تفسير سورة عبس

تفسير الماتريدي
تفسير سورة سورة عبس من كتاب تأويلات أهل السنة المعروف بـتفسير الماتريدي .
لمؤلفه أبو منصور المَاتُرِيدي . المتوفي سنة 333 هـ
سورة عبس [ وهي مكية ]١
١ من م، ساقطة ما الأصل..

سُورَةُ عَبَسَ، وهي مَكِّيَّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) ذكر الحسن أن تعبس الوجه والتولي كانا بنفس المجيء على ظاهر الآية؛ فإنه ذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان عنده من عظماء المشركين قوم يعظهم ويدعوهم إلى الإسلام، فلما جاءه ابن أم مكتوم يسأله، أعرض عنه؛ لمكان أُولَئِكَ القوم، وعبس وجهه؛ رجاء إسلامهم.
وذكر غيره من أهل التفسير: أنه عبس وتولى؛ لما سأله ابن أم مكتوم عما فيه رشده وهداه؛ فعبس وجهه بقطعه الحديث عليه.
ثم هذا التعبس منه - عليه الصلاة والسلام - كان في أمر لو التأم، ثم وزن ذلك بخيرات أهل الأرض، لرجح على خيراتهم ومحاسنهم؛ لأنه ذكر أنه كان مقبلا على رؤساء الكفرة يعظهم ويحرضهم على الإسلام؛ رجاء أن يسلموا؛ فيكون في إسلامهم رجاء إسلام كثير من القوم؛ لأنهم كانوا من علية القوم وعظمائهم؛ فكان في إسلامهم رجاء إسلام من يتبعهم من قومهم؛ فيستوجب بإسلامهم من جزيل الثواب وعظم المنزلة ما لا يبلغه آخر بجميع محاسنه؛ فكان في سؤاله إياه منع ما قصد إليه من إحراز جزيل الثواب وكريم الخصال، وإذا كان هكذا فتعبس الوجه في مثل هذا الحال أمر سهل لا يستبعد، ولا يستنكر.
والثاني: أن تعبس الوجه على الأعمى، والإعراض عنه لا يظهر للأعمى؛ لأنه لا يراه؛ فلا يعده جفاء، وكان في إقباله على أُولَئِكَ القوم وحسن صحبته إياهم رجاء الإسلام منهم؛ إذ إقباله وحسن صحبته يظهر لهم، وفي الإعراض عنهما ذهاب ذلك الرجاء وإبداء الجفاء منه إياهم، ومن آثر الوجه الذي فيه اتقاء الجفاء والدعاء من الشرك إلى الهدى
417
وصلاح الدِّين والدنيا، فهو محمود عند ذوي الأحلام والنهي.
ولأن إقباله على القوم إذ كان؛ لمكان دعائهم إلى الإسلام، وقد أمرنا بدعاء الكفرة إلى الإسلام، وإن كان في دعائهم إتلاف أنفسنا وأموالنا، فلأن يسوغ الدعاء من وجه ليس فيه إلا تعبيس الوجه على واحد من المسلمين - أولى، ولكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وجد منه هذا النوع من الإيثار؛ اجتهادا ورأيا، والأنبياء - عليهم السلام - قد جاءهم العتاب من اللَّه - تعالى - بتعاطيهم أمورا لم يسبق من اللَّه - تعالى - لهم الإذن في ذلك، وإن كان الذي تعاطوه من الأمور أمورا محمودة في تدبير الخلق؛ نحو ما عوتب يونس - عليه السلام - وعوقب بمفارقة قومه بغير إذن، وإن كان مثل تلك المفارقة لو وجدت من واحد من أهل الأرض، استوجب بها الحمد، وحسن الثناء؛ لأن تلك المفارقة لا تخلو من أحد أمور ثلاثة:
أحدها: أن قومه كانوا أهل كفر، وكانوا له أعداء في الدِّين، ففارقهم؛ لينجو منهم، ويسلم له دينه، ومثل هذا لو وجد من غير الأنبياء - عليهم السلام - عد ذلك من أفضل شمائله.
والثاني: أن في مفارقته من بين أظهرهم تخويفا لهم وتهويلاً؛ لأن القوم من قبل كان لا يفارقهم نبيهم من بين أظهرهم إلا وقتما يريد أن ينزل بهم العذاب؛ فكان في مفارقته إياهم تخويفهم وتهويلهم، فيدعوهم ذلك إلى الانقلاع عما هم عليه من الضلال، والفزع إلى اللَّه - تعالى - ومن خوف آخر بأمر يكون فيه دعاؤه إلى الهدى وردعه عن الضلال، فقد أبلغ في النصيحة، واستقام على الطريقة.
والثالث: أنه يفارقهم؛ ليستنصر بغيرهم فينصرونه عليهم، ويتقوى بهم؛ ليكون على دعائهم إلى الإسلام أمكن وأقدر، ومن كانت مفارقته من قومه على هذه النية، فلنعم المفارق هو، ثم عوتب مع هذا كله، وذكر اللَّه - تعالى - في الكتاب قصته للوجه الذي ذكرنا؛ فكذلك الوجه في معاتبة نبينا مُحَمَّد - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات.
ومنهم من ذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يقصد إلى تعبس الوجه على ابن أم مكتوم، ولا تولى
418
عنه عمدا لذلك، لكن لما قطع عليه حديثه، وكان فيه قطع رجاء إسلام أُولَئِكَ القوم، شق ذلك عليه، واعتراه من ذلك هم شديد، أثر ذلك في وجهه، لا أن كان منه ذلك على القصد.
ووجه آخر: أن يقال: إن اللَّه - تعالى - جعل في قلبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الشفقة والرحمة على العالمين حتى بلغ من شفقته أن كادت نفسه تذهب على من أعرض عن دين اللَّه - تعالى - والإيمان به حسرات عليه، وحتى قيل له: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وقال: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)، وقال: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ).
وتأويله: ألا تحزن بمكانهم كل هذا الحزن؛ فيكون فيه تخفيف الأمر عليه، لا أن يكون فيه نهي عن الحزن وعن الحسرة؛ ولذلك قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)، ومعناه - واللَّه أعلم -: ألا تحمل نفسك كل هذا التحميل حتى تمتنع عن الانتفاع بما أحل اللَّه لك الانتفاع به؛ طلبا لمرضاتهن، لا أن ينهاه عن ابتغاء مرضاتهن؛ بل قد ندب إلى ابتغاء مرضاتهن بقوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) الآية، فجائز أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - اشتد عليه إعراض أُولَئِكَ القوم عن الإيمان، وكبر ذلك عليه حتى تغير لون وجهه؛ فظهرت عبوسة وجهه؛ فنزل قوله - تعالى -: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) يبين شدة ما اعتراه من الهم حتى أثر ذلك في وجهه، لا أن يكون فيه مذمة ومنقصة له.
