ﰡ
قوله تعالى: ﴿طه (١)﴾ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)
قال الزمخشري: فعل أمر؛ لأنه كان يقوم في التهجد على رجل واحدة، فأمر الله أن يطأها؛ أعني الأرض، فقيل: طه.
قوله تعالى: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)﴾
قال الزمخشري: اختار إمام الحرمين في الإرشاد أن جبريل عليه السلام فهم معنى الكلام القديم وعبر عنه للنبي ﷺ بألفاظ [حادثة*]؛ فالألفاظ حادثة والمعنى قديم.
وذكر ابن التلمساني في شرح المعالم [اضطرابا*]، وأخبر أن جبريل عليه السلام تلقاه من اللوح المحفوظ ونزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: (لِتَشْقَى).
قال الزمخشري: معناه التعب.
قال ابن عرفة: بل هو مشقته شدة التعب، وأما التعب، فهو مأمور به؛ لقوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ).
قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤)﴾
ابن عرفة: إن أريد ذات العلو فيصدق على جميعها، وإن أريد التي هي أعلى من غيرها، فإنما يصدق على فوق تلك القُمُر.
قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾
قال ابن عرفة: تأوله ابن عطية بوجوه:
أحدها: صرف الاستواء إلى معنى [القهر*]، واختار عز الدين بن عبد السلام عدم تكفير من يقول بالجهة.
قيل لابن عرفة: عادتك تقول في الألفاظ الموهمة الواردة في الحديث كما في [حديث الجارية*]، فذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم دليل عدم تكفير من يقول بالتجسيم، فقال: هذا صعب ولكن تجاسرت على قوله [اقتداء*] بالشيخ عز الدين؛ لأنه سبقني لذلك.
من عطف الخاص على العام وهو من العام الباقي على عمومه.
وكان بعضهم يقول: أكثر عمومات القرآن المشتملة على الأحكام الظنية مخصوصة؛ إلا قوله (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشرِكِينَ حَتَّى يُؤمِنُوا).
ويحكيه ابن الحاجب، وكان الطيبي يقول: بل مخصوص بالمسلم تكون أخته [**تائبة]؛ فهل [له*] أن يزوجها من مشرك [أو لَا*]؟ ففيها أقوال، [وإنما المجمع عليه لا تزوج*] المسلمة من المشرك.
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (٨)﴾
قال ابن عرفة والأكثرون: إن المراد بالأسماء المسميات، فالمراد بالأسماء السمع والبصر.
ذكر الآبذي في [... ]، قال: والخلاف [... ].
قيل لابن عرفة: ذكر بعضهم الخلاف هل هو أسماء الذات باعتبار تعدد الصفات وأسماء للذات باعتبار الصفات، وقد وقع للفخر في المحصول كلام، فقال: إنها باعتبار الصفات خمسة وهي سقطة عظيمة، والصحيح عندهم أنه لَا يقال: إنما هو ولا غيره فلا يلزم عليه التعدد بوجه.
قوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩)﴾
ابن عرفة: والخبر إن كان غريبا يعبر عنه بالباء؛ كقوله (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وما دونه يعبر عنه بالخبر أو الحديث، وقال في سورة (ص) (وَهَل أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ) ولا أن هذه القضية [... ]. وأعجب من تلك فهلا كان الأمر بالعكس، فأجيب بوجهين:
الأول: أن قضية موسى أخبر بها [في*] التوارة والإنجيل؛ فحصل لنا العلم بها فلم يكن فيها من الغرابة ما في قضية داود.
الثاني: قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأن الخبر الذي يعلم بغرابته بالبديهة لا يحتاج إلى التعيين عنه باللفظ الدال على الغرابة.
قوله تعالى: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا... (١٠)﴾
ابن عرفة: يجعله على مبادئ الرؤية.
قال الزمخشري: أبصرها إبصارا بينا لَا شك فيه.
قال ابن عرفة: وقول الزمخشري أصوب لموافقته في أول الآية؛ في قوله تعالى: (رَأَى نَارًا) قال: وأبصر النار في شجرة عناب، وقيل: عوسج، وقيل: علقم.
قال الثعالبي: وكل شجرة يخرج منها النار إلا شجر العناب.
وكذلك نقل الزمخشري، عن ابن عباس في سورة يس، قال: ومن أمثالهم "في كل شجر نار واستمجد المرخ [والعفار*] "؛ فقطع الرجل منهما غصنين ليعصر منهما الماء ليعصر المرخ، وهو ذكر عليه [العفار*]، وهي أنثى فيخرج الماء.
قوله تعالى: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ).
(أَو آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ) فإما أن يجمع بين ذلك بأن موسى قال جميع ذلك، ونقل إلينا بعض القصة في سورة وبعضها في سورة أخرى، وإما أن يجاب بما انفرد به اللخمي من جواز نقل المضاف بالمعنى مع أن المازري أنكر عليه الإنكار التام.
