ﰡ
مكية ٢
وآياتها مائة وثلاث وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)شرح الكلمات
آلر: هذا أحد الحروف المقطعة: يكتب آلر ويقرأ ألف، لام، را.
٢ واستثنى منها بعضهم آية: ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار..﴾ الآية فإنها مدنية وروي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "شيبتني هود وأخواتها" ويذكر القرطبي فيقول: قال أبو عبد الله: فالفزع يورث الشيب، وذلك أن الفزع يذهل النفر فينشف رطوبة الجسد، وتحت كل شعرة منبع ومنه يعرق فإذا نشف الفزع رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر فابيضّ، كما ترى الزرع الأخضر بسقائه فإذا ذهب سقاؤه يبس فابيضّ، وإنما يبيضّ شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده.
فصلت: أي ببيان الأحكام، والقصص والمواعظ، وأنواع الهدايات.
من لدن: أي من عند حكيم خبير وهو الله جل جلاله.
متاعاً حسناً: أي بطيب العيش وسعة الرزق.
إلى أجل مسمى.: أي موت الإنسان لأجله الذي كتب له.
ويؤت كل ذي فضل: أي ويعط كل ذي عمل صالح فاضل جزاءه الفاضل.
عذاب يوم كبير: هو عذاب يوم القيامة.
يثنون صدورهم: أي يطأطئون رؤوسهم فوق صدورهم ليستتروا عن الله في زعمهم.
يستغشون ثيابهم: يغطون رؤوسهم ووجوههم حتى لا يراهم الله في نظرهم الباطل.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿آلر﴾ هذا الحرف مما هو متشابه ويحسن تفويض معناه إلى الله فيقال: الله أعلم بمراده بذلك. وإن أفاد فائدتين الأولى: أن القرآن الكريم الذي تحداهم الله بالإتيان بمثله أو بسورة من مثله قد تألف من مثل هذه الحروف: آلم، آلر، طه، طس حم، ق، ن، فألفوا مثله فإن عجزتم فاعلموا أنه كتاب الله ووحيه وأن محمداً عبده ورسوله فآمنوا به، والثانية أنهم لما كانوا لا يريدون سماع القرآن بل أمروا باللغو عند قراءته، ١ ومنعوا الاستعلان به جاءت هذه الحروف على خلاف ما ألفوه في لغتهم واعتادوه في لهجاتهم العربية فاضطرتهم إلى سماعه فإذا سمعوا تأثروا به وآمنوا ولنعم الفائدة أفادتها هذه الحروف المقطعة.
وقوله تعالى ﴿كتاب٢ أحكمت آياته﴾ أي المؤلف من هذه الحروف كتاب عظيم أحكمت آياته أي رصفت ترصيفاً ونظمت تنظيماً متقناً لا خلل فيها ولا في تركيبها ولا معانيها، وقوله: ﴿ثم فصلت﴾ أي بين ما تحمله من أحكام وشرائع، ومواعظ وعقائد
٢ التنكير في ﴿كتاب﴾ للتفخيم والتعظيم، والأحكام أصله: إتقان الصنعة مشتق من الحكمة التي هي وضع الشيء في موضعهء فإحكام الآيات: سلامتها من الأخلال: التي تعرض لنوعها كمخالفة الواقع، والخلل في اللّفظ أو في المعنى.
وقوله: ﴿ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير﴾ أي أنزل الكتاب وأحكم آيَةُ وفصَّل أحكامه وأنواع هدايته بأن١ لا تعبدوا إلا الله إذ لا معبود حق إلا هو ولا عبادة تنفع إلا عبادته. وقوله ﴿إنني لكم منه نذير وبشير﴾ هذا قول رسوله المبلغ عنه يقول أيها الناس إني لكم منه أي من ربكم الحكيم العليم نذير بين يدي عذاب شديد إن لم تتوبوا فتؤمنوا وتوحدوا. وبشير أي أبشر من آمن ووحد وعمل صالحاً بالجنة في الآخرة ﴿وأن استغفروا٢ ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى﴾ أي وبأن تستغفروا ربكم باعترافكم بخطأكم بعبادة غيره، ثم تتوبوا إليه أي ترجعوا إليه بالإيمان به وبرسوله ووعده ووعيده وطاعته في أمره ونهيه، ولكم جزاء على ذلك وهو أن يمتعكم في هذه الحياة متاعاً حسناً بالنعم الوفيرة والخيرات الكثيرة إلى نهاية آجالكم المسماة لكل واحد منكم. وقوله ﴿ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ ٣ أي ويعط سبحانه وتعالى كل صاحب فضل في الدنيا من بر وصدقة وإحسان فضله تعالى يوم القيامة في دار الكرامة الجنة دار الأبرار. وقوله: ﴿وإن تولوا﴾ أي تعرضوا عن هذه الدعوة فتبقوا على شرككم وكفركم ﴿فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير﴾ وهو عذاب يوم القيامة. وقوله تعالى: ﴿إلى الله مرجعكم﴾ يخبرهم تعالى بعد أن أنذرهم عذاب يوم القيامة بأن مرجعهم إليه تعالى لا محالة فسوف يحييهم بعد موتهم ويجمعهم عنده ويجزيهم بعدله ورحمته ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ ومن ذلك إحياؤهم بعد موتهم ومجازاتهم السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها وهذا هو العدل والرحمة اللذان لا نظير لهما.
٢ إن قيل: لم قدّم الاستغفار عن التوبة؟ فالجواب: بأن العبد لا يستغفر إلاّ إذا علم أنه أذنب، ولا يتوب العبد حتى يعلم أنه مذنب وعندها يتوب فهذا سرّ تقديم الاستغفار عن التوبة.
٣ هذا كقوله تعالى: ﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله﴾ فالفضل الأوّل من العبد، وهو العمل الصالح، والفضل الثاني من الرّب وهو دخول الجنة.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- مظهر من مظاهر إعجاز القرآن وهو أنه مؤلف من الحروف المقطعة ولم تستطع العرب الإتيان بسورة مثله.
٢- بيان العلة في إنزال الكتاب وأحكام آية وتفصيلها وهي أن يعبد الله تعالى وحده وأن تستغفره المشركون ثم يتوبون إليه ليكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة.
٣- وجوب التخلي عن الشرك أولا، ثم العبادة الخالصة ثانياً.
٤- المعروف لا يضيع عند الله تعالى إذا كان صاحبه من أهل التوحيد ﴿ويؤت٣ كل ذي فضل فضله﴾.
٥- بيان جهل المشركين الذين كانوا يستترون عن الله برؤوسهم وثيابهم٤.
٦- مرجع الناس إلى ربهم شاءوا أم أبوا والجزاء عادل ولا يهلك على الله إلا هالك.
٢ لا مانع من توجيه الآية إلى هذا إذ مازال الناس إلى اليوم، إذا كرهوا الداعية إلى الله تعالى لا يحبون أن يروه أو يسمعوا صوته وقد يثنون صدورهم ويغطون وجوههم حتى لا يروه بغضاً له وكرهاً. والله عليم خبير.
٣ الثني: الطيّ، طوى الثوب إذ ثناء، وهو مأخوذ من جعل الواحد اثنين.
٤ أي: يطأطئون رؤوسهم على صدورهم ويتغطون بثيابهم إذ روي أن المشرك كان يدخل بيته ويرخي الستر عليه، ويستغشي ثوبه ويحنى ظهره ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي؟ وذلك لجهلهم بعظمة الله تعالى وقدرته وعلمه.
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (٨)
شرح الكلمات:
من دابّة: أي حيّ يدبّ على الأرض أي يمشي من إنسان وحيوان.
مستقرها: أي مكان استمرارها من الأرض.
ومستودعها: أي مكان استيداعها قبل استقرارها كأصلاب الرجال وأرحام النساء.
في كتاب مبين: أي اللوح المحفوظ.
في ستة أيام: أي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
وكان عرشه على الماء: إذ لم يكن قد خلق شيئاً من المخلوقات سواه، والماء على الهواء.
ليبلوكم: أي ليختبركم ليرى أيكم أحسن عملاً.
إلى أمة معدودة: أي إلى طائفة من الزمن معدودة.
وحاق بهم: أي نزل وأحاط بهم.
لما أخبر تعالى في الآية السابقة انه عليم بذات الصدور ذكر في هذه مظاهر علمه وقدرته تقريراً لما تضمنته الآية السابقة فقال عز وجل ﴿وما من دابّة في الأرض﴾ ١ من إنسان يمشي على الأرض أو حيوان يمشي عليها زاحفاً أو يمشي على رجلين أو أكثر أو يطير في السماء إلا وقد تكفّل الله برزقها أي بخلقه وإيجاده لها وبتعليمها كيف تطلبه وتحصل عليه، وهو تعالى يعلم كذلك مستقرها أي مكان استقرار تلك الدابة في الأرض، كما يعلم أيضاً مستودعها بعد موتها إلى أن تبعث بيوم القيامة.
وقوله تعالى ﴿كل في كتاب مبين﴾ أي من الدابة ورزقها ومستقرها ومستودعها قد دوّن قبل خلقه في كتاب المقادير اللوح المحفوظ، وقوله تعالى في الآية (٧) ﴿وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء﴾ أي أوجد السموات السبع والأرض وما فيها في ظرف ستة أيام وجائز أن تكون كأيام الدنيا، وجائز أن تكون كالأيام التي عنده وهي ألف سنة لقوله في سورة الحج ﴿وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ وقوله ﴿وكان عرشه على الماء﴾ ٢ أي خلق العرش قبل خلق السموات والأرض، والعرش: سرير المُلك ومنه يتم تدبير كل شيء في هذه الحياة، وقوله ﴿على الماء﴾ إذ لم يكن أرض ولا سماء فلم يكن إلا الماء كالهواء. وقوله تعالى ﴿ليبلوكم أيكم أحسن٣ عملاً﴾ أي خلقكم وخلق كل شيء لأجلكم، ليختبركم أيكم أطوع له وأحسن عملا أي بإخلاصة لله تعالى وحده وبفعله على نحو ما شرعه الله وبيّنه رسوله.
هذه مظاهر علمه تعالى وقدرته وبها استوجب العبادة وحده دون سواه وبها عُلم أنه لا يخفى عليه من أمر عباده شيء فكيف يحاول الجهلة إخفاء ما في صدورهم وما تقوم به جوارحهم بثني صدورهم واستغشاء ثيابهم ألا ساء ما يعملون.
وقوله تعالى ﴿ولئن قلت﴾ - أي أيها الرسول للمشركين- إنكم مبعوثون من بعد الموت،
٢ روى البخاري في حديث منه: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء".
٣ قال مقاتل: أيكم اتقى لله، وقال ابن عباس رضي الله عنه أيكم أعمل بطاعة الله عزّ وجلّ، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا ﴿أيكم أحسن عملا﴾ قال: أيّكم أحسن عقلا وأروع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله، ولو صحّ هذا الخبر لكان أتمّ وأجمع، وقال الفضيل: أحسن العمل: أخلصه وأصوبه. وهو كما قال.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- سعة علم الله تعالى وتكفله بأرزاق٢ مخلوقاته من إنسان وحيوان.
٢- بيان خلق الأكوان، وعلة الخلق.
٣- تقرير مبدأ البعث الآخر بعد تقرير الألوهية لله تعالى.
٤- لا ينبغي الاغترار بإمهال الله تعالى لأهل معصيته، فإنه قد يأخذهم فجأة وهم لا يشعرون.
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء
٢ قيل لحاتم الأصمّ: من أين تأكل؟ فقال من عند الله، فقيل له: الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء؟ فقال: كأنّ ماله إلاّ السماء! يا هذا: الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض، وأنشد يقول:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي | ورازق هذا الخلق في العسر واليسر |
وللضب في البيداء وللحوت في البحر
شرح الكلمات:
أذقنا الإنسان: أي أنلناه رحمة أي غنى وصحة.
ثم نزعناها منه: أي سلبناها منه.
يؤوس كفور: أي كثير اليأس أي القنوط شديد الكفر.
نعماء بعد ضراء: أي خيراً بعد شر.
السيئات: جمع سيئة وهي ما يسوء من المصائب.
فرح فخور: كثير الفرح والسرور والبطر.
صبروا: أي على الضراء والمكاره.
مغفرة: أي لذنوبهم.
وأجر كبير: أي الجنة دار الأبرار.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن الإنسان١ الذي لم يستنر بنور الإيمان ولم يتحل بصالح الأعمال إن أذاقه الله تعالى رحمة منه برخاء وسعة عيش وصحة بدن، ثم نزعها منه لأمر أراده الله تعالى ﴿إنه﴾ أي ذلك الإنسان ﴿ليؤوس﴾ ٢ أي كثير اليأس والقنوط ﴿كفور﴾ لربه الذي أنعم عليه جحود لما كان قد أنعم به عليه.
وقوله ﴿ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء﴾ أي أذقناه طعم نعمة ولذاذة رخاء وسعة عيش وصحة بدن بعد ضراء كانت قد أصابته من فقر ومرض ﴿ليقولن﴾ بدل أن يحمد الله ويشكره على إسعاده بعد شقاء وإغنائه بعد فقر وصحة بعد مرض يقول متبجحاً ﴿ذهب السيئات عني
٢ هو من باب: فحل بفعل يئس ييأس بأساً فهو آيس، وللمبالغة: يؤوس أي: كثير اليأس الذي هو: القنوط بانقطاع الرجاء، وجمله: {إنه ليؤوس كفور﴾ : جواب القسم في قوله: ﴿ولئن أذقنا الإنسان﴾ الخ.
هذا ما تضمنه قوله تعالى ﴿إلا الذين١ صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة﴾ ٢ أي لذنوبهم ﴿وأجر كبير﴾ عند ربهم وهو الجنة دار السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- أن الإنسان قبل أن يطهر بالإيمان والعمل الصالح يكون في غاية الضعف والانحطاط النفسي.
٢- ذم اليأس والقنوط٣ وحرمتهما.
٣- ذم الفرح بالدنيا والفخر بها.
٤- بيان كمال المؤمن الروحي المتمثل في الصبر والشكر وبيان جزائه بالمغفرة والجنة.
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٤)
٢ ﴿أولئك لهم مغفرة﴾ مبتدأ وخبر، ﴿وأجر كبير﴾ أجر: معطوف، وكبير: نعت.
