكريا الغلابي، وهو متروك، لكن توبع، فقد ورد من طرق عن سهل بن
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع وحده.
(٥) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٦) زيد في المطبوع وط.
(٧) تصحف في المطبوع «والجاهل».
(٨) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «النفس».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ».
وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنِ الْمَمْلُوكِينَ سُوءَ الْأَدَبِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمُقَاتِلٌ:
عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَأَسَاءَ إِلَيْهِمْ. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، [عن الثوري: الإحسان أن تحسن إلى المسيء، فإنّ الإحسان إلى المحسن تجارة] [٢].
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٣٥]
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً.
- وأخرجه الترمذي ٢٠٢٢ و٢٤٩٥ وأحمد ٣/ ٤٤٠ وأبو يعلى ١٤٩٧، وأحمد ٣/ ٤٤٠ من طريق أبي عبد الرحمن المقري بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب اهـ.
- وأخرجه أبو داود ٤٧٧٧ وابن ماجه ٤١٨٦ والبيهقي في «الشعب» (٨٣٠٣) من طريق ابن وهب عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيْوبَ به.
- وورد من وجه آخر عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ زبان بن فائد، عن سهل به. أخرجه البيهقي ٦١٤٩ وفيه زبان، وهو ضعيف مع صلاحه وعبادته كما في «التقريب».
وكذا أخرجه أحمد ٣/ ٤٣٨ من طريق ابن لهيعة عن زبان، عن سهل به. وهذا مسند ضعيف. وقد توبع زبان بن فائد ومن دونه عند الطبراني، فقد ورد من وجه آخر عند الطبراني في «الأوسط» (٩٢٥٢) و «الصغير» (١١١٢) وقال الهيثمي في «المجمع» (٧٤٥٢) : وفيه بقية، وهو مدلس اهـ.
قلت: قد عنعن في «الصغير» وصرّح بالتحديث في «الأوسط» فانتفت شبهة التدليس، وفيه، محمد بن عجلان، وهو صدوق وفروة بن مجاهد مختلف في صحبته، وكان عابدا كما في «التقريب».
وورد بغير هذا اللفظ من طريق محمد بن عجلان، عن سويد بن وهب، عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، عن أبيه أخرجه أبو داود ٤٧٧٨ والبيهقي ٨٣٠٤ وهو بلفظ «... ملأ الله قلبه إيمانا وأمنا» بدل «دعاه... »، وهذا ضعيف، فيه راو لم يسمّ. ولعله سهل عن أبيه لكن له شواهد.
- ففي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (٤٥٨) والطبري ٧٨٤١ وفيه راو لم يسمّ، وعبد الجليل مجهول، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٣٦٤٦) و «الصغير» (٨٦١) و «الأوسط» (٦٠٣٢) وفيه سكين بن سرّاج، وهو ضعيف قاله الهيثمي في ( «المجمع» (٨/ ١٩١ (١٣٧٠٨)).
- الخلاصة: الحديث الذي الذي أسنده المصنف ضعيف لتفرد سهل بن معاذ به، وأما اللفظ الآخر، فله شواهد تقويه وإن كانت ضعيفة، والله أعلم.
(١) في الأصل «أبو عبد الله بن محمد زكريا العلاني» والتصويب من كتب «التراجم».
(٢) سقط من المخطوط.
ع «٤٤٨» وَقَالَ عَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي نَبْهَانَ [٣] التَّمَّارِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مَعْبَدٍ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، تَبْتَاعُ مِنْهُ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا التَّمْرَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَفِي الْبَيْتِ أَجْوَدُ مِنْهُ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى بَيْتِهِ فَضَمَّهَا إِلَى نَفْسِهِ وَقَبَّلَهَا، فَقَالَتْ لَهُ:
اتَّقِ اللَّهَ، فَتَرَكَهَا وَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ له، فنزلت هذه الآية.
ع «٤٤٩» وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْآخَرُ مِنْ ثَقِيفٍ فَخَرَجَ الثَّقَفِيُّ فِي غَزَاةٍ وَاسْتَخْلَفَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى أَهْلِهِ فَاشْتَرَى لَهُمُ اللَّحْمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا أَرَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهَا وَقَبَّلَ يَدَهَا، ثُمَّ نَدِمَ وَانْصَرَفَ وَوَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ الثَّقَفِيُّ [من الغزاة] [٤] لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ الْأَنْصَارِيُّ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْ حَالِهِ، فَقَالَتْ: لَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْإِخْوَانِ مِثْلَهُ وَوَصَفَتْ لَهُ الْحَالَ، وَالْأَنْصَارِيُّ يَسِيحُ فِي الْجِبَالِ تَائِبًا مُسْتَغْفِرًا، فَطَلَبَهُ الثَّقَفِيُّ حَتَّى وَجَدَهُ فَأَتَى بِهِ أَبَا بَكْرٍ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ عِنْدَهُ راحة رفرجا فقال الأنصاري: هلكت، وذكر الْقِصَّةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيْحَكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ لِلْغَازِي مَا لَا يَغَارُ لِلْمُقِيمِ، ثُمَّ أَتَيَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً.
يَعْنِي: قَبِيحَةً خَارِجَةً عَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تعالى فِيهِ، وَأَصْلُ الْفُحْشِ الْقُبْحُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْحَدِّ، قَالَ جَابِرٌ:
الْفَاحِشَةُ الزِّنَا، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، [مَا دُونَ الزِّنَا مِنَ الْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: الْفَاحِشَةُ مَا دُونَ الزِّنَا مِنْ قُبْلَةٍ أَوْ لَمْسَةٍ أَوْ نَظْرَةٍ فِيمَا لَا يَحِلُّ، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ، وَقِيلَ:
فَعَلُوا فَاحِشَةَ الْكَبَائِرِ، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالصَّغَائِرِ. وَقِيلَ: فَعَلُوا فَاحِشَةً فِعْلًا] [٥] أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ قَوْلًا، ذَكَرُوا اللَّهَ أي: ذكروا وعيد الله، و [أن] [٦] اللَّهَ سَائِلُهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: ذَكَرُوا اللَّهَ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الذُّنُوبِ، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ أَيْ: وَهَلْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا أَيْ: لَمْ يُقِيمُوا وَلَمْ يَثْبُتُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تَابُوا وَأَنَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا، وَأَصْلُ الإصرار:
الثبات على الشيء، قال الْحَسَنُ: إِتْيَانُ الْعَبْدِ ذَنْبًا عَمْدًا إِصْرَارٌ حَتَّى يَتُوبَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الإصرار:
السكوت وترك الاستغفار.
ومع وقفه في عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وهو ضعيف، ولم يدرك ابن مسعود.
٤٤٨- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٤٧) عن ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ بدون إسناد، ولا يصح سبب النزول هذا، وقد ورد خبر نبهان التمار في سورة هود آية: ١١٤ عند قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.
٤٤٩- ع ذكره الواحدي ٢٤٨ عن ابن عباس من طريق الكلبي وهو باطل، الكلبي متروك كذاب، وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس. ومقاتل هو ابن سليمان وهو كذاب.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيد في المطبوع وحده «وكذا».
(٣) وقع في الأصل «تيهان» والمثبت هو الصواب.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط. [.....]
(٦) زيادة عن المخطوط وط-.
أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ [٢] قَالَ: لَقِيتُ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَسَمِعْتَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا؟ قَالَ:
نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً».
وَهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، وَقِيلَ:
وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِصْرَارَ ضَارٌّ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ [تعالى] يملك مغفرة الذنوب، وقال الحسن بن الفضل: أَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَقِيلَ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ [أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ الْعَفْوُ عَنِ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَقِيلَ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ] [٣] أَنَّهُمْ إِنِ اسْتَغْفَرُوا غُفِرَ لَهُمْ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٣٦]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)، ثواب المطيعين.
(٢) في الأصل «أبي نصرة» والتصويب من كتب التخريج و «شرح السنة».
(٣) زيد في المطبوع وط.
٤٥٠- ضعيف. إسناده ضعيف، فيه عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحماني، وقد ضعفه غير واحد، لكن توبع، وفيه أبو نصيرة، واسمه مسلم بن عبيد، وفيه ضعف، وعلة الحديث جهالة مولى أبي بكر، فإنه لم يسمّ عند أحد.
- وهو في «شرح السنة» (١٢٩٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو يعلى ١٣٧ من طريق عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحماني بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ١٥١٤ والترمذي ٣٥٥٤ وأبو يعلى ١٣٨ و١٣٩ والطبري ٧٨٦٢ والقضاعي ٧٨٨ من طرق عثمان بن واقد به.
قال الترمذي: هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة، وليس إسناده بالقوي اهـ.
وفي إسناده عثمان بن واقد صدوق يهم كذا قال الحافظ في «التقريب».
وفي «الميزان» (٥٥٧٦) : وثقه يحيى وضعفه أبو داود لأجل حديث «من أتى الجمعة فليغتسل من الرجال والنساء» اهـ.
تفرد بذكر «النساء» ومع ذلك هو ثقة فالثقة ربما أخطأ، ولكن فيه مولى أبي بكر، وهو مجهول لم يسمّ فالخبر واه لأجله، ومع ذلك فقد حسنه ابن كثير رحمه الله في «التفسير» (١/ ٤١٦) مع أنه نقل عن علي المديني أنه غير قوي، فالصواب أنه حديث ضعيف، وأن الصواب في هذا وأمثاله الوقف، ولم يحتجّ أهل الحديث في إسناد فيه من لم يسمّ، والله أعلم، وقال البزار كما في «التهذيب» (١٢/ ٢٨١) : أبو نصيرة عن مولى أبي بكر مجهولان.
«مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ»، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى [٢] عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَزَادَ: ثُمَّ قَرَأَ: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران: ١٣٥] الْآيَةَ.
«٤٥٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ [٣] أَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ [٤] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي طلحة قال: كان قاصّ [٥] بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ:
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، قَالَ: فَقَالَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ».
«٤٥٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ [٦] أَنَا حميد بن زنجويه
وهو في «شرح السنة» (١٠١٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ١٥٢١ والترمذي ٤٠٦ و٣٠٠٦ والطيالسي ٢ وأحمد ١/ ١٠ وابن حبان ٦٢٣ والمروزي في «مسند أبي بكر» (١١) من طريق أبي عوانة به.
- وأخرجه ابن ماجه ١٣٩٥ والطيالسي ١ والحميدي ٤ وأحمد ١/ ٢ و٨ و٩ والمروزي ١٠ والطبري ٧٨٥٣ و٧٨٥٤ من طرق عن عثمان بن المغيرة به.
وحسنه الترمذي، وجوّد إسناده الحافظ في «التهذيب» في ترجمة أسماء بن الحكم، وقال الترمذي: ولا نعرف لأسماء بن الحكم حديثا غير هذا اهـ. وورد من وجه آخر ساقط أخرجه الطبري ٧٨٥٤ من طريق سعد بن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عن أخيه، عن جده، عن علي مرفوعا، وأخو سعد هو عبد الله، وهو ضعيف متروك كما في «الميزان» في ترجمة سعد.
(١) في الأصل «الزيات»، وهو تصحيف.
(٢) هذه الرواية عند الترمذي برقم: ٣٠٠٦.
(٣) في الأصل «الزياتي» والتصويب من «الأنساب» و «شرح السنة».
(٤) تصحف في المطبوع «عن».
(٥) في الأصل «قاض» والتصويب من «تهذيب التهذيب» و «شرح السنة».
(٦) في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
٤٥٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، همام هو ابن يحيى بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» (١٢٨٣) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٧٥٠٧ ومسلم ٢٧٥٨ ح ٣٠ وأحمد ٢/ ٢٤٢ و٢٩٦ وابن حبان ٦٢٢ والحاكم ٤/ ٢٤٢ والبيهقي ١٠/ ١٨٨ من طرق عن همام به.
- وأخرجه مسلم ٢٧٥٨ وأحمد ٢/ ٤٩٢ وابن حبان ٦٢٥ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إسحاق بن عبد الله به.
٤٥٣- حديث صحيح بشواهده. رجاله ثقات غير شهر بن حوشب، ففيه ضعف، وهو مدلس، ومعدي كرب هذا لم أجد من ذكر أنه يروي عن أبي ذر، وأنه روى عنه شهر بن حوشب على أنه اضطرب في اسمه كما سيأتي.
- وهو في «شرح السنة» (١٢٨٥) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٥/ ١٧٢ من طريق غيلان بن جرير، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن معدي كرب به. وهو عند الدارمي بالإسناد المتقدم لكن فيه «عمرو بن معديكرب»، وكرره أحمد ٥/ ١٧٢/ ٢٠٩٩٤ من وجه آخر عن شهر، عن [.....]
«قال [الله] [٣] : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كان منك، ابن آدم إنّك إن لقيتني بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إن تذنب حتى [يبلغ ذنبك] [٤] عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرُ لك».
«٤٥٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٥] الْمُلَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بن الحسين الحسيني [٦] أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ [٧] بن الحسن الشرقي أَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ [غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي] [٨] مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا».
فقد أخرجه أحمد ٥/ ١٥٤ من طريق عبد الحميد بن بهرام، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ أبي ذر به، فالإسناد لا بأس به من أجل شهر بن حوشب ولم ينفرد به.
- فله شاهد من حديث أنس أخرجه الترمذي ٣٥٣٥ وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قلت: إسناده لين لأجل كثير بن فائد، فإنه مقبول، ويحسن حديثه بالمتابعة، وقد توبع.
- ومن حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢٣٤٦) و «الصغير» (٨٢٠) و «الأوسط» (٥٤٧٩).
وقال الهيثمي في «المجمع» (١٧٦٢٨) : وفيه إبراهيم بن إسحاق الصيني وقيس بن الربيع، وكلاهما مختلف فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ.
- وورد من وجه آخر من حديث أبي ذر مختصرا أخرجه الحاكم ٤/ ٢٤١ وأحمد ٥/ ١٠٨ وفي إسناده عاصم بن بهدلة، وهو صدوق. والحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وله شاهد من حديث أبي الدرداء أخرجه الطبراني كما في «المجمع» (١٧٦٢٩ و١٧٦٣٠) من طريقين في الطريق الأول قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم، وفي الثاني العلا بن زيد، وهو متروك.
الخلاصة: حديث الباب حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
٤٥٤- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن الحكم بن أبان، وتابعه جعفر بن عمر العدني- كما سيأتي- وهو ساقط.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٨٦) بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٦١٥) من طريق إبراهيم بن الحكم به. قال يحيى: إبراهيم بن الحكم، ليس بشيء وقال النسائي: متروك وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ١٢٧) : هو ضعيف اهـ. وتابعه جعفر بن عمر العدني عند الحاكم ٤/ ٢٦٢ ح ٧٦٧٦ وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: العدني واه اهـ.
فالخبر ضعيف وكذا ضعفه السيوطي في «الجامع الصغير» ووافقه المناوي في «الفيض» (٦٠٥٤).
(١) زيادة عن «شرح السنة».
٢ زيادة عن المخطوط.
٣ زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «تبلغ ذنوبك» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) زيادة عن «شرح السنة» والمخطوط.
(٦) في «شرح السنة» «الحسني» بدل «الحسيني».
(٧) وقع في الأصل «عبد الله بن محمود بن محمود» والتصويب من «الأنساب» (٣/ ٤١٧) للسمعاني، ومن «شرح السنة».
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «المعجم الكبير».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٧ الى ١٣٨]
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، قَالَ عَطَاءٌ: شَرَائِعُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَضَتْ لِكُلِّ أُمَّةٍ سُنَّةٌ وَمِنْهَاجٌ إِذَا اتَّبَعُوهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ بِالْهَلَاكِ فِيمَنْ كَذَّبَ قَبْلَكُمْ، وَقِيلَ: سُنَنٌ أَيْ: أُمَمٌ، وَالسُّنَّةُ: الْأُمَّةُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُ | وَلَا رَأَوْا مِثْلَكُمْ فِي سَالِفِ [١] السُّنَنِ |
آخرنا من الْمُكَذِّبِينَ، وَهَذَا فِي حَرْبِ أُحُدٍ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَنَا أُمْهِلُهُمْ وَأَسْتَدْرِجُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ أَجَلِي الذي أجلته فِي نُصْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلِيَائِهِ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ.
هَذَا أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ، بَيانٌ لِلنَّاسِ، عَامَّةً، وَهُدىً، مِنَ الضَّلَالَةِ، وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، خاصة.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٩ الى ١٤٠]
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا، هَذَا حَثٌّ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم على الجهاد والصبر عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ يَوْمَ أُحُدٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا تَهِنُوا أَيْ: لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَجْبُنُوا عَنْ جِهَادِ أَعْدَائِكُمْ بِمَا نَالَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ، وَكَانَ قَدْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَقُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رجلا، وَلا تَحْزَنُوا أي: على ما فاتكم، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ بأن يكون لكم العاقبة بالنصر والظفر على أعدائكم، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَعْنِي: إِذْ كنتم [على سنتي]]
أي: لأنكم مؤمنون.
ع «٤٥٥» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ فأقبل خالد بن
- وله شاهد أخرجه الطبري ٧٨٨٩ عن ابن جريج مرسلا. ومراسيل ابن جريج واهية جدا.
(١) في المخطوط «سائر».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ يَوْمِ أُحُدٍ حِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بطلب القوم بعد مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ [٣]، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ [النِّسَاءِ: ١٠٤].