قيل لابن عرفة: هذا الإشكال فيه؛ لأن جبريل عليه السلام نقله عن اللوح المحفوظ مكتوبا سورا كما هي في المصحف، فقال: يحتمل أن يكون يلقاه من الله تعالى فيرد الإشكال فيحتاج إلى الجواب، بما قلناه مع اثنين السؤال فيما حكاه الله تعالى عن قول موسى بألفاظ مختلفة، في قوله تعالى: [(لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) *] وفي غيره من الآيات بخلاف ذلك، فإما أن يكون بعضها أعم وبعضها أخص، ويكون موسى تكلم بالأخص في كون تارة لفظة، وإما أن يكون تكلم بأنه قال: مشتركة بين معان واستعمل فيها بناء على القول بعموم التصرف [... ] بعد مدلول وعده البعض الآخر، [... ] تطلق بينهما عموم وخصوص من دون وجهه، فلا يصح التعبير بأحدهما عن الآخر بوجه مع أن موسى صلى الله عليه وعلى نبينا وعليهما وسلم؛ إنما تكلم بالعبرانية؛ لأنه عجمي، ولا أن تكون الترجمة كلامه بما يراد به سواه.
قوله تعالى: ﴿نُودِيَ يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ... (١٢)﴾
ابن عطية: والعرف عند الملوك [أن تخلع النعلان ويبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه، فكأن موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه، ولا نبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها*].
فقيل لابن عرفة: قد صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نعليه هو والصحابة، [فلما سلم، قام وإنزعهما*]، قال: إن جبريل أخبر أن فيها أذى، ومنع الصحابة من خلع نعالهم مع أن المصلي يناجي ربه، فقال: قضية موسى أشد وأغرب؛ لأنها [**أفعال سماع للخالق] هي أشد من مسألة [**المثليات] حيث لَا يسمع كلامه أو فعله، كان في أول الإسلام، قلت: [بل يجاب*] بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضل من موسى عليه الصلاة والسلام، وقد تقرر أن من عادة الملوك أن كبراء أعدائهم وذوو المئات من رعاياهم إذا دخلوا عليهم لَا يغيرون من حياتهم شيئا، فالصالحين والفقهاء فيما يلزم من أمر موسى عليه الصلاة والسلام بخلع نعليه أن يجعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان [... ] هذا علينا في الصحابة حيث لم يفعلوا فعالهم فعل ذلك تلزمه بهم أنهم أشرف الأمم، واقتدوا بهم فيما فعل ذلك فاختلف لهم ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ... (١٣)﴾
قال ابن عرفة: [اختار*] بعضهم أن من خير بين شيئين [يعد متنفلا*] لكن الأصل الحقيقة.
قوله تعالى: (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى).
قال ابن عرفة: استمع إنما يتعدى بنفسه؛ لقوله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر: ١٧ - ١٨] ولم يذكرها ابن عصفور في الأفعال التي تتعدى تارة بنفسها، وتارة بحرف الجر، فيحتمل أن يتعلق بما يوحى، بقوله (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ)، قيل له: الفاء يمتنع تعلق ما بعدها بما قبلها، ورد بقوله
قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي... (١٤)﴾
في هذا دليل على إبطال عبادة النصارى وغيرهم القائلين في الأصنام ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى؛ لأنه ما ذكر العبادة إلا بعد تقديم التوحيد؛ فشرط المعبود وحدانيته.
قال ابن عرفة: وقوله تعالى: (فَاعْبُدْنِي) يحتمل أن يراه فاعتقد وحدانيتي، ويكون قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ) من عطف الخاص على العام.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا... (١٥)﴾
قرئ بعضها بالفتح؛ أي أظهرها وأخفيها بالضم من الإخفاء.
قال ابن عرفة: فيحتمل أن تكون القراءتان مختلفتين؛ لأن ما قارب الشيء له حكمه، والخفاء ضد الظهور؛ فمقاربة الإخفاء ضد مقاربة الإظهار، قال: ويحتمل أن يرجع المعنى واحداً ويكون أمر الساعة وسطا بين الإخفاء والإظهار؛ فهو مقارب لكل واحد منهما.
قيل لابن عرفة: اعتبار الشارع بأمر الساعة أو باشتراطها ومقدماتها يرجح معنى الإظهار بالعلم عند وقوع أشراطها لَا قبل ذلك، وإذا ظهرت عند وقوع الاشتراط ينسخ عنها معنى، الخفاء والمتقدم إذا كانت خفية.
قوله تعالى: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى).
إما عام خصوص؛ لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: رفع القلم عن ثلاث: الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، والمغمى عليه حتى يفيق من إغمائه، وإما أن يقال: بأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، وقد ثبت أن شرعنا أخف من شرع موسى عليه السلام.
قوله تعالى: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦)﴾
رتب معه الرد مع أن الصد ليس من فعله؛ فأجاب الزمخشري بوجهين:
إما أنه من إقامة السبب وهو الصد مقام سببه وهو القبول، والانفعال.
ابن عرفة: ويترجح الأول بأن ابن الخطيب رجح [إقامة السبب مقام سببه على العكس*]؛ لأنه من برهان اللم، وبرهان اللم أقوى من برهان الأول.
قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧)﴾
هذا الاستفهام تعظيم وتنبيه وأخر النداء والأصل تقديمه؛ لأنه إنما ذكرنا سببا لموسى، والأهم من القضية تقديم السؤال كما في يده، وقال هنا: (بِيَمِينِكَ) فعبر هنا باللفظ الأخص، وقال تعالى في آخر الآية (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) فنص باللفظ الأعم، فأجيب بأنه عبر هنا بالواقع بالفعل، والواقع: أن العصا كانت في يده اليمنى، وهناك أمر تكليفي لحفظ عنه فيه ليحصل له الأمن بأي يد شاء من يده، وقيل: لأن موسى دهش فلم يعلم يمينه من شماله، أو عبر له باليمين تكرمه لها وتشريفا، وأن المقصود إلينا من كل شيء تكرمه اليمين.