٣ لقول الله تعالى: ﴿إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون﴾.
فلعلك: للاستفهام الإنكاري أي لا يقع منك ترك ولا يضق صدرك.
ضائق به صدرك: أي بتلاوته عليهم كراهية أن يقولوا كذا وكذا.
كنز: مال كثير تنفق منه على نفسك وعلى أتباعك.
وكيل: أي رقيب حفيظ.
افتراه: اختلقه وكذبه.
من استطعتم: من قدرتم على دعائهم لإعانتكم.
فهل أنتم مسلمون: أي أسلموا لله بمعنى انقادوا لأمره وأذعنوا له.
معني الآيات:
بعد أن كثرت مطالبة المشركين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يحول لهم جبال مكة ذهباً في اقتراحات منها لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها قال تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فلعلك نارك بعض ما يوحى إليك﴾ ١ أي لا تتلوه على المشركين ولا تبلغهم إياه لتهاونهم به وإعراضهم عنه ﴿وضائق به صدرك﴾ أي بالقرآن، كراهة أن تواجههم به فيقولوا ﴿لولا أنزل عليه كنز﴾ ٢ أي مال كثير يعيش عليه فيدل ذلك على إرسال الله له ﴿أو جاء معه ملك﴾ يدعو بدعوته ويصدقه فيها ويشهد له بها فلا ينبغي أن يكون ذلك منك أي فبلغ ولا يضق صدرك ﴿إنما أنت٣ نذير﴾ أي محذر عواقب الشرك والكفر والمعاصي، والله الوكيل على كل شيء أي الرقيب الحفيظ أما أنت فليس عليك من ذلك شيء.
وقوله تعالى ﴿أم يقولون افتراه﴾ أي بك يقولون افتراه أي افترى القرآن وقاله من نفسه بدون ما أوحي إليه، قل في الرد عليهم ﴿فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم﴾ ٤ دعوتهم لإعانتكم ﴿إن كنتم صادقين﴾ في دعواكم أني افتريته، فإن لم تستطيعوا ولن
٢ أي: هلا فهي للتحضيض وليست للامتناع.
٣ القصر هنا إضافي إذ معناه أنه مقصور على الإنذار وليس عليه هداية القلوب.
٤ أي: كالكهنة والأعوان والأصنام إذ يعتقدون أنها تنصرهم وتدفع عنهم وإلا لما عدوها مع الله تعالى.
وقوله ﴿فإن لم يستجيبوا لكم﴾ ١ أي قل لهم يا رسولنا فإن لم يستجب لنصرتكم من دعوتموه وعجزتم ﴿فاعلموا أنما أنزل بعلم الله﴾ ٢ أي أنزل القرآن متلبساً بعلم الله وذلك أقوى برهان على أنه وحيه وتنزيله ﴿وأن لا إله إلا هو﴾ ٣ أي وأنه لا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه، وأخيراً ﴿فهل أنتم مسلمون﴾ أي أسلموا بعد قيام الحجة عليكم بعجزكم، وذلك خير لكم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان ولاية الله لرسوله وتسديده له وتأييده.
٢- بيان ما كان عليه المشركون من عناد في الحق ومكابرة.
٣- بيان أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكَلَّفْ هداية الناس وإنما كلف إنذارهم عاقبة كفرهم وعصيانهم، وعلى الله تعالى بعد ذلك مجازاتهم.
٤- تحدي الله تعالى منكري النبوة والتوحيد بالإتيان بعشر سور من مثل القرآن فعجزوا وقامت عليهم الحجة وثبت أن القرآن كلام الله ووحيه وأن محمداً عبده ورسوله وأن الله لا إله إلا هو.
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (١٥) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ٤
٢ العلم: الاعتقاد اليقيني، أي: فأيقنوا أنّ القرآن ما أنزل إلاَّ بعلم الله أي: ملابساً له.
٣ معطوف على جملة: ﴿فاعلموا أنما أنزل بعلم الله﴾ أي: واعلموا أيضاً موقنين أنه لا إله إلا الله. حيث قامت الحجة عليهم بعجز آلهتهم عن الإتيان بعشر سور من مثل القرآن.
٤ روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار".
شرح الكلمات:
زينة الحياة الدنيا: المال والولد وأنواع اللباس والطعام والشراب.
توفّ إليهم: نعطهم نتاج أعمالهم وافياً.
لا يبخسون: أي لا ينقصون ثمرة أعمالهم.
وحبط: أي بطل وفسد.
على بينة من ربه.: أي على علم يقيني.
ويتلوه شاهد منه: أي يتبعه.
كتاب موسى: أي التوراة.
ومن يكفر به: أي بالقرآن.
فالنار موعده: أي مكان وعد به فهو لا محالة نازل به.
في مرية منه: أي في شك منه.
معنى الآيات:
لما أقام الله تعالى الحجة على المكذبين بعجزهم عن الإتيان بعشر سور من مثل القرآن مفتريات حيث ادعوا أن القرآن مفترى وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد افتراه ولم يبق إلا أن يختار المرء أحد الطريقين طريق الدنيا أو الآخرة الجنة أو النار فقال تعالى ﴿من كان يريد الحياة١ الدنيا وزينتها﴾ من مال وولد وجاه وسلطان وفاخر اللباس والرياش. ﴿نوف٢ إليهم أعمالهم فيها﴾ ٣ نعطهم نتاج عملهم فيها وافياً غير منقوص فعلى قدر جهدهم وكسبهم فيها يعطون ولا يبخسهم عملهم لكفرهم وتركهم، ثم هم بعد ذلك إن لم يتوبوا
٢ التوفية: إعطاء الشيء وافياً، وعُدي نوف: بإلى لأنه مضمن معنى: نوصل.
٣ لفظ ﴿أعمالهم﴾ يشمل الأعمال الخيرية والأعمال الدنيوية فالأعمال الخيرية كصلة الرحم، وقرى الضيف، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، فهذه لا يحرمها الكافر بل يجد جزاءها في الدنيا: بركة في ماله وولده وحياته، وأمّا الأعمال الدنيوية كالصناعة والزراعة والتجارة فهذه يوفى قدر جهده فيها، فبقدر ما يبذل من طاقة يحصل له من الكسب والربح والإنتاج فكفره لا يمنعه نتاج عمله بقدر ما يبذل فيه.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٥ والثانية ١٦) وهو قوله تعالى ﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون﴾ وقوله تعالى في الآية الثالثة (١٧) ﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ ٢ بما أوحى إليه من القرآن وما حواه من الأدلة والبراهين على توحيد الله ونبوة رسوله، وعلى المعاد الآخر، وقوله ﴿ويتلوه شاهد منه﴾ أي ويتبع ذلك الدليل دليل آخر وهو لسان الصدق الذي ينطق به وكمالاته الخُلُقَيَّة والروحية حيث نظر إليه إعرابي فقال والله ما هو بوجه كذّاب، ودليل ثالث في قوله ﴿ومن قبله كتاب موسى﴾ أي التوراة ﴿إماماً ورحمة﴾ شاهد له حيث حمل نعوت الرسول وصفاته ونعوت أمته وصفاتها في غير موضع منه أفمن هو على هذه البينات والدلائل والبراهين من صحة دينه، كمن لا دليل له ولا برهان إلا التقليد للضلال والمشركين، وقوله ﴿أولئك يؤمنون به﴾ أي أولئك الذين ثبتت لديهم تلك البيّنات والحجج والبراهين ﴿يؤمنون به﴾ أي بالقرآن الحق والنبي الحق والدين الحق. وقوله تعالى ﴿ومن يكفر به﴾ أي بالقرآن ونبيه ودينه من الأحزاب٣ أي من سائر الطوائف والأمم والشعوب فالنار موعده، وحسبه جهنم وبئس المصير٤
وقوله تعالى ﴿فلا تك في مرية منه﴾ ٥ أي فلا تك في شك منه أي في أن موعد من يكفر به من الأحزاب النار. وقوله ﴿إنه الحق من ربك﴾ أي٦ القرآن الذي كذّب به المكذبون وما تضمنه من الوعد والوعيد، والدين الحق كل ذلك هو الحق الثابت من ربك، إلا أن ﴿أكثر الناس لا يؤمنون﴾ ٧ وإن ظهرت الأدلة ولاحت الأعلام وقويت البراهين.
٢ اختلف في عود الضمائر في هذه الآية اختلافاً كثيراً، وقد اخترنا في التفسير عودها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا مانع من عودها على كل مؤمن صادق الإيمان، بقرينة الخبر وهو قوله: ﴿أولئك يؤمنون به﴾ وهم الفريق الذين أسلموا لمّا شاهدوا الحجج والبراهين.
٣ أظهرهم: المشركون واليهود، والنصارى والصابئة والمجوس.
٤ لأنهم لم يزكوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح فلذا فلا مأوى لهم إلاّ النّار.
٥ الخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل مؤمن أي: لا يشكنّ مؤمن في أن القرآن حق وأنّ ما أخبر به عن الكافرين مِن أنّ مأواهم النار حق.
٦ جملة: ﴿انه الحق من ربك﴾، مستأنفة مؤكدة لجملة: ﴿فلا تك في مرية منه﴾.
٧ لما سبق في علم الله وما قضى به قوله: ﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾.
من هداية الآيات:
١- بيان حقيقة وهي أن الكفر غير مانع من أن ينتج الكافر بحسب جهده من كسب يده فيحصد إذ زرع، ويربح إذا اتجر، وينتج إذا صنع.
٢- بيان أن الكافر لا ينتفع من عمله في الدنيا ولو كان صالحاً وأن الخسران لازم له.
٣- المسلمون على بينة من دينهم، وسائر أهل الأديان الأخرى لا بينة لهم وهم في ظلام التقليد وضلال الكفر والجهل.
٥- بيان سنة الله في الناس وهي أن أكثرهم لا يؤمنون.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ (٢٠)
شرح الكلمات:
ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً: أي لا أحد فالاستفهام للنفي.
يعرضون على ربهم: أي يوم القيامة.
الأشهاد: جمع شاهد وهم هنا الملائكة.
لعنة الله: أي طرده وإبعاده.
على الظالمين: أي المشركين.
عوجاً: أي معوجة.
معجزين في الأرض: أي الله عز وجل أي فائتين بل هو قادر على أخذهم في أيّة لحظة.
من أولياء: أي أنصار يمنعونهم من عذاب الله.
وما كانوا يبصرون: ذلك لفرط كراهيتهم للحق فلا يستطيعون سماعه، ولا رؤيته.
معنى الآيات:
بعد أن قرر تعالى مصير المكذبين بالقرآن ومن نزل عليه وما نزل به من الشرائع ذكر نوعاً من إجرام المجرمين الذين استوجبوا به النار فقال عز وجل ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً﴾ أي لا أحد في الناس أعظم ظلماً من أحد افترى على الله كذباً ما من أنواع١ الكذب وإن قل وقوله ﴿أولئك يعرضون على ربهم﴾ أي أولئك الكذبة يعرضون يوم القيامة على ربهم جل جلاله في عرصات القيامة، ويقول الأشهاد من الملائكة شاهدين٢ عليهم ﴿هؤلاء الذين كذبوا على ربهم﴾ ثم يُعْلِنُ مُعْلِنٌ قائلاً ﴿ألا لعنة الله على٣ الظالمين﴾ أي ألا بعداً لهم من الجنة وطرداً لهم منها إلى نار جهنم.
ثم وضح تعالى نوع جناياتهم التي استوجبوا بها النار فقال ﴿الذين يصدون عن سبيل الله﴾ ٤ أي يصرفون أنفسهم وغيرهم عن الدين الإسلامي، ﴿ويبغونها﴾ أي سبيل الله ﴿عوجاً﴾ أي معوجه كما يهوون ويشتهون فهم يريدون الإسلام أن يبيح لهم المحرمات من الربا والزنى والسفور، ويريدون من الإسلام أن يأذن لهم في عبادة القبور والأشجار والأحجار إلى غير ذلك، ويضاف إلى هذا ذنب أعظم وهو كفرهم بالدار الآخرة. قال تعالى ﴿أولئك﴾ أي المذكورون ﴿لم يكونوا معجزين في الأرض﴾ أي لم يكن من شأنهم
٢ ومن الأشهاد: الأنبياء والعلماء والمبلغون لدعوة الله تعالى لعباده وفي صحيح مسلم. "وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم".
٣ لعنة الله: أي: بعده وسخطه وإبعاده من رحمته على الذين وضعوا العبادة في غير موضعها.
٤ يجوز أن يكون: ﴿الذين﴾ مجروراً لمحل نعتاً للظالمين، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر، والمبتدأ محذوف. أي: هم الذين يصدّون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- عظم ذنب من يكذب على الله تعالى بنسبة الولد أو الشريك إليه أو بالقول عليه بدون علم منه.
٢- عظم جرم من يصد عن الإسلام بلسانه أو بحاله، أو سلطانه.
٣- عظم ذنب من يريد إخضاع الشريعة الإسلامية لهواه وشهواته بالتأويلات الباطلة والفتاوى غير المسؤولة ممن باعوا آخرتهم بدنياهم.
٤- بيان أن من كره قولاً أو شخصاً لا يستطيع رؤيته ولا سماعه٣.
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (٢١) لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
٢ ﴿ما كانوا يستطيعون السمع..﴾ قال القرطبي ما: في موضع نصب على أن يكون المعنى بما كانوا يستطيعون السمع. يُريد أن الباء المحذوفة سببية أي: يُضاعف لهم العذاب بسبب أنهم كانوا لا يستطيعون السمع لما ران على قلوبهم من الآثام فحجب الإثم أسماعهم وأبصارهم، وفي المثل: حبّك الشيء يعمي ويصم، فحبّهم للكفر والشرك والآثام عطّل حواسهم.
٣ أقول: ما كنت أدرك المعنى الحقيقي لقوله تعالى: ﴿ما كانوا يستطيعون السمع﴾ حتى كان صوت العرب على عهد بطل الاشتراكية "عبد الناصر" وأخذ يسبّ ويشتم ويعيّر ويقبّح سلوك كل من لم يوال الاشتراكيين فكنت-والله-لا أستطيع سماع ما يذيعه، وثَمَّ فهمت معنى الآية على حقيقته.
