تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
تفسير سورة آل عمران
وهي مدنية
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :«تجيء البقرة و آل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف »( ٣ ).
وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام الأجل - رضي الله عنه - لقد ورد في فضل هذه السورة وسورة البقرة أخبار منها : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ] ( ١ )قال :«تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهروان تظلان صاحبهما يوم القيامة »( ٢ ).وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :«تجيء البقرة و آل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف »( ٣ ).
١ من "ك"..
٢ - تقدم في أول سورة البقرة..
٣ - رواه مسلم (٦/١٣٠-١٣١ رقم ٨٠٥)، والترمذي (٥/١٤٧-١٤٨ رقم ٢٨٨٣)، وأحمد (٤/١٨٣) عن النواس بن سمعان، وقد تقدم تخريجه في أول سورة البقرة، من حديث أبي أمامة، وبريدة – رضي الله عنهما-..
٢ - تقدم في أول سورة البقرة..
٣ - رواه مسلم (٦/١٣٠-١٣١ رقم ٨٠٥)، والترمذي (٥/١٤٧-١٤٨ رقم ٢٨٨٣)، وأحمد (٤/١٨٣) عن النواس بن سمعان، وقد تقدم تخريجه في أول سورة البقرة، من حديث أبي أمامة، وبريدة – رضي الله عنهما-..
ﰡ
ﭑ
ﰀ
قَوْله تَعَالَى: ﴿آلم الله﴾
فالألف: هُوَ الله، وَاللَّام: جِبْرِيل، وَالْمِيم: مُحَمَّد، وَفِيه إِشَارَة لما أنزل الله، على لِسَان جِبْرِيل، على مُحَمَّد.
وَقد ذكرنَا الْأَقْوَال فِي حُرُوف التهجي.
وَإِنَّمَا فتح الْمِيم عِنْد الْوَصْل، وَإِن كَانَ السَّاكِن إِذا حرك حرك إِلَى الْكسر؛ لأَنهم استثقلوا الكسرة بعد [الْجَزْم، وَالْيَاء فِيهِ جزم].
﴿لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾ لَا معبود سواهُ. ﴿الْحَيّ القيوم﴾ فالحي: الدَّائِم الَّذِي لَا يزل..
وَأما القيوم فقد سبق تَفْسِيره، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يحول. وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد [بن] الزبير: هُوَ دَائِم الْوُجُود. وَقَرَأَ عمر، وَابْن مَسْعُود ﴿الْحَيّ الْقيام﴾ وَهُوَ فِي الشواذ.
فالألف: هُوَ الله، وَاللَّام: جِبْرِيل، وَالْمِيم: مُحَمَّد، وَفِيه إِشَارَة لما أنزل الله، على لِسَان جِبْرِيل، على مُحَمَّد.
وَقد ذكرنَا الْأَقْوَال فِي حُرُوف التهجي.
وَإِنَّمَا فتح الْمِيم عِنْد الْوَصْل، وَإِن كَانَ السَّاكِن إِذا حرك حرك إِلَى الْكسر؛ لأَنهم استثقلوا الكسرة بعد [الْجَزْم، وَالْيَاء فِيهِ جزم].
﴿لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾ لَا معبود سواهُ. ﴿الْحَيّ القيوم﴾ فالحي: الدَّائِم الَّذِي لَا يزل..
وَأما القيوم فقد سبق تَفْسِيره، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يحول. وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد [بن] الزبير: هُوَ دَائِم الْوُجُود. وَقَرَأَ عمر، وَابْن مَسْعُود ﴿الْحَيّ الْقيام﴾ وَهُوَ فِي الشواذ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:قوله تعالى :( آلم الله ) فالألف : هو الله، واللام : جبريل، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة لما أنزل الله، على لسان جبريل، على محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرنا الأقوال في حروف التهجي.
وإنما فتح الميم عند الوصل، وإن كان الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر ؛ لأنهم استثقلوا الكسرة بعد [ الجزم، والياء فيه جزم ] ( ١ ).
( لا إله إلا هو ) لا معبود سواه. ( الحي القيوم ) فالحي : الدائم الذي لا يزل.
وأما القيوم فقد سبق تفسيره، وقيل : هو الذي لا يزول ولا يحول. وقال جعفر بن محمد [ بن ] ( ١ )
الزبير : هو دائم الوجود. وقرأ عمر، وابن مسعود ( الحي القيام ) وهو في الشواذ.
وقد ذكرنا الأقوال في حروف التهجي.
وإنما فتح الميم عند الوصل، وإن كان الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر ؛ لأنهم استثقلوا الكسرة بعد [ الجزم، والياء فيه جزم ] ( ١ ).
١ - من "ك"..
( لا إله إلا هو ) لا معبود سواه. ( الحي القيوم ) فالحي : الدائم الذي لا يزل.
وأما القيوم فقد سبق تفسيره، وقيل : هو الذي لا يزول ولا يحول. وقال جعفر بن محمد [ بن ] ( ١ )
الزبير : هو دائم الوجود. وقرأ عمر، وابن مسعود ( الحي القيام ) وهو في الشواذ.
١ - ليس في الأصل ولا "ك" والصواب إثباتها..
قَوْله تَعَالَى: ﴿نزل عَلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ﴾ الْكتاب: الْقُرْآن، وسمى كتابا؛ لِأَنَّهُ يجمع الْآي والحروف، وَهُوَ من الْكتب وَهُوَ: الْجمع، وَمِنْه: الكتيبة و [هِيَ] السّريَّة لِاجْتِمَاعِهِمْ.
وَمِنْه يُقَال: كتبت البغلة، إِذا جمع بَين شفريها بِحَلقَة. وَقَوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أَي: بِالصّدقِ فِي الدلالات والإخبارات، والوعد والوعيد.
وَقَوله: ﴿مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن مُصدق لما قبله من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿لما بَين يَدَيْهِ﴾ ؛ لِأَنَّهُ فِي تَصْدِيق مَا قبله، وَإِظْهَار صدقه، كالشيء الْحَاضِر بَين يَدَيْهِ.
﴿وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس﴾
وَمِنْه يُقَال: كتبت البغلة، إِذا جمع بَين شفريها بِحَلقَة. وَقَوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أَي: بِالصّدقِ فِي الدلالات والإخبارات، والوعد والوعيد.
وَقَوله: ﴿مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن مُصدق لما قبله من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿لما بَين يَدَيْهِ﴾ ؛ لِأَنَّهُ فِي تَصْدِيق مَا قبله، وَإِظْهَار صدقه، كالشيء الْحَاضِر بَين يَدَيْهِ.
﴿وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس﴾
291
﴿الَّذين كفرُوا بآيَات الله لَهُم عَذَاب شَدِيد وَالله عَزِيز ذُو انتقام (٤) إِن الله لَا﴾
فَذكر هَا هُنَا ﴿أنزل﴾ وَذكر فِي الِابْتِدَاء ﴿نزل الْكتاب﴾، لِأَنَّهُ أنزل التَّوْرَاة جملَة وَالْإِنْجِيل جملَة، وَنزل الْقُرْآن مفصلا.
وَأما التَّوْرَاة أَصْلهَا وورية من الورى، من قَوْلهم ورى الزند إِذا أَضَاء، وَخرجت ناره، وَيُقَال: ورى زندي عِنْد فلَان؛ إِذا أَضَاء أمره عِنْده.
فَسمى وورية؛ لضيائها وَكَونهَا نورا، وقلبت الْوَاو تَاء فَصَارَت تورية. وَأما الْإِنْجِيل من " النجل " وَهُوَ الأَصْل فَسمى بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أصلا من الْأُصُول فِي الْعلم.
﴿وَأنزل الْفرْقَان﴾ قيل: هُوَ الْقُرْآن، وَهُوَ المفرق بَين الْحَلَال وَالْحرَام، وَقيل: كل مَا أنزل الله فَهُوَ فرقان؛ لكَونه مفرقا بَين الْحَلَال وَالْحرَام، وَفِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل، وَأنزل الْفرْقَان هدى للنَّاس.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين كفرُوا بآيَات الله لَهُم عَذَاب شَدِيد﴾ " نزلت فِي وَفد نَجْرَان من النَّصَارَى، قدمُوا على رَسُول الله، وَفِيهِمْ السَّيِّد وَالْعَاقِب: كَانَا رجلَيْنِ مِنْهُم، وهم سِتُّونَ رَاكِبًا، وَقيل قَرِيبا من عشْرين رَاكِبًا، فَدَخَلُوا الْمَسْجِد، وَالنَّبِيّ قد صلى الْعَصْر، فوقفوا يصلونَ نَحْو الْمشرق صلَاتهم، فَلَمَّا فرغوا سَأَلَهُمْ رَسُول الله عَن عِيسَى، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: الله. وَقَالَ بَعضهم: ابْن الله، وَقَالَ بَعضهم: ثَالِث ثَلَاثَة، فَقَالَ: أَسْلمُوا، فَقَالُوا نَحن مُسلمُونَ، فَقَالَ: كَذبْتُمْ؛ يمنعكم من ذَلِك قَوْلكُم عِيسَى ولد الله. فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم بضع وَثَمَانِينَ آيَة، من أول سُورَة آل عمرَان فِي الْحجَّاج، وَالدّلَالَة عَلَيْهِم، ورد قَوْلهم، وَهَذِه الْآيَة من جملها نزلت فيهم ".
﴿وَالله عَزِيز ذُو انتقام﴾ فالعزيز: المنيع الَّذِي لَا يقدر عَلَيْهِ، وَمِنْه: الأَرْض العزاء،
فَذكر هَا هُنَا ﴿أنزل﴾ وَذكر فِي الِابْتِدَاء ﴿نزل الْكتاب﴾، لِأَنَّهُ أنزل التَّوْرَاة جملَة وَالْإِنْجِيل جملَة، وَنزل الْقُرْآن مفصلا.
وَأما التَّوْرَاة أَصْلهَا وورية من الورى، من قَوْلهم ورى الزند إِذا أَضَاء، وَخرجت ناره، وَيُقَال: ورى زندي عِنْد فلَان؛ إِذا أَضَاء أمره عِنْده.
فَسمى وورية؛ لضيائها وَكَونهَا نورا، وقلبت الْوَاو تَاء فَصَارَت تورية. وَأما الْإِنْجِيل من " النجل " وَهُوَ الأَصْل فَسمى بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أصلا من الْأُصُول فِي الْعلم.
﴿وَأنزل الْفرْقَان﴾ قيل: هُوَ الْقُرْآن، وَهُوَ المفرق بَين الْحَلَال وَالْحرَام، وَقيل: كل مَا أنزل الله فَهُوَ فرقان؛ لكَونه مفرقا بَين الْحَلَال وَالْحرَام، وَفِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل، وَأنزل الْفرْقَان هدى للنَّاس.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين كفرُوا بآيَات الله لَهُم عَذَاب شَدِيد﴾ " نزلت فِي وَفد نَجْرَان من النَّصَارَى، قدمُوا على رَسُول الله، وَفِيهِمْ السَّيِّد وَالْعَاقِب: كَانَا رجلَيْنِ مِنْهُم، وهم سِتُّونَ رَاكِبًا، وَقيل قَرِيبا من عشْرين رَاكِبًا، فَدَخَلُوا الْمَسْجِد، وَالنَّبِيّ قد صلى الْعَصْر، فوقفوا يصلونَ نَحْو الْمشرق صلَاتهم، فَلَمَّا فرغوا سَأَلَهُمْ رَسُول الله عَن عِيسَى، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: الله. وَقَالَ بَعضهم: ابْن الله، وَقَالَ بَعضهم: ثَالِث ثَلَاثَة، فَقَالَ: أَسْلمُوا، فَقَالُوا نَحن مُسلمُونَ، فَقَالَ: كَذبْتُمْ؛ يمنعكم من ذَلِك قَوْلكُم عِيسَى ولد الله. فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم بضع وَثَمَانِينَ آيَة، من أول سُورَة آل عمرَان فِي الْحجَّاج، وَالدّلَالَة عَلَيْهِم، ورد قَوْلهم، وَهَذِه الْآيَة من جملها نزلت فيهم ".
﴿وَالله عَزِيز ذُو انتقام﴾ فالعزيز: المنيع الَّذِي لَا يقدر عَلَيْهِ، وَمِنْه: الأَرْض العزاء،
292
﴿يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء (٥) هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم (٦) هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ
وَهِي الصلبة الشاقة المسلك، وَقيل: الْعَزِيز: الْغَالِب الَّذِي لَا يفوتهُ شَيْء، وَمِنْه: يُقَال: من عز بز أَي من غلب سلب، والمنتقم المعاقب على (الْجِنَايَة﴾، والنقمة: الْعقُوبَة.
وَهِي الصلبة الشاقة المسلك، وَقيل: الْعَزِيز: الْغَالِب الَّذِي لَا يفوتهُ شَيْء، وَمِنْه: يُقَال: من عز بز أَي من غلب سلب، والمنتقم المعاقب على (الْجِنَايَة﴾، والنقمة: الْعقُوبَة.
293
( وأنزل التوراة و الإنجيل من قبل هدى للناس ) فذكر هاهنا ( أنزل ) وذكر في الابتداء ( نزل الكتاب )، لأنه أنزل التوراة جملة والإنجيل جملة، ونزل القرآن مفصلا.
وأما التوراة أصلها وَوْرِيَةٌ من الورى، من قولهم ورى الزند إذا أضاء، وخرجت ناره، ويقال : ورى زندي عند فلان ؛ إذا أضاء أمره عنده.
فسمى وورية ؛ لضيائها وكونها نورا، وقلبت الواو تاء فصارت تورية. وأما الإنجيل من " النجل " وهو الأصل فسمى به ؛ لأنه كان أصلا من الأصول في العلم.
( وأنزل الفرقان ) قيل : هو القرآن، وهو المفرق بين الحلال والحرام، وقيل : كل ما أنزل الله فهو فرقان ؛ لكونه مفرقا بين الحلال والحرام، وفي الآية تقديم وتأخير، وتقديره وأنزل التوراة والإنجيل من قبل، وأنزل الفرقان هدى للناس.
قوله تعالى :( إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد ) «نزلت في وفد نجران من النصارى، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم السيد والعاقب : كانا رجلين منهم، وهم ستون راكبا، وقيل قريبا من عشرين راكباً، فدخلوا المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى العصر، فوقفوا يصلون نحو المشرق صلاتهم، فلما فرغوا سألهم رسول الله عن عيسى، فاختلفوا فيه، فقال بعضهم : الله. وقال بعضهم : ابن الله، وقال بعضهم : ثالث ثلاثة، فقال صلى الله عليه وسلم : أسلموا، فقالوا نحن مسلمون، فقال صلى الله عليه وسلم : كذبتم ؛ يمنعكم من ذلك قولكم عيسى ولد الله. فأنزل الله تعالى فيهم بضع وثمانين آية، من أول سورة آل عمران في الحجاج، والدِّلالة عليهم، وردِّ قولهم، وهذه الآية من جملها نزلت فيهم »( ١ ).
( والله عزيز ذو انتقام ) فالعزيز : المنيع الذي لا يُقْدَر عليه، ومنه : الأرض العزاء، وهي الصلبة الشاقة المسلك، وقيل : العزيز : الغالب الذي لا يفوته شيء، ومنه : يقال : من عَزَّ بَزَّ( ٢ ) أي من غلب سلب، والمنتقم المعاقب على ( الجناية ) ( ٣ )، والنقمة : العقوبة.
وأما التوراة أصلها وَوْرِيَةٌ من الورى، من قولهم ورى الزند إذا أضاء، وخرجت ناره، ويقال : ورى زندي عند فلان ؛ إذا أضاء أمره عنده.
فسمى وورية ؛ لضيائها وكونها نورا، وقلبت الواو تاء فصارت تورية. وأما الإنجيل من " النجل " وهو الأصل فسمى به ؛ لأنه كان أصلا من الأصول في العلم.
( وأنزل الفرقان ) قيل : هو القرآن، وهو المفرق بين الحلال والحرام، وقيل : كل ما أنزل الله فهو فرقان ؛ لكونه مفرقا بين الحلال والحرام، وفي الآية تقديم وتأخير، وتقديره وأنزل التوراة والإنجيل من قبل، وأنزل الفرقان هدى للناس.
قوله تعالى :( إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد ) «نزلت في وفد نجران من النصارى، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم السيد والعاقب : كانا رجلين منهم، وهم ستون راكبا، وقيل قريبا من عشرين راكباً، فدخلوا المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى العصر، فوقفوا يصلون نحو المشرق صلاتهم، فلما فرغوا سألهم رسول الله عن عيسى، فاختلفوا فيه، فقال بعضهم : الله. وقال بعضهم : ابن الله، وقال بعضهم : ثالث ثلاثة، فقال صلى الله عليه وسلم : أسلموا، فقالوا نحن مسلمون، فقال صلى الله عليه وسلم : كذبتم ؛ يمنعكم من ذلك قولكم عيسى ولد الله. فأنزل الله تعالى فيهم بضع وثمانين آية، من أول سورة آل عمران في الحجاج، والدِّلالة عليهم، وردِّ قولهم، وهذه الآية من جملها نزلت فيهم »( ١ ).
( والله عزيز ذو انتقام ) فالعزيز : المنيع الذي لا يُقْدَر عليه، ومنه : الأرض العزاء، وهي الصلبة الشاقة المسلك، وقيل : العزيز : الغالب الذي لا يفوته شيء، ومنه : يقال : من عَزَّ بَزَّ( ٢ ) أي من غلب سلب، والمنتقم المعاقب على ( الجناية ) ( ٣ )، والنقمة : العقوبة.
١ - رواه ابن جرير الطبري (٣/١٠٨) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير مرسلا، الخبر بطوله، وفي أماكن متفرقة من تفسيره. وعزاه صاحب الدر المنثور (٢/٣-٤) لابن إسحاق، وابن المنذر أيضا.
وعزاه في الدر (٢/٤٣) لأبي نعيم في الدلائل، من حديث ابن عباس ولكن قال: «وهم أربعة عشر رجلا...» الحديث، ورواه ابن مردويه من حديث رافع بن خديج. إلا أنه قال في الأشراف: «كانوا اثنى عشر.. » الحديث. (تفسير ابن كثير ١/٣٦٩)..
٢ - تكررت في الأصل من الناسخ..
٣ - في "ك": الخيانة..
وعزاه في الدر (٢/٤٣) لأبي نعيم في الدلائل، من حديث ابن عباس ولكن قال: «وهم أربعة عشر رجلا...» الحديث، ورواه ابن مردويه من حديث رافع بن خديج. إلا أنه قال في الأشراف: «كانوا اثنى عشر.. » الحديث. (تفسير ابن كثير ١/٣٦٩)..
٢ - تكررت في الأصل من الناسخ..
٣ - في "ك": الخيانة..
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الله لَا يخفي عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء﴾ وَهَذَا لَا شكّ فِيهِ.
﴿هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء﴾ هَذَا فِي الرَّد على وَفد نَجْرَان؛ حَيْثُ قَالُوا: عِيسَى ولد الله، فَكَأَنَّهُ يَقُول: هُوَ الَّذِي صوره فِي الرَّحِم، (فَكيف يكون ولد لَهُ) ؟ !
وَقد روى عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن النُّطْفَة إِذا وَقعت فِي الرَّحِم تكون أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة، ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا علقَة، ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَة، ثمَّ يبْعَث الله تَعَالَى ملكا يَأْخُذ تُرَابا بَين أصبعيه فيخلطه بالمضغة، ثمَّ يصوره بِإِذن الله كَيفَ (شَاءَ)، أَحْمَر أَو أسود أَو أَبيض، طَويلا أَو قَصِيرا، حسنا أَو قبيحا، ثمَّ يكْتب رزقه وَعَمله وأثره وأجله وشقى أَو سعيد، ثمَّ إِذا مَاتَ يدْفن فِي التربة الَّتِي أَخذ مِنْهَا التُّرَاب. (٦ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز) فِي أمره ﴿الْحَكِيم﴾ فِي سُلْطَانه.
وَقد روى عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن النُّطْفَة إِذا وَقعت فِي الرَّحِم تكون أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة، ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا علقَة، ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَة، ثمَّ يبْعَث الله تَعَالَى ملكا يَأْخُذ تُرَابا بَين أصبعيه فيخلطه بالمضغة، ثمَّ يصوره بِإِذن الله كَيفَ (شَاءَ)، أَحْمَر أَو أسود أَو أَبيض، طَويلا أَو قَصِيرا، حسنا أَو قبيحا، ثمَّ يكْتب رزقه وَعَمله وأثره وأجله وشقى أَو سعيد، ثمَّ إِذا مَاتَ يدْفن فِي التربة الَّتِي أَخذ مِنْهَا التُّرَاب. (٦ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز) فِي أمره ﴿الْحَكِيم﴾ فِي سُلْطَانه.
قَوْله تَعَالَى ﴿هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْكُم الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات﴾ اخْتلفُوا فِي المحكمات والمتشابهات، قَالَ ابْن عَبَّاس: المحكمات هِيَ الْآيَات الثَّلَاث الَّتِي فِي آخر سُورَة الْأَنْعَام، وَذَلِكَ قَوْله: ﴿قل تَعَالَوْا﴾ إِلَى
293
﴿آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون﴾
آخر الْآيَات الثَّلَاث، وَأما المتشابهات: حُرُوف التهجي فِي اوائل السُّور. وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُجاهد: المحكمات: الْحَلَال وَالْحرَام، وَمَا سواهُ كُله من المتشابهات؛ لِأَنَّهُ يشبه بَعْضهَا بَعْضًا فِي الْحق، والتصديق، يصدق بعضه بَعْضهَا.
وَقَالَ الضَّحَّاك: المحكمات: الناسخات، والمتشابهات: المنسوخات.
وَقَالَ جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ: المحكمات مَا أوقف الله تَعَالَى الْخلق على مَعْنَاهَا، والمتشابهات مَا لَا يعقل مَعْنَاهَا، وَلَا يعلمهَا إِلَّا الله. وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ: أَحدهمَا: أَن المحكمات مَا لَا يشْتَبه مَعْنَاهَا، والمتشابهات مَا يشْتَبه ويلتبس مَعْنَاهَا. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المحكمات مَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي الْمَعْنى، [والمتشابهات] مَا لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي الْمَعْنى إِلَّا بِنَوْع اسْتِدْلَال، أَو رد إِلَى غَيره؛ وَإِنَّمَا سميت محكمات من الإحكام؛ (كَأَنَّهُ) أحكمها؛ فَمنع الْخلق من التَّصَرُّف فِيهَا؛ لظهورها (ووضوح) مَعْنَاهَا.
﴿هن أم الْكتاب﴾ أَي: أصل الْكتاب، فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يقل: هن أُمَّهَات الْكتاب؟ قيل: قَالَ الْفراء: تَقْدِيره: هن الشَّيْء الَّذِي هُوَ أصل الْكتاب. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ أصل الْكتاب، كَمَا يُقَال: الْقَوْم أَسد على، أَي: كل وَاحِد مِنْهُم أَسد على، وَمَعْنَاهُ: هن أصل الْكتاب؛ لِأَن الْخلق يفزعون إِلَيْهِ، كَمَا تفزع الْفُرُوع إِلَى الْأُصُول، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ فرق هَا هُنَا بَين المحكمات والمتشابهات، وسمى كل الْقُرْآن متشابها فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابها﴾. وسمى الْكل محكما حَيْثُ قَالَ: ﴿الر. كتاب أحكمت آيَاته﴾ ؟ قُلْنَا: لما ذكر هُنَالك ﴿كتابا متشابه﴾ على معنى: أَنه يشبه بعضه بَعْضًا فِي الْحق والصدق، وَإِنَّمَا ذكر فِي الْموضع الآخر ﴿أحكمت آيَاته﴾ على معنى أَن الْكل حق وجد، لَيْسَ فِيهِ
آخر الْآيَات الثَّلَاث، وَأما المتشابهات: حُرُوف التهجي فِي اوائل السُّور. وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُجاهد: المحكمات: الْحَلَال وَالْحرَام، وَمَا سواهُ كُله من المتشابهات؛ لِأَنَّهُ يشبه بَعْضهَا بَعْضًا فِي الْحق، والتصديق، يصدق بعضه بَعْضهَا.
وَقَالَ الضَّحَّاك: المحكمات: الناسخات، والمتشابهات: المنسوخات.
وَقَالَ جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ: المحكمات مَا أوقف الله تَعَالَى الْخلق على مَعْنَاهَا، والمتشابهات مَا لَا يعقل مَعْنَاهَا، وَلَا يعلمهَا إِلَّا الله. وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ: أَحدهمَا: أَن المحكمات مَا لَا يشْتَبه مَعْنَاهَا، والمتشابهات مَا يشْتَبه ويلتبس مَعْنَاهَا. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المحكمات مَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي الْمَعْنى، [والمتشابهات] مَا لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي الْمَعْنى إِلَّا بِنَوْع اسْتِدْلَال، أَو رد إِلَى غَيره؛ وَإِنَّمَا سميت محكمات من الإحكام؛ (كَأَنَّهُ) أحكمها؛ فَمنع الْخلق من التَّصَرُّف فِيهَا؛ لظهورها (ووضوح) مَعْنَاهَا.
﴿هن أم الْكتاب﴾ أَي: أصل الْكتاب، فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يقل: هن أُمَّهَات الْكتاب؟ قيل: قَالَ الْفراء: تَقْدِيره: هن الشَّيْء الَّذِي هُوَ أصل الْكتاب. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ أصل الْكتاب، كَمَا يُقَال: الْقَوْم أَسد على، أَي: كل وَاحِد مِنْهُم أَسد على، وَمَعْنَاهُ: هن أصل الْكتاب؛ لِأَن الْخلق يفزعون إِلَيْهِ، كَمَا تفزع الْفُرُوع إِلَى الْأُصُول، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ فرق هَا هُنَا بَين المحكمات والمتشابهات، وسمى كل الْقُرْآن متشابها فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابها﴾. وسمى الْكل محكما حَيْثُ قَالَ: ﴿الر. كتاب أحكمت آيَاته﴾ ؟ قُلْنَا: لما ذكر هُنَالك ﴿كتابا متشابه﴾ على معنى: أَنه يشبه بعضه بَعْضًا فِي الْحق والصدق، وَإِنَّمَا ذكر فِي الْموضع الآخر ﴿أحكمت آيَاته﴾ على معنى أَن الْكل حق وجد، لَيْسَ فِيهِ
294
عَبث وَلَا هزل، ثمَّ ذكر تَفْصِيلًا آخر بعده، فَجعل الْبَعْض محكما وَالْبَعْض متشابها.