ثم في هذه الآية فوائد أخر:
إحداها: جواز العمل بالاجتهاد؛ لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فعل هذا النوع من العمل اجتهادا، لا نصا؛ إذ لو كان الإذن بالتولي والتعبس سائغا، لم يكن يعاتب بفعل قد أمر به.
فَإِنْ قِيلَ: كيف لا تدل المعاتبة على النهي عن إقدامه على مثله؛ فيحرم عليه الاجتهاد؟
قيل له: لو كان هذا نهيا، لم يكن يعود إلى العمل بالاجتهاد بعد ذلك، وقد وجد منه - عليه السلام - العود؛ لقوله: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)، وبقوله:
419
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)، فثبت أنه ليس فيه نهي.
وفيه أن الكافر وإن كان مبجلا معظما في قومه، فليس على المؤمنين أن يعظموه ويبجلوه، بل يسترذل ويستخف به، وأن المسلم ينبغي أن يعظم ويكرم، وإن كان حقيرا في أعين الخلق.
وفيه آية رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ودلالة نبوته، وأنه لم يختلق هذا الكتاب من عند نفسه؛ لأن من يتعاطى فعلا حقه الستر، فهو يستره على نفسه، ولا يهتك عليها الستر؛ لئلا يذم عليه، فلو لم يكن مأمورًا بتبليغ الرسالة لكان يجتهد في الستر على نفسه، ولا يبديه للخلائق، ولكنه كان رسولا لم يجد من تبليغه إلى الخلق بدًّا، فبلغه كما أمر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) " لعل " من اللَّه - تعالى - وأجب.
وقوله: (يَزَّكَّى)، أي: يتزكى بعمله ونيته وقوله.
وفي هذه الآية قضاء بإبطال قول من زعم أن جميع ما في القرآن: (وَمَا يُدْرِيكَ) فهو مما لم يدره؛ يروى ذلك عن سفيان بن عيينة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره؛ لأنه قد أدراه هاهنا بقوله: (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) و " لعل " من اللَّه تعالى واجب، وإذا جعلته واجبا فقد زكاه، وإذا زكاه فقد علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون يتذكر بتذكيرك إياه؛ فينتفع بتذكيرك.
والثاني: أن يتذكر فيما ذكرته من العواقب وما يحق عليه في حاله؛ فينتفع به؛ فتكون المنفعة في التأويل الأول بالتذكر بنفس تذكير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وفي التأويل الثاني بتذكره فيما ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) أي: بما اختار هو عما جئت به من الدِّين.
أو استغنى بالذي زين له الشيطان عما جئت به.
أو يكون على الغناء المعروف؛ لأن الذين أقبل عليهم بوجهه كانوا أهل ثروة وغناء، فأقبل عليهم؛ رجاء أن يسلموا فيتبعهم أتباعهم في الإسلام؛ إذ كانوا من رؤسائهم وأجلتهم.
الآية ٤ : وقوله تعالى :﴿ أو يذكر فتنفعه الذكرى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون يتذكر بتذكرك إياه، فينتفع بتذكرك.
والثاني : أن يتذكر في ما ذكرته من العواقب وما يحق في حالة فينتفع به.
فتكون المنفعة في التأويل الأول بالتذكر بنفس تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وفي التأويل الثاني بتذكره في ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
الآية ٥ : وقوله تعالى :﴿ أما من استغنى ﴾ أي بما اختاره عما جئت به من الدين، واستغنى بالذي زين له الشيطان عما جئت به، أو يكون على الغنى المعروف، لأن الذين أقبل عليهم بوجهه كانوا أهل ثروة وغنى، فأقبل عليهم رجاء أن يسلموا، فيتبعهم أتباعهم في الإسلام، إذ كانوا من رؤسائهم وأجلتهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) أي: مقبل عليه بوجهك.
وقوله: (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) أي: ليس عليك غير التذكير إذا أعرض عنك وعاداك لم يمكن منه إلحاق ضرر بك؛ بل اللَّه يعصمك، ويدفع عنك شره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) أي: يعمل لله - تعالى - ويخشاه، فجائز أن تكون الخشية علة للسعي، فيكون معناه: أن خشيته هي التي حملته إلى السعي.
وقد يجوز أن يخرج الكلام مخرج العطف على جعل أحدهما علة للآخر ودليلا للسعي؛ فيكون معناه: أن خشيته هي التي حملته إلى السعي.
وقد يجوز أن يخرج الكلام مخرج العطف على جعل أحدهما علة للآخر ودليلا له، قال اللَّه - تعالى -: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)، فكان الإحياء الأول دليلا للإحياء الثاني في موضع العطف والترتيب على الكلام الأول.
أو أن يكون ابتداء، فقوله: (جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى) لله تعالى، ويخاف التبعة وحلول النقمة.
وقوله - تعالى -: (كَلَّا... (١١) قال الحسن: معناه: أن الذي فعلته من التولى عن المؤمنين والإقبال على الكفرة، ليس من حكمي.
وذكر أبو بكر الأصم: لما نزل قوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) إلى قوله: (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) تغير وجه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وخاف زوال الرسالة، وأن يمحى اسمه منها، فلما نزل قوله: (كَلَّا) علم أنه لم يودعه ربه؛ حيث نهاه عن العود إلى مثله.
وقال المفسرون: (كَلَّا)، أي: لا تعد إلى مثل هذا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ):
جائز أن يكون هذا منصرفا إلى السور كلها.
وجائز أن يكون منصرفا إلى هذه السورة؛ لأن فيها إثبات التوحيد وإثبات الرسالة من
الآية ٧ :[ وقوله تعالى ]١ :﴿ وما عليك ألا يزكى ﴾ أي ليس عليك غير التذكر إذا أعرض عنك، وعاداك، لن يمكن من إلحاق ضرر بك، بل الله يعصمك، ويدفع عنك شره.
١ من م: ساقطة من الأصل..
الآيتان ٨ و٩ : وقوله تعالى :﴿ وما من جاءك يسعى ﴾ ﴿ وهو يخشى ﴾ أي يعمل لله تعالى، ويخشاه.
فجائز أن تكون الخشية علة للسعي، فيكون معناه : أن خشيته هي التي حملته إلى السعي، وقد يجوز أن يخرج الكلام مخرج العطف على جعل أحدهما علة للأخرى ودليلا له. قال الله تعالى :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] فكان الإحياء الأول دليلا للإحياء الثاني في موضع العطف والترتيب على الكلام الأول.