شرح الكلمات:
وضل عنهم ما كانوا يفترون: أي غاب عنهم ما كانوا يدعونه من شركاء الله تعالى.
لا جرم: أي حقاً وصدقاً أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
وأخبتوا إلى ربهم: أي تطامنوا أو خشعوا لربهم بطاعته وخشيته.
مثل الفريقين: أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين.
أفلا تذكرون: أي تتعظون، فتستغفروا ربكم ثم تتوبوا إليه. ؟
معنى الآيات:
مازال السياق في تحديد المجرمين وبيان حالهم في الآخرة فقال تعالى ﴿أولئك﴾ أي البعداء ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ حيث استقروا في دار الشقاء فخسروا كل شيء حتى أنفسهم، ﴿وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ أي وغاب عنهم ما كانوا يزعمون أن لهم شركاء، وأنهم يشفعون لهم وينصرونهم قال تعالى: ﴿لا جرم﴾ ١ أي حقاً ﴿أنهم في الآخرة﴾ أي في دار الآخرة ﴿هم الأخسرون﴾ أي الأكثر خسراناً من غيرهم لأنهم أضافوا إلى جريمة كفرهم جريمة تكفير غيرهم ممن كانوا يدعونهم إلى الضلال، ويصدونهم عن الإسلام سبيل الهدى والنجاة من النار. ولما ذكر تعالى حال الكافرين وملأ انتهوا إليه من خسران. ذكر تعالى حال المؤمنين فقال ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ ٢ أي آمنوا بالله وبوعده ووعيده. وآمنوا برسول الله وبما جاء به، وعملوا الصالحات التي شرعها الله
٢ الموصول: اسم إنَّ، وآمنوا: صلة ﴿وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربّهم﴾ معطوفان على الاسم، والخبر: ﴿أولئك أصحاب الجنة﴾ وجملة ﴿هم فيها خالدون﴾ جملة بيانية أي مبيّنة لحال أهل الجنة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- استحسان المقارنات بين الأشياء المتضادة للعبرة والاتعاظ.
٢- الكافر ميت موتاً معنوياً فلذا هو لا يسمع ولا يبصر، والمسلم حيُّ فلذا هو سميع بصير.
٣- بيان ورثة دار النعيم وهم أهل الإيمان والطاعة، وورثة دار الخسران وهم أهل الكفر والظلم.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٢٥) أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ
٢ المثل الذي كشف الحقيقة وبيّن أنّ الكفار عمي صم، وأنّ المؤمنين يبصرون ويسمعون، فأي عاقل يرضى أسوأ الوصفين؟!
شرح الكلمات:
نوحا: هو العبد الشكور أبو البشرية الثاني نوح عليه السلام.
إني لكم نذير مبين: أي مخوف لكم من عذاب الله بَيِّنُ النذارة.
عذاب يوم أليم: هو عذابه يوم القيامة.
الملأ: الأشراف وأهل الحل والعقد في البلاد.
أراذلنا ١: جمع أرذل وهو الأكبر خسة ودناءة.
بادي الرأي: أي ظاهر الرأي، لا عمق عندك في التفكير والتصور للأشياء.
معنى الآيات:
هذه بداية قصة نوح عليه السلام وهي بداية لخمس قصص٢ جاءت في هذه السورة سورة هود عليه السلام قال تعالى ﴿ولقد أرسلنا نوحاً٣ إلى قومه إني لكم نذير٤ مبين﴾ أي قال لهم إني لكم نذير مبين أي بين النذارة أي أخوفكم عاقبة كفركم بالله وبرسوله وشرككم في عبادة ربكم الأوثان والأصنام. وقوله ﴿أن لا تعبدوا٥ إلا الله﴾ أي نذير لكم بأن لا تعبدوا إلا الله، وتتركوا عبادة غيره من الأصنام والأوثان وقوله ﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم﴾ علل لهم أمرهم بالتوحيد ونهيهم عن الشرك بأنه يخاف عليهم إن أصروا على كفرهم وتركهم عذاب يوم أليم٦ وهو عذاب يوم القيامة ﴿فقال الملأ الذين كفروا من قومه﴾ أي فرد على نوح ملأ قومه اشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم ممن كفروا بالله ورسوله فقالوا ﴿ما نراك إلا بشراً مثلنا﴾ ٧ أي لا فضل لك علينا فكيف تكون رسولاً لنا ونحن مثلك هذا
٢ هذا العطف من باب عطف قصّة على قصّة: الواو: تسمى الواو الابتدائية.
٣ كُسرت: إنّ لأنّ الإرسال فيه معنى القول وإن تكسر بعد القول.
٤ الِقصّة: بكسر القاف والجمع: قصص كحجّة وحجج: الخبر يروى وتُتَتّبع أجزاؤه بعناية، والقصص بفتح القاف: مصدر قصّ الحديث يقصّه قصاً.
٥ هذه الجملة مفسّرة لجملة ﴿أرسلنا نوحاً﴾ أو لقوله: ﴿إني لكم نذير مبين﴾.
٦ وجائز أن يكون ﴿عذاب يوم أليم﴾ في الدنيا وهو عذاب الطوفان وقد كان.
٧ مثلنا: منصوب على الحال.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- إن نوحاً واسمه عبد الغفار أول رسول إلى أهل الأرض بعد أن أشركوا بربهم وعبدوا غيره من الأوثان والآلهة الباطلة.
٢- قوله أن لا تعبدوا إلا الله هو معنى لا إله إلاّ الله
٣- التذكير بعذاب يوم القيامة.
٤- اتباع الرسل هم الفقراء والضعفاء وخَصُوُمهم الأغنياء والأشراف والكبراء.
٥- احتقار أهل الكبر لمن دونهم. وفي الحديث "الكبر٣ بطر الحق وغمط الناس".
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (٢٨) وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ
٢ ومنه البادية وهي الأراضي الظاهرة لا تحوطها مبانٍ ولا بساتين ولا مصانع.
٣ الحديث في الصحيح فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ الله لا يدخل الجنة مَنّ كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر" فسئل عن الكبر فقال: الكبر: بطر الحق وغمط الناس" وبطر الحق: عدم قبوله، وغمط الناس: احتقارهم.
شرح الكلمات:
أرأيتم: أي أخبروني.
على بينة من ربي: أي على علم علمنيه الله فعلمت أنه لا إله إلا الله.
فعميت عليكم:. أي خفيت عليكم فلم تروها.
أنُلزِمُكمُوها: أي أجبركم على قبولها.
بطارد الذين آمنوا: أي بمبعدهم عني ومن حولي.
خزائن الله: التي فيها الفضل والمال.
تزدري أعينكم: تحتقر أعينكم.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصة نوح مع قومه فأخبر تعالى أن نوحاً قال لقومه أرأيتم أي أخبروني إن كنت على بيَّنة من ربي أي على علم يقيني تعالى وبصفاته وبما أمرني به من عبادته وتوحيده والدعوة إلى ذلك. وقوله ﴿وآتاني رحمة من عنده﴾ وهي الوحي والنبوة والتوفيق لعبادته. ﴿فعميت عليكم﴾ أنتم١ فلم تروها. فماذا أصنع معكم ﴿أنلزمكموها﴾ أي٢ أنجبركم أنا ومن آمن بي على رؤيتها والإيمان بها والعمل بهداها، ﴿وانتم لها كارهون﴾ ٣ أي والحال أنكم كارهون لها والكاره للشيء لا يكاد يراه ولا يسمعه، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٢٧) أما الآية الثانية فإن الله تعالى يخبر أيضاً عن قيل نوح لقومه: ﴿ويا قوم لا أسألكم عليه مالا﴾ أي لا أطلب منكم أجراً على إبلاغكم هذه الرحمة التي عميت عليكم فلم تروها. ﴿إن أجري إلا على الله﴾ أي ما أجري إلا على الله إذ هو الذي كلفنى
٢ ﴿أنلزمكموها﴾ أي: الرحمة التي هي عبادة الله وحده وترك عبادة سواه والاستفهام إنكاري. أي: ما كان لي ذلك والحال أنكم كارهون لها.
٣ قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه. ولكنّه لم يملك ذلك.
هداية الآيات:
٢ ﴿أفلا تذكرون﴾ قرىء: تذكرون بحذف إحدى التائين وقرىء تذّكرون: بتشديد الذال، بإدغام إحدى التائين في الأخرى. والاستفهام للإنكار أي: ينكر عليهم غفلتهم وجهلهم وعدم تذكرهم ليتّعظوا.
٣ اخبر عليه السلام بتذلله وتواضعه لربّه عزّ وجلّ فنفى عن نفسه القدرة على امتلاك خزائن الفضل والمال كما نفي عن نفسه علم الغيب وأن يكون ملكاً من الملائكة.
٤ أي: تحتقر أعينكم. والأصل: تزدريهم، حذفت الهاء والميم لطول الاسم، والازدراء: افتعال من الزري الذي هو الاحتقار، وإلصاق العيب فالازدراء أصله الازتراء فقلبت فيه التاء دالاً فصار: الازدراء كما قلبت في: الازدياد.
٥ في قوله: ﴿من الظالمين﴾ : تعريض بقومه، فوصفهم بالظلم من حيث لا يشعرون.
١) كُرهُ الشيء يجعل صاحبه لا يراه ولا يسمعه ولا يفهم ما يقال له فيه.
٢) كراهية أخذ الأجرة على الدعوة والتربية والتعليم الديني.
٣) وجوب احترام الضعفاء وإكرامهم وحرمة احتقارهم وازدرائهم.
٤) علم الغيب استأثر الله تعالى به دون سائر خلقه إلا من علمه الله شيئاً منه فإنه يعلمه.
٥) حرمة غمط الناس وازدرائهم والسخرية منهم
قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)
شرح الكلمات:
جادلتنا: أي خاصمتنا تريد إسقاطنا وعدم اعتبارنا في ديننا وما نحن عليه.
بما تعدنا: أي من العذاب إن لم نؤمن بما تدعونا إليه.
إن كنت من الصادقين: أي في دعواك النبوة والإخبار عن الله عز وجل.
بمعجزين: أي بغالبين ولا فائتين الله تعالى متى أراد الله عذابكم.
نصحي: أي بتخويفي إياكم عذاب ربكم إن بقيتم على الكفر به وبلقائه ورسوله.
أن يغويكم: أي يوقعكم في الضلال ويبقيكم فيه فلا يهديكم أبدا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة نوح عليه السلام مع قومه فأخبر تعالى عن قول قوم نوح له عليه
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الجدال لإحقاق الحق وإبطال الباطل بشرط الأسلوب الحسن.
٢- إرادة الله تعالى قبل كل إرادة وما شاءه الله يكون وما لم يشأه لم يكن.
٣- لا ينفع نصح الناصحين ما لم يرد الله الخير للمنصوح له.
٤- ينبغي عدم إصدار حكم على عبد لم يمت فيعرف بالموت مآله. إلاَّ قول الله أعلم به.
أَمْ يَقُولُونَ٤ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (٣٥)
٢ فيه الرد على بطلان مذهب المعتزلة، والقدرية إذ زعموا أن الله لا يريد أن يعصي العاصي ولا أن يكفر الكافر ولا أن يغوي الغاوي وتجاهلوا أنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد، ولا يقع شيء إلاّ بإذنه فهو الهادي لمن شاء هدايته، والمضل لمن شاء إضلاله، ولكن كُلاَّ من هدايته وإضلاله يتمان حسب سنته في الهداية والإضلال فلم يظلم ربّك أحداً.
٣ ومن فسّر ﴿أن يغويكم﴾ : يهلككم: أراد أنّ الهلاك سبب للإغواء، فمن أغواه أهلكه، إذ لا يُهلك إلاَّ الغاوي.
٤ شرح هذه الآية في (ص ٥٤٥) وأخرت على أنها معترضة لقصة نوح عليه السلام.
شرح الكلمات:
وأوحى إلى نوح: أي اعلم بطريق الوحي الذي هو الإعلام السريع الخفي.
فلا تبتئس: لا تحزن ولا يشتد بك الحزن فإني منجيك ومهلكهم.
الفلك: أي السفينة التي أمرناك بصنعها لحمل المؤمنين عليها.
سخروا منه: أي استهزئوا به كقولهم: تحمل هذا الفلك إلى البحر أو تحمل البحر إليه.
يخزيه: أي يذله ويهينه.
ويحل عليه عذاب مقيم: أي وينزل به عذاب النار يوم القيامة فلا يفارقه.
معنى الآيات:
عاد السياق بعد الاعتراض بالآية (٣٥) إلى الحديث عن نوح وقومه فقال تعالى ﴿وأوحى إلى نوح أنه١ لن يؤمن من قومك إلا من٢ قد آمن﴾. وهذا بعد دعوة دامت قرابة ألف سنة إلا
٢ روي أنَّ رجلاً من قوم نوح مرّ بنوح وهو يحمل طفلهُ فلما رأى الطفل نوحاً قال لأبيه ناولني حجراً فناوله إياها فرمى بها نوحاً فأدماه، فأوحى الله تعالى إلى نوح: ﴿أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن..﴾.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- كراهية الحزن والأسى والأسف على ما يقوم به أهل الباطل والشر والفساد.
٢- بيان تاريخ صنع السفن وانها بتعليم الله لنوح عليه السلام.
٣- بيان سنة البشر في الاستهزاء والسخرية بأهل الحق ودعاته لظلمة نفوسهم بالكفر والمعاصي.
٤ بيان صدق وعد الله رسله.
حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا
وكم من خليل أو حميم رزأته
فلم ابتئس والرزء فيه جليل
٢ اختلفت الأقوال في مدّة صنع السفينة، أكثرها أنها: أربعون سنة. وجائز أن تكون أكثر، لأن عمل فرد واحد في صنع سفينة يتطلب وقتاً طويلاً أمّا حجمها فيدل على كبره ما حمل فيها، إذ حمل فيها كل مؤمن ومؤمنة ومن كل زوجين اثنين، فحجمها لا شك أنه واسع كبير، وقيل: كانت السفينة ثلاث طبقات: السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور. والله اعلم، والحديث عن طول السفينة وعرضها ومادتها كله من باب علم لا ينفع وجهالة لا تضر.
٣ أي: يجب عليه وينزل به.
شرح الكلمات:
فار التنور: أي خرج الماء وارتفع من التنور وهو مكان طبخ الخبز.