﴿فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ﴾ قَالَ مُجَاهِد: الزيغ: اللّبْس. وَقيل: هُوَ الشّرك، وَقيل: هُوَ الشُّبُهَات الَّتِي تتَعَلَّق بِالْقَلْبِ ﴿فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله﴾ يَعْنِي: أَن الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ يغلون فِي طلب التَّأْوِيل للمتشابه؛ فيقعون على التَّأْوِيل المظلم؛ فَذَلِك ابْتِغَاء الْفِتْنَة؛ لِأَن من غلا فِي الدّين، وَطلب تَأْوِيل مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله، يَقع فِي الْفِتْنَة، وَيكون مفتونا، وَخير الدّين: النمط الْأَوْسَط الَّذِي لَيْسَ فِيهِ غلو وَلَا تَقْصِير.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الَّذين يتبعُون مَا تشابه من هم؟ قيل: هم الْيَهُود الَّذين قَالُوا: مُدَّة أمة مُحَمَّد على حُرُوف التهجي، وَقيل: هم النَّصَارَى من وَفد نَجْرَان، حَيْثُ قَالُوا لرَسُول الله: مَا تَقول فِي عِيسَى؟ فَقَالَ: عبد الله وَرَسُوله، قَالُوا: فَهَل تَقول: أَنه كلمة الله وروح مِنْهُ؟ فَقَالَ: نعم، قَالُوا: حَسبنَا الله. وَاتبعُوا مَا تشابه من قَوْله: كلمة الله وروح مِنْهُ. وَقيل: هم الغالون فِي طلب التَّأْوِيل وَاتِّبَاع الْمُتَشَابه، وروت عَائِشَة " أَن النَّبِي قَرَأَ هَذِه الْآيَة، ثمَّ قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يجادلون فِي الْآيَات فاحذروهم فهم هم ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله﴾ اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعلم التَّأْوِيل، وَقطع أفهام الْعباد عَنهُ، وَالْفرق بَين التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير: أَن التَّفْسِير: هُوَ ذكر الْمَعْنى الْوَاضِح، كَمَا تَقول فِي قَوْله: ﴿لَا ريب فِيهِ﴾ أَي: لَا شكّ فِيهِ، وَأما التَّأْوِيل: هُوَ مَا يؤول الْمَعْنى إِلَيْهِ، ويستقر عَلَيْهِ. ثمَّ الْكَلَام فِي الْوَقْف، فَاعْلَم: أَن أبي بن كَعْب وَعَائِشَة
﴿فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ﴾ قَالَ مُجَاهِد: الزيغ: اللّبْس. وَقيل: هُوَ الشّرك، وَقيل: هُوَ الشُّبُهَات الَّتِي تتَعَلَّق بِالْقَلْبِ ﴿فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله﴾ يَعْنِي: أَن الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ يغلون فِي طلب التَّأْوِيل للمتشابه؛ فيقعون على التَّأْوِيل المظلم؛ فَذَلِك ابْتِغَاء الْفِتْنَة؛ لِأَن من غلا فِي الدّين، وَطلب تَأْوِيل مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله، يَقع فِي الْفِتْنَة، وَيكون مفتونا، وَخير الدّين: النمط الْأَوْسَط الَّذِي لَيْسَ فِيهِ غلو وَلَا تَقْصِير.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الَّذين يتبعُون مَا تشابه من هم؟ قيل: هم الْيَهُود الَّذين قَالُوا: مُدَّة أمة مُحَمَّد على حُرُوف التهجي، وَقيل: هم النَّصَارَى من وَفد نَجْرَان، حَيْثُ قَالُوا لرَسُول الله: مَا تَقول فِي عِيسَى؟ فَقَالَ: عبد الله وَرَسُوله، قَالُوا: فَهَل تَقول: أَنه كلمة الله وروح مِنْهُ؟ فَقَالَ: نعم، قَالُوا: حَسبنَا الله. وَاتبعُوا مَا تشابه من قَوْله: كلمة الله وروح مِنْهُ. وَقيل: هم الغالون فِي طلب التَّأْوِيل وَاتِّبَاع الْمُتَشَابه، وروت عَائِشَة " أَن النَّبِي قَرَأَ هَذِه الْآيَة، ثمَّ قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يجادلون فِي الْآيَات فاحذروهم فهم هم ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله﴾ اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعلم التَّأْوِيل، وَقطع أفهام الْعباد عَنهُ، وَالْفرق بَين التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير: أَن التَّفْسِير: هُوَ ذكر الْمَعْنى الْوَاضِح، كَمَا تَقول فِي قَوْله: ﴿لَا ريب فِيهِ﴾ أَي: لَا شكّ فِيهِ، وَأما التَّأْوِيل: هُوَ مَا يؤول الْمَعْنى إِلَيْهِ، ويستقر عَلَيْهِ. ثمَّ الْكَلَام فِي الْوَقْف، فَاعْلَم: أَن أبي بن كَعْب وَعَائِشَة
295
﴿مَا تشابه مِنْهُ إبتغاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب (٧) رَبنَا لَا تزغ﴾
وَابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة طَاوس عَنهُ - (رأو) الْوَقْف على قَول ﴿إِلَّا الله﴾، وَهُوَ قَول الْحسن، وَأكْثر التَّابِعين، وَبِه قَالَ الْكسَائي، وَالْفراء، والأخفش، وَأَبُو عبيد، وَأَبُو حَاتِم، قَالُوا: إِن الْوَاو فِي قَوْله: ﴿والراسخون﴾ وَاو الإبتداء؛ وَالدَّلِيل على صِحَّته قِرَاءَة ابْن عَبَّاس " وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ " وروى ابْن جريج، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة أُخْرَى -: الْوَاو للنسق، وَلَا وقف (على قَوْله) ﴿إِلَّا الله﴾ (وَأَن الراسخون) فِي الْعلم يعلمُونَ التَّأْوِيل، قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأَنا مِمَّن يعلم تَأْوِيله، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل "، قَالُوا: وَالصَّحِيح رِوَايَة طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، كَمَا ذكرنَا، وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْقُرَّاء؛ وَلِأَن على قَضِيَّة قَول مُجَاهِد لَا يَسْتَقِيم.
قَوْله: ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ﴾ قَالَ النُّحَاة: وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم أَن تَقول: وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم قائلين ﴿أمنا بِهِ﴾ (و) لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا﴾ ؛ وَلَو علمُوا التَّأْوِيل لم يكن لقَولهم هَذَا معنى، وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " أنزل الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه " الْحَلَال وَالْحرَام، وعربية تعرفها الْعَرَب، وَمِمَّا يعلم الْعباد تَأْوِيله، وَمَا لَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله " وَهَذَا يشْهد لما قُلْنَا؛ فَدلَّ أَن الْوَقْف على قَوْله: ﴿إِلَّا الله﴾. وَالْوَاو: وَاو الِابْتِدَاء فِي قَول ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا﴾ قَالُوا: وَمن رسوخهم فِي الْعلم يَقُولُونَ ذَلِك ﴿وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب﴾.
وَابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة طَاوس عَنهُ - (رأو) الْوَقْف على قَول ﴿إِلَّا الله﴾، وَهُوَ قَول الْحسن، وَأكْثر التَّابِعين، وَبِه قَالَ الْكسَائي، وَالْفراء، والأخفش، وَأَبُو عبيد، وَأَبُو حَاتِم، قَالُوا: إِن الْوَاو فِي قَوْله: ﴿والراسخون﴾ وَاو الإبتداء؛ وَالدَّلِيل على صِحَّته قِرَاءَة ابْن عَبَّاس " وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ " وروى ابْن جريج، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة أُخْرَى -: الْوَاو للنسق، وَلَا وقف (على قَوْله) ﴿إِلَّا الله﴾ (وَأَن الراسخون) فِي الْعلم يعلمُونَ التَّأْوِيل، قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأَنا مِمَّن يعلم تَأْوِيله، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل "، قَالُوا: وَالصَّحِيح رِوَايَة طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، كَمَا ذكرنَا، وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْقُرَّاء؛ وَلِأَن على قَضِيَّة قَول مُجَاهِد لَا يَسْتَقِيم.
قَوْله: ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ﴾ قَالَ النُّحَاة: وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم أَن تَقول: وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم قائلين ﴿أمنا بِهِ﴾ (و) لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا﴾ ؛ وَلَو علمُوا التَّأْوِيل لم يكن لقَولهم هَذَا معنى، وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " أنزل الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه " الْحَلَال وَالْحرَام، وعربية تعرفها الْعَرَب، وَمِمَّا يعلم الْعباد تَأْوِيله، وَمَا لَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله " وَهَذَا يشْهد لما قُلْنَا؛ فَدلَّ أَن الْوَقْف على قَوْله: ﴿إِلَّا الله﴾. وَالْوَاو: وَاو الِابْتِدَاء فِي قَول ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا﴾ قَالُوا: وَمن رسوخهم فِي الْعلم يَقُولُونَ ذَلِك ﴿وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب﴾.
296
قَوْله تَعَالَى: ﴿رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا﴾ أَي: لَا تمل قُلُوبنَا ﴿بعد إِذْ هديتنا﴾ وَهَذَا
296
﴿قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب (٨) رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ إِن الله لَا يخلف الميعاد (٩) إِن الَّذين كفرُوا لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا وَأُولَئِكَ هم وقود النَّار (١٠) كدأب آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم كذبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيد﴾
دُعَاء للتثبيت والإدامة عَلَيْهِ، وَقد رَوَت أم سَلمَة عَن النَّبِي أَنه كَانَ يَقُول: " يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك " ﴿وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة﴾ نصْرَة ومعونة ﴿إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب﴾.
دُعَاء للتثبيت والإدامة عَلَيْهِ، وَقد رَوَت أم سَلمَة عَن النَّبِي أَنه كَانَ يَقُول: " يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك " ﴿وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة﴾ نصْرَة ومعونة ﴿إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب﴾.
297
قَوْله تَعَالَى: ﴿رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ﴾ أَي: لَا شكّ فِيهِ عِنْد أهل الْحق، وَقيل: أَرَادَ لَا ريب فِيهِ: يَوْم الْقِيَامَة إِذا قَامَت وَظَهَرت.
﴿إِن الله لَا يخلف الميعاد﴾ فَلَا تزغ قُلُوبنَا، وارحمنا، وَلكنه أوجزه وَلم يذكر تَمام الدُّعَاء.
﴿إِن الله لَا يخلف الميعاد﴾ فَلَا تزغ قُلُوبنَا، وارحمنا، وَلكنه أوجزه وَلم يذكر تَمام الدُّعَاء.
قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الَّذين كفرُوا لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا﴾ هُوَ قَول الْكَافرين يَوْم الْقِيَامَة: شَغَلَتْنَا عَن الْحق أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا، يَقُول لَا عذر لَهُم فِيهِ، وَلَا يغنيهم ذَلِك ﴿وَأُولَئِكَ هم وقود النَّار﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كدأب آل فِرْعَوْن﴾ الدأب: الشَّأْن، والدأب: الْعَادة، وَمعنى الْآيَة: أَن هَؤُلَاءِ الْكفَّار فِي تَكْذِيب الرَّسُول، وَجحد الْحق، والتظاهر على الْكفْر؛ كعادة آل فِرْعَوْن، وَآل فِرْعَوْن: فِرْعَوْن وَقَومه.
﴿وَالَّذين من قبلهم﴾ يَعْنِي: عادا وَثَمُود ﴿كذبُوا بآيتنا فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ﴾، عاقبهم بجرائمهم، ﴿وَالله شَدِيد الْعقَاب﴾ لِأَنَّهُ دَائِم، عِقَابه لَا يَنْقَطِع؛ وكل دَائِم شَدِيد.
﴿وَالَّذين من قبلهم﴾ يَعْنِي: عادا وَثَمُود ﴿كذبُوا بآيتنا فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ﴾، عاقبهم بجرائمهم، ﴿وَالله شَدِيد الْعقَاب﴾ لِأَنَّهُ دَائِم، عِقَابه لَا يَنْقَطِع؛ وكل دَائِم شَدِيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل للَّذين كفرُوا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: وَسبب نزُول الْآيَة مَا روى: " أَنه لما فرغ رَسُول الله من قتال الْمُشْركين يَوْم بدر جمع الْيَهُود بقينقاع، وَقَالَ
297
﴿الْعقَاب (١١) قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد (١٢) قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقيا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى كَافِرَة﴾
لَهُم: أَسْلمُوا قبل أَن ينزل بكم مَا نزل بالمشركين من بَأْس الله، فَقَالُوا: إِنَّك لقِيت قوما أَغْمَارًا لَا يعْرفُونَ الْقِتَال، فَلَو قَاتَلْتنَا لَوَلَّيْت " فَنزل قَوْله تَعَالَى: ﴿قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد﴾ يَعْنِي: ستغلبون فِي الدُّنْيَا، وتحشرون فِي الْآخِرَة إِلَى جَهَنَّم، ﴿وَبئسَ المهاد﴾ وَقَالَ مقَاتل وَجَمَاعَة: هُوَ خطاب لأولئك الْمُشْركين يَوْم بدر، يَقُول الله: قا للْمُشْرِكين: ستغلبون، وتحشرون إِلَى جَهَنَّم، وَقد غلبوا وحشروا إِلَى جَهَنَّم، وَيقْرَأ: " سيغلبون ويحشرون " بِالْيَاءِ - وَهُوَ بِمَعْنى الأول، قَالَ الْفراء: وَهُوَ مثل قَول الرجل: قل لزيد: إِنَّك قَائِم. هُوَ بِمَعْنى قَوْله: قل لزيد: إِنَّه قَائِم؛ فهما فِي الْمَعْنى سَوَاء، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا خطاب للْيَهُود، يَعْنِي: قل للَّذين كفرُوا من الْيَهُود: سيغلب الْمُشْركُونَ، ويحشرون إِلَى جَهَنَّم، وَبئسَ المهاد، أَي: بئْسَمَا مهدوا لأَنْفُسِهِمْ، أَو بئْسَمَا مهد لَهُم.
لَهُم: أَسْلمُوا قبل أَن ينزل بكم مَا نزل بالمشركين من بَأْس الله، فَقَالُوا: إِنَّك لقِيت قوما أَغْمَارًا لَا يعْرفُونَ الْقِتَال، فَلَو قَاتَلْتنَا لَوَلَّيْت " فَنزل قَوْله تَعَالَى: ﴿قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد﴾ يَعْنِي: ستغلبون فِي الدُّنْيَا، وتحشرون فِي الْآخِرَة إِلَى جَهَنَّم، ﴿وَبئسَ المهاد﴾ وَقَالَ مقَاتل وَجَمَاعَة: هُوَ خطاب لأولئك الْمُشْركين يَوْم بدر، يَقُول الله: قا للْمُشْرِكين: ستغلبون، وتحشرون إِلَى جَهَنَّم، وَقد غلبوا وحشروا إِلَى جَهَنَّم، وَيقْرَأ: " سيغلبون ويحشرون " بِالْيَاءِ - وَهُوَ بِمَعْنى الأول، قَالَ الْفراء: وَهُوَ مثل قَول الرجل: قل لزيد: إِنَّك قَائِم. هُوَ بِمَعْنى قَوْله: قل لزيد: إِنَّه قَائِم؛ فهما فِي الْمَعْنى سَوَاء، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا خطاب للْيَهُود، يَعْنِي: قل للَّذين كفرُوا من الْيَهُود: سيغلب الْمُشْركُونَ، ويحشرون إِلَى جَهَنَّم، وَبئسَ المهاد، أَي: بئْسَمَا مهدوا لأَنْفُسِهِمْ، أَو بئْسَمَا مهد لَهُم.
298
قَوْله تَعَالَى: ﴿قد كَانَ لكم آيَة﴾ أَي: معْجزَة وعلامة، ﴿فِي فئتين﴾ فِي فرْقَتَيْن ﴿التقتا﴾ أجتمعتا، من الالتقاء: وَهُوَ الإجتماع، وَمِنْه: " يَوْم التلاق "؛ لِأَنَّهُ يجْتَمع فِيهِ أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض ﴿فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله﴾ يَعْنِي: الْمُسلمين يَوْم بدر ﴿وَأُخْرَى كَافِرَة﴾ يَعْنِي الْمُشْركين ﴿يرونهم مثليهم رأى الْعين﴾ يَعْنِي الْمُسلمين رأو الْمُشْركين مثلى عَددهمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَة أمثالهم؛ لِأَن عدد الْمُسلمين يَوْم بدر كَانَ ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر نَفرا أَو أَرْبَعَة عشر نَفرا، وَكَانَ عدد الْمُشْركين تِسْعمائَة وَخمسين
298
﴿يرونهم مثليهم رَأْي الْعين وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولي
نَفرا، وَعَن عَليّ وَابْن مَسْعُود: أَن عدد الْمُشْركين كَانُوا ألفا، فَرَآهُمْ الْمُسلمُونَ نيفا وسِتمِائَة. قَالَ ابْن مَسْعُود: رأيناهم ضعفى عددنا، ثمَّ رأيناهم مثل عددنا؛ رجل [بِرَجُل] وَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْفَال {وَإِذا يريكهم إِذْ التقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا ويقللكم فِي أَعينهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا﴾ فَرَآهُمْ الْمُسلمُونَ أقل من عَددهمْ، وَكَذَلِكَ الْمُشْركُونَ رَأَوْا الْمُسلمين أقل من عَددهمْ، وَكَانَت الْحِكْمَة فِيهِ إِذا رَأَوْهُمْ أقل مِمَّا كَانُوا لَا يحجمون، وَلَا يفترون عَن الْقِتَال؛ لِأَن الله تَعَالَى قد أخْبرهُم أَن الْوَاحِد مِنْهُم يُقَاوم اثْنَيْنِ من الْمُشْركين، وَكَذَلِكَ الْمُشْركُونَ إِذا رَأَوْا الْمُسلمين أقل مِمَّا كَانُوا لَا يمتنعون عَن الْقِتَال؛ ﴿ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا﴾، وَذَلِكَ من قتل رُؤَسَائِهِمْ وَقَادَتهمْ، بِإِذن الله تَعَالَى.
قَالَ الْفراء: إِنَّمَا رَأَوْهُمْ على عَددهمْ كَمَا كَانُوا، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿يرونهم مثليهم﴾ يَعْنِي: مثليهم سوى عَددهمْ، وَهَذَا مثل قَول الرجل - وَعِنْده دِرْهَم -: أَنا أحتاج إِلَى مثلى هَذَا الدِّرْهَم، يَعْنِي إِلَى مثلَيْهِ سواهُ. وَالْأول أصح.
وقرىء: " ترونهم " بِالتَّاءِ فَيكون خطابا للْيَهُود، وَكَانَ جمَاعَة مِنْهُم حَضَرُوا قتال بدر؛ لينظروا على من الدبرة، فرأو الْمُشْركين مثلى عدد الْمُسلمين، ورأو النُّصْرَة مَعَ ذَلِك للْمُسلمين، وَكَانَ ذَلِك معْجزَة، وَآيَة للرسول فِي أَعينهم. وعَلى الْقِرَاءَة الأولى يكون الْخطاب مَعَ الْمُسلمين فِي قَوْله: ( ﴿قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين﴾ وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء) ؛ لِأَنَّهُ نصر الْمُؤمنِينَ يَوْمئِذٍ.
﴿إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولى الْأَبْصَار﴾ أَي: عَلامَة لأولى البصائر فِي الدّين، ولذوي الْعُقُول أَجْمَعِينَ.
نَفرا، وَعَن عَليّ وَابْن مَسْعُود: أَن عدد الْمُشْركين كَانُوا ألفا، فَرَآهُمْ الْمُسلمُونَ نيفا وسِتمِائَة. قَالَ ابْن مَسْعُود: رأيناهم ضعفى عددنا، ثمَّ رأيناهم مثل عددنا؛ رجل [بِرَجُل] وَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْفَال {وَإِذا يريكهم إِذْ التقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا ويقللكم فِي أَعينهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا﴾ فَرَآهُمْ الْمُسلمُونَ أقل من عَددهمْ، وَكَذَلِكَ الْمُشْركُونَ رَأَوْا الْمُسلمين أقل من عَددهمْ، وَكَانَت الْحِكْمَة فِيهِ إِذا رَأَوْهُمْ أقل مِمَّا كَانُوا لَا يحجمون، وَلَا يفترون عَن الْقِتَال؛ لِأَن الله تَعَالَى قد أخْبرهُم أَن الْوَاحِد مِنْهُم يُقَاوم اثْنَيْنِ من الْمُشْركين، وَكَذَلِكَ الْمُشْركُونَ إِذا رَأَوْا الْمُسلمين أقل مِمَّا كَانُوا لَا يمتنعون عَن الْقِتَال؛ ﴿ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا﴾، وَذَلِكَ من قتل رُؤَسَائِهِمْ وَقَادَتهمْ، بِإِذن الله تَعَالَى.
قَالَ الْفراء: إِنَّمَا رَأَوْهُمْ على عَددهمْ كَمَا كَانُوا، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿يرونهم مثليهم﴾ يَعْنِي: مثليهم سوى عَددهمْ، وَهَذَا مثل قَول الرجل - وَعِنْده دِرْهَم -: أَنا أحتاج إِلَى مثلى هَذَا الدِّرْهَم، يَعْنِي إِلَى مثلَيْهِ سواهُ. وَالْأول أصح.
وقرىء: " ترونهم " بِالتَّاءِ فَيكون خطابا للْيَهُود، وَكَانَ جمَاعَة مِنْهُم حَضَرُوا قتال بدر؛ لينظروا على من الدبرة، فرأو الْمُشْركين مثلى عدد الْمُسلمين، ورأو النُّصْرَة مَعَ ذَلِك للْمُسلمين، وَكَانَ ذَلِك معْجزَة، وَآيَة للرسول فِي أَعينهم. وعَلى الْقِرَاءَة الأولى يكون الْخطاب مَعَ الْمُسلمين فِي قَوْله: ( ﴿قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين﴾ وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء) ؛ لِأَنَّهُ نصر الْمُؤمنِينَ يَوْمئِذٍ.
﴿إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولى الْأَبْصَار﴾ أَي: عَلامَة لأولى البصائر فِي الدّين، ولذوي الْعُقُول أَجْمَعِينَ.
299
﴿الْأَبْصَار (١٣) زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء والبنين والقناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل المسومة والأنعام والحرث ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالله عِنْده حسن المآب (١٤) قل أؤنبئكم بِخَير من ذَلِكُم للَّذين اتَّقوا عِنْد رَبهم جنَّات﴾
300
قَوْله تَعَالَى: ﴿زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء والبنين﴾ قَالَ الْحسن: المزين: هُوَ الشَّيْطَان؛ لِأَن الله تَعَالَى ذمّ الدُّنْيَا بأبلغ ذمّ، فَلَا يزينه فِي الْأَعْين. وَقَالَ عَامَّة الْمُفَسّرين: المزين: هُوَ الله تَعَالَى، وتزيينه: أَنه حبب فِي قُلُوبهم شَهْوَة النِّسَاء والبنين ﴿والقناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة﴾، فالقناطير: جمع القنطار، وَهُوَ مَال كثير، ثمَّ اخْتلفُوا؛ قَالَ معَاذ وَأبي بن كَعْب: القنطار: ألف وَمِائَتَا أُوقِيَّة، وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك: هُوَ ألف دِينَار أَو اثْنَا عشر ألف دِرْهَم. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: هُوَ ثَمَانُون ألف دِرْهَم. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ سَبْعُونَ ألف دِينَار. وَقَالَ قَتَادَة: هُوَ مائَة رَطْل من ذهب أَو فضَّة. وَقَالَ أَبُو نَضرة: هُوَ ملْء مسك ثَوْر من ذهب أَو فضَّة. وسمى قِنْطَارًا؛ من الْأَحْكَام والتوثيق، وَأما المقنطرة: فَهِيَ الْمَجْمُوعَة المملكة. قَالَ الْفراء: القناطير ثَلَاثَة، والمقنطرة تِسْعَة.
قَوْله: ﴿وَالْخَيْل المسمومة﴾ قَالَ مُجَاهِد: هِيَ الحسان المطهمة، وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير: المسومة: الراعية. يُقَال: أسام الْخَيل من الرعى. وَفِيه قَول ثَالِث، المسومة: المعلمة من السيما، وَهِي الْعَلامَة. مِنْهُم من قَالَ: سيماها: الشّبَه. وَمِنْهُم من قَالَ: سيماها الكي ﴿والأنعام﴾ : هِيَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم ﴿والحرث﴾ : هِيَ الْأَرَاضِي المهيأة للزِّرَاعَة ﴿ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنه مَتَاع يفنى.
﴿وَالله عِنْده حسن المآب﴾ فِيهِ تزهيد فِي الدُّنْيَا وترغيب فِي الْآخِرَة، ثمَّ أكده
قَوْله: ﴿وَالْخَيْل المسمومة﴾ قَالَ مُجَاهِد: هِيَ الحسان المطهمة، وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير: المسومة: الراعية. يُقَال: أسام الْخَيل من الرعى. وَفِيه قَول ثَالِث، المسومة: المعلمة من السيما، وَهِي الْعَلامَة. مِنْهُم من قَالَ: سيماها: الشّبَه. وَمِنْهُم من قَالَ: سيماها الكي ﴿والأنعام﴾ : هِيَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم ﴿والحرث﴾ : هِيَ الْأَرَاضِي المهيأة للزِّرَاعَة ﴿ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنه مَتَاع يفنى.
﴿وَالله عِنْده حسن المآب﴾ فِيهِ تزهيد فِي الدُّنْيَا وترغيب فِي الْآخِرَة، ثمَّ أكده
بقوله تَعَالَى: ﴿قل أؤنبئكم بِخَير من ذَلِكُم للَّذين اتَّقوا عِنْد رَبهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَأَزْوَاج مطهرة ورضوان من الله﴾ وقرىء " رضوَان " بِضَم الرَّاء، وهما فِي الْمَعْنى سَوَاء يُقَال: رضى يرضى رِضَاء ورضوانا. ورضوانا،
300
﴿تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَأَزْوَاج مطهرة ورضوان من الله وَالله بَصِير بالعباد (١٥) الَّذين يَقُولُونَ رَبنَا إننا آمنا فَاغْفِر لنا ذنوبنا وقنا عَذَاب النَّار (١٦) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (١٧) شهد الله﴾
وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي: " أَن أهل الْجنَّة؛ إِذا دخلُوا الْجنَّة يَقُول الله تَعَالَى: إِن لكم عِنْدِي موعدا، وَأَنا منجزكموه، فَيَقُولُونَ: قد أَعطيتنَا كل مَا نتمنى، فَمَا هُوَ يارب؟ فَيَقُول: أنزل عَلَيْكُم رِضْوَانِي وَلَا أَسخط عَلَيْكُم أبدا ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالله بَصِير بالعباد الَّذين يَقُولُونَ﴾
وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي: " أَن أهل الْجنَّة؛ إِذا دخلُوا الْجنَّة يَقُول الله تَعَالَى: إِن لكم عِنْدِي موعدا، وَأَنا منجزكموه، فَيَقُولُونَ: قد أَعطيتنَا كل مَا نتمنى، فَمَا هُوَ يارب؟ فَيَقُول: أنزل عَلَيْكُم رِضْوَانِي وَلَا أَسخط عَلَيْكُم أبدا ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالله بَصِير بالعباد الَّذين يَقُولُونَ﴾
301
فَقَوله: ﴿الَّذين يَقُولُونَ﴾ يحْتَمل أَن يكون فِي مَوضِع الْخَفْض، وَتَقْدِيره: بالعباد الَّذين يَقُولُونَ، وَيحْتَمل أَن يكون فِي مَوضِع الرّفْع، وَتَقْدِيره: يَقُولُونَ على الِابْتِدَاء، وَيحْتَمل أَن يكون فِي مَوضِع النصب، وَتَقْدِيره: أعنى: الَّذين يَقُولُونَ: ﴿رَبنَا إننا آمنا فَاغْفِر لنا ذنوبنا وقنا عَذَاب النَّار﴾.