أو أن يكون ابتداء : فقوله :﴿ جاءك يسعى ﴾ ﴿ وهو يخشى ﴾ الله تعالى، ويخاف التبعة وحلول النقمة.
الآيتان ١٠ و١١ : وقوله تعالى :[ ﴿ فأنت عنه تلهى ﴾ ]١ ﴿ كلا ﴾ قال الحسن : معناه أن الذي فعلته من التولي عن المؤمنين والإقبال على الكفرة ليس من حكمي.
وذكر أبو بكر الأصم لما نزل قوله تعالى :﴿ عبس وتولى ﴾ إلى قوله :﴿ فأنت عنه تلهى ﴾ تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف زوال الرسالة، وأن يمحى اسمه عنها. فلما نزل قوله تعالى :﴿ كلا ﴾ علم أنه لم يوعده ربه حين٢ نهاه عن العود إلى مثله.
وقال المفسرون :﴿ كلا ﴾ أي لا تعد إلى مثل هذا.
وقوله تعالى :﴿ إنها تذكرة ﴾ فجائز أن يكون هذا منصرفا إلى السور٣/٦٢٦ – ب/كلها. وجائز أن يكون منصرفا إلى هذه السورة لأن فيها إثبات التوحيد وإثبات الرسالة من الوجه الذي ذكرنا دلالة البعث وآياته أن خلق البشر ليس على البعث، فهي تذكرة لمن يذّكّر بها. وجائز أن يكون منصرفا إلى الآيات التي قبل هذا في هذه السورة، وهو أن في ما تقدم في هذه السورة من الآيات تثبيت رسالته بما تقدم ذكرنا له جائز أن يقال : إن هذه تذكرة، أي هذه المعاتبة تذكرة للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين ليعرفوا من يستوجب التعظيم والتبجيل ومن يستوجب إهانته والاستخفاف.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: حيث..
٣ من م، في الأصل: السورة..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:الآيتان ١٠ و١١ : وقوله تعالى :[ ﴿ فأنت عنه تلهى ﴾ ]١ ﴿ كلا ﴾ قال الحسن : معناه أن الذي فعلته من التولي عن المؤمنين والإقبال على الكفرة ليس من حكمي.
وذكر أبو بكر الأصم لما نزل قوله تعالى :﴿ عبس وتولى ﴾ إلى قوله :﴿ فأنت عنه تلهى ﴾ تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف زوال الرسالة، وأن يمحى اسمه عنها. فلما نزل قوله تعالى :﴿ كلا ﴾ علم أنه لم يوعده ربه حين٢ نهاه عن العود إلى مثله.
وقال المفسرون :﴿ كلا ﴾ أي لا تعد إلى مثل هذا.
وقوله تعالى :﴿ إنها تذكرة ﴾ فجائز أن يكون هذا منصرفا إلى السور٣/٦٢٦ – ب/كلها. وجائز أن يكون منصرفا إلى هذه السورة لأن فيها إثبات التوحيد وإثبات الرسالة من الوجه الذي ذكرنا دلالة البعث وآياته أن خلق البشر ليس على البعث، فهي تذكرة لمن يذّكّر بها. وجائز أن يكون منصرفا إلى الآيات التي قبل هذا في هذه السورة، وهو أن في ما تقدم في هذه السورة من الآيات تثبيت رسالته بما تقدم ذكرنا له جائز أن يقال : إن هذه تذكرة، أي هذه المعاتبة تذكرة للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين ليعرفوا من يستوجب التعظيم والتبجيل ومن يستوجب إهانته والاستخفاف.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: حيث..
٣ من م، في الأصل: السورة..

الوجه الذي ذكرنا، ودلالة البعث وآياته أن خلق البشر ليس على العبث، فهي تذكرة لمن يذكر بها.
أو جائز أن يكون منصرفا إلى الآيات التي قبل هذا في هذه السورة، وهو أن فيما تقدم في هذه السورة من الآيات تثبيت رسالته بما تقدم ذكرنا له.
وجائز أن يقال: إن هذه تذكرة؛ أي: هذه المعاتبة تذكرة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولجميع المؤمنين؛ ليعرفوا من يستوجب التعظيم والتبجيل، ومن يستوجب إهانته والاستخفاف.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) جائز أن يكون معناه: من شاء اللَّه أن يذكره، أو ما شاء ذكره؛ أي: قد مكن كل من التذكير، وأنه ليس أحد بممنوع ولا مجبور على الفعل، فمن ترك التذكر، فهو الذي ضيع ذلك؛ حيث آثر واختار ضده، واشتغل بغيره، وأعرض عن ذكره.
وجائز أن يكون على تحقيق الفعل؛ أي: من تذكر به فهو ذكر له؛ فكنى بالمشيئة عن الفعل؛ لما ذكرنا أنها تقترن بالفعل ولا تزايله؛ فيكون في ذكرها ذكر الفعل.
أو يكون على إرادة الفعل قبل وجوده.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) قيل: هي الصحف المتقدمة؛ كقوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى).
وقوله: (فِي صُحُفٍ) أي: في أيدي الملائكة.
وقوله: (مُكَرَّمَةٍ)، أي: مكرمة بما يكرمها أهل الكرامة، وهم السفرة البررة.
أو مكرمة على اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) أي: مرفوعة القدر، مطهرة من التناقض والاختلاف.
أو مطهرة من أن ينالها أيدي العصاة.
أو مطهرة من الأقذار والأدناس.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) السفرة: الكتبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦) أي: كرام على اللَّه تعالى، بررة في أعمالهم؛ كما وصفهم اللَّه - تعالى - بقوله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
الآية ١٣ : وقوله تعالى :﴿ في صحف مكرمة ﴾ قيل : هي الصحف المتقدمة كقوله :﴿ إن هذا لفي الصحف الأولى ﴾ ﴿ صحف إبراهيم وموسى ﴾ [ الأعلى : ١٨ و١٩ ]. وقوله :﴿ في صحف ﴾ أي بأيدي الملائكة، وقوله :﴿ مكرمة ﴾ أي بما يكرمها أهل الكرامة، وهم السفرة البررة، أو مكرمة على الله تعالى.
الآية ١٤ : وقوله تعالى :﴿ مرفوعة ﴾ أي مرفوعة القدر ﴿ مطهرة ﴾ من التناقض والاختلاف، أو مطهرة من أن تنالها أيدي العصاة، أو مطهرة من الأقذار والأدناس.