زوجين اثنين: أي من كل ذكر وأنثى من سائر أنواع المخلوقات اثنين.
وأهلك: أي زوجتك وأولادك.
مجريها ومرساها: أي إجراؤها وإرساؤها.
في موج كالجبال: الموج ارتفاع ماء البحر وكونه كالجبال أي في الارتفاع.
يعصمني من الماء: يمنعني من الماء أن يغرقني.
وغيض الماء: أي نقص بنضوبه في الأرض.
على الجودي: أي فوق جبل الجودي وهو جبل بالجزيرة غرب الموصل.
بعدا للقوم الظالمين: أي هلاكاً لهم.
أم يقولون: أي بل يقولون افتراه.
افتراه: أي اختلقه وقال من نفسه ولم يوح به إليه.
فعلى إجرامي١: أي عاقبة الكذب الذي هو الإجرام تعود عليَّ لا على غيري.
وأنا بريء: أي أتبرأ وأتنصل من إجرامكم فلا أتحمل مسؤوليته.
مما تجرمون: أي على أنفسكم بإفسادها بالشرك والكفر والعصيان.
معنى الآية:
هذه الآية الكريمة أوقعها الله مُنَزِلُها سبحانه وتعالى بين أجزاء الحديث عن نوح وقومه، وحسن موقعها هنا لأن الحديث عن نوح وقومه لا يتأتى لأحد إلا لنبي يوحى إليه، وذلك لبعده في الحاريخ فَقَصُّ النبي له اليوم دليل على أنه نبي يُوحى إليه، فلذا قال أم يقولون افتراه٢ أي يقولون افترى القرآن وكذبه ولم يوح إليه قل إن افتريته كما زعمتم فعليّ إجرامي أي أثم كذبي وأنا بريء مما تجرمون أنتم بتكذيبكم إياي وكفركم بربكم ورسوله ووعده ووعيده.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- جواز الاعتراض في الكلام إذا حسن موقعه لإقامته حجة أو إبطال باطل أو تنبيه على أمر مهم.
١- قص القصص أكبر دليل على صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوى النبوة ودعوته إلى الله تعالى.
٣- تقرير مبدأ تحمل كل إنسان مسؤولية عمله وأن لا تزر وازرة وزر أخرى.
طريد عشيرة ورهين جرم
بما جرمت يدي وجنى لساني
٢ فسرت الآية في التفسير بالقول الراجح وهو: أنّ المراد بمن يقول افتراه: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآية معترضة أحاديث قصة نوح وذهب بعضهم نقلاً عن ابن عباس أنها من محاورة نوح عليه السلام مع قومه: واستظهروها من أجل السياق السابق واللاحق والله أعلم.
ما زال السياق في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى ﴿حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور﴾ أي واصل صنع السفينة حتى إذا جاء أمرنا أي بإهلاك المشركين، وفار١ التنور أي خرج الماء من داخل التنور وفار وتلك علامة بداية الطوفان فاحمل فيها أي في السفينة التي صنعت من كل زوجين٢ اثنين أي من كل نوع من أنواع الحيوانات زوجين أي ذكراً وأنثى. وأهلك أي واحمل أهلك من زوجة وولد كسام وحام ويافث إلا من سبق عليه القول أي بالإهلاك كامرأته واعلة وولده كنعان. ومن آمن٣ أي واحمل من آمن من سائر الناس، ﴿وما آمن معه إلا قليل﴾ أي نحو من ثمانين رجلاً وامرأة هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٤٠) أما الثانية فقد أخبر تعالى فيها أن نوحاً قال لجماعة المؤمنين ﴿اركبوا فيها﴾ أي في السفينة ﴿باسم الله مجراها٤ ومرساها﴾ أي باسم الله تجري وباسم الله ترسو أي تقف ﴿إن ربي لغفور رحيم٥﴾ أي فهو لا يهلكنا بما قد يكون لنا من ذنب ويرحمنا فينجينا ويكرمنا. وقوله تعالى في الآية الثالثة (٤٢) ﴿وهي تجري بهم في موج كالجبال﴾ وصف للسفينة وهي تغالب الماء وتمخر عبابه وأمواج الماء ترتفع حتى تكون كالجبال في ارتفاعها وقبلها نادى نوح ابنه كنعان، وهو في هذه الساعة في معزل٦ أي من السفينة حيث رفض الركوب فيها لعقوقه وكفره٧ فقال له ﴿يا بني اركب٨ معنا ولا تكن مع الكافرين﴾ فتغرق كما يغرقون فأجاب الولد قائلاً
٢ قرأ حفص ﴿من كلٍ﴾ بتنوين كل فالتنوين عوض عن مضاف إليه أي: من كل المخلوقات، و ﴿زوجين﴾ مفعول لـ (احمل)، واثنين: نعت له وقرأ الجمهور بإضافة كل إلى زوجين، والمراد بالزوجين هنا: الذكر والأنثى من كل نوع من أنواع الحيوانات.
٣ ومن آمن: أي: كل المؤمنين.
٤ جائز أن يكون القائل: ﴿اركبوها﴾ الله جلّ جلاله، وجائز أن يكون نوحاً عليه السلام والركوب: العلو على ظهر شيء، وقال: فيها، ولم يقل عليها لأنها ظرفٌ لهم يدخلون فيها.
٥ قرأ الجمهور بضم الميم في كل من مجراها، ومرساها، وهما مصدران من: أجرى وأرسى، وقرأ عاصم بفتح ميم مجراها، وضم ميم مرساها كالجمهور، ولم يفتح ميم مرساها لاشتباهه. حينئذ المرسى مكان الرسو، وقرىء مجريها، ومرسيها باسم الفاعل أي: بسم الله مجريها ومرسيها.
٦ روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في الفلك بسم الله الرحمن الرحيم" ﴿وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون. {بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم﴾.
٧ وقيل: في معزل أي: من دين أبيه.
٨ قرأ حفص: ﴿يا بنيَّ﴾ بفتح الياء المشددة وكسرها غير عاصم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- الإيمان ينجي، والكفر يهلك ويردي.
- ٢- مشروعية التسمية عند الركوب في سفينة أو غيرها.
٣- عقوق الوالدين كثيراً ما يسبب الهلاك في الدنيا، أما عذاب الآخرة فهو لازم له.
- ٤- مظهر من مظاهر رحمة الوالد بولده.
٥- مظاهر عظمه الرب تعالى وإطاعة الخلق أمره حتى الأرض والسماء.
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ
شرح الكلمات:
من أهلي: أي من جملة أهلي من أزواج وأولاد.
وإن وعدك الحق: أي الثابت الذي لا يخلف.
إنه عمل غير صالح: أي إن سؤالك هذا إياي عمل غير صالح.
أعظك: أي أنهاك وأخوفك من أن تكون من الجاهلين.
من الجاهلين: أي من الذين لا يعرفون جلالي وصدق وعدي ووفائي فتسألني ما ليس لك به علم.
سنمتعهم: أي بالأرزاق والمتع إلى نهاية آجالهم ثم يحل بهم عذابي وهم الكفرة.
للمتقين: أي الذين يتقون الله فيعبدونه ولا يشركون به شيئاً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى، ﴿ونادى نوح ربه﴾ أي دعاه سائلاً ﴿ربّ إن ابني من أهلي١ وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين﴾، وهذا كان منه حال الإركاب في الفلك، وامتناع ولده كنعان من الركوب أي رب إن ولدي كنعان من زوجتي ومن جملة أولادي، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي ومن معي من المؤمنين، ﴿وإن وعدك الحق﴾ أي الذي لا خلف فيه أبداً، ﴿وأنت أحكم الحاكمين﴾ أعلمهم وأعدلهم، وهذا ابني قد استعصى عنّي ولم يركب معي وسيهلك مع الهالكين إن لم ترحمه يا رب.
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار.
٢ وجائز أن يكون القائل: ﴿اهبط﴾ : الملائكة عليهم السلام بإذن الله تعالى.
٣ اشتملت الآية على ثلاثة أمور هي: الامتنان والصبر، والتسلية، فالامتنان في قوله: ﴿ما كنت تعلمها أنت ولا قومك﴾ والموعظة في قوله ﴿فاصبر﴾ الخ.. والتسلية في قوله، ﴿إن العاقبة للمتقين﴾.
٤ العاقبة في الدنيا بالظفر، وفي الآخرة بالفوز وهو النجاة من النار، ودخول الجنة.
من هداية الآيات:
١- رابطة الإيمان والتقوى أعظم من رابطة النسب.
٢- حرمة العمل بغير علم فلا يحل القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
٣- ذم الجهل وأهله.
٤- شرف نوح عليه السلام وانه أحد أولى العزم من الرسل.
٥- بيان العبرة من القصص القرآني وهي تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
٦- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإثباتها ببرهان عقلي وهو الإخبار بالغيب الذي لا يعلم إلا من طريق الوحي.
٧- بيان فضل الصبر، وأن العاقبة الحميدة للمتقين وهم أهل ألتوحيد والعمل الصالح.
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (٥١) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (٥٢)
شرح الكلمات:
وإلى عاد أخاهم هودا: أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم في النسب لا في الدين أخاهم هوداً. وهود من قبيلة عاد وعاد من ولد سام بن نوح عليه السلام.
اعبدوا الله: أي اعبدوه وحده ولا تعبدوا معه غيره.
ما لكم من إله غيره: أي ليس لكم معبود بحق يستحق عبادتكم غيره.
لا أسألكم عليه أجراً: أي لا أطلب منكم أجراً على إبلاغي دعوة التوحيد إليكم.
فطرني: أي خلقني.
مدرارا: أي كثيرة الدرور للمطر النازل منها.
ولا تتولوا مجرمين: أي ولا تعرضوا عن دعوة التوحيد مجرمين على أنفسكم بالشرك بالله.
معنى الآيات:
هنا شروع في قصة هود مع قومه عاد بعد قصة نوح عليه السلام ومغزى القصة تقرير توحيد الله ونبوة رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى ﴿وإلى عاد أخاهم١ هوداً﴾ أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد٢ أخاهم هوداً وهو أخوهم في النسب وأول من تكلم بالعربية فهو أحد أربعة أنبياء من العرب وهم هود، وصالح، وشعيب، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله ﴿قال يا قوم اعبدوا الله﴾ أي قال هود لقومه بعد أن أرسله الله إليهم يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه غيره فإنه ما لكم من إله غير٣ الله سبحانه وتعالى. وقوله ﴿إن أنتم إلا مفترون﴾ أي ما أنتم في عبادة غير الله من الأصنام والأوثان إلا كاذبون، إذ لم يأمركم الله تعالى ربكم بعبادتها، وإنما كذبتم عليه في ذلك. وقوله ﴿يا قوم لا أسألكم عليه أجراً﴾ يريد لا أسألكم على دعوتي إياكم إلى توحيد ربكم لتكملوا بعبادته وتسعدوا أجراً أي مالاً ﴿إن أجرى إلا على الله الذي فطرني﴾ أي ما أجري إلا على الله الذي خلقني. وقوله ﴿أفلا تعقلون٤﴾ أي أفلا تعقلون أني لو كنت أبغي بدعوتي إلى التوحيد أجراً لطلبت ذلك منكم، غير أني لم أطلب من غير ربي أجراً فبان بذلك صدقي في دعوتكم ونصحي لكم.
وقوله تعالى عن قيل هود ﴿يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ يخبر تعالى أن هوداً نادى قومه فقال يا قوم استغفروا ربكم أي آمنوا به واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم، ثم توبوا إليه أي ارجعوا إلى عبادته وحده بما شرع لكم على لسان نبيكم، واتركوا عبادة غيره يكافئكم بأن
٢ هما: عادان، الأولى والثانية لقوله تعالى: ﴿وأنه أهلك عاداً الأولى﴾ فهؤلاء هم عاد الأولى، وأمَّا الأخرى فالله أعلم بها.
٣ يصح في: ﴿غير﴾ الجر والرفع والنصب، فالجرّ على اللفظ، والرفع على الموضع والنصب على الاستثناء.
٤ وجائز أن يكون ﴿أفلا تعقلون﴾ لما جرى لقوم نوح لمّا كذّبوا الرسل، وما في التفسير أولى وأكثر فائدة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- دعوة الرسل من نوح إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحدة وهي أن يُعبَدَ الله وحده.
٢- تقرير مبدأ لا إله إلا الله.
٣- المشركون والمبتدعون الكل مفترون على الله كاذبون حيث عبدوه بما لم يشرع لهم.
٤- وجوب الإخلاص في الدعوة.
٥- فضل الاستغفار ووجوب التوبة.
٦- تقديم الاستغفار على التوبة مشعر بأن العبد إذا لم يعترف أولاً بذنبه لا يمكنه أن يتوب منه.
قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)
بيّنة: أي بحجة وبرهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده.
وما نحن بتاركي آلهتنا: أي عبادة آلهتنا لأجل قولك إنها لا تستحق أن تعبد.
إلاّ اعتراك: أي أصابك.
بسوء: أي بِخَبَل فأنت تهذي وتقول مالا يقبل ولا يعقل.
ثم لا تنظرون: أي لا تمهلون.
آخذ بناصيتها: أي مالكها وقاهرها ومتصرف فيها. فلا تملك نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه.
إن ربي على صراط مستقيم: أي على طريق الحق والعدل.
فإن تولوا: أصلها تتولوا فعل مضارع حذفت منه إحدى التائين ومعناه تُدبروا.