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ قزح بِضَمِّ الْقَافِ حَيْثُ جَاءَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ كَالْجُهْدِ وَالْجَهْدِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: [القرح] [٤] بالفتح اسم للجراحة، وبالضم اسم لألم الْجِرَاحَةِ، هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ انْصَرَفُوا مِنْ أُحُدٍ مَعَ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، يَوْمَ بَدْرٍ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، فَيَوْمٌ لَهُمْ وَيَوْمٌ عليهم، أديل المسلمون من الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، وَأُدِيلَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى جَرَحُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَقَتَلُوا خَمْسًا وَسَبْعِينِ.
«٤٥٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو [٥] بْنُ خَالِدٍ أَنَا زُهَيْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عازب يحدث قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ»، فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ. فذلك قوله وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ [آل عمران: ١٥٣]، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يوم بدر أربعين ومائة، سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ:
أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أصحابه،
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٩٩) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٣٠٣٩) عن عمرو بن خالد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٠٤٣ وأبو داود ٢٦٦٢ والنسائي في «الكبرى» (١١٠٧٩) والطيالسي ٧٢٥ وأحمد ٤/ ٢٩٣ وابن سعد في «الطبقات» (٢/ ٤٧) وابن حبان ٤٧٣٨ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٢٩- ٢٣٠) من طرق عن زهير بن معاوية به.
(١) في المطبوع «يعلوه» وفي المخطوط «يعلن» والمثبت عن- ط و «أسباب النزول».
(٢) في المطبوع «هزموها».
(٣) في المطبوع وحده «الحرج».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) تصحف في المخطوط «عمير».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مولانا ولا مولى لكم».
ع «٤٥٧» وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَفِي حَدِيثِهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمٍ وَإِنَّ الْأَيَّامَ دُوَلٌ وَالْحَرْبَ سِجَالٌ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا سَوَاءً، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: الدَّوْلَةُ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الكفار، لقوله تعالى: إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)
[الصافات: ١٧٣]، وَكَانَتْ يَوْمَ أُحُدٍ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي: إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَاوَلَةُ لِيَعْلَمَ أَيْ: لِيَرَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فَيُمَيَّزُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُنَافِقِ، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ، يُكْرِمُ أَقْوَامًا بِالشَّهَادَةِ، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤١ الى ١٤٣]
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: يطهركم مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ، يُفْنِيهِمْ وَيُهْلِكُهُمْ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ إِنْ قَتَلُوكُمْ فَهُوَ تَطْهِيرٌ لَكُمْ، وَإِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ فَهُوَ مَحْقُهُمْ وَاسْتِئْصَالُهُمْ.
أَمْ حَسِبْتُمْ أي: أَحَسِبْتُمْ؟ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ [أَيْ: وَلَمْ يَعْلَمِ اللَّهُ] [١]، الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ.
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَمَنَّوْا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ لِيُقَاتِلُوا وَيُسْتَشْهَدُوا فَأَرَاهُمُ [٢] اللَّهُ يَوْمَ [٣] أُحُدٍ، وَقَوْلُهُ: تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ أَيْ: سَبَبَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْجِهَادُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ، فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ يَعْنِي: أَسْبَابَهُ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، بَعْدَ قَوْلِهِ: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ؟ قِيلَ: ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا، وَقِيلَ: الرُّؤْيَةُ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَقَالَ:
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ لِيَعْلَمَ أَنَّ المراد بالرؤية النظر، وقيل: معناه: وأنتم تنظرون إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤٤]
وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، قَالَ أَصْحَابُ الْمُغَازِي:
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المخطوط «فأتاهم».
(٣) في المخطوط «بيوم».
ع «٤٥٩» وَرُوِّينَا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فلما أتوهم صرفت وجوههم.
ع «٤٦٠» قال الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: فَرَأَيْتُ هِنْدًا وَصَوَاحِبَاتِهَا [٣] هَارِبَاتٍ مُصَعِّدَاتٍ فِي الْجَبَلِ، بَادِيَاتٌ خُدَّامُهُنَّ [٤] مَا دُونَ أَخْذِهِنَّ شَيْءٌ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الرُّمَاةُ إِلَى الْقَوْمِ قَدِ انْكَشَفُوا وَرَأَوْا أَصْحَابَهُمْ يَنْتَهِبُونَ الْغَنِيمَةَ أَقْبَلُوا يُرِيدُونَ النَّهْبَ، فَلَمَّا رَأَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قِلَّةَ الرُّمَاةِ وَاشْتِغَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنِيمَةِ، وَرَأَى ظُهُورَهُمْ خَالِيَةً صَاحَ فِي خَيْلِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِمْ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، وَرَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قميئة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفَهُ، وَرَبَاعِيَتَهُ وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ فَأَثْقَلَهُ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صخرة ليعلوها، وَكَانَ قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، فلم يستطع [أن ينهض إليها] [٥] فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ [فَنَهَضَ] [٦] حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» وَوَقَعَتْ هِنْدٌ وَالنِّسْوَةُ مَعَهَا
- وأما وسطه فقد أخرجه مسلم ٢٤٧٠ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٣٢) من حديث أنس.
- وأما عجزه وهو قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى إلا في هذا الموضع». أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٣٣- ٢٣٤) عن معاوية بن معبد بن كعب بن مالك مرسلا.
وانظر «السيرة النبوية» (٣/ ٥٤).
٤٥٩- ع تقدم برقم: ٤٥٧.
٤٦٠- ع لم أره بهذا السياق، وهو منتزع من أحاديث أما صدره إلى قوله «... يريدون النهب» فقد أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٢٨) عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبيه، عن جده أن الزبير بن العوام قال.
- أما وسطه فقد ورد مقطعا أخرجه البيهقي ٣/ ٢٣٧ عن الزهري مرسلا بنحوه و٣/ ٢٣٨ عن الزبير و٣/ ٢٣٩ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وآخر عن ابن المسيب مرسلا و٢٣٩- ٢٤٠ من حديث أنس.
- وخبر مقتل أبي بن خلف أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢١١- ٢١٢) عن الزهري مرسلا. و٢٥٨- ٢٥٩ عن عروة بن الزبير مرسلا أيضا.
(١) زيد في المطبوع. [.....]
(٢) في المطبوع «الموضع».
(٣) في الأصل «صواحبا» والتصويب من «دلائل النبوة».
(٤) الخدمة: الخلخال.
(٥) زيادة عن «دلائل النبوة» (٣/ ٢٣٨).
(٦) زيادة عن المخطوط.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ» حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ، وَكَانَ أُبَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول [له] : عِنْدِي رَمْكَةٌ أَعْلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقَ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَدَشَهُ خَدْشَةً فَتَدَهْدَأَ عَنْ فَرَسِهِ وَهُوَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، وَيَقُولُ: قَتَلَنِي مُحَمَّدٌ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: لَيْسَ عَلَيْكَ بأس، فقال: بَلَى لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّعْنَةُ بِرَبِيعَةَ وَمُضَرَ لَقَتَلَتْهُمْ، أَلَيْسَ قَالَ لِي: أَقْتُلُكَ؟ فَلَوْ بَزَقَ عَلَيَّ بَعْدَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ لَقَتَلَنِي، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا حَتَّى مَاتَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ سَرِفَ.
«٤٦١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٤] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ] [٥] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم.
ع «٤٦٢» قَالُوا: وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا [قَدْ] [٦] قُتِلَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى
وأخرجه البخاري ٤٠٧٦ عن عمرو بن علي بهذا الإسناد. و٤٠٧٤ عن ابن جريج به.
وله شاهد عن أبي هريرة مرفوع أخرجه البخاري ٤٠٧٣ وغيره.
٤٦٢- ع هو منتزع حديثين أما خبر أنس بن النضر فقد أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٤٥) عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن رافع مرسلا بنحوه.
وقول ابن النضر «اللهم إني أعتذر إليك....».
أخرجه البخاري ٢٨٠٥ والبيهقي ٣/ ٢٤٤ من حديث أنس بن مالك وذكر خبر مقتل ابن النضر.
- وأما قوله: «فَأَوَّلُ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... » إِلَى قوله: «فَانْحَازَتْ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» أخرجه البيهقي ٣/ ٢٣٧
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) تصحف في المطبوع «حين».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
قُتِلَ فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: يَا قَوْمُ إن كان [محمد] قد قتل فَإِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ وَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقَ إِلَى الصَّخْرَةِ وَهُوَ يَدْعُو النَّاسَ، فَأَوَّلُ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبُ بْنُ مالك، فقال:
عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تَحْتَ الْمِغْفَرِ تُزْهِرَانِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اسْكُتْ، فَانْحَازَتْ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَامَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِرَارِ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، أَتَانَا الْخَبَرُ بِأَنَّكَ قَدْ قُتِلْتَ، فَرُعِبَتْ قُلُوبُنَا فَوَلَّيْنَا مُدْبِرِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.
وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْمُسْتَغْرِقُ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، لِأَنَّ الْحَمْدَ لَا يَسْتَوْجِبُهُ إِلَّا الْكَامِلُ، وَالتَّحْمِيدُ فَوْقَ الْحَمْدِ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْأَمْرِ فِي الْكَمَالِ، وَأَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَصَفِيَّهُ بِاسْمَيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنَ اسْمِهِ جَلَّ جَلَالُهُ (مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ)، وَفِيهِ يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَبْدَهُ | بِبُرْهَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَمْجَدُ |
وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ | فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ |
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤٥ الى ١٤٦]
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ، قَالَ الْأَخْفَشُ: اللَّامُ فِي لِنَفْسٍ منقولة [من تموت] [٢] تَقْدِيرُهُ:
وَمَا كَانَتْ [٣] نَفْسٌ لِتَمُوتَ، إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، بقضائه وَقَدَرِهِ، [وَقِيلَ: بِعِلْمِهِ] [٤]، وَقِيلَ: بِأَمْرِهِ، كِتاباً مُؤَجَّلًا أَيْ: كَتَبَ لِكُلِّ نَفْسٍ أَجَلًا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ على تقديمه [٥] وتأخيره، ونصب كِتاباً عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: كَتَبَ كِتَابًا، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها يَعْنِي: مَنْ يُرِدْ بِطَاعَتِهِ الدُّنْيَا وَيَعْمَلْ لَهَا نُؤْتِهِ مِنْهَا
- وأما قوله «فَلَامَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم على الفرار | » أخرجه البيهقي ٣/ ٣١١ عن مقاتل بن حيان ولم يذكر فيه الآية. |
٢ زيد في المطبوع وط.
(٣) في المطبوع «كان».
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) في المطبوع وط «تغييره».
«٤٦٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عبد الرحمن بن محمد الدّاؤدي [١] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ [بْنُ مُحَمَّدِ] [٢] بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ عَبْدُ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يزيد بن عبد الرحمن الْمُقْرِئِ أَنَا أَبِي أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الْآخِرَةِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَشَتَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَلَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَّا مَا كُتِبَ الله لَهُ».
«٤٦٤» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بن علي بن [أبي تَوْبَةَ الزَّرَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدٍ
(٢) زيادة عن المخطوط.
٤٦٣- إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشي، لكن توبع، وللحديث شواهد.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٣٧) بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (٣٥٣) من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٢٤٦٥ من طريق الربيع بن صبيح به وسكت عنه مع أن في إسناده يزيد الرقاشي، وهو ضعيف كما تقدم.
- وورد من وجه آخر عن حديث أنس أخرجه ابن أبي الدنيا ٣٥٤ وابن عدي ٣/ ١٠٠ والطبراني في «الأوسط» (٥٩٨٧).
وفي إسناده داود بن المحبر، متروك كما في «التقريب».
- وأخرجه أيضا البيهقي في «الشعب» (١٠٣٤١) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن، عن أنس بنحوه، وابن عدي في «الكامل» (١/ ٢٨٥) عن الحسن وقتادة عنه وأعلّه بإسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف كما في «التقريب».
ومن طريق إسماعيل المكي أخرجه أيضا البزار كما في «المجمع» (١٧٨١٣).
- ومن طريق آخر عن أنس أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٨٨٧٧) في إسناده أيوب بن خوط، ضعيف جدا كذا قال الهيثمي في «المجمع» (١٧٨١٤) وقال عنه الحافظ في «التقريب» : متروك اهـ.
- وله شاهد من حديث زيد بن ثابت أخرجه ابن ماجه ٤١٠٥ وابن حبان ٦٨٠ والطبراني في «الأوسط» (٧٢٦٧) والبيهقي ١٠٣٣٨ و١٠٧٣٦. وصدره عند ابن حبان «نضر الله امرأ سمع منا حديثا....» وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم.
وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات وقد صححه الألباني في «الصحيحة» ٩٤٩ و٩٥٠ وكذا الشيخ شعيب في «الإحسان».
- وله شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٦٩٠) والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (٩) وفي إسناده أبو حمزة الثمالي، وهو ضعيف قاله الهيثمي في «المجمع» (١٧٨١٧).
- ومن حديث أبي الدرداء أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٥١٥٧) وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ٢٢٧) وقال الهيثمي ١٧٨١٦: وفيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب، وهو كذاب اهـ. لكن العمدة في حديث زيد بن ثابت. كما تقدم.
٤٦٤- إسناده صحيح، حبان بن موسى فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، وابن أسماء لم أجد من ترجمه وبكل حال قد توبع، وهو حديث آحاد الأصل، ثم اشتهر عن يحيى بن سعيد الأنصاري.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إليه».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «وَكَائِنٌ» بِالْمَدِّ وَالْهَمْزَةِ على وزن فاعل [٥]، وبتليين الْهَمْزَةِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ وَكَأَيِّنْ بالهمزة وَالتَّشْدِيدِ عَلَى وَزْنٍ كَعَيِّنْ، وَمَعْنَاهُ:
وَكَمْ، وَهِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ ضُمَّتْ إِلَى أَيٍّ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، وَلَمْ يَقَعْ التنوين صُورَةٌ فِي الْخَطِّ إِلَّا فِي هَذَا الْحَرْفِ خَاصَّةً، وَيَقِفُ بَعْضُ القراء على وَكَأَيِّنْ بلا نون، والأكثرون على الوقف بِالنُّونِ، قَوْلُهُ: قاتَلَ قَرَأَ ابْنُ كثير ونافع وأهل البصرة [قتل] [٦] بِضَمِّ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قاتَلَ فَمَنْ قَرَأَ قاتَلَ فَلِقَوْلِهِ:
فَما وَهَنُوا وَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يهنوا بعد ما قُتِلُوا، لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا سَمِعْنَا أَنَّ نَبِيًّا قُتِلَ فِي الْقِتَالِ، وَلِأَنَّ قاتَلَ أَعَمُّ، قال أبو عبيدة: إن الله تعالى إذا مدح [٧] مَنْ قَاتَلَ كَانَ مَنْ قُتِلَ داخلا فيه، وإذا مدح مَنْ قَتَلَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، فَكَانَ قاتَلَ أَعَمُّ، وَمَنْ قَرَأَ «قُتِلَ» فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ رَاجِعًا إِلَى النَّبِيِّ وَحْدَهُ، فَيَكُونُ تَمَامُ الكلام عند قوله: قاتَلَ، وَيَكُونُ فِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، كَمَا يُقَالُ: قُتِلَ فَلَانٌ مَعَهُ جَيْشٌ كَثِيرٌ، أَيْ: وَمَعَهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ نَالَ النَّبِيَّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيِّينَ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ: بَعْضَ مَنْ مَعَهُ، تَقُولُ الْعَرَبُ قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ، وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَما وَهَنُوا رَاجِعًا إِلَى الْبَاقِينَ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ لِلرِّبِّيِّينَ لَا غَيْرَ، وَقَوْلُهُ: رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الرِّبِّيُّونَ الْأُلُوفُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الرِّبِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ: عَشْرَةُ آلَافٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الرِّبِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ: أَلْفٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ وَقِيلَ: هُمُ الْأَتْبَاعُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ الْوُلَاةُ وَالرِّبِّيُّونَ الرَّعِيَّةُ، وَقِيلَ: مَنْسُوبٌ إلى الرب
- وأخرجه مسلم ١٩٠٧ والنسائي ١/ ٥٨ من طريق ابن المبارك به.
- وأخرجه البخاري ٥٤ و٥٠٧٠ ومسلم ١٩٠٧ والنسائي ١/ ٥٨ و٦/ ١٥٨ والبيهقي ٤/ ٢٣٥ و٦/ ٣٣١ والبغوي في «شرح السنة» (١) من طريق مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ به.
- وأخرجه البخاري (١) و٢٥٢٩ ومسلم ١٩٠٧ وأبو داود ٢٢٠١ والحميدي ٢٨ وأحمد ١/ ٢٥ وابن الجارود في «المنتقى» (٦٤) والبيهقي في «السنن» (١/ ٤١ و٧/ ٣٤١) من طريق سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري به.
- وأخرجه البخاري ٣٨٩٨ و٦٩٥٣ ومسلم ١٩٠٧ وابن ماجه ٤٢٢٧ وأحمد ١/ ٤٣ والدارقطني ١/ ٥٠ والخطيب في «تاريخ بغداد» (٤/ ٢٤٤) والبيهقي ١/ ٤١ وفي «معرفة السنن» ص (١٩٠) من طرق عن يحيى بن سعيد به.
