تفسير سورة هود

تفسير التستري
تفسير سورة سورة هود من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها هود عليه السلام
[سورة هود (١١) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)
قوله تعالى: فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [١] أي بيّن فيها الوعد على الطاعة، والوعيد بالعقاب على المعصية والإصرار عليها.
[سورة هود (١١) : آية ٣]
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)
قوله: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [٣] قال: الاستغفار هو الإجابة، ثم الإنابة ثم التوبة، ثم الاستغفار فالإجابة بالظاهر، والإنابة بالقلب، والتوبة مداومة الاستغفار من تقصيره فيها «١».
قوله: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً [٣] قال: ترك الخلق والإقبال على الحق.
[سورة هود (١١) : آية ١٥]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥)
قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ [١٥] قال: يعني من أراد بعلمه غير الله آتاه الله أجر عمله في الدنيا، فلا يبقى له في الآخرة شيء، لأنه لم يخلص بعمله لله لما أحب له من المنزلة في الدنيا، ولو علم أن الله سخر الدنيا وأهلها لطلاب الآخرة لم يراء بعلمه. وقد قيل لسهل: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص. قيل: ولِمَ ذلك؟
فقال: لأنه ليس للنفس فيه نصيب. وسئل: هل يدخل الفرائض رياء؟ فقال: نعم، قد دخل الإيمان الذي هو أصل الفرائض حتى أبطله وصار نفاقاً، فكيف العمل، فكل من لم يعب أحد عليه في ظاهره، ويعلم الله خلافه من سره في أي حال كان، فهو المرائي الذي لا شك فيه.
[سورة هود (١١) : آية ٢٣]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣)
قوله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [٢٣] أي خشعت قلوبهم إلى ربهم، وهو الخشية، فالخشوع ظاهر والخشية سر، كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» «٢». فقد حكي أن موسى صلوات الله عليه قص في بني إسرائيل، فمزق واحد منهم قميصه، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن قل له: مزق لي قلبك ولا تمزق لي ثيابك «٣».
(١) قوت القلوب ١/ ٣٣٥.
(٢) نوادر الأصول ٣/ ٢١٠، ٤/ ٢٤.
(٣) صفوة الصفوة ٣/ ٢٦٥ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ص ٨٧ وفيض القدير ١/ ٧٩.

[سورة هود (١١) : آية ٤٠]

حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠)
قوله تعالى: وَفارَ التَّنُّورُ [٤٠] قال: كان تنوراً من حجارة، وهو تنور آدم صار لنوح قد جعل الله فوران الماء منه علامة عذابه، وجعل ينبوع عيون قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم بأنوار العلوم رحمة لأمته، إذ أكرمه الله تعالى بهذه الكرامة، فنور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نوره، ونور الملكوت من نوره، ونور الدنيا والآخرة من نوره، فمن أراد المحبة حقيقة فليتبعه، قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] فجعل المحبة في اتباعه، وجعل جزاء اتباعه محبته لعباده، وهي أعلى الكرامة.
وقد حكي عن أبي موسى الأشعري «١» قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل بنا حتى نصبنا وجهه كأنه يريد أن يخبرنا، ثم سجد وسجدنا معه في أول النهار، حتى كان نحو نصف من النهار، حتى وجد بعضنا طعم التراب في أنفه، حتى قال بعضنا لبعض: قد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم رفع رأسه فقال: الله أكبر. فقلنا: الله أكبر. فقال له قائل: يا رسول الله، لقد ظننا أنك مت، ولو كان ذلك ما بالينا أن تقع السماء على الأرض. فقال: أتاني حبيبي جبريل صلوات الله عليه، فقال لي: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن يدخل ثلث أمتك الجنة، وبين الشفاعة، فلما طمعت في الثلث اخترت الشفاعة، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم، فأتاني فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن يدخل ثلثي أمتك الجنة، وبين الشفاعة، فلما طمعت في الثلثين اخترت الشفاعة، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم، ثم أتاني فقال لي: يا محمد، إن ربك قد شفعك في الثلثين، ولم يجبك في الثلث، فسجدت شكراً لله تعالى فيما أعطاني «٢».
وقال سهل: انتهت همم العارفين إلى الحجب، فوقفت مطرقة، فأذن لها بالدخول، فدخلت فسلمت، فخلع عليها خلع التأييد، وكتب لها من الرقع براءات، وأن همم الأنبياء صلوات الله عليهم جالت حول العرش، فألبست الأنوار، ورفع منها الأقدار، واتصلت بالجبار فأفنى حظوظها، وأسقط مرادها، وجعلها متصرفة به له. وقال: آخر درجات الصديقين أول
(١) أبو موسى الأشعري: عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار، من بني الأشعر (٢١ ق هـ- ٤٤ هـ) :
صحابي، من الشجعان الولاة الفاتحين. وأحد الحكيمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين. (الأعلام ٤/ ١١٤).
(٢) المستدرك على الصحيحين ١/ ٦٠، ١٣٧ (رقم ٣٦، ٢٢٤) ومسند أحمد ٤/ ٤٠٤، ٤١٥، ٦/ ٢٣، ٢٨، ٢٩.
ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
أحوال للأنبياء صلوات الله عليهم، وإن صلّى الله عليه وسلّم عبد الله تعالى بجميع أحوال الأنبياء، وليس في الجنة ورقة من أوراق الأشجار إلا ومكتوب عليها محمد صلّى الله عليه وسلّم «١»، به ابتدأ الأشياء وبه ختمها، فسماه خاتم النبيين.
[سورة هود (١١) : آية ٧٥]
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥)
قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [٧٥] قال: إن الله تعالى أشرفه على حركة النفس الطبيعية وسكونها، ولم يشرفه على علمه، لأنه ممحو عنه أو مثبت عليه، لئلا يسقط الخوف والرجاء عن نفسه، فكان إذا ذكره تأوه منه وسكت عن مسألة علم الخاتمة إذ لم يكن له مع الله عزَّ وجلَّ اختيار. ثم قال سهل: إن الخوف رجل وإن الرجاء أنثى «٢»، ولو قسم ذرة من خوف الخائفين على أهل الأرض لسعدوا بذلك. فقيل له: فكم يكون مع الخائفين هكذا؟ فقال:
مثل الجبل الجبل.
[سورة هود (١١) : آية ٧٨]
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)
قوله تعالى: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [٧٨] أي هن أحل لكم تزويجاً من إتيان الفاحشة.
[سورة هود (١١) : آية ٨٨]
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)
قوله تعالى: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَآ أَنْهاكُمْ [٨٨] قال: كل عالم أعطي علم الشر، وليس هو مجانباً للشر، فليس بعالم، ومن أعطي علم الطاعات وهو غير عامل بها، فليس بعالم. وقد سأل رجل سهلاً فقال: يا أبا محمد، إلى من تأمرني أن أجلس إليه؟ فقال:
إلى من تحملك جوارحه لا لسانه.
[سورة هود (١١) : آية ٩١]
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١)
قوله تعالى: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ [٩١] قال: حكى محمد بن سوار عن أبي عمرو ابن العلاء أنه قال: الرهط الملأ، والنفر الرجال من غير أن تكون فيهم امرأة.
[سورة هود (١١) : آية ١١٣]
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣)
قوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [١١٣] قال: أي لا تعتمدوا في دينكم إلا على سنتي.
(١) ورد مثل هذا القول عن ابن عباس في الحلية ٣/ ٣٠٤ ومجمع الزوائد ٩/ ٥٨ والمعجم الكبير ١١/ ٧٦.
(٢) قوت القلوب ١/ ٤١٦.
Icon