على كل شيء حفيظ: أي رقيبٌ ولا بد انه يجزي كل نفس بما كسبت.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصة هود مع قومه إذ أخبر تعالى عن قيل قوم هود إلى هود فقال ﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنة﴾ أي بحجة أو برهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وترك عباده آلهتنا والاعتراف بنبوتك ﴿وما نحن بتاركي آلهتنا﴾ أي عبادتها ﴿عن قولك﴾ أي من أجل قولك إنها لا تستحق أن تعبد لكونها لا تنفع ولا تضر، ﴿وما نحن لك بمؤمنين﴾ أي بمتابعين لك على دينك ولا مصدقين لك فيما تقول ﴿إن نقول إلا اعتراك١ بعض آلهتنا بسوء﴾ أي ما نجد ما نقول فيك إلا أن بعض آلهتنا التي تسبها وتشتمها قد أصابتك بسوء بخبل وجنون فأنت تهذر وتهذي ولا تدري ما تقول. فأجابهم قائلا ﴿إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون﴾ فأعلن براءته في وضوح من آلهتهم وأنه لا يخافها إبطالا لدعواهم أنَّها أصابته بسوء وأعلمهم أنه يشهد الله على ذلك، ثم أمرهم أن يشهدوا هم كذلك٢. وقوله ﴿من دونه﴾ أي من دون الله من سائر الآلهة والشركاء ثم تحداهم مستخفا
٢ ما أمرهم بالشهادة لكونهم أهلا لها، وإنما زيادة في التقرير، وخالف بين الفعلين حتى لا يسوي بين شهادة الله تعالى وشهادتهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مدى مجاحدة ومكابرة المشركين في كل زمان ومكان.
٢- تشابه الفكر الشركي وأحوال المشركين إذ قول قوم هود ﴿إن نقول إلا اعتراك﴾.. الخ. يردده جهلة المسلمين وهو فلان ضربه الولي الفلاني.
٣- مواقف أهل الإيمان واحدة فما قال نوح لقومه متحدياً لهم قاله هود لقومه.
٤- تقرير مبدأ أن كل شيء في الكون خاضع لتدبير الله لا يخرج عما أراده له أو به.
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
٢ كل ما فيه روح يقال له دابّ، والتاء فيه: للمبالغة، فيقال. دابة بالغة في الدبيب.
٣ الناصية: ما انسدل من شعر الرأس على الجبهة، والأخذ: الإمساك، وهذا كناية عن التمكن والقدرة الكاملة على التصرف في المخلوقات.
٤ أي: يخلق من هم أطوع لله تعالى منكم فيعبدونه ويوحدّونه.
شرح الكلمات:
ولما جاء أمرنا: أي بعذابهم وهي الريح الصرر.
برحمة منا: أي بفضل منا ونعمة.
جبار عنيد: أي مستكبر عن الحق لا يذعن له ولا يقبله.
ويوم القيامة: أي ولعنة في يوم القيامة.
ألا بعداً لعاد: أي هلاكاً لعاد وإبعاداً لهم من كل رحمه.
معنى الآيات:
مازال السياق في هود وقومه قال تعالى ﴿ولما جاء أمرنا﴾ أي عذابنا١ ﴿نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة٢ منا﴾ أي بلطف وفضل ونعمة ﴿ونجيناهم٣ من عذاب غليظ﴾ هو عذاب يوم القيامة فهما نجاتان نجاة في الدنيا من عذاب الريح العقيم الصرر التي دمرت كل شيء بأمر ربها ونجاة من عذاب النار يوم القيامة وهي أعظم. وقوله تعالى ﴿وتلك عاد﴾ أي هذه عاد قوم هود جحدوا بآيات٤ ربهم فلم يؤمنوا وعصوا رسله أي هوداً وجمُع لأن من كذب برسول كأنما كذب بكل الرسل ﴿واتبعوا أمر كل جبار عنيد٥﴾ أي اتبعوا أمر دعاة الضلالة من أهل الكبر والعناد للحق فقادوهم إلى سخط الله وأليم عقابه وقوله ﴿واتبعوا في هذه الدنيا لعنة﴾ أي اتبعهم الله غضبه وسخطه وهلاكه، ويوم القيامة كذلك وأشد. ويختم الحديث عن هذه القصة بقول الله تعالى ﴿ألا إن عاداً كفروا ربهم﴾ أي جحدوه فلم يعترفوا بألوهيته
٢ في صحيح مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لن ينجي أحداً منكم عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة".
٣ قبل: كانوا ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نسمة ما بين رجل وامرأة.
٤ المراد من الآيات: المعجزات وأنكروها.
٥ العنيد والعنود، والعاند والمعاند: المعارض، المخالف.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد إذ القصة كلها مسوقة لذلك.
٢- بيان سنة الله في الأولين وهي انه لبعث الرسل مبشرين ومنذرين فَإنِ استجابَ المرسل إليهم سعدوا، وإن لم يستجيبوا يمهلهم حتى تقوم الحجة عليهم ثم يهلكهم، وينجي المؤمنين.
٣- التنديد بالكبر والعناد إذ هما من شر الصفات الخلقية في الإنسان.
٤- اتباع الطغاة والظلم والكفر والفساد لا تقود إلا إلى الدمار والخسار.
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (٦١) قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)
شرح الكلمات:
وإلى ثمود: أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود.
أخاهم صالحاً: أي في النسب لأنه من قبيلة ثمود، بينه وبين ثمود أبي القبيلة خمسة أجداد.
قريب مجيب: أي من خلقه، إذ العوالم كلها بين يدله ومجيب أي لمن سأله.
مرجوا قبل هذا: أي قبل أن تقول ما قلت كنا نرجو أن تكون سيداً فينا.
أرأيتم: أي أخبروني.
على بيّنة من ربي: أي على علم بربي علمنيه سبحانه وتعالى فهل يليق بي أن أعبد غيره.
غير تخسير: أي خسار وهلاك.
معنى الآيات:
هذه بداية قصة صالح مع قومه إذ قال تعالى مخبراً عن إرساله إلى قومه ﴿وإلى ثمود١ أخاهم صالحا! أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود بالحجر بين الحجاز والشام أخاهم في القبيلة لا في الدين صالحاً. فقال {يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴾ فناداهم بعنوان القومية جمعا لقلوبهم على ما يقول لهم فقال ﴿يا قوم اعبدوا الله﴾ أي آمنوا به ووحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه أحداً. إذ ليس لكم من إله غيره. إذ هو ربكم أي خالقكم ورازقكم ومدير أمركم. ﴿أنشأكم من الأرض﴾ أي ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم آدم منها ﴿واستعمركم٢ فيها﴾ أي جعلكم تعمرونها بالسكن فيها والعيش عليها، إذا فاستغفروه بالاعتراف بألوهيته ثم توبوا إليه فاعبدوه وحده ولا تشركوا في عبادته أحداً. وقوله ﴿إنّ ربّي قريب مجيب﴾ أخبرهم بقرب الربّ تعالى من عباده وإجابته لسائليه ترغيباً لهم في الإيمان والطاعة، وترك الشرك والمعاصي. هذا ما تضمّنته الآية الأولى (٦١) أما الآية الثانية فقد تضمنت رد القوم عليه عليه السلام إذ قالوا بما اخبر تعالى عنهم ﴿يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا﴾ أي كنا نأمل فيك الخير ونرجو أن تكون سيداً فينا حتى فاجأتنا بما تدعونا إليه من ترك آلهتنا لإلهك ثم أنكروا عليه دعوته فقالوا ﴿أتنهانا٣ أن نعبد ما يعبد آباؤنا﴾ وأخبروه أنهم
٢ استعمر بمعنى أعمر كاستجاب بمعنى أجاب أعمركم جعلكم تعمرونها فأنتم عمارها إلى نهاية آجالكم المحددة لكم، وليس هذا من باب استسهل الشيء إذا وجده سهلاً واستصعبه إذا وجده صعباً فإن الله تعالى لا يعجزه شيء وفي الآية دليل على العمري وهو أن يقول مالك لآخر أعمرتك داري فتصبح له واختلف هل تبقى لذريته بعد موته أو هي له ما دام حياً فإذا مات عادت لمن أعمره إياها مذهبان مشهوران وفي الحديث العمري جائزة والعُمري لمن وهبت له.
٣ الاستفهام للإنكار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وحدة الوسيلة والغاية عند كافّة الرسل فالوسيلة عبادة الله وحده، والغاية رضا الله والجنة.
٢- تقديم الاستغفار على التوبة في الآية سره إن المرء لا يقلع عن ذنبه حتى يعترف به.
٣- بيان سنة في الناس وهي أن المرء الصالح يرجى في أهله حتى إذا دعاهم إلى الحق وإلى ترك الباطل كرهوه وقد يصارحونه بما صارح به قوم صالح نبيّهم إذ قالوا ﴿قد كنت فينا مرجواً قبل هذا﴾.
٤- حرمة الاستجابة لأهل الباطل بأي نوع من الاستجابة، إذ الاستجابة لا تزيد العبد إلا خساراً.
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جَاء
٢ اختلف في توجيه قوله عليه السلام فما تزيدونني غير تخسير فمن قائل: غير بصيرة بخسارتكم ومن قائل التخسير لهم لا له عليه السلام وأوجه الأقوال ما في التفسير وأشكل لفظ زيادة التخسير والخروج منه أنه يعرض بهم فأفهمهم أنهم في خسران كقوله تعالى: ﴿إن الإنسان لفي خسر﴾ ثم بشركهم يزدادون خسراناً وتخسيراً أعظم.
شرح الكلمات:
آية.: أي علامة على صدقي فيما جئتكم به من أنه لا إله إلا الله.
فذروها تأكل في أرض الله: أي اتركوها ترعى في المراعي غير المحميّة لآحد.
بسوء: أي كضربها أو قتلها، أو منعها من الماء الذي تشرب منه.
فعقروها: أي قتلوها بالعقر الذي هو قطع قوائمها بالسيف.
تمتعوا في دياركم: أي ابقوا في دياركم تأكلون وتشربون وتتمتعون في الحياة ثلاثة أيام.
وعد غير مكذوب: أي صادق لم أكذبكم فيه ولم يكذبني ربي الذي وعدكم به.
في ديارهم جاثمين.: أي ساقطين على ركبهم ووجوههم.
كأن لم يغنوا فيها: أي كأن لم يكونوا بها أمس ولم تعمر بهم يوما.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن صالح وقومه. إنه لما دعاهم صالح إلى توحيد الله تعالى كذبوه وطالبوه بما يدل على صدق ما دعا إليه فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به في هذه الآية ﴿ويا قوم١ هذه ناقة الله لكم آية﴾ وذلك أنهم سألوا أن يخرج لهم ناقة من جبل أشاروا
هداية الآيات:
هن هداية الآيات:
١- إعطاء الله تعالى الآيات للمطالبين بها لا يستلزم الإيمان بها.
٢ أي من يوم قتلها وهو كذلك فلم يتأخر.
٣ ليتمتع كل واحد منكم في داره عن ثلاثة أيام إذ عقروا الناقة يوم الأربعاء فأصبحوا يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة وأصبحوا يوم الجمعة وهو اليوم الثاني من أيام التمتع في ديارهم ووجوههم محمرة وأصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة وأخذوا صباح الأحد.
٤ من فضيحته وذلته وقرأ نافع بنصب يومئذ وقرأ غيره بكسرها على الإضافة.
٥ جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض فخروا على الأرض جاثمين جثوم الطير على الأرض إذا الصقت بطونها بها وسكنت لا تتحرك.
٣- إقامة ثلاثة أيام لا يعد صاحبها مقيما وعليه أن يقصر الصلاة.
٤- شؤم الظلم وسوء عاقبة أهله.
وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (٧١) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (٧٣)
شرح الكلمات:
بالبشري: أي بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب.
فما لبث: أي ما أبطأ.
بعجل حنيذ: أي مشوي على الحجارة.
لا تصل إليه: أي لم يتناولوه فيأكلوا منه.
نكرهم: أي لم يعرفهم.
وأوجس: أي أحس بالخوف وشعر به.
لوط: هو ابن هاران أخي إبراهيم عليه السلام.
يا ويلتا: أي ياويلتي احضري هذا أوان حضورك.
وهذا بعلي شيخا: إشارة إلى إبراهيم إذ هو بعلها أي زوجها.
إن هذا لشيء عجيب: أي أمر يتعجب منه استبعاداً له واستغراباً.
هذه بشارة إبراهيم عليه السلام التي بشره الله تعالى بها إذ قال تعالى ﴿ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى١﴾ والمراد بالرسل جبريل وميكائيل وإسرافيل، إذ دخلوا عليه داره فسلموا عليه فرد عليهم السلام وهو معنى قوله تعالى ﴿قالوا سلاما٢ فقال سلام﴾ وقوله تعالى ﴿فما لبث أن جاء٣ بعجل حنيذ﴾ أي لم يبطأ حتى جاء بعجل٤ مشوي فحنيذ بمعنى محنوذ وهو المشوي على الحجارة. فقربه إليهم وعرض عليهم الأكل بقوله ﴿ألا تأكلون٥﴾ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أي لم يتناولوه نكرهم بمعنى أنكرهم وأوجس منهم خيفة لأن العادة أن الضيف إذا نزل على أحد فقدم إليه طعاماً فلم يأكل عرف أنه ينوي شراً ولما رأت الملائكة ذلك منه قالوا له لا تخف وبينوا له سبب مجيئهم فقالوا إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي لإهلاكهم وتدميرهم بسبب إجرامهم. وكانت امرأته قائمة وراء الستار تخدمهم مع إبراهيم. فلما سمعت بنبأ هلاك قوم لوط ضحكت فرحاً بهلاك أهل الخبث فعندئذ بشرها الله تعالى على لسان الملائكة بإسحق ومن بعده يعقوب أي بولد وولد ولد، فلما سمعت البشرى صكت وجهها تعجباً على عادة النساء وقالت ﴿ياويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي﴾ تشير إلى زوجها إبراهيم ﴿شيخا﴾ أي كبير السن إذ كان سنه يومئذ مائة سنة وسنها فوق التسعين. ﴿إن هذا لشيء عجيب﴾ أي ولادتي في هذه السن أمر يتعجب منه. قالوا أتعجبين من أمر٦ الله ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ أي بيت إبراهيم، ﴿إنه حميد مجيد﴾ أي محمود بإفضاله وإنعامه عليكم ﴿مجيد﴾ أي ذو مجد وثناء وكرم. وامرأة إبراهيم المبشرة هي سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، والبشارة هنا لإبراهيم ﴿إنه حميد مجيد﴾ أي محمود بإِفضاله وإنعامه عليكم ﴿مجيد﴾ أي ذو مجد وثناء وكرم. وامرأة ابراهيم المبشرة هي سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، والبشارة هنا لإبراهيم، وزوجه سارة معاً وهي مزدوجة إذ هي بهلاك الظالمين، وبإسحاق ويعقوب.