(١) في الأصل «الجرجاني» والتصويب من «الأنساب» (٢/ ٤٢) و «شرح السنة».
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط.
(٣) في الأصل «حسان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٤) في المطبوع «قال». [.....]
(٥) في المطبوع «كاعن».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع وط «حمد».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤٧ الى ١٤٩]
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ قَوْلَهُمْ، نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ، وَالِاسْمُ فِي أَنْ قَالُوا، وَمَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ عِنْدَ قَتْلِ نَبِيِّهِمْ، إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أَيِ: الصَّغَائِرَ، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا، أَيِ:
الْكَبَائِرَ، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، كَيْ لَا تَزُولَ، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ، يَقُولُ فَهَلَّا فَعَلْتُمْ وَقُلْتُمْ مِثْلَ ذَلِكَ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا، النُّصْرَةَ [١] والغنيمة، وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ، أي: الْأَجْرَ وَالْجَنَّةَ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ: ارْجِعُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ وَادْخُلُوا فِي دِينِهِمْ، يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، يُرْجِعُوكُمْ إلى أول أمركم [من] [٢] الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ، مَغْبُونِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٠ الى ١٥٢]
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)
ثُمَّ قَالَ: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ، ناصركم وحافظكم على دينكم [الإسلام] [٣]، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ.
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكِينَ لَمَّا ارْتَحَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ مَكَّةَ انْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بَعْضَ الطَّرِيقِ، نَدِمُوا وَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْنَا قَتَلْنَاهُمْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ تَرَكْنَاهُمُ، ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، حَتَّى رَجَعُوا عَمَّا همّوا به [فذلك قوله تعالى] [٤] سَنُلْقِي أَيْ: سَنَقْذِفُ فِي قُلُوبِ الذين كفروا الرعب،
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) زيد في المطبوع.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إلى المدينة من أحد [و] قد أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: مِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا؟ وَقَدْ وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ، وَذَلِكَ أن [النصر و] [١] الظفر كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الِابْتِدَاءِ، إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ.
ع «٤٦٥» وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ أُحُدًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْمَدِينَةَ وَجَعَلَ عَيْنَيْنَ [٢] وَهُوَ جَبَلٌ عَنْ يَسَارِهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الرُّمَاةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمُ: «احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقَتَّلُ فَلَا تَنْصُرُونَا». وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَأَخَذُوا فِي الْقِتَالِ فَجَعَلَ الرُّمَاةُ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَضْرِبُونَهُمْ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى وَلَّوْا هَارِبِينَ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ أَيْ: تَقْتُلُونَهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا بِقَضَاءِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو عبيدة:
الحسّ: الِاسْتِئْصَالُ بِالْقَتْلِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ أَيْ: إِنْ جَبُنْتُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلَمَّا فَشِلْتُمْ، وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ، الواو زَائِدَةٌ فِي وَتَنازَعْتُمْ يَعْنِي: [حَتَّى] [٣] إِذَا فَشِلْتُمْ تَنَازَعْتُمْ، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: حَتَّى إِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ فَشِلْتُمْ.
وَمَعْنَى التَّنَازُعِ الِاخْتِلَافُ، وَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ أَنَّ الرُّمَاةَ اخْتَلَفُوا حِينَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ:
انْهَزَمَ الْقَوْمُ فَمَا مُقَامُنَا؟ وَأَقْبَلُوا عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُجَاوِزُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَبَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ دُونَ الْعَشْرَةِ، فَلَمَّا رَأَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ذَلِكَ حَمَلُوا عَلَى الرُّمَاةِ فَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحَالَتِ [٤] الرِّيحُ فَصَارَتْ دَبُوَرًا بَعْدَ مَا كَانَتْ صبا، وانتفضت [٥] صُفُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَطُوا فَجَعَلُوا يَقْتُلُونَ عَلَى غَيْرِ شِعَارٍ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا يَشْعُرُونَ مِنَ الدَّهَشِ، ونادى إبليس [لعنه الله] [٦] إن محمدا قد قتل، فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَصَيْتُمْ يَعْنِي: الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالَفْتُمُ أَمْرَهُ، مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ اللَّهُ مَا تُحِبُّونَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا، يَعْنِي: الَّذِينَ تَرَكُوا الْمَرْكَزَ وَأَقْبَلُوا عَلَى النَّهْبِ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، يَعْنِي: الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى قُتِلُوا، قَالَ عبد الله بن مسعود: وما شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ، أَيْ: رَدَّكُمْ عَنْهُمْ بِالْهَزِيمَةِ، لِيَبْتَلِيَكُمْ، لِيَمْتَحِنَكُمْ، وَقِيلَ: لُيُنْزِلَ عليكم البلاء وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ، فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة [منكم لأمر
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «عين».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع وحده «جاءت».
(٥) في المطبوع «وانقضت».
(٦) زيادة عن المخطوط. [.....]
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٣]
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣)
إِذْ تُصْعِدُونَ يَعْنِي: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ إِذْ تُصْعِدُونَ هَارِبِينَ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ «تَصْعَدُونَ» بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَالْإِصْعَادُ: السَّيْرُ فِي مُسْتَوَى الْأَرْضِ، وَالصُّعُودُ: الِارْتِفَاعُ عَلَى الْجِبَالِ وَالسُّطُوحِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُقَالُ أَصْعَدْتَ إِذَا مَضَيْتَ حِيَالَ وَجْهِكَ، وَصَعِدْتَ إِذَا ارْتَقَيْتَ فِي جَبَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْعَدَ إِذَا أَبْعَدَ فِي الذَّهَابِ، وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ صَوَابٌ فَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ مُصْعِدٌ وَصَاعِدٌ، وَقَالَ المفضل: صعد وأصعد بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ أَيْ: لَا تَعْرُجُونَ وَلَا تقيمون على أحد، لا يَلْتَفِتُ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ أَيْ: فِي آخِرِكُمْ وَمِنْ وَرَائِكُمْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ فَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَنْ يَكِرُّ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَأَثابَكُمْ، فَجَازَاكُمْ، جَعَلَ الْإِثَابَةَ بِمَعْنَى الْعِقَابِ، وَأَصْلُهَا فِي الْحَسَنَاتِ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا مَوْضِعَ الثَّوَابِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١] جَعَلَ الْبِشَارَةَ فِي الْعَذَابِ، وَمَعْنَاهُ: جَعَلَ مَكَانَ الثَّوَابِ الَّذِي كُنْتُمْ تَرْجُونَ غَمًّا بِغَمٍّ، وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ: غَمًّا عَلَى غَمٍّ، وَقِيلَ: غَمَّا مُتَّصِلًا بِغَمٍّ، فَالْغَمُّ الْأَوَّلُ: مَا فَاتَهُمْ مِنَ الظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالْغَمُّ الثَّانِي: مَا نَالَهُمْ [٢] مِنَ الْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ، وَقِيلَ: الْغَمُّ الْأَوَّلُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، وَالْغَمُّ الثَّانِي: [مَا سَمِعُوا] [٣] أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ فَأَنْسَاهُمُ الْغَمَّ الْأَوَّلَ، وَقِيلَ: الْغَمُّ الْأَوَّلُ: إِشْرَافُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْغَمُّ الثَّانِي: حِينَ أشرف عليهم أبو سفيان.
ع «٤٦٦» وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو النَّاسَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَضَعَ رَجُلٌ سَهْمًا فِي قَوْسِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَهُ، فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ»، فَفَرِحُوا حِينَ وَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [٤] وَفَرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى [أَنَّ فِي أصحابه] [٥] من يمتنع به، فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْحَ وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ، وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابَهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى وَقَفُوا بِبَابِ الشِّعْبِ، فَلَمَّا نَظَرَ المسلمون إليهم هّمهم ذَلِكَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ يَمِيلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ فَأَنْسَاهُمْ هَذَا مَا نَالَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا اللَّهُمَّ إِنْ تَقْتُلْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ»، ثُمَّ نَدَبَ أَصْحَابَهُ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ غَمُّوا الرَّسُولَ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، فَجَازَاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْغَمَّ غَمَّ الْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى:
لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ، مِنَ الْفَتْحِ وَالْغَنِيمَةِ، وَلا مَا أَصابَكُمْ أَيْ: وَلَا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
(١) زيد في المطبوع وحده.
(٢) في المطبوع «نالوا».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) زيد في المطبوع وط.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٤]
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً يعني: أمنا، والأمن الأمنة بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: الْأَمْنُ يَكُونُ مَعَ زَوَالِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وَالْأَمَنَةُ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وَكَانَ سبب الخوف هاهنا قَائِمًا، نُعاساً، بَدَلٌ مِنَ الْأَمَنَةِ يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «تَغْشَى» بِالتَّاءِ رَدًّا إِلَى [١] الْأَمَنَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدًّا إلى النُّعَاسِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَمَّنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ بِنُعَاسٍ يَغْشَاهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْعَسُ مَنْ يَأْمَنُ، وَالْخَائِفُ لَا يَنَامُ.
«٤٦٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [٢] أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَا حُسَيْنُ [٣] بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ أَخْبَرَنَا أَنَسٌ. أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ:
غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي فآخذه [ويسقط فآخذه] [٤].
ع «٤٦٨» وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا وَهُوَ يَمِيلُ تَحْتَ جُحْفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ.
ع «٤٦٩» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ [قال] [٥] لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشتدّ علينا الخوف [٦]، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا النَّوْمَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَالنُّعَاسُ يَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهُ
وهو في «شرح السنة» (٣٦٧٩) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٥٦٢) عن إسحاق بن إبراهيم بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد ٤/ ٢٩ وابن حبان ٧١٨٠ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٧٣- ٢٧٤) من طريق شيبان عن قتادة به.
- وأخرجه البخاري ٤٠٦٨ والترمذي ٣٠٠٨ والطبراني ٤٧٠٠ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٧٢) عن قتادة به.
٤٦٨- ع صحيح. أخرجه الترمذي ٣٠٠٧ والنسائي في «الكبرى» (١١١٩٨) وابن سعد ٣/ ٥٠٥ وابن أبي شيبة ١٤/ ٤٠٦- ٤٠٧ والطبري ٨٠٧٥ والحاكم ٢/ ٢٩٧ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٧٢) وأبو نعيم في «الدلائل» (٤٢١) من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابت به. وإسناده على شرط مسلم.
٤٦٩- ع أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٧٣) عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبيه، عن جده، عن الزبير به.
وفي الإسناد أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، وهو ضعيف، ومن فوقه ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، فانحصرت العلة في أحمد هذا.
(١) في المخطوط «على».
(٢) زيد في الأصل «أخبرنا إسماعيل» بين «محمد بن إسماعيل» و «إسحاق بن إبراهيم» والتصويب من «صحيح البخاري» و «شرح السنة».
(٣) في الأصل «حسن» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٦) في المطبوع وط «الحرب».
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَعْنِي: المنافقين: قيل: أراد تَمْيِيزَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَوْقَعَ النُّعَاسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَمِنُوا، وَلَمْ يُوقِعْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَبَقُوا في الخوف قد أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، أَيْ: حَمَلَتْهُمْ عَلَى الْهَمِّ يُقَالُ: أَمْرٌ مُهِمٌّ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ أَيْ: لَا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا، وَقِيلَ: ظَنُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ أَيْ: كَظَنِّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالشِّرْكِ، يَقُولُونَ هَلْ لَنا، مَا لَنَا لَفْظُهُ استفهام ومعناه: الجحد، مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يَعْنِي: النَّصْرَ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي لِلَّهِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ، وَقِيلَ: عَلَى النَّعْتِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ كَانَ لَنَا عُقُولٌ لَمْ نَخْرُجْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يُقْتَلْ رُؤَسَاؤُنَا، وَقِيلَ: لَوْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ، يَعْنِي: التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ، قُضِيَ، عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، مَصَارِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ، وَلِيَمْتَحِنَ اللَّهُ، مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ، يُخْرِجَ وَيُظْهِرَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٥ الى ١٥٦]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦)
. إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا انْهَزَمُوا، مِنْكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، جَمْعُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمْعُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ قَدِ انْهَزَمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعْلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ أَيْ: طَلَبَ زَلَّتَهُمْ، كَمَا يُقَالُ: اسْتَعْجَلْتُ فُلَانًا إِذَا طَلَبْتُ عجلته، وقيل: حملهم الزَّلَةِ وَهِيَ الْخَطِيئَةُ، وَقِيلَ: أَزَلَّ وَاسْتَزَلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا، أَيْ: بِشُؤْمِ ذُنُوبِهِمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: بِتَرْكِهِمُ الْمَرْكَزَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَسَبُوا هُوَ قَبُولُهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ مَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ، وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ، فِي النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ، وَقِيلَ: فِي النَّسَبِ، إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَيْ: سَافَرُوا فِيهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ كانُوا غُزًّى أَيْ: غُزَاةً جَمْعُ غَازٍ فَقُتِلُوا، لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ يعني: قولهم وظنهم، حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «يَعْمَلُونَ» بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٧ الى ١٥٩]
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)، فِي الْعَاقِبَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي: فبرحمة من الله، وما صلة، كقوله فَبِما نَقْضِهِمْ [المائدة: ١٣]، لِنْتَ لَهُمْ أَيْ: سَهُلَتْ لَهُمْ أَخْلَاقُكَ، وَكَثْرَةُ احْتِمَالِكَ، وَلَمْ تُسْرِعْ إليهم بالغضب فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا يَعْنِي: جَافِيًا سَيِّئَ الْخُلُقِ قَلِيلَ الِاحْتِمَالِ، غَلِيظَ الْقَلْبِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَظًّا فِي الْقَوْلِ غَلِيظَ الْقَلْبِ فِي الْفِعْلِ، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، أَيْ: لَنَفَرُوا وَتَفَرَّقُوا عَنْكَ، يُقَالُ:
فَضَضْتُهُمُ فَانْفَضُّوا، أَيْ: فَرَّقْتُهُمْ فَتَفَرَّقُوا فَاعْفُ عَنْهُمْ، تَجَاوَزْ عَنْهُمْ مَا أَتَوْا يَوْمَ أُحُدٍ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ حَتَّى أُشَفِّعَكَ فِيهِمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أَيِ: اسْتَخْرِجْ آرَاءَهُمْ وَاعْلَمْ مَا عِنْدَهُمْ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ:
شُرْتُ الدَّابَّةَ، وَشَوَّرْتُهَا، إِذَا اسْتَخْرَجْتُ جَرْيَهَا [١]، وَشُرْتُ الْعَسَلَ وَأَشَرْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَاسْتَخْرَجْتُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الذي لأجله أمر اللَّهُ [تَعَالَى] [٢] نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُشَاوَرَةِ مَعَ كَمَالِ عَقْلِهِ وَجَزَالَةِ رَأْيِهِ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ، وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ فيما أحبّوا أو كرهوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خَاصٌّ فِي الْمَعْنَى، أَيْ: وَشَاوِرْهُمْ فِيمَا لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عهد، وقال الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي نَاظِرْهُمْ فِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَمَكَايِدِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْغَزْوِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْطَفُ [لَهُمْ عَلَيْهِ] [٣] وَأَذْهَبُ لِأَضْغَانِهِمْ، فَإِنَّ سَادَاتِ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا لَمْ يُشَاوَرُوا فِي الْأَمْرِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مَا بِهِ إِلَى مُشَاوَرَتِهِمْ حَاجَةٌ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ.
«٤٧٠» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بْنِ عَلِيٍّ] [٤] الصَّالِحَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ [بْنِ حَيَّانَ] [٥] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ المقانعي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ [مُحَمَّدِ بْنِ] [٦] مَاهَانَ أَخْبَرَنِي أَبِي أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ [٧] بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله
- وهو في «شرح السنة» (٣٥٠٥) و «الأنوار في شمائل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (٢٠٧) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (٢٥٩).
- وله شاهد أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٩٧٢٠) وابن حبان ٤٨٧٢ عن معمر، عن الزهري قال: وكان أبو هريرة يقول.... فذكره في أثناء حديث المسور ومروان بن الحكم في صلح الحديبية.
وهو منقطع بين الزهري وأبي هريرة، لكن معناه صحيح، فقد استشار النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مناسبات عديدة يوم بدر وأحد والخندق وفي الأسرى وغير ذلك، فوهن الحديث لا يعني نفي ذلك والله أعلم.
(١) كذا في المطبوع وط. وفي المخطوط «خبرها».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) زيادة عن المخطوط وط و «شرح السنة».
(٦) زيادة عن «شرح السنة».
(٧) في الأصل «طاهر» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنوار».
مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَكْثَرَ اسْتِشَارَةً لِلرِّجَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى مُشَاوَرَتِهِمْ، أَيْ: قُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَثِقْ بِهِ وَاسْتَعِنْهُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦٠ الى ١٦١]
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦١)
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ، يعينكم اللَّهُ وَيَمْنَعْكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَلا غالِبَ لَكُمْ، مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ يَتْرُكْكُمْ فَلَمْ يَنْصُرْكُمْ كَمَا كَانَ بِأُحُدٍ، وَالْخِذْلَانُ: الْقُعُودُ عَنِ النُّصْرَةِ، وَالْإِسْلَامُ لِلْهَلَكَةِ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ خِذْلَانِهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، قِيلَ: التَّوَكُّلُ أَنْ لَا تَعْصِيَ اللَّهَ مِنْ أَجْلِ رِزْقِكَ، وَقِيلَ: أَنْ لَا تَطْلُبَ لِنَفْسِكَ نَاصِرًا غَيْرَ اللَّهِ وَلَا لِرِزْقِكَ خَازِنًا غَيْرَهُ وَلَا لِعَمَلِكَ شَاهِدًا غَيْرَهُ.