قال ابن عطية، قال ابن الجوهري: وروي في بعض الآثار أن الله غيب على موسى في إضافته العصا على نفسه، فقال: (أَلْقِهَا) لتزامنها العجب فتعلم أنه لَا ملك لك عليها وانتصاف إليك.
قال ابن عرفة: كان بعضهم ينكر هذا بأن في الآية (بِيَمِينِكَ) فأضاف الله تعالى بيمينه إليه، فلذلك تجاسر هو أن تقوية عصاي، لأنها كانت في يمينه يعتمد عليها.
قوله تعالى: ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي... (١٨)﴾
انظر هذه العبارة عبارة ضعيفة، إضافة استحقاق ليتناول غنمه المملوكة له، والغنم التي كانت في المسترعى عليها فيما مضى.
قال ابن عرفة: وكان شيخنا ابن الحباب يحكي عن بعضهم: أنه كان يقول أول [... ] أحد بالكوفة قول القائل عصاي.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)﴾
قال: فائدة جعلها الآن حية لتدرب نفسه عليها، فلا يخاف منها بعد ذلك إذا صارت حية عند حضور السحرة بحبالهم مع فرعون عليه اللعنة.
قوله تعالى: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١)﴾
قوله تعالى: (فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ).
يحتمل أن يكون حياتها تخفيفا لصحة الإعادة بعد الموت، فلا يكون في الآية إشكال، ويحتمل أن يريد بالحية الثعبان فيقع الإشكال. كقوله تعالى: في الآية الأخرى: (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ).
قوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤)﴾
قال ابن عرفة: عبر هنا بالذهاب، وفي غير هذا [قال، (أَرسَلنَاه) *]؟ فالجواب: أنه [إن*] اعتبر حال الرسول، قيل (أَرْسَلنَاهُ)، وإن اعتبر حال المرسل إليهم قيل اذهب [**ولقيناك]، أو نحوه؛ لأن لفظ الإرسال يقتضي التشريف.
قوله تعالى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (٣٦)﴾
قال ابن عرفة: هذا يحتمل أن يكون إنما أوحى عن إتيان الله تعالى به وذلك في الأولى، وحذف الفاعل هنا للعلم، وذكر في قوله تعالى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ... (٣٧) والمن: تارة يعبر به عن نفس النعمة، وتارة يراد به التذكير بنعمة تقدمت، كما في قوله تعالى: (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) فالمراد هنا بالمن نفس النعمة والتذكير بها تنبيه على أنها تفضل من الله تعالى، وأنه لَا يجب عليه شاء.
قوله تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ... (٣٩)﴾
تقدم في آية [**القذف، آية (أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ)] لَا يليق ذكره هنا.
حكى الإمام فخر الدين الخلاف في الراكب في السفينة؛ هل يتحرك بحركتها أو هو ساكن، وإنما يتحرك بتحرك السفينة، وكذلك قذف الصندوق في البحر هل هو قذف لما فيه أم لَا؟
قوله تعالى: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ).
أمر في معنى الخبر، وتقدم جواز ذلك وجواز عكسه؛ لكن كان أحدهما أبلغ من الآخر والصواب العدول عن المرجوح إلى الراجح، فيرد من السؤال هنا لما عبر بالمرجوح عن الراجح، ويجاب بأنه إنما عدل عن الأمر إلى صيغة الخبر إشارة إلى الحض على امتثاله؛ حتى كأنه واقع محقق فخبر عن وقوع، ويعدل عن الخبر إلى الأمر إشارة إلى أنه بما يطلب وقوعه، وهذا إذا كان مدلوله مستحسنا بخلاف ما إذا كان مستقبحا.
قوله تعالى: ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ... (٤٠)﴾
قال ابن عرفة: قدم قرور العين؛ لأنه من باب جلب الملائم، ونفى الحزن؛ لأنه من باب رفع المؤلم فهو نزف.
قيل لابن عرفة: هما على طرفي النقيض فأحدهما يستلزم الآخر، فقال: لَا بل الأول سبب يقتضي دوام قرور العين، والثاني: نفي يقتضي دوام نفي الحزن، قال: ومذهب أهل السنة والحكماء أفعال الله غير معللة، ومذهب المعتزلة أنها معللة، وظاهر الآية أنها حجة للمعتزلة، والجواب بين الفرق وبين الفعل المعلل وبين فعل العلة، فالله تعالى فعل هذا وفعل علته على سبيل ربط الأسباب بمسبباتها، وأجاب بعض الطلبة أيضا: أن الممتنع إنما هو وجوب فعليتها فليس بممتنع عند الجميع.
قوله تعالى: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا).
قال ابن عطية: أي اختبرناك.
قال ابن عرفة: هذه عبارة [... ] ممتنع في حق الله تعالى.
وقال الزمخشري: أي فعلنا بك فعل الخير، وهو أصوب من كلام ابن عطية.
قوله تعالى: (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى).