٢ سلاماً نصب بوقوع فعل قالوا نحو قال فلان خيراً ويجوز عربيّة الرفع والنصب في قوله تعالى ﴿قالوا سلاماً قال سلام﴾، والرفع يكون على تقدير مبتدأ أي هو سلام، وسلام عليكم وجاز الابتداء بالنكرة لكثرة تكرار هذا اللفظ نظيره لا هم حيث حذفوا الألف واللام لكثرة استعمال اللهم.
٣ إن هنا بمعنى حتى قاله كبراء النحو أي فما لبث حتى جاءهم.
٤ في الآية دليل على فضل الضيافة ومشروعيتها والندب إليها إذ هي من خلق البشر وفي الحديث، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه والضيافة ثلاثة أيام".
٥ ذكر الطبري رحمه الله تعالى أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل وقال للملائكة ألا تأكلون! قالوا لا نأكل طعاماً إلا بثمن قال كلوه بثمنه قالوا وما ثمنه؟ قال أن تسموا الله في أوله وتحمدوه في آخره فقال جبريل لأصحابه حق للرجل أن يتخذه ربّه خليلا.
٦ من أمر الله أي قضائه وقدره.
من هداية الآيات:
١- استحباب تبشير المؤمن بما هو خير له ولو بالرؤيا الصالحة.
٢- مشروعية السلام١ لمن دخل على غيره أو وقف عليه أو مرّ به ووجوب رد السلام.
٣- مشروعية خدمة أهل البيت٢ لضيوفهم ووجوب إكرام الضيف وفي الحديث الصحيح "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".
٤- شرف أهل بيت إبراهيم عليه السلام.
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (٧٥) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)
شرح الكلمات:
الروع٣: الفزع والخوف.
البشرى: أي الخبر السار المفرح للقلب.
يجادلنا: أي يخاصمنا.
في قوم لوط: أي في شأن هلاك قوم لوط، ولوط هو رسول الله لوط بن هاران بن عم إبراهيم.
حليم أواه: الحليم الذي لا يعامل بالعقوبة والأواه كثير التأوه مما يسيء ويحزن.
أعرض عن هذا: أي اترك الجدال في قوم لوط.
٢ في الآية دليل على أن امرأة الرجل تعد من أهل بيته.
٣ يقال ارتاع يرتاع من كذا إذا خاف قال النابغة.
فارتاع من صوت كلاّب فبات له
طوع الشوامت من خوف ومن ضرر
الشاعر يصف ثوراً وحشياً والكلاب: صاحب الكلاب.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الحديث عن بشارة إبراهيم قال تعالى فلما ذهب عن إبراهيم الروع أي الفزع والخوف من الملائكة قبل أن يعرفهم وجاءته البشرى بالولد وبهلاك قوم لوط أخذ يجادل الملائكة في شأن هلاك قوم لوط لأجل ما بينهم من المؤمنين فقال إن فيها لوطاً فأجابوه بقولهم الذي ذكر تعالى في سورة العنكبوت ﴿نحن أعلم بمن فيها لننجيّنه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين﴾ وقوله تعالى ﴿إن إبراهيم لحليم أواه منيب﴾ ١ تعليل لمجادلة إبراهيم الملائكة في قوم لوط، وذلك أن إبراهيم رقيق القلب حليم لا يعامل بالعقوبة فأراد تأخير العذاب عنهم لعلهم يتوبون، وكان أواهاً ضارعا قانتا يكثر من قول آه إذا رأى أو سمع٢ ما يسوء ومنيباً أي توابا رجاعاً إلى ربّه في كل وقت. ولما الحّ إبراهيم في مراجعة الملائكة قالوا له يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال إنه قد جاء٣ أمر ربك أي بهلاك القوم. ﴿وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ أي غير مدفوع من أحد وهو ما سَيُذْكَرُ في السياق بعد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الجدال عمن يُرجى له الخير من الناس، وذلك في غير الحدود الشرعية إذا رفعت إلى الحاكم.
٢- فضيلة خلق الحلم.
٣- فضل الإنابة إلى الله تعالى.
٤- قضاء الله لا يرد أي ما حكم الله به لابد واقع.
٢ جائز أن يكون هذا وحياً أوحاه الله تعالى إلى إبراهيم وجائز أن يكون قول الملائكة، وأمر الله قضاؤه بإهلاك قوم لوط.
٣ في هذا دليل على رحمة إبراهيم القلبية فما أن يرى أو يسمع ما يضر أو يسيء إلاّ أخذ في التأوه والتحسر والتحزن، وقيل اسم إبراهيم مركب من كلمتين: أب رحيم، وظهر هذا في سلوكه ورحمته.
شرح الكلمات
سيء بهم: أي حصل له غم وهم بمجيئهم إليه.
وضاق بهم ذرعا١: أي عجزت طاقته عن تحمل الأمر.
يوم عصيب: أي شديد لا يحتمل.
يهرعون إليه: أي مدفوعين بدافع الشهوة يمشون مسرعين في غير اتزان.
السيئات: أي كبائر الذنوب بإتيان الذكور.
ولا تخزون في ضيفي: أي لا تذلوني ولا تهينوني بالتعرض لضيفي.
رجل رشيد: أي ذو رشد وعقل ومعرفة بالأمور وعواقبها.
أو آوى إلى ركن شديد: أي إلى عشيرة قوية تمنعني منكم. ولم تكن له عشيرة لأنه من غير ديارهم.
معنى الآيات:.
هذه فاتحة حديث لوط عليه السلام مع الملائكة ثم مع قومه قال تعالى {ولما جاءت
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فضيلة إكرام الضيف وحمايته من كل ما يسوءه..
٢- فظاعة العادات السيئة وما تحدثه من تغير في الإنسان.
٣- بذل ما يمكن لدفع الشر لوقاية لوط ضيفه ببناته٥.
٤- أسوأ الحياة أن لا يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
٥- إظهار الرغبة في القوة لدفع الشر وإبعاد المكروه ممدوح.
٢ جائز أن يكون من قبل مجيء لوط إليهم، وجائز أن يكون من قبل مجيء الضيف وهم الرسل عليهم السلام.
٣ أراد نساء الأمة إذ نبي القوم أب لهم شاهده قراءة ابن مسعود، وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم الآية من سورة الأحزاب.
٤ قيل أنهم كانوا خطبوا بناته ولم يزوجهم بهن إذ سنتهم أن الرجل إذا خطب امرأة ثم لم يعطها لا تحل له بعد ولذا قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وما في التفسير أوجه.
٥ هذا بناء على أن المراد من قوله هؤلاء بناتي: إنهن بناته لصلبه لا بنات أمته وحتى ولو كان المراد بنات القوم فإن فيه معنى دفع الشر بشر أخف.
شرح الكلمات:
فأسر بأهلك: أي اخرج بهم من البلد ليلا.
بقطع من الليل: أي بجزء وطائفة من الليل.
الصبح: هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
جعلنا عاليها: أي عالي القرية سافلها.
من سجيل: أي من طين متحجر.
منضود: أي منظم واحدة فوق أخرى بانتظام.
مسومة: أي معلمة بعلامة خاصة.
عند ربك: أي معلمة من عند الله تعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن ضيف لوط مع قومه إنه بعد أن اشتد بلوط الخوف وتأسف من عدم القدرة على حماية الضيف الكريم وقال متمنياً لو أنّ لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. هنا قالت له الملائكة١ {يا لوط إنا رسل ربك إليك لنُنَجِيّنَّكَ ونهلك قومك لن
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- استحباب السير في الليل لما فيه من البركة بقطع المسافات البعيدة بدون تعب.
٢- كراهة التأسف لهلاك الظالمين.
٣- مظاهر قدرة الله تعالى في قلب أربع مدن في ساعة فكان الأعلى أسفل٤ والأسفل أعلى.
٤- وعيد الظالمين في كل زمان ومكان بأشد العقوبات وأفظعها.
٢ ألاّ ينظر وراءه منكم أحد، أو لا يتخلف منكم أحد، أو لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو متاع وما في التفسير أوجه وإلا امرأتك بالنصب على الاستثناء أي فأسر بأهلك إلا امرأتك فاتركها فإنها من الغابرين أي الهالكين.
٣ جعلنا عاليها سافلها قيل أن جبريل ادخل جناحه تحت قرى قوم لوط وهي خمس، سدوم وعامورا ودادوما وضعوه وقتم فرفعها من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء بما فيها.
٤ في الآية بيان عقوبة من عمل عمل قوم لوط وهي الإرسال من أعلى جبل ثم الرمي بالحجارة وهذا مذهب أبي حنيفة. وعند الشافعي أن يقتل الفاعل والمفعول به سواء من احصن ومن لم يحصن، وقيل غير المحصن يجلد، وفي الحديث "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
شرح الكلمات:
وإلى مدين: أي أرسلنا إلى مدين١ إلى أهل مدين.
المكيال والميزان: أي إذا بعتم لأحد فلا تنقصوا المكيال والميزان.
عذاب يوم محيط: أي يحيط بكم من جميع جهاتكم فلا ينجو منه أحد منكم.
بالقسط: أي بالعدل أي بالمساواة والتساوي في البيع والشراء على حد سواء.
ولا تبخسوا: أي لا تنقصوهم حقوقهم التي هي لهم عليكم في الكيل والوزن وفي غير ذلك.
ولا تعثوا في الأرض: أي ولا تعثوا في الأرض بالفساد.
بقية الله خير لكم: أي ما يبقى لكم بعد توفية المكيال والميزان خير لكم من الحرام الذي حرم الله عليكم.
وما أنا عليكم بحفيظ: أي رقيب أراقب وزنكم وكيلكم وإنما أنا واعظ لكم وناصح لا غير.
هذا بداية قصص شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين قال تعالى ﴿وإلى مدين أخاهم شعيبا﴾ أي وأرسلنا إلى قبيلة مدين أخاهم في النسب شعيباً ﴿قال يا قوم اعبدوا الله ما١ لكم من إله غيره﴾ أي وحّدوا الله تعالى ليس لكم إله تعبدونه بحق إلا هو إذ هو ربكم الذي خلقكم ورزقكم ويدبر أمركم. وقوله ﴿ولا تنقصوا المكيال والميزان﴾ أي لا تنقصوا المكيال إذا كلتم لغيركم، والميزان إذا وزنتم لغيركم. وقوله ﴿إني أراكم بخير﴾ أي في رخاء وسعة من الرزق، ﴿واني أخاف عليكم عذاب يوم محيط٢﴾ إن أصررتم على الشرك والنقص والبخس٣ وهو عذاب يحيط بكم فلا يفلت منكم أحد. وقوله ﴿يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط﴾ أمر بتوفية المكيال والميزان بالعدل بعد أن نهاهم عن النقص تأكيداً لما نهاهم عنه وليعطف عليه نهيا آخر وهو النهي عن بخس الناس أشياءهم إذ قال ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾ أي تنقصوهم حقوقهم وما هو لهم بحق من سائر الحقوق.
ونهاهم عما هو أعم من ذلك فقال ﴿ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ أي ولا تسعوا في الأرض بالفساد وهو شامل لكل المعاصي والمحرمات. وقوله ﴿بقية الله خير لكم إن كنتم٤ مؤمنين﴾ أي وما يبقى لكم بعد توفية الناس حقوقهم خير لكم مما تأخذونه بالنقص والبخس لما في الأول من البركة ولما في الثاني من المحق إن كنتم مؤمنين بشرع الله ووعده ووعيده وقوله ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ أي بمراقب لكم حين تبيعون وتشترون، ولا بحاسب مُحصرٍ عليكم ظلمكم فأجازيكم به، وإنما أنا واعظ لكم ناصح ليس غير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وحدة دعوة الرسل وهي البداية بتوحيد الله تعالى أولا ثم الأمر والنهي لإكمال الإنسان
أ- عبادة الله وحده وفيه إصلاح عقائدهم وبصلاح عقائدهم تصلح جميع أمورهم.
ب- صلاح أعمالهم في تصرفاتهم في أمور دنياهم.
٢ جائز أن يكون عذاب إبادة واستئصال وهو ما تم لهم بعد اصرارهم على الشرك والعصيان وجائز أن يكون عذاب يوم القيامة وهو كائن لا محالة.
٣ في الحديث: "ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء".
٤ قال مجاهد: بقية الله خبر لكم يريد طاعته، وقال الربيع: وصية الله وقال الفراء: مراقبة الله وقال ابن زيد: رحمة الله، وقال ابن عباس: رزق الله خير لكم، وقال الحسن: حظكم من ربكم خير لكم. كل هذا بشرط الإيمان والتوحيد وأرجح هذه الأقوال ما في التفسير.
٢- حرمة نقص الكيل والوزن أشد حرمة١.
٣- وجوب الرضا بالحلال وإن قل، وسخط الحرام وإن كثر.
٤- حرمة بخس الناس حقوقهم كأجور العمال، وأسعار البضائع ونحو ذلك.
٥- حرمة السعي بالفساد في الأرض بأي نوع من الفساد وأعظمه تعطيل شرائع الله تعالى.
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠)
شرح الكلمات:
أصلاتك٢: أي كثرة الصلاة التي تصليها هي التي أثرت على عقلك فأصبحت تأمرنا بما لا ينبغي من ترك عبادة آلهتنا والتصرف في أموالنا.
٢ قُرئ بالإفراد أصلاتك وبالجمع أصلواتك، والمعنى واحد إذ الإفراد اسم جنس شمل كل صلاة له فهو كالجمع.
أن أخالفكم: أي لا أريد أن أنهاكم عن الشيء لتتركوه ثم أفعله بعدكم.
إن أريد إلا الإصلاح:: أي ما أريد إلا الإصلاح لكم.
وما توفيقي إلا بالله:: أي وما توفيقي للعمل الإصلاحي والقيام به إلا بفضل الله عليّ.
وإليه أنيب:: أي ارجع في أمري كله.
لا يجرمنكم شقاقي: أي لا تكسبنكم مخالفتي أن يحل بكم من العذاب ما حل بقوم نوح والأقوام من بعدهم.
وما قوم لوط منكم ببعيد:: أي في الزمن والمكان إذ بحيرة لوط قريبة من بلاد مدين التي هي بين معان والأردن.