الآية ١٥ : وقوله تعالى :﴿ بأيدي سفرة ﴾ فالسفرة الكتبة.
الآية ١٦ : وقوله تعالى :﴿ كرام برره ﴾ أي كرام على الله تعالى بررة في أعمالهم كما وصفهم الله تعالى بقوله :﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ [ التحريم : ٦ ].
قوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، قالوا: تأويله: لعن الإنسان.
وذكر الحسن والمعتزلة: أن هذا من اللَّه - تعالى - على الشتم والتسمية له بذلك، واستجازوا الشتم منه.
والأصل أن ليس في الشتم إلا ظهور سفه الشاتم وعبثه؛ إذ لا ضرر يلحق بالمشتوم من جهة الشتم، وإنما ضرر ذلك الشتم على الشاتم خاصة، وأما المشتوم فإنما يصير مشتوما بفعله لا بشتم الشاتم، وجل اللَّه - تعالى - من أن ينسب إليه فعل السفه؛ فلذلك قلنا: إنه لا يتحقق معنى الشتم في الكلمة التي عرفت شتما فيما بين الخلق إذا جاءت من اللَّه - تعالى - كما لا يحقق من الكلمة التي عرفت اغتيابا فيما بين الخلق إذا جاءت من اللَّه - تعالى - معنى الاغتياب، بل يحمل ذلك على الردع والتنبيه؛ فيكون في ذكرها تخويف من خوطب بها، وتذكر للخلق سفهه وجهله؛ ألا ترى أن المرء في الشاهد قد يتكلم بما فيه هتك الستر على المخاطب ثم لا يعد ذلك منه اغتيابا؛ إذا قصد به وعظه وزجره عما هو فيه، وأرشده إلى ما فيه صلاح آخرته وأولاه، فكذلك اللَّه - تعالى - إذا جاء منه ما يعد شتما من غيره واغتيابا، لم يلحقه وصف الشتم والغيبة؛ إذ ذلك منه على التذكير والتنبيه للخلق، وعلى التخويف والتهويل لمن نسب إليه ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَكْفَرَهُ)، أي: ما أقبح كفره، وأوحشه، وأشنعه؛ لأنه علم أن جميع ما أنعم به من النعيم فمن اللَّه - تعالى - ثم هو لم يشكر نعمه، ولا أطاعه فيما دعاه إليه؛ بل وجه شكر نعمه إلى من لا ينفعه ولا يضره، وعند من لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عنه شيئا، وما هذا إلا غاية الفحش ونهاية القبح.
أو ما أوحش كفره وأقبحه بما سوى بين الشكور والكفور، وبين المفسد والمصلح،
وبين الولي والعدو، والعقل يوجب التفرقة بينهما، فهو بإنكاره البعث كابر عقله وعانده، فما أشد كفر من هذا وصفه.
ثم قوله - تعالى -: (مَا أَكْفَرَهُ) أي: أي شيء أكفره؟ فيكون في ذكره تعجيب لمن آمن من الخلائق وتذكير لهم عن سوء من هذا فعله وسوء معاملته مع ربه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ... (١٩) فكأنه قال: إن الذي كفر قد علم أنه خلق من نطفة، وتلك النطفة موات، لا سمع فيها ولا عقل، ولا شيء من الجوارح، ثم اللَّه تعالى بلطفه وعجيب حكمته دبر فيها بصرا يرى بفتحة واحدة، وفي أدنى وهلة مسيرة خمسمائة عام، وقدر فيها عقلا يرى به ملكوت السماوات والأرض، وقدر فيها السمع، والبصر، وغيرهما من الجوارح، أفترى أن من بلغت قدرته هذا يعجز عن إحياء من أماته وعن بعثه بأقل من لحظة.
أو يكون قوله: (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) تعريفًا منه أنه خلقه من نطفة، ويكون في ذكره ما ذكرنا من الفوائد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَدَّرَهُ)، أي: سواه على وجه يكون فيه دلالة ربوبيته وشهادة وحدانيته.
أو قدره على ما فيه صلاحه ومنفعته.
أو قدره على ما يشاء من القصر والطول، والدمامة والملاحة، وغير ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) يحتمل أن يكون المراد من السبيل الدِّين، فكأنه يقول: يسر له سبيل درك ذلك السبيل إلى اللَّه - تعالى - على ما ذكرنا أن الدِّين إذا أطلق أريد به دين اللَّه تعالى، وكذلك الكتاب المطلق يراد به كتاب اللَّه تعالى؛ فعلى ذلك: السبيل إذا ذكر مطلقا كان منصرفا إلى سبيل اللَّه تعالى.
أو يسر له السبيل: سبيل الهدى، وسبيل الضلال، والسبيل الذي لو سلكه نفعه، والسبيل الذي يضره.
أو يسر له السبيل الذي علم اللَّه أنه يختاره؛ كقوله - تعالى -: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى...).
أو يسر عليه سبيل الخروج من بطن أمه على ضيق ذلك الموضع وكبر جثته؛ ليعلموا أن من بلغت قوته هذا فهو قادر على ما أراد، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه أمر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:الآيتان ١٨ و١٩ : وقوله تعالى :﴿ من أي شيء خلقه ﴾ ﴿ من نطفة خلقه فقدره ﴾ فكأنه قال : إن الذي كفر، وقد علم أنه خلق من نطفة، تلك النطفة موات، لا سمع فيها، ولا عقل، ولا شيء من الجوارح، ثم الله تعالى بلطفه وعجيب حكمته، دبر فيها بصرا، يرى بفتحة واحدة وفي أدنى وهلة مسيرة خمس مئة عام، وقدر فيها عقلا، يرى به ملكوت السماوات والأرض، وقدر فيها السمع والبصر وغيرهما من الجوارح.
أفترى أن من بلغت قدرته هذا يعجز عن إحياء من أماته وعن بعثه بأقل من لحظة ؟ أو يكون قوله :﴿ من نطفة خلقه ﴾ تعريفا١ منه أنه خلقه من نطفة، ويكون في ذكره ما ذكرنا من الفوائد.
وقوله تعالى :﴿ فقدره ﴾ أي سواه على وجه تكون فيه دلالة ربوبيته وشهادة وحدانيته أو قدره على ما فيه صلاحه ومنفعته أو قدره على [ ما ]٢ يشاء من القصر والطول والدمامة والملاحة وغير ذلك.
١ في الأصل وم: تعريف..
٢ ساقطة من الأصل وم..