نَالَ الْخلَافَة إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا... كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر
قال ابن عرفة: هذا تشبيه قبيح ولفظه موهم لَا ينبغي التمسك به، وإن كان المعنى في نفسه صحيح، قلت: والبيت يمدح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقبله.
[مِمن يعدُّك تَكْفِي فقدَ والدهِ... كالفرخ فِي الْعُشِّ لَمْ يَنْهَض وَلم يَطرِ
يَدْعُوك دعة ملهوفٍ كَأَن بِهِ... خَبَلا من الْجِنِّ أَوْ مَسًّا من النشرِ
خليفةَ اللَّهِ مَاذَا تأمُرُون بِنَا... لَسْنا إِلَيْكُم وَلَا فِي دَار منتظر
مَا زلتُ بعدَك فِي هَمٍّ يُؤَرِّقُنِي... قَدْ طَال فِي الحَيِّ إصْعَادي وَمُنْحَدِرِي
لَا ينفع الحاضِرُ المجهودُ بادِيَنَا... وَلا يعودُ لَنَا بادٍ عَلَى حَضِرِ
إِنَّا لنرجُو إِذَا مَا الغيثُ أَخْلَفَنَا... من الْخَلِيفَة مَا نرجو من المَطَرِ
نَالَ الْخلَافَة إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا... كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر
هذي الأرامل قَدْ قَضَّيْت حاجَتَها... فمَنْ لحاجةٍ هَذَا الأرمل الذَّكَرِ*]
قوله تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي... (٤٢)﴾
قال ابن عرفة: ذكروا أنه لَا يلزم من العطف صحة وقوع المعطوف عليه، وهذا منه؛ لأنه لَا يجوز اذهب، فإن قلت: كيف؟ قال: قد جئناك بآية من ربك بعد قوله اذهب بآياتي، والجواب: أن الآية واحد بالنوع لَا بالشخص.
قوله تعالى: (وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي).
هذه حجة لمن يقول أن الأمر للتراخي؛ لأن الأصل التأسيس وإلا كان يكون هذا تأكيدا، والجواب بأن الأمر اقتضى كون الذهاب على الفور والنهي عن التوالي في الذكر لَا في الذهاب، واختلف المتعلق على الفخر، والدليل أنه على الفخر، والدليل أنه على التراخي تعيينه بكلام آخر خوطب به، ولو كان على الفور لذهب موسى في الحال.
ورده ابن عرفة بأن الأمر إذا عقب بكلام مبني له لَا يقدح في كونه على الفور.
قوله تعالى: [(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) *]
اقتضت هذه حصول طغيانه، وقال بعده: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (٤٥).. فاقتضت تلك أن طغيانه متوقع في المستقبل، وأجاب ابن عرفة: أن المتوقع دوام طغيانه، ويؤيده قوله تعالى: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).
قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)﴾
فالمعية راجعة لقولهما: (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) [... ]. إنها تحية فيؤخذ منه أنها استثناء التحية عند الانصراف، (رَبُّكُمَا يَا مُوسَى).
قال ابن عرفة: الأصل أن الفاء لَا تدخل أول الكلام لكن هذا جواب عن سؤال مقدر؛ أي إن كنت صادقا فمن ربكما.
قوله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ... (٥٥)﴾
أي من الأرض.
الزمخشري: أراد خلق أصله منها وهو آدم عليه السلام، أن أصل خلقهم منها يستلزم خلقهم منها.
ابن عرفة: هو على هذا مجاز فيتعارض فيه المجاز وإضمار، وقيل: إن الملك يأخذ من التراب مقدار النطفة التي يولد منها الإنسان، فيدربه على النطفة فيخلق من التراب، والنطفة معاً.
قوله تعالى: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ).
ظاهرة إعادتهم بأعيانهم؛ فيؤخذ منه القول بصحة إعادة المعدم بعيينه، وأنكره المعتزلة واحتجوا بعدم إعادة زمانه، ورد عليهم بوجود بقاء الأجسام في حال الحياة الدنيا سبعين أو ثمانين سنة مع انعدام زمانها الأول.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا... (٥٦)﴾
قال الزمخشري: إما أنه التسع آيات، أو آيات جميع الأنبياء لعلمه بها موسى.
ابن عرفة: يلزم على الثاني استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ لأن فرعون علم بعضها بالخبر الصدق.
قوله تعالى: (فَكَذَّبَ وَأَبَى).
وإن قلت: أبى من الإيمان به كان تأكيدا.
قوله تعالى: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ... (٥٨)﴾
يؤخذ منه أن دليل المستدل من شرط تمامه السلامة من معارضته بمثله؛ لأن موسى قبل ذلك من فرعون، ويؤخذ من الآية أن القاضي ما ينفذ الحكم إلا بعد الإعذار من الخصم.
قوله تعالى: ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠)﴾
قال ابن عرفة: قال بعضهم: كيف عطف فجمع بالفاء؟ وقال: (ثُمَّ أَتَى) فعطف بـ ثم مع أن المناسب العكس؛ لأن الجمع لَا يحصل إلا بعد تردد ومهلة كبيرة؛ بخلاف الإتيان العاقب للجمع إنما يصدر من الشجاع، وأما الخائف الجبان فهو يقبع ويتأخر.