«٤٧١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحسين بن شجاع البزاز [١] بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ [٢] الْهَيْثَمُ الْأَنْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟
قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ [٣] وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ ادع الله لي أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ» ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أن
(٢) في الأصل «محمد الهيثم» والتصويب من كتب التراجم و «شرح السنة».
(٣) تصحف في المطبوع «يكثرون».
٤٧١- حديث صحيح. إسناده ضعيف، قال بهز بن حكيم وعلي المديني وأبو حاتم الرازي، وروي عن أحمد ويحيى وغيرهم: لم يسمع الحسن من عمران بن حصين. راجع «المراسيل» (ص ٤٠) لكن تابعه ابن سيرين كما سيأتي، وللحديث شواهد تبلغ به حد الشهرة.
وهو في «شرح السنة» (٤٠٠٢) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ٤٣٦ وأبو عوانة ١/ ٨٧ والطبراني في «الكبير» (١٨/ (٣٨٠)) من طريق هشام بن حسان به.
- وأخرجه مسلم ٢١٨ من طريق المعتمر عن هشام بن حسان، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عمران به.
- وورد مختصرا عند أحمد ٤/ ٤٤٣ وأبو عوانة ١/ ٨٨ والطبراني ١٨/ (٤٢٥) - (٤٢٧) و (٤٩٤) من طرق عن عمران بن حصين به.
- وأخرجه الطبراني ١٨/ (٦٠٥) وابن مندة في «الإيمان» (٩٧٩) مطوّلا من طريق عبيد الله بن عمرو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عمران بن الحصين به.
- وأخرجه ابن حبان ٦٠٨٩ من وجه آخر عن عمران مطوّلا.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٥٨١١ و٦٥٤٢ ومسلم ٢١٦ وأحمد ٢/ ٤٠٠- ٤٠١ وابن مندة ٩٧٠ و٩٧١ والبيهقي ١٠/ ١٣٩ والبغوي في «شرح السنة» (٤٢١٨) من طريق الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عنه.
- ومن حديث ابن عباس أخرجه البخاري ٥٧٠٥ ومسلم ٢٢٠ والترمذي ٢٤٤٦ وأحمد ١/ ٢٧١.
الخلاصة: هو حديث مشهور.
«٤٧٢» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي توبة قال أخبر مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [١] الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ [٢] بْنِ شُرَيْحٍ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بطانا».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ الآية.
ع «٤٧٣» رَوَى [٣] عِكْرِمَةُ وَمِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.
ع «٤٧٤» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي غَنَائِمِ أُحُدٍ حِينَ تَرَكَ الرُّمَاةُ الْمَرْكَزَ لِلْغَنِيمَةِ، وَقَالُوا: نَخْشَى أَنْ
(٢) في الأصل «حياة» والتصويب من كتب التخريج.
(٣) في المطبوع «قال».
٤٧٢- إسناده صحيح، ابن المبارك ثقة روى له الشيخان، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه ثقات رجال مسلم، أبو تميم الجيشاني هو عبد الله بن مالك.
هو في «شرح السنة» (٤٠٠٣) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» (٥٥٩) عن حيوة بن شريح بهذا الإسناد.
ومن طريق ابن المبارك أخرجه الترمذي ٢٣٤٤ وأبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ٦٩) والقضاعي في «الشهاب» (١٤٤٤) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
- وأخرجه أحمد ١/ ٣٠ والحاكم ٤/ ٣١٨ وأبو يعلى ٢٤٧ وأبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ٦٩) من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن حيوة به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
- وأخرجه ابن ماجه ٤١٦٤ وأحمد ١/ ٥٢ من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة، عن بكر بن عمرو بهذا الإسناد. وابن وهب روى عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.
- وفي الباب عن ابن عمر أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢/ ٢٩٧) وإسناده ضعيف.
٤٧٣- ع غير قوي. أخرجه أبو داود ٣٩٧١ والترمذي ٣٠٠٩ وأبو يعلى ٢٤٣٨ والطبري ٨١٣٨ والواحدي ٢٥٥ من طريق خصيف عن عكرمة، عن ابن عباس به. وفي إسناده ضعف من أجل خصيف بن عبد الرحمن الجزري، فإنه صدوق لكنه سيئ الحفظ، وقد رواه بعضهم مرسلا.
- وأخرجه الطبري ٨١٣٧ عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس به.
- قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيف، عن مقسم، ولم يذكر فيه. عن ابن عباس اهـ، وورد من وجه آخر عن ابن عباس أخرجه الطبراني ١١/ ١٠١ والواحدي في «أسباب النزول» (٢٥٦)، وإسناده ضعيف لضعف محمد بن أحمد النرسي شيخ الطبراني، ومع ذلك صححه الألباني في «صحيح أبي داود» ٣٣٦٠، وفيه نظر.
٤٧٤- ع ضعيف جدا. عزاه المصنف للكلبي ومقاتل، وإسناده إليهما أول الكتاب وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٥٨ م) عن الكلبي ومقاتل بدون إسناد.
«أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ أَنْ لَا تَتْرُكُوا الْمَرْكَزَ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمْرِي» ؟ قَالُوا: تَرَكْنَا بَقِيَّةَ إِخْوَانِنَا وُقُوفًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنَّا نغلّ ولا نقسم»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ غَلَّتْ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْأَقْوِيَاءَ أَلَحُّوا عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ فَيُعْطِي قَوْمًا وَيَمْنَعُ آخَرِينَ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [بْنِ يَسَارٍ] [٢] : هَذَا فِي الْوَحْيِ، يَقُولُ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً أَوْ مُدَاهَنَةً، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ يَغُلَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ، مَعْنَاهُ: أَنْ يَخُونَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأُمَّةَ، وَقِيلَ: اللَّامُ فِيهِ مَنْقُولَةٌ، مَعْنَاهُ: مَا كَانَ النَّبِيُّ لِيَغُلَّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا كَانَ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ وَلَا يَلِيقُ [٣] بِهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ، وَلَهُ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغُلُولِ أَيْضًا، أَيْ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَانَ، يَعْنِي: أَنْ تَخُونَهُ أُمَّتُهُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِغْلَالِ، مَعْنَاهُ: مَا كان لنبي أن يخون، أو [٤] يُنْسَبَ إِلَى الْخِيَانَةِ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَمْثُلُ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: انْزِلْ فَخُذْهُ فَيَنْزِلُ فَيَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَإِذَا بَلَغَ مَوْضِعَهُ وقع إلى النَّارِ، ثُمَّ يُكَلَّفُ أَنْ يَنْزِلَ إليه، فيخرجه فيفعل ذَلِكَ بِهِ.
«٤٧٥» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ. عَنْ أَبِي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [أَنَّهُ] [٥] قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، قَالَ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يحطّ رحلا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ [٦]
وهو معضل، مقاتل إن كان ابن سليمان فهو متروك متهم، وإن كان ابن حيان فهو لين الحديث أيضا، وأما الكلبي فمتروك متهم ولم أر من أسنده، ولا روي عن غيرهما فالخبر واه.
٤٧٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الغيث اسمه سالم، وهو مدني.
وهو في «شرح السنة» (٢٧٢٢) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٤٥٩) ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٤٢٣٤ و٦٧٠٧ ومسلم ١١٥ وأبو داود ٢٧١١ والنسائي ٧/ ٢٤ وابن حبان ٤٨٥١ والبيهقي ٩/ ١٠٠.
- وورد من وجه آخر عن محمد بن إسحاق حدثنا يزيد بن خصيفة، عن سالم به. أخرجه الحاكم ٣/ ٤٠ وابن أبي شيبة في «المصنف» (١٢/ ٤٩٥) وابن حبان ٤٨٥٢.
(١) في المطبوع «يقسمها» وفي المخطوط «تقسم» والمثبت عن- ط و «أسباب النزول».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «يأتي».
(٤) في المطبوع «أي».
(٥) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٦) قال المصنف في «شرح السنة» : يعني لا يدري من رماه، وهو الجائر عن قصده ومنه عار الفرس: إذا ذهب على وجهه كأنه منفلت.
«٤٧٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو [٢] إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بن حبّان عَنْ أَبِي عَمْرَةِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ [أَنَّهُ] [٣] قَالَ:
تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [٤] قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خرز اليهود ما تساوي در همين.
«٤٧٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو العباس
وهو في «شرح السنة» (٢٧٢٣) بهذا الإسناد.
- والحديث أخرجه أبو داود ٢٧١٠ والنسائي ٤/ ٦٤ وعبد الرزاق ٩٥٠١ و٩٥٠٢ وابن أبي شيبة ١٢/ ٤٩١- ٤٩٢ والحميدي ٨١٥ وأحمد ٥/ ١٩٢ وابن حبان ٤٨٥٣ والطبراني في «الكبير» (٥١٧٤ و٥١٧٥ و٥١٧٦ و٥١٨٠ و٥١٨١) والحاكم ٢/ ١٢٧ والبيهقي ٩/ ١٠١ وفي «الدلائل» (٤/ ٢٥٥) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري به.
- وأخرجه مالك ٢/ ٤٥٨ عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى أن زيد بن خالد... وهذا مرسل.
قال الزرقاني في «شرح الموطأ» (٣/ ٣٠) : قال ابن عبد البر: كذا ليحيى، وهو غلط سقط عنه شيخ محمد، وهو في رواية غيره غيره. إلا أنهم اختلفوا فقال القعنبي وابن القاسم، وأبو مصعب ومعن بن عيسى، سعيد بن عفير: عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة.
وقال ابن وهب، ومصعب الزبيري: عن ابن أبي عمرة، واسمه عبد الرحمن الأنصاري البخاري، يقال: ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة اهـ.
- وأخرجه ابن ماجه ٢٨٤٨ وأحمد ٤/ ١١٤ والطبراني ٥١٧٧ و٥١٧٨ و٥١٧٩ من طرق عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى حبان، عن ابن أبي عمرة بن زيد بن خالد الجهني به.
وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» (٣٦٨) بتخريجي، والله أعلم بالصواب. [.....]
٤٧٧- إسناده صحيح، الشافعي ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، سفيان هو ابن عيينة، الزهري هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» (١٥٦٢) بهذا الإسناد.
١ زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٢) سقط «أبو» من المطبوع.
٣ زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» و «الموطأ» وسقط من- ط.
اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أَهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أَهْدِيَ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ أيهدى إليه أم لا، والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شاة تيعر» [١]، ثم رفع يده حَتَّى رَأَيْنَا عَفْرَةَ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قال: «اللهمّ هل بلغت [اللهم هل بلغت] [٢] ».
ع «٤٧٨» وَرَوَى قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا [بِغَيْرِ إِذْنِي] [٣] فَإِنَّهُ غُلُولٌ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يوم القيامة».
ع «٤٧٩» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فاحرقوا متاعه واضربوه».
ع «٤٨٠» وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بكر وعمر
وأخرجه البخاري ٩٢٥ و٢٥٩٧ و٦٦٣٦ و٧١٧٤ ومسلم ١٨٣٢ وأبو داود ٢٩٤٦ والحميدي ٨٤٠ وأحمد ٥/ ٤٢٣- ٤٢٤ من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري ٦٩٧٩ و٧١٩٧ ومسلم ١٨٣٢ ح ٢٧ و٢٨ والحميدي ٨٤٠ والشافعي ١/ ٢٤٧ من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عروة به.
٤٧٨- ع ضعيف. أخرجه الترمذي ١٣٣٥ من حديث قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ معاذ بن جبل قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم...
قال الترمذي: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا من هذا الوجه من حديث أبي أسامة عن داود الأودي اهـ. قلت: مداره على داود بن يزيد الأودي، وداود ضعيف الحديث، وقد تفرد به بهذا السياق، وحديث معاذ وبعثه إلى اليمن في الصحيحين وليس فيه هذا السياق، لكن ورد النهي عن الغلول في أحاديث كثيرة تقدم بعضها.
٤٧٩- ع ضعيف. أخرجه أبو داود ٢٧١٣ والترمذي ١٤٦١ وأحمد ١/ ٢٢ وابن عدي ٤/ ٥٨- ٥٩ من حديث عمر، ومداره على صالح بن محمد بن زائدة، وهو واه.
وضعّف الترمذي هذا الحديث بقوله: غريب، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد الليثي، وهو منكر الحديث قال البخاري: وقد روى في غير حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الغال فلم يأمر فيه بحرق متاعه اهـ.
- وكرره أبو داود ٢٧١٤ عن صالح بن محمد قال: غزونا مع الوليد بن هشام، ومعنا سالم وعمر بن عبد العزيز فغلّ رجل متاعا، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به، ولم يعطه سهمه.
قال أبو داود: هذا أصح الحديثين اهـ. فالخبر ضعيف، وانظر «أحكام القرآن» (٣٧٠) بتخريجي يعني أنه غير مرفوع، وصوّب الدارقطني فيه الوقف على سالم، وله شاهد مرفوع هو الآتي.
٤٨٠- ع منكر. أخرجه أبو داود ٢٧١٥ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفيه زهير بن محمد روى عنه أهل الشام مناكير كثيرة كما قال البخاري وأحمد، راجع «الميزان».
وذكر الترمذي: أنه مذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق. لكن الجمهور على خلافه، ومنهم البخاري وعلي المديني،
(١) في الأصل «شاة لها تيعر» والتصويب عن بعض النسخ وعن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٢) ما بين المعقوفتين في المطبوع «ثلاثا» وسقطا جميعا من- ط.
(٣) العبارة في المطبوع «إلا بإذني» والمثبت عن المخطوط وط و «سنن الترمذي».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦٢ الى ١٦٥]
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥)
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ، فترك الْغُلُولَ، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، فغل [١] وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ يعني: ذو دَرَجَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ وَمَنْ باء بسخط من الله مختلفوا الْمَنَازِلِ عِنْدَ اللَّهِ، فَلِمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ الثَّوَابُ الْعَظِيمُ، وَلِمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَرَبَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ العرب إلا وله فيهم من نسب إلا بني تغلب، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: ٢] وقال آخرون [٢] : أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْ:
بالإيمان والشفقة لا بالنسب، دليله قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: ١٢٨]، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا، وَقَدْ كَانُوا، مِنْ قَبْلُ أي: من قبل مبعثه [٣] لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أَوَلَمَّا [أَيْ: حِينَ] [٤] أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ، بِأُحُدٍ، قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها، ببدر، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا مِنَ المسلمين سبعين يوم أحد وَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا، مِنْ أَيْنَ لَنَا هَذَا الْقَتْلُ وَالْهَزِيمَةُ وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.
ع «٤٨١» رَوَى عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمُكَ فِي أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ مِنَ الْأَسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَنْ يُقَدَّمُوا فَتُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا، لَا بَلْ تأخذ منهم فداءهم، فنقوى به عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ عَدَدُ أَسَارَى أَهِلِ بَدْرٍ.
٤٨١- ع ضعيف. أخرجه الترمذي ١٥٦٧ والنسائي في «الكبرى» (٨٦٦٢) من حديث علي، وهو حديث ضعيف، ويأتي في سورة الأنفال باستيفاء. [.....]
(١) في المطبوع وط «فعل».
(٢) في المطبوع «الآخرون».
(٣) في المطبوع «بعثه».
(٤) سقط من المخطوط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦٦ الى ١٦٩]
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، بِأُحُدٍ من القتل والجراح [١] والهزيمة، فَبِإِذْنِ اللَّهِ، أي:
بقضاء الله وَقَدَرِهِ، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: لِيُمَيِّزَ، وَقِيلَ: لِيَرَى.
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: لِأَجْلِ دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، أَوِ ادْفَعُوا، عَنْ أَهْلِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ [٢]، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: كثّروا سواد المسلمين واربطوا إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا يَكُونُ ذَلِكَ دَفْعًا وَقَمْعًا لِلْعَدُوِّ، قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ [٣] وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ [أَيْ: إِلَى الْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ] [٤] مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ أَيْ: إِلَى الْإِيمَانِ، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ، يَعْنِي: كَلِمَةَ الْإِيمَانِ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.
الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ، فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ وَهُمْ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَقَعَدُوا يَعْنِي: [و] [٥] قَعَدَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ عَنِ الْجِهَادِ لَوْ أَطاعُونا، وَانْصَرَفُوا عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ مَا قُتِلُوا قُلْ، لهم يا محمد، فَادْرَؤُا، فَادْفَعُوا، عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [أن الحذر يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ] [٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً الْآيَةَ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَالَ آخرون [٧] : نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا أَرْبَعَةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعُثْمَانُ بْنُ شَمَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ.
«٤٨٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بن أحمد الطوسي
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٢٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٨٨٧ والطيالسي ١١٤٣ والبيهقي ٩/ ١٦٣ والطبري ٨٢٠٨ و٨٢١٨ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ به. ومثله لا يقال بالرأي، فهو مرفوع إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(١) فِي المطبوع وط «الجرح».
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «حزبكم».