الآية ٢٠ : وقوله تعالى :﴿ ثم السبيل يسره ﴾ يحتمل أن يكون المراد من السبيل الدين ؛ فكأنه يقول : يسر له درك ذلك السبيل إلى الله تعالى على ما ذكرنا أن الدين إذا أطلق أريد به دين الله تعالى، وكذلك الكتاب المطلق يراد به كتاب الله تعالى. فعلى ذلك السبيل إذا ذكر مطلقا كان منصرفا إلى سبيل الله تعالى، أو يسر له السبيل سبيل الهدى وسبيل الضلال والسبيل [ الذي لو سلكه نفعه والسبيل ]١ الذي يضره، أو يسر له السبيل الذي علم الله أنه يختاره كقوله تعالى :﴿ فأما من أعطى واتقى ﴾ ﴿ وصدق بالحسنى ﴾ ﴿ فسنيسره لليسرى ﴾ ﴿ وأما من بخل واستغنى ﴾ ﴿ وكذب بالحسنى ﴾ ﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ [ الليل : ٥ إلى ١٠ ] أي يسر عليه سبيل الخروج من بطن أمه على ضيق ذلك الموضع وكبر جثته ليعلموا أن من بلغت قوته هذا فهو قادر على [ ما ]٢ أراد، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه أمر.
١ من م، ساقطة من الأصل..
٢ ساقطة من الأصل وم..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ففي ذكر هذا ذكر النعم، وهو أن اللَّه - تعالى - جعل لما يخبث ويتغير كنًّا يكنُّ فيه؛ فيستره عن الخلق؛ لئلا يعافوه ويستقذروه، لم يجعل ذلك لغيرهم، وجعل لأنفسهم إذا هم تغيرت أجسادهم بالموت، وصارت بحيث تستخبث وتستقذر - كنا تستتر فيها؛ لتغيب عن الخلق؛ فلا يتأذوا بها، فذكرهم هذا؛ ليشكروه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) معناه - واللَّه أعلم -: كذلك إذا شاء أنشره؛ لأن هذا كله إخبار في موضع الاحتجاج، فكأنه قال: إن الذي خلقه من نطفة وقدره، ثم أماته فأقبره، فهو كذلك ينشره إذا شاء، وكذلك هذا في قوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)، أي: إن الذي أحياكم، ثم أماتكم، فكذلك هو الذي يحييكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣):
منهم من ذكر أن هذا الخطاب في كل أحد، لا ترى إنسانا قضى جميع ما عليه من الأمر على حد ما أمر حتى لا يغفل عنه ولا يقصر فيه؛ بل من اللَّه - تعالى - على كل أحد في كل طرفة عين نعمة، لا يتهيأ لأحد أن يقوم بكنه شكرها حتى لا يقع منه في ذلك جفاء ولا تقصير.
ومنهم من يقول: هذا في الكفار خاصة، لا يقضون ما أمروا به من التوحيد.
فإن كان على هذا فهو منصرف إلى ابتداء الأمر.
وإن كان على الوجه الأول، فهو منصرف إلى كنه الأمر، ويستقيم توجيهه إلى الكافر، على ما ذكروا؛ لأن إيمان المؤمن له حكم التجدد في كل وقت. إذ هو في كل وقت مأمور باجتناب الكفر، فهو يجتنبه، فذلك يكون، وإذا كان كذلك، ثبت أنه في كل وقت مؤمن؛ لما أمر به هو مجتنب عما نهي عنه، فهو بإيمانه راجع عن الزلات في كل حال، معتقد للوفاء بما أمر به؛ لذلك كان صرفه إلى الكافر أوجَهُ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) كيف قدر له حيث استعمل فيه
425
السماوات، والأرضين، والهواء، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، فاستعمال السماء في إنزال المطر منها، واستعمال الهواء في جعله مسلكا للمطر، واستعمال الأرض في جعلها قرارا للمطر وأخرج منها ما فيه قوامهم ومنافعهم؛ فيكون في ذكر هذا فوائد:
إحداها: في موضع التعريف للخلائق: أن منشئ السماوات والأرضين، ومنشئ الخلق والشمس والقمر - واحد؛ لاتصال منافع بعض ببعض؛ إذ لو لم يكن كذلك، لكان لمنشئ السماء أن يمنع منافع السماء عن خلق منشئ الأرض.
والثانية: فيه تذكير قوته وعجيب حكمته؛ ليعلموا أنه قادر على كل ما يريد فعله؛ لا يضعف عن ذلك، ولا يعجزه شيء؛ لأنه جمع بين منافع ما ذكرنا مع تناقضها واختلافها في نفسها، فجعلها من حيث المنافع متسقة متفقة، وجعل كل واحدة منهن كالمتصلة بالأخرى، المقترنة بها مع بعد ما بينهما، فمن قدر على الاتساق بين الأشياء المختلفة، وقدر على الوصل بين الأشياء المتباعدة بعضها عن بعض - لقادر على إحياء الأموات والبعث.
والثالثة: ذكرهم هذا ليبين لهم حكمته وعلمه؛ ليعلموا أنه لا يخلق الخلق عبثا، ولا يتركهم سدى لا يستأدي منهم الشكر، ولا يبعثهم؛ بل ينشئهم ويميتهم فقط، فيخرج خلقه على ما فيه خروج عن الحكمة، ولأنه خلق البشر على وجه تمسه الحاجات، وتمسه الشهوات، وقدر الطعام على وجه إذا تناول منه دفع حاجته وسكن شهوته، ولو أراد أحد أن يتدارك المعنى الذي يعمل في دفع الحاجة وتسكين الشهوة ما هو؟ لم يصل إلى تعرفه؛ فيؤدي تفكره إلى دفع الشبه والاعتراضات التي تعتريه في أمر البعث وغيره؛ إذا كانوا يقدرون الأمور على قواهم ويسوونها على ما ينتهي إليه تدبيرهم، فإذا وجدوا في الطعام معاني هي خارجة من تدبيرهم وقواهم علموا أن ليس الأمر على ما قدروا؛ فيرتفع عنهم الريب والإشكال، وكذلك لو أرادوا أن يستخرجوا من الماء المعنى الذي به صلح أن تكون به حياة الأشياء كلها مع اختلاف الأشياء وتفاوتها واختلاف طعومها وألوانها - لم يمكنهم ذلك؛ فيعلمون أن الذي بلغت حكمته هذا المبلغ قادر على ما يشاء، فعال لما يريد، ويكون في النظر فيما ذكر حاجته وافتقاره إلى غيره تبيين أن اللَّه - تعالى - لم ينشئ الخلق لحاجة نفسه، وإنَّمَا خلق لحاجة البشر إليه.