قوله تعالى: ﴿لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا... (٦١)﴾
المناسب أن يقول: لَا تفعلوا فعلا باطلا، وأما الكذب فلا يناسب هذا المحل المعاندة والمعارضة بالفعل لَا في محل المقولة مع موسى، قال: والجواب: أنهم إذا عارضوه بالسحر فقد كذبوه بما جاء به.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ... (٦٥)﴾
قال ابن عرفة: الآية حذف التقليل، إما أن تلقي فتكون أول من ألقى، وإما أن نلقي فيكون آخر من ألقى؛ لأنهم نادوا بين الإلقاء وبين أولية إلقاء ولا معادلة بينهما.
قوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا... (٦٦)﴾
إضراب إبطال عن التخيير في نفس المبتدي بإذن لهم في البداية وإذنه هو لهم في البداية، إما؛ لأنه علم أن اختيارهم في البداية، وإما لكونهم إذا بدءوا تفرغوا لنار جهنم ويأتونا بجميع ما عندهم من العلم، فإذا عارضهم أبطل حجتهم كلها ولا يبقى لهم حجة.
قال الزمخشري: في الأعراف سوغ لهم موسى البداية إذ درأ بشأنهم، وقلت: مبالاته لهم وقعت بما كان مصدره ومن التأهب السماوي.
قوله تعالى: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى).
قال ابن العربي: قانون التأويل؛ السحر يقال فيه: أنه حقيقة لَا حق.
وقال في المعارضة: السحر قول مؤلف يعظم فيه غير الله تعالى.
قال ابن عرفة: والصحيح الذي كان يمشي لنا في حدة أنه أمر ينشئ عنه باعتبار قصد فاعله على أوضاع مخصوصة أثر خارق للعادة بذاته أو بنسبته إليه، فقوله: بذاته كالطيران في الهواء، والمشي على الماء؛ فإنه خارق للعادة بذاته، وقولنا: أو بنسبته إليه كالتمريض، فإن المريض بذاته أمر معهود، وإنما هو خارق للعادة بالتشبه إلى حدوثه عن فعال فعلها الساحر.
قال: وحكى اللخمي عن ابن المواز فيمن يخيل أنه يضرب نفسه بخنجر، أنه يقطع به الحبل، أنه ساحر، فقيل: قال ابن عرفة: وكذلك غالب العجائبيين يفعل من أنه يزرع النفوس هو سحر أيضا، وكذلك الذي يخيل أنه يدخل في الكرة الصغيرة هو ساحر أيضا، والساحر يقتل شرعا؛ لأنه إن اعتقد حلية ما يفعل وتأثيره فهو كافر، وإلا فهو فاسق يجب قتله شرعا.
قوله تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧)﴾
(خِيفَةً) يعني أدرك خيفة.
قال ابن عرفة: الصواب عندي أن يقال: تصور خيفة؛ أي تصورها في ذهنه واستحضرها فقط؛ لأنه أدركها؛ لقوله تعالى: (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)، وهذا كما ورد في الحديث: أن الخطوات والسلوك التي تخطر بقلب الإنسان لا يصمم عليها معفو عنها.
قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨)﴾
إن أريد به أنه أعلى من السحرة بالتفضيل مجاز، مثل: العسل أحلى من الخل؛ إذ ليس في فرعون -عليه اللعنة- علو بوجه.
قيل لابن عرفة: فيدعي سيدي أبو محمد المرجاني، أن موسى عليه الصلاة والسلام إنما خاف لكونه سمع جبريل عليه الصلاة والسلام يقول للسحرة: تقدموا يا أولياء الله؛ فلذلك أوجس في نفسه خيفة.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ... (٧٢)﴾
قال ابن عرفة: إن راعينا ظاهر الآية فهي بينة واحدة؛ لأنهم لم يشاهدوا منه غير العصا، فجمعها لاختلاف حالاتها، كقوله: [فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلِّها*] وهو النجوم من غير [... ]؛ لكن ذكر المفسرون أنهم رأوا الجنة والنار واطلعوا على أمور دلتهم على صحة ما جاء به موسى، والمعنى لن [نؤثر*] تخويفك لنا على ما جاءنا به موسى من البينات.
قوله تعالى: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ).
صيغة أفعل للإهانة، وقالوا: (مَا) إما موصولة بمعنى الذي، أو مصدرية.
قال بعض الطلبة: ويحتمل أن يكون ما نافية، واستعبده ابن عرفة؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فدل على إثبات مصابه في الدنيا.
ابن عرفة: الظاهر هل هذا أمر تكميل مندوب إليه، أو أمر واجب ركن لَا يحصل الإيمان إلا به؟ والظاهر أنه مندوب، لقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) فلو أضمروا الإيمان ولم يقل هذه المقالة لإجزائهم؟ فأجيب بأن الإكراه عندهم يخلص من عهدة الواجب؛ لقوله تعالى: (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) فدل على أن المكره مؤاخذ بإثم ما أكره على فعله.
وقال الفخر ابن الخطيب الإمام الرازي في أسرار التنزيل: من عبد الله تعالى لينجوا من النار ويدخل الجنة فعبادته باطلة بإجماع.