﴿الصابرين﴾ يحْتَمل أَن يكون فِي مَوضِع الْخَفْض، وَيحْتَمل فِي مَوضِع النصب، يَعْنِي: الصابرين على الشدائد والمصائب، وعَلى الطَّاعَات، وَعَن الْمعاصِي ﴿والصادقين﴾ الَّذين استقامت أَحْوَالهم وأفعالهم ﴿والقانتين﴾ : المقيمين على الطَّاعَة، المداومين عَلَيْهَا ﴿والمنفقين﴾ يَعْنِي: المتصدقين، قيل فِي الْجِهَاد، وَقيل: فِي كل أَبْوَاب الْبر ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هم المصلون بِاللَّيْلِ. وَقَالَ أنس: هم السائلون بالمغفرة. وَقَالَ زيد بن أسلم: المصلون صَلَاة الصُّبْح فِي الْجَمَاعَة، وَإِنَّمَا قَيده ﴿بالأسحار﴾ لقرب صَلَاة الصُّبْح من السحر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿شهد الله﴾ أَي: بَين وَأعلم؛ وكل شَاهد مُبين ومعلم ﴿أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾ لنَفسِهِ بالوحدانية؛ وَذَلِكَ أَن وَفد نَجْرَان قد أَنْكَرُوا وحدانيته، وَهَذِه الْآيَة من الْآيَات الَّتِي نزلت فِي شَأْنهمْ، وَالْحجاج عَلَيْهِم ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ أَي: وَشهِدت الْمَلَائِكَة، ﴿وَأولُوا الْعلم﴾ قيل: هم عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل، وَذَلِكَ مثل: عبد الله بن سَلام، وَمن
301
﴿أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأولُوا الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم حاجوك فَقل أسلمت وَجْهي لله وَمن اتبعن وَقل للَّذين أُوتُوا الْكتاب والأميين﴾
آمن مَعَه، وَقيل: هم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار، وَقيل: هم جَمِيع عُلَمَاء الْأمة.
﴿قَائِما﴾ نصب على الْحَال، فَهُوَ الله تَعَالَى قَائِم بتدبير الْخلق ﴿بِالْقِسْطِ﴾ : بِالْعَدْلِ، يُقَال: قسط يقسط إِذا جَار. وأقسط يقسط؛ إِذا عدل، فالقاسط: الجائر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى ﴿وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا﴾ والمقسط: الْعَادِل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ( ﴿إِن الله يحب المقسطين﴾ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم)
آمن مَعَه، وَقيل: هم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار، وَقيل: هم جَمِيع عُلَمَاء الْأمة.
﴿قَائِما﴾ نصب على الْحَال، فَهُوَ الله تَعَالَى قَائِم بتدبير الْخلق ﴿بِالْقِسْطِ﴾ : بِالْعَدْلِ، يُقَال: قسط يقسط إِذا جَار. وأقسط يقسط؛ إِذا عدل، فالقاسط: الجائر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى ﴿وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا﴾ والمقسط: الْعَادِل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ( ﴿إِن الله يحب المقسطين﴾ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم)
302
﴿إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام﴾ وَيقْرَأ: " أَن الدّين " بِفَتْح الْألف، فَمن قَرَأَ بِكَسْر الْألف؛ فَهُوَ على الِابْتِدَاء وَقَرَأَ الْكسَائي بِالنّصب، وَتَقْدِيره: شهد الله أَن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام؛ فَإِنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْإِسْلَام: هُوَ الأنقياد والإستسلام، وَقد يكون مُجَرّد الاستسلام من غير العقيدة فرقا بَينه وَبَين الْإِيمَان على مَا سَيَأْتِي.
وَالْإِسْلَام الْمَعْرُوف فِي الشَّرْع: هُوَ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ سَائِر الْأَركان الْخمس، وَفِي الْأَخْبَار: " أَنه يُؤْتى بِالْأَعْمَالِ يَوْم الْقِيَامَة، فَيُؤتى بِالصَّلَاةِ على صُورَة، فَتَقول: يَا رب، إِنِّي الصَّلَاة، فَيَقُول الله تَعَالَى: إِنَّك بِخَير، وَيُؤْتى بِالزَّكَاةِ على صُورَة، فَتَقول: يَا رب، إِنِّي الزَّكَاة، فَيَقُول الله: إِنَّك بِخَير، وَهَكَذَا الصَّوْم وَالْحج، ثمَّ يُؤْتى بِالْإِسْلَامِ على أحسن الصُّور، فَيَقُول يَا رب، إِنِّي الْإِسْلَام، فَيَقُول الله تَعَالَى: إِنَّك إِلَى خير، بك أَخذ الْيَوْم وَبِك أعطي ".
وَحكي عَن غَالب الْقطَّان أَنه قَالَ: أتيت الْكُوفَة للتِّجَارَة فَنزلت قَرِيبا من الْأَعْمَش، فَكنت أختلف إِلَيْهِ وأسمع مِنْهُ الحَدِيث، فقصدت مِنْهُ لَيْلَة أَن أنحدر مِنْهُ إِلَى الْبَصْرَة، فَوَجَدته يتجهد فِي الْمَسْجِد، فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {شهد الله انه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة
وَالْإِسْلَام الْمَعْرُوف فِي الشَّرْع: هُوَ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ سَائِر الْأَركان الْخمس، وَفِي الْأَخْبَار: " أَنه يُؤْتى بِالْأَعْمَالِ يَوْم الْقِيَامَة، فَيُؤتى بِالصَّلَاةِ على صُورَة، فَتَقول: يَا رب، إِنِّي الصَّلَاة، فَيَقُول الله تَعَالَى: إِنَّك بِخَير، وَيُؤْتى بِالزَّكَاةِ على صُورَة، فَتَقول: يَا رب، إِنِّي الزَّكَاة، فَيَقُول الله: إِنَّك بِخَير، وَهَكَذَا الصَّوْم وَالْحج، ثمَّ يُؤْتى بِالْإِسْلَامِ على أحسن الصُّور، فَيَقُول يَا رب، إِنِّي الْإِسْلَام، فَيَقُول الله تَعَالَى: إِنَّك إِلَى خير، بك أَخذ الْيَوْم وَبِك أعطي ".
وَحكي عَن غَالب الْقطَّان أَنه قَالَ: أتيت الْكُوفَة للتِّجَارَة فَنزلت قَرِيبا من الْأَعْمَش، فَكنت أختلف إِلَيْهِ وأسمع مِنْهُ الحَدِيث، فقصدت مِنْهُ لَيْلَة أَن أنحدر مِنْهُ إِلَى الْبَصْرَة، فَوَجَدته يتجهد فِي الْمَسْجِد، فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {شهد الله انه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة
302
﴿إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام وَمَا أختلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم وَمن يكفر بآيَات الله فَإِن الله سريع الْحساب (١٩) فَإِن﴾ ﴿وألوا الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ ثمَّ قَالَ: وَأشْهد بِمَا شهد الله بِهِ، وأستودع الله هَذِه الشَّهَادَة؛ لتَكون وَدِيعَة لي عِنْده، ثمَّ قَالَ: ﴿إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام﴾ كَرَّرَه مرَارًا، فَقلت فِي نَفسِي: لقد سمع فِيهِ شَيْئا، فَمَكثَ، وَصليت مَعَه الصُّبْح، ثمَّ قلت لَهُ: مَرَرْت بِهَذِهِ الْآيَة، وَكنت تكررها ﴿فَقَالَ: أما بلغك مَا ورد فِيهَا؟﴾
قلت: أَنا عنْدك مُنْذُ سنتَيْن وَلم تُحَدِّثنِي، وَقد قصدت الإنحدار إِلَى الْبَصْرَة، فَقَالَ: وَالله لَا أحَدثك سنة، فَمَكثت بِالْكُوفَةِ وكتبت على بَابه ذَلِك الْيَوْم، فَلَمَّا تمت السّنة أَتَيْته، فَقلت: يَا أَبَا مُحَمَّد، قد تمت السّنة. فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو وَائِل، عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - أَنه قَالَ: " يجاء بصاحبها يَوْم الْقِيَامَة، فَيَقُول الله تَعَالَى: إِن لعبدي هَذَا عِنْدِي عهدا (وَأَنا) أَحَق من وفى بالعهد، أدخلُوا عَبدِي الْجنَّة ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أختلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم﴾ أَي: حسدا بَينهم. ﴿وَمن يكفر بآيَات الله فَإِن الله سريع الْحساب﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قلت: أَنا عنْدك مُنْذُ سنتَيْن وَلم تُحَدِّثنِي، وَقد قصدت الإنحدار إِلَى الْبَصْرَة، فَقَالَ: وَالله لَا أحَدثك سنة، فَمَكثت بِالْكُوفَةِ وكتبت على بَابه ذَلِك الْيَوْم، فَلَمَّا تمت السّنة أَتَيْته، فَقلت: يَا أَبَا مُحَمَّد، قد تمت السّنة. فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو وَائِل، عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - أَنه قَالَ: " يجاء بصاحبها يَوْم الْقِيَامَة، فَيَقُول الله تَعَالَى: إِن لعبدي هَذَا عِنْدِي عهدا (وَأَنا) أَحَق من وفى بالعهد، أدخلُوا عَبدِي الْجنَّة ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أختلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم﴾ أَي: حسدا بَينهم. ﴿وَمن يكفر بآيَات الله فَإِن الله سريع الْحساب﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
303
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن حاجوك﴾ أَي: فَإِن جادلوك ﴿فَقل أسلمت وَجْهي لله وَمن أتبعن﴾ أَي: قصدت بعبادتي الله تَعَالَى ﴿وَقل للَّذين أُوتُوا الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿والأميين﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين.
303
﴿ءأسلمتم فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَالله بَصِير بالعباد (٢٠) إِن الَّذين يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النبين بِغَيْر حق وَيقْتلُونَ الَّذين﴾
﴿أأسلمتم يَعْنِي: أَسْلمُوا، وَقيل: ذكره على التهديد؛ كَمَا يُقَال: أَقبلت هَذَا مني؟ على وَجه التهديد {فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَالله بَصِير بالعباد﴾ أَي: عَلَيْك تَبْلِيغ الرسَالَة وَلَيْسَ عَلَيْك الْهِدَايَة (وَالله بَصِير بالعباد) بالضال مِنْهُم والمهتدي.
وتلخيص معنى الْآيَة: أَن الله تَعَالَى يَقُول: " فَإِن جادلوك بِالْبَاطِلِ، فَقل: أسلمت وَجْهي لله، أَي: أخلصت عَمَلي لله، أَو قصدت بعبادتي إِلَى الله الَّذِي لَا تقرون لَهُ بالخلق والتربية؛ فَإِنَّهُم كَانُوا مقرين بِأَن الله خالقهم ومربيهم، فَأَنا أقصد إِلَيْهِ بعبادي وَلَا أتبع هواى كَمَا تتبعون أهواءكم.
ثمَّ قَالَ: ﴿وَقل للَّذين أوتو الْكتاب والأميين أأسلمتم﴾ أَي: أَسْلمُوا. كَمَا قَالَ: ﴿فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ﴾ أَي: انْتَهوا، وَإِنَّمَا سمى الْمُشْركين أُمِّيين؛ لأَنهم لم يَكُونُوا قراء، وَقيل: نسبهم إِلَى أم الْقرى وَهِي مَكَّة لسكونهم فِيهَا.
﴿أأسلمتم يَعْنِي: أَسْلمُوا، وَقيل: ذكره على التهديد؛ كَمَا يُقَال: أَقبلت هَذَا مني؟ على وَجه التهديد {فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَالله بَصِير بالعباد﴾ أَي: عَلَيْك تَبْلِيغ الرسَالَة وَلَيْسَ عَلَيْك الْهِدَايَة (وَالله بَصِير بالعباد) بالضال مِنْهُم والمهتدي.
وتلخيص معنى الْآيَة: أَن الله تَعَالَى يَقُول: " فَإِن جادلوك بِالْبَاطِلِ، فَقل: أسلمت وَجْهي لله، أَي: أخلصت عَمَلي لله، أَو قصدت بعبادتي إِلَى الله الَّذِي لَا تقرون لَهُ بالخلق والتربية؛ فَإِنَّهُم كَانُوا مقرين بِأَن الله خالقهم ومربيهم، فَأَنا أقصد إِلَيْهِ بعبادي وَلَا أتبع هواى كَمَا تتبعون أهواءكم.
ثمَّ قَالَ: ﴿وَقل للَّذين أوتو الْكتاب والأميين أأسلمتم﴾ أَي: أَسْلمُوا. كَمَا قَالَ: ﴿فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ﴾ أَي: انْتَهوا، وَإِنَّمَا سمى الْمُشْركين أُمِّيين؛ لأَنهم لم يَكُونُوا قراء، وَقيل: نسبهم إِلَى أم الْقرى وَهِي مَكَّة لسكونهم فِيهَا.
304
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين يكفرون بآيَات الله﴾ أَرَادَ بِهِ الْيَهُود م بني إِسْرَائِيل. ﴿وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق﴾ إِنَّمَا قَالَ: بِغَيْر حق تَأْكِيدًا، لِأَن قتل النَّبِيين لَا يَنْقَسِم إِلَى الْحق وَالْبَاطِل.
وروى أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة من قتل نَبيا أَو قَتله نَبِي ". ثمَّ روى فِي هَذَا الْخَبَر أَنه قَالَ: " قتلت بَنو إِسْرَائِيل اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين نَبيا فِي سَاعَة وَاحِدَة، فَقَامَ إِلَيْهِم مائَة وَاثنا عشر رجلا من زهادهم وعبادهم، وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ، فَقَتَلُوهُمْ " فَهَذَا قَوْله تَعَالَى: (وَيقْتلُونَ الَّذين
وروى أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة من قتل نَبيا أَو قَتله نَبِي ". ثمَّ روى فِي هَذَا الْخَبَر أَنه قَالَ: " قتلت بَنو إِسْرَائِيل اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين نَبيا فِي سَاعَة وَاحِدَة، فَقَامَ إِلَيْهِم مائَة وَاثنا عشر رجلا من زهادهم وعبادهم، وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ، فَقَتَلُوهُمْ " فَهَذَا قَوْله تَعَالَى: (وَيقْتلُونَ الَّذين
304
﴿يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم (٢١) أُولَئِكَ الَّذين حبطت أَعْمَالهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا لَهُم من ناصرين (٢٢) ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يدعونَ إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم ثمَّ يتَوَلَّى فريق مِنْهُم وهم﴾
يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس) أَي: بِالْعَدْلِ ﴿فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم﴾ وَإِنَّمَا خَاطب أَبْنَاءَهُم بِهِ، مَعَ أَن (الْجِنَايَة) وجدت من آبَائِهِم؛ (لأَنهم) رَضوا بفعلهم، ودانوا بدينهم، فاستوجبوا هَذَا (الْعَذَاب).
يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس) أَي: بِالْعَدْلِ ﴿فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم﴾ وَإِنَّمَا خَاطب أَبْنَاءَهُم بِهِ، مَعَ أَن (الْجِنَايَة) وجدت من آبَائِهِم؛ (لأَنهم) رَضوا بفعلهم، ودانوا بدينهم، فاستوجبوا هَذَا (الْعَذَاب).
305
قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذين حبطت أَعْمَالهم﴾ أَي: بطلت، والحبوط والبطلان، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَبطلَان الْعَمَل فِي الدُّنْيَا: أَلا يقبل، وَفِي الْآخِرَة: أَنه لَا يجازى عَلَيْهِ بالثواب، ﴿وَمَا لَهُم من ناصرين﴾ من يمْنَع عَنْهُم الْعَذَاب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب﴾ قيل: ورد هَذَا فِي يهود بني قُرَيْظَة وَالنضير؛ " فَإِن النَّبِي أَتَى بَيت مدارسهم، فَقَالَ لَهُ نعيم بن عَمْرو الْحَارِث بن يزِيد: على أَي مِلَّة أَنْت؟ فَقَالَ: على مِلَّة إِبْرَاهِيم. فَقَالَ نعيم: إِن إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيّا. فَقَالَ: بيني وَبَيْنكُم التَّوْرَاة، أخرجُوا التَّوْرَاة. فَأَبَوا أَن يخرجوها "، فَهَذَا هُوَ قَوْله ﴿يدعونَ إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم﴾ يَعْنِي: التَّوْرَاة.
وَفِيه قَول آخر: أَن الْآيَة فِي نَصَارَى وَفد نَجْرَان، وَقَوله ﴿يدعونَ إِلَى كتاب الله﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ليحكم بَينهم.
﴿ثمَّ يتَوَلَّى فريق مِنْهُم وهم معرضون﴾ وَذَلِكَ أَن بَعضهم قد أَسْلمُوا.
وَفِيه قَول آخر: أَن الْآيَة فِي نَصَارَى وَفد نَجْرَان، وَقَوله ﴿يدعونَ إِلَى كتاب الله﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ليحكم بَينهم.
﴿ثمَّ يتَوَلَّى فريق مِنْهُم وهم معرضون﴾ وَذَلِكَ أَن بَعضهم قد أَسْلمُوا.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات﴾ يرجع هَذَا
305
﴿معرضون (٢٣) ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات وغرهم فِي دينهم مَا كَانُوا يفترون (٢٤) فَكيف إِذا جمعناهم ليَوْم لَا ريب فِيهِ ووفيت كل نفس مَا كسبت وهم لَا يظْلمُونَ (٢٥) قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وننزع الْملك مِمَّن يَشَاء وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على﴾
إِلَى الْيَهُود، وَقد ذَكرْنَاهُ من قبل. ﴿وغرهم فِي دينهم﴾ الْغرُور: هُوَ الإطماع فِيمَا لَا يحصل مِنْهُ شَيْء، والغرور: الشَّيْطَان، وغر الثَّوْب: طيه، فَيُقَال: أعد الثَّوْب إِلَى غره، أَي: إِلَى طيه، والغرور: ركُوب الْخطر. ﴿مَا كَانُوا يفترون﴾ الافتراء: اخْتِلَاق الْكَذِب؛ وَمِنْه الْفِرْيَة: تَسْوِيَة الْكَذِب، قَالَ الشَّاعِر:
أَي: لَا يكذب وَلَا يسوى.
إِلَى الْيَهُود، وَقد ذَكرْنَاهُ من قبل. ﴿وغرهم فِي دينهم﴾ الْغرُور: هُوَ الإطماع فِيمَا لَا يحصل مِنْهُ شَيْء، والغرور: الشَّيْطَان، وغر الثَّوْب: طيه، فَيُقَال: أعد الثَّوْب إِلَى غره، أَي: إِلَى طيه، والغرور: ركُوب الْخطر. ﴿مَا كَانُوا يفترون﴾ الافتراء: اخْتِلَاق الْكَذِب؛ وَمِنْه الْفِرْيَة: تَسْوِيَة الْكَذِب، قَالَ الشَّاعِر:
(وَلَا أَنْت تفري مَا خلقت | وَبَعض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفرى) |
306
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَكيف إِذا جمعناهم﴾ أَي: فَكيف حَالهم ﴿إِذا جمعناهم ليَوْم لَا ريب فِيهِ ووفيت كل نفس مَا كسبت﴾ من الْجَزَاء ﴿وهم لَا يظْلمُونَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك﴾ فِي سَبَب نزُول الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه لما فتح مَكَّة وعد أَصْحَابه ملك الْفرس: فَسَمعهُ الْيَهُود، وَقَالُوا: هَيْهَات الْفرس وَالروم أعز وَأَمْنَع جانبا مِمَّا تظنون؛ فَنزلت هَذِه الْآيَة.
وَقَالَ الْحسن: إِنَّه سَأَلَ ربه لأَصْحَابه ملك فَارس وَالروم.
فَأَما قَوْله: ﴿قل اللَّهُمَّ﴾ فأصله: يَا الله؛ فَلَمَّا حذف حرف النداء زيدت الْمِيم فِي آخِره، قَالَ الْفراء: للميم فِيهِ معنى، وَمَعْنَاهُ: يَا الله، أعنا بالمغفرة أَي: اقصدنا.
﴿مَالك الْملك﴾ تَقْدِيره يَا مَالك الْملك، وَمَعْنَاهُ: مَالك الْعباد؛ وَمَا ملكوه، وَقيل: أَرَادَ بِالْملكِ: النُّبُوَّة، وَقيل: ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض. ﴿تؤتي الْملك من تشَاء﴾ أَي: من تشَاء أَن تؤتيه من الْمُسلمين. ﴿وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء﴾ أَي: مِمَّن تشَاء أَن تنزعه، وهم فَارس وَالروم. ﴿وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء﴾ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
وَقَالَ الْحسن: إِنَّه سَأَلَ ربه لأَصْحَابه ملك فَارس وَالروم.
فَأَما قَوْله: ﴿قل اللَّهُمَّ﴾ فأصله: يَا الله؛ فَلَمَّا حذف حرف النداء زيدت الْمِيم فِي آخِره، قَالَ الْفراء: للميم فِيهِ معنى، وَمَعْنَاهُ: يَا الله، أعنا بالمغفرة أَي: اقصدنا.
﴿مَالك الْملك﴾ تَقْدِيره يَا مَالك الْملك، وَمَعْنَاهُ: مَالك الْعباد؛ وَمَا ملكوه، وَقيل: أَرَادَ بِالْملكِ: النُّبُوَّة، وَقيل: ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض. ﴿تؤتي الْملك من تشَاء﴾ أَي: من تشَاء أَن تؤتيه من الْمُسلمين. ﴿وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء﴾ أَي: مِمَّن تشَاء أَن تنزعه، وهم فَارس وَالروم. ﴿وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء﴾ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
306
﴿كل شَيْء قدير (٢٦) تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَتخرج الْحَيّ من﴾
أَحدهمَا: تعز من تشَاء بالنصر، وتذل من تشَاء بالقهر. وَالثَّانِي: تعز من تشَاء بالغنى، وتذل من تشَاء بالفقر.
وَالثَّالِث: تعز من تشَاء بالهداية، وتذل من تشَاء بالضلالة.
﴿بِيَدِك الْخَيْر﴾ أَي بِيَدِك الْخَيْر وَالشَّر، كَمَا قَالَ: ﴿سرابيل تقيكم الْحر﴾ أَي: تقيكم الْحر وَالْبرد، فَاكْتفى بِأحد الْمَذْكُورين عَن الآخر.
﴿إِنَّك على كل شَيْء قدير﴾، وَقد ورد فِي فضل هَذِه الْآيَة من الْأَخْبَار: مَا روى عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق، عَن أَبِيه، عَن على، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " فَاتِحَة الْكتاب، وَآيَة الْكُرْسِيّ، وآيتان من آل عمرَان - شهد الله، وَهَذِه الْآيَة - متشفعات لمن قَرَأَهَا يَوْم الْقِيَامَة، لَيْسَ بَينهمَا وَبَين الله حجاب ". وروى فِي هَذَا الْخَبَر: أَنه قَالَ: " لما أنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَات تعلقن بالعرش، وقلن: يَا رب، تهبطنا إِلَى أَرْضك وعبادك، فَقَالَ الله تَعَالَى: " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا قرأكن عبد من عبَادي إِلَّا أسكنته جنتي؛ على مَا كَانَ عَلَيْهِ، وقضيت لَهُ كل يَوْم سبعين حَاجَة، أدناها الْمَغْفِرَة ".
أَحدهمَا: تعز من تشَاء بالنصر، وتذل من تشَاء بالقهر. وَالثَّانِي: تعز من تشَاء بالغنى، وتذل من تشَاء بالفقر.
وَالثَّالِث: تعز من تشَاء بالهداية، وتذل من تشَاء بالضلالة.
﴿بِيَدِك الْخَيْر﴾ أَي بِيَدِك الْخَيْر وَالشَّر، كَمَا قَالَ: ﴿سرابيل تقيكم الْحر﴾ أَي: تقيكم الْحر وَالْبرد، فَاكْتفى بِأحد الْمَذْكُورين عَن الآخر.
﴿إِنَّك على كل شَيْء قدير﴾، وَقد ورد فِي فضل هَذِه الْآيَة من الْأَخْبَار: مَا روى عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق، عَن أَبِيه، عَن على، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " فَاتِحَة الْكتاب، وَآيَة الْكُرْسِيّ، وآيتان من آل عمرَان - شهد الله، وَهَذِه الْآيَة - متشفعات لمن قَرَأَهَا يَوْم الْقِيَامَة، لَيْسَ بَينهمَا وَبَين الله حجاب ". وروى فِي هَذَا الْخَبَر: أَنه قَالَ: " لما أنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَات تعلقن بالعرش، وقلن: يَا رب، تهبطنا إِلَى أَرْضك وعبادك، فَقَالَ الله تَعَالَى: " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا قرأكن عبد من عبَادي إِلَّا أسكنته جنتي؛ على مَا كَانَ عَلَيْهِ، وقضيت لَهُ كل يَوْم سبعين حَاجَة، أدناها الْمَغْفِرَة ".
307
قَوْله تَعَالَى: ﴿تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل﴾ الْإِيلَاج: الإدخال، وَمَعْنَاهُ: تنقص من أَحدهمَا وتزيد فِي الآخر، وَقيل مَعْنَاهُ: تغطي اللَّيْل بِالنَّهَارِ، وَالنَّهَار بِاللَّيْلِ.
﴿وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ﴾ قَالَ الْحسن: مَعْنَاهُ: تخرج
﴿وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ﴾ قَالَ الْحسن: مَعْنَاهُ: تخرج
307
﴿الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب (٢٧) لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء﴾
الْكَافِر من الْمُؤمن، وَالْمُؤمن من الْكَافِر، وَالْقَوْل الثَّانِي: تخرج النُّطْفَة من الْحَيّ، والحي من النُّطْفَة، وَفِيه قَول غَرِيب: تخرج الفطن الْكيس من البليد الْفَاجِر، والبليد من الفطن؛ لِأَن البليد ميت فهما؛ والفطن حَيّ فهما. وَيقْرَأ ﴿من الْمَيِّت﴾ : مخففا ومشددا، وَفرق نحاة الْكُوفَة بَين الْمَيِّت وَالْمَيِّت، فَقَالُوا: الْمَيِّت - بِالتَّشْدِيدِ -: هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت، وَالْمَيِّت مخففا: هُوَ الَّذِي مَاتَ؛ وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى ﴿إِنَّك ميت وَأَنَّهُمْ ميتون﴾ وَأنكر ذَلِك نحاة الْبَصْرَة وَقَالُوا: هما بِمَعْنى وَاحِد.
وَأنْشد الْمبرد لبَعض الشُّعَرَاء:
فَجمع بَين الْمَيِّت وَالْمَيِّت على معنى وَاحِد.
﴿وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب﴾ : من غير تضييق وَلَا تقتير.
الْكَافِر من الْمُؤمن، وَالْمُؤمن من الْكَافِر، وَالْقَوْل الثَّانِي: تخرج النُّطْفَة من الْحَيّ، والحي من النُّطْفَة، وَفِيه قَول غَرِيب: تخرج الفطن الْكيس من البليد الْفَاجِر، والبليد من الفطن؛ لِأَن البليد ميت فهما؛ والفطن حَيّ فهما. وَيقْرَأ ﴿من الْمَيِّت﴾ : مخففا ومشددا، وَفرق نحاة الْكُوفَة بَين الْمَيِّت وَالْمَيِّت، فَقَالُوا: الْمَيِّت - بِالتَّشْدِيدِ -: هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت، وَالْمَيِّت مخففا: هُوَ الَّذِي مَاتَ؛ وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى ﴿إِنَّك ميت وَأَنَّهُمْ ميتون﴾ وَأنكر ذَلِك نحاة الْبَصْرَة وَقَالُوا: هما بِمَعْنى وَاحِد.
وَأنْشد الْمبرد لبَعض الشُّعَرَاء:
(لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت | إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء) |
(إِنَّمَا الْمَيِّت من يعِيش كئيبا | كاسفا باله قَلِيل الرَّجَاء) |
﴿وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب﴾ : من غير تضييق وَلَا تقتير.
308
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ﴾ هَذَا فِي قوم مخصوصين، أَسْلمُوا على مُوالَاة الْيَهُود وَالْمُشْرِكين، فنهاهم الله عَن ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله: ﴿لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله﴾.
﴿وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء﴾ أَي: لَيْسَ من حزب الله {إِلَّا أَن
﴿وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء﴾ أَي: لَيْسَ من حزب الله {إِلَّا أَن
308
﴿إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة ويحذركم الله نَفسه وَإِلَى الله الْمصير (٢٨) قل إِن تخفوا﴾ وقرىء: تقية، ومعناهما وَاحِد، يَعْنِي: إِلَّا أَن يَقع فِي أَيْديهم، فيخافهم، فيوافقهم بِاللِّسَانِ وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان، فَلَا بَأْس بِهِ، وَلَكِن لَو صَبر حَتَّى قتل، فَلهُ من الْأجر الْعَظِيم، مَا الله بِهِ عليم.
