ﰡ
مكية، وقيل مدنية، وآياتها ٦ [نزلت بعد الفلق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الناس (١١٤) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
قرئ: قل أعوذ، بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام، ونحوه. فخذ أربعة. فإن قلت: لم قيل «١» بِرَبِّ النَّاسِ مضافا إليهم خاصة؟ قلت: لأنّ الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس. فكأنه قيل، أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم.
فإن قلت: مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ ما هما من رب الناس؟ قلت: هما عطف بيان، كقولك:
سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس، لأنه قد يقال لغيره:
رب الناس، كقوله اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وقد يقال: ملك الناس. وأمّا إِلهِ النَّاسِ فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان. فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة؟ قلت: لأنّ عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار الْوَسْواسِ اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. وأمّا المصدر فوسواس بالكسر كزلزال. والمراد به الشيطان، سمى بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه. أو أريد ذو الوسواس. والوسوسة: الصوت الخفي. ومنه: وسواس الحلي.
يوسوس في صدورهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس، وقيل: من الجنة والناس بيان للناس، وأن اسم الناس ينطلق على الجنة، واستدلوا بنفر ورجال: في سورة الجن. وما «٢» أحقه، لأن الجن سموا «جنا» لاجتنانهم، والناس «ناسا» لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سموا بشرا، ولو كان يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك وثبت: لم يكن مناسبا لفصاحة القرآن وبعده من التصنع. وأجود منه أن يراد بالناس: الناسي، كقوله يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ كما قرئ مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ثم يبين بالجنة والناس، لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله عز وجل.
عن رسول الله ﷺ «لقد أنزلت علىّ سورتان ما أنزل مثلهما، وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما «٣» » يعنى المعوذتين. ويقال للمعوذتين: المقشقشتان.
(٢). قوله «وما أحقه» في الصحاح: حققت الأمر: واحتققته: إذا تحققته وصرت منه على يقين. (ع) [.....]
(٣). لم أجده بهذا اللفظ. وأوله في مسلم بمعناه من حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه «أن النبي ﷺ قال له. ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وآخره في ابن حبان من حديث عقبة بمعناه. وأيضا قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «لأن يقرأ سورة أحب إلى الله ولا أبلغ من قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، فان استطعت أن لا تدعهما في صلاة فافعل».
(في نسخة ما نصه:) في أصل المصنف بخطه رحمه الله تعالى: وهذه النسخة هي نسخة الأصل الأولى التي نقلت من السواد، وهي أم الكشاف الحرمية المباركة المتمسح بها، المحقوقة أن تستنزل بها بركات السماء ويستمطر بها في السنة الشهباء، فرغت منها يد المصنف تجاه الكعبة في جناح داره السليمانية، التي على باب أجياد الموسومة بمدرسة العلامة: ضحوة يوم الاثنين لثالث والعشرين من ربيع الآخر في عام ثمانية وعشرين وخمسمائة، وهو حامد لله على باهر كرمه، ومصل على عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(٢). قوله «من بدع ألفاظه» في الصحاح «شيء بدع» بالكسر: أى مبتدع. وفلان بدع في هذا الأمر، أى: بديع (ع)