وقال: ابن [العربي*] في سراج المريدين: هذا مذهب المتصوفين، قال: والإخلاص عندهم أن يعبد لَا لجنة ولا لنار، قال: وهو عندي لَا يصح، وقال القاضي أبو بكر: هذا كفر وانظر ما قيدت به [... ] على صعيد واحد في كتاب البر والصلة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ (٧٣)﴾
قال أبو حيان: ما جعلها بعضهم نافية، ومن السحر متعلق بـ[يَغْفِرَ*].
ورده ابن عرفة بأن ما النافية لها صدر الكلام فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
قوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (٧٥)﴾
ورده ابن عرفة: لأن مفهومه أن الدرجات لمن آمن ومات عقب إيمانه وأنها ليست لأحد، أو يخلق الله تعالى لها قوما يعمرونها ليسوا من الجن ولا الإنس، كما ورد في آخر حديث مسلم.
قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ... (٧٦)﴾
بدل من الدرجات، وهو بدل الأعم من الأخص.
قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ... (٨٠)﴾
قال ابن عطية: كانوا يقولون لأي شيء وقع الاستئناف بالإنجاء من العدو، هلا وقع بإهلاك العدو بأن الإنجاء لَا يستلزم إهلاكه، قال: وأجيب: بأن الإنجاء من عدوهم يتضمن أنه أشرف على غلبتهم؛ بخلاف ما لو قيل: قد أهلكنا عدوكم، فإِنه لا يتضمن ذلك؛ إذ لعله أهلك قبل الاستيلاء عليهم والعزم عليه.
قوله تعالى: [(وَوَاعَدْنَاكُمْ) *].
المواعدة لَا تكون بين الجانبين، وإما أن تكون من باب طارقت الفعل أو باعتبار الاعتناء بالوعد والتوفية.
قوله تعالى: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي... (٨١)﴾
رده الزمخشري لصفة الفعل.
ابن عرفة: ويحتمل أن يرجع لصفة الإضافة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (٨٣)﴾
هذا استنطاق وفيه عتب لموسى، وعبر عنه الزمخشري بلفظ الإنكار.
ابن عرفة: وفيه قبح وإغلاظ وقلة أدب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال ابن عرفة: وعوتب موسى على تقدمه عليهم للمناجاة، وعلى استعجاله ذلك قبل بلوغه الميقات المضروب له، فأجاب عن العتب على التقدم؛ بقوله تعالى: (هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي)، وعن الاستعجال بقوله (لِتَرْضَى)؛ أي لترضى عني رضاء خاصا زائدا على ما لنا حصل لي منك؛ لأنه كان راضيا عنه.
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ... (٨٥)﴾
قوله تعالى: ﴿غَضْبَانَ أَسِفًا... (٨٦)﴾
ابن عرفة: كان بعضهم يقول: تألم النفس وتلهفها إن كان على كل شيء يمكن تلافيه فهو غضب، وإن كان على أمر فات لَا يمكن تلافيه فهو أسف.
قوله تعالى: (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي).
قال ابن عرفة: الأصل في الفاء، والغالب أن يدخل على الحكم، مثل: سهى فسجد، ودخلت هنا على سبب الحكم؛ لأن إخلاف الوعد سبب في قول الغضب بهم.
قوله تعالى: (أَمْ أَرَدْتُمْ).
الإرادة إما على بابها، والمعنى إن فعلتم فعل من أراد حلول العذاب به، وإما بمعنى الشهوة وهو الميل إلى حلول الغضب بارتكاب أسبابه؛ فهي مجاز وعلى الأول يكون حقيقة.
قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ... (٨٨)﴾
قال ابن عرفة: تكلم الزمخشري هنا كلاما حسنا يليق بمذهب أهل السنة، وقوله (جَسَدًا).
قال مكي: له رأس.
قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا... (٨٩)﴾
قال ابن عرفة: يؤخذ منه أن من شرط الإله الكلام.
قيل لابن عرفة: يلزم عليه إثبات الكلام بالكلام، قال: هذا إذا قلنا: إن المعجزة تنزل منزلة صدق عبدي، وإن قلنا: إنها دليل على صدق الرسول فالأخذ صحيح.
قال ابن عطية: هذه الحال لَا يخاف معها الحدوث والعجز؛ لأن هذه الحال لو حصلت لها وجبت كونه إلها.
قال ابن عرفة: إنما يتم هذا [... ].
قال ابن عرفة: عادة الطلبة يوردون في حسن الائتلاف: إن فتنتم به حاصلة موجودة لَا يحتاج إلى حصر الربوبية له فهلا كان الأمر بالعكس، قال: وأجيب به ليس المراد حصر الفتنة فيهم ولا حصرهم في الفتنة، وإنَّمَا المراد حصر فتنتهم في العجل له في حدوثه وعجزه، أما ظاهر ضروري معلوم بالبديهة على سبيل التوبيخ لهم والتصنيع عليهم، وإمَّا كون الرحمن ربا لهم فالحصر فيه أمر قد علم من خارج بما يقدر عندهم من الدلائل والمعجزات السابقة، وإما بأن المبتدأ لابد أن يكون أخص من الخبر أو مساويا له، فإن كان مساويا له فالحصر بين، وأن كان أخص فكذلك فقد استفيد الحصر بقوله تعالى: (رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ)
قوله تعالى: (فَاتَّبِعُونِي).