رحيم ودود:: أي رحيم بالمؤمنين ودود محب للمتقين.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الحديث عن شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين إنه لما أمرهم بعبادة الله تعالى وحده ونهاهم نقص الكيل والوزن وبخس الناس أشياءهم والسعي في الأرض بالفساد، إذ كانوا يكسرون الدراهم وينشرونها ويقطعون الطريق. فردوا عليه قوله بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: ﴿قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في١ أموالنا ما نشاء﴾ ؟ إنهم بهذا الخطاب ينكرون عليه نهيه لهم عن عبادة الأوثان والأصنام التي كان يعبدها آباؤهم من قبلهم كما ينكرون عليه نهيه لهم عن نقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم وأمره إياهم بالتزام الحق والعدل في ذلك، ينكرون عليه نهيه لهم وأمره إياهم وينسبون ذلك إلى كثرة صلاته فهي التي في نظرهم قد أصابته بضعف العقل وقلة الإدراك، وقولهم له ﴿إنك لأنت الحليم الرشيد﴾ إنما هو تهكم٢.
٢ هو كقول خزنة جهنم لأبي جهل: ذق إنك أنت العزيز الكريم وقيل إنهم وصفوه بالحلم والرشد لمعرفتهم بحلمه ورشده ولم يكن تهكماً واستهزاء منهم. وجائز أن يكون هذا وذاك إذ ما بعد الكفر ذنب كما يقال.
وما توفيقي في ذلك إلا بالله ربّي وربكم عليه توكلت في أمري كله وإليه وحده أنيب أي أقبل بالطاعة وأرجع بالتوبة. ثم ناداهم محذراً إياهم من اللجاج والعناد فقال: ويا قوم لا يجرمنكم أي لا يحملنكم شقاقي أي خلافي على الاستمرار في الكفر والعصيان فيصيبكم عذاب مثل عذاب قوم نوح وهو الغرق أو قوم هود وهو الريح المدمرة أو قوم صالح وهو الصيحة المرجفة ﴿وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ في الزمن والمكان وقد علمتم ما حل بهم من دمار وخراب. أي لا يحملنكم شقاقي وعداوتي على أن ينزل بكم العذاب، واستغفروا ربكم مما أنتم عليه من الشرك والمعاصي، ثم توبوا إليه بالطاعة، ﴿إن ربي رحيم﴾ لا يعذب من تاب إليه ودود٢ يحب من أناب إليه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التعريض القريب يُعطي حكم القذف الصريح.
٢- كراهية إتيان الشيء بعد النهى عنه، وترك الشيء بعد الأمر به والحث عليه.
٢ مأخوذ من قول شعيب له: ﴿إنك لأنت الحليم الرشيد﴾ وهم يعنون الأحمق السفيه، فمن قال لرجل في حال النزاع أنت الطيب الطاهر فإنه يعرض به بأنه الخبيث الزاني فيحد حد القذف.
٤- وجوب لاستغفار والتوبة من الذنوب.
٥- وصف الرب تعالى بالرحمن والمودة.
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (٩١) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)
شرح الكلمات:
ما نفقه: أي ما نفهم بدقة كثيراً من كلامك.
ولولا رهطك: أي أفراد عشيرتك.
وما أنت علينا بعزيز: أي بقوي ممتنع.
ظهرياً١: أي لم تأبهوا به ولم تلتفتوا إليه كالشيء الملقى وراء الظهر.
الصيحة: أي صحة العذاب التي أخذتهم.
جاثمين: أي على ركبهم.
كأن لم يغنوا فيها: أي كأن لم يقيموا بها يوماً.
ألا بعداً لمدين: أي هلاكاً لمدين قوم شعيب
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن شعيب وقومه إنه بعد الحوار الذي دار بين شعيب وقومه يقول ويقولون وكان عليه السلام فصيحاً مؤيداً من الله تعالى فيما يقول فأفحمهم وقطع الحجة عليهم لجأوا إلى أسلوب القوة والتهديد بل والشتم والإهانة وكان هذا منهم إيذاناً بقرب ساعة هلاكهم فقالوا فيما قص تعالى عنهم في هذه الآيات ﴿يا شعيب١ ما نفقه كثيراً مما تقول﴾ فقد نادوه ليسمع منهم ثم أعلموه أنهم لا يفقهون كثيراً من كلامه مع أنه يخاطبهم بلغتهم، ولكنه الصلف والكبرياء فإن صاحبها لا يفهم ما يقوله الضعفاء. وقالوا له: وإنا لنراك فينا ضعيفاً وهو احتقار منهم له، وقالوا: ولولا رهطك لرجمناك٢ أي ولولا وجود جماعة من عشيرتك نحترمهم لرجمناك أي لقتلناك رمياً بالحجارة، وأخيراً وما أنت علينا بعزيز أي بممتنع لو أردناك. وهنا رد شعيب عليه السلام علمهم بقوله فقال ما أخبر تعالى به عنه ﴿قال يا قوم أرهطي٣ أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريّاً﴾ أي غير مبالين بأمره ولا نهيه كما جعلتموه وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تسمعون منه ولا تطيعونه، يا ويلكم ﴿إنّ ربّي بما تعملون محيط﴾ أي علمه فأعمالكم معلومة له لا يخفى منها عليه شيء ولسوف يجزيكم بها عاجلا أو آجلا وقابل تهديدهم له بمثله فقال لهم ﴿ويا قوم اعملوا على مكانتكم﴾ أي على تمكنكم من عملكم ﴿إني عامل﴾ أي على تمكني من العمل الذي أعمله ﴿سوف تعلمون بعد من يأتيه عذاب يخزيه﴾ يذله ويهينه ومن هو كاذب منا فيعذب ويخزى ويذل ويهان أيضاً وعليه فارتقبوا يومذاك {وارتقبوا فإني
٢ إما أن يكون قولهم هذا استخفافاً وتجاهلاً منهم وإما أن يكون ثقل عليهم فهم البعث الآخر والحساب فيه والجزاء بالجنة والنار.
٣ رهط الرجل عشيرته وقولهم لرجمناك جائز أن يراد به حقيقته وهو القتل رجماً بالحجارة إذ كانوا يقتلون من أرادوا قتله كذلك، وجائز أن يكون لرجمناك بالقول سباً وشتماً كما قال الشاعر:
تراجمنا بمُر القول حتى
نصير كأننا فرسا رهان
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان ما أوتي نبي الله شعيب العربي من فصاحة وبيان حتى قيل فيه خطيب الأنبياء.
٢- اشتداد الأزمات مؤذن بقرب انفراجها٣.
٣- بيان فساد عقل من يهتم بتنفيذ أوامر الناس ويهمل أوامر الله تعالى ولا يلتفت إليها.
٤- فضل انتظار الفرج من الله تعالى وهو الرجاء المأمور به.
٥- صدق وعد الله رسله وعدم تخلفّه أبداً.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (٩٦) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)
٢ قرأ السلميّ بعدت بضم العين ووجه بأنه لغة وتستعمل في الخير وفي الشر وأما بعدت بكسر العين فإنها في الشر خاصة يقال بعد يبعد بعداً كفرح يفرح فرحاً إذا أبعد وهلك.
٣ شاهده من القرآن ﴿إن مع العسر يسرا﴾.
موسى: هو موسى بن عمران كليم الله ورسوله إلى بني إسرائيل.
بآياتنا: هي التسع الآيات التي ذكر أكثرها في آية الأعراف.
وسلطان مبين: أي بحجة قوية على عدو الله فرعون فهزمه بها.
وملئه: أي أشرف رجال دولة فرعون.
وما أمر فرعون برشيد: أي بذي رشد بل هو السفه كله.
يقدم قومه: أي تقدمهم إلى النار فأوردهم النار.
بئس الورد المورود: أي قبح وساء ورداً يورد النار.
وأتبعوا في هذه لعنة: أي ألحقتهم في دار الدنيا لعنة وهي غرقهم.
بئس الرفد المرفود: أي قبح الرفد الذي هو العطاء المرفود به أي المعطى لهم. والمراد لعنة الدنيا ولعنة الآخرة.
معنى الآيات:
هذه لمحة خاطفة لقصة موسى عليه السلام مع فرعون تضمنتها أربع آيات قصار قال تعالى ﴿ولقد أرسلنا موسى﴾ أي بعد إرسالنا١ شعيباً إلى أهل مدين أرسلنا موسى بن عمران مصحوباً بآياتنا الدالة٢ على إرسالنا له وصدق ما يدعوا إليه ويطالب به وسلطان مبين٣ أي وحجة قوية ظاهرة على وجوب توحيد الله تعالى وبطلان أولوهية من عداه كفرعون عليه لعائن الله ﴿إذ قال ما علمت لكم من إله غيري﴾ وقوله تعالى ﴿إلى فرعون وملئه﴾ أرسلناه بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وأشراف جنده وزعماء دولته فأمرهم موسى بإتباع الحق وترك الباطل فأبوا واتبعوا أمر فرعون فأضلهم. ﴿وما أمر فرعون برشيد﴾ حتى يهدي إلى الفلاح من اتبعه. قال تعالى (يقدم قومه٤ يوم القيامة} أي لتقدمهم إلى النار فيوردهم حياضها ﴿وبئس الورد المورود﴾ أي نار جهنم قوله تعالى ﴿واتبعوا في هذه لعنة﴾ أي فرعون وقومه لعنوا في الدنيا، ويوم القيامة يلعنون أيضاً ﴿فبئس الرفد المرفود٥﴾ وهما لعنة الدنيا ولعنة الآخرة، والرفد العون والعطاء والمرفود به هو المعان به والمعطى لمن
٢ التوراة والمعجزات أيضاً إذ كلاهما آيات.
٣ هي العصا فإنها أكبر برهان وأعظم حجة وأقوى سلطان.
٤ يقال قدمه يقدمه إذا تقدمه وأما قدم يقدم فإنه بمعنى أتى وجاء ووفد.
٥ رفده يرفده رفداً إذا أعانه وأعطاه واسم العطية الرفد بكسر الراء وسكون الفاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- من كتب الله شقاءه لا يؤمن بالآيات بل يردها ويكذب بها حتى يهلك.
٢- قوة الحجج وكثرة البراهين لا تستلزم إذعان الناس وإيمانهم.
٣- التحذير من اتباع رؤساء الشر وأئمة الفساد والضلال.
٤- ذم موارد الباطل والشر والفساد.
٥- شر المعذبين من جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)
شرح الكلمات:
ذلك: الإشارة إلى قصص الأنبياء الذي تقدم في السورة.
من أنباء القرى: أي أخبار أهل القرى قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط وأصحاب مدين وفرعون.
منها قائم وحصيد: منها مدن بقيت آثارها كمدائن صالح، ومنها مدن لم يبق منها شيء كديار عاد.
التي يدعون: أي يعبدونها بالدعاء وغيره كالذبح لها والنذور والحلف بها.
غير تتبيب: أي تخسير وهلاك.
أليم شديد: أي موجع شديد الإيجاع.
معنى الآيات:
لما قص تعالى على رسوله في هذه السورة ما قص من أخبار الأمم السابقة خاطبه قائلا ﴿١ذلك﴾ أي ما تقدم في السياق ﴿من أنباء القرى﴾ أي أهلها نقصه عليك تقريراً لنبوتك وإثباتاً لرسالتك وتثبيتاً لفؤادك وتسلية لك. وقوله تعالى ﴿منها قائم وحصيد٢﴾ أي ومن تلك القرى البائدة منها آثار قائمة من جدران وأطلال، ومنها ما هو كالحصيد ليس فيه قائم ولا شاخص لاندراسها وذهاب آثارها. وقوله تعالى ﴿وما ظلمناهم﴾ بإهلاكنا إياهم ولكن هم ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي والمجاحدة لآياتنا والمكابرة لرسولنا. وقوله تعالى ﴿فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء٣﴾ أي لم تغن عنهم أصنامهم التي اتخذوها آلهة فعبدوها بأنواع العبادات من دعاء ونذر وذبح وتعظيم إذ لم تغن عنهم شيئاً من الإغناء ﴿لما جاء أمر ربك﴾ بعذابهم ﴿وما زادوهم غير تتبيب٤﴾ أي تخسير ودمار وهلاك. ثم في الآية الأخيرة قال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وكذلك أخذ ربك﴾ أي وكذلك الأخذ المذكور أخذ ربك ﴿إذا أخذ القرى﴾ أي العواصم والحواضر بمن فيها والحال٥ أنها ظالمة بالشرك والمعاصي. ﴿إن أخذه أليم شديد﴾ أي ذو وجع شديد لا يطاق فهل يعتبر المشركون والكافرون والظالمون اليوم فيترك المشركون شركهم والكافرون كفرهم والظالمون ظلمهم قبل أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم؟.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونشر رسالته وتسليته بما يقص الله عليه من أنباء السابقين.
٢ شاهده من قول الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم
كالزرع منه قائم وحصيد
٣ من شيء نكرة في سياق النفي ومؤكده بمن الزائدة فدل هذا على أن آلهتهم لم تدفع عضهم ما أراد الله بهم من الهلاك أدنى شيء.
٤ شاهده في قول لبيد:
فلقد بليت وكل صاحب جدة
يبلى يعود وذاكم التتبيب
أي التخسير والتباب الهلاك والخسران.
٥ قوله وهي ظالمة الجملة في محل نصب حال من المفعول.
٣- آلهة المشركين لم تغن عنهم عند حلول النقمة بهم شيئاً.
٤- التنديد بالظلم وسوء عاقبة الظالمين.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (١٠٩)
شرح الكلمات:
لآية: أي علامة على أن الذي عذب في الدنيا قادر على أن يعذب في الآخرة.
يوم مشهود: أي يشهد جميع الخلائق وهو يوم القيامة.
إلا لأجل معدود: أي أجل الدنيا المعدود الأيام والساعات.
إلا بإذنه: أي إلا بإذن الله تعالى.
شقي وسعيد: أي فمن أهل الموقف من هو شقي أزلاً وسيدخل النار، ومنهم سعيد أزلاً وسيدخل الجنة.
عطاء غير مجذوذ: أي غير مقطوع بل هو دائم أبداً.
فلا تك شك في مرية مما يعبد هؤلاء: أي في شك من بطلان عبادة هؤلاء المشركين.