(٣) تصحف في المطبوع «سلام».
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) العبارة في المخطوط «إن كان الحذر يغني عن القدر» وزيد في- ط عقب الحذر «لا» ففسد المعنى، والمثبت هو الصواب.
(٧) في المطبوع «الآخرون».
سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [١] عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ الْآيَةَ، قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا [٢] عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ كَطَيْرٍ خُضْرٍ» وَيُرْوَى «- فِي جوف طير خضر- تسرح فِي أَيِّهَا شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: سَلُونِي مَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: يَا رَبُّ كَيْفَ نَسْأَلُكَ وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شِئْنَا، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ لَا يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يسألوا شيئا، قالوا: نَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أجسادنا في الدنيا نقتل في سبيلك، قال: فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا هَذَا تُرِكُوا» [٣].
«٤٨٣» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن شاذان أنا جسعويه أَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال لأصحابه: «إنّه لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أنهار الجنة تأكل مِنْ ثِمَارِهَا وَتَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا لهيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم وَرَأَوْا مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، قَالُوا: يَا لَيْتَ قَوْمَنَا يَعْلَمُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ من النّعيم وما يصنع اللَّهُ بِنَا كَيْ يَرْغَبُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَتَّكِلُوا عَنْهُ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا مُخْبِرٌ عَنْكُمْ وَمُبَلِّغٌ إِخْوَانَكُمْ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ وَاسْتَبْشَرُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً إِلَى قَوْلِهِ: لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ».
«٤٨٤» وسمعت عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ القتيبي قال: سمعت
٤٨٣- حديث حسن. تفرد المصنف بهذا الإسناد.
سليمان بن عمرو، لم ينسبه المصنف، وأخشى أن يكون النخعي وهو أبو داود، فإنه وحده من هذه الطبقة وهو متروك كذاب، وقد توبع ومن دونه، والإسناد غريب بكل حال لأن فيه ذكر عطاء، وقد رواه الأئمة عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أبي الزبير، عن سعيد بن جبير.
وأخرجه أبو داود ٢٥٢٠ والحاكم ٢/ ٨٨ وأبو يعلى ٢٣٣١ وأحمد ١/ ٢٦٦ والبيهقي ٩/ ١٦٣ والواحدي في «أسباب النزول» (٢٦١)، عن عبد الله بن إدريس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس به.
وصرّح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد، وحديثه حسن.
- وأخرجه أحمد ١/ ٢٦٥- ٢٦٦ والطبري ٨٢٠٥ عن أبي الزبير، عن ابن عباس وإسناده منقطع أبو الزبير لم يسمع من ابن عباس كما في مراسيل ابن أبي حاتم ص ١٩٣، لكن الحجة في الرواية المتقدمة، ويشهد له حديث ابن مسعود المتقدم، والله أعلم. [.....]
٤٨٤- حديث حسن. إسناده حسن، رجاله ثقات، موسى بن إبراهيم هو ابن كثير، صدوق وشيخه أيضا صدوق، ويحيى بن
(١) تصحف في المطبوع وط «عنهما» ومسعود لم يدرك الإسلام فهو سهو من النساخ.
(٢) وقع في المطبوع «سألنا عن ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم» وهو خطأ والتصويب عن بعض النسخ وعن «شرح السنة» و «صحيح مسلم»، وله حكم الرفع فإن مثله لا يدرى بالرأي.
(٣) حصل اضطراب في ألفاظ هذا الحديث في المطبوع والمخطوط لذا أثبت هذا السياق عن المخطوط وط و «شرح السنة» وأما لفظ المطبوع و «صحيح مسلم» فمختلف عنه، وفيه تقديم وتأخير وحذف وزيادة.
لَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهَ بِهِ أَبَاكَ» ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ أَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، قَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ أَحْيِنِي فَأُقْتَلُ فِيكَ الثَّانِيَةَ، قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مَنِّي أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً».
«٤٨٥» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ [الْفَضْلِ] [٢] الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيَسْفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى».
وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شُهَدَاءِ بِئْرِ مَعُونَةَ.
ع «٤٨٦» وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ المغيرة بن
وأخرجه الترمذي ٣٠١٠ وابن حبان ٧٠٢٢ عن يحيى بن حبيب بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم ٣/ ٢٠٣- ٢٠٤ عن يحيى بن حبيب وعبدة بن عبد الله، عن موسى بهذا الإسناد. وصححه، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه اهـ.
- وأخرجه ابن ماجه ٢٨٠٠ وابن أبي عاصم في «السنة» (٦٠٢) والواحدي في «أسبابه» (٢٦٣) والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٩٨- ٢٩٩) من طرق عن موسى بن إبراهيم به.
- وأخرجه الحميدي ١٢٦٥ وأحمد ٣/ ٣٦١ وأبو يعلى ٢٠٠٢ والطبري ٨٢١٤ من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عقيل، عن جابر مختصرا. وعلقه الترمذي بإثر ٣٠١٠ وابن عقيل فيه لين، لكن يصلح للمتابعة.
- وله شاهد من حديث عائشة أخرجه البزار ٢٧٠٦ والحاكم ٣/ ٢٠٣ والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣/ ٢٩٨) وصححه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله: فيض- بن وثيق- كذاب اهـ. كذا قال رحمه الله! مع أنه ذكره في «الميزان» (٣/ ٣٦٦) بقوله: قال ابن معين: كذاب خبيث. قلت: روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم، وهو مقارب الحال إن شاء الله اهـ. وله علة أخرى: فيه عيسى بن عبد الرحمن الزرقي واه.
(١) في الأصل «عرين» والتصويب من كتب التراجم وعن بعض النسخ.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة عن بعض النسخ.
٤٨٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، حميد هو ابن أبي حميد الطويل. اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال.
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٢٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٧٩٥ ومسلم ١٨٧٧ ح ١٠٨ والترمذي ١٦٤٣ من طرق عن حميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٨١٧ ومسلم ١٨٧٧ وأحمد ٣/ ١٠٣ و١٧٣ و٢٧٦ وابن حبان ٤٦٦٢ من طرق عن شعبة، عن قتادة، عن أنس.
- وأخرجه النسائي ٦/ ٣٦ وأحمد ٣/ ٢٠٧- ٢٠٨ من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس.
٤٨٦- ع أخرج بعضه الطبري ٨٢٢٤ من حديث أنس وانظر «السيرة» لابن هشام (٢/ ١٧٤- ١٧٦) و «الدر المنثور» (٢/ ١٦٩
يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونَةَ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَآمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كَسْرِ [٢] الْبَيْتِ بِرُمْحٍ فَضَرَبَ بِهِ فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ اسْتَصْرَخَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بَنِي عَامِرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَقَالُوا: لَنْ نَخْفِرَ [٣] أَبَا بَرَاءٍ قَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا ثُمَّ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ [٤] وعصية وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ فَأَجَابُوهُ فَخَرَجُوا حَتَّى غَشُوا الْقَوْمَ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا السُّيُوفَ فقاتلوهم حتى قتلوا [عن] [٥] آخِرِهِمْ إِلَّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارْتَثَّ [٦] بَيْنِ الْقَتْلَى، [فَضَّلُوهُ فِيهِمْ] [٧] فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَلَمْ يُنَبِّهْهُمَا بِمُصَابِ أَصْحَابِهِمَا إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ عَلَى الْمُعَسْكَرِ! فَقَالَا: وَاللَّهِ إِنَّ لِهَذَا الطَّيْرِ لَشَأْنًا فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِعَمْرِو بْنِ أمية: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَكِنِّي مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَخَذُوا عمرو بن أمية أَسِيرًا فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ، فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا»، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ فَشَقَّ عَلَيْهِ إِخْفَارُ عَامِرٍ إِيَّاهُ، وَمَا أَصَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ، وَكَانَ فِيمَنْ أصيب
(١) كذا في المطبوع والسيرة، وفي المخطوط «فيدعوهم».
(٢) كسر البيت: جانبه.
(٣) لن نخفر: لن ننقض العهد.
(٤) تصحف في المطبوع «سلمة». [.....]
(٥) العبارة في المطبوع وط «من عند».
(٦) ارتث: رفع من به جراح. وتقول: ارتث الرجل من المعركة إذا أخذ منها ولا تزال فيه بقية حياة.
(٧) ليس في المخطوط.
فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنِ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَمَّا قُتِلَ رَأَيْتُهُ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ مِنْ دُونِهِ؟ قَالُوا: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [١]، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَمَلَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ فَطَعَنَهُ عَلَى فَرَسِهِ فَقَتَلَهُ.
«٤٨٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم على عدوهم فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ: عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ نُسِخَتْ فرفع بعد ما قَرَأْنَاهُ [٢] زَمَانًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً الْآيَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الشُّهَدَاءَ كَانُوا [إِذَا] [٣] أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ تَحَسَّرُوا عَلَى الشُّهَدَاءِ، وَقَالُوا: نَحْنُ فِي النِّعْمَةِ وَآبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فِي الْقُبُورِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْفِيسًا عَنْهُمْ وَإِخْبَارًا عَنْ حَالِ قَتْلَاهُمْ: وَلا تَحْسَبَنَّ [أي] وَلَا تَظُنَّنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «قُتِّلُوا» بِالتَّشْدِيدِ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَمْواتاً [أي] كَأَمْوَاتِ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قِيلَ أَحْيَاءٌ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ:
فِي الذِّكْرِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ وَيَأْكُلُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ كَالْأَحْيَاءِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّهِيدَ لَا يَبْلَى فِي الْقَبْرِ، وَلَا تَأْكُلُهُ الأرض.
ع «٤٨٨» وَقَالَ عُبَيْدُ [٤] بْنُ عُمَيْرٍ: مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ
(٢) كذا في المطبوع وط. وفي المخطوط «قرأناها».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في الأصل «عبيدة» والتصويب عن بعض النسخ وعن «المستدرك» للحاكم.
٤٨٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، سعيد هو ابن أبي عروبة، واسم أبي عروبة مهران، عروبة- بفتح العين، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» (٣٦٨٤) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٠٩٠) عن عبد الأعلى بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٠٦٤ ومسلم ٦٧٧ والنسائي ٢/ ٢٠٣ وأحمد ٣/ ٢١٦ و٢٧٨ وأبو عوانة ٢/ ٢٨١ والطحاوي ١/ ٢٤٤ وابن خزيمة ٦٢٠ وأبو يعلى ٢٩٢١ و٣١٥٩ والبيهقي ٢/ ١٩٩ وفي «الدلائل» (٣/ ٣٤٨) من طرق عن قتادة به.
وقد تقدم خبر دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم في قنوته على رعل وذكوان.
٤٨٨- ع ضعيف جدا. أخرجه الحاكم ٢/ ٢٤٨ من طريق عبيد بن عمير، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين انصرف من أحد مرّ على مصعب... فذكره وصححه على شرطهما وتعقبه الذهبي بقوله: أنا أحسبه موضوعا، وقطن لم يرو له البخاري، وعبد الأعلى لم يخرجا له اهـ. قلت: عبد الأعلى متروك.
وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٣٧١٢) وفي إسناده عبد الأعلى بن أبي فروة، وهو متروك كما قال الهيثمي في «المجمع» (١٠١٢٠). ومدار الإسنادين عليه، فالخبر واه. شبه موضوع كما قال الذهبي
يُرْزَقُونَ، مِنْ ثِمَارِ الجنة وتحفها.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٧٠]
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠)
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، رِزْقِهِ وَثَوَابِهِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ، وَيَفْرَحُونَ، بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَرَكُوهُمْ أَحْيَاءً فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَاهِجِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتُشْهِدُوا وَلَحِقُوا بِهِمْ وَنَالُوا مِنَ الْكَرَامَةِ ما نالوا [هم بذلك يستبشرون] [٢]، أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٧١ الى ١٧٢]
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢)
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ أَيْ: وَبِأَنَّ اللَّهَ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
«٤٨٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أنا زاهر بْنُ أَحْمَدَ [الْخَلَّالُ أَنْبَأَنَا] [٣] أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مَنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أو يرجعه الجنة إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أو غنيمة».
ع «٤٩٠» وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سبيله إلا جاء
٤٨٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «الموطأ» (٢/ ٤٤٣- ٤٤٤) عن أبي الزناد بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٣١٢٣ و٧٤٥٧ و٧٤٦٣ والنسائي ٦/ ١٦ وابن حبان ٤٦١٠.
وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٣١١ و٢٣١٢) عن أبي الزناد به وأخرجه مسلم ١٨٧٦ والبيهقي ٩/ ١٥٧ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحزامي، عن أبي الزناد به.
- وأخرجه البخاري ٢٧٨٧ من طريق الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أبي هريرة.
- وأخرجه النسائي ٨/ ١١٩ من طريق عطاء بن ميناء بن أبي هريرة.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٩٩ و٤٢٤ والبيهقي ٩/ ٣٩ من طريق سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبيه، عن أبي هريرة.
٤٩٠- ع صحيح. أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٤٦١) ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢٨٠٣ والبيهقي ٤/ ١١ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عن أبي هريرة مرفوعا.
(١) زيد في المطبوع «ألا» وليس في المخطوط أو «المستدرك».
(٢) العبارة في المطبوع وط «فهم لذلك مستبشرون». [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
«٤٩١» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ [١] بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد المقري أَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهِيدُ لَا يَجِدُ أَلَمَ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ أَلَمَ الْقَرْصَةِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ الْآيَةَ.
ع «٤٩٢» وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ لَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ أُحُدٍ فَبَلَغُوا الرَّوْحَاءَ نَدِمُوا عَلَى انْصِرَافِهِمْ وَتَلَاوَمُوا وَقَالُوا: لَا مُحَمَّدًا قَتَلْتُمْ وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ، قَتَلْتُمُوهُمْ حَتَّى إِذَا لم يبق إلا الشريد تركتموه؟ ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُرْهِبَ الْعَدُوَّ، وَيُرِيَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ قُوَّةً فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ لِلْخُرُوجِ فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ، فَانْتَدَبَ عِصَابَةً مِنْهُمْ مَعَ ما بهم من الجراح [٢] وَالْقَرْحِ الَّذِي أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا يَخْرُجَنَّ مَعَنَا أَحَدٌ إِلَّا مَنْ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ»، فَكَلَّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ قَدْ خَلَفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَكَ أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ، وَلَسْتُ بِالَّذِي أُوثِرُكَ عَلَى نَفْسِي فِي الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتِكَ، فَتَخَلَّفْتُ عَلَيْهِنَّ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ، وَلِيُبْلِغَهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ في طلبهم فيظنوا أن بهم قُوَّةً وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ فَيَنْصَرِفُوا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَهِيَ من
وأخرجه مسلم ١٨٧٦ والبيهقي ٩/ ١٦٥ من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هريرة.
وأخرجه أحمد ٢/ ٢٣١ عن محمد بن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زرعة، عن أبي هريرة.
- وأخرجه الترمذي ١٦٥٦ من طريق سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبيه، عن أبي هريرة.
٤٩١- حسن غريب. إسناده حسن لأجل محمد بن عجلان، فإنه صدوق في حفظه شيء من الضعف، وباقي الإسناد ثقات، سعيد هو ابن أبي أيوب واسمه مقلاص، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٢٤) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ١٦٦٨ وابن ماجه ٢٨٠٢ وأحمد ٢/ ٢٩٧ والدارمي ٢/ ٢٠٥ وابن حبان ٤٦٥٥ من طرق عن صفوان بن عيسى، عن محمد بن عجلان بهذا الإسناد، واستغربه المصنف في «شرح السنة» وكذا الترمذي فقال:
حسن صحيح غريب اهـ.
وأخرجه النسائي ٦/ ٣٦ وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٢٦٤) من طريقين عن ابن عجلان به. وحسن إسناده الشيخ شعيب في «الإحسان» وذكره الألباني في «الصحيحة» (٩٦٠)، وهو من جهة الإسناد حسن، لكن المتن فيه غرابة، إذ هناك من الشهداء من يجد ألم الجراحة، والله أعلم، فالمتن غريب.
٤٩٢- ع أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٣١٣- ٣١٤) عن ابن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأُسُودِ، عَنْ عروة مرسلا بنحوه، لكن لأصله شواهد تعضده. منها ما أخرجه الطبري ٧٢٣٨ لكن بسند ضعيف لضعف عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وله شاهد من مرسل عكرمة أخرجه الطبري ٨٢٣٣.
(١) في الأصل «الحسن» والتصويب عن نسخة «ط» وعن «شرح السنة».
(٢) في المطبوع «الجرح».
ع «٤٩٣» [و] رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: يَا ابْنَ أُخْتِي أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ وَجَدَّكَ تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَالزُّبَيْرَ لَمِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ، فَمَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْبَدٌ الْخُزَاعِيُّ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحِ [١] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِهَامَةَ، صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ [٢] لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا، وكان معبد يومئذ مشركا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي أَصْحَابِكَ، وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- كان [قد] [٣] أعفاك فيهم [٤]، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وقالوا: قد أصبنا جلة أَصْحَابِهِ وَقَادَتِهِمْ لَنَكِرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَلْنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سفيان معبدا قال له: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: محمد قد خرج مع أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَفِيهِمْ مِنَ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ:
وَيْلَكَ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ ترتحل [٥] حَتَّى تَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ، قَالَ: فو الله لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ، لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، قَالَ: فَإِنِّي وَاللَّهِ أَنْهَاكَ عن ذلك، فو الله لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ أَبْيَاتًا:
كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي | إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ [٦] |
قَالُوا: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا نُرِيدُ الْمِيرَةَ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مبلّغون محمدا عني رِسَالَةً وَأُحَمِّلُ لَكُمْ إِبِلَكُمْ هَذِهِ زَبِيبًا بِعُكَاظَ غَدًا إِذَا وَافَيْتُمُونَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا جِئْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا السَّيْرَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، وَانْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَكَّةَ، وَمَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ بِحَمْرَاءِ الأسد فأخبروه بالذي قاله أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ [٨].