ابن عرفة: أي فبما نهيتكم عنه؛ بقوله تعالى: (إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ) أي اتبعوني في ترك عبادة العجل، وأطيعوا أمري لكم بقولي: إن ربكم الرحمن فأمرتكم بعبادته.
وقال ابن عطية: فاتبعوني إلى الطور الذي وعدكم الله إليه، وأطيعوا أمري فيما وعدتكم وذكرته لكم.
قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ... (٩٣)﴾
فيتعارض فيه المجاز باعتبار زيادة لَا والإضمار، وفيها ثلاثة أقول ثالثها أنها سواء.
قوله تعالى: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي... (٩٤)﴾
إنما نسب إلى أمه، كما ورد في الحديث الصحيح عن أم هانئ، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ابن أمي علي بن أبي طالب زعم أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"، وكان علي بن أبي طالب أخاها شقيقا.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (٩٨)﴾
إن قلت: قوله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) توكيد لاقتضائه الأول الحصر فلا فائدة في الثاني، والجواب: أن الأول مضاف إليهم فيقتضي حصر ألوهية الإله فيهم، ولا يلزم من كونهم لَا إله لهم غيره أن لَا يكون لغيرهم إلى الفعل لغيرهم ربا غيره، قيل
قوله تعالى: (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا).
قال ابن عرفة: المناسب لدلالة التمانع وصف القدرة والإدارة. فلو عقبه بالعلم، وقال: عادتهم يجيبون: بأن الآية دلت على أن كل شيء معلوم لله تعالى، فلو كان هناك خالق غيره لكان غير معلوم بالاختيار، والآن الأول لَا يعلم ما يفعل؛ لأن العلم يتعلق علمه بما يفعله هو في نفسه خاصة.
فيل لابن عرفة: قد اتفقا على أن المستحيل لَا يتعلق به قدرة، وإنه معلوم، فقولنا: كل معلوم يتعلق به القدرة لَا يصح؛ فثبت أن بعض المعلومات غير مقدور، فقال: الأصل أن العلم إنما يقع بما يفعله الإنسان في نفسه لَا يفعل غيره.
قوله تعالى: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠)﴾
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول: وكذلك الجاهل يحمل فعل عم به الجهل، والمعرض عن الطاعة يحمل فعل الحرمان من ثوابها، كما أن الكافر يحمل وزر الكفر.
قوله تعالى: [(إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤) *]
قال ابن عرفة: كان ابن عبد السلام يقول: هذان القائلان كلاهما غير صائب في مقالته؛ لكن المقابل إن لبثتم [**الآن فسر العرب إلى الصواب ممن يقول]: (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا)، قال: الجواب أن ذلك باعتبار قصد أيام التنعيم بالنسبة إلى أيام العذاب، أو إشارة إلى كمال قدرة الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ... (١٠٥)﴾
قال [... ] في شرح [... ]: أين ما وقع يسألونك فجوابه بغير فاء إلا هذا، وحكمته أن سؤالهم لم يقع وإنما هو على سبيل [الفرض*]؛ أي إن يسألونك عنها.
وقيل: هو على تقدير شرط، وقول المفسر: إنه وقع أنهم سألوا بعد نزول الآية لا قبلها، قال: ويؤخذ من الآية جواز الخوض فيها؛ لأنه ليس بأمر تكليفي ولا اعتقاد إلا أن هذا إنما لَا يغني إلا أن يقال: إن هذا مما فيه اعتبار واتعاظ.
قال الزمخشري: والعوج بالفتح في الحسيات وبالكسر في المعاني، وإنما أسندت معنى إلى الأرض وهي حسية إشارة إلى أنها وإن ظهر للناظر مستقيمة وقد تكون عند المهندس معوجة [فأتى*] بعبارة تقتضي نفي ذلك الاعوجاج؛ لأنه لم يظهر كل أحد صار كأنه معنوي.
قوله تعالى: ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا... (١٠٧)﴾
أي ليست منحرفة إلي اليمين ولا إلى الشمال، معنى (أَمْتًا) أنها ليس فيها ارتفاع [ولا انخفاض*].
قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ... (١٠٨)﴾
إن قلت: هلا قال يومئذ يجيبون الداعي؟ فأجاب ابن عرفة بأن الاتباع أخص عن الإجابة فيستلزمها بخلاف ما كان العكس، فتأمل قوله تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١).. ، يتناول العصاة وخيبة كل واحد بحسبه.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ... (١١٢)﴾
يستدل بها السني والمعتزلي؛ لأن ظاهرها جزء من الإيمان لَا يتم إلا به.
قوله تعالى: (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا).
أي زيادة عليه سيئاته، (وَلَا هَضْمًا) أي ولا نقصا من حسناته، ومفهومها منفي بالعقل؛ لأن ظاهره أنه من لم يعمل صالحا يخاف الظلم والهضم، وليس كذلك، أو يقال: إن ذلك جاري على عرف القرآن؛ أي إذ لم يذكر قسم الكافر ومن آمن وعمل صالحا وبقى الباقي مسكوت عنه.