نصيبهم غير منقوص: ما قدر لهم من خير أو شر رحمة أو عذاب.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إن في ذلك لآية﴾ أي إن في أخذ الله تعالى للأمم الظالمة وتعذيبها بأشد أنواع العذاب آية أي علامة واضحة على أن من عذّب في الدنيا قادر على أن يعذب في الآخرة فالمؤمنون بلقاء الله تعالى يجدون فيما أخبر تعالى به من إهلاك الأمم الظالمة آية هي عبرة لهم فيواصلون تقواهم لله تعالى حتى يلاقوه وهم به مؤمنون ولأوامره ونواهيه مطيعون. وقوله تعالى ﴿ذلك يوم مجموع١ له الناس وذلك يوم مشهود﴾ أي ذلك التي فيه عذاب الآخرة هو يوم القيامة حيث يجمع فيه الناس لفصل القضاء ﴿وذلك يوم مشهود﴾ إذ تشهده الخلائق كلها وقوله تعالى ﴿وما نؤخره إلا لأجل معدود﴾ أي وما يؤخر يوم القيامة إلا لإكمال عمر الدنيا المعدود السين والأيام بل والساعات. وقوله تعالى ﴿يوم يأتي﴾ أي٢ يوم القيامة ﴿لا تكلّم نفس٣ إلا بإذنه﴾ أي٤ بإذن الله تعالى وقوله ﴿فمنهم شقي وسعيد﴾ أي والناس فيه ما بين شقي وسعيد، وذلك عائد إلى ما كتب لكل إنسان من شقاوة أو سعادة في كتاب المقادير، أولاً، ولما كسبوا من خير وشر ثانياً. وقوله تعالى ﴿فأما الذين شقوا﴾ أي في حكم الله وقضائه ففي النار لهم فيها زفير وهو صوت شديد وشهيق٥ وهو صوت ضعيف والصوتان متلازمان إذ هما كأول النهيق وآخره عند الحمار. وقوله تعالى ﴿خالدين فيها﴾ أي في النار ﴿ما دامت السموات والأرض﴾ أي مدة دوامهما، وقوله ﴿إلا ما شاء ربك﴾ أن لا يخلد فيها وهم أهل التوحيد ممن ماتوا على كبائر الذنوب. وقوله تعالى ﴿إن ربك فعال لما يريد﴾ أي إن ربك أيها الإنسان فعال لما يريد إذا أراد شيئا فعله
٢ قرىء يوم يأت بدون ياء لأن الياء تحذف إذا كان قبلها كسرة.
٣ لا تحلم الأصل لا تتكلم بتائين وحذفت إحداهما للتخفيف وقرىء يأتي بالياء وهو الأصل والحذف للتخفيف لا غير كقول الرجل لا أدر فيما لا يدري.
٤ وردت آيات فيها نفي الكلام عن أهل الموقف إلا بإذن الله تعالى وأخرى تثبت ذلك والجمع أن للمحشر مواقف وأحوالا فيؤذن لهم فيها أحياناً ولا يؤذن لهم أحياناً أخرى ولا خلاف في أنه لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى له بالكلام.
٥ اختلف في تحديد معنى كل من الزفير والشهيق وما في التفسير خلاصته وهما أصوات المحزونين والزفير مأخوذ من الزّفر وهو الحمل على الظهر لشدته، والشهيق النفس الطويل مأخوذ من قولهم جبل شاهق طويل.
هداية الآيات:.
من هداية الآيات:
١- فضل وفضيلة الإيمان بالآخرة.
٢-حتمية البعث الآخر وأنه لا شك فيه.
٣- الشقاوة والسعادة مضى بهما القضاء والقدر قبل وجود الأشقياء والسعداء.
٤- عجز كل نفس عن الكلام يوم القيامة حتى يؤذن لها به.
٥- إرادة الله مطلقة، لو شاء أن يخرج أهل النار لأخرجهم منها ولو شاء أن يخرج أهل الجنة لأخرجهم إلا أنه حكم بما أخبر به وهو العزيز الحكيم.
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ
٢ قيل إن هذا تعبير عربي معتاد المقصود منه التأييد كقولهم لا أكلمك ما طلع نجم أو ما نبح كلب وما إلى ذلك وما في التفسير أوجه وهو الذي عليه المحققون.
شرح الكلمات:
الكتاب: أي التوراة.
ولولا كلمة سبقت: أي لولا ما جرى به قلم القدر من تأخير الحساب والجزاء إلى يوم القيامة.
لفي شك منه مريب: أي موقع في الريب الذي هو اضطراب النفس وقلقها.
فاستقم كما أمرت: أي على الأمر والنهي كما أمرك ربك بدون تقصير.
ولا تطغوا: أي لا تجاوزوا حدود الله.
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا: أي لا تميلوا إليهم بموادة أو رضا بأعمالهم.
فتمسكم النار: أي تصيبكم ولازم ذلك دخولها.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في تسلية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر والثبات وهو يبلغ دعوة الله تعالى ويدعو إلى توحيده مواجها صلف المشركين وعنادهم فيقول له ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب١﴾ أي التوراة كما أنزلنا عليك القرآن. فاختلفت اليهود في التوراة فمنهم من آمن بها ومنهم من كفر كما اختلف قومك في القرآن فمنهم من آمن به ومنهم من كفر إذاً فلا تحزن. وقوله تعالى ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك﴾ وهي تأخير الجزاء على الأعمال في الدنيا إلى يوم القيامة ﴿لقضي بينهم﴾ فنجى المؤمنين وأهلك الكافرين. وقوله تعالى ﴿وإنهم لفي شك منه مريب﴾ وإن قومك من مشركي العرب لفي شك من القرآن هل هو وحي الله وكلامه أو هو غير ذلك مريب أي موقع في الريب الذي هو شك مع اضطراب النفس وقلقها وحيرتها وقوله تعالى ﴿وإن كلاّ لما ليوفينهم٢ ربك
٢ قرئ وإن كلا بتخفيف إن وأعمالها على أنها المخففة من الثقيلة وقالوا سمع من يقول إن زيداً لمنطلق وشددها آخرون ونصبوا بها كلاً، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر لما بالتشديد وقرأ نافع وغيره بالتخفيف بناء على أن ما صلة واللام هي لام الابتداء التي تدخل على الخبر واللام الثانية لام القسم وفصل بين اللامين بما كراهية توالي لامين وعلى قراءة تشديد لما فقد خرجوها على أن الأصل لمن ما فأدغمت النون في الميم فصارت لما فاجتمع ثلاث ميمات فحذفت الميم الأولى تخفيفاً فصارت لمّا وتوجيه الكلام وإن جميعهم للاقون جزاء إعمالهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتخفيف عنه مما يجده من جحود الكافرين.
٢- بيان سبب تأخر العذاب في الدنيا، وهو أن الجزاء في الآخرة لا في الدنيا.
٣- الجزاء الأخروي حتمي لا يتخلف أبداً إذ به حكم الحق عز وجل.
٤- وجوب الاستقامة على دين الله تعالى عقيدة وعبادة وحكماً وأدباً.
٢ حقيقة الركون هي الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به قال قتادة معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم ولا ترضوا أعمالهم.
٣ في الآية دليل على وجوب هجران أهل الكفر والمعاصي وأهل البدع والأهواء فإن صحبتهم كفر أوْ مَعصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة قال حكيم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
٦- حرمة مداهنة المشركين١ أو الرضا بهم أو بعملهم، لأن الرضا بالكفر كفر.
وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)
شرح الكلمات:
وأقم الصلاة: أي صل الصلاة المفروضة.
طرفي النهار: أي الصبح، وهي في الطرف الأول، والظهر والعصر وهما في الطرف الثاني.
وزلفاً من الليل: أي ساعات الليل والمراد صلاة المغرب وصلاة العشاء.
إن الحسنات يذهبن السيئات: أي حسنات الصلوات الخمس يذهبن صغائر الذنوب التي تقع بينهن.
ذلك ذكرى للذاكرين: أي ذلك المذكور من قوله وأقم الصلاة عظة للمتعظين.
المحسنين: أي الذين يحسنون نياتهم وأقوالهم وأعمالهم بالإخلاص فيها لله وأدائها على نحو ما شرع الله وبيّن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في توجيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين وهدايتهم إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم فقال تعالى ﴿وأقم الصلاة طرفي٢ النهار وزلفاً من الليل٣﴾ أقمها في
٢ طرف النهار- أوله- وهو من طلوع الفجر وآخره من العصر إلى غروب الشمس.
٣ الزلف جمع زلفة كغرفة وغرف وير الساعة القريبة من أختها والمراد بها صلاة المغرب والعشاء، وهذه الآية إحدى ثلاث آيات ذكرت أوقات الصلوات الخمس. الثانية آية الإسراء ﴿وأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهود﴾ والثانية آية الروم ﴿فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون﴾.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
١- بيان أوقات الصلوات الخمس إذ طرفي النهار هما الصبح وفيها صلاة الصبح والعشيّ وفيها صلاة الظهر والعصر كما أن زلفاً من الليل هي ساعاته فيها صلاة المغرب والعشاء.
٢- بيان سنة الله تعالى في أن الحسنة تمحو السيئة وفي الحديث " الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينها ما لم تغش الكبائر".
٣- وجوب الصبر والإحسان وأنهما من أفضل الأعمال.
فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (١١٦) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
٢ روى البخاري عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة حرام فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك فنزلت عليه ﴿وأقم الصلاة﴾ الآية فقال الرجل أليّ هذا؟ قال "لمن عمل بها من أمتي".
شرح الكلمات:
فلولا: لولا كلمة تفيد الحض على الفعل والحث عليه.
من القرون: أي أهل القرون والقرن مائة سنة.
أولو بقية: أي أصحاب بقيّة أي دين وفضل.
ما أترفوا فيه: أي ما نعموا فيه من طعام وشراب ولباس ومتع.
وكانوا مجرمين: أي لأنفسهم بارتكاب المعاصي ولغيرهم بحملهم على ذلك.
بظلم: أي منه لها بدون ما ذنب اقترفته.
أمة واحدة: أي على دين واحد وهو الإسلام.
ولذلك خلقهم: أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله ﴿فلولا كان من القرون﴾ من قبلكم أيها الرسول والمؤمنون ﴿أولو١ بقيّة﴾ من فهم وعقل وفضل ودين ينهون عن الشرك والتكذيب والمعاصي أي فهلاّ كان ذلك إنه لم يكن اللهم إلا قليلا ممن أنجى الله تعالى من إتباع الرسل عند إهلاك أممهم وقوله تعالى ﴿واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين٢﴾ أي لم يكن بينهم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجى الله وما عداهم كانوا ظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي متبعين ما اترفوا فيه من ملاذ الحياة الدنيا وبذلك كانوا مجرمين فأهلكهم الله تعالى ونجى رسله والمؤمنين كما تقدم ذكره في قصة نوح وهود وصالح وشعيب
٢ أترفوا أي أترفهم الله بما وسع عليهم من الأرزاق ولم يشكروه هؤلاء المترفون اتبعوا ما أترفوا فيه وانقطعوا إليه فلا هم لهم إلا متاع الحياة الدنيا، وبذلك أجرموا على أنفسهم وعقولهم فأصبحوا بذلك مجرمين، في الآية ذم الترف إن اتبعه صاحبه وانقطع به عن طاعة الله ورسوله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- ما يزال الناس بخير ما وجد بينهم أولو الفضل والخير يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن الفساد والشر.
٢- الترف كثيراً ما يقود إلى الإجرام على النفس بإتباع الشهوات وترك الصالحات.
٣- متى كان أهل القرى صالحين فهم آمنون من كل المخاوف.
٤- الاتفاق رحمة والخلاف عذاب.
٢ في الآية تقرير مشيئة الله تعالى التي لا يقع في الكون شيء إلا بها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم على ملة الإسلام أو ملة الكفر أمة واحدة ولكن حكمته اقتضت اختلاف الناس لتتجلى في ذلك قدرته ورحمته وعدله وعفوه ومغفرته.
٣ اجتماع الأمة وعدم اختلافها مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى واختلافها مظهر من مظاهر عذابها وشقائها وحرمانها.
٤ جملة لأملان جهنم تفسير للكلمة التي أتمها الله تعالى وهي قوله ﴿لأملان جهنم..﴾.
٥ أي من الفريقين فمن تبعيضبة فيدخل بعض الجن والإنس الجنة ويدخل بعض الجن والإنس النار.
شرح الكلمات:
وكلاً نقص: أي وكل ما تحتاج إليه من أنباء الرسل نقصه علبك تثبيتاً لفؤادك.
ما نثبت به فؤادك: أي نقص عليك من القصص ما نثبت به قلبك لتصبر على دعوتنا وتبليغها.
وجاءك في هذه الحق: أي في هذه السورة الحق الثابت من الله تعالى كما جاءك في غيرها.
وموعظة وذكرى: أي وجاءك فيها موعظة وذكرى للمؤمنين إذ هم المنتفعون بها.
ولله غيب السموات والأرض: أي ما غاب علمه فيهما فالله يعلمه وحده وليس لغيره فيه علم.
فاعبده: أي وَحِّدْهُ في العبادة ولا تشرك به شيئاً.
وتوكل عليه: أي فوض أمرك إليه وثق تمام الثقة فيه فإنه يكفيك.
معنى الآيات:
لما قص تعالى على رسوله في هذه السورة الشريفة ما قصه من أنباء الرسل مع أممهم مبيناً ما لاقت الرسل من أفراد أممهم من تكذيب وعناد ومجاحدة وكيف صبرت الرسل
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان فائدة القصص القرآني وهي أمور منها:
أ) تثبيت قلب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ب) إيجاد مواعظ وعبر للمؤمنين.
جـ) تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- علم الغيب لله وحده لا يعلمه غيره.
٣- مرد الأمور كلها لله بدءاً وعوداً ونهاية.
٢ لاشتمالها على خمس قصص. قصة نوح وقصة هود وقصة صالح وقصة لوط وقصة شيب، مع الإشارة إلى قصتي إبراهيم وموسى عليهما السلام.
٣ الموعظة اسم مصدر الوعط وهي التذكير بما يصرف العبد عما يضره ويسيء إليه في سائر المحرمات فعلاً وتركاً.
٤ أي له علمه وحده دون سواه أي غيره لا في السماء ولا في الأرض.
٥ أي ثق فيه وفوض أمر نصرك إليه ولا تلتفت إلى غيره فإنه كافيك دون سواه.