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
ع «٤٩٤» وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ يَوْمَ أحد
وأما عجزه «فَمَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم معبد الخزاعي....» فقد أخرجه الطبري ٨٢٤٣. والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٣١٥- ٣١٦) من طريق ابن إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو بن حزم أن معبدا الخزاعي مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم....
٤٩٤- ع عزاه المصنف لمجاهد وعكرمة، وإسناده إليهما مذكور أول الكتاب، وتقدم الكلام عليه هناك، ولم أره مسندا، وأخرج الطبري ٨٢٣٨ بعضه عن مجاهد وكرره برقم ٨٢٤٩ عن مجاهد، وعن ابن جريج، وأخرجه ٨٢٥٠، عن
(١) أي موضع سرّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
(٢) في المخطوط «معهم».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «منهم» والمثبت عن المخطوط و «الدلائل».
(٥) في المطبوع «ترحل».
(٦) الجرد: الخيل العتاق- الأبابيل: الجماعات. [.....]
(٧) في المطبوع «فرد» وفي المخطوط «فغير» والمثبت عن «السيرة النبوية» و «الدلائل».
(٨) في المخطوط «الثالث».
«ذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَلَّمَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ مَجَنَّةَ مِنْ نَاحِيَةِ مَرِّ الظَّهْرَانِ، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قَلْبِهِ فَبَدَا لَهُ الرُّجُوعُ فَلَقِيَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ وَقَدْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: يَا نعيم إني [قد] [١] وَاعَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَنَّ نَلْتَقِيَ بموسم بدر الصغرى، وإنّ هذا عَامُ جَدْبٍ وَلَا يُصْلِحُنَا إِلَّا عَامٌ نَرْعَى فِيهِ الشَّجَرَ وَنَشْرَبُ فِيهِ اللَّبَنَ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَخْرُجَ إِلَيْهَا، وَأَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُحَمَّدٌ وَلَا أَخْرُجُ أَنَا فَيَزِيدُهُمْ ذَلِكَ جُرْأَةً وَلَأَنْ يَكُونَ الْخُلْفُ مِنْ قِبَلِهِمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِي، فَالْحَقْ بِالْمَدِينَةِ فَثَبِّطْهُمْ وَأَعْلِمْهُمْ أَنِّي فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِنَا، وَلَكَ عِنْدِي عَشْرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَضَعُهَا لَكَ عَلَى يَدَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَيَضْمَنُهَا، قَالَ: فَجَاءَ سُهَيْلٌ فَقَالَ لَهُ نَعِيمٌ: يَا أَبَا يَزِيدَ، أتضمن لي هذه القلائص من أبي سفيان وَأَنْطَلِقُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأُثَبِّطُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجَ نَعِيمٌ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَوَجْدَ النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فقالوا: واعدنا أبا سفيان أَنَّ نَلْتَقِيَ بِمَوْسِمِ بَدْرٍ الصُّغْرَى [أَنْ نَقْتَتِلَ بِهَا] [٢]، فَقَالَ: بِئْسَ [الذي رَأَيْتُمْ] [٣] أَتَوْكُمْ فِي دِيَارِكُمْ وَقَرَارِكُمْ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْكُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ، أفتريدون أَنْ تَخْرُجُوا وَقَدْ جَمَعُوا لَكُمْ عِنْدَ الْمَوْسِمِ، وَاللَّهِ لَا يُفْلِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَكَرِهَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي [٤] بِيَدِهِ لَأَخْرُجَنَّ وَلَوْ وَحْدِي»، فَأَمَّا الْجَبَانُ فَإِنَّهُ رَجَعَ، وَأَمَّا الشُّجَاعُ فَإِنَّهُ تَأَهَّبَ لِلْقِتَالِ، وَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى وَافَوْا بَدْرًا الصُّغْرَى، فَجَعَلُوا يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ فَيَقُولُونَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُرْعِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، حَتَّى بَلَغُوا بَدْرًا وَكَانَتْ مَوْضِعَ سُوقٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا فِي كُلِّ عَامٍ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ وَقَدِ انْصَرَفَ أبو سفيان [وأصحابه] [٥] مِنْ مَجَنَّةَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمْ يَلْقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَوَافَقُوا السُّوقَ وَكَانَتْ مَعَهُمْ تجارات ونفقات فباعوا وأصابوا [الدرهم دِرْهَمَيْنِ] [٦] وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أَيْ أَجَابُوا، وَمَحَلُّ الَّذِينَ خَفْضٌ عَلَى صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ تَقْدِيرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يضيع أجر المؤمنين المستجيبين الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ، أَيْ: [نَالَتْهُمُ الْجِرَاحُ] [٧]، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَتِهِ إِلَى الْغَزْوِ، وَاتَّقَوْا، مَعْصِيَتَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٧٣ الى ١٧٤]
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤)
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «الرأي رأيكم» وفي- ط «الرأي رأيتم».
(٤) في المطبوع «نقس محمد» والمثبت عن المخطوط وط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «الدرهم والدرهمين».
(٧) في المطبوع والمخطوط «نالهم الجرح» والمثبت عن- ط.
«٤٩٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ [٤] بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم حين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
فَانْقَلَبُوا، فَانْصَرَفُوا، بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ بِعَافِيَةٍ لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا وَفَضْلٍ تِجَارَةٍ وَرِبْحٍ وَهُوَ مَا أَصَابُوا فِي السُّوقِ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لم يُصِبْهُمْ أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: هَلْ يَكُونُ هَذَا غَزْوًا؟ فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الْغَزْوِ وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٧٥ الى ١٧٨]
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يعني [٥] : الَّذِي قَالَ لَكُمْ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ أَلْقَى فِي أَفْوَاهِهِمْ لترهبوهم وتجبنوا عَنْهُمْ، يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ، أَيْ يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يَعْنِي: يُخَوِّفُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْكَافِرِينَ، قَالَ السُّدِّيُّ: يُعَظِّمُ أَوْلِيَاءَهُ فِي صُدُورِهِمْ لِيَخَافُوهُمْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ»، فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ، فِي تَرْكِ أَمْرِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، مصدقين بوعدي لأني متكفّل لكم بالنصر وَالظَّفَرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يَحْزُنْكَ، قَرَأَ نَافِعٌ (يُحْزِنُكَ) بِضَمِّ الياء وكسر الزاي، وكذلك في جميع
محمد، وقيل: عبد الله... وهو مشهور بكنيته، أبو حصين هو عثمان بن عاصم بن حصين، أبو الضحى، هو مسلم بن صبيح.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٥٦٣) عن أحمد بن يونس بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٥٦٤ والنسائي في «التفسير» (١٠١) والحاكم ٢/ ٢٩٨ من طرق، عن أبي الضحى به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «الموكل». [.....]
(٤) تصحف في المطبوع «محمد».
(٥) زيد في المطبوع «ذلك».
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا، اسْتَبْدَلُوا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، [بِمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ] [٢] وَإِنَّمَا يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ هَذَا وَالَّذِي بَعْدَهُ بِالتَّاءِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، فمن قرأ بالياء ف الَّذِينَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِ تقديره: [و] لا يَحْسَبَنَّ الْكَفَّارُ إِمْلَاءَنَا لَهُمْ خَيْرًا، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ يَعْنِي: وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَإِنَّمَا نُصِبَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الَّذِينَ، أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالْإِمْلَاءُ الْإِمْهَالُ وَالتَّأْخِيرُ، يُقَالُ: عشت طويلا وَتَمَلَّيْتُ حِينًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مَرْيَمَ:
٤٦] أَيْ: حِينًا طَوِيلًا، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ، نُمْهِلُهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: فِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ.
«٤٩٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَفَّالُ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بن الفضل البرنجردي [٣] أنا أبو أحمد
- وهو في «شرح السنة» (٣٩٩٠) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق الطيالسي، وهو في «مسنده» (٨٦٤) عن شعبة وحماد بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد بهذا الإسناد.
- أخرجه الترمذي ٢٣٣٠ من طريق علي بن زيد بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح!! - وأخرجه أحمد ٥/ ٤٩ (١٩٩٨٧) من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بكرة وحميد ويونس، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ به.
- وأخرجه الحاكم ١/ ٣٣٩ (١٢٥٦) وأحمد ١٩٩٨٨ و١٩٩٨٩ من طريق حماد بن سلمة، عن حميد ويونس وثابت، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، ورجال الإسناد ثقات على شرط مسلم، لكن فيه عنعنة الحسن، وهو مدلس، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه البغوي في «شرح السنة» (٣٩٨٩) من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ البناني ويونس بن عبيد، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
وورد صدره دون عجزه من وجوه أخر.
- فله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ٢٥٤ و٢٥٥ وأحمد ٢/ ٢٣٥ و٤٠٣ والبزار ١٩٧١ وابن حبان ٤٨٤ وفي إسناده ابن إسحاق، وهو مدلس، وقد عنعن.
- ومن حديث جابر أخرجه الحاكم ١/ ٣٣٩ والبزار ٣٥٨٥ وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الهيثمي في «المجمع» (١٧٥٤٩) : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة، وقد وثق اهـ.
- ومن حديث أنس عند أبي يعلى ٣٤٩٦ وفي إسناده سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف، وقد حسّن إسناده الهيثمي في
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في الأصل «البروجردي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن نسخة «ط».
سُئِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قِيلَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟
قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ».
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٧٩]
مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ خَالَفَكَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، وَأَنَّ مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى دِينِكَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ، فَأَخْبِرْنَا بِمَنْ يُؤْمِنُ بِكَ وَبِمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِكَ، فَأَنْزَلَ الله تعالى هذه الآية [٢].
ع «٤٩٧» وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي فِي صُوَرِهَا [٣] فِي الطين كما عرضت
- ومن حديث عبد الله بن بسر أخرجه الترمذي ٢٣٢٩ وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه اهـ.
- ومن حديث عبادة بن الصامت أخرجه الطبراني كما في «المجمع» (١٧٥٥٠) وقال الهيثمي: وفيه أبو أمية بن يعلى، وهو ضعيف اهـ.
الخلاصة: حديث الباب لا بأس به، وهو حسن، وصدره يرقى إلى درجة الصحيح لكثرة شواهده، والله أعلم.
٤٩٧- ع ضعيف جدا بذكر نزول هذه الآية، عزاه المصنف للسدي، وإسناده إليه مذكور أول الكتاب، وهذا معضل، وهو منكر بذكر هذه الآية، ولبعضه شاهد في الصحيح. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٧١) عن السدي بدون إسناد إلى قوله «.... ونحن معه، وما يعرفنا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ».
وخبر عبد الله بن حذافة بغير هذا السياق.
أخرجه البخاري ٧٢٩٤ ومسلم ٢٣٥٩ وعبد الرزاق ٢٠٧٩٦ وأحمد ٣/ ١٦٢ وابن حبان ١٠٦ والبغوي في «شرح السنة» (٣٦١٤) من حديث أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلّم قام على المنبر فذكر الساعة، وذكر أن قلبها أمورا عظاما، ثم قال: من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه، فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا».
قال أنس بن مالك: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: «سلوني، فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله. قال: أبوك حذافة فلما أكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أن يقول: سلوني.
برك عمر فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. قال فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أولى والذي نفس محمد بيده لقد عرضت عليّ الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشّر».
وفي رواية «بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحابه شيء فخطب فقال:....».
وليس فيه ذكر للآية، وسيأتي في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
(١) في الأصل «أبي بكر» والتصويب عن نسخة «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٢) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٧٢) عن الكلبي بدون سند والكلبي متهم وانظر ما بعده.
(٣) كذا في المطبوع و «أسباب النزول» وط وفي المخطوط «صورتها».
يَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِكَ نَبِيًّا فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» ؟ ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ [هذه] [١] الْآيَةِ وَنَظْمِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْخِطَابُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، يَعْنِي: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ، معناه: وما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِ بِالْمُنَافِقِ، فَرَجَعَ مِنَ الْخَبَرِ إِلَى الْخِطَابِ، حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الياء وتشديدها وَكَذَلِكَ الَّتِي فِي الْأَنْفَالِ، وَقَرَأَ الباقون بالتخفيف، يُقَالُ: مَازَ الشَّيْءَ يَمِيزُهُ مَيْزًا وميّزه تمييزا إذا فرّقه وامتاز، وانماز هُوَ بِنَفْسِهِ، قَالَ أَبُو مُعَاذٍ: إِذَا فَرَّقْتَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، قُلْتَ: مِزْتُ مَيْزًا فَإِذَا كَانَتْ أَشْيَاءَ، قُلْتَ: مَيَّزْتُهَا تَمْيِيزًا، وَكَذَلِكَ إِذَا جَعَلْتَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ شَيْئَيْنِ قُلْتَ: فَرَقْتُ بِالتَّخْفِيفِ، وَمِنْهُ فَرْقُ [٢] الشَّعْرِ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ أَشْيَاءَ، قُلْتَ: فَرَّقْتُهُ تَفْرِيقًا، وَمَعْنَى الْآيَةِ:
حَتَّى يُمَيِّزَ الْمُنَافِقَ مِنَ الْمُخْلِصِ، فَمَيَّزَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَ أُحُدٍ حيث أظهروا النفاق فتخلّفوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: حَتَّى يَمِيزَ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ يَا مَعْشَرَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ من في أصلابكم وأرحام نساءكم مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ وَهُوَ الْمُذْنِبُ مِنَ الطَّيِّبِ وهو المؤمن، يعني: حتى تحط الْأَوْزَارَ عَنِ الْمُؤْمِنِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ نَكْبَةٍ وَمِحْنَةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَحَدٌ غير الله، وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَيُطْلِعُهُ عَلَى بَعْضِ عِلْمِ الْغَيْبِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: ٢٦- ٢٧]، وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ اجْتَبَاهُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٨٠]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ، أَيْ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الْبَاخِلُونَ الْبُخْلَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ، يَعْنِي: الْبُخْلَ، شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ، أَيْ: سَوْفَ يُطَوَّقُونَ، مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، يَعْنِي: يَجْعَلُ مَا مَنَعَهُ مِنَ الزَّكَاةِ حَيَّةً تُطَوَّقُ فِي عُنُقِهِ يَوْمَ القيامة تنهشه من قرنه [٣] إِلَى قَدَمِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي وَائِلٍ والشعبي والسدي.
(٢) في المطبوع «فرقت» والمثبت عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «فوقه». [.....]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مثل له يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي شِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الْآيَةَ».
«٤٩٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ [٢] بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ أَنَا أَبِي أَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَوْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ أَوْ كَمَا حَلَفَ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا يَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُوْلَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ».
قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ يَجْعَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَعْنَاقِهِمْ طَوْقًا [٣] مِنَ النَّارِ، قَالَ مُجَاهِدٌ:
يُكَلَّفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَرَوَى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَحْبَارِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتَهُ، وَأَرَادَ بِالْبُخْلِ كِتْمَانَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النِّسَاءِ: ٣٧] وَمَعْنَى قَوْلِهِ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَيْ: يَحْمِلُونَ وِزْرَهُ وَإِثْمَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ [الْأَنْعَامِ: ٣١]. وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَعْنِي: أَنَّهُ الْبَاقِي الدَّائِمُ بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ وَزَوَالِ أَمْلَاكِهِمْ فَيَمُوتُونَ وَيَرِثُهُمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها [مَرْيَمَ: ٤٠]، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَمَكَّةَ [يَعْمَلُونَ] [٤] بِالْيَاءِ، وقرأ الآخرون بالتاء.
- وهو في «شرح السنة» (١٥٥٤) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (١٤٠٣) عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي ٥/ ٣٩ وأحمد ٢/ ٣٥٥ والبيهقي ٤/ ٨١ من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ به.
وأخرجه أحمد ٢/ ٢٧٩ من طريق عاصم عن أبي صالح به.
وأخرجه البخاري ٤٥٦٥ ومالك ١/ ٢٥٦ وأبو يعلى ٦٣١٩ وابن حبان ٣٢٥٨ من وجوه عن أبي هريرة مرفوعا به.
٤٩٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران.
- وهو في «شرح السنة» (١٥٥٣) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (١٤٦٠) عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٩٩٠ والترمذي ٦١٧ والنسائي ٥/ ٢٩ وابن ماجه ١٧٨٥ وأحمد ٥/ ١٥٧- ١٥٨ والدارمي ١/ ٣٨١ وابن حبان ٣٢٥٦ والبيهقي ١٤٦٠ من طرق عن الأعمش به.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من نسخة «ط» ومن «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
(٢) وقع في الأصل «عمرو» والمثبت هو الصواب.
(٣) كذا في المطبوع والطبري، وفي المخطوط «أطواق».