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)﴾
إن قلت: يؤخذ منها جواز اجتماع [علوم*] ثلاث، فيجاب بأنها مختلفة المتعلق؛ لأن متعلق كل علم متعلق العلم الآخر فيصح الاجتماع.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)﴾
فإن قلت: هلا قال: أن لك أن تشبع فيها وتروى، فالجواب: أنه إشارة إلى تعقيب الشيء بضده؛ لأن شقاؤه بضدها؛ وهي نفي الجوع والعري عنه، [وقرن*] الجوع
قال الزمخشري: وقرئ وأنك، ثم أورد سؤالا، ثم عطف (وَأنَّكَ) على (ألَّا تَجُوعَ) وأنت لَا تجوز أن تقول أن زيد منطلق والواو نائبة مناب تكرير أن، ثم أجاب بأن [الواو لم توضع لتكون أبدا نائبة عن أنّ، إنما هي نائبة عن كل عامل، فلما لم تكن حرفا موضوعا للتحقيق خاصة -كإن- لم يمتنع اجتماعهما كما امتنع اجتماع إنّ وأن*].
قال ابن عطية: وكان العرف أن يقرن الجوع بالظمأ، والعري بالضحى إذ العري يمس بسببه البرد فيؤدي، وكذلك الضحى يفعل ذلك بالضاحي، ومنه قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جوادا للذة... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزقّ الروي ولم أقل... لخيلي كري كرة بعد إقفال
قال ابن عرفة: حكى ابن عزون السجلماسي في تأليفه في البيان: أن المتنبي أنشد في مجلس الأمير سيف الدولة بمحضر الأدباء.
تمرّ بك الأبطالُ كلمى هزيمةً... ووجهُك وضّاحٌ وثغرُك باسمُ
ضممت جناحيهم إلى القلب ضمّةً... تموت الخوافي تحتها والقوادِمُ
وأنكر عليه الحاضرون ذلك بعد ما وعده الملك بجائزة عظيمة، وقالوا له: عكست التشبيه وأدخل رأسه في طوقه ساعة ثم استشهد بقول امرئ القيس:
فأدخل رأسه في طوقه... وفكر ساعة ثم استشهدا
على عكسه التشبيه بقوله تعالى: وزاده إلى جائزته (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) الآية، فسكت الحاضرون، فقال سيف الدولة: الله أكبر وزاده في جائزته التي كان وعده بها خمسين دينارا.
قوله تعالى: ﴿فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا... (١٢١)﴾
إنما عوقب بها؛ لأن التعري وكشف العورة يظهر لكل أحد؛ بخلاف الجوع والعطش فإنه أمر خفي لَا يعلم به إلا صاحبه.
قوله تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى).
ورده بعضهم بأن العصيان إنما يصدق على فاعل المحرم، وأجاب بعضهم بأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، بأن العصيان كان يطلق عندهم على فعل ما لَا يجوز فعله.
قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى... (١٢٣)﴾
عقبه بالفاء إشارة إلى أن العداوة سبب في الهداية أو عداوته سبب في أن ينبعث إليهم الرسل يهدونهم إلى طريق الحق.
قال ابن عرفة: وهذه الآية عندي دالة على أن بعثة الرسل محض تفضيل من الله تعالى وليست واجبة؛ إذ لو كانت واجبة كما يقول المعتزلة لقال: فإذا يأتيكم مني هدى، فعبر باللفظ المقتضي للتحقيق.
قوله تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ).
إن قلت: لم أعاد الظاهر، وهلا قال: فمن اتبعه فلا يضل ولا يشقى، فالجواب: أن الهدى الأول عام؛ كقوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، والثاني: خاص بدليل إضافته إلى الله تعالى فهي إضافة تشريف؛ أي فمن اتبع هداي الموصول إلى طريق الحق.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي... (١٢٤)﴾
ولم يقل: عنه؛ لأن الإعراض عن ذكر الله يستلزم الإعراض عن الهدى بخلاف العكس.
قوله تعالى: ﴿لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥)﴾
قال ابن عرفة: إن كان قوله في هذا حقا فهو دليل على أن العمى في العين وإن كان باطلا فهو عمى البصيرة؛ لأنه ادعى أنه كان سليم البصيرة، وهذا نظير قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣).
قوله تعالى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا... (١٢٦)﴾
ونسيناك وهذا لَا يصح، فقال: قد يجمع بين العلة والمعلول في شيء واحد.
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ... (١٢٧)﴾
قيل لابن عرفة: الإسراف فيه تجاوز الحدود، فلا فرق بين المسرف والمعرض، فقال: مجاوزة الحدود تحصل بمجرد الكفر.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ... (١٣٠)﴾
قالوا: (آنَاءِ) لجمع شيئين مثل عدل.
قوله تعالى: (لَعَلَّكَ تَرْضَى).
الترجي مصروفا للمخاطب.
قلت: ذكر لي بعض الطلبة: أن بعضهم كان يقول عسى للترجي، ولعل للترجي، وذكروا أن الترجي في عسى أوجب، ولم يقولوا ذلك في لعل، قال: والجواب: أن عسى من أفعال المقاربة فتضمن الإخبار بقرب وقوع الفعل الذي دخلت عليه عسى، وخبر الله تعالى صدق واجب الوقوع لَا بد منه بخلاف لعل.
قوله تعالى: ﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ... (١٣٢)﴾
أخذ الشيخ ابن عطاء الله منها تحريم التدبير في أمر الرزق [... ].
وقال ابن عرفة: أما في العقائد: فمسلم وأما غيرها فلا، وما في الآية ما يدل على أن الرزق يكون من غير سببه.