426
الآية ٢٢ : وقوله تعالى :﴿ ثم إذا شاء أنشره ﴾ معناه، والله أعلم، كذلك إذا شاء أنشره لأن هذا كله إخبار في موضع الاحتجاج ؛ فكأنه قال : إن الذي خلقه من نطفة، وقدره، ثم أماته، فأقبره، فهو كذلك ينشره إذا شاء، وكذلك هذا في قوله :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] أي إن الذي أحياكم ثم أماتكم، فكذلك هو الذي يحييكم.
الآية ٢٣ : وقوله تعالى :﴿ كلا لما يقض ما أمره ﴾ فمنهم من ذكر أن هذا الخطاب في كل أحد، لا ترى إنسانا قضى جميع ما عليه من الأمر على حد ما أمر حتى لا يغفل عنه، ولا يقصر فيه، بل من الله تعالى على كل أحد في كل طرفة عين نعمة، لا يتهيأ لأحد أن يقوم بكنه شكرها حتى لا [ يقع ]١ منه في ذلك جفاء ولا تقصير. ومنهم من يقول : هذا في الكفار خاصة، ولا يقضون ما أمروا به من التوحيد.
فإذا كان على هذا فهو منصرف إلى ابتداء الأمر، وإن كان على الوجه الأول٢ فهو منصرف إلى كنه الأمر، ويستقيم توجيهه إلى الكافر على ما ذكروا، لأن إيمان المؤمن، له حكم التجدد في كل وقت ؛ إذ هو في كل وقت مأمور باجتناب الكفر، فهو يجتنبه، فذلك يكون. وإذا كان كذلك/٦٢٧ – أ/ثبت أنه في كل وقت مؤمن بما٣ أمر به، مجتنب٤ عما نهي عنه، فهو بإيمانه راجع عن الزلات في كل حال، معتقد للوفاء بما أمر به، لذلك كان صرفه إلى الكافر أوجب٥.
١ من م، ساقطة من الأصل..
٢ في الأصل وم: الذي..
٣ في الأصل وم: لما..
٤ أدرج قبلها في الأصل وم: هو..
٥ في الأصل وم: أوجه..
الآية ٢٤ : وقوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه ﴾ كيف قدر له حين١ استعمل فيه السماوات والأرضين والهواء والشمس والقمر والليل والنهار ؛ فاستعمال السماء في إنزال المطر منها، واستعمال الهواء في جعله٢ مسلكا للمطر، واستعمال الأرض في جعلها قرارا للمطر وإخراج ٣ منها ما فيه قوامهم ومنافعهم، فيكون في ذكر هذا فوائد :
أحداها٤ : في موضع التعريف للخلائق أن منشئ السماوات والأرضين ومنشئ الخلق والشمس والقمر واحد لاتصال منافع بعض ببعض، إذ لو لم يكن كذلك لكان لمنشئ السماء أن يمنع منافع السماء عن خلق منشئ الأرض.
[ والثانية ]٥ : فيه تذكير قوته وعجيب حكمته ليعلموا أنه قادر على كل ما يريد فعله، لا يضعف عن ذلك، ولا يعجزه شيء لأنه جمع بين منافع ما ذكرنا مع تناقضها واختلافها في نفسها، فجعلها من حيث المنافع متسقة متفقة، وجعل كل واحدة منهن كالمتصلة بالأخرى المقترنة بها مع بعد ما بينهما.
فمن قدر على الاتساق بين الأشياء، وقدر على الوصل بين الأشياء المتباعدة بعضها عن بعض قادر على إحياء الأموات والبعث.
[ الثالثة : تذكيرهم ]٦ هذا ليبين لهم حكمته وعلمه ليعلموا أنه لا يخلق عبثا، ولا يتركهم سدى، لا يستأدى منهم الشكر، ولا يبعثهم، بل ينشئهم، ويميتهم فقط، فيخرج خلقه على ما فيه خروج عن الحكمة.
[ الرابعة : أنه ]٧ خلق البشر على وجه، تمسهم الحاجات [ فيه، وتمسهم ]٨ الشهوات، وقدر الطعام على وجه، إذا تناول [ أحد ]٩ منه دفع حاجته، وسكن شهوته. ولو أراد أحد أيدرك١٠ المعنى الذي يعمل في دفع الحاجة وتسكين الشهوة ما هو ؟ لم يصل إلى تعرفه، فيؤدي تفكره إلى رفع الشبه والاعتراضات التي تعتريه في أمر البعث. وغيره إذا كانوا يقدرون الأمر على قواهم، ويسوّونها على ما ينتهي إليه تدبيرهم ؛ فإذا وجدوا في الطعام معاني، هي خارجة عن تدبيرهم وقواهم، علموا أن ليس الأمر على ما قدروا، فيرتفع عنهم الريب والإشكال.
كذلك لو أرادوا أن يستخرجوا من الماء المعنى الذي به صلح أن تكون به الحياة الأشياء كلها مع اختلاف الأشياء وتفاوتها واختلاف طعومها وألوانها لم يمكنهم ذلك، فيعلموا أن الذي بلغت حكمته هذا المبلغ قادر على ما يشاء ﴿ فعال لما يريد ﴾ [ هود : ١٠٧ و… ] ويكون في النظر في ما ذكر حاجته وافتقاره إلى غيره، ويتبين أن الله تعالى لم ينشئ الخلق لحاجة نفسه، وإنما خلقه لحاجة البشر إليه.
١ في الأصل وم: حيث..
٢ في الأصل وم: جعلها..
٣ في الأصل وم: وأخرج..
٤ في الأصل وم: أحدها..
٥ في الأصل وم: و..
٦ في الأصل وم: وذكرهم..
٧ في الأصل وم: ولأنه..
٨ في الأصل وم: وتمسه..
٩ ساقطة من الأصل وم..
١٠ في الأصل وم: يتدارك..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) ليقر الماء في شقوقها فيصل الخلق إلى الانتفاع به.
أو شققناها للنبات، فأنبتنا فيها حبا وعنبا، فذكر الحب والعنب، وأخبر أنه أنبتهما في الأرض، وهما في الحقيقة غير نابتين في الأرض، ولكن أخرجهما من أصل هو نابت في الأرض، فأضافهما إليها لما يرجع الابتداء إليها، وهو كقوله - تعالى -: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ)، ورزقنا من السماء المطر، لكن الذي هو رزقنا من الطعام وغيره إنما ينبت في الأرض، وخرج منها بالقطر من السماء؛ فأضيف إليه؛ فعلى ذلك أضيف الحب والعنب إلى ما ذكرنا؛ للمعنى الذي وصفنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَضْبًا (٢٨) القضب: هي الرطبة، سميت: قضبا؛ لأنها تقضب، وتقطع مرة بعد مرة.