وَقد روى: " أَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب - لعنة الله - أَخذ رجلَيْنِ من أَصْحَاب رَسُول الله وَقَالَ لأَحَدهمَا: أَتَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، تقية مِنْهُ، فخلى سَبيله. ثمَّ قَالَ للْآخر: أَتَشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ: نعم نعم نعم، قَالَ أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله، فَقَالَ: أَنا أَصمّ، فَقتله؛ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله، فَذكر دَرَجَة الَّذِي صَبر على الْقَتْل، وَقَالَ: إِن الأول أَخذ بِرُخْصَة الله ".
وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله: أَنه قَالَ: " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر ". وَقَالَ: " إِن فضل الشُّهَدَاء بعد شُهَدَاء أحد: من قَامَ إِلَى سُلْطَان جَائِر وَأمره بِالْمَعْرُوفِ، فَقتله عَلَيْهِ ".
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ويحذركم الله نَفسه﴾ أَي: يخوفكم إِيَّاه {وَإِلَى الله
وَقد روى: " أَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب - لعنة الله - أَخذ رجلَيْنِ من أَصْحَاب رَسُول الله وَقَالَ لأَحَدهمَا: أَتَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، تقية مِنْهُ، فخلى سَبيله. ثمَّ قَالَ للْآخر: أَتَشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ: نعم نعم نعم، قَالَ أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله، فَقَالَ: أَنا أَصمّ، فَقتله؛ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله، فَذكر دَرَجَة الَّذِي صَبر على الْقَتْل، وَقَالَ: إِن الأول أَخذ بِرُخْصَة الله ".
وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله: أَنه قَالَ: " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر ". وَقَالَ: " إِن فضل الشُّهَدَاء بعد شُهَدَاء أحد: من قَامَ إِلَى سُلْطَان جَائِر وَأمره بِالْمَعْرُوفِ، فَقتله عَلَيْهِ ".
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ويحذركم الله نَفسه﴾ أَي: يخوفكم إِيَّاه {وَإِلَى الله
309
﴿أما فِي صدوركم أَو تبدوه يُعلمهُ الله وَيعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَالله على كل شَيْء قدير (٢٩) يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا ويحذركم الله نَفسه وَالله رؤف بالعباد (٣٠) قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم﴾
لمصير) أَي: الْمرجع.
لمصير) أَي: الْمرجع.
310
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل إِن تخفوا مَا فِي صدوركم أَو تبدوه يُعلمهُ الله﴾ أَي: يجازى عَلَيْهِ ﴿وَيعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَالله على كل شَيْء قدير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا﴾ أَي: محْضر لَهَا مَا عملت من الْخَيْر وَالشَّر، فتسر بِمَا عملت من الْخَيْر.
﴿وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا﴾ أَي: غَايَة مديدة، قَالَ السّديّ: مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب. وَفِي الْأَخْبَار: أَن الْأَعْمَال يُؤْتى بهَا يَوْم الْقِيَامَة على صور فَمَا كَانَ مِنْهَا حسنا، فعلى الصُّورَة الْحَسَنَة، وَمَا كَانَ قبيحا، فعلى الصُّورَة القبيحة.
﴿ويحذركم الله نَفسه وَالله رءوف بالعباد﴾ وَمن رأفته أَن حذرهم، ورغبهم ورهبهم، وَوَعدهمْ وأوعدهم.
﴿وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا﴾ أَي: غَايَة مديدة، قَالَ السّديّ: مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب. وَفِي الْأَخْبَار: أَن الْأَعْمَال يُؤْتى بهَا يَوْم الْقِيَامَة على صور فَمَا كَانَ مِنْهَا حسنا، فعلى الصُّورَة الْحَسَنَة، وَمَا كَانَ قبيحا، فعلى الصُّورَة القبيحة.
﴿ويحذركم الله نَفسه وَالله رءوف بالعباد﴾ وَمن رأفته أَن حذرهم، ورغبهم ورهبهم، وَوَعدهمْ وأوعدهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله﴾ فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه خطاب للْيَهُود وَالنَّصَارَى من وَفد نَجْرَان، وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه، فَنزل قَوْله: ﴿قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحبكم﴾ وَالثَّانِي: أَنه خطاب لمشركي قُرَيْش؛ فَإِنَّهُ رَآهُمْ يعْبدُونَ الْأَصْنَام؛ فَقَالَ لَهُم: " خالفتم مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم، فَقَالُوا: إِنَّمَا نعبدهم تقربا إِلَى الله؛ فَإنَّا نحبه؛ فَنزل قَوْله تَعَالَى: {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم
310
﴿وَالله غَفُور رَحِيم (٣١) قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول فَإِن توَلّوا فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين (٣٢) إِن الله أصطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين (٣٣) ﴾
وَالله غَفُور رَحِيم) ".
وَاعْلَم أَن محبَّة الله العَبْد، ومحبة العَبْد الله لَا يكون بلذة شَهْوَة، وَلَكِن محبَّة العَبْد فِي حق الله: هُوَ إتْيَان طَاعَته، وابتغاء مرضاته، وَاتِّبَاع أمره، ومحبة الله فِي حق العَبْد: هُوَ الْعَفو عَنهُ، وَالْمَغْفِرَة، وَالثنَاء الْحسن، وأكده
وَالله غَفُور رَحِيم) ".
وَاعْلَم أَن محبَّة الله العَبْد، ومحبة العَبْد الله لَا يكون بلذة شَهْوَة، وَلَكِن محبَّة العَبْد فِي حق الله: هُوَ إتْيَان طَاعَته، وابتغاء مرضاته، وَاتِّبَاع أمره، ومحبة الله فِي حق العَبْد: هُوَ الْعَفو عَنهُ، وَالْمَغْفِرَة، وَالثنَاء الْحسن، وأكده
311
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول﴾ ؛ بَين أَن محبته فِي طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله.
﴿فَإِن توَلّوا فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين﴾، فَإِن قَالَ قَائِل: لم كرر اسْم الله مرَارًا، وَكَانَ يَكْفِيهِ: أَن يَقُول فَإِنَّهُ لَا يحب الْكَافرين؟ قيل: هُوَ على عَادَة الْعَرَب؛ فَإِن من عَادَتهم أَنهم إِذا عظموا شَيْئا كرروا ذكره، وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي مثل ذَلِك:
﴿فَإِن توَلّوا فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين﴾، فَإِن قَالَ قَائِل: لم كرر اسْم الله مرَارًا، وَكَانَ يَكْفِيهِ: أَن يَقُول فَإِنَّهُ لَا يحب الْكَافرين؟ قيل: هُوَ على عَادَة الْعَرَب؛ فَإِن من عَادَتهم أَنهم إِذا عظموا شَيْئا كرروا ذكره، وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي مثل ذَلِك:
(لَا أرى الْمَوْت سبق الْمَوْت شَيْء | نغص الْمَوْت زلته الْغَنِيّ وَالْفَقِير) |
(فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة | سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم) |
واختاروا هَذَا القَوْل لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يكون أقرب إِلَى اسْتِحْقَاق الثَّنَاء، لِأَن الْكَلَام خرج مخرج الثَّنَاء.
وَالثَّانِي: أَنه يكون أبعد من إِلْحَاق الآفة بالأنبياء؛ لبعدهم عَن الْآفَات.
316
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رب أَنى يكون لي غُلَام وَقد بَلغنِي الْكبر وامرأتي عَاقِر﴾ وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿بَلغنِي الْكبر﴾ ؛ لِأَن الْكبر فِي طلب الْإِنْسَان، فَإِذا أَصَابَهُ فقد بلغه.
وَأما العاقر: فَهِيَ الَّتِي عقم رَحمهَا من الْكبر، فَإِن قيل: كَانَ شاكا فِي وعد الله تَعَالَى حِين قَالَ: ﴿رب أَنى يكون لي غُلَام﴾ قيل: إِنَّمَا قَالَه على سَبِيل التَّوَاضُع، يَعْنِي: مثلي على هَذَا الْكبر من مثل هَذِه الْعَجُوز يكون لَهُ الْوَلَد، وَقيل مَعْنَاهُ: كَيفَ يكون لي هَذَا الْغُلَام؟ أتردني لحالة الشَّبَاب، أم يكون الْغُلَام على حَال الْكبر؟.
﴿قَالَ كَذَلِك يفعل الله مَا يَشَاء﴾.
وَأما العاقر: فَهِيَ الَّتِي عقم رَحمهَا من الْكبر، فَإِن قيل: كَانَ شاكا فِي وعد الله تَعَالَى حِين قَالَ: ﴿رب أَنى يكون لي غُلَام﴾ قيل: إِنَّمَا قَالَه على سَبِيل التَّوَاضُع، يَعْنِي: مثلي على هَذَا الْكبر من مثل هَذِه الْعَجُوز يكون لَهُ الْوَلَد، وَقيل مَعْنَاهُ: كَيفَ يكون لي هَذَا الْغُلَام؟ أتردني لحالة الشَّبَاب، أم يكون الْغُلَام على حَال الْكبر؟.
﴿قَالَ كَذَلِك يفعل الله مَا يَشَاء﴾.
316
﴿آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا وَاذْكُر رَبك كثيرا وَسبح بالعشى وَالْإِبْكَار (٤١) وَإِذا قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسَاء﴾
317
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّي اجْعَل لي آيَة﴾ أَي: عَلامَة. قيل: إِنَّمَا سَأَلَ الْعَلامَة؛ لِأَن إِبْلِيس وسوس إِلَيْهِ أَن الَّذِي ناداك هُوَ الشَّيْطَان، دون الْملك وَكَانَ يديم عَلَيْهِ وسوسته، فَسَأَلَ الْعَلامَة؛ دفعا لتِلْك الوسوسة. وَقيل: إِنَّمَا سَأَلَ الْعَلامَة؛ لمعْرِفَة وَقت الْولادَة حَتَّى يزْدَاد لله شكرا.
﴿قَالَ آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام﴾ وَقيل: [إِن الله أمسك] لِسَانه وَحبس عَنهُ الْكَلَام ثَلَاثَة أَيَّام، وَهُوَ سوى صَحِيح؛ وَعَلِيهِ دلّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة مَرْيَم ﴿ثَلَاث لَيَال سويا﴾.
﴿إِلَّا رمزا﴾ أَي: إِشَارَة، وَالْإِشَارَة تكون بِاللِّسَانِ، وَتَكون بِالْيَدِ، وَتَكون بِالْعينِ وَالْمرَاد هَا هُنَا: الْإِشَارَة بالإصبع المسبحة، قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا أمسك لِسَانه عَن الْكَلَام عُقُوبَة لَهُ على مَا سَأَلَ من الْآيَة بَعْدَمَا أوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ، وشافهته الْمَلَائِكَة بالبشارة.
﴿وَاذْكُر رَبك كثيرا﴾ قيل: إِنَّمَا أمسك لِسَانه عَن الْكَلَام مَعَ النَّاس، وَلم يمسِكهُ عَن ذكر الله تَعَالَى، فَأمره بِالذكر.
﴿وَسبح بالعشى وَالْإِبْكَار﴾ المُرَاد بالتسبيح: الصَّلَاة، وَأما العشى: مَا بَين زَوَال الشَّمْس إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَمِنْه صَلَاة الظّهْر وَالْعصر صَلَاتي العشى، وَأما الإبكار: مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى الضُّحَى الْأَعْلَى.
﴿قَالَ آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام﴾ وَقيل: [إِن الله أمسك] لِسَانه وَحبس عَنهُ الْكَلَام ثَلَاثَة أَيَّام، وَهُوَ سوى صَحِيح؛ وَعَلِيهِ دلّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة مَرْيَم ﴿ثَلَاث لَيَال سويا﴾.
﴿إِلَّا رمزا﴾ أَي: إِشَارَة، وَالْإِشَارَة تكون بِاللِّسَانِ، وَتَكون بِالْيَدِ، وَتَكون بِالْعينِ وَالْمرَاد هَا هُنَا: الْإِشَارَة بالإصبع المسبحة، قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا أمسك لِسَانه عَن الْكَلَام عُقُوبَة لَهُ على مَا سَأَلَ من الْآيَة بَعْدَمَا أوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ، وشافهته الْمَلَائِكَة بالبشارة.
﴿وَاذْكُر رَبك كثيرا﴾ قيل: إِنَّمَا أمسك لِسَانه عَن الْكَلَام مَعَ النَّاس، وَلم يمسِكهُ عَن ذكر الله تَعَالَى، فَأمره بِالذكر.
﴿وَسبح بالعشى وَالْإِبْكَار﴾ المُرَاد بالتسبيح: الصَّلَاة، وَأما العشى: مَا بَين زَوَال الشَّمْس إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَمِنْه صَلَاة الظّهْر وَالْعصر صَلَاتي العشى، وَأما الإبكار: مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى الضُّحَى الْأَعْلَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم﴾ أَي: وَاذْكُر إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة: ﴿يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك﴾ اختارك وطهرك من الْحيض وَالنّفاس، وَقيل: من الذُّنُوب. ﴿وطهرك واصطفاك على نسَاء الْعَالمين﴾ مِنْهُم من قَالَ: على نسَاء عالمي زمانها، وَمِنْهُم من قَالَ:
317
﴿الْعَالمين (٤٢) يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك واسجدي واركعي مَعَ الراكعين (٤٣) ذَلِك من أنباء الْغَيْب نوحيه إِلَيْك وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم وَمَا كنت﴾
على (جَمِيع نسَاء) الْعَالمين؛ فِي أَنَّهَا ولدت بِلَا أَب، وَلم يكن ذَلِك لأحد من نسَاء الْعَالم.
على (جَمِيع نسَاء) الْعَالمين؛ فِي أَنَّهَا ولدت بِلَا أَب، وَلم يكن ذَلِك لأحد من نسَاء الْعَالم.
318
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا مَرْيَم اقتني لِرَبِّك﴾ أَي: أطيعي رَبك، وقومي لطاعته. والقنوت: طول الْقيام، قَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ أطيلي الْقيام لِرَبِّك، وَقيل: إِنَّهَا قَامَت حَتَّى انتفخت قدماها وتورمت. وسمى الْقُنُوت فِي الصَّلَاة؛ لِأَنَّهُ فِي حَال الْقيام، وَعَن النَّبِي " أَنه سُئِلَ عَن أفضل الصَّلَاة، فَقَالَ: طول الْقُنُوت " أَي: طول الْقيام.
﴿واسجدي واركعي مَعَ الراكعين﴾ قيل: إِنَّمَا قدم السُّجُود على الرُّكُوع؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِك فِي شريعتهم، وَقيل لَا، بل الرُّكُوع قبل السُّجُود فِي جَمِيع الشَّرَائِع، وَلَيْسَت الْوَاو للتَّرْتِيب، بل للْجمع، وَيجوز أَن يَقُول الرجل: رَأَيْت زيدا وعمرا، وَإِن كَانَ قد رأى عمرا قبل زيد، وَيجوز أَن نقُول: رَأَيْت عمرا وزيدا أَي زيدا وعمرا، قَالَ الشَّاعِر:
أَي: عَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله، فَكَذَلِك قَوْله: ﴿واسجدي واركعي﴾ أَي: واركعي واسجدي، وَإِنَّمَا قَالَ: مَعَ الراكعين، وَلم يقل مَعَ الراكعات؛ ليَكُون أَعم وأشمل، وَقيل مَعْنَاهُ: مَعَ الْمُصَلِّين فِي الْجَمَاعَة.
﴿واسجدي واركعي مَعَ الراكعين﴾ قيل: إِنَّمَا قدم السُّجُود على الرُّكُوع؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِك فِي شريعتهم، وَقيل لَا، بل الرُّكُوع قبل السُّجُود فِي جَمِيع الشَّرَائِع، وَلَيْسَت الْوَاو للتَّرْتِيب، بل للْجمع، وَيجوز أَن يَقُول الرجل: رَأَيْت زيدا وعمرا، وَإِن كَانَ قد رأى عمرا قبل زيد، وَيجوز أَن نقُول: رَأَيْت عمرا وزيدا أَي زيدا وعمرا، قَالَ الشَّاعِر:
(أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق | عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَالسَّلَام) |
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ذَلِك من أنباء الْغَيْب نوحيه إِلَيْك﴾ يَقُول لمُحَمد: ذَلِك من أَخْبَار الْغَيْب نوحيه إِلَيْك ﴿وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم وَمَا كنت لديهم إِذْ يختصمون﴾ فالأقلام: السِّهَام، وَإِنَّمَا سمى قَلما؛ لِأَنَّهُ يقطع ويبرى. وأصل الْقَلَم: الْقطع، وَمِنْه قلم الظفر.
318
﴿لديهم إِذْ يختصمون (٤٤) إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين (٤٥) ويكلم النَّاس﴾
والقصة فِي ذَلِك: أَنهم تشاحنوا واختصموا فِي كَفَالَة مَرْيَم، فَقَالَ زَكَرِيَّا: أَنا أولى بكفالتها مِنْكُم، لِأَن خَالَتهَا عِنْدِي، وَقَالَ أَحْبَارهم - وَقيل أولياؤهم -: نَحن أولى بكفالتها؛ لِأَن أَبَاهَا كَانَ إمامنا وحبرنا، فاقترعوا واستهموا، على أَن من يثبت قلمه فِي المَاء وَصعد، فَهُوَ أولى بكفالتها، فَألْقوا الأقلام على المَاء وعَلى كل قلم اسْم وَاحِد مِنْهُم، فانحدرت أقلامهم تجْرِي فِي المَاء، وَجرى قلم زَكَرِيَّا مصعدا إِلَى أَعلَى المَاء، قيل: غرقت أقلامهم، وارتد قلم زَكَرِيَّا، وَبَقِي فَوق المَاء، وَقيل إِنَّمَا اخْتَصَمُوا فِي كفالتها؛ لِأَنَّهُ كَانَ قد أَصَابَهُم قحط وأزمة، وَكَانَت تضيق بهم النَّفَقَة؛ فاستهموا على كفالتها تدافعا حَتَّى أَن من خرج سَهْمه هُوَ الَّذِي يعولها، وَينْفق عَلَيْهَا، وَالْأول أصح وَأشهر.
والقصة فِي ذَلِك: أَنهم تشاحنوا واختصموا فِي كَفَالَة مَرْيَم، فَقَالَ زَكَرِيَّا: أَنا أولى بكفالتها مِنْكُم، لِأَن خَالَتهَا عِنْدِي، وَقَالَ أَحْبَارهم - وَقيل أولياؤهم -: نَحن أولى بكفالتها؛ لِأَن أَبَاهَا كَانَ إمامنا وحبرنا، فاقترعوا واستهموا، على أَن من يثبت قلمه فِي المَاء وَصعد، فَهُوَ أولى بكفالتها، فَألْقوا الأقلام على المَاء وعَلى كل قلم اسْم وَاحِد مِنْهُم، فانحدرت أقلامهم تجْرِي فِي المَاء، وَجرى قلم زَكَرِيَّا مصعدا إِلَى أَعلَى المَاء، قيل: غرقت أقلامهم، وارتد قلم زَكَرِيَّا، وَبَقِي فَوق المَاء، وَقيل إِنَّمَا اخْتَصَمُوا فِي كفالتها؛ لِأَنَّهُ كَانَ قد أَصَابَهُم قحط وأزمة، وَكَانَت تضيق بهم النَّفَقَة؛ فاستهموا على كفالتها تدافعا حَتَّى أَن من خرج سَهْمه هُوَ الَّذِي يعولها، وَينْفق عَلَيْهَا، وَالْأول أصح وَأشهر.
319
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ﴾ قيل: أَن الْمَلَائِكَة قَالُوا لَهَا ذَلِك مشافهة وعيانا.
﴿أُسَمِّهِ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا سمي مسيحا؛ لِأَنَّهُ مَا مسح ذَا عاهة إِلَّا برِئ، وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة: سمي مسيحا؛ لِأَنَّهُ مسح بِالْبركَةِ، وَقيل: الْمَسِيح: الصّديق، وَيكون الْمَسِيح بِمَعْنى: الْكذَّاب، وَهُوَ من الأضداد، وَقيل: سمى مسيحا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يمسح وَجه الأَرْض، ويسيح فِيهَا، وَقيل: إِنَّمَا سمى مسيحا؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوح الْقدَم لأخمص قَدَمَيْهِ، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَمن ذَلِك سمى الدَّجَّال مسيحا؛ لِأَنَّهُ مسح أحد شقى وَجهه، لَا عين لَهُ.
﴿وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ أَي: رفيعا ذَا جاه عِنْد الله ( ﴿وَمن المقربين﴾
﴿أُسَمِّهِ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا سمي مسيحا؛ لِأَنَّهُ مَا مسح ذَا عاهة إِلَّا برِئ، وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة: سمي مسيحا؛ لِأَنَّهُ مسح بِالْبركَةِ، وَقيل: الْمَسِيح: الصّديق، وَيكون الْمَسِيح بِمَعْنى: الْكذَّاب، وَهُوَ من الأضداد، وَقيل: سمى مسيحا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يمسح وَجه الأَرْض، ويسيح فِيهَا، وَقيل: إِنَّمَا سمى مسيحا؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوح الْقدَم لأخمص قَدَمَيْهِ، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
(بَات يقاسيها غُلَام كالزلم | خديج السَّاقَيْن مَمْسُوح الْقدَم) |
﴿وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ أَي: رفيعا ذَا جاه عِنْد الله ( ﴿وَمن المقربين﴾
ويكلم النَّاس فِي المهد وكهلا وَمن الصَّالِحين) أما كَلَامه فِي المهد هُوَ قَوْله فِي سُورَة
319
﴿فِي المهد وكهلا وَمن الصَّالِحين (٤٦) قَالَت رب أَنى يكون لي ولد وَلم يمسسني بشر قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون (٤٧) ويعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوارة وَالْإِنْجِيل (٤٨) ورسولا إِلَى بني إِسْرَائِيل أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة﴾
مَرْيَم ﴿إِنِّي عبد الله﴾ وَأنكر النَّصَارَى كَلَامه فِي المهد سَيَأْتِي بَيَانه، وَأما كَلَامه وَهُوَ كهل، قيل: هُوَ إخْبَاره عَن الْأَشْيَاء المعجزة، وَقيل: هُوَ كَلَامه بعد نُزُوله من السَّمَاء.
والكهل: قيل: هُوَ مَا فَوق الْغُلَام، وَدون الشَّيْخ، وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة، وَأَصله: الطول، وَمِنْه: اكتهل النَّبَات إِذا طَال.
مَرْيَم ﴿إِنِّي عبد الله﴾ وَأنكر النَّصَارَى كَلَامه فِي المهد سَيَأْتِي بَيَانه، وَأما كَلَامه وَهُوَ كهل، قيل: هُوَ إخْبَاره عَن الْأَشْيَاء المعجزة، وَقيل: هُوَ كَلَامه بعد نُزُوله من السَّمَاء.
والكهل: قيل: هُوَ مَا فَوق الْغُلَام، وَدون الشَّيْخ، وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة، وَأَصله: الطول، وَمِنْه: اكتهل النَّبَات إِذا طَال.
320
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَت رب أَنى يكون لي ولد وَلم يمسسني بشر﴾ قَالَت ذَلِك تَعَجبا؛ إِذْ لم تكن جرت الْعَادة بِأَن يُولد ولد بِلَا أَب ﴿قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ: كن، فَيكون﴾ أَي: لَا يعسر عَلَيْهِ شَيْء، يفعل مَا يَشَاء، وَيحكم مَا يُرِيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ويعلمه الْكتاب﴾ يقْرَأ: بِالْيَاءِ وَالنُّون، وَالْكتاب: الْخط ﴿وَالْحكمَة﴾ : الْعلم وَالْفِقْه، ﴿والتوراة وَالْإِنْجِيل﴾ علمه الله التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل،
﴿ورسولا إِلَى بني إِسْرَائِيل﴾. مِنْهُم من قَالَ: كَانَ رَسُولا فِي حَالَة الصِّبَا، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا كَانَ رَسُولا بعد الْبلُوغ.
﴿أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم﴾ مَعْنَاهُ: بآيَات من ربكُم، وَإِنَّمَا اكْتفى بِذكر الْآيَة؛ لِأَن الْكل دَال على شَيْء وَاحِد.
﴿أَنِّي أخلق لكم من الطين﴾ أَي: أقدر وأصور ﴿كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله﴾ قيل: إِن عِيسَى قَالَ لَهُم: أَي شَيْء أَشد خلقا؟ قَالُوا: الخفاش، فَقدر من الطين خفاشا وصوره، وَنفخ فِيهِ؛ فَقَامَ يطير بِإِذن الله.
﴿أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم﴾ مَعْنَاهُ: بآيَات من ربكُم، وَإِنَّمَا اكْتفى بِذكر الْآيَة؛ لِأَن الْكل دَال على شَيْء وَاحِد.
﴿أَنِّي أخلق لكم من الطين﴾ أَي: أقدر وأصور ﴿كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله﴾ قيل: إِن عِيسَى قَالَ لَهُم: أَي شَيْء أَشد خلقا؟ قَالُوا: الخفاش، فَقدر من الطين خفاشا وصوره، وَنفخ فِيهِ؛ فَقَامَ يطير بِإِذن الله.
320
( ﴿من ربكُم أَنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الْمَوْتَى بِإِذن الله وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ﴾ وأبرىء الأكمه) قَالَ أَبُو عبيد: الأكمه الَّذِي ولد أعمى، وَقيل: هُوَ الْأَعْمَش الَّذِي يبصر بِالنَّهَارِ وَلَا يبصر بِاللَّيْلِ ﴿والأبرص﴾ : الَّذِي بِهِ وضح ﴿وأحيى الْمَوْتَى بِإِذن الله﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: قد أَحْيَا أَرْبَعَة: عازر وَابْن الْعَجُوز وَبنت الْعَاشِر وسام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام.
فَأَما عازر: فَكَانَ صديقا لعيسى، فَأخْبر بِمَوْتِهِ، فَدَعَا الله تَعَالَى فأحياه [الله]، وَأما ابْن الْعَجُوز: كَانَ على السرير يحمل إِلَى الْمقْبرَة، فَرَآهُ عِيسَى، فَأمر بِوَضْع السرير، ودعا فأحياه، فَأخذ كفانه، ولبسها وَرجع إِلَى الْبَيْت، وَأما بنت الْعَاشِر: فقد كَانَ رجل يَأْخُذ العشور، مَاتَت لَهُ ابْنة فَدَعَا الله فأحياها، وَأما سَام بن نوح فَإِن عِيسَى جَاءَ إِلَى قَبره ودعا (الله فأحياه)، فَقَامَ إِلَيْهِ وَقَالَ: أَقَامَت الْقِيَامَة؟ ! وَقد شَاب نصف رَأسه خوفًا من قيام السَّاعَة.
فَقَالَ: لَا، أَنا عِيسَى بن مَرْيَم؛ فَكَلمهُ؛ وَمَات من سَاعَته، وَأما الثَّلَاثَة الَّذين أحياهم عاشوا، وَولد لَهُم.