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨١ الى ١٨٢]
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ مَا قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ، قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: لَمَّا نَزَلَتْ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: ٢٤٥] قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ يستقرض مِنَّا وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ قَائِلَ [هَذِهِ الْمَقَالَةِ] [١] حُيَيُّ بن أخطب.
ع «٥٠٠» وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ [الصِّدِّيقُ] [٢] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ يُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ بيت مدراسهم فَوَجَدَ نَاسًا كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَمَعَهُ حَبْرٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: أَشْيَعُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِفِنْحَاصَ: اتَّقِ اللَّهَ وأسلم فو الله إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ، فَآمِنْ وَصَدِّقْ وَأَقْرِضِ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، وَيُضَاعِفْ لَكَ الثَّوَابَ، فَقَالَ فِنْحَاصُ: يَا أَبَا بَكْرٍ تَزْعُمُ أَنَّ رَبَّنَا يَسْتَقْرِضُ أَمْوَالَنَا وَمَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا الْفَقِيرُ مِنَ الْغَنِيِّ؟ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّ الله إذا الفقير وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، وَإِنَّهُ يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا وَيُعْطِينَا، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ يَا عُدُوَّ اللَّهِ، فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ انْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ» ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فقير وهم أَغْنِيَاءُ، فَغَضِبْتُ لِلَّهِ فَضَرَبْتُ وَجْهَهُ، فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى [تكذيبا و] [٣] رَدًّا عَلَى فِنْحَاصَ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ، سَنَكْتُبُ مَا قالُوا، مِنَ الْإِفْكِ وَالْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ فَنُجَازِيهِمْ بِهِ، وقال مقاتل: سيحفظ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَنَأْمُرُ الْحَفَظَةَ بِالْكِتَابَةِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ [الأنبياء: ٩٤]، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، قَرَأَ حَمْزَةُ سَيُكْتَبُ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَقَتْلُهُمْ بِرَفْعِ اللام ويقول بالياء، وذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أَيِ: النَّارِ، وَهُوَ بمعنى المحرق، كما يقال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أَيْ: مُؤْلِمٌ.
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)، فَيُعَذِّبُ بِغَيْرِ ذنب.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٥]
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥)
وأخرجه الطبري ٨٣٠٠ من حديث ابن عباس وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، وهو مجهول.
وأخرجه الطبري ٨٣٠٢ عن السدي مرسلا باختصار، و٨٣١٦ عن عكرمة مرسلا، فهذه الروايات تتأيد بمجموعها، ويعلم أن له أصلا، والله أعلم.
(١) في المطبوع «هذا الكلام».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع وحده.
كُلُّ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَسِيكَةٍ وصدقة وعمل صالح، وهو فُعْلَانٌ مِنَ الْقُرْبَةِ، وَكَانَتِ الْقَرَابِينُ وَالْغَنَائِمُ لَا تَحِلُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا إِذَا قَرَّبُوا قُرْبَانًا أَوْ غَنِمُوا غَنِيمَةً جَاءَتْ نَارٌ بَيْضَاءُ مِنَ السَّمَاءِ لَا دُخَانَ لَهَا، وَلَهَا دَوِيٌّ وَحَفِيفٌ، فَتَأْكُلُهُ وَتُحْرِقُ ذَلِكَ الْقُرْبَانَ وَتِلْكَ الْغَنِيمَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْقَبُولِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ جَاءَكُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تُصَدِّقُوهُ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ حَتَّى يَأْتِيَكُمُ الْمَسِيحُ وَمُحَمَّدٌ فَإِذَا أَتَيَاكُمْ فَآمِنُوا بِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ بِغَيْرِ قُرْبَانٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، قَدْ جاءَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ، من الْقُرْبَانِ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ؟ يَعْنِي: زَكَرِيَّا ويحيى [عليهم السلام] [٢] وَسَائِرَ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَسْلَافَهُمْ فَخَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِفِعْلِ أَسْلَافِهِمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، معناه تكذيبهم [٣] إياك مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِكَ، كَقَتْلِ آبَائِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ، مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْقُرْبَانِ وَالْمُعْجِزَاتِ، ثُمَّ قَالَ مُعَزِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «وَبِالزُّبُرِ» أَيْ:
بِالْكُتُبِ الْمَزْبُورَةِ، يَعْنِي: الْمَكْتُوبَةَ، وَاحِدُهَا [زَبُورٌ] [٤] مِثْلَ:
رَسُولٍ وَرُسُلٍ، وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ، الْوَاضِحِ الْمُضِيءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ نَفْسٍ [منفوسة] [٥] ذائِقَةُ الْمَوْتِ:
ع «٥٠١» وَفِي الْحَدِيثِ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ اشْتَكَتِ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا لِمَا أُخِذَ مِنْهَا، فَوَعَدَهَا أن يردّ
(١) عزاه المصنف للكلبي، وإسناده إليه مذكور أول الكتاب، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٧٧) عن الكلبي بدون إسناد والكلبي متروك متهم.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «تعذيبهم». [.....]
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المخطوط.
وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ، تُوَفَّوْنَ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَمَنْ زُحْزِحَ، نحّي وَأُزِيلَ، عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [بالنجاة] [١] وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ، يَعْنِي مَنْفَعَةٌ وَمُتْعَةٌ كَالْفَأْسِ والقدر والقصعة، ثم يزول ولا يبقى، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَخُضْرَةِ النَّبَاتِ وَلَعِبِ الْبَنَاتِ لَا حَاصِلَ لَهُ، قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَتَاعٌ مَتْرُوكَةٌ يُوشِكُ أَنْ تَضْمَحِلَّ بِأَهْلِهَا، فَخُذُوا مِنْ هَذَا الْمَتَاعِ بِطَاعَةِ اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَالْغُرُورُ الْبَاطِلُ.
«٥٠٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ [٢] الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [٣] يَحْيَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ على قلب بشر، اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: ١٧]، وإنّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يقطعها، واقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) [الْوَاقِعَةِ: ٣٠] وَلَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ من الدنيا وما عليها، واقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ».
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٨٦]
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ الآية.
٥٠٢- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، فإنه صدوق، وباقي رجال الإسناد ثقات، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وهو في «شرح السنة» (٤٢٦٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٩٢ وأحمد ٢/ ٣١٣ والدارمي ٢/ ٣٣٥ من طرق عن محمد بن عمرو بهذا الإسناد.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ. وورد من وجوه متعددة، وله شواهد.
- وأخرجه البخاري ٣٢٤٤ و٤٧٧٩ ومسلم ٢٨٢٤ والترمذي ٣١٩٧ والحميدي ١١٣٣ وابن حبان ٣٦٩ من طريق سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأعرج، عن أبي هريرة مختصرا.
وأخرجه البخاري ٤٧٨٠ ومسلم ٢٨٢٤ ح ٤ وابن ماجه ٤٣٢٨ وابن أبي شيبة ١٣/ ١٠٩ وأحمد ٢/ ٤٦٦ و٤٩٥ والبغوي في «شرح السنة» (٤٢٦٧) من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن أبي هريرة مختصرا.
- وأخرجه البخاري ٧٤٩٨ وعبد الرزاق ٢٠٨٧٤ وأحمد ٢/ ٣١٣ والبغوي ٤٢٦٦ من طرق عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ منبه، عن أبي هريرة مختصرا.
- وفي الباب من حديث سهل بن سعد عند مسلم ٢٨٢٥ ومن حديث أبي سعيد الخدري عند أبي نعيم في «الحلية» (٢/ ٢٦٢).
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في الأصل «الحسين» والتصويب عن نسخة «ط» وعن «شرح السنة».
(٣) في الأصل «محمد بن إسماعيل بن يحيى» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
ع «٥٠٤» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ كَانَ يَهْجُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسُبُّ الْمُسْلِمِينَ، وَيُحَرِّضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وأصحابه، في شعره ويسبّ نساء الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا لَكَ يَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا أَقْتُلُهُ، قَالَ:
«فَافْعَلْ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ»، فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إِلَّا ما تعلق به نَفْسَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ، وَقَالَ لَهُ: «لِمَ تَرَكْتَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُ قَوْلًا وَلَا أَدْرِي هَلْ أَفِي بِهِ أَمْ لَا، فَقَالَ: «إِنَّمَا عَلَيْكَ الْجُهْدُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَا بُدَّ لنا من أن نقول فيك، قَالَ:
«قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ»، فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة وسلكان بن سلامة [١] أبو نَائِلَةَ، وَكَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَالْحَارِثُ بن أوس وأبو عبس [٢] بن جبر [٣]، فَمَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ، وَقَالَ: «انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ»، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا [٤] إِلَى حِصْنِهِ فَقَدَّمُوا أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الشِّعْرَ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشِّعْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إِنِّي قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَكَ فَاكْتُمْ عَلَيَّ، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ بِلَادَنَا بَلَاءً، عَادَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَوْنَا عَنْ قَوْسٍ واحدة، فانقطعت عَنَّا السُّبُلُ حَتَّى ضَاعَتِ الْعِيَالُ وَجَهَدَتِ الْأَنْفُسُ، فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاللَّهُ لَقَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكَ يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إِلَى هَذَا، فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إِنَّ مَعِي أَصْحَابًا أَرَدْنَا أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامَكَ وَنَرْهَنُكَ وَنُوَثِّقُ لَكَ وَتُحْسِنُ فِي ذلك، قال: ترهنوني أَبْنَاءَكُمْ، قَالَ: إِنَّا نَسْتَحِي إِنْ يُعَيَّرَ أَبْنَاؤُنَا فَيُقَالُ هَذَا رَهِينَةُ وَسْقٍ [٥]، وَهَذَا رَهِينَةُ وَسْقَيْنِ، قَالَ: تَرْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ وَلَا نَأْمَنُكَ، وَأَيَّةُ امْرَأَةٍ تَمْتَنِعُ مِنْكَ لِجَمَالِكَ، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ الْحَلْقَةَ، يَعْنِي: السِّلَاحَ، وَقَدْ عَلِمْتَ حَاجَتَنَا إِلَى السِّلَاحِ، قَالَ: نَعَمْ، وَأَرَادَ أَبُو نَائِلَةَ أَنْ لَا يُنْكِرَ السِّلَاحَ إذا رآه فواعده أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَجَعَ أَبُو نَائِلَةَ إلى أصحابه
وذكره السيوطي في «الدر» (٢/ ١٨٦) وزاد نسبته لابن المنذر، وتقدم مع الحديث (٥٠٠).
٥٠٤- ع أخرجه الواقدي في المغازي ١/ ١٨٤- ١٩٣ بأسانيد عن الزهري وعن جابر مطولا، وإسناده ضعيف لضعف الواقدي بل هو متروك.
وأخرجه الطبري ٨٣١٧ عن الزهري مرسلا، وليس فيه ذكر محيصة وحويصة وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ١٩٦- ١٩٨) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بن مالك مرسلا.
وأخرجه عجزه البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٠٠) من حديث محيصة، وفي إسناده مولى زيد بن ثابت وهو مجهول وأصل الخبر عند البخاري ٢٥١٠ و٣٠٣١ و٣٠٣٢ و٤٠٣٧ ومسلم ١٨٠١ وأبي داود ٢٧٦٨ من حديث جابر.
(١) تصحف في المطبوع «سلام».
(٢) تصحف في المطبوع وط «عيسى».
(٣) تصحف في المطبوع «جبير» وفي المخطوط «جرير» والمثبت عن كتب السيرة.
(٤) تصحف في المطبوع «أنهوا» وفي المخطوط «انتهى».
(٥) في المطبوع «وسوق». [.....]
فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي نائل شَعْرَهُ فَأَشُمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ من رأسه فدونكم [عدو الله] [٣] فَاضْرِبُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبَ عَرُوسٍ قَطُّ، قَالَ: إِنَّهُ طِيبُ أُمِّ فُلَانٍ يَعْنِي امْرَأَتَهُ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ ثُمَّ مَشَى سَاعَةً فَعَادَ لِمِثْلِهَا ثُمَّ أَخَذَ بِفَوْدَيْ رَأْسِهِ حَتَّى اسْتَمْكَنَ ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا]
فِي سَيْفِي فَأَخَذْتُهُ، وَقَدْ صَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ، قَالَ فَوَضَعْتُهُ فِي ثُنْدُوَتِهِ ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بلغ [٥] عَانَتَهُ، وَوَقَعَ عَدُوُّ اللَّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ بِجُرْحٍ فِي رَأْسِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا، قال: فَخَرَجْنَا وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الحارث بن أوس ونزفه الدم، ثم وقفنا لَهُ سَاعَةً ثُمَّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ كَعْبٍ وَجِئْنَا بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ، وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا، فَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ وَقْعَتَنَا بِعَدُوِّ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ»، فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ بن مسعود على سفينة رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ الْيَهُودِ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ فَلَمَّا قَتَلَهُ، جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَهُ أَمَا وَاللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ مُحَيِّصَةُ: وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ مَنْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قال: نعم، وَاللَّهِ إِنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا لَعَجَبٌ؟! فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ كَعْبٍ: لَتُبْلَوُنَّ لتختبرنّ، واللام لِلتَّأْكِيدِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْقَسَمِ، وَالنُّونُ لِتَأْكِيدِ الْقَسَمِ فِي أَمْوالِكُمْ بِالْجَوَائِحِ وَالْعَاهَاتِ وَالْخُسْرَانِ وَأَنْفُسِكُمْ بِالْأَمْرَاضِ، وَقِيلَ: بِمَصَائِبِ الْأَقَارِبِ وَالْعَشَائِرِ، قَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَرِبَاعَهُمْ وَعَذَّبُوهُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ:
هُوَ ما فرض عليهم من أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالزَّكَاةِ، وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا عَلَى أَذَاهُمْ وَتَتَّقُوا، اللَّهَ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، [أي] [٦] مِنْ حَقِّ الْأُمُورِ وَخَيْرِهَا، وَقَالَ عطاء: من حقيقة الإيمان.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٧ الى ١٨٨]
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)
(٢) تصحف في المطبوع «العجود» والعجوز: موضع قرب المدينة.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «معولا» وهو خطأ. والمغول: حديدة دقيقة لها حد ماض.
(٥) في المطبوع «بلغت».
(٦) زيادة عن المخطوط.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ: لَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
«٥٠٥» حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاذٍ [١] الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ سَهْلِ بْنِ [٢] إِسْمَاعِيلَ الدَّيْنَوَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [٣] أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ [٤] أُلِجْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ».
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ بَعْدَ أَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ فَأَلْفَيْتُهُ عَلَى بَابِهِ، فَقُلْتُ: [إِنْ] [٥] أو رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنِي؟ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي قَدْ تَرَكْتُ الْحَدِيثَ؟ فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تُحَدِّثَنِي وَإِمَّا أن أحدثك،
(٢) في الأصل «و» بدل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٣) في الأصل «البرثي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٤) في المطبوع وحده «علمه وكتمه».
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
٥٠٥- حديث صحيح، إسناده حسن لأجل سماك بن حرب وموسى بن مسعود، أما موسى فقد روى له البخاري، لكن وصفه الحافظ بقوله: صدوق سيئ الحفظ، وسماك بن حرب فيه ضعف، مع أنه من رجال مسلم، لكن كلاهما قد توبع.
- وهو في «شرح السنة» (١٤٠) بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٥٥ وأحمد ٢/ ٤٩٩ و٥٠٨ والحاكم ١/ ١٠١ والطبراني في «الصغير» (١٦٠ و٣١٥ و٤٥٢) من طرق عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو داود ٣٦٥٨ والترمذي ٢٦٤٩ وابن ماجه ٢٦١ والطيالسي ٢٥٣٤ وابن أبي شيبة ٩/ ٥٥ وأحمد ٢/ ٢٦٣ و٣٠٥ و٣٣٤ و٣٥٣ وأبو يعلى ٦٣٨٣ وابن حبان ٩٥ من طرق عن علي بن الحكم البناني، عن عطاء به.
وهذا إسناد صحيح علي بن الحكم ثقة روى له البخاري، وشيخه عطاء روى له الشيخان.
- وله شاهد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو أخرجه الحاكم ١/ ١٠٢ والخطيب في «تاريخ بغداد» (٥/ ٣٨ و٣٩) وابن حبان ٩٦ والطبراني في «الأوسط» (٥٠٢٣) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وفي إسناده عبد الله بن عياش، قال أبو حاتم: صدوق ليس بالمتين اهـ.
وقال الهيثمي في «المجمع» (١/ ١٦٣) : رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» ورجاله موثقون اه.
- وله شاهد من حديث جابر أخرجه الخطيب في «تاريخه» (٧/ ١٩٨ و٩/ ٩٢ و١٢/ ٣٦٩).
- ومن حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى ٢٥٨٥ وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وهو ضعيف. لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
فَحَدَّثَنِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا.
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا الْآيَةَ، قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ لَا تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ، أَيْ:
لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الْفَارِحِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ «لَا يَحْسَبَنَّ» الْفَارِحُونَ فَرَحَهُمْ مُنْجِيًا لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، «فَلَا يَحْسَبَنَّهُمْ» وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ خَبَرًا عَنِ الْفَارِحِينَ، أَيْ فَلَا يَحْسَبُنَّ أَنْفُسَهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ: فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ يَا مُحَمَّدُ، وَأَعَادَ قَوْلَهُ: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تَأْكِيدًا، وَفِي حَرْفِ عَبْدِ الله بن مسعود «ولا يحسبنّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ» مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
«٥٠٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بما لم يفعلوا، فنزل لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا الآية.
