تفسير سورة التين

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة التين من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ ﴾ الخ، أقسم سبحانه وتعالى بأقسام أربعة على مقسم واحد، تعظيماً للمقسم به، وغرابة المقسم عليه. قوله: (أي المأكولين) هو قلو ابن عباس، وخص التين لأنه فاكهة وغذاء، ويشبه فواكه الجنة لكونه بلا عجم، ومن خواصه أنه طعام لطيف سريع الانهضام، لا يمكث في المعدة، يخرج رشحاً، ويلين الطبع، ويقلل البلغم، ويطهر الكليتين، ويزيل ما في المثانة من الرمل، وهو مرض يستولي على مقر البول فيحجز الماء عن الخروج بأجزاء دقيقة كالرمل يعسر معها البول، ويتأذى به الإنسان، فإذا زاد صار حصاة، ويفتح سدد الكبد والطحال، ويسمن البدن، ويقطع البواسير، ويطول الشعر، وهو أمان من الفالج، ومن أكلها مناماً، نال منالاً ورزقه الله أولاداً، وقد تستر آدم بورق التين حين خرج من الجنة، وأما الزيتون فهو من شجرة مباركة، فيه إدام ودهن، يؤكل ويستصبح به، وشجرته في أغلب البلاد، ولا يحتاج إلى خدمة وتربية، ويثبت في الأرض ألوفاً من السنين، ومن رأى ورق الزيتون في المنام، استمسك بالعروة الوثقى. قوله: (أو جبلين بالشام) ما ذكره المفسر قولان من أقوال كثيرة في المراد بالتين والزيتون، ومنها: أن التين مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس. ومنها: أن التين المسجد الحرام، والزيتون المسجد الأقصى. ومنها: أن التين مسجد دمشق، والزيتون مسجد بيت المقدس، ومنها غير ذلك. قوله: (الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى) أي وهو جبل عظيم فيه عيون وأشجار. إن قلت: كيف ذلك مع قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً ﴾[الأعراف: ١٤٣] المقتضى أنه دك ولم يبق له أثر؟ أجيب: بأنه متسع، والذي دك قطعة منه، وتخصيصه لكونه مباركاً، تشرف بتكليم موسى ربه عليه. قوله: (ومعنى سينين المبارك) أي فهو من اضافة الموصوف لصفته، و ﴿ سِينِينَ ﴾ يجوز أن يعرب بالحركات الثلاث على النون، مع لزومه الياء في أحواله كلها، ويكون ممنوعاً عن الصرف للعلمية والعجمة، لأنه علم على البقعة أو الأرض، وأن يعرب كجمع المذكر السالم بالواو رفعاً، وبالياء نصباً وجراً. قوله: (لأمن الناس فيها) أي فلا ينفر صيده ولا يقطع شجره. قوله: (الجنس) أي الماهية من حيث هي الشاملة للمؤمن والكافر. قوله: ﴿ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ أي في أعدل قامة وأحسن صورة، يتناول مأكوله بيده. مزيناً بالعلم والفهم والعقل والتمييز والنطق والأدب. قوله: (في بعض أفراده) أشار بذلك إلى أن في الآية استخداماً، حيث ذكر الإنسان أولاً بمعنى وهو الجنس، ثم أعاد الضمير عليه بمعنى آخر وهو الإنسان بمعنى بعض أفراده. قول: ﴿ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ السافلون هم الصغار والزمنى والأطفال، فالشيخ الكبير أسفل من هؤلاء، لأنه لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي سبيلاً، لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله وثقله عن أهله وجيرانه. قوله: (كناية عن الهرم والضعف) أي فالمعنى: ثم جعلناه ضعيفاً هرماً فهو بمعنى﴿ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ ﴾[النحل: ٧٠]﴿ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ ﴾[يس: ٦٨] وما ذكره المفسر أحد قولين في المراد بالرد إلى أسفل سافلين، والآخر أن المراد ﴿ رَدَدْنَاهُ ﴾ إلى النار، لأنها دركات بعضها أسفل من بعض. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ﴾ الخ، مشى المفسر على أن الاستثناء منقطع، وحينئذ فيكون المعنى ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ فزال عقله واقطع عمله، فلا يكتب له حسنة، (لكن) ﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ﴾ ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضعف، فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف، مثل الذي كانوا يعملونه في حال الشباب والصحة، وأما على القول الآخر، فالاستثناء متصل، ويكون المعنى: رددناه أسفل ممن سفل خلقاً وتركيباً، حساً ومعنى، وهم أهل النار ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ ألخ، فيكون بمعنى قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾[العصر: ٢-٣].
قوله: (غير مقطوع) أي ولا يمن به عليهم. قوله: (من الكبر ما يعجزه) (من) تعليلية و(ما) مفعول به واقعة على زمان. والمعنى: إذا بلغ المؤمن سبب الكبر زماناً يعجز فيه عن العمل، وفي بعض النسخ ما يعجزه، وحينئذ فيكون من الكبر بيان لما مقدماً عليه، والمعنى: إذا بلغ المؤمن كبراً يعجزه عن العمل. قوله: ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ ﴾ الخ، الاستفهام إنكاري، والخطاب للإنسان الكافر بطريق الالتفات، المعنى: فا الذي حملك أيها الإنسان على التكذيب بالبعث؟ أي أي سبب يحملك على التكذيب؟ ففي الكلام تعجب وتعجيب، وذلك أنه تعالى لما قرر أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم رده إلى أرذل العمر، دل على كمال قدرته على الإنشاء والإعادة، سأل بعد ذلك عن تكذيب الإنسان بالجزاء، لأن ما يتعجب منه يخفى سببه، هذا ما مشى عليه المفسر، وقيل: إن ما بمعنى من، والخطاب له صلى الله عليه وسلم، والمعنى: فمن يكذبك أيها الرسول الصادق المصدق بما جئت به من الحق بعد ظهور الدلائل القطعية على تصديقك؟ قوله: (وحكمة بالجزاء) مبتدأ، وقوله: (من ذلك) أي من جملة قضائه خبره.
Icon