﴿وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ﴾ كَانَ عِيسَى يخبر الرجل بِمَا أكل فِي بَيته البارحة، وَمَا يَأْكُل الْيَوْم، وَمَا أدخره للعشاء، وَقيل أَنه كَانَ فِي الْمكتب يخبر الصَّبِي بِمَا أكل، وَمَا خبأت لَهُ أمه من الطَّعَام، حَتَّى كَانَ الصَّبِي يَأْتِي إِلَى أمه، فيبكي حَتَّى تعطيه الطَّعَام، فيحمله إِلَى عِيسَى، فحبسوا الصّبيان عَن الْمكتب، فجَاء عِيسَى فِي طَلَبهمْ، وَكَانُوا فِي دَار، فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ الَّذين فِي الدَّار؟ فَقيل: خنازير، فَقَالَ عِيسَى: يكونُونَ كَذَلِك؛ فصاروا خنازير بِأَمْر الله - تَعَالَى - {إِن فِي ذَلِك لآيَة
فَأَما عازر: فَكَانَ صديقا لعيسى، فَأخْبر بِمَوْتِهِ، فَدَعَا الله تَعَالَى فأحياه [الله]، وَأما ابْن الْعَجُوز: كَانَ على السرير يحمل إِلَى الْمقْبرَة، فَرَآهُ عِيسَى، فَأمر بِوَضْع السرير، ودعا فأحياه، فَأخذ كفانه، ولبسها وَرجع إِلَى الْبَيْت، وَأما بنت الْعَاشِر: فقد كَانَ رجل يَأْخُذ العشور، مَاتَت لَهُ ابْنة فَدَعَا الله فأحياها، وَأما سَام بن نوح فَإِن عِيسَى جَاءَ إِلَى قَبره ودعا (الله فأحياه)، فَقَامَ إِلَيْهِ وَقَالَ: أَقَامَت الْقِيَامَة؟ ! وَقد شَاب نصف رَأسه خوفًا من قيام السَّاعَة.
فَقَالَ: لَا، أَنا عِيسَى بن مَرْيَم؛ فَكَلمهُ؛ وَمَات من سَاعَته، وَأما الثَّلَاثَة الَّذين أحياهم عاشوا، وَولد لَهُم.
﴿وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ﴾ كَانَ عِيسَى يخبر الرجل بِمَا أكل فِي بَيته البارحة، وَمَا يَأْكُل الْيَوْم، وَمَا أدخره للعشاء، وَقيل أَنه كَانَ فِي الْمكتب يخبر الصَّبِي بِمَا أكل، وَمَا خبأت لَهُ أمه من الطَّعَام، حَتَّى كَانَ الصَّبِي يَأْتِي إِلَى أمه، فيبكي حَتَّى تعطيه الطَّعَام، فيحمله إِلَى عِيسَى، فحبسوا الصّبيان عَن الْمكتب، فجَاء عِيسَى فِي طَلَبهمْ، وَكَانُوا فِي دَار، فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ الَّذين فِي الدَّار؟ فَقيل: خنازير، فَقَالَ عِيسَى: يكونُونَ كَذَلِك؛ فصاروا خنازير بِأَمْر الله - تَعَالَى - {إِن فِي ذَلِك لآيَة
321
﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين (٤٩٩ ومصدقا لما بَين يَدي من التَّوْرَاة ولأحل لكم بعض الَّذِي حرم عَلَيْكُم وجئتكم بِآيَة من ربكُم فَاتَّقُوا الله وأطيعون (٥٠) إِن الله رَبِّي وربكم فاعبدواه هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم (٥١) فَلَمَّا أحس عِيسَى مِنْهُم الْكفْر قَالَ من﴾
لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين).
لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين).
322
قَوْله تَعَالَى: ﴿ومصدقا لما بَين يَدي من التَّوْرَاة﴾ يَعْنِي: وأكون مُصدقا، ﴿ولأحل لكم بعض الَّذِي حرم عَلَيْكُم﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَرَادَ بِالْبَعْضِ: الْكل، يَعْنِي: كل الَّذِي حرم عَلَيْكُم، وَمثله قَول الشَّاعِر:
(أَو يرتبط بعض النُّفُوس حمامها... )
أَي: كل النُّفُوس، وَقيل: هُوَ على حَقِيقَته، وَقد كَانَ أحل لَهُم بعض مَا حرم عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة من لُحُوم الْإِبِل وثروبها.
﴿وجئتكم بِآيَة من ربكُم﴾ يَعْنِي: بآيَات كَمَا بَينا، {فَاتَّقُوا الله وأطيعون
(أَو يرتبط بعض النُّفُوس حمامها... )
أَي: كل النُّفُوس، وَقيل: هُوَ على حَقِيقَته، وَقد كَانَ أحل لَهُم بعض مَا حرم عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة من لُحُوم الْإِبِل وثروبها.
﴿وجئتكم بِآيَة من ربكُم﴾ يَعْنِي: بآيَات كَمَا بَينا، {فَاتَّقُوا الله وأطيعون
إِن الله رَبِّي وربكم فاعبدوه هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم) أَي: طَرِيق وَاضح.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أحس عِيسَى مِنْهُم الْكفْر﴾ أَي: أبْصر وَوجد مِنْهُم الْكفْر؛ قَالَ: ﴿قَالَ من أنصارى إِلَى الله﴾ قيل مَعْنَاهُ: من أنصارى مَعَ الله، وَقَالَ النحويون: " إِلَى " فِي موضعهَا، وَلَيْسَت بِمَعْنى " مَعَ "، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: من يضم نصرته إِلَى نصْرَة الله لي ﴿قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله﴾ قَالَ ابْن أبي نجيح: الحواريون: كَانُوا قوما قصارين، سموا بذلك لأَنهم كَانُوا يقصرون الثِّيَاب.
وَقيل: كَانُوا صيادين يصطادون السّمك. وَالصَّحِيح أَن الحوارى: صفوة كل شَيْء وخالصته وَمِنْه قَوْله فِي الزبير: " هُوَ ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي "، أَي:
وَقيل: كَانُوا صيادين يصطادون السّمك. وَالصَّحِيح أَن الحوارى: صفوة كل شَيْء وخالصته وَمِنْه قَوْله فِي الزبير: " هُوَ ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي "، أَي:
322
﴿أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله آمنا بِاللَّه واشهد بِأَنا مُسلمُونَ (٥٢) رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين (٥٣) ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين (٥٤) إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ ومطهرك من الَّذين﴾
صفوتي وخالصتي.
وأصل الحوارى: النَّقَاء والنظافة؛ فسموا حواريين؛ لنقاء قُلُوبهم، وَمِنْه يُقَال لِنسَاء الْأَمْصَار: حواريات. قَالَ الشَّاعِر:
وَمِنْه الْخبز الحوارى؛ لنقاوته وبياضه.
وَأما قَوْله: ﴿نَحن أنصار الله﴾ لأَنهم إِذا نصروا عِيسَى، فكأنهم نصروا الله ﴿آمنا بِاللَّه واشهد بِأَنا مُسلمُونَ﴾.
صفوتي وخالصتي.
وأصل الحوارى: النَّقَاء والنظافة؛ فسموا حواريين؛ لنقاء قُلُوبهم، وَمِنْه يُقَال لِنسَاء الْأَمْصَار: حواريات. قَالَ الشَّاعِر:
(فَقل للحواريات يبْكين غَيرنَا | وَلَا تبكينا إِلَّا الْكلاب النوابح) |
وَأما قَوْله: ﴿نَحن أنصار الله﴾ لأَنهم إِذا نصروا عِيسَى، فكأنهم نصروا الله ﴿آمنا بِاللَّه واشهد بِأَنا مُسلمُونَ﴾.
323
قَوْله تَعَالَى: ﴿رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين﴾ قيل: مَعَ الشَّاهِدين من أمة مُحَمَّد؛ لأَنهم يشْهدُونَ للرسل بالبلاغ، وَقيل: من الشَّاهِدين على نبوة عِيسَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ومكروا ومكر الله﴾ الْمَكْر من العَبْد: الْخبث وَالْخداع، وَمن الله تَعَالَى: أَن يَأْخُذ العَبْد بَغْتَة من حَيْثُ لَا يعلم، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مكرا - على الْمُقَابلَة - لِأَنَّهُ جَزَاء مَكْرهمْ: كَمَا قَالَ: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا﴾ وَالْمرَاد بمكرهم هَا هُنَا: أَنهم احْتَالُوا لقتل عِيسَى، فَقَالَ رجل: أَلا أدلكم على الْبَيْت الَّذِي فِيهِ عِيسَى، فَجَاءُوا مَعَه الْبَيْت الَّذِي كَانَ فِيهِ عِيسَى، فرفعه الله إِلَى السَّمَاء، وَألقى شبه عِيسَى على من دلهم عَلَيْهِ، فَأَخَذُوهُ، وَهُوَ يَصِيح: لست بِعِيسَى، فَقَتَلُوهُ، وَقيل: إِن الدَّال كَانَ وَاحِد من الحواريين؛ فَذَلِك مكر الله ﴿وَالله خير الماكرين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك﴾ أَي: وَاذْكُر قَول الله لعيسى: إِنِّي متوفيك ﴿ورافعك إِلَيّ﴾. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى التوفي، وَعِيسَى فِي الْأَحْيَاء
323
﴿كفرُوا وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِلَيّ مرجعكم فأحكم﴾
على زعمكم؟ قُلْنَا: فِيهِ أَقْوَال، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَعْنَاهُ: إِنِّي قابضك من الأَرْض، وَهُوَ صَحِيح عِنْد أهل اللُّغَة، فَيُقَال: توفيت حَقي من فلَان. أَي: قبضت.
قَالَ الازهري: كَأَنَّهُ يَقُول: إِنِّي متوفى عدد آبَائِك فِي الأَرْض، وكل شَيْء تمّ فَهُوَ متوفى، ومستوفى، وَقَالَ الْفراء: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره: إِنِّي رافعك إِلَى ومتوفيك " أَي: بعد النُّزُول من السَّمَاء.
وَقد ثَبت عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " ليهبطن عِيسَى بن مَرْيَم حكما مقسطا يكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير "، وَفِي رِوَايَة: " أَنه يقتل الدَّجَّال بِبَاب لد " من دمشق، وَفِي الْأَخْبَار: أَنه يعِيش بعد ذَلِك فِي الأَرْض سبع سِنِين، ويتزوج، ويولد لَهُ. ثمَّ يَمُوت، ويصلوا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ من هَذِه الْأمة.
وَهَذَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير الَّذِي ذكرنَا فِي الْآيَة محكى عَن ابْن عَبَّاس وَله قَول آخر: أَن الْآيَة على حَقِيقَة الْمَوْت، وَأَن عِيسَى قد مَاتَ، ثمَّ أَحْيَاهُ الله تَعَالَى وَرَفعه إِلَى السَّمَاء.
قَالَ وهب بن مُنَبّه: أَمَاتَهُ الله ثَلَاث سَاعَات من النَّهَار، ثمَّ أَحْيَاهُ الله، وَرَفعه إِلَيْهِ، وَقَالَ الرّبيع ابْن أنس: التوفي: هُوَ النّوم، وَكَانَ عِيسَى قد نَام، فرفعه الله نَائِما إِلَى السَّمَاء، وَالْمَعْرُوف: الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ.
وَقد روى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " رَأَيْت ابْني الْخَالَة: عِيسَى، وَيحيى فِي السَّمَاء الثَّانِيَة لَيْلَة الْمِعْرَاج "، وروى أَيْضا: " أَنه رآهما فِي السَّمَاء الدُّنْيَا " وَالْأول
على زعمكم؟ قُلْنَا: فِيهِ أَقْوَال، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَعْنَاهُ: إِنِّي قابضك من الأَرْض، وَهُوَ صَحِيح عِنْد أهل اللُّغَة، فَيُقَال: توفيت حَقي من فلَان. أَي: قبضت.
قَالَ الازهري: كَأَنَّهُ يَقُول: إِنِّي متوفى عدد آبَائِك فِي الأَرْض، وكل شَيْء تمّ فَهُوَ متوفى، ومستوفى، وَقَالَ الْفراء: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره: إِنِّي رافعك إِلَى ومتوفيك " أَي: بعد النُّزُول من السَّمَاء.
وَقد ثَبت عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " ليهبطن عِيسَى بن مَرْيَم حكما مقسطا يكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير "، وَفِي رِوَايَة: " أَنه يقتل الدَّجَّال بِبَاب لد " من دمشق، وَفِي الْأَخْبَار: أَنه يعِيش بعد ذَلِك فِي الأَرْض سبع سِنِين، ويتزوج، ويولد لَهُ. ثمَّ يَمُوت، ويصلوا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ من هَذِه الْأمة.
وَهَذَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير الَّذِي ذكرنَا فِي الْآيَة محكى عَن ابْن عَبَّاس وَله قَول آخر: أَن الْآيَة على حَقِيقَة الْمَوْت، وَأَن عِيسَى قد مَاتَ، ثمَّ أَحْيَاهُ الله تَعَالَى وَرَفعه إِلَى السَّمَاء.
قَالَ وهب بن مُنَبّه: أَمَاتَهُ الله ثَلَاث سَاعَات من النَّهَار، ثمَّ أَحْيَاهُ الله، وَرَفعه إِلَيْهِ، وَقَالَ الرّبيع ابْن أنس: التوفي: هُوَ النّوم، وَكَانَ عِيسَى قد نَام، فرفعه الله نَائِما إِلَى السَّمَاء، وَالْمَعْرُوف: الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ.
وَقد روى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " رَأَيْت ابْني الْخَالَة: عِيسَى، وَيحيى فِي السَّمَاء الثَّانِيَة لَيْلَة الْمِعْرَاج "، وروى أَيْضا: " أَنه رآهما فِي السَّمَاء الدُّنْيَا " وَالْأول
324
﴿بَيْنكُم فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون (٥٥) فَأَما الَّذين كفرُوا فأعذبهم عذَابا شَدِيدا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا لَهُم من ناصرين (٥٦) وَأما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيوفيهم﴾
أصح، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " رَأَيْت الْمَسِيح بن مَرْيَم يطوف بِالْبَيْتِ " فَدلَّ على أَن الصَّحِيح أَنه فِي الْأَحْيَاء، وَفِي أَخْبَار الْمِعْرَاج: " أَن النَّبِي لقى آدم فِي السَّمَاء الأولى وَعِيسَى فِي السَّمَاء الثَّانِيَة ويوسف فِي السَّمَاء الثَّالِثَة، وَإِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَهَارُون فِي السَّمَاء الْخَامِسَة ومُوسَى فِي السَّمَاء السَّادِسَة، - وَفِي رِوَايَة السَّمَاء السَّابِعَة - وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّابِعَة ".
قَوْله: ﴿ومطهرك من الَّذين كفرُوا﴾ أَي: مخرجك من أرجاسهم وأنجاسهم، ﴿وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة﴾.
وَقيل: أَرَادَ بِهِ النَّصَارَى، وهم فَوق الْيَهُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَالْيَهُود أذلّ الْفَرِيقَيْنِ؛ قد ذهب ملكهم، فَلَا يعود أبدا، وَملك النَّصَارَى دَائِم إِلَى قريب من قيام السَّاعَة، وَقيل: أَرَادَ بالذين اتَّبعُوهُ: أمة مُحَمَّد؛ حَيْثُ صدقوه ووافقوه على دين التَّوْحِيد، فهم فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنهم فَوْقهم بِالْحجَّةِ.
وَالثَّانِي: بالعز وَالْغَلَبَة، وَقد قَالَ: " أَنا أولى بِعِيسَى بن مَرْيَم، لَيْسَ بيني وَبَينه نَبِي ".
﴿ثمَّ إِلَى مرجعكم فأحكم بَيْنكُم فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون﴾.
أصح، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " رَأَيْت الْمَسِيح بن مَرْيَم يطوف بِالْبَيْتِ " فَدلَّ على أَن الصَّحِيح أَنه فِي الْأَحْيَاء، وَفِي أَخْبَار الْمِعْرَاج: " أَن النَّبِي لقى آدم فِي السَّمَاء الأولى وَعِيسَى فِي السَّمَاء الثَّانِيَة ويوسف فِي السَّمَاء الثَّالِثَة، وَإِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَهَارُون فِي السَّمَاء الْخَامِسَة ومُوسَى فِي السَّمَاء السَّادِسَة، - وَفِي رِوَايَة السَّمَاء السَّابِعَة - وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّابِعَة ".
قَوْله: ﴿ومطهرك من الَّذين كفرُوا﴾ أَي: مخرجك من أرجاسهم وأنجاسهم، ﴿وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة﴾.
وَقيل: أَرَادَ بِهِ النَّصَارَى، وهم فَوق الْيَهُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَالْيَهُود أذلّ الْفَرِيقَيْنِ؛ قد ذهب ملكهم، فَلَا يعود أبدا، وَملك النَّصَارَى دَائِم إِلَى قريب من قيام السَّاعَة، وَقيل: أَرَادَ بالذين اتَّبعُوهُ: أمة مُحَمَّد؛ حَيْثُ صدقوه ووافقوه على دين التَّوْحِيد، فهم فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنهم فَوْقهم بِالْحجَّةِ.
وَالثَّانِي: بالعز وَالْغَلَبَة، وَقد قَالَ: " أَنا أولى بِعِيسَى بن مَرْيَم، لَيْسَ بيني وَبَينه نَبِي ".
﴿ثمَّ إِلَى مرجعكم فأحكم بَيْنكُم فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون﴾.
325
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَما الَّذين كفرُوا فأعذبهم عذَابا شَدِيدا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾
325
﴿أُجُورهم وَالله لَا يحب الظَّالِمين (٥٧) ذَلِك نتلوه عَلَيْك من الْآيَات وَالذكر الْحَكِيم (٥٨) إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون (٥٩) ﴾
وَالْعَذَاب فِي الدُّنْيَا: الْقَتْل والأسر والجزية، وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة: عَذَاب النَّار.
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا لَهُم من ناصرين
وَالْعَذَاب فِي الدُّنْيَا: الْقَتْل والأسر والجزية، وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة: عَذَاب النَّار.
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا لَهُم من ناصرين
326
وَأما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيوفيهم أُجُورهم) أَي: جَزَاء أَعْمَالهم ﴿وَالله لَا يحب الظَّالِمين﴾ أَي: لَا يرحم الْكَافرين، وَلَا يثني عَلَيْهِم بالجميل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك نتلوه عَلَيْك من الْآيَات﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿وَالذكر الْحَكِيم﴾ أَي: الذّكر ذِي الْحِكْمَة، وَقيل: الذّكر الْمُحكم الَّذِي لَا يتخلله الْفساد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم﴾ ؛ سَبَب نزُول الْآيَة مَا روى: أَن وَفد نَجْرَان لما قدمُوا على النَّبِي قَالَ لَهُم: " أَسْلمُوا، فَقَالُوا: نَحن مُسلمُونَ، قَالَ: كَذبْتُمْ؛ يمنعكم من ذَلِك ثَلَاث: قَوْلكُم إِن الله اتخذ ولدا، وسجودكم للصليب، وأكلكم الْخِنْزِير، فَقَالُوا: من أَبُو عِيسَى؟ فَنزلت هَذِه الْآيَة "، وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَيْهِم، ورد لقَولهم، فَقَوله: ﴿إِن مثل عِيسَى﴾ أَي: صفة عِيسَى ﴿عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون﴾، يَعْنِي: إِن خلق عِيسَى بِلَا أَب مثل خلق آدم بِلَا أَب، وَلَا أم، وَخلق عِيسَى بِلَا أَب لَيْسَ بأبدع من خلق آدم بِلَا أَب وَلَا أم.
فَأَما قَوْله: ﴿ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون﴾ رَاجع إِلَى آدم، فَإِن قَالَ قَائِل: لما ذكر أَنه خلقه من تُرَاب، فَمَا معنى قَوْله بعده ﴿ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون﴾ بعد الْخلق؟ قيل: مَعْنَاهُ: خلقه من تُرَاب، ثمَّ أخْبركُم أَنِّي قلت لَهُ: كن، فَكَانَ من غير تَرْتِيب فِي الْخلق: كَمَا يكون فِي أَوْلَاده، وَهُوَ مثل قَول الرجل: أَعطيتك الْيَوْم درهما، ثمَّ أَعطيتك أمس درهما، أَي: ثمَّ أخْبرك أَنِّي أَعطيتك أمس درهما.
فَأَما قَوْله: ﴿ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون﴾ رَاجع إِلَى آدم، فَإِن قَالَ قَائِل: لما ذكر أَنه خلقه من تُرَاب، فَمَا معنى قَوْله بعده ﴿ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون﴾ بعد الْخلق؟ قيل: مَعْنَاهُ: خلقه من تُرَاب، ثمَّ أخْبركُم أَنِّي قلت لَهُ: كن، فَكَانَ من غير تَرْتِيب فِي الْخلق: كَمَا يكون فِي أَوْلَاده، وَهُوَ مثل قَول الرجل: أَعطيتك الْيَوْم درهما، ثمَّ أَعطيتك أمس درهما، أَي: ثمَّ أخْبرك أَنِّي أَعطيتك أمس درهما.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين﴾، فَإِن قيل: أَكَانَ شاكا فِي الْحق حَتَّى نَهَاهُ عَن الشَّك؟ قيل: الْخطاب مَعَ النَّبِي، وَالْمرَاد بِهِ: الْأمة، وَقيل مَعْنَاهُ: قل للشاك فِيهِ: الْحق من رَبك فَلَا تكن من الشاكين.
326
﴿الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين (٦٠) (فَمن حاجك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من﴾
وَاعْلَم أَن فِيمَا سبق من التَّمْثِيل على جَوَاز الْقيَاس دَلِيل، على أَن الْقيَاس هُوَ رد فرع إِلَى أصل بِنَوْع شبه، وَقد رد الله تَعَالَى عِيسَى إِلَى آدم بِنَوْع؛ فَدلَّ على جَوَاز الْقيَاس. والمثل: هُوَ ذكر سَائِر يسْتَدلّ بِهِ على غَيره فِي مَعْنَاهُ.
وَاعْلَم أَن فِيمَا سبق من التَّمْثِيل على جَوَاز الْقيَاس دَلِيل، على أَن الْقيَاس هُوَ رد فرع إِلَى أصل بِنَوْع شبه، وَقد رد الله تَعَالَى عِيسَى إِلَى آدم بِنَوْع؛ فَدلَّ على جَوَاز الْقيَاس. والمثل: هُوَ ذكر سَائِر يسْتَدلّ بِهِ على غَيره فِي مَعْنَاهُ.
327
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن حاجك فِيهِ﴾ أَي: جادلك فِي الْحق ﴿من بعد مَا جَاءَك من الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَافرين﴾.
هَذَا فِي دُعَاء النَّبِي بني نَجْرَان إِلَى المباهلة، روى سعد بن أبي وَقاص: " أَن النَّبِي أَخذ بيد الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة وعَلى، ثمَّ دعاهم إِلَى المباهلة ".
فَقَوله: ﴿نَدع أبناءنا﴾ أَرَادَ بِهِ: الْحسن وَالْحُسَيْن، وَقَوله: ﴿وَنِسَاءَنَا﴾ يَعْنِي: فَاطِمَة، وأنفسنا يَعْنِي: نَفسه وعَلى، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: ﴿وأنفسنا﴾ وَعلي - رَضِي الله عَنهُ - غَيره؟ قيل: الْعَرَب تسمى ابْن عَم الرجل نَفسه، وَعلي كَانَ ابْن عَمه، وَقيل: ذكره على الْعُمُوم لجَماعَة أهل الدّين. والإبتهال: الإلتعان، وَمِنْه البهلة: وَهِي اللَّعْنَة، يُقَال:
عَلَيْك بهلة الله، أَي: لعنة الله، والابتهال: الِاجْتِهَاد فِي دُعَاء اللَّعْنَة.
واللعنة: الإبعاد والطرد عَن الرَّحْمَة بطرِيق الْعقُوبَة، قَالَ لبيد:
أَي: نظر الدَّهْر إِلَيْهِم بِالْهَلَاكِ فأفناهم بِاجْتِهَاد فِيهِ.
وَفِي الْقِصَّة وكهول " أَن النَّبِي لما دعاهم إِلَى الإبتهال، وَجعل اللَّعْنَة على
هَذَا فِي دُعَاء النَّبِي بني نَجْرَان إِلَى المباهلة، روى سعد بن أبي وَقاص: " أَن النَّبِي أَخذ بيد الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة وعَلى، ثمَّ دعاهم إِلَى المباهلة ".
فَقَوله: ﴿نَدع أبناءنا﴾ أَرَادَ بِهِ: الْحسن وَالْحُسَيْن، وَقَوله: ﴿وَنِسَاءَنَا﴾ يَعْنِي: فَاطِمَة، وأنفسنا يَعْنِي: نَفسه وعَلى، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: ﴿وأنفسنا﴾ وَعلي - رَضِي الله عَنهُ - غَيره؟ قيل: الْعَرَب تسمى ابْن عَم الرجل نَفسه، وَعلي كَانَ ابْن عَمه، وَقيل: ذكره على الْعُمُوم لجَماعَة أهل الدّين. والإبتهال: الإلتعان، وَمِنْه البهلة: وَهِي اللَّعْنَة، يُقَال:
عَلَيْك بهلة الله، أَي: لعنة الله، والابتهال: الِاجْتِهَاد فِي دُعَاء اللَّعْنَة.
واللعنة: الإبعاد والطرد عَن الرَّحْمَة بطرِيق الْعقُوبَة، قَالَ لبيد:
(وكهول سادة من عَامر | نظر الدَّهْر إِلَيْهِم فابتهل) |
وَفِي الْقِصَّة وكهول " أَن النَّبِي لما دعاهم إِلَى الإبتهال، وَجعل اللَّعْنَة على
327
﴿الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا نساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين (٦١) إِن هَذَا لَهو الْقَصَص الْحق وَمَا من إِلَه إِلَّا الله وَإِن الله لَهو الْعَزِيز الْحَكِيم (٦٢) فَإِن توَلّوا فَإِن الله عليم بالمفسدين (٦٣) قل يَا أهل﴾
الْكَاذِب من الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ الأسقف لَهُم: لَا تباهلوا؛ فَإِنَّكُم لَو ابتهلتهم؛ لاضطرم عَلَيْكُم الْوَادي نَارا، فَقَالُوا للنَّبِي: وَهل غير المباهلة؟ قَالَ الْإِسْلَام أَو الْحَرْب أَو الْجِزْيَة، فقبلوا الْجِزْيَة، وَانْصَرفُوا "، وَقَالَ النَّبِي: " لَو تلاعنوا لصاروا قردة وَخَنَازِير " وَفِي رِوَايَة " لَو تلاعنوا لم يبْق فِي الدُّنْيَا نَصْرَانِيّ وَلَا نَصْرَانِيَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
الْكَاذِب من الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ الأسقف لَهُم: لَا تباهلوا؛ فَإِنَّكُم لَو ابتهلتهم؛ لاضطرم عَلَيْكُم الْوَادي نَارا، فَقَالُوا للنَّبِي: وَهل غير المباهلة؟ قَالَ الْإِسْلَام أَو الْحَرْب أَو الْجِزْيَة، فقبلوا الْجِزْيَة، وَانْصَرفُوا "، وَقَالَ النَّبِي: " لَو تلاعنوا لصاروا قردة وَخَنَازِير " وَفِي رِوَايَة " لَو تلاعنوا لم يبْق فِي الدُّنْيَا نَصْرَانِيّ وَلَا نَصْرَانِيَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
328
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن هَذَا لَهو الْقَصَص الْحق﴾ أَي: النبأ الْحق ﴿وَمَا من إِلَه إِلَّا الله﴾ " من " صلَة، وَتَقْدِيره: وَمَا إِلَه إِلَّا الله ﴿وَإِن الله لَهو الْعَزِيز الْحَكِيم﴾.
﴿فَإِن توَلّوا﴾ أَي: أَعرضُوا ﴿فَإِن الله عليم بالمفسدين﴾ أَي: بِمن يفْسد مِنْهُم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل يَا أهل الْكتاب﴾ الْخطاب مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿تَعَالَوْا إِلَى كلمة﴾ الْعَرَب تسمى كل قصَّة لَهَا شرح: كلمة، وَمِنْه سميت القصيد: كلمة.