«٥٠٧» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رافع إلى ابن عباس فَقُلْ لَهُ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ فَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتُحْمِدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إلى قَوْلِهِ: يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٥٦٧) عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٧٧٧ ح ٧ ص ٢١٤٢ والطبري ٨٣٣٥ والواحدي ٢٨٠ من طريق أخرى عن سعيد بن أبي مريم به.
٥٠٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، هشام هو ابن سنبر الدّستوائي، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.
ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٥٦٨) عن إبراهيم بن موسى بهذا الإسناد. وأخرجه الطبري ٨٣٤٨ من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج به.
- وأخرجه البخاري بإثر ٤٥٦٨ ومسلم ٢٧٧٨ ح ٨ والترمذي ٣٠١٤ والنسائي في «التفسير» (١٠٦) والطبري ٨٣٤٩ والحاكم ٢/ ٢٩٩ والواحدي ٢٨١ من طريق ابن جريج أخبرني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أن حميد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أخبره أن مروان بن الحكم قال لبوابه... فذكره. [.....]
(١) في المطبوع وحده «الخراز».
ع «٥٠٨» وقال قتادة ومقاتل: أنت يَهُودُ خَيْبَرَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: نَحْنُ نعرفك ونصدقك وإنا على رأيك ونحن لك رِدْءٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: عَرَفْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ: أَحْسَنْتُمْ هَكَذَا فَافْعَلُوا، فَحَمِدُوهُمْ وَدَعَوْا لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ: يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا قَالَ الْفَرَّاءُ بِمَا فَعَلُوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مَرْيَمَ: ٢٧]، أَيْ: فَعَلْتِ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ [أي] [٢] : بِمَنْجَاةٍ، مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٩ الى ١٩٠]
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَصْرِفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠).
«٥٠٩» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الملك بن الحسن الأسفراييني [٣]
وأخرجه الطبري ٨٣٥٠ عن قتادة مرسلا، بنحوه، و٨٣٥١ من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قتادة مرسلا باختصار.
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» (١/ ١٩٢) عن الحسن مرسلا مختصرا.
٥٠٩- إسناده صحيح على شرط مسلم، ابن فضيل هو محمد.
- وهو في «شرح السنة» (٩٠١) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٧٦٣ ح ١٩١ من طريق محمد بن فضيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى ٢٥٤٥ من طريق عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٣١٦ ومسلم ٧٦٣ وأبو داود ٥٠٤٣ والترمذي في «الشمائل» (٢٥٥) والنسائي ٢/ ٢١٨ وابن ماجه ٥٠٨ وعبد الرزاق ٣٨٦٢ و٤٧٠٧ وابن حبان ٢٦٣٦ من طرق عن سلمة بن كهيل، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مطوّلا ومختصرا.
- وأخرجه مالك ١/ ١٢١- ١٢٢ من طريق مخرمة بن سليمان، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٨٣ و١١٩٨ و٤٥٧٠ و٤٥٧١ و٤٥٧٢ ومسلم ٧٦٣ ح ١٨٢ وعبد الرزاق ٤٧٠٨ وأبو عوانة ٢/ ٣١٥ والطحاوي ١/ ٢٢٨ وابن حبان ٢٥٧٩ والبيهقي ٣/ ٧.
- وأخرجه البخاري ١١٧ و٦٩٧ وأحمد ١/ ٣٤١ و٣٥٤ والدارمي ١/ ٢٨٦ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٢٨٧) من طرق عن الحكم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس.
(١) في المطبوع «وأسيبع».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في الأصل «الحسين الإسفرايني» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ اسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُولُ:
«اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نورا واجعل من خلفي نورا ومن أمامي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا».
وَرَوَاهُ كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَزَادَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا» [٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ذَوِي الْعُقُولِ ثُمَّ وصفهم، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩١ الى ١٩٢]
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عباس وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ: هَذَا فِي الصَّلَاةِ يُصَلِّي قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ.
«٥١٠» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا هَنَّادٌ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ [٣] عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الْمَرِيضِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تستطع فعلى جنب».
(٢) هو إحدى روايات الحديث المتقدم.
(٣) في الأصل «زيدة» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التخريج.
٥١٠- إسناده صحيح على شرط الصحيح، هنّاد هو ابن السّري، وكيع هو ابن الجراح، حسين المعلم هو ابن ذكوان، تفرد مسلم عن هناد، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٩٧٨) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» (٣٧٢) عن هناد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١١١٧ وأبو داود ٩٥٢ وابن ماجه ١٢٢٣ وابن خزيمة ١٢٥٠ من طرق عن إبراهيم بن طهمان بهذا الإسناد.
- وورد من وجه آخر، أخرجه البخاري ١١١٥ و١١١٦ وأبو داود ٩٥١ الترمذي ٣٧١ والنسائي ٣/ ٢٢٣- ٢٢٤ وابن ماجه ١٢٣١ وأحمد ٤/ ٤٣٣ و٤٣٥ و٤٤٢ و٤٤٣ وابن أبي شيبة ٢/ ٥٢ وابن خزيمة ١٢٤٩ وابن حبان ٢٥١٣ والطبراني في «الكبير» (١٨/ ٥٨٩) و (٥٩٠) كلهم من طريق حسين المعلم بنحوه.
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، أَيْ: أَهَنْتَهُ، وَقِيلَ: أَهْلَكْتَهُ، وَقِيلَ: فَضَحْتَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي [هُودٍ: ٧٨] فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التَّحْرِيمِ: ٨]، وَمِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، فكيف الجمع؟ قِيلَ: قَالَ أَنَسٌ وَقَتَادَةُ مَعْنَاهُ: إِنَّكَ مَنْ تُخَلِّدْ [٢] فِي النَّارِ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هَذِهِ خَاصَّةٌ لِمَنْ لَا يخرج منها.
ع «٥١١» فَقَدْ رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] [٣] يُدْخِلُ قَوْمًا النَّارَ ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا». وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٣ الى ١٩٥]
رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥)
- وأخرجه أحمد ١/ ٤٥٤ وأبو يعلى ٤٩٧٩ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٤٤٨) والبيهقي في «البعث والنشور» (٤٣٥) عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَمْرِو بن ميمون، عن ابن مسعود أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قال: «يكون قوم في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يرحمهم الله فيخرجهم الله عز وجل منها، فيكونوا في أدنى أهل الجنة في نهر يقال له:
الحيوان، لو استضافهم أهل الدنيا لأطعموهم وسقوهم ولحفوهم». وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٣٨٣) وقال:
رواه أحمد وأبو يعلى ورجالها رجال الصحيح، غير عطاء بن السائب، وهو ثقة، ولكنه اختلط اهـ.
- وفي الباب من حديث جابر أخرجه مسلم ١٩١ والطيالسي ١٨٠٤ والحميدي ١٢٤٥ وأحمد ٣/ ٣٨١ وابن أبي عاصم ٨٣٩ و٨٤٠ وأبو يعلى ١٨٣١ و١٩٧٣.
(١) في الأصل «عوان» وهو تصحيف.
(٢) في المطبوع «تخلده».
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ، أَيْ: عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ، وَلا تُخْزِنا، وَلَا تُعَذِّبْنَا ولا تفضحنا ولا تهلكنا، وَلَا تُهِنَّا، يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعادَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ: رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ؟ قِيلَ: لَفْظُهُ دُعَاءٌ وَمَعْنَاهُ الخبر [٤]، أَيْ: لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ، تَقْدِيرُهُ: فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّونَ ثَوَابَكَ وَتُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدْتَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَيَقَّنُوا اسْتِحْقَاقَهُمْ لِتِلْكَ الْكَرَامَةِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ لَهَا، وَقِيلَ: إِنَّمَا سَأَلُوهُ تَعْجِيلَ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ لَا تُخْلِفُ وعدك من النصر، وَلَكِنْ لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى حِلْمِكَ فَعَجِّلْ خِزْيَهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي أَيْ: بِأَنِّي، لَا أُضِيعُ، لا أحبط، مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى.
ع «٥١٢» قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ اللَّهَ يَذْكُرُ [٥] الرِّجَالَ فِي الْهِجْرَةِ وَلَا يَذْكُرُ النِّسَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي الدِّينِ وَالنُّصْرَةِ وَالْمُوَالَاةِ، وَقِيلَ: كُلُّكُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: رِجَالُكُمْ شَكْلُ نِسَائِكُمْ [وَنِسَاؤُكُمْ شَكْلُ رِجَالِكُمْ] [٦] فِي الطَّاعَةِ، كَمَا قَالَ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التَّوْبَةِ: ٧١]، فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، أَيْ: فِي طَاعَتِي وَدِينِي، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَكَّةَ، وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا.
قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كثير «قتلوا» بالتشديد، قال الْحَسَنُ: يَعْنِي أَنَّهُمْ قُطِّعُوا فِي المعركة، والآخرون
(٢) في المطبوع «واحد».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «خبر».
(٥) زيد في الأصل بين «يذكر» و «الرجال» :«كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَهُوَ خطأ واضح من النساخ والتصويب عن «ط».
(٦) زيد في المطبوع وط.
٥١٢- ع حسن. أخرجه الطبري ٨٣٦٧ من طريق مجاهد عن أم سلمة ورجال الإسناد ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان مجاهد سمعه من أم سلمة، وفيه نظر إذ قال فيه: قالت أم سلمة، وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (٤٩٨) والترمذي ٣٠٢٣ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ رجل من ولد أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وأخرجه الحاكم ٢/ ٣٠٠ والواحدي ٢٨٥ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ سلمة بن عمر بن أبي سلمة رجل من ولد أم سلمة قال: قالت أم سلمة، صححه الحاكم على شرط البخاري! وسكت الذهبي! مع أن في الإسناد سلمة بن أبي سلمة، وهو مقبول كما في «التقريب» أي حديثه حسن في الشواهد، وقد توبع في ما تقدم. فهو حسن إن شاء الله تعالى.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٦ الى ١٩٨]
لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦)، نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي رَخَاءٍ وَلِينٍ مِنَ الْعَيْشِ [يَتَّجِرُونَ] [٢] وَيَتَنَعَّمُونَ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَرَى مِنَ الْخَيْرِ، وَنَحْنُ فِي الْجَهْدِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦)، ضربهم فِي الْأَرْضِ وَتَصَرُّفُهُمْ [٣] فِي الْبِلَادِ للتجارات وأنواع المكاسب، الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُهُ.
مَتاعٌ قَلِيلٌ، أَيْ: هُوَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ، بلغة فَانِيَةٌ وَمُتْعَةٌ زَائِلَةٌ، ثُمَّ مَأْواهُمْ، مَصِيرُهُمْ، جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ، الْفِرَاشُ.
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا، جَزَاءً وَثَوَابًا، مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ: جَعَلَ ذَلِكَ نُزُلًا، وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ، مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا.
«٥١٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ [٤] أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
جِئْتُ فإذا رسول الله فِي مَشْرُبَةٍ وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا [٥] مَصْبُورًا [٦] وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبٌ [٧] مُعَلَّقَةٌ فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ،
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٩١٣) عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد. وأخرجه مسلم ١٤٧٩ ح ٣١ من طريق سليمان بن بلال به مطوّلا.
وأخرجه البخاري ٨٩ و٢٤٦٨ و٥١٩١ ومسلم ١٤٧٩ ح ٣٤ والترمذي ٣٣١٥ والنسائي ٤/ ١٣٧ وأحمد ١/ ٣٣ وأبو يعلى ١٦٤ من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور، عن ابن عباس.
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المخطوط وحده «يتبخترون».
(٣) في المخطوط «نصرتهم».
(٤) في الأصل «جبير» والتصويب من «كتب التراجم» و «كتب التخريج».
(٥) تصحف في المخطوط «قرطا».
(٦) القرظ: ورق السلم يدبغ به- مصبورا: مجموعا. [.....]
(٧) الإهاب: الجلد قبل الدباغ- وقيل: الجلد مطلقا.
«أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخرة» ؟.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٩ الى ٢٠٠]
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الآية.
ع «٥١٤» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ نَعَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «اخْرُجُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخٍ لَكُمْ مَاتَ بِغَيْرِ أَرْضِكُمُ، النَّجَاشِيِّ» [فَخَرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ وَكُشِفَ لَهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَأَبْصَرَ سَرِيرَ النَّجَاشِيِّ] [١] وَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يُصَلِّي عَلَى عِلْجٍ حَبَشِيٍّ نَصْرَانِيٍّ لَمْ يَرَهُ قَطُّ، وَلَيْسَ عَلَى دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةُ مِنَ الرُّومِ، كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ، وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، خاشِعِينَ لِلَّهِ خَاضِعِينَ مُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ، لَا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا، يَعْنِي: لَا يُحَرِّفُونَ كُتُبَهُمْ وَلَا يَكْتُمُونَ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَأْكَلَةِ، كَفِعْلِ غَيْرِهِمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا، قَالَ الْحَسَنُ: اصْبِرُوا على دينكم فلا تدعوه لشدّة ولارخاء، وَقَالَ قَتَادَةُ [٢] : اصْبِرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَقَالَ
- وورد بنحوه من حديث أنس أخرجه النسائي في «التفسير» (١٠٨ و١٠٩) والبزار «كشف الأستار» (٣٨٢) والطبراني في «الأوسط» (٢٦٨٨) والواحدي ٢٨٨ ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في «المجمع» (٣/ ٣٨) لكن ليس فيه «ونظر إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَبْصَرَ سَرِيرَ النجاشي» فهذه زيادة غريبة جاءت بدون إسناد. وصلاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم على النجاشي ثابتة في الصحيحين.
فقد أخرج البخاري ١٢٤٥ و١٣٣٣ ومسلم ٩٥١ وأبو داود ٣٢٠٤ ومالك ١/ ٢٢٦ وابن حبان ٣٠٦٨ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعى النجاشي فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خرج إلى المصلى، فصفّ بهم وكبّر أربعا» هذا لفظ البخاري الأولى.
- وورد من حديث جابر أخرجه البخاري ١٣١٧ و١٣٢٠ و٣٨٨٧ ومسلم ٩٥٢ وعبد الرزاق ٦٤٠٦ وابن حبان ٣٠٩٧ و٣٠٩٩ وله شواهد تبلغ به حدّ الشهرة، لكن ليس في شيء منها- ذكر نزول الآية، ولا أنه عليه الصلاة والسلام رأى أرض الحبشة، وإن كان ذلك غير مستبعد، وليس فيه كلام المنافقين في ذلك والله أعلم.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) تصحف في المخطوط «عطاء».
«٥١٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ منير [٣] أنه سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيها وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عليها، ولروحة يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [أو لغدوة] [٤] خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا».
«٥١٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ [أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ] [٥] أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ] [٦] بْنِ الْحَارِثِ، أنا أبو عبيدة بن عقبة أنا شر حبيل بن السمط أنا سَلْمَانَ الْخَيْرِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَابَطَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ شَهْرٍ مُقِيمٍ، وَمَنْ مَاتَ
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٨٩٢) عن عبد الله بن منير بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ١٦٦٤ من طريق أبي النضر به.
- وأخرجه البخاري ٢٧٩٤ و٣٢٥٠ و٦٤١٥ ومسلم ١٨٨١ والترمذي ١٦٤٨ والنسائي ٦/ ١١٥ وابن ماجه ٢٧٥٦ والدارمي ٢/ ٢٠٢ والحميدي ٩٣٠ وأحمد ٣/ ٤٣٣ و٥/ ٣٣٠ و٣٣٧ و٣٣٨ والبيهقي ٩/ ١٥٨ من طرق عن أبي حازم به مختصرا.
- وأخرجه البغوي في «شرح السنة» (٢٦٠٩) وأحمد ٣/ ٤٣٣ من طريق محمد بن مطرف، عن أبي حازم به.
٥١٦- إسناده صحيح على شرط مسلم، ابن وهب هو عبد الله، أبو عبيدة بن عقبة، قال سعيد بن يونس: اسمه مرّة، له عند مسلم هذا الحديث فقط، لكن توبع في رواية أخرى لمسلم كما سيأتي.
- وهو في «شرح السنة» (٢٦١١) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٩١٣ والطحاوي في «المشكل» (٣/ ١٠١- ١٠٢) والحاكم ٢/ ٨٠ من طريق ابن وهب بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٩١٣ والنسائي ٦/ ٣٩ والطحاوي في «المشكل» (٣/ ١٠٢) وابن حبان ٤٦٢٣ والحاكم ٢/ ٨٠ والبيهقي ٩/ ٣٨ من طرق عن الليث بن سعد، عَنْ أَيْوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مكحول، عن شرحبيل بن السمط به.
مختصرا.
- وأخرجه الترمذي ١٦٦٥ وأحمد ٥/ ٤٤٠ والطبراني في «الكبير» (٦٠٧٧ و٦١٧٧ و٦١٧٨ و٦١٨٠) من طرق، عن شرحبيل بن السمط به.
(١) في المطبوع وحده «دافعوا».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في الأصل «بشير» والتصويب عن «ط» وعن «صحيح البخاري».
(٤) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «شرح السنة».
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «صحيح مسلم» ومن «شرح السنة».