(وَزَيْتُونًا... (٢٩) في ذكر الزيتون ما ذكرنا من الفائدة، وهي أن الزيتون ألين الأشياء نَبَتَ أصله في الجبال التي هي أصلب الأرض، فمن قدر على إخراج ألين الأشياء عن أصلب الأشياء لقادر على الإنشاء والبعث؛ إذ من قدر على أن يخرج ألين الأشياء من أصلب الأشياء لقادر على أن يلين القلوب القاسية حتى تلين لذكر اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) الحدائق هي البساتين التي أحدقت بالأشجار وأحاطت بها، والغلب: الغلاظ؛ يقال: رجل أغلب؛ إذا كان غليظ الرقبة، وقوم غلب الرقاب، أي: غلاظ، وقالوا - أيضا -: الغلب الأشجار الكثيفة الطويلة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) والأب: الكلأ، فيخبر أنه أنشأ هذه الأشياء؛ لتكون متاعا للخلق والأنعام، لا لمنافع نفسه.
* * *
قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) قال الحسن: هي اسم القيامة يصخ لها كل شيء، وبه يقول أبو بكر: إنه يصخ لمجيئها كل شيء، أي: يخشع لها ويطأطئ رأسه
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:الآيتان ٢٥ و٢٦ : وقوله تعالى :﴿ أنا صببنا الماء صبا ﴾ ﴿ ثم شققنا الأرض شقا ﴾ ليقر الماء في شقوقها، فيصل الخلق إلى الانتفاع به، أو شققناها للنبات.
الآيتان ٢٧ و٢٨ :[ وقوله تعالى ]١ ﴿ فأنبتنا فيها حبا ﴾ ﴿ وعنبا وقضبا ﴾ فذكر الحب والعنب، وأخبر أنه أنبتهما في الأرض، وهما في الحقيقة غير نابتين في الأرض، ولكن أخرجهما من أصل، هو نابت في الأرض، فأضافهما [ إليهما لما يرجع ]٢ الابتداء إليها، وهو كقوله تعالى :﴿ وفي السماء رزقكم ﴾ [ الذاريات : ٢٢ ] ورزقا من السماء المطر. لكن الذي هو رزقا من الطعام وغيره إنما ينبت في الأرض، ويخرج منها بالقطر من السماء، فأضيف إليه.
فعلى ذلك أضيف الحب والعنب إلى ما ذكرنا للمعنى الذي وصفنا.
وقوله تعالى :﴿ وقضبا ﴾ والقضب، هي الرطبة، سميت قضبا لأنها تقضب، وتقطع مرة بعد مرة.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: إليهما ليرجع..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:الآيتان ٢٧ و٢٨ :[ وقوله تعالى ]١ ﴿ فأنبتنا فيها حبا ﴾ ﴿ وعنبا وقضبا ﴾ فذكر الحب والعنب، وأخبر أنه أنبتهما في الأرض، وهما في الحقيقة غير نابتين في الأرض، ولكن أخرجهما من أصل، هو نابت في الأرض، فأضافهما [ إليهما لما يرجع ]٢ الابتداء إليها، وهو كقوله تعالى :﴿ وفي السماء رزقكم ﴾ [ الذاريات : ٢٢ ] ورزقا من السماء المطر. لكن الذي هو رزقا من الطعام وغيره إنما ينبت في الأرض، ويخرج منها بالقطر من السماء، فأضيف إليه.
فعلى ذلك أضيف الحب والعنب إلى ما ذكرنا للمعنى الذي وصفنا.
وقوله تعالى :﴿ وقضبا ﴾ والقضب، هي الرطبة، سميت قضبا لأنها تقضب، وتقطع مرة بعد مرة.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: إليهما ليرجع..

الآية ٢٩ :[ وقوله تعالى :]١ ﴿ وزيتونا ونخلا ﴾ ففي ذكر الزيتون ما ذكرنا من الفائدة، وهو أن الزيتون ألين الأشياء نبت أصله في الجبال التي هي أصلب الأرض، فمن قدر على إخراج ألين الأشياء من أصلب الأشياء قادر على الإنشاء والبعث ؛ إذ من قدر على أن يخرج ألين الأشياء من أصلب الأشياء قادر على أن يلين القلوب القاسية حتى تلين بذكر الله تعالى.
١ ساقطة من الأصل وم..
الآية ٣٠ : وقوله تعالى :﴿ وحدائق غلبا ﴾ فالحدائق، هي البساتين التي أحدقت بالأشجار، وأحاطت بها، والغلب الغلاظ ؛ يقال : رجل أغلب، إذا كان غليظ الرقبة، وقوم غلب الرقاب أي غلاظ. وقالوا أيضا : الغلب الأشجار الكثيفة الطويلة.
الآيتان ٣١ و٣٢ : وقوله تعالى :﴿ وفاكهة وأبّا ﴾ [ ﴿ متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ ]١ والأب الكلأ ؛ فيخبر أنه أنشأ هذه الأشياء لتكون متاعا للخلق والأنعام لا لمنافع نفسه.
١ ساقطة من الأصل وم..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:الآيتان ٣١ و٣٢ : وقوله تعالى :﴿ وفاكهة وأبّا ﴾ [ ﴿ متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ ]١ والأب الكلأ ؛ فيخبر أنه أنشأ هذه الأشياء لتكون متاعا للخلق والأنعام لا لمنافع نفسه.
١ ساقطة من الأصل وم..

الآية ٣٣ : وقوله تعالى :﴿ فإذا جاءت الصّاخّة ﴾ قال الحسن : هي اسم القيامة ؛ يصخ لها كل شيء، وبه يقول أبو بكر : إنه يصخ لمجيئها كل شيء، أي يخشع لها، ويطأطئ رأسه للداعي كما قال الله تعالى :﴿ مهطعين إلى الداعي ﴾ [ القمر : ٨ ].
وقال القتبي : الصاخة، هي الداهية، فذكر القيامة بالأحوال التي تكون فيها أو بالأفعال التي توجد فيها على ما ذكرنا.
وقال الزجاج : الصاخبة المصمة، تصم لها الأسماع عن كل شيء إلا إلى ما تدعى إليه١.
١ في الأصل وم: إليها..
للداعي، كما قال اللَّه تعالى: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ).
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الصاخة هي الداهية، فذكر القيامة بالأحوال التي تكون فيها، أو بالأفعال التي توجد فيها؛ على ما ذكرنا.