﴿سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم﴾ أَي: عدل، وَمِنْه قَول زُهَيْر بن أبي سلمى:
﴿سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم﴾ أَي: عدل، وَمِنْه قَول زُهَيْر بن أبي سلمى:
328
﴿الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ (٦٤) يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم وَمَا أنزلت التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا من بعده أَفلا تعقلون﴾
وَأَرَادَ بالسواء: الْعدْل.
﴿أَلا نعْبد إِلَّا الله﴾ سَبَب هَذَا: أَن الْيَهُود قَالُوا: لَا يُرِيد مُحَمَّد منا إِلَّا أَن نعبده، وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى؛ فَنزلت الْآيَة ﴿قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم﴾، مَعْنَاهُ: تَعَالَوْا إِلَى أَمر نستوي فِيهِ: وَهُوَ أَن لَا نعْبد إِلَّا الله، ولنتفق جَمِيعًا على عِبَادَته ﴿وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا﴾.
﴿وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله﴾ قَالَ عِكْرِمَة: أَي: لَا يسْجد بَعْضنَا لبَعض؛ فَإِن من سجد لغيره فقد اتَّخذهُ رَبًّا.
وَقيل: هُوَ طَاعَة الْخلق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق ﴿فَإِن توَلّوا﴾ أَي: فَإِن أَعرضُوا ﴿فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ﴾ أَي: بِهَذِهِ الْكَلِمَة وَهَذَا الْأَمر.
(أروني خطة لَا ضيم فِيهَا | يسوى بَيْننَا فِيهَا السوَاء) |
(فَإِن ترك السوَاء فَلَيْسَ بيني | وَبَيْنكُم بني عَمْرو لِقَاء) |
﴿أَلا نعْبد إِلَّا الله﴾ سَبَب هَذَا: أَن الْيَهُود قَالُوا: لَا يُرِيد مُحَمَّد منا إِلَّا أَن نعبده، وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى؛ فَنزلت الْآيَة ﴿قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم﴾، مَعْنَاهُ: تَعَالَوْا إِلَى أَمر نستوي فِيهِ: وَهُوَ أَن لَا نعْبد إِلَّا الله، ولنتفق جَمِيعًا على عِبَادَته ﴿وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا﴾.
﴿وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله﴾ قَالَ عِكْرِمَة: أَي: لَا يسْجد بَعْضنَا لبَعض؛ فَإِن من سجد لغيره فقد اتَّخذهُ رَبًّا.
وَقيل: هُوَ طَاعَة الْخلق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق ﴿فَإِن توَلّوا﴾ أَي: فَإِن أَعرضُوا ﴿فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ﴾ أَي: بِهَذِهِ الْكَلِمَة وَهَذَا الْأَمر.
329
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم﴾ سَبَب نزُول الْآيَة: أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى اخْتَصَمُوا [إِلَى] النَّبِي فِي إِبْرَاهِيم، فَقَالَت الْيَهُود: هُوَ منا، وَقَالَت النَّصَارَى: لَا، بل منا؛ فَنزل قَوْله: ﴿لم تحاجون﴾ لم تجادلون ﴿فِي إِبْرَاهِيم وَمَا أنزلت التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا من بعده أَفلا تعقلون﴾، مَعْنَاهُ أَن الْيَهُودِيَّة محرفة من التَّوْرَاة، والنصرانية محرفة من الْإِنْجِيل، والتوراة وَالْإِنْجِيل أَنْزَلَتَا بعد إِبْرَاهِيم.
فَكيف تدعون أَنه على الْيَهُودِيَّة أَو على النَّصْرَانِيَّة؟ وَأما التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فقد ذكرنَا
فَكيف تدعون أَنه على الْيَهُودِيَّة أَو على النَّصْرَانِيَّة؟ وَأما التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فقد ذكرنَا
329
( ﴿٦٥) هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم فِيمَا لكم بِهِ علم فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين (٦٧) إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي﴾
اشتقاقها، وَقيل لَيْسَ لَهما اشتقاق، وهما اسمان بالسُّرْيَانيَّة.
اشتقاقها، وَقيل لَيْسَ لَهما اشتقاق، وهما اسمان بالسُّرْيَانيَّة.
330
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ﴾ " هَا " للتّنْبِيه، وَمَعْنَاهُ: يَا هَؤُلَاءِ، أَنْتُم ﴿حاججتم﴾ جادلتم ﴿فِيمَا لكم بِهِ علم فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم﴾ أَي: جادلتم فِي أَمر مُوسَى وَعِيسَى، وادعيتم أَنا على دين مُوسَى وَعِيسَى، وَقد أنزلت أمره عَلَيْكُم، فَلم تجادلون فِي أَمر إِبْرَاهِيم، وَلم أنزلهُ عَلَيْكُم، وَلَا علم لكم بِهِ؟ ! ﴿وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا﴾ أخبر الله تَعَالَى أَنه لَيْسَ على مَا ادعوا من الْيَهُودِيَّة و [لَا] النَّصْرَانِيَّة، ﴿وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما﴾.
والحنيف: هُوَ المائل إِلَى الدّين، والمستقيم عَلَيْهِ، وَمِنْه: الْأَحْنَف: وَهُوَ المائل الْقدَم، وَقَالَ مُجَاهِد: الحنيف: المتبع، وَقَالَ الضَّحَّاك: الحنيف: الْحَاج. فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ ﴿حَنِيفا مُسلما﴾ وَالْمُسلم: هُوَ الَّذِي يكون على جَمِيع مَا أَتَى بِهِ مُحَمَّد رَسُول الله، وَإِبْرَاهِيم لم يكن على جملَة شَرِيعَته؟
قيل: قد كَانَ على بعض شَرِيعَته؛ فَيكون بذلك مُسلما؛ كمن مَاتَ من هَذِه الْأمة فِي بَدْء الْأَمر، كَانَ مُسلما بِبَعْض شَرِيعَته؛ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تمت، واستقرت فِي آخر الْأَمر، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: ﴿مُسلما﴾ بِمَعْنى: الانقياد من قَوْله: ﴿أسلم قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين﴾ ؛ فَلذَلِك قَالَ: ﴿حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين﴾.
والحنيف: هُوَ المائل إِلَى الدّين، والمستقيم عَلَيْهِ، وَمِنْه: الْأَحْنَف: وَهُوَ المائل الْقدَم، وَقَالَ مُجَاهِد: الحنيف: المتبع، وَقَالَ الضَّحَّاك: الحنيف: الْحَاج. فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ ﴿حَنِيفا مُسلما﴾ وَالْمُسلم: هُوَ الَّذِي يكون على جَمِيع مَا أَتَى بِهِ مُحَمَّد رَسُول الله، وَإِبْرَاهِيم لم يكن على جملَة شَرِيعَته؟
قيل: قد كَانَ على بعض شَرِيعَته؛ فَيكون بذلك مُسلما؛ كمن مَاتَ من هَذِه الْأمة فِي بَدْء الْأَمر، كَانَ مُسلما بِبَعْض شَرِيعَته؛ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تمت، واستقرت فِي آخر الْأَمر، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: ﴿مُسلما﴾ بِمَعْنى: الانقياد من قَوْله: ﴿أسلم قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين﴾ ؛ فَلذَلِك قَالَ: ﴿حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ﴾ : من اتبعهُ فِي زَمَانه. ﴿وَهَذَا النَّبِي﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا (وَالَّذين آمنُوا) يَعْنِي: من هَذِه الْأمة ﴿وَالله ولي الْمُؤمنِينَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ودت طَائِفَة من أهل الْكتاب﴾ أَي: تمنت طَائِفَة من أهل
330
﴿وَالَّذين آمنُوا وَالله ولي الْمُؤمنِينَ (٦٨) ودت طَائِفَة من أهل الْكتاب لَو يضلونكم وَمَا يضلون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩) يَا أهل الْكتاب لم تكفرون بآيَات الله وَأَنْتُم تَشْهَدُون (٧٠) يَا أهل الْكتاب لم تلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتمون الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ﴾
الْكتاب. ﴿لَو يضلونكم﴾ لَو يردونكم إِلَى الضَّلَالَة، وَمَا هم عَلَيْهِ من الْيَهُودِيَّة والنصرانية ﴿وَمَا يضلون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
الْكتاب. ﴿لَو يضلونكم﴾ لَو يردونكم إِلَى الضَّلَالَة، وَمَا هم عَلَيْهِ من الْيَهُودِيَّة والنصرانية ﴿وَمَا يضلون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
331
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أهل الْكتاب لم تكفرون بآيَات الله وَأَنْتُم تَشْهَدُون﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: مَعْنَاهُ: لم تكفرون بنعت مُحَمَّد وَصفته، وَأَنْتُم تشاهدونه فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل؟ ﴿.
وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: لم تكفرون بِمَا ياتي [بِهِ] مُحَمَّد من الدلالات والمعجزات، وَأَنْتُم تقرون بِمِثْلِهَا مِمَّا اتى بِهِ مُوسَى وَعِيسَى؟﴾
وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: لم تكفرون بِمَا ياتي [بِهِ] مُحَمَّد من الدلالات والمعجزات، وَأَنْتُم تقرون بِمِثْلِهَا مِمَّا اتى بِهِ مُوسَى وَعِيسَى؟﴾
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا أهل الْكتاب لم تلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتمون الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ﴾ مَعْنَاهُ: لم تخلطون الْإِيمَان بِعِيسَى - وَهُوَ الْحق - بالْكفْر بِمُحَمد - وَهُوَ الْبَاطِل -؟ وَقيل مَعْنَاهُ: لم تغطون " الْحق " من نعت مُحَمَّد بالتغيير " الْبَاطِل "؟ !.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَت طَائِفَة من أهل الْكتاب آمنُوا بِالَّذِي أنزل على الَّذين آمنُوا وَجه النَّهَار، واكفروا آخِره لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ أما وَجه النَّهَار: أَوله، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
أَي: أول النَّهَار، وَهَذَا فِي الْيَهُود، قَالُوا: نؤمن بِمُحَمد فِي أول النَّهَار، ثمَّ نكفر بِهِ آخر النَّهَار؛ حَتَّى (يتهمه) النَّاس (ويقولوا) : قد ظهر مِنْهُ شَيْء؛ حَتَّى كفرُوا بِهِ، وَقيل: إِنَّهُم قَالُوا: نصدقه فِي الْبَعْض، ونكذبه فِي الْبَعْض؛ حَتَّى يَقُول النَّاس: صدقوه فِيمَا كَانَ صَادِقا، وكذبوه فِيمَا كَانَ كَاذِبًا (فيستريبون) بِحَالهِ.
(من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مَالك | فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار) |
331
﴿وَقَالَت طَائِفَة من أهل الْكتاب آمنُوا بِالَّذِي أنزل على الَّذين آمنُوا وَجه النَّهَار وأكفروا آخِره لَعَلَّهُم يرجعُونَ (٧٢) وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ قل إِن الْهدى هدى الله أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ أَو يحاجوكم عِنْد ربكُم قل إِن الْفضل بيد الله يؤتيه من﴾
﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ أَي: من تبعه فِي دينه، وَيكون وَجه النَّهَار وَآخره بِمَعْنى: الْبَعْض على القَوْل الثَّانِي.
﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ أَي: من تبعه فِي دينه، وَيكون وَجه النَّهَار وَآخره بِمَعْنى: الْبَعْض على القَوْل الثَّانِي.
332
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ﴾ أَي: لَا تصدقوا إِلَّا من تبع دينكُمْ، " وَاللَّام " فِيهِ زَائِدَة كَمَا قَالَ: ﴿قَالَ عَسى أَن يكون ردف لكم﴾ أَي: ردفكم. وَهَذَا فِي الْيَهُود أَيْضا، قَالُوا: لَا تصدقوا إِلَّا من وافقكم فِي ملتكم.
ثمَّ ابْتَدَأَ الله تَعَالَى فَقَالَ: ﴿قل إِن الْهدى هدى الله﴾ أَي: إِن الْبَيَان بَيَان الله.
﴿أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ﴾ أَي: وَلَا يحاجونكم عِنْد ربكُم؛ فَإِن الْحجَّة لكم عَلَيْهِم، وَلَيْسَت لَهُم عَلَيْكُم عِنْد الله.
وقتا مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير: قَوْله: ﴿وَلَا تؤمنوا﴾ أَي: لَا تصدقوا ﴿أَن يُؤْتى أحد مثل مل أُوتِيتُمْ﴾ من الدلالات والآيات من الْمَنّ والسلوى وَنَحْوه.
﴿إِلَّا لمن تبع دينكُمْ﴾ إِلَّا لمن وافقكم فِي الْيَهُودِيَّة ﴿أَو يحاجوكم عِنْد ربكُم﴾ أَي إِن صدقتموهم، يحاجونكم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم، فَيَقُولُونَ: نَحن مثلكُمْ، أَو خير مِنْكُم، فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ حَتَّى لَا يحاجوكم عِنْد ربكُم. إِلَى هَا هُنَا كَلَام الْيَهُود ثمَّ ابْتَدَأَ الله تَعَالَى فَقَالَ: ﴿قل: أَن الْهدى هدى الله﴾ وَقيل: مَعْنَاهُ ﴿وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ﴾ أَي: وَلَا تصدقوا أَن النُّبُوَّة فِي غير بني إِسْحَاق، وَأَنَّهَا فِي بني إِسْمَاعِيل.
[قَوْله تَعَالَى] {قل إِن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم
ثمَّ ابْتَدَأَ الله تَعَالَى فَقَالَ: ﴿قل إِن الْهدى هدى الله﴾ أَي: إِن الْبَيَان بَيَان الله.
﴿أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ﴾ أَي: وَلَا يحاجونكم عِنْد ربكُم؛ فَإِن الْحجَّة لكم عَلَيْهِم، وَلَيْسَت لَهُم عَلَيْكُم عِنْد الله.
وقتا مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير: قَوْله: ﴿وَلَا تؤمنوا﴾ أَي: لَا تصدقوا ﴿أَن يُؤْتى أحد مثل مل أُوتِيتُمْ﴾ من الدلالات والآيات من الْمَنّ والسلوى وَنَحْوه.
﴿إِلَّا لمن تبع دينكُمْ﴾ إِلَّا لمن وافقكم فِي الْيَهُودِيَّة ﴿أَو يحاجوكم عِنْد ربكُم﴾ أَي إِن صدقتموهم، يحاجونكم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم، فَيَقُولُونَ: نَحن مثلكُمْ، أَو خير مِنْكُم، فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ حَتَّى لَا يحاجوكم عِنْد ربكُم. إِلَى هَا هُنَا كَلَام الْيَهُود ثمَّ ابْتَدَأَ الله تَعَالَى فَقَالَ: ﴿قل: أَن الْهدى هدى الله﴾ وَقيل: مَعْنَاهُ ﴿وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ﴾ أَي: وَلَا تصدقوا أَن النُّبُوَّة فِي غير بني إِسْحَاق، وَأَنَّهَا فِي بني إِسْمَاعِيل.
[قَوْله تَعَالَى] {قل إِن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم
يخْتَص
332
﴿يَشَاء وَالله وَاسع عليم (٧٣) يخْتَص برحمته من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم (٧٤) وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك إِلَّا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ علينا فِي الْأُمِّيين سَبِيل وَيَقُولُونَ على الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ (٧٥) ﴾
برحمته من يَشَاء) قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الدّين. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ النُّبُوَّة. وَقَالَ ابْن جريج: هُوَ الْقُرْآن وَالْإِسْلَام (وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم).
برحمته من يَشَاء) قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الدّين. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ النُّبُوَّة. وَقَالَ ابْن جريج: هُوَ الْقُرْآن وَالْإِسْلَام (وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم).
333
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك﴾ قد ذكرنَا الْأَقْوَال فِي القنطار، وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: هُوَ سِتّ آلَاف دِينَار.
وَهَذَا فِي عبد الله بن سَلام؛ أودعهُ رجل أَلفَيْنِ ومأتي أُوقِيَّة من الذَّهَب فَأدى الْأَمَانَة فِيهِ.
﴿وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك﴾ هَذَا فِي فنحَاص بن عازوراء الْيَهُودِيّ؛ أودعهُ رجل دِينَارا فخان فِيهِ.
﴿إِلَّا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما﴾ أَي: لَا يؤده إِلَيْك إِلَّا مَا دمت على رَأسه قَائِما تطالبه. وَقيل: أَرَادَ بِالْقيامِ: الإلحاح والمطالبة.
﴿ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ علينا فِي الْأُمِّيين سَبِيل﴾ قَالَت الْيَهُود: لَيْسَ علينا فِي أَخذ أَمْوَال الْعَرَب حرج، كَأَنَّهُمْ استحلوا أَمْوَال الْأُمِّيين: وهم الْعَرَب، مُحَمَّد وَأَصْحَابه.
﴿وَيَقُولُونَ على الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾
وَهَذَا فِي عبد الله بن سَلام؛ أودعهُ رجل أَلفَيْنِ ومأتي أُوقِيَّة من الذَّهَب فَأدى الْأَمَانَة فِيهِ.
﴿وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك﴾ هَذَا فِي فنحَاص بن عازوراء الْيَهُودِيّ؛ أودعهُ رجل دِينَارا فخان فِيهِ.
﴿إِلَّا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما﴾ أَي: لَا يؤده إِلَيْك إِلَّا مَا دمت على رَأسه قَائِما تطالبه. وَقيل: أَرَادَ بِالْقيامِ: الإلحاح والمطالبة.
﴿ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ علينا فِي الْأُمِّيين سَبِيل﴾ قَالَت الْيَهُود: لَيْسَ علينا فِي أَخذ أَمْوَال الْعَرَب حرج، كَأَنَّهُمْ استحلوا أَمْوَال الْأُمِّيين: وهم الْعَرَب، مُحَمَّد وَأَصْحَابه.
﴿وَيَقُولُونَ على الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾
﴿بلَى﴾ عَلَيْهِم سَبِيل؛ ذكره جَوَابا لقَولهم.
قَالَت النُّحَاة: وَهُوَ وقف تَامّ، ثمَّ ابْتَدَأَ، فَقَالَ: ﴿من أوفى بعهده وَاتَّقَى﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: وَاتَّقَى الشّرك ﴿فَإِن الله يحب الْمُتَّقِينَ﴾ الْمُوَحِّدين.
قَالَت النُّحَاة: وَهُوَ وقف تَامّ، ثمَّ ابْتَدَأَ، فَقَالَ: ﴿من أوفى بعهده وَاتَّقَى﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: وَاتَّقَى الشّرك ﴿فَإِن الله يحب الْمُتَّقِينَ﴾ الْمُوَحِّدين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَإِيمَانهمْ ثمنا قَلِيلا﴾ روى أَبُو وأئل - وَهُوَ شَقِيق بن سَلمَة - عَن ابْن مَسْعُود، عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " من حلف على يَمِين كَاذِبَة؛ ليقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم، لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان،
333
﴿بلَى من أوفى بعهده وَاتَّقَى فَإِن الله يحب الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم﴾
وتلا هَذِه الْآيَة قَالَ: وَكَانَ الْأَشْعَث بن قيس حَاضرا، فَقَالَ: فِي نزلت الْآيَة، وَذكر قصَّة " وَهَذَا حَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِرِوَايَة أُخْرَى، وَزَاد فِيهِ أَنه: " قيل: يَا رَسُول الله، وَإِن كَانَ فِي شَيْء يسير؟ قَالَ: وَإِن كَانَ فِي قضيب من أَرَاك ".
وروى مُسلم أَيْضا فِي كِتَابه بِرِوَايَة ثَالِثَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة، وَلَا يزكيهم [وَلَهُم عَذَاب أَلِيم] : المنان بِمَا أعْطى والمسبل إزَاره، والمنفق سلْعَته بِالْيمن الكاذبة ".
فَقَوله: ﴿إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا﴾ أَي: شَيْء قَلِيل من حطام الدُّنْيَا ﴿أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة﴾ أَي: لَا حَظّ لَهُم فِيهَا.
﴿وَلَا يكلمهم الله﴾ أَي: وَلَا يكلمهم كَمَا يكلم الْمُؤمنِينَ؛ وَقد صَحَّ أَنه جلّ جَلَاله - يكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة من غير ترجمان، وَقيل: هُوَ بِمَعْنى: الْغَضَب، كَمَا يُقَال: أَنا لَا أكلم فلَانا، إِذا كَانَ غضبانا عَلَيْهِ ﴿وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة﴾ يَعْنِي: لَا ينظر إِلَيْهِم بِالرَّحْمَةِ.
﴿وَلَا يزكيهم﴾ لَا يثني عَلَيْهِم بالجميل، وَلَا يطهرهم من الذُّنُوب ﴿وَلَهُم عَذَاب أَلِيم﴾.
وتلا هَذِه الْآيَة قَالَ: وَكَانَ الْأَشْعَث بن قيس حَاضرا، فَقَالَ: فِي نزلت الْآيَة، وَذكر قصَّة " وَهَذَا حَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِرِوَايَة أُخْرَى، وَزَاد فِيهِ أَنه: " قيل: يَا رَسُول الله، وَإِن كَانَ فِي شَيْء يسير؟ قَالَ: وَإِن كَانَ فِي قضيب من أَرَاك ".
وروى مُسلم أَيْضا فِي كِتَابه بِرِوَايَة ثَالِثَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة، وَلَا يزكيهم [وَلَهُم عَذَاب أَلِيم] : المنان بِمَا أعْطى والمسبل إزَاره، والمنفق سلْعَته بِالْيمن الكاذبة ".
فَقَوله: ﴿إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا﴾ أَي: شَيْء قَلِيل من حطام الدُّنْيَا ﴿أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة﴾ أَي: لَا حَظّ لَهُم فِيهَا.
﴿وَلَا يكلمهم الله﴾ أَي: وَلَا يكلمهم كَمَا يكلم الْمُؤمنِينَ؛ وَقد صَحَّ أَنه جلّ جَلَاله - يكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة من غير ترجمان، وَقيل: هُوَ بِمَعْنى: الْغَضَب، كَمَا يُقَال: أَنا لَا أكلم فلَانا، إِذا كَانَ غضبانا عَلَيْهِ ﴿وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة﴾ يَعْنِي: لَا ينظر إِلَيْهِم بِالرَّحْمَةِ.
﴿وَلَا يزكيهم﴾ لَا يثني عَلَيْهِم بالجميل، وَلَا يطهرهم من الذُّنُوب ﴿وَلَهُم عَذَاب أَلِيم﴾.
334
﴿الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم (٧٧) وَإِن مِنْهُم لفريقا يلوون ألسنتهم بِالْكتاب لتحسبوه من الْكتاب وَمَا هُوَ من الْكتاب وَيَقُولُونَ هُوَ من عِنْد الله وَمَا هُوَ من عِنْد الله وَيَقُولُونَ على الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ (٧٨) مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم﴾
335
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن مِنْهُم لفريقا يلوون ألسنتهم بِالْكتاب﴾ أَي: يغيرون، ويحرفون الْكتاب بألسنتهم. وَقيل: يعدلُونَ بألسنتهم عَن الْكتاب ﴿لتحسبوه﴾ لتظنوه ﴿من الْكتاب وَمَا هُوَ من الْكتاب وَيَقُولُونَ هُوَ من عِنْد الله وَمَا هُوَ من عِنْد الله وَيَقُولُونَ على الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة﴾ سَبَب نزُول الْآيَة: " أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى اجْتَمعُوا عِنْد النَّبِي واختصموا فِي إِبْرَاهِيم، فَقَالَت كل فرقة: هُوَ منا، فَقَالَ: كَذبْتُمْ؛ فغضبوا، وَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، لَا تُرِيدُ منا إِلَّا أَن نتخذك رَبًّا؛ فَنزلت الْآيَة ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة﴾ سَبَب نزُول الْآيَة: " أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى اجْتَمعُوا عِنْد النَّبِي واختصموا فِي إِبْرَاهِيم، فَقَالَت كل فرقة: هُوَ منا، فَقَالَ: كَذبْتُمْ؛ فغضبوا، وَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، لَا تُرِيدُ منا إِلَّا أَن نتخذك رَبًّا؛ فَنزلت الْآيَة ".
﴿مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن، ﴿وَالْحكم﴾ الْأَحْكَام، وَالْحكمَة: السّنة ﴿والنبوة﴾ الْمنزلَة الرفيعة بالأنبياء.
﴿ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله﴾ أَي: عبيدا لي من دون الله وَقيل: أَرَادَ بالبشر: عِيسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - لأَنهم كَانُوا يدعونَ أَن عِيسَى أَمرهم أَن يعبدوه، ويتخذوه رَبًّا، فَقَالَ: ﴿مَا كَانَ لبشر﴾ يَعْنِي: عِيسَى.
﴿أَن يؤتيه الله الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْإِنْجِيل ﴿وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب﴾.
قَالَ سعيد بن جُبَير: الرباني: الْفَقِيه الْعَالم الَّذِي يعْمل بِعِلْمِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاك: الرباني: الْعَالم الْحَكِيم. وَفِي الْخَبَر: " كونُوا عُلَمَاء حلماء ".
والرباني من طَرِيق المعني: هُوَ أَن يكون على دين الرب وعَلى طَرِيق الرب.
﴿ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله﴾ أَي: عبيدا لي من دون الله وَقيل: أَرَادَ بالبشر: عِيسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - لأَنهم كَانُوا يدعونَ أَن عِيسَى أَمرهم أَن يعبدوه، ويتخذوه رَبًّا، فَقَالَ: ﴿مَا كَانَ لبشر﴾ يَعْنِي: عِيسَى.
﴿أَن يؤتيه الله الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْإِنْجِيل ﴿وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب﴾.
قَالَ سعيد بن جُبَير: الرباني: الْفَقِيه الْعَالم الَّذِي يعْمل بِعِلْمِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاك: الرباني: الْعَالم الْحَكِيم. وَفِي الْخَبَر: " كونُوا عُلَمَاء حلماء ".
والرباني من طَرِيق المعني: هُوَ أَن يكون على دين الرب وعَلى طَرِيق الرب.
335
﴿والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب وَبِمَا كُنْتُم تدرسون (٧٩) وَلَا يَأْمُركُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا أيأمركم﴾
وَقيل هُوَ من التربية، فالرباني هُوَ الَّذِي رَبِّي بصغار الْعلم حَتَّى بلغ كباره، وروى: أَن ابْن عَبَّاس لما توفّي، قَامَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة على قَبره، وَقَالَ: الْيَوْم مَاتَ رباني هَذِه الْأمة.
وَقَالَ مُجَاهِد: الربانيون فَوق الْأَحْبَار؛ فالأحبار: الْعلمَاء، والربانيون: الَّذين جمعُوا مَعَ الْعلم البصيرة بسياسة النَّاس.
﴿بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ﴾ - بِالتَّشْدِيدِ - من تَعْلِيم الْقُرْآن، وبالتخفيف من الْعلم.
﴿وَبِمَا كُنْتُم تدرسون﴾ تقرءون.
وَقيل هُوَ من التربية، فالرباني هُوَ الَّذِي رَبِّي بصغار الْعلم حَتَّى بلغ كباره، وروى: أَن ابْن عَبَّاس لما توفّي، قَامَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة على قَبره، وَقَالَ: الْيَوْم مَاتَ رباني هَذِه الْأمة.
وَقَالَ مُجَاهِد: الربانيون فَوق الْأَحْبَار؛ فالأحبار: الْعلمَاء، والربانيون: الَّذين جمعُوا مَعَ الْعلم البصيرة بسياسة النَّاس.
﴿بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ﴾ - بِالتَّشْدِيدِ - من تَعْلِيم الْقُرْآن، وبالتخفيف من الْعلم.
