تفسير سورة التحريم

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي اثنا عشر آية بلا خلاف

﴿يا أيها النبيُّ لم تحرم ما أحل الله لك﴾ [رُوي أنَّ النبيَّ ﷺ دخل حفصة في يوم نوبتها فخرجت هي لبعض شأنها فأرسل رسول الله ﷺ إلى مارية جاريته وأدخلها بيت حفصة وواقعها فلمَّا رجعت حفصة علمت بذلك فغضبت وبكت وقالت: أَما لي حرمةٌ عندك وحقٌّ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكتي فهي حرامٌ عليَّ أبتغي بذلك رضاك وحلف أن لا يقربها وبشَّرها بأنَّ الخليفة من بعده أبوها وأبو عائشة رضي الله عنهم أجمعين ذكوراً وإناثاً وقال لها: لا تخبرني أحداً بما أسررتُ إليك من أمر الجارية وأمر الخلافة من بعدي فلمَّا خرج رسول الله ﷺ من عندها أخبرت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها بذلك وقالت: قد أراحنا الله من مارية فإنَّ رسول الله ﷺ حرَّمها على نفسه] وقصَّت عليها القصَّة فنزل: ﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ أَيْ: الجارية ﴿تبتغي﴾ بتحريمها ﴿مرضاة أزواجك والله غفور رحيم﴾ غفر لك ما فعلت من التَّحريم ثمَّ أمره بأن يكفِّر عن يمنيه فقال:
﴿قد فرض الله لكم﴾ أَيْ: بيَّن الله لكم ﴿تحلَّة أيمانكم﴾ ما تستحلُّ به المحذوف عليه من الكفَّار يعني: في سورة المائدة
﴿وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه﴾ يعني: حفصة ﴿حديثاً﴾ تحريم الجارية وأمر الخلافة ﴿فلما نبأت به﴾ أخبرت به عائشة رضوان الله عليهما وعلى أبيهما ﴿وأظهره الله عليه﴾ أطلع نبيَّه عليه السَّلام على إفشائها السِّرَّ ﴿عرَّف بعضه﴾ أخبر حفصه ببعض ما قالت لعائشة ﴿وأعرض عن بعض﴾ فلم يُعرِّفها إيَّأه على وجه التَّكرُّم والإِغضاء ﴿فلما نبأها به﴾ أخبر حفصة بما فعلت ﴿قالت من أنبأك هذا﴾ من أخبرك بما فعلت؟ ﴿قال نبأني العليم الخبير﴾
﴿إن تتوبا إلى الله﴾ يعني: عائشة وحفصة ﴿فقد صغت قلوبكما﴾ عذلت وزاغت عن الحقِّ وذلك أنَّهما أحبَّتا ما كره رسول الله ﷺ من اجتناب جاريته ﴿وإن تظاهرا عليه﴾ تتعاونا على أذى رسول الله ﷺ ﴿فإنَّ الله هو مولاه﴾ وليُّه وحافظه فلا يضرُّه تظاهُرُكُما عليه وقوله: ﴿وصالح المؤمنين﴾ قيل: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو تفسير النبي ﷺ ﴿والملائكة بعد ذلك ظهير﴾ أَيْ: الملائكة بعد هؤلاء أعوانٌ
﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خيراً منكن﴾ هذا إخبارٌ عن قدرة الله تعالى على أن يبذله لو طلَّق أزواجه خيراً منهنَّ وتخويفٌ لنسائه وقوله: ﴿قانتات﴾ مطيعاتٍ ﴿سائحات﴾ صائماتٍ
﴿يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً﴾ أَيْ: خذوا أنفسكم وأهليكم بما يُقرِّب من الله تعالى وجَنِّبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي ﴿وقودها الناس والحجارة﴾ أَيْ: توقد بهذين الجنسين ﴿عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ يعني: خزنة جهنم وقوله:
﴿يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون﴾
﴿توبة نصوحاً﴾ هي التَّوبة التي تنصح صاحبها حتى لا يعود إلى ما تاب منه ونصوحاً معناه بالغةً في النُّصْح وقوله: ﴿لا يخزي الله النبيَّ والذين آمنوا معه﴾ أَيْ: لا يفضحكم ولا يهلكهم ﴿نورهم﴾ على الصِّراط ﴿يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا﴾ إذا طُفىء نور المنافقين دعوا الله وسألوه أن يتمَّ لهم النُّور ثمَّ ضرب مثلاً للنِّساء الصَّالحات والطَّالحات فقال:
﴿يا أيها النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جهنم وبئس المصير﴾
﴿ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما﴾ أَيْ: في الدِّين فكانت امرأةُ نوحٍ تخبر قومه أنَّه مجنونٌ وامرأة لوط دلَّت على أضيافه ﴿فلم يُغْنيا﴾ يعني: نوحاً ولوطاً ﴿عنهما من﴾ عذاب ﴿الله شيئاً﴾ من شيءٍ وهذا تخويفٌ لعائشة وحفصة وإخبار أنَّ الأنبياء لا يُغنون عن مَنْ عمل بالمعاصي شيئاً وقطعٌ لطمع من ركب المعصية رجاء أن ينفعه صلاح غيره وقوله:
﴿ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة﴾ قيل: إنَّ فرعون لما تبيَّن له إسلامها وَتَدَها على الأرض بأربعة أوتاد على يديها ورجليها فقالت وهي تعذَّب: ﴿ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله﴾ أَيْ: تعذيبه إيَّاي وفي هذا بيانٌ أنَّها لم تمل إلى معصيته مع شدَّة ما قاست من العذاب وكذا فليكن صوالح النِّساء وأمرٌ لعائشة وحفصة أن يكونا كآسيةَ وكمريم بنت عمران وقوله:
﴿ومريم ابنة عمران﴾ هو عطفٌ على قوله: امرأة فرعون ﴿التي أحصنت فرجها﴾ أَيْ: عفَّت وحفظت ﴿فنفخنا فيه من﴾ جيب درعها من ﴿روحنا﴾ فُسِّر في سورة الأنبياء ﴿وصدَّقت بكلمات ربِّها وكتبه﴾ آمنت بما أنزل الله على الأنبياء ﴿وكانت من القانتين﴾ أَيْ: من القوم المُطيعين لله أَيْ: إِنَّها أطاعت فدخلت في جملة المطيعين لله من الرِّجال والنِّساء
Icon