وقال الزجاج: الصاخة: المصمة، تصم لها الأسماع عن كل شيء إلا إلى ما يدعى إليها.
وقوله - عَزَّ وجل -: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) جائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار.
وجائز ألا يكون على التحقيق، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار، قال اللَّه - تعالى -: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم أنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض، وأنسوا بالاجتماع، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم، واهتموا لذلك.
ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة حتى كأنه لا أنساب بينهم، لا أن يكون بينهم في الحقيقة نسب، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال بحاله والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار؛ لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار، لا على تحقيق الفرار؛ لأنه قال: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) فما يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه.
أو يكون على حقيقة الفرار، وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير؛ فيخافون في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك فيحملهم على الفرار.
أو يفر كل واحد منهم عن تحمل ثقل الأقرباء، كما قال: (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)، وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم؛ بل يفرون.
ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة، وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة فيما بين الأخلاء بقوله: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال، وذلك
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:الآيات ٣٤ و٣٥ و٣٦ : وقوله تعالى :﴿ يوم يفر المرء من أخيه ﴾ [ ﴿ وأمه وأبيه ﴾ ﴿ وصاحبته وبنيه ﴾ ]١ فجائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار، وجائز ألا يكون على التحقيق، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار. قال الله تعالى :﴿ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض، وأنسوا بالاجتماع، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم، واهتموا لذلك.
ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة، حتى كأنه لا أنساب بينهم في الحقيقة٢، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال [ عن حال ]٣ والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار لا على تحقيق الفرار لأنه قال :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾ فما يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه، أو يكون على حقيقة الفرار.
وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير، فيخافوا٤ في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك، فيحملهم على الفرار، ويفر كل منهم من تحمل ثقل الأقرباء كما قال :﴿ وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ﴾ [ فاطر : ١٨ ] وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم، بل يفرون.
ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة. وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة في ما بين الأخلاء بقوله تعالى :﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴾ [ الزخرف : ٦٧ ].
وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال، وذلك في الوقت الذي لم يتفرغ [ أحد ]٥ عن شغل نفسه. فأما إذا آمن، وجاءته البشارة، فهو يقوم بشفاعته، ويسأل عن أحواله، ولا يفر منه.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ أدرج بعدها في الأصل وم: بنسب..
٣ في الأصل وم: بحاله..
٤ في الأصل وم: فيخافون..
٥ ساقطة من الأصل وم...

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:الآيات ٣٤ و٣٥ و٣٦ : وقوله تعالى :﴿ يوم يفر المرء من أخيه ﴾ [ ﴿ وأمه وأبيه ﴾ ﴿ وصاحبته وبنيه ﴾ ]١ فجائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار، وجائز ألا يكون على التحقيق، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار. قال الله تعالى :﴿ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض، وأنسوا بالاجتماع، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم، واهتموا لذلك.
ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة، حتى كأنه لا أنساب بينهم في الحقيقة٢، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال [ عن حال ]٣ والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار لا على تحقيق الفرار لأنه قال :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾ فما يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه، أو يكون على حقيقة الفرار.
وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير، فيخافوا٤ في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك، فيحملهم على الفرار، ويفر كل منهم من تحمل ثقل الأقرباء كما قال :﴿ وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ﴾ [ فاطر : ١٨ ] وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم، بل يفرون.
ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة. وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة في ما بين الأخلاء بقوله تعالى :﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴾ [ الزخرف : ٦٧ ].
وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال، وذلك في الوقت الذي لم يتفرغ [ أحد ]٥ عن شغل نفسه. فأما إذا آمن، وجاءته البشارة، فهو يقوم بشفاعته، ويسأل عن أحواله، ولا يفر منه.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ أدرج بعدها في الأصل وم: بنسب..
٣ في الأصل وم: بحاله..
٤ في الأصل وم: فيخافون..
٥ ساقطة من الأصل وم...

في الوقت الذي لم يتفرغ عن شغل نفسه، فأما إذا أمن وجاءته البشارة فهو يقوم بشفاعته، ويسأل عن أحواله، ولا يفر منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) قالوا: أفضى إلى كل إنسان ما يشغله عن غيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) أي: مضيئة، أو ناضرة، ناعمة، مشرقة؛ فيكون فيه إخبار عما هم فيه من النعيم؛ حتى يظهر ذلك في وجوههم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) أي: مسرورة بنعيم اللَّه - تعالى - الذي أنعم عليهم، مستبشرة برضاء اللَّه - تعالى عنها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) قالوا: هذا أول تغير يظهر في وجوههم، كأنما علاها الغبار، ثم تسود، ثم تطمس، وترد على أدبارها، كما قال: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) قال أبو بكر: (تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ)، أي: تغشاها الذلة، أو تعلوها، ثم تتلون بعد ذلك؛ فتكون كأنما علاها الغبار، ثم تسود على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢) أي: الكفرة بأنعم اللَّه تعالى، الفجرة: المائلة عن الحقوق، واللَّه الموفق، وصلى اللَّه على سيدنا مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
* * *
الآية ٣٨ : وقوله تعالى :﴿ وجوه يومئذ مسفرة ﴾ أي مضيئة أو ناضرة ناعمة مشرقة. فيكون فيه إخبار عما هم من النعيم حتى يظهر ذلك في وجوههم.
الآية ٣٩ : وقوله تعالى :﴿ ضاحكة مستبشرة ﴾ أي مسرورة بنعيم الله تعالى الذي أنعم عليهم ﴿ مستبشرة ﴾ برضا الله عنها.
الآية ٤٠ : وقوله تعالى :﴿ ووجوه يومئذ عليها غبرة ﴾ قالوا : هذا أول تغير يظهر في وجوههم، كأنما علاها الغبار، ثم تسود/٦٢٧ – ب/ثم تطمس، وترد على أدبارها كما قال :﴿ من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ﴾ [ النساء : ٤٧ ].
الآية ٤١ : وقوله تعالى :﴿ ترهقها قترة ﴾ قال أبو بكر :﴿ ترهقها قترة ﴾ أي تغشاها الذلة، أو تعلوها، ثم تتلون بعد ذلك، فتكون كأنما علاها الغبار، ثم تسود على ما ذكرنا.
الآية ٤٢ : وقوله تعالى :﴿ أولئك هم الكفرة الفجرة ﴾ أي الكفرة بأنعم الله تعالى، الفجرة المائلة عن الحقوق، والله الموافق [ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ]١.
١ من م، ساقطة من الأصل..
Icon