﴿وَبِمَا كُنْتُم تدرسون﴾ تقرءون.
336
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْمُركُمْ﴾ يقْرَأ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء، أَي: وَلَا يَأْمُركُمْ الله، وَيقْرَأ بِنصب الرَّاء على النسق، أَي: وَلَا يَأْمُركُمْ ذَلِك الْبشر ﴿أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا﴾ فالنصارى: هم الَّذين اتَّخذُوا النَّبِيين أَرْبَابًا، والصائبون: هم الَّذين اتَّخذُوا الْمَلَائِكَة أَرْبَابًا.
﴿أيامركم بالْكفْر بعد إِذْ أَنْتُم مُسلمُونَ﴾ أَي: لَا يَأْمُركُمْ بالْكفْر بعد الْإِسْلَام.
﴿أيامركم بالْكفْر بعد إِذْ أَنْتُم مُسلمُونَ﴾ أَي: لَا يَأْمُركُمْ بالْكفْر بعد الْإِسْلَام.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب " ﴿لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة﴾ : هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فِي معنى الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة، قَالَ ابْن عَبَّاس: معنى الْآيَة: وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب مَعَ النَّبِيين. قَالَ ابْن عَبَّاس: لما استخرج الله الذُّرِّيَّة من صلب آدم كالذر،
336
﴿بالْكفْر بعد إِذْ أَنْتُم مُسلمُونَ (٨٠) وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين (٨١) فَمن تولى بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ (٨٢) أفغير دين الله يَبْغُونَ وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها﴾
والأنبياء كَانُوا فيهم كالمصابيح والسرج، أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد وَأَن يصدقوه، وينصروه إِن أدركوه. فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة﴾، وَقَرَأَ حَمْزَة " لما آتيتكم " مخففا بِكَسْر اللَّام، وَقَرَأَ غَيره: " لما آتيتكم " بِفَتْح اللَّام مشددا، وَالْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة: بِفَتْح اللَّام مخففا، وَمَعْنَاهُ: للَّذي آتيتكم بِمَعْنى الْخَبَر.
وَقيل: مَعْنَاهُ: لَئِن آتيتكم بِمَعْنى: الشَّرْط، ﴿ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا.
﴿قَالَ أأقررتم﴾ أَي: أقرُّوا ﴿وأخذتم على ذَلِكُم إصري﴾ أَي: عهدي. والإصر: الْعَهْد الثقيل ﴿قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين﴾.
وَقَالَ الضَّحَّاك: إِنَّمَا أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين خَاصَّة كَمَا نطقت بِهِ الْآيَة، فَأخذ الْمِيثَاق على كل نَبِي أَن يُؤمن بِالَّذِي يَأْتِي بعده من الْأَنْبِيَاء وينصره، فَأخذ الْمِيثَاق على مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُؤمن بِعِيسَى، وعَلى عِيسَى أَن يُؤمن بِمُحَمد وَنَحْو ذَلِك.
والأنبياء كَانُوا فيهم كالمصابيح والسرج، أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد وَأَن يصدقوه، وينصروه إِن أدركوه. فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة﴾، وَقَرَأَ حَمْزَة " لما آتيتكم " مخففا بِكَسْر اللَّام، وَقَرَأَ غَيره: " لما آتيتكم " بِفَتْح اللَّام مشددا، وَالْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة: بِفَتْح اللَّام مخففا، وَمَعْنَاهُ: للَّذي آتيتكم بِمَعْنى الْخَبَر.
وَقيل: مَعْنَاهُ: لَئِن آتيتكم بِمَعْنى: الشَّرْط، ﴿ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا.
﴿قَالَ أأقررتم﴾ أَي: أقرُّوا ﴿وأخذتم على ذَلِكُم إصري﴾ أَي: عهدي. والإصر: الْعَهْد الثقيل ﴿قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين﴾.
وَقَالَ الضَّحَّاك: إِنَّمَا أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين خَاصَّة كَمَا نطقت بِهِ الْآيَة، فَأخذ الْمِيثَاق على كل نَبِي أَن يُؤمن بِالَّذِي يَأْتِي بعده من الْأَنْبِيَاء وينصره، فَأخذ الْمِيثَاق على مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُؤمن بِعِيسَى، وعَلى عِيسَى أَن يُؤمن بِمُحَمد وَنَحْو ذَلِك.
337
ثمَّ قَالَ: ﴿فَمن تولى بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ أفغير دين الله يَبْغُونَ﴾ يطْلبُونَ، يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء.
﴿وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: لما خاطبهم بقوله: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ أسلم الْكل، وَقَالُوا: بلَى، وَلَكِن بَعضهم قَالُوا: بلَى،
﴿وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: لما خاطبهم بقوله: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ أسلم الْكل، وَقَالُوا: بلَى، وَلَكِن بَعضهم قَالُوا: بلَى،
337
﴿وَإِلَيْهِ يرجعُونَ (٨٣) قل آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل علينا وَمَا أنزل على إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى والنبيون من رَبهم لَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ (٨٤) وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين (٨٥) كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم وشهدوا أَن الرَّسُول حق وجاءهم الْبَينَات﴾ طَوْعًا وَبَعْضهمْ كرها. وَقيل: أسلم من فِي السَّمَوَات طَوْعًا، وَأسلم من فِي الأَرْض كرها وطوعا، وَبَعْضهمْ طَوْعًا، وَبَعْضهمْ كرها؛ لخوف السَّيْف ﴿وَإِلَيْهِ ترجعون﴾.
338
( أفغير دين الله يبغون ) يطلبون، يقرأ بالياء والتاء( ١ ).
( وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها ) قال ابن عباس : لما خاطبهم بقوله :( ألست بربكم ) ( ٢ ) أسلم الكل، وقالوا : بلى، ولكن بعضهم قالوا : بلى، طوعا وبعضهم كرها. وقيل : أسلم من في السموات طوعا، وأسلم من في الأرض كرها وطوعا، وبعضهم طوعا، وبعضهم كرها ؛ لخوف السيف ( وإليه ترجعون ).
( وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها ) قال ابن عباس : لما خاطبهم بقوله :( ألست بربكم ) ( ٢ ) أسلم الكل، وقالوا : بلى، ولكن بعضهم قالوا : بلى، طوعا وبعضهم كرها. وقيل : أسلم من في السموات طوعا، وأسلم من في الأرض كرها وطوعا، وبعضهم طوعا، وبعضهم كرها ؛ لخوف السيف ( وإليه ترجعون ).
١ - قرأ أبو عمرو، ويعقوب، وحفص بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالتاء الفوقية. انظر النشر (٢/٢٤١)..
٢ - الأعراف: ١٧٢..
٢ - الأعراف: ١٧٢..
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل علينا وَمَا أنزل على إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط﴾ لما ذكر الْملك والأديان، واضطراب النَّاس فِيهَا، أَمر رَسُوله أَن يَقُول: ﴿آمنا بِاللَّه﴾ الْآيَة، وَقد ذكرنَا معنى الأسباط وَمَا قيل فِيهِ ﴿وَمَا أُوتى مُوسَى وَعِيسَى والنبيون من رَبهم لَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين﴾ وَحقّ لمن يَبْتَغِي غير دين الْإِسْلَام أَن يصبح غَدا من الخاسرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم وشهدوا أَن الرَّسُول حق وجاءهم الْبَينَات﴾ يَعْنِي: لَا يهْدِيهم الله، وَهُوَ مثل قَول عبد الله بن قيس الرقيات:
أَي: لَا نوم لي على الْفراش.
وَالْآيَة نزلت فِي الْحَارِث بن أَوْس بن الصَّامِت؛ فَإِنَّهُ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام، وَلحق بِمَكَّة، وَأقَام مُدَّة، ثمَّ أرسل إِلَى الْمُسلمين فِي أَن يرجع إِلَى الْإِسْلَام؛ فَنزلت الْآيَة ﴿كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم﴾.
قَالَ الزّجاج: يَعْنِي: أَنهم يسْتَحقُّونَ الضَّلَالَة، وَلَا يسْتَحقُّونَ الْهِدَايَة {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين
(كَيفَ نومي على الْفراش | وَلما تشْتَمل السآم غَارة شعواء؟) |
وَالْآيَة نزلت فِي الْحَارِث بن أَوْس بن الصَّامِت؛ فَإِنَّهُ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام، وَلحق بِمَكَّة، وَأقَام مُدَّة، ثمَّ أرسل إِلَى الْمُسلمين فِي أَن يرجع إِلَى الْإِسْلَام؛ فَنزلت الْآيَة ﴿كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم﴾.
قَالَ الزّجاج: يَعْنِي: أَنهم يسْتَحقُّونَ الضَّلَالَة، وَلَا يسْتَحقُّونَ الْهِدَايَة {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين
أُولَئِكَ جزاؤهم أَن عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ).
338
﴿وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين (٨٦) أُولَئِكَ جزاؤهم أَن عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدين فِيهَا لَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينظرُونَ (٨٨) إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم (٨٩) إِن الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم ثمَّ ازدادوا كفرا لن تقبل تَوْبَتهمْ وَأُولَئِكَ هم الضالون (٩٠) إِن الَّذين كفرُوا وماتوا وهم كفار فَلَنْ يقبل﴾
فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ: ﴿وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ فَكَذَلِك يتَنَاوَل نَفسه أَيْضا، فَكيف يلعن على نَفسه؟ قيل: أَرَادَ فِي الْقِيَامَة يلعن بَعضهم بَعْضًا، ويلعنون أنفسهم. وَقيل: إِنَّهُم يلعنون الظَّالِمين والكافرين؛ فَذَلِك لعنهم على أنفسهم؛ لِأَن من لعن الظَّالِمين والكافرين، وَهُوَ ظَالِم وَكَافِر فقد لعن نَفسه.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ: ﴿وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ فَكَذَلِك يتَنَاوَل نَفسه أَيْضا، فَكيف يلعن على نَفسه؟ قيل: أَرَادَ فِي الْقِيَامَة يلعن بَعضهم بَعْضًا، ويلعنون أنفسهم. وَقيل: إِنَّهُم يلعنون الظَّالِمين والكافرين؛ فَذَلِك لعنهم على أنفسهم؛ لِأَن من لعن الظَّالِمين والكافرين، وَهُوَ ظَالِم وَكَافِر فقد لعن نَفسه.
339
﴿خَالِدين فِيهَا لَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينظرُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم﴾ يَعْنِي بِهَذَا: الْحَارِث بن أَوْس؛ فَإِنَّهُ تَابَ وَأسلم فَقبلت تَوْبَته.
( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) يعني بهذا : الحارث بن أوس ؛ فإنه تاب وأسلم فقبلت توبته.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِن الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم ثمَّ ازدادوا كفرا لن تقبل تَوْبَتهمْ﴾ هَذَا فِي قوم كَانُوا مَعَ الْحَارِث بن أَوْس وَارْتَدوا، فَلَمَّا رَجَعَ هُوَ إِلَى الْإِسْلَام أَمْسكُوا عَن الْإِسْلَام أُولَئِكَ الْقَوْم، وَقَالُوا: نتربص الدَّهْر بِمُحَمد، فَإِن ساعده الزَّمَان، وَنفذ أمره نرْجِع إِلَى دينه؛ فَنزلت الْآيَة.
﴿إِن الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم﴾ أَي: ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام بعد إِيمَانهم ﴿ثمَّ ازدادوا كفرا﴾ بقَوْلهمْ: إِنَّا نتربص بِمُحَمد ريب الْمنون ﴿لن تقبل تَوْبَتهمْ﴾ قَالَ أبوالعالية: لأَنهم لم يَكُونُوا محققين للتَّوْبَة، بل كَانُوا متربصين ﴿وَأُولَئِكَ هم الظالون﴾ وَقيل: أَرَادَ بِهِ: الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم بِعِيسَى؛ ازدادوا كفرا بِمُحَمد ﴿لن تقبل تَوْبَتهمْ﴾ عِنْد النَّاس ﴿وَأُولَئِكَ هم الظالون﴾.
﴿إِن الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم﴾ أَي: ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام بعد إِيمَانهم ﴿ثمَّ ازدادوا كفرا﴾ بقَوْلهمْ: إِنَّا نتربص بِمُحَمد ريب الْمنون ﴿لن تقبل تَوْبَتهمْ﴾ قَالَ أبوالعالية: لأَنهم لم يَكُونُوا محققين للتَّوْبَة، بل كَانُوا متربصين ﴿وَأُولَئِكَ هم الظالون﴾ وَقيل: أَرَادَ بِهِ: الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم بِعِيسَى؛ ازدادوا كفرا بِمُحَمد ﴿لن تقبل تَوْبَتهمْ﴾ عِنْد النَّاس ﴿وَأُولَئِكَ هم الظالون﴾.
قَوْله تَعَالَى: (إِن الَّذين كفرُوا وماتوا وهم كفار فَلَنْ يقبل من أحدهم ملْء الأَرْض ذَهَبا وَلَو افتدى بِهِ) يَعْنِي: لَو افتدى بِهِ، و " الْوَاو " زَائِدَة مقحمة، وَقيل: تَقْدِير الْآيَة: فَلَنْ يقبل من أحدهم أَن يتَبَرَّع بملء الأَرْض ذَهَبا، وَلَو افتدى بِهِ أَيْضا لَا يقبل ﴿أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم وَمَا لَهُم من ناصرين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون﴾ قَالَ ابْن مَسْعُود وَعَمْرو بن مَيْمُون
339
﴿من أحدهم ملْء الأَرْض ذَهَبا وَلَو افتدى بِهِ أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم وَمَا لَهُم من ناصرين (٩١) لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون وَمَا تنفقوا من شَيْء فَإِن الله بِهِ عليم (٩٢) كل الطَّعَام كَانَ حلا لبني إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه من قبل أَن تنزل التَّوْرَاة قل فَأتوا﴾
ومسروق بن الأجدع أَبُو عَائِشَة: الْبر: الْجنَّة هَا هُنَا. وَقيل: هُوَ الْعَمَل الصَّالح. وَقيل: هُوَ الثَّوَاب، وَفِي الْخَبَر: " عَلَيْكُم بِالصّدقِ؛ فَأَنَّهُ يهدي إِلَى الْبر، وَالْبر يهدي إِلَى الجنه، وَإِيَّاكُم وَالْكذب؛ فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور، والفجور يهدي إِلَى النَّار ".
﴿حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون﴾ قيل: أَرَادَ بِالْإِنْفَاقِ: أَدَاء الزَّكَاة. وَقيل: أَدَاء جَمِيع الصَّدقَات. وَقيل: كل إِنْفَاق يَبْتَغِي بِهِ مرضات الله تَعَالَى ينَال بِهِ هَذَا الْبر.
وروى أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ أَبُو طَلْحَة: " يَا رَسُول الله، إِنِّي أرى الله يسألنا أَمْوَالنَا، فأشهدك أَنِّي جعلت حَائِط كَذَا لله تَعَالَى فَقَالَ: اقسمه بَين الْفُقَرَاء قرابتك، فَقَسمهُ بَين أبي وَحسان ".
وروى أَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ - اشْترى جَارِيَة كَانَ قد هويها، فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا أعْتقهَا، وَزوجهَا رجلا، وتلا قَوْله تَعَالَى ( ﴿لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون﴾ وَمَا تنفقوا من شَيْء فَإِن الله بِهِ عليم) أَي: يُعلمهُ، أَي: يجازى عَلَيْهِ.
ومسروق بن الأجدع أَبُو عَائِشَة: الْبر: الْجنَّة هَا هُنَا. وَقيل: هُوَ الْعَمَل الصَّالح. وَقيل: هُوَ الثَّوَاب، وَفِي الْخَبَر: " عَلَيْكُم بِالصّدقِ؛ فَأَنَّهُ يهدي إِلَى الْبر، وَالْبر يهدي إِلَى الجنه، وَإِيَّاكُم وَالْكذب؛ فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور، والفجور يهدي إِلَى النَّار ".
﴿حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون﴾ قيل: أَرَادَ بِالْإِنْفَاقِ: أَدَاء الزَّكَاة. وَقيل: أَدَاء جَمِيع الصَّدقَات. وَقيل: كل إِنْفَاق يَبْتَغِي بِهِ مرضات الله تَعَالَى ينَال بِهِ هَذَا الْبر.
وروى أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ أَبُو طَلْحَة: " يَا رَسُول الله، إِنِّي أرى الله يسألنا أَمْوَالنَا، فأشهدك أَنِّي جعلت حَائِط كَذَا لله تَعَالَى فَقَالَ: اقسمه بَين الْفُقَرَاء قرابتك، فَقَسمهُ بَين أبي وَحسان ".
وروى أَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ - اشْترى جَارِيَة كَانَ قد هويها، فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا أعْتقهَا، وَزوجهَا رجلا، وتلا قَوْله تَعَالَى ( ﴿لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون﴾ وَمَا تنفقوا من شَيْء فَإِن الله بِهِ عليم) أَي: يُعلمهُ، أَي: يجازى عَلَيْهِ.
340
قَوْله تَعَالَى: (كل الطَّعَام كَانَ حلا لبني إِسْرَائِيل) سَبَب نزُول الْآيَة: أَن الْيَهُود قَالُوا لرَسُول الله: إِنَّك تزْعم أَنَّك على مِلَّة إِبْرَاهِيم، وَكَانَ لَا يَأْكُل لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا وَأَنت تأكلها، فلست على مِلَّة إِبْرَاهِيم؛. فَنزلت الْآيَة ﴿كل الطَّعَام كَانَ حلا لبني إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه من قبل أَن تنزل التَّوْرَاة﴾ يَعْنِي: لَيْسَ الْأَمر على مَا قَالُوا من حُرْمَة لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا على إِبْرَاهِيم، بل كَانَ (الْكل)
340
﴿بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين (٩٣) فَمن افترى على الله الْكَذِب من بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ (٩٤) قل صدق الله فاتبعوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين (٩٥) إِن أول بَيت وضع للنَّاس ببكة مُبَارَكًا وَهدى للْعَالمين (٩٦) فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم﴾
حَلَالا لَهُ ولبني إِسْرَائِيل، وَإِنَّمَا حرمهَا يَعْقُوب على نَفسه قبل نزُول التَّوْرَاة، يَعْنِي: أَن حرمتهَا لَيست فِي التَّوْرَاة، وَلَا فِي شرع إِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء حرمه إِسْرَائِيل على نَفسه، وَسبب تَحْرِيمه ذَلِك على نَفسه: أَنه أشتكى عرق النسا، وَكَانَ لَهُ من ذَلِك زقاء - أَي صياح - فَقَالَ: إِن شفاني الله مِنْهُ لأحرمن أحب الطَّعَام إِلَيّ لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا، فشفاه الله؛ فَحَرمهَا على نَفسه.
﴿قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ طالبهم بالإتيان بِالتَّوْرَاةِ حجَّة على مَا ادعوا فَلم يَأْتُوا بهَا؛ إِذْ لم يكن تَحْرِيمهَا فِي التَّوْرَاة، فعجزوا عَن الْإِتْيَان بِالتَّوْرَاةِ وَكَانَ ذَلِك كالمعجزة للرسول عَلَيْهِم.
حَلَالا لَهُ ولبني إِسْرَائِيل، وَإِنَّمَا حرمهَا يَعْقُوب على نَفسه قبل نزُول التَّوْرَاة، يَعْنِي: أَن حرمتهَا لَيست فِي التَّوْرَاة، وَلَا فِي شرع إِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء حرمه إِسْرَائِيل على نَفسه، وَسبب تَحْرِيمه ذَلِك على نَفسه: أَنه أشتكى عرق النسا، وَكَانَ لَهُ من ذَلِك زقاء - أَي صياح - فَقَالَ: إِن شفاني الله مِنْهُ لأحرمن أحب الطَّعَام إِلَيّ لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا، فشفاه الله؛ فَحَرمهَا على نَفسه.
﴿قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ طالبهم بالإتيان بِالتَّوْرَاةِ حجَّة على مَا ادعوا فَلم يَأْتُوا بهَا؛ إِذْ لم يكن تَحْرِيمهَا فِي التَّوْرَاة، فعجزوا عَن الْإِتْيَان بِالتَّوْرَاةِ وَكَانَ ذَلِك كالمعجزة للرسول عَلَيْهِم.
341
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن افترى على الله الْكَذِب من بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ﴾ وَقد ذكرنَا معنى الافتراء وَالظُّلم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل صدق الله﴾ يَعْنِي: فِيمَا أخبر وَأنزل ﴿فاتبعوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا﴾ وَإِنَّمَا دعاهم إِلَى إتباع مِلَّة إِبْرَاهِيم؛ لِأَن فِي اتِّبَاع مِلَّته اتِّبَاعه، وَفِي اتِّبَاعه اتِّبَاع مِلَّته، ﴿وَمَا كَانَ من الْمُشْركين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن أول بَيت وضع للنَّاس ببكة مُبَارَكًا﴾ روى أَبُو ذَر: " أَنه سَأَلَ رَسُول الله أَي الْمَسَاجِد وضع أَولا؟ فَقَالَ: الْمَسْجِد الْحَرَام. (قلت) : ثمَّ أَي؟ قَالَ: الْمَسْجِد الْأَقْصَى، قلت: كم بَينهمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَاما، ثمَّ قَالَ: أَيْنَمَا أَدْرَكتك الصَّلَاة، فصل؛ فَإِنَّهُ لَك مَسْجِد ".
وروى خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أَرَادَ بِهِ: أَن أول بَيت وضع للنَّاس مُبَارَكًا مَعَ الرَّحْمَة وَالْبركَة، والآيات الْبَينَات للَّذي ببكة.
وَقيل: أول مَا خلق الله تَعَالَى من الأَرْض مَوضِع الْبَيْت، ثمَّ مِنْهُ خلق جَمِيع الأَرْض،
وروى خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أَرَادَ بِهِ: أَن أول بَيت وضع للنَّاس مُبَارَكًا مَعَ الرَّحْمَة وَالْبركَة، والآيات الْبَينَات للَّذي ببكة.
وَقيل: أول مَا خلق الله تَعَالَى من الأَرْض مَوضِع الْبَيْت، ثمَّ مِنْهُ خلق جَمِيع الأَرْض،
341
﴿وَمن دخله كَانَ آمنا وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمن كفر فَإِن الله غَنِي﴾
وَأول مَا خلق من الْجبَال جبل أبي قبيس.
وَفِي الْقَصَص: أَن الله تَعَالَى أَمر الْمَلَائِكَة بِبِنَاء الْبَيْت قبل خلق آدم بألفي عَام، وَكَانَت الْمَلَائِكَة يحجونه، فَلَمَّا حجه آدم، قَالَت الْمَلَائِكَة: بر حجك، حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام. وَأما بكة فَالصَّحِيح: أَن بكة وَمَكَّة بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَمثله: طين لازب ولازم، وسمل رَأسه وسبل بِمَعْنى وَاحِد.
وَقيل: (أَنه) مَوضِع الْبَيْت، وَمَكَّة جَمِيع الْقرْيَة. وَقيل: إِنَّمَا سميت ببكة، لِأَن النَّاس يتباكون فِيهَا، أَي: يزدحمون، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَقَوله: ﴿مُبَارَكًا وَهدى للْعَالمين﴾ أَي: وضع ذَلِك الْبَيْت ذَا بركَة وَهدى للْعَالمين.
وَأول مَا خلق من الْجبَال جبل أبي قبيس.
وَفِي الْقَصَص: أَن الله تَعَالَى أَمر الْمَلَائِكَة بِبِنَاء الْبَيْت قبل خلق آدم بألفي عَام، وَكَانَت الْمَلَائِكَة يحجونه، فَلَمَّا حجه آدم، قَالَت الْمَلَائِكَة: بر حجك، حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام. وَأما بكة فَالصَّحِيح: أَن بكة وَمَكَّة بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَمثله: طين لازب ولازم، وسمل رَأسه وسبل بِمَعْنى وَاحِد.
وَقيل: (أَنه) مَوضِع الْبَيْت، وَمَكَّة جَمِيع الْقرْيَة. وَقيل: إِنَّمَا سميت ببكة، لِأَن النَّاس يتباكون فِيهَا، أَي: يزدحمون، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
(إِذا الشريب أَخَذته أكه | فخله حَتَّى يبك بكة) |
342
﴿فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم﴾ قرىء: " فِيهِ آيَة بَيِّنَة " على الوحدان، وَهِي مقَام إِبْرَاهِيم، وَالْمَعْرُوف: ﴿فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم﴾.
من تِلْكَ الْآيَات: مقَام إِبْرَاهِيم: وَهُوَ الْحجر الَّذِي فِيهِ أثر أَصَابِع قدم إِبْرَاهِيم، وَكَانَ قد بَقِي أَثَره فِيهِ، فاندرس من كَثْرَة الْمسْح بِالْأَيْدِي، وَقيل مقَام إِبْرَاهِيم: جَمِيع الْحرم.
وَمن الْآيَات فِي الْبَيْت أَيْضا: أَن الطير يطير فَلَا يَعْلُو فَوْقه، كَذَا قيل، وَمِنْهَا: أَن الْجَارِحَة إِذا قصدت صيدا، فَإِذا دخل الصَّيْد الْحرم كفت عَنهُ، وَمِنْهَا: أَنه مَا قَصده جَبَّار إِلَّا قصمه الله - تَعَالَى -، وَمِنْهَا: أَن الْمَطَر إِذا أصَاب الرُّكْن الْيَمَانِيّ؛ (كَانَ الخصب بِالْيمن، وَإِن أصَاب جَانب الشَّام) ؛ كَانَ الخصب بِالشَّام، وَإِن أصَاب جَمِيع الجوانب كَانَ الخصب جَمِيع الجوانب.
وَسبب هَذَا أَن الْيَهُود قَالُوا: قبلتنا أولى من قبلتكم؛ فَبين الله تَعَالَى للْمُسلمين شرف قبلتهم؛ فَإِنَّهَا خصت بأَشْيَاء لَيست تِلْكَ لقبلتهم، وَأَن بَيت الْمُقَدّس قد حرق وَهدم، وَأما الْكَعْبَة فَمَا قَصدهَا جَبَّار إِلَّا قصمه الله تَعَالَى. ﴿وَمن دخله كَانَ آمنا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ (الْجَانِي) يدْخلهُ، فَيصير آمنا عَن الْقَتْل فِيهِ، وَلكنه لَا يؤاكل
من تِلْكَ الْآيَات: مقَام إِبْرَاهِيم: وَهُوَ الْحجر الَّذِي فِيهِ أثر أَصَابِع قدم إِبْرَاهِيم، وَكَانَ قد بَقِي أَثَره فِيهِ، فاندرس من كَثْرَة الْمسْح بِالْأَيْدِي، وَقيل مقَام إِبْرَاهِيم: جَمِيع الْحرم.
وَمن الْآيَات فِي الْبَيْت أَيْضا: أَن الطير يطير فَلَا يَعْلُو فَوْقه، كَذَا قيل، وَمِنْهَا: أَن الْجَارِحَة إِذا قصدت صيدا، فَإِذا دخل الصَّيْد الْحرم كفت عَنهُ، وَمِنْهَا: أَنه مَا قَصده جَبَّار إِلَّا قصمه الله - تَعَالَى -، وَمِنْهَا: أَن الْمَطَر إِذا أصَاب الرُّكْن الْيَمَانِيّ؛ (كَانَ الخصب بِالْيمن، وَإِن أصَاب جَانب الشَّام) ؛ كَانَ الخصب بِالشَّام، وَإِن أصَاب جَمِيع الجوانب كَانَ الخصب جَمِيع الجوانب.
وَسبب هَذَا أَن الْيَهُود قَالُوا: قبلتنا أولى من قبلتكم؛ فَبين الله تَعَالَى للْمُسلمين شرف قبلتهم؛ فَإِنَّهَا خصت بأَشْيَاء لَيست تِلْكَ لقبلتهم، وَأَن بَيت الْمُقَدّس قد حرق وَهدم، وَأما الْكَعْبَة فَمَا قَصدهَا جَبَّار إِلَّا قصمه الله تَعَالَى. ﴿وَمن دخله كَانَ آمنا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ (الْجَانِي) يدْخلهُ، فَيصير آمنا عَن الْقَتْل فِيهِ، وَلكنه لَا يؤاكل
342
﴿عَن الْعَالمين (٩٧) قل يَا أهل الْكتاب لم تكفرون بآيَات الله وَالله شَهِيد على مَا تَعْمَلُونَ﴾
وَلَا يشارب، وَلَا يُبَاع وَلَا يشاري حَتَّى يخرج فَيقْتل.
وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَعَامة الْمُفَسّرين - وَهُوَ الْأَصَح -: إِنَّه أَرَادَ الْأَمْن عَن تخطف الْكفَّار بِالْقَتْلِ والغارة. وَقيل: أَرَادَ بِهِ: وَمن دخله كَانَ آمنا فِي الْقِيَامَة من الْعَذَاب.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت﴾ قد ذكرنَا معنى الْحَج.
﴿من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ روى الْحسن مُرْسلا عَن النَّبِي " أَنه سُئِلَ عَن الِاسْتِطَاعَة، فَقَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة "، وروى ابْن عمر " أَنه سُئِلَ أَي الْحَاج أفضل؟ فَقَالَ: الشعث، التفل. فَقيل: أَي الْحَج أفضل؟ العج، والثج. قيل: مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة ".
وَقَالَ مَالك: الِاسْتِطَاعَة بِقُوَّة الْبدن، فَمَتَى وجد الزَّاد، وقوى على الْمَشْي لزمَه الْحَج، وَالأَصَح أَن الِاسْتِطَاعَة: هِيَ الْقُدْرَة على مَا يوصله إِلَى الْحَج، فَمِنْهَا: الزَّاد، وَالرَّاحِلَة، وَمِنْهَا: أَمن الطَّرِيق، وَنَفَقَة الْأَهْل، وَنَحْو ذَلِك.
﴿وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين﴾ الْأَصَح: أَنه أَرَادَ بالْكفْر: إِنْكَار وجوب الْحَج، وَقيل: " إِنَّه لما نزل (قَوْله: ﴿وَللَّه﴾ على النَّاس حج الْبَيْت) جمع رَسُول الله
وَلَا يشارب، وَلَا يُبَاع وَلَا يشاري حَتَّى يخرج فَيقْتل.
وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَعَامة الْمُفَسّرين - وَهُوَ الْأَصَح -: إِنَّه أَرَادَ الْأَمْن عَن تخطف الْكفَّار بِالْقَتْلِ والغارة. وَقيل: أَرَادَ بِهِ: وَمن دخله كَانَ آمنا فِي الْقِيَامَة من الْعَذَاب.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت﴾ قد ذكرنَا معنى الْحَج.
﴿من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ روى الْحسن مُرْسلا عَن النَّبِي " أَنه سُئِلَ عَن الِاسْتِطَاعَة، فَقَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة "، وروى ابْن عمر " أَنه سُئِلَ أَي الْحَاج أفضل؟ فَقَالَ: الشعث، التفل. فَقيل: أَي الْحَج أفضل؟ العج، والثج. قيل: مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة ".
وَقَالَ مَالك: الِاسْتِطَاعَة بِقُوَّة الْبدن، فَمَتَى وجد الزَّاد، وقوى على الْمَشْي لزمَه الْحَج، وَالأَصَح أَن الِاسْتِطَاعَة: هِيَ الْقُدْرَة على مَا يوصله إِلَى الْحَج، فَمِنْهَا: الزَّاد، وَالرَّاحِلَة، وَمِنْهَا: أَمن الطَّرِيق، وَنَفَقَة الْأَهْل، وَنَحْو ذَلِك.
﴿وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين﴾ الْأَصَح: أَنه أَرَادَ بالْكفْر: إِنْكَار وجوب الْحَج، وَقيل: " إِنَّه لما نزل (قَوْله: ﴿وَللَّه﴾ على النَّاس حج الْبَيْت) جمع رَسُول الله
343
((٩٨} قل يَا أهل الْكتاب لم تصدُّونَ عَن سَبِيل الله من آمن تَبْغُونَهَا عوجا وَأَنْتُم شُهَدَاء وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا فريقا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب)
من جمع الْأَدْيَان، وَقَالَ: إِن الله كتب عَلَيْكُم الْحَج أَيهَا النَّاس فحجوا، فَصدقهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَكذبه الْكَافِرُونَ؛ فَنزل قَوْله: ﴿وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين﴾ ".
من جمع الْأَدْيَان، وَقَالَ: إِن الله كتب عَلَيْكُم الْحَج أَيهَا النَّاس فحجوا، فَصدقهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَكذبه الْكَافِرُونَ؛ فَنزل قَوْله: ﴿وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين﴾ ".
344
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل يَا أهل الْكتاب لم تكفرون بآيَات الله وَالله شَهِيد على مَا تَعْمَلُونَ﴾ أَي: لَا يخفي عَلَيْهِ مَا تَعْمَلُونَ، ويجازيكم عَلَيْهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل يَا أهل الْكتاب لم تصدُّونَ عَن سَبِيل الله من آمن﴾ أَي: (لم تمْنَعُونَ من آمن عَن سَبِيل الله) بكتمان نعت مُحَمَّد ﴿تَبْغُونَهَا عوجا﴾ أَي: تطلبون الزيغ عَن السَّبِيل، والعدول عَنْهَا بتغيير صفة مُحَمَّد ﴿وَأَنْتُم شُهَدَاء﴾ يَعْنِي: أَنْتُم عالمون أَنه حق؛ على مَا ورد نَعته وَصفته ﴿وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا فريقا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين﴾ يَعْنِي: يردونكم إِلَى الْيَهُودِيَّة والنصرانية.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكَيف تكفرون﴾ قَالَ الْأَخْفَش سعيد بن مسْعدَة: على أَي حَال تكفرون؟ ! ﴿وَأَنْتُم تتلى عَلَيْكُم آيَات الله وَفِيكُمْ رَسُوله﴾.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَنعه إيَّاهُم عَن الْكفْر؛ يكون الرَّسُول فيهم، يُوهم إِبَاحَة الْكفْر فِي حَال لَا يكون الرَّسُول فيهم، قيل: وَلَا يَخْلُو حَال من كَون الرَّسُول فيهم، فَإِنَّهُ الْيَوْم وَإِن كَانَ خَارِجا من بَينهم، فشرعه قَائِم بَينهم، فَيكون كَأَنَّهُ فيهم.
﴿وَمن يعتصم بِاللَّه فقد هدى إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ أَي: وَمن يمْتَنع بِاللَّه، قيل: وَمن يَثِق بِاللَّه، فقد أرشد إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَنعه إيَّاهُم عَن الْكفْر؛ يكون الرَّسُول فيهم، يُوهم إِبَاحَة الْكفْر فِي حَال لَا يكون الرَّسُول فيهم، قيل: وَلَا يَخْلُو حَال من كَون الرَّسُول فيهم، فَإِنَّهُ الْيَوْم وَإِن كَانَ خَارِجا من بَينهم، فشرعه قَائِم بَينهم، فَيكون كَأَنَّهُ فيهم.
﴿وَمن يعتصم بِاللَّه فقد هدى إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ أَي: وَمن يمْتَنع بِاللَّه، قيل: وَمن يَثِق بِاللَّه، فقد أرشد إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته﴾ قَالَ ابْن مَسْعُود: هُوَ أَن
344
﴿يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين (١٠٠) وَكَيف تكفرون وَأَنْتُم تتلى عَلَيْكُم آيَات الله وَفِيكُمْ رَسُوله وَمن يعتصم بِاللَّه فقد هدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم (١٠١) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله﴾
يطاع فَلَا يعْصى، وَيذكر فَلَا ينسى، ويشكر فَلَا يكفر. وَقَالَ قَتَادَة: (الْآيَة) مَنْسُوخَة بقوله: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ قَالَ أهل الْمعَانِي: لَا يَسْتَقِيم النّسخ فِيهِ، وَقَوله ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ تَفْسِير لهَذِهِ الْآيَة؛ لِأَن من أطَاع الله فِي وَقت وجوب الطَّاعَة، وَذكره فِي وَقت وجوب الذّكر، وشكره فِي مَوضِع وجوب الشُّكْر، فقد اتَّقى الله حق تُقَاته.
وَهَذَا لم يصر مَنْسُوخا، وَقَوله: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ مُوَافق لَهُ؛ لِأَن التَّقْوَى إِن كَانَ فِي مَوضِع الْأَمر وَالْوُجُوب، والأوامر والواجبات على قدر الِاسْتِطَاعَة، فَتكون إِحْدَى الْآيَتَيْنِ مُوَافقَة لِلْأُخْرَى، فَلَا يَسْتَقِيم فِيهِ النّسخ.
﴿وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ﴾، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ نَهَاهُم عَن الْمَوْت على الْكفْر، وَالْمَوْت لَا يدْخل تَحت الْأَمر وَالنَّهْي؟ ! قيل: مَعْنَاهُ: دوموا على الْإِسْلَام، حَتَّى إِذا وافاكم الْمَوْت ألفاكم على الْإِسْلَام، هَذَا كَمَا يَقُول الرجل لغيره: لَا أريتك تفعل كَذَا. مَعْنَاهُ: لَا تفعل كَذَا، حَتَّى إِذا رَأَيْتُك (لَا) أَرَاك على فعله.
يطاع فَلَا يعْصى، وَيذكر فَلَا ينسى، ويشكر فَلَا يكفر. وَقَالَ قَتَادَة: (الْآيَة) مَنْسُوخَة بقوله: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ قَالَ أهل الْمعَانِي: لَا يَسْتَقِيم النّسخ فِيهِ، وَقَوله ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ تَفْسِير لهَذِهِ الْآيَة؛ لِأَن من أطَاع الله فِي وَقت وجوب الطَّاعَة، وَذكره فِي وَقت وجوب الذّكر، وشكره فِي مَوضِع وجوب الشُّكْر، فقد اتَّقى الله حق تُقَاته.
وَهَذَا لم يصر مَنْسُوخا، وَقَوله: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ مُوَافق لَهُ؛ لِأَن التَّقْوَى إِن كَانَ فِي مَوضِع الْأَمر وَالْوُجُوب، والأوامر والواجبات على قدر الِاسْتِطَاعَة، فَتكون إِحْدَى الْآيَتَيْنِ مُوَافقَة لِلْأُخْرَى، فَلَا يَسْتَقِيم فِيهِ النّسخ.
﴿وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ﴾، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ نَهَاهُم عَن الْمَوْت على الْكفْر، وَالْمَوْت لَا يدْخل تَحت الْأَمر وَالنَّهْي؟ ! قيل: مَعْنَاهُ: دوموا على الْإِسْلَام، حَتَّى إِذا وافاكم الْمَوْت ألفاكم على الْإِسْلَام، هَذَا كَمَا يَقُول الرجل لغيره: لَا أريتك تفعل كَذَا. مَعْنَاهُ: لَا تفعل كَذَا، حَتَّى إِذا رَأَيْتُك (لَا) أَرَاك على فعله.
345
قَوْله تَعَالَى: ﴿واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: حَبل الله: هُوَ الْعَهْد. وَقَالَ قَتَادَة (والسدى) : حَبل الله: الْقُرْآن. وَفِي الْخَبَر " الْقُرْآن: حَبل مَمْدُود (طرف) بيد الله وطرف بِأَيْدِيكُمْ " وَقيل: الْحَبل: الطَّرِيق، حَبل الله: طَرِيق الله، وأنشدوا فِي ذكر النَّاقة قَول الشَّاعِر:
345
﴿حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ (١٠٢) واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعمت الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تهتدون (١٠٣) ولتكن﴾
أَي: طريقها. وأصل الْحَبل كل مَا يوصلك إِلَى الشَّيْء، فتفوز بِهِ، والعهد: حَبل، وَالْقُرْآن: حَبل، (وَمِنْه) الْحَبل الْمَعْرُوف؛ لِأَنَّهُ يُوصل إِلَى الْمَقْصُود.
﴿وَلَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعمت الله عَلَيْكُم﴾ سَبَب نزُول الْآيَة مَا روى " أَن رجلَيْنِ: أَحدهمَا من الْأَوْس، وَالْآخر من الْخَزْرَج تسابا، فَدَعَا كل وَاحِد مِنْهُمَا قبيلته؛ فثار الْحَيَّانِ، وضربوا بِأَيْدِيهِم إِلَى السيوف، وَكَاد يكون بَينهم قتال، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله فَخرج عَلَيْهِم وَهُوَ على حمَار، وَقَامَ بَينهم؛ فَنزلت الْآيَة، وتلا عَلَيْهِم، فبكوا، وَمَشى كل وَاحِد إِلَى صَاحبه وتعانقوا، واصطلحوا وَكفوا عَن الْقِتَال "، قَالَ جَابر: مَا كَانَ يَوْمًا أقبح أَولا من ذَلِك الْيَوْم، وَلَا أحسن آخر من ذَلِك الْيَوْم. فَقَوله: ﴿وَلَا تفَرقُوا﴾ الْخطاب مَعَهم (واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم) يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ وَبعث الرَّسُول وإنزال الْكتاب.
﴿إِذْ كُنْتُم أَعدَاء﴾ لِأَن الْأَوْس والخزرج كَانَ بَينهم قتال [دَامَ] مائَة وَعشْرين سنة ﴿فألف بَين قُلُوبكُمْ﴾ يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ ﴿فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا﴾ (أَي: فِي الدّين).
﴿وكنتم على شفا حُفْرَة﴾ أَي: طرف حُفْرَة ﴿من النَّار فأنقذكم مِنْهَا﴾.
وَقيل: نزلت الْآيَة فِي مُشْركي الْعَرَب، وَالْأول [أصح وَهُوَ] قَول عِكْرِمَة. ﴿كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تهتدون﴾ أَي: ترشدون، وتسلكون طَرِيق الْحق.
(وَإِذا أجوزها حبال قَبيلَة | نزلت من الْأُخْرَى إِلَيْك حبالها) |
﴿وَلَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعمت الله عَلَيْكُم﴾ سَبَب نزُول الْآيَة مَا روى " أَن رجلَيْنِ: أَحدهمَا من الْأَوْس، وَالْآخر من الْخَزْرَج تسابا، فَدَعَا كل وَاحِد مِنْهُمَا قبيلته؛ فثار الْحَيَّانِ، وضربوا بِأَيْدِيهِم إِلَى السيوف، وَكَاد يكون بَينهم قتال، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله فَخرج عَلَيْهِم وَهُوَ على حمَار، وَقَامَ بَينهم؛ فَنزلت الْآيَة، وتلا عَلَيْهِم، فبكوا، وَمَشى كل وَاحِد إِلَى صَاحبه وتعانقوا، واصطلحوا وَكفوا عَن الْقِتَال "، قَالَ جَابر: مَا كَانَ يَوْمًا أقبح أَولا من ذَلِك الْيَوْم، وَلَا أحسن آخر من ذَلِك الْيَوْم. فَقَوله: ﴿وَلَا تفَرقُوا﴾ الْخطاب مَعَهم (واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم) يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ وَبعث الرَّسُول وإنزال الْكتاب.
﴿إِذْ كُنْتُم أَعدَاء﴾ لِأَن الْأَوْس والخزرج كَانَ بَينهم قتال [دَامَ] مائَة وَعشْرين سنة ﴿فألف بَين قُلُوبكُمْ﴾ يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ ﴿فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا﴾ (أَي: فِي الدّين).
﴿وكنتم على شفا حُفْرَة﴾ أَي: طرف حُفْرَة ﴿من النَّار فأنقذكم مِنْهَا﴾.
وَقيل: نزلت الْآيَة فِي مُشْركي الْعَرَب، وَالْأول [أصح وَهُوَ] قَول عِكْرِمَة. ﴿كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تهتدون﴾ أَي: ترشدون، وتسلكون طَرِيق الْحق.
346
﴿مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون (١٠٤) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم (١٠٥) يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد﴾
347
قَوْله تَعَالَى: ﴿ولتكن مِنْكُم أمة﴾ أَي: كونُوا أمة، وَكلمَة " من " - فِيهِ - للْجِنْس، لَا للتَّبْعِيض، وَهُوَ مثل قَوْله: ﴿فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان﴾ وَالْمرَاد بِهِ الاجتناب من جنس الْأَوْثَان كلهَا لَا من بعض الْأَوْثَان، كَذَلِك قَوْله: ﴿ولتكن مِنْكُم أمة﴾ أَي: كونُوا أمة ﴿يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون﴾ أَي: وَأَنْتُم المفلحون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا﴾ يَعْنِي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
﴿من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم تبيض وُجُوه﴾ يَعْنِي: وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم الْقِيَامَة، ثمَّ وصف ذَلِك الْيَوْم، فَقَالَ: ﴿يَوْم تبيض وُجُوه﴾ يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَتسود وُجُوه﴾ بالشرك. وَقيل: تبيض وُجُوه بِالسنةِ، وَتسود وُجُوه بالبدعة. وَقيل: أَرَادَ بِهِ: فِي الدُّنْيَا تبيض وُجُوه بالقناعة، وَتسود وُجُوه بالطمع. وَالْأول أصح، وَيشْهد لذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة ضاحكة﴾ الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة أبي أُمَامَة عَن النَّبِي " تسود وُجُوه الْخَوَارِج ". ﴿فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ﴾ أَي: يُقَال لَهُم: أكفرتم بعد إيمَانكُمْ؟ ! فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ كفرُوا بعد الْإِيمَان وَلم يَكُونُوا مُؤمنين قطّ؟ قيل أَرَادَ بِهِ إِيمَان يَوْم الْمِيثَاق، وَكَفرُوا بعده.
﴿من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم تبيض وُجُوه﴾ يَعْنِي: وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم الْقِيَامَة، ثمَّ وصف ذَلِك الْيَوْم، فَقَالَ: ﴿يَوْم تبيض وُجُوه﴾ يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَتسود وُجُوه﴾ بالشرك. وَقيل: تبيض وُجُوه بِالسنةِ، وَتسود وُجُوه بالبدعة. وَقيل: أَرَادَ بِهِ: فِي الدُّنْيَا تبيض وُجُوه بالقناعة، وَتسود وُجُوه بالطمع. وَالْأول أصح، وَيشْهد لذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة ضاحكة﴾ الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة أبي أُمَامَة عَن النَّبِي " تسود وُجُوه الْخَوَارِج ". ﴿فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ﴾ أَي: يُقَال لَهُم: أكفرتم بعد إيمَانكُمْ؟ ! فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ كفرُوا بعد الْإِيمَان وَلم يَكُونُوا مُؤمنين قطّ؟ قيل أَرَادَ بِهِ إِيمَان يَوْم الْمِيثَاق، وَكَفرُوا بعده.
347
﴿إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون (١٠٦) وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ وَمَا الله يُرِيد ظلما للْعَالمين (١٠٨) وَللَّه مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور (١٠٩) كُنْتُم خير أمة أخرجت﴾
وَقيل: أَرَادَ بِهِ: الْيَهُود؛ آمنُوا بِمَا كَانَ فِي التَّوْرَاة من نعت مُحَمَّد، ثمَّ كفرُوا، وغيروا. ﴿فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون﴾.
وَقيل: أَرَادَ بِهِ: الْيَهُود؛ آمنُوا بِمَا كَانَ فِي التَّوْرَاة من نعت مُحَمَّد، ثمَّ كفرُوا، وغيروا. ﴿فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون﴾.
348
ثم وصف ذلك اليوم، فقال :( يوم تبيض وجوه ) يعني : بالتوحيد ( وتسود وجوه ) بالشرك. وقيل : تبيض وجوه بالسنة، وتسود وجوه بالبدعة. وقيل : أراد به : في الدنيا تبيض وجوه بالقناعة، وتسود وجوه بالطمع. والأول أصح، ويشهد لذلك قوله تعالى :( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة. . . ) ( ١ ) الآية.
وفي رواية أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم «تسود وجوه الخوارج »( ٢ ). ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) أي : يقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم ؟ ! فإن قال قائل : كيف كفروا بعد الإيمان ولم يكونوا مؤمنين قط ؟ قيل أراد به إيمان يوم الميثاق، وكفروا بعده.
وقيل : أراد به : اليهود ؛ آمنوا بما كان في التوراة من نعت محمد، ثم كفروا، وغيروا. ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ).
وفي رواية أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم «تسود وجوه الخوارج »( ٢ ). ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) أي : يقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم ؟ ! فإن قال قائل : كيف كفروا بعد الإيمان ولم يكونوا مؤمنين قط ؟ قيل أراد به إيمان يوم الميثاق، وكفروا بعده.
وقيل : أراد به : اليهود ؛ آمنوا بما كان في التوراة من نعت محمد، ثم كفروا، وغيروا. ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ).
١ - عيسى: ٣٨-٣٩..
٢ - رواه الترمذي (٥/٢١٠ رقم ٣٠٠٠) بطوله، وقال: حسن، وابن ماجة (١/٦٢ رقم ١٧٦)، وأحمد (٥/٢٦٢)، وعبد الرزاق في مصنفه (١٠/١٥٢ رقم ١٨٦٦٣)، وابن أبي شيبة (١٥/٣٠٧-٣٠٨ رقم ١٩٧٣٨)ـ وابن أبي حاتم في تفسير "آل عمران" (١/٤٦٥ رقم ١١٤٤)، والطبراني في الكبير (٨/٢٦٧ رقم ٨٠٣٣) وأعاده في غير موضع من كتابه، كلهم من حديث أبي أمامة مرفوعا..
٢ - رواه الترمذي (٥/٢١٠ رقم ٣٠٠٠) بطوله، وقال: حسن، وابن ماجة (١/٦٢ رقم ١٧٦)، وأحمد (٥/٢٦٢)، وعبد الرزاق في مصنفه (١٠/١٥٢ رقم ١٨٦٦٣)، وابن أبي شيبة (١٥/٣٠٧-٣٠٨ رقم ١٩٧٣٨)ـ وابن أبي حاتم في تفسير "آل عمران" (١/٤٦٥ رقم ١١٤٤)، والطبراني في الكبير (٨/٢٦٧ رقم ٨٠٣٣) وأعاده في غير موضع من كتابه، كلهم من حديث أبي أمامة مرفوعا..
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فَفِي رَحْمَة الله﴾ أَي: فِي ثَوَاب الله ﴿هم فِيهَا خَالدُونَ﴾.
﴿تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ وَمَا الله يُرِيد ظلما للْعَالمين﴾ لِأَنَّهُ يُعَاقب من يُعَاقب عَن اسْتِحْقَاق بِالْعَدْلِ ﴿وَللَّه مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور﴾.
( ولله ما في السموات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ).
قَوْله تَعَالَى: ﴿كُنْتُم خير أمة﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: ﴿كُنْتُم خير أمة﴾ وَمَتى كَانُوا بِتِلْكَ الصّفة؟ قيل: أَرَادَ بِهِ: كُنْتُم خير أمة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَقيل: أَرَادَ بِهِ صرتم خير أمة إِذا آمنتم. وَقيل: يُقَال لَهُم يَوْم الْقِيَامَة: ﴿كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر﴾ فالمعروف: مَا عرفه الشَّرْع، وَالْمُنكر: مَا أنكرهُ الشَّرْع. وَفِي الحَدِيث: " لتأمرون بِالْمَعْرُوفِ، ولتنهون عَن الْمُنكر، أَو يُوشك أَن يعمكم الله بعقابه "، وَقَالَ: " أفضل الشُّهَدَاء بعد شُهَدَاء أحد: رجل قَامَ إِلَى إِمَام جَائِر، فَأمره بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَاهُ عَن الْمُنكر فَقتله عَلَيْهِ ".
قَوْله: ﴿وتؤمنون بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم﴾ وَهَذَا لاشك فِيهِ. ﴿مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ﴾ لِأَنَّهُ آمن بَعضهم، وَكفر أَكْثَرهم.
قَوْله: ﴿وتؤمنون بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم﴾ وَهَذَا لاشك فِيهِ. ﴿مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ﴾ لِأَنَّهُ آمن بَعضهم، وَكفر أَكْثَرهم.
348
﴿للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ (١١٠) لن يضرركم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ (١١١) ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْن مَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباءوا بغضب من الله وَضربت عَلَيْهِم المسكنة ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون (١١٢) لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب﴾
349
﴿لن يضروكم إِلَّا أَذَى﴾ يَعْنِي: لَا يضرونكم بِأَكْثَرَ من أَذَى وَهُوَ إِضْرَار يسير، وأذى توقيعه بِاللِّسَانِ.
﴿وَإِن يقاتلونكم يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ﴾ أَي: يهزمون وَتَكون النُّصْرَة لكم عَلَيْهِم.
﴿وَإِن يقاتلونكم يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ﴾ أَي: يهزمون وَتَكون النُّصْرَة لكم عَلَيْهِم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ضربت عَلَيْهِم الذلة﴾ يَعْنِي: ذل الْكفْر: بِالْقَتْلِ، والسبي، والاغتنام ﴿أَيْن مَا ثقفوا﴾ أَي: وجدوا.
﴿إِلَّا بِحَبل من الله﴾ يَعْنِي: عهد الذِّمَّة ﴿وحبل من النَّاس﴾ وَهُوَ عهد الْأمان، يَعْنِي: أَنهم يقتلُون، ويؤسرون، إِلَّا أَن تكون لَهُم ذمَّة أَو أَمَان.
﴿وباءوا بغضب من الله﴾ رجعُوا وَاحْتَملُوا غضب الله، (وَقيل: لَزِمَهُم غضب الله) من قَوْلهم تبوأ مَكَان كَذَا أَي: لزمَه ﴿وَضربت عَلَيْهِم المسكنة﴾ أَي: ذل الْكفْر، بزِي الْفقر، وَذَلِكَ على الْيَهُود، حَتَّى لَا يرى يَهُودِيّ إِلَّا على زِيّ الْفقر، وَإِن كَانَ غَنِيا ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون﴾.
﴿إِلَّا بِحَبل من الله﴾ يَعْنِي: عهد الذِّمَّة ﴿وحبل من النَّاس﴾ وَهُوَ عهد الْأمان، يَعْنِي: أَنهم يقتلُون، ويؤسرون، إِلَّا أَن تكون لَهُم ذمَّة أَو أَمَان.
﴿وباءوا بغضب من الله﴾ رجعُوا وَاحْتَملُوا غضب الله، (وَقيل: لَزِمَهُم غضب الله) من قَوْلهم تبوأ مَكَان كَذَا أَي: لزمَه ﴿وَضربت عَلَيْهِم المسكنة﴾ أَي: ذل الْكفْر، بزِي الْفقر، وَذَلِكَ على الْيَهُود، حَتَّى لَا يرى يَهُودِيّ إِلَّا على زِيّ الْفقر، وَإِن كَانَ غَنِيا ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون﴾.
﴿لَيْسُوا سَوَاء﴾ يَعْنِي: (الْمُؤمنِينَ والكافرين) لَيْسُوا سَوَاء، وَهَذَا وقف تَامّ، ثمَّ ابْتِدَاء ﴿من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة﴾ أَي: عادلة، وَقيل قَائِمَة: مُسْتَقِيمَة على الْحق، وَقيل الْأمة الطَّرِيقَة المستقيمة، وَهِي طَريقَة الْحق، وَتَقْدِيره: من أهل الْكتاب ذُو أمة قَائِمَة، وَمِنْه قَول النَّابِغَة: