تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
الم
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا، وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِينَ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا، وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِينَ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْدَ اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْضَل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ.
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ، قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا.
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( كَفَى بِالسَّيْفِ شا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنْ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف، فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْضَل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فا | وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تا |
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
نَادَوْهُمُ أَلَا الْجِمُوا أَلَا تَا | قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فا |
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( كَفَى بِالسَّيْفِ شا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنْ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف، فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقِصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَه النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقِصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَه النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
فِيهِ خَمْس مَسَائِل
[ الْأُولَى ] : قَوْله :" اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم " هَذِهِ السُّورَة مَدَنِيَّة بِإِجْمَاعٍ.
وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ اِسْمهَا فِي التَّوْرَاة طَيْبَة، وَقَرَأَ الْحَسَن وَعَمْرو بْن عُبَيْد وَعَاصِم بْن أَبِي النَّجُود وَأَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِيّ " الم.
اللَّه " بِقَطْعِ أَلِف الْوَصْل، عَلَى تَقْدِير الْوَقْف عَلَى " الم " كَمَا يُقَدِّرُونَ الْوَقْف عَلَى أَسْمَاء الْأَعْدَاد فِي نَحْو وَاحِد، اِثْنَانِ، ثَلَاثَة، أَرْبَعَة، وَهُمْ وَاصِلُونَ.
قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : وَيَجُوز " المِ اللَّه " بِكَسْرِ الْمِيم لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ، وَلَا تَقُولهُ الْعَرَب لِثِقَلِهِ.
قَالَ النَّحَّاس : الْقِرَاءَة الْأُولَى قِرَاءَة الْعَامَّة، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاء ; فَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْمِيم فُتِحَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَاخْتَارُوا لَهَا الْفَتْح لِئَلَّا يُجْمَع بَيْن كَسْرَة وَيَاء وَكَسْرَة قَبْلهَا.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : حُرُوف التَّهَجِّي إِذَا لَقِيَتْهَا أَلِف وَصْل فَحُذِفَتْ أَلِف الْوَصْل حَرَّكْتهَا بِحَرَكَةِ الْأَلِف فَقُلْت : الم اللَّه، والم اُذْكُرْ، والم اِقْتَرَبَتْ.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْأَصْل " الم اللَّه " كَمَا قَرَأَ الرُّؤَاسِيّ فَأُلْقِيَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة عَلَى الْمِيم.
وَقَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب " الْحَيّ الْقَيَّام ".
وَقَالَ خَارِجَة : فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " الْحَيّ الْقَيِّم ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ آرَاء فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّوَر فِي أَوَّل " الْبَقَرَة ".
وَمِنْ حَيْثُ جَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَة :" اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم " جُمْلَة قَائِمَة بِنَفْسِهَا فَتَتَصَوَّر تِلْكَ الْأَقْوَال كُلّهَا.
[ الثَّانِيَة ] : رَوَى الْكِسَائِيّ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ صَلَّى الْعِشَاء فَاسْتَفْتَحَ " آل عِمْرَان " فَقَرَأَ " الم.
اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيَّام " فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى بِمِائَةِ آيَة، وَفِي الثَّانِيَة بِالْمِائَةِ الْبَاقِيَة.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلَا يَقْرَأ سُورَة فِي رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ.
وَقَالَ مَالِك فِي الْمَجْمُوعَة : لَا بَأْس بِهِ، وَمَا هُوَ بِالشَّأْنِ.
قُلْت : الصَّحِيح جَوَاز ذَلِكَ.
وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِب فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ، وَسَيَأْتِي.
[ الثَّالِثَة ] : هَذِهِ السُّورَة وَرَدَ فِي فَضْلهَا آثَار وَأَخْبَار ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ أَنَّهَا أَمَان مِنْ الْحَيَّات، وَكَنْز لِلصُّعْلُوكِ، وَأَنَّهَا تُحَاجّ عَنْ قَارِئِهَا فِي الْآخِرَة، وَيُكْتَب لِمَنْ قَرَأَ آخِرهَا فِي لَيْلَة كَقِيَامِ لَيْلَة، إِلَى غَيْر ذَلِكَ.
فِيهِ خَمْس مَسَائِل
[ الْأُولَى ] : قَوْله :" اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم " هَذِهِ السُّورَة مَدَنِيَّة بِإِجْمَاعٍ.
وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ اِسْمهَا فِي التَّوْرَاة طَيْبَة، وَقَرَأَ الْحَسَن وَعَمْرو بْن عُبَيْد وَعَاصِم بْن أَبِي النَّجُود وَأَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِيّ " الم.
اللَّه " بِقَطْعِ أَلِف الْوَصْل، عَلَى تَقْدِير الْوَقْف عَلَى " الم " كَمَا يُقَدِّرُونَ الْوَقْف عَلَى أَسْمَاء الْأَعْدَاد فِي نَحْو وَاحِد، اِثْنَانِ، ثَلَاثَة، أَرْبَعَة، وَهُمْ وَاصِلُونَ.
قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : وَيَجُوز " المِ اللَّه " بِكَسْرِ الْمِيم لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ، وَلَا تَقُولهُ الْعَرَب لِثِقَلِهِ.
قَالَ النَّحَّاس : الْقِرَاءَة الْأُولَى قِرَاءَة الْعَامَّة، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاء ; فَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْمِيم فُتِحَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَاخْتَارُوا لَهَا الْفَتْح لِئَلَّا يُجْمَع بَيْن كَسْرَة وَيَاء وَكَسْرَة قَبْلهَا.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : حُرُوف التَّهَجِّي إِذَا لَقِيَتْهَا أَلِف وَصْل فَحُذِفَتْ أَلِف الْوَصْل حَرَّكْتهَا بِحَرَكَةِ الْأَلِف فَقُلْت : الم اللَّه، والم اُذْكُرْ، والم اِقْتَرَبَتْ.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْأَصْل " الم اللَّه " كَمَا قَرَأَ الرُّؤَاسِيّ فَأُلْقِيَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة عَلَى الْمِيم.
وَقَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب " الْحَيّ الْقَيَّام ".
وَقَالَ خَارِجَة : فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " الْحَيّ الْقَيِّم ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ آرَاء فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّوَر فِي أَوَّل " الْبَقَرَة ".
وَمِنْ حَيْثُ جَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَة :" اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم " جُمْلَة قَائِمَة بِنَفْسِهَا فَتَتَصَوَّر تِلْكَ الْأَقْوَال كُلّهَا.
[ الثَّانِيَة ] : رَوَى الْكِسَائِيّ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ صَلَّى الْعِشَاء فَاسْتَفْتَحَ " آل عِمْرَان " فَقَرَأَ " الم.
اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيَّام " فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى بِمِائَةِ آيَة، وَفِي الثَّانِيَة بِالْمِائَةِ الْبَاقِيَة.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلَا يَقْرَأ سُورَة فِي رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ.
وَقَالَ مَالِك فِي الْمَجْمُوعَة : لَا بَأْس بِهِ، وَمَا هُوَ بِالشَّأْنِ.
قُلْت : الصَّحِيح جَوَاز ذَلِكَ.
وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِب فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ، وَسَيَأْتِي.
[ الثَّالِثَة ] : هَذِهِ السُّورَة وَرَدَ فِي فَضْلهَا آثَار وَأَخْبَار ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ أَنَّهَا أَمَان مِنْ الْحَيَّات، وَكَنْز لِلصُّعْلُوكِ، وَأَنَّهَا تُحَاجّ عَنْ قَارِئِهَا فِي الْآخِرَة، وَيُكْتَب لِمَنْ قَرَأَ آخِرهَا فِي لَيْلَة كَقِيَامِ لَيْلَة، إِلَى غَيْر ذَلِكَ.
ذَكَرَ الدِّرَامِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّه الْأَشْجَعِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي مِسْعَر قَالَ حَدَّثَنِي جَابِر، قَبْل أَنْ يَقَع فِيمَا وَقَعَ فِيهِ، عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه :( نِعْمَ كَنْز الصُّعْلُوك سُورَة " آل عِمْرَان " يَقُوم بِهَا فِي آخِر اللَّيْل ) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعِيد حَدَّثَنَا عَبْد السَّلَام عَنْ الْجُرِيرِيّ عَنْ أَبِي السَّلِيل قَالَ : أَصَابَ رَجُل دَمًا قَالَ : فَأَوَى إِلَى وَادِي مَجَنَّة : وَادٍ لَا يَمْشِي فِيهِ أَحَد إِلَّا أَصَابَتْهُ حَيَّة، وَعَلَى شَفِير الْوَادِي رَاهِبَانِ ; فَلَمَّا أَمْسَى قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : هَلَكَ وَاَللَّه الرَّجُل ! قَالَ : فَافْتَتَحَ سُورَة " آل عِمْرَان " قَالَا : فَقَرَأَ سُورَة طَيْبَة لَعَلَّهُ سَيَنْجُو.
قَالَ : فَأَصْبَحَ سَلِيمًا.
وَأَسْنَدَ عَنْ مَكْحُول قَالَ :( مَنْ قَرَأَ سُورَة " آل عِمْرَان " يَوْم الْجُمْعَة صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة إِلَى اللَّيْل ) وَأَسْنَدَ عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان قَالَ :( مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة " آل عِمْرَان " فِي لَيْلَة كُتِبَ لَهُ قِيَام لَيْلَة ) فِي طَرِيقه اِبْن لَهِيعَة.
وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ النَّوَّاس بْن سِمْعَان الْكِلَابِيّ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْله الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمهُ سُورَة الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان )، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَة أَمْثَال مَا نَسِيتهنَّ بَعْد، قَالَ :- كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنهمَا شَرْق، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَان مِنْ طَيْر صَوَافّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبهمَا.
وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( اِقْرَءُوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اِقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَة وَسُورَة آل عِمْرَان فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْر صَوَافّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابهمَا اِقْرَءُوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّ أَخْذهَا بَرَكَة وَتَرْكهَا حَسْرَة وَلَا يَسْتَطِيعهَا الْبَطَلَة ).
قَالَ مُعَاوِيَة : وَبَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَة السَّحَرَة.
[ الرَّابِعَة ] : لِلْعُلَمَاءِ فِي تَسْمِيَة " الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان " بِالزَّهْرَاوَيْنِ ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : إِنَّهُمَا النَّيِّرَتَانِ، مَأْخُوذ مِنْ الزَّهْر وَالزُّهْرَة ; فَإِمَّا لِهِدَايَتِهِمَا قَارِئَهُمَا بِمَا يُزْهِر لَهُ مِنْ أَنْوَارهمَا، أَيْ مِنْ مَعَانِيهمَا.
وَإِمَّا لِمَا يَتَرَتَّب عَلَى قِرَاءَتهمَا مِنْ النُّور التَّامّ يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي.
قَالَ : فَأَصْبَحَ سَلِيمًا.
وَأَسْنَدَ عَنْ مَكْحُول قَالَ :( مَنْ قَرَأَ سُورَة " آل عِمْرَان " يَوْم الْجُمْعَة صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة إِلَى اللَّيْل ) وَأَسْنَدَ عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان قَالَ :( مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة " آل عِمْرَان " فِي لَيْلَة كُتِبَ لَهُ قِيَام لَيْلَة ) فِي طَرِيقه اِبْن لَهِيعَة.
وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ النَّوَّاس بْن سِمْعَان الْكِلَابِيّ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْله الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمهُ سُورَة الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان )، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَة أَمْثَال مَا نَسِيتهنَّ بَعْد، قَالَ :- كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنهمَا شَرْق، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَان مِنْ طَيْر صَوَافّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبهمَا.
وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( اِقْرَءُوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اِقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَة وَسُورَة آل عِمْرَان فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْر صَوَافّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابهمَا اِقْرَءُوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّ أَخْذهَا بَرَكَة وَتَرْكهَا حَسْرَة وَلَا يَسْتَطِيعهَا الْبَطَلَة ).
قَالَ مُعَاوِيَة : وَبَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَة السَّحَرَة.
[ الرَّابِعَة ] : لِلْعُلَمَاءِ فِي تَسْمِيَة " الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان " بِالزَّهْرَاوَيْنِ ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : إِنَّهُمَا النَّيِّرَتَانِ، مَأْخُوذ مِنْ الزَّهْر وَالزُّهْرَة ; فَإِمَّا لِهِدَايَتِهِمَا قَارِئَهُمَا بِمَا يُزْهِر لَهُ مِنْ أَنْوَارهمَا، أَيْ مِنْ مَعَانِيهمَا.
وَإِمَّا لِمَا يَتَرَتَّب عَلَى قِرَاءَتهمَا مِنْ النُّور التَّامّ يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي.
الثَّالِث : سُمِّيَتَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا اِشْتَرَكَتَا فِيمَا تَضَمَّنَهُ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم ; كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْره عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم وَاَلَّتِي فِي آل عِمْرَان اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم ) أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ أَيْضًا.
وَالْغَمَام : السَّحَاب الْمُلْتَفّ، وَهُوَ الْغَيَايَة إِذَا كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ الرَّأْس، وَهِيَ الظُّلَّة أَيْضًا.
وَالْمَعْنَى : إِنَّ قَارِئَهُمَا فِي ظِلّ ثَوَابهمَا ; كَمَا جَاءَ ( الرَّجُل فِي ظِلّ صَدَقَته ) وَقَوْله :( تُحَاجَّانِ ) أَيْ يَخْلُق اللَّه مَنْ يُجَادِل عَنْهُ بِثَوَابِهِمَا مَلَائِكَة كَمَا جَاءَ فِي بَعْض الْحَدِيث :( إِنَّ مَنْ قَرَأَ " شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ.
" الْآيَة خَلَقَ اللَّه سَبْعِينَ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ).
وَقَوْله :( بَيْنهمَا شَرْق ) قُيِّدَ بِسُكُونِ الرَّاء وَفَتْحهَا وَهُوَ تَنْبِيه عَلَى الضِّيَاء ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ :( سَوْدَاوَانِ ) قَدْ يُتَوَهَّم أَنَّهُمَا مُظْلِمَتَانِ، فَنَفَى ذَلِكَ.
بِقَوْلِهِ :( بَيْنهمَا شَرْق ).
وَيَعْنِي بِكَوْنِهِمَا سَوْدَاوَانِ أَيْ مِنْ كَثَافَتهمَا الَّتِي بِسَبَبِهَا حَالَتَا بَيْنَ مَنْ تَحْتهمَا وَبَيْن حَرَارَة الشَّمْس وَشِدَّة اللَّهَب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
[ الْخَامِسَة ] : صَدْر هَذِهِ السُّورَة نَزَلَ بِسَبَبِ وَفْد نَجْرَان فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر، وَكَانُوا نَصَارَى وَفَدُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا، فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافهمْ أَرْبَعَة عَشَر رَجُلًا، فِي الْأَرْبَعَة عَشَر ثَلَاثَة نَفَر إِلَيْهِمْ يَرْجِع أَمْرهمْ : الْعَاقِب أَمِير الْقَوْم وَذُو آرَائِهِمْ وَاسْمه عَبْد الْمَسِيح، وَالسَّيِّد ثِمَالهمْ وَصَاحِب مُجْتَمَعهمْ وَاسْمه الْأَيْهَم، وَأَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة أَحَد بَكْر بْن وَائِل أُسْقُفّهمْ وَعَالِمهمْ ; فَدَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْر صَلَاة الْعَصْر، عَلَيْهِمْ ثِيَاب الْحِبَرَات جُبَب وَأَرْدِيَة فَقَالَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلهمْ جَمَالًا وَجَلَالَة.
وَحَانَتْ صَلَاتهمْ فَقَامُوا فَصَلَّوْا فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَشْرِق.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( دَعُوهُمْ ).
ثُمَّ أَقَامُوا بِهَا أَيَّامًا يُنَاظِرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ اِبْن اللَّه، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَقْوَال شَنِيعَة مُضْطَرِبَة، وَرَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدّ عَلَيْهِمْ بِالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَة وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ، وَنَزَلَ فِيهِمْ صَدْر هَذِهِ السُّورَة إِلَى نَيِّف وَثَمَانِينَ آيَة ; إِلَى أَنْ آل أَمْرهمْ إِلَى أَنْ دَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُبَاهَلَة، حَسْب مَا هُوَ مَذْكُور فِي سِيرَة اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره.
وَالْغَمَام : السَّحَاب الْمُلْتَفّ، وَهُوَ الْغَيَايَة إِذَا كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ الرَّأْس، وَهِيَ الظُّلَّة أَيْضًا.
وَالْمَعْنَى : إِنَّ قَارِئَهُمَا فِي ظِلّ ثَوَابهمَا ; كَمَا جَاءَ ( الرَّجُل فِي ظِلّ صَدَقَته ) وَقَوْله :( تُحَاجَّانِ ) أَيْ يَخْلُق اللَّه مَنْ يُجَادِل عَنْهُ بِثَوَابِهِمَا مَلَائِكَة كَمَا جَاءَ فِي بَعْض الْحَدِيث :( إِنَّ مَنْ قَرَأَ " شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ.
" الْآيَة خَلَقَ اللَّه سَبْعِينَ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ).
وَقَوْله :( بَيْنهمَا شَرْق ) قُيِّدَ بِسُكُونِ الرَّاء وَفَتْحهَا وَهُوَ تَنْبِيه عَلَى الضِّيَاء ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ :( سَوْدَاوَانِ ) قَدْ يُتَوَهَّم أَنَّهُمَا مُظْلِمَتَانِ، فَنَفَى ذَلِكَ.
بِقَوْلِهِ :( بَيْنهمَا شَرْق ).
وَيَعْنِي بِكَوْنِهِمَا سَوْدَاوَانِ أَيْ مِنْ كَثَافَتهمَا الَّتِي بِسَبَبِهَا حَالَتَا بَيْنَ مَنْ تَحْتهمَا وَبَيْن حَرَارَة الشَّمْس وَشِدَّة اللَّهَب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
[ الْخَامِسَة ] : صَدْر هَذِهِ السُّورَة نَزَلَ بِسَبَبِ وَفْد نَجْرَان فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر، وَكَانُوا نَصَارَى وَفَدُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا، فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافهمْ أَرْبَعَة عَشَر رَجُلًا، فِي الْأَرْبَعَة عَشَر ثَلَاثَة نَفَر إِلَيْهِمْ يَرْجِع أَمْرهمْ : الْعَاقِب أَمِير الْقَوْم وَذُو آرَائِهِمْ وَاسْمه عَبْد الْمَسِيح، وَالسَّيِّد ثِمَالهمْ وَصَاحِب مُجْتَمَعهمْ وَاسْمه الْأَيْهَم، وَأَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة أَحَد بَكْر بْن وَائِل أُسْقُفّهمْ وَعَالِمهمْ ; فَدَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْر صَلَاة الْعَصْر، عَلَيْهِمْ ثِيَاب الْحِبَرَات جُبَب وَأَرْدِيَة فَقَالَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلهمْ جَمَالًا وَجَلَالَة.
وَحَانَتْ صَلَاتهمْ فَقَامُوا فَصَلَّوْا فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَشْرِق.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( دَعُوهُمْ ).
ثُمَّ أَقَامُوا بِهَا أَيَّامًا يُنَاظِرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ اِبْن اللَّه، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَقْوَال شَنِيعَة مُضْطَرِبَة، وَرَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدّ عَلَيْهِمْ بِالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَة وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ، وَنَزَلَ فِيهِمْ صَدْر هَذِهِ السُّورَة إِلَى نَيِّف وَثَمَانِينَ آيَة ; إِلَى أَنْ آل أَمْرهمْ إِلَى أَنْ دَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُبَاهَلَة، حَسْب مَا هُوَ مَذْكُور فِي سِيرَة اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره.
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
يَعْنِي الْقُرْآن وَالْقُرْآن نُزِّلَ نُجُومًا : شَيْئًا بَعْد شَيْء ; فَلِذَلِكَ قَالَ " نَزَّلَ " وَالتَّنْزِيل مَرَّة بَعْد مَرَّة.
وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل نَزَلَا دُفْعَة وَاحِدَة فَلِذَلِكَ قَالَ " أَنْزَلَ " وَالْبَاء فِي قَوْله " بِالْحَقِّ " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْكِتَاب وَالْبَاء مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ التَّقْدِير آتَيَا بِالْحَقِّ وَلَا تَتَعَلَّق ب " نَزَّلَ " لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدهمَا بِحَرْفِ جَرّ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِث.
يَعْنِي الْقُرْآن وَالْقُرْآن نُزِّلَ نُجُومًا : شَيْئًا بَعْد شَيْء ; فَلِذَلِكَ قَالَ " نَزَّلَ " وَالتَّنْزِيل مَرَّة بَعْد مَرَّة.
وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل نَزَلَا دُفْعَة وَاحِدَة فَلِذَلِكَ قَالَ " أَنْزَلَ " وَالْبَاء فِي قَوْله " بِالْحَقِّ " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْكِتَاب وَالْبَاء مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ التَّقْدِير آتَيَا بِالْحَقِّ وَلَا تَتَعَلَّق ب " نَزَّلَ " لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدهمَا بِحَرْفِ جَرّ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِث.
بِالْحَقِّ
أَيْ بِالصِّدْقِ وَقِيلَ : بِالْحُجَّةِ الْغَالِبَة.
أَيْ بِالصِّدْقِ وَقِيلَ : بِالْحُجَّةِ الْغَالِبَة.
مُصَدِّقًا
حَال مُؤَكَّدَة غَيْر مُنْتَقِلَة ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن أَنْ يَكُون غَيْر مُصَدِّق، أَيْ غَيْر مُوَافِق ; هَذَا قَوْل الْجُمْهُور.
وَقَدَّرَ فِيهِ بَعْضهمْ الِانْتِقَال، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُصَدِّق لِنَفْسِهِ وَمُصَدِّق لِغَيْرِهِ.
حَال مُؤَكَّدَة غَيْر مُنْتَقِلَة ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن أَنْ يَكُون غَيْر مُصَدِّق، أَيْ غَيْر مُوَافِق ; هَذَا قَوْل الْجُمْهُور.
وَقَدَّرَ فِيهِ بَعْضهمْ الِانْتِقَال، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُصَدِّق لِنَفْسِهِ وَمُصَدِّق لِغَيْرِهِ.
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
يَعْنِي مِنْ الْكُتُب الْمُنَزَّلَة.
يَعْنِي مِنْ الْكُتُب الْمُنَزَّلَة.
وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
وَالتَّوْرَاة مَعْنَاهَا الضِّيَاء وَالنُّور مُشْتَقَّة مِنْ وَرَى الزَّنْد وَوَرِيَ لُغَتَانِ إِذَا خَرَجَتْ نَاره وَأَصْلهَا تَوْرِيَة عَلَى وَزْن تَفْعِلَة التَّاء زَائِدَة وَتَحَرَّكَتْ الْيَاء وَقَبْلهَا فَتْحَة فَقُلِبَتْ أَلِفًا وَيَجُوز أَنْ تَكُون تَفْعِلَة فَتُنْقَل الرَّاء مِنْ الْكَسْر إِلَى الْفَتْح كَمَا قَالُوا فِي جَارِيَة جَارَاة وَفِي نَاصِيَة نَاصَاة كِلَاهُمَا عَنْ الْفَرَّاء وَقَالَ الْخَلِيل : أَصْلهَا فَوْعَلَة فَالْأَصْل وَوْرَيَة قُلِبَتْ الْوَاو الْأُولَى تَاء كَمَا قُلِبَتْ فِي تَوْلَج وَالْأَصْل وَوْلَج فَوْعَل مِنْ وَلَجَت وَقُلِبَتْ الْيَاء أَلِفًا لِحَرَكَتِهَا وَانْفِتَاح مَا قَبْلهَا وَبِنَاء فَوْعَلَة أَكْثَر مِنْ تَفْعِلَة.
وَقِيلَ : التَّوْرَاة مَأْخُوذَة مِنْ التَّوْرِيَة، وَهِيَ التَّعْرِيض بِالشَّيْءِ وَالْكِتْمَان لِغَيْرِهِ ; فَكَأَنَّ أَكْثَر التَّوْرَاة مَعَارِيض وَتَلْوِيحَات مِنْ غَيْر تَصْرِيح وَإِيضَاح، هَذَا قَوْل الْمُؤَرِّج.
وَالْجُمْهُور عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٤٨ ] يَعْنِي التَّوْرَاة.
وَالْإِنْجِيل إِفْعِيل مِنْ النَّجْل وَهُوَ الْأَصْل، وَيُجْمَع عَلَى أَنَاجِيل وَتَوْرَاة عَلَى تَوَارٍ ; فَالْإِنْجِيل أَصْل لِعُلُومٍ وَحِكَم.
وَيُقَال : لَعَنَ اللَّه نَاجِلَيْهِ، يَعْنِي وَالِدَيْهِ، إِذْ كَانَ أَصْله.
وَقِيلَ : هُوَ مِنْ نَجَلْت الشَّيْء إِذَا اِسْتَخْرَجْته ; فَالْإِنْجِيل مُسْتَخْرَج بِهِ عُلُوم وَحِكَم ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الْوَلَد وَالنَّسْل نَجْلًا لِخُرُوجِهِ ; كَمَا قَالَ :
وَالنَّجْل الْمَاء الَّذِي يَخْرُج مِنْ النَّزّ.
وَاسْتَنْجَلَتْ الْأَرْض، وَبِهَا نِجَال إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَاء، فَسُمِّيَ الْإِنْجِيل بِهِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ بِهِ دَارِسًا مِنْ الْحَقّ عَافِيًا.
وَقِيلَ : هُوَ مِنْ النَّجَل فِي الْعَيْن ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَهُوَ سَعَتهَا ; وَطَعْنَة نَجْلَاء، أَيْ وَاسِعَة ; قَالَ :
فَسُمِّيَ الْإِنْجِيل بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَصْل أَخْرَجَهُ لَهُمْ وَوَسَّعَهُ عَلَيْهِمْ وَنُورًا وَضِيَاء.
وَقِيلَ : التَّنَاجُل التَّنَازُع ; وَسُمِّيَ إِنْجِيلًا لِتَنَازُعِ النَّاس فِيهِ.
وَحَكَى شَمِر عَنْ بَعْضهمْ : الْإِنْجِيل كُلّ كِتَاب مَكْتُوب وَافِر السُّطُور.
وَقِيلَ : نَجَلَ عَمِلَ وَصَنَعَ ; قَالَ :
وَأَنْجَل فِي ذَاكَ الصَّنِيع كَمَا نَجَل
أَيْ اِعْمَلْ وَاصْنَعْ.
وَقِيلَ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ اللُّغَة السُّرْيَانِيَّة.
وَقِيلَ : الْإِنْجِيل بِالسُّرْيَانِيَّةِ إنكليون ; حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْإِنْجِيل كِتَاب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُذَكَّر وَيُؤَنَّث ; فَمَنْ أَنَّثَ أَرَادَ الصَّحِيفَة، وَمَنْ ذَكَّرَ أَرَادَ الْكِتَاب.
قَالَ غَيْره : وَقَدْ يُسَمَّى الْقُرْآن إِنْجِيلًا أَيْضًا ; كَمَا رُوِيَ فِي قِصَّة مُنَاجَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( يَا رَبّ أَرَى فِي الْأَلْوَاح أَقْوَامًا أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي ).
وَالتَّوْرَاة مَعْنَاهَا الضِّيَاء وَالنُّور مُشْتَقَّة مِنْ وَرَى الزَّنْد وَوَرِيَ لُغَتَانِ إِذَا خَرَجَتْ نَاره وَأَصْلهَا تَوْرِيَة عَلَى وَزْن تَفْعِلَة التَّاء زَائِدَة وَتَحَرَّكَتْ الْيَاء وَقَبْلهَا فَتْحَة فَقُلِبَتْ أَلِفًا وَيَجُوز أَنْ تَكُون تَفْعِلَة فَتُنْقَل الرَّاء مِنْ الْكَسْر إِلَى الْفَتْح كَمَا قَالُوا فِي جَارِيَة جَارَاة وَفِي نَاصِيَة نَاصَاة كِلَاهُمَا عَنْ الْفَرَّاء وَقَالَ الْخَلِيل : أَصْلهَا فَوْعَلَة فَالْأَصْل وَوْرَيَة قُلِبَتْ الْوَاو الْأُولَى تَاء كَمَا قُلِبَتْ فِي تَوْلَج وَالْأَصْل وَوْلَج فَوْعَل مِنْ وَلَجَت وَقُلِبَتْ الْيَاء أَلِفًا لِحَرَكَتِهَا وَانْفِتَاح مَا قَبْلهَا وَبِنَاء فَوْعَلَة أَكْثَر مِنْ تَفْعِلَة.
وَقِيلَ : التَّوْرَاة مَأْخُوذَة مِنْ التَّوْرِيَة، وَهِيَ التَّعْرِيض بِالشَّيْءِ وَالْكِتْمَان لِغَيْرِهِ ; فَكَأَنَّ أَكْثَر التَّوْرَاة مَعَارِيض وَتَلْوِيحَات مِنْ غَيْر تَصْرِيح وَإِيضَاح، هَذَا قَوْل الْمُؤَرِّج.
وَالْجُمْهُور عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٤٨ ] يَعْنِي التَّوْرَاة.
وَالْإِنْجِيل إِفْعِيل مِنْ النَّجْل وَهُوَ الْأَصْل، وَيُجْمَع عَلَى أَنَاجِيل وَتَوْرَاة عَلَى تَوَارٍ ; فَالْإِنْجِيل أَصْل لِعُلُومٍ وَحِكَم.
وَيُقَال : لَعَنَ اللَّه نَاجِلَيْهِ، يَعْنِي وَالِدَيْهِ، إِذْ كَانَ أَصْله.
وَقِيلَ : هُوَ مِنْ نَجَلْت الشَّيْء إِذَا اِسْتَخْرَجْته ; فَالْإِنْجِيل مُسْتَخْرَج بِهِ عُلُوم وَحِكَم ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الْوَلَد وَالنَّسْل نَجْلًا لِخُرُوجِهِ ; كَمَا قَالَ :
إِلَى مَعْشَر لَمْ يُورِث اللُّؤْم جَدّهمْ | أَصَاغِرهمْ وَكُلّ فَحْل لَهُمْ نَجْلُ |
وَاسْتَنْجَلَتْ الْأَرْض، وَبِهَا نِجَال إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَاء، فَسُمِّيَ الْإِنْجِيل بِهِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ بِهِ دَارِسًا مِنْ الْحَقّ عَافِيًا.
وَقِيلَ : هُوَ مِنْ النَّجَل فِي الْعَيْن ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَهُوَ سَعَتهَا ; وَطَعْنَة نَجْلَاء، أَيْ وَاسِعَة ; قَالَ :
رُبَّمَا ضَرْبَة بِسَيْفٍ صَقِيل | بَيْنَ بُصْرَى وَطَعْنَة نَجْلَاء |
وَقِيلَ : التَّنَاجُل التَّنَازُع ; وَسُمِّيَ إِنْجِيلًا لِتَنَازُعِ النَّاس فِيهِ.
وَحَكَى شَمِر عَنْ بَعْضهمْ : الْإِنْجِيل كُلّ كِتَاب مَكْتُوب وَافِر السُّطُور.
وَقِيلَ : نَجَلَ عَمِلَ وَصَنَعَ ; قَالَ :
وَأَنْجَل فِي ذَاكَ الصَّنِيع كَمَا نَجَل
أَيْ اِعْمَلْ وَاصْنَعْ.
وَقِيلَ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ اللُّغَة السُّرْيَانِيَّة.
وَقِيلَ : الْإِنْجِيل بِالسُّرْيَانِيَّةِ إنكليون ; حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْإِنْجِيل كِتَاب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُذَكَّر وَيُؤَنَّث ; فَمَنْ أَنَّثَ أَرَادَ الصَّحِيفَة، وَمَنْ ذَكَّرَ أَرَادَ الْكِتَاب.
قَالَ غَيْره : وَقَدْ يُسَمَّى الْقُرْآن إِنْجِيلًا أَيْضًا ; كَمَا رُوِيَ فِي قِصَّة مُنَاجَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( يَا رَبّ أَرَى فِي الْأَلْوَاح أَقْوَامًا أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي ).
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ :( تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد ) صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْأَنَاجِيلِ الْقُرْآن.
وَقَرَأَ الْحَسَن :" وَالْأَنْجِيل " بِفَتْحِ الْهَمْزَة، وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ مِثْل الْإِكْلِيل، لُغَتَانِ.
وَيَحْتَمِل إِنْ سُمِعَ أَنْ يَكُون مِمَّا عَرَّبَتْهُ الْعَرَب مِنْ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة، وَلَا مِثَال لَهُ فِي كَلَامهَا.
وَقَرَأَ الْحَسَن :" وَالْأَنْجِيل " بِفَتْحِ الْهَمْزَة، وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ مِثْل الْإِكْلِيل، لُغَتَانِ.
وَيَحْتَمِل إِنْ سُمِعَ أَنْ يَكُون مِمَّا عَرَّبَتْهُ الْعَرَب مِنْ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة، وَلَا مِثَال لَهُ فِي كَلَامهَا.
مِنْ قَبْلُ
يَعْنِي الْقُرْآن
يَعْنِي الْقُرْآن
هُدًى لِلنَّاسِ
قَالَ اِبْن فُورك : التَّقْدِير هُدًى لِلنَّاسِ الْمُتَّقِينَ ; دَلِيله فِي الْبَقَرَة " هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢ ] فَرَدَّ هَذَا الْعَامّ إِلَى ذَلِكَ الْخَاصّ.
و " هُدًى " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال.
قَالَ اِبْن فُورك : التَّقْدِير هُدًى لِلنَّاسِ الْمُتَّقِينَ ; دَلِيله فِي الْبَقَرَة " هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢ ] فَرَدَّ هَذَا الْعَامّ إِلَى ذَلِكَ الْخَاصّ.
و " هُدًى " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال.
وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
الْقُرْآن وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الْقُرْآن وَقَدْ تَقَدَّمَ.
إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
هَذَا خَبَر عَنْ عِلْمه تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ عَلَى التَّفْصِيل ; وَمِثْله فِي الْقُرْآن كَثِير.
فَهُوَ الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لَا يَكُون ; فَكَيْفَ يَكُون عِيسَى إِلَهًا أَوْ ابْن إِلَه وَهُوَ تَخْفَى عَلَيْهِ الْأَشْيَاء.
هَذَا خَبَر عَنْ عِلْمه تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ عَلَى التَّفْصِيل ; وَمِثْله فِي الْقُرْآن كَثِير.
فَهُوَ الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لَا يَكُون ; فَكَيْفَ يَكُون عِيسَى إِلَهًا أَوْ ابْن إِلَه وَهُوَ تَخْفَى عَلَيْهِ الْأَشْيَاء.
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ
أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَصْوِيره لِلْبَشَرِ فِي أَرْحَام الْأُمَّهَات، وَأَصْل الرَّحِم مِنْ الرَّحْمَة، لِأَنَّهَا مِمَّا يُتَرَاحَم بِهِ.
وَاشْتِقَاق الصُّورَة مِنْ صَارَهُ إِلَى كَذَا إِذَا أَمَالَهُ ; فَالصُّورَة مَائِلَة إِلَى شَبَه وَهَيْئَة.
وَهَذِهِ الْآيَة تَعْظِيم لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي ضِمْنهَا الرَّدّ عَلَى نَصَارَى نَجْرَان، وَأَنَّ عِيسَى مِنْ الْمُصَوَّرِينَ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكِرهُ عَاقِل.
وَأَشَارَ تَعَالَى إِلَى شَرْح التَّصْوِير فِي سُورَة " الْحَجّ " و " الْمُؤْمِنُونَ ".
وَكَذَلِكَ شَرَحَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَفِيهَا الرَّدّ عَلَى الطَّبَائِعِيِّينَ أَيْضًا إِذْ يَجْعَلُونَهَا فَاعِلَة مُسْتَبِدَّة.
وَقَدْ مَضَى الرَّدّ عَلَيْهِمْ فِي آيَة التَّوْحِيد وَفِي مُسْنَد اِبْن سَنْجَر - وَاسْمه مُحَمَّد بْن سَنْجَر - حَدِيث ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْلُق عِظَام الْجَنِين وَغَضَارِيفه مِنْ مَنِيّ الرَّجُل وَشَحْمه وَلَحْمه مِنْ مَنِيّ الْمَرْأَة ).
وَفِي هَذَا أَدَلّ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْوَلَد يَكُون مِنْ مَاء الرَّجُل وَالْمَرْأَة، وَهُوَ صَرِيح فِي قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى " [ الْحُجُرَات : ١٣ ] وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث ثَوْبَان وَفِيهِ أَنَّ الْيَهُودِيّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجِئْت أَسْأَلك عَنْ شَيْء لَا يَعْلَمهُ أَحَد مِنْ أَه٢ْل الْأَرْض إِلَّا نَبِيّ أَوْ رَجُل أَوْ رَجُلَانِ.
قَالَ :( يَنْفَعك إِنْ حَدَّثْتُك ) ؟.
قَالَ : أَسْمَع بِأُذُنِي، قَالَ : جِئْتُك أَسْأَلك عَنْ الْوَلَد.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَاء الرَّجُل أَبْيَض وَمَاء الْمَرْأَة أَصْفَر فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيّ الرَّجُل مَنِيَّ الْمَرْأَة أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَة مَنِيّ الرَّجُل آنَثَا بِإِذْنِ اللَّه.
) الْحَدِيث.
وَسَيَأْتِي بَيَانه آخِر " الشُّورَى " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَصْوِيره لِلْبَشَرِ فِي أَرْحَام الْأُمَّهَات، وَأَصْل الرَّحِم مِنْ الرَّحْمَة، لِأَنَّهَا مِمَّا يُتَرَاحَم بِهِ.
وَاشْتِقَاق الصُّورَة مِنْ صَارَهُ إِلَى كَذَا إِذَا أَمَالَهُ ; فَالصُّورَة مَائِلَة إِلَى شَبَه وَهَيْئَة.
وَهَذِهِ الْآيَة تَعْظِيم لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي ضِمْنهَا الرَّدّ عَلَى نَصَارَى نَجْرَان، وَأَنَّ عِيسَى مِنْ الْمُصَوَّرِينَ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكِرهُ عَاقِل.
وَأَشَارَ تَعَالَى إِلَى شَرْح التَّصْوِير فِي سُورَة " الْحَجّ " و " الْمُؤْمِنُونَ ".
وَكَذَلِكَ شَرَحَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَفِيهَا الرَّدّ عَلَى الطَّبَائِعِيِّينَ أَيْضًا إِذْ يَجْعَلُونَهَا فَاعِلَة مُسْتَبِدَّة.
وَقَدْ مَضَى الرَّدّ عَلَيْهِمْ فِي آيَة التَّوْحِيد وَفِي مُسْنَد اِبْن سَنْجَر - وَاسْمه مُحَمَّد بْن سَنْجَر - حَدِيث ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْلُق عِظَام الْجَنِين وَغَضَارِيفه مِنْ مَنِيّ الرَّجُل وَشَحْمه وَلَحْمه مِنْ مَنِيّ الْمَرْأَة ).
وَفِي هَذَا أَدَلّ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْوَلَد يَكُون مِنْ مَاء الرَّجُل وَالْمَرْأَة، وَهُوَ صَرِيح فِي قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى " [ الْحُجُرَات : ١٣ ] وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث ثَوْبَان وَفِيهِ أَنَّ الْيَهُودِيّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجِئْت أَسْأَلك عَنْ شَيْء لَا يَعْلَمهُ أَحَد مِنْ أَه٢ْل الْأَرْض إِلَّا نَبِيّ أَوْ رَجُل أَوْ رَجُلَانِ.
قَالَ :( يَنْفَعك إِنْ حَدَّثْتُك ) ؟.
قَالَ : أَسْمَع بِأُذُنِي، قَالَ : جِئْتُك أَسْأَلك عَنْ الْوَلَد.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَاء الرَّجُل أَبْيَض وَمَاء الْمَرْأَة أَصْفَر فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيّ الرَّجُل مَنِيَّ الْمَرْأَة أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَة مَنِيّ الرَّجُل آنَثَا بِإِذْنِ اللَّه.
) الْحَدِيث.
وَسَيَأْتِي بَيَانه آخِر " الشُّورَى " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
كَيْفَ يَشَاءُ
يَعْنِي مِنْ حُسْن وَقُبْح وَسَوَاد وَبَيَاض وَطُول وَقِصَر وَسَلَامَة وَعَاهَة، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الشَّقَاء وَالسَّعَادَة.
وَذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَدْهَم أَنَّ الْقُرَّاء اِجْتَمَعُوا إِلَيْهِ لِيَسْمَعُوا مَا عِنْده مِنْ الْأَحَادِيث، فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي مَشْغُول عَنْكُمْ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاء، فَلَا أَتَفَرَّغ لِرِوَايَةِ الْحَدِيث.
فَقِيلَ لَهُ : وَمَا ذَاكَ الشُّغْل ؟ قَالَ : أَحَدهَا إِنِّي أَتَفَكَّر فِي يَوْم الْمِيثَاق حَيْثُ قَالَ :( هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي ) فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْت فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالثَّانِي حَيْثُ صُوِّرْت فِي الرَّحِم فَقَالَ الْمَلَك الَّذِي هُوَ مُوَكَّل عَلَى الْأَرْحَام :( يَا رَبّ شَقِيّ هُوَ أَمْ سَعِيد ) فَلَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ الْجَوَاب فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالثَّالِث حِينَ يَقْبِض مَلَك الْمَوْت رُوحِي فَيَقُول :( يَا رَبّ مَعَ الْكُفْر أَمْ مَعَ الْإِيمَان ) فَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَخْرُج الْجَوَاب وَالرَّابِع حَيْثُ يَقُول :" وَامْتَازُوا الْيَوْم أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ " [ يس : ٥٩ ] فَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَكُون.
يَعْنِي مِنْ حُسْن وَقُبْح وَسَوَاد وَبَيَاض وَطُول وَقِصَر وَسَلَامَة وَعَاهَة، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الشَّقَاء وَالسَّعَادَة.
وَذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَدْهَم أَنَّ الْقُرَّاء اِجْتَمَعُوا إِلَيْهِ لِيَسْمَعُوا مَا عِنْده مِنْ الْأَحَادِيث، فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي مَشْغُول عَنْكُمْ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاء، فَلَا أَتَفَرَّغ لِرِوَايَةِ الْحَدِيث.
فَقِيلَ لَهُ : وَمَا ذَاكَ الشُّغْل ؟ قَالَ : أَحَدهَا إِنِّي أَتَفَكَّر فِي يَوْم الْمِيثَاق حَيْثُ قَالَ :( هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي ) فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْت فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالثَّانِي حَيْثُ صُوِّرْت فِي الرَّحِم فَقَالَ الْمَلَك الَّذِي هُوَ مُوَكَّل عَلَى الْأَرْحَام :( يَا رَبّ شَقِيّ هُوَ أَمْ سَعِيد ) فَلَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ الْجَوَاب فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالثَّالِث حِينَ يَقْبِض مَلَك الْمَوْت رُوحِي فَيَقُول :( يَا رَبّ مَعَ الْكُفْر أَمْ مَعَ الْإِيمَان ) فَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَخْرُج الْجَوَاب وَالرَّابِع حَيْثُ يَقُول :" وَامْتَازُوا الْيَوْم أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ " [ يس : ٥٩ ] فَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَكُون.
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
أَيْ لَا خَالِق وَلَا مُصَوِّر سِوَاهُ وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى وَحْدَانِيّته، فَكَيْفَ يَكُون عِيسَى إِلَهًا مُصَوِّرًا وَهُوَ مُصَوَّر.
أَيْ لَا خَالِق وَلَا مُصَوِّر سِوَاهُ وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى وَحْدَانِيّته، فَكَيْفَ يَكُون عِيسَى إِلَهًا مُصَوِّرًا وَهُوَ مُصَوَّر.
الْعَزِيزُ
الَّذِي لَا يُغَالَب.
الَّذِي لَا يُغَالَب.
الْحَكِيمُ
ذُو الْحِكْمَة أَوْ الْمُحْكِم، وَهَذَا أَخَصّ بِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّصْوِير.
ذُو الْحِكْمَة أَوْ الْمُحْكِم، وَهَذَا أَخَصّ بِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّصْوِير.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رِضَى اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّر إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب " قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ ).
وَعَنْ أَبِي غَالِب قَالَ : كُنْت أَمْشِي مَعَ أَبِي أُمَامَة وَهُوَ عَلَى حِمَار لَهُ، حَتَّى إِذَا اِنْتَهَى إِلَى دَرَج مَسْجِد دِمَشْق فَإِذَا رُءُوس مَنْصُوبَة ; فَقَالَ : مَا هَذِهِ الرُّءُوس ؟ قِيلَ : هَذِهِ رُءُوس خَوَارِج يُجَاء بِهِمْ مِنْ الْعِرَاق فَقَالَ أَبُو أُمَامَة :( كِلَاب النَّار كِلَاب النَّار كِلَاب النَّار شَرّ قَتْلَى تَحْت ظِلّ السَّمَاء، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ - يَقُولهَا ثَلَاثًا - ثُمَّ بَكَى ) فَقُلْت : مَا يُبْكِيك يَا أَبَا أُمَامَة ؟ قَالَ : رَحْمَة لَهُمْ، ( إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فَخَرَجُوا مِنْهُ ; ثُمَّ قَرَأَ " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات.
" إِلَى آخِر الْآيَات.
ثُمَّ قَرَأَ " وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات.
" [ آل عِمْرَان : ١٠٥ ].
فَقُلْت : يَا أَبَا أُمَامَة، هُمْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قُلْت : أَشَيْء تَقُولهُ بِرَأْيِك أَمْ شَيْء سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي إِذًا لَجَرِيء إِنِّي إِذًا لَجَرِيء بَلْ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر مَرَّة وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاث وَلَا أَرْبَع وَلَا خَمْس وَلَا سِتّ وَلَا سَبْع، وَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، قَالَ : وَإِلَّا فَصُمَّتَا - قَالَهَا ثَلَاثًا - ) ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيل عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَسَائِرهمْ فِي النَّار وَلِتَزِيدَن عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأُمَّة وَاحِدَة وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَسَائِرهمْ فِي النَّار ).
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُحْكَمَات وَالْمُتَشَابِهَات عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْرهمَا :( الْمُحْكَمَات مِنْ آي الْقُرْآن مَا عُرِفَ تَأْوِيله وَفُهِمَ مَعْنَاهُ وَتَفْسِيره وَالْمُتَشَابِه مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إِلَى عِلْمه سَبِيل مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ دُونَ خَلْقه، قَالَ بَعْضهمْ : وَذَلِكَ مِثْل وَقْت قِيَام السَّاعَة، وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالدَّجَّال وَعِيسَى، وَنَحْو الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي أَوَائِل السُّوَر )
خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رِضَى اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّر إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب " قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ ).
وَعَنْ أَبِي غَالِب قَالَ : كُنْت أَمْشِي مَعَ أَبِي أُمَامَة وَهُوَ عَلَى حِمَار لَهُ، حَتَّى إِذَا اِنْتَهَى إِلَى دَرَج مَسْجِد دِمَشْق فَإِذَا رُءُوس مَنْصُوبَة ; فَقَالَ : مَا هَذِهِ الرُّءُوس ؟ قِيلَ : هَذِهِ رُءُوس خَوَارِج يُجَاء بِهِمْ مِنْ الْعِرَاق فَقَالَ أَبُو أُمَامَة :( كِلَاب النَّار كِلَاب النَّار كِلَاب النَّار شَرّ قَتْلَى تَحْت ظِلّ السَّمَاء، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ - يَقُولهَا ثَلَاثًا - ثُمَّ بَكَى ) فَقُلْت : مَا يُبْكِيك يَا أَبَا أُمَامَة ؟ قَالَ : رَحْمَة لَهُمْ، ( إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فَخَرَجُوا مِنْهُ ; ثُمَّ قَرَأَ " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات.
" إِلَى آخِر الْآيَات.
ثُمَّ قَرَأَ " وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات.
" [ آل عِمْرَان : ١٠٥ ].
فَقُلْت : يَا أَبَا أُمَامَة، هُمْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قُلْت : أَشَيْء تَقُولهُ بِرَأْيِك أَمْ شَيْء سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي إِذًا لَجَرِيء إِنِّي إِذًا لَجَرِيء بَلْ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر مَرَّة وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاث وَلَا أَرْبَع وَلَا خَمْس وَلَا سِتّ وَلَا سَبْع، وَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، قَالَ : وَإِلَّا فَصُمَّتَا - قَالَهَا ثَلَاثًا - ) ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيل عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَسَائِرهمْ فِي النَّار وَلِتَزِيدَن عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأُمَّة وَاحِدَة وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَسَائِرهمْ فِي النَّار ).
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُحْكَمَات وَالْمُتَشَابِهَات عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْرهمَا :( الْمُحْكَمَات مِنْ آي الْقُرْآن مَا عُرِفَ تَأْوِيله وَفُهِمَ مَعْنَاهُ وَتَفْسِيره وَالْمُتَشَابِه مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إِلَى عِلْمه سَبِيل مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ دُونَ خَلْقه، قَالَ بَعْضهمْ : وَذَلِكَ مِثْل وَقْت قِيَام السَّاعَة، وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالدَّجَّال وَعِيسَى، وَنَحْو الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي أَوَائِل السُّوَر )
قُلْت : هَذَا أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْمُتَشَابِه.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِل سُورَة الْبَقَرَة عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ.
) الْحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان : الْمُحْكَم فَاتِحَة الْكِتَاب الَّتِي لَا تُجْزِئ الصَّلَاة إِلَّا بِهَا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْفَضْل : سُورَة الْإِخْلَاص، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيد فَقَطْ.
وَقَدْ قِيلَ : الْقُرْآن كُلّه مُحْكَم : لِقَوْلِ تَعَالَى :" كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته " [ هُود : ١ ].
وَقِيلَ : كُلّه مُتَشَابِه ; لِقَوْلِهِ :" كِتَابًا مُتَشَابِهًا " [ الزُّمَر : ٢٣ ].
قُلْت : وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَعْنَى الْآيَة فِي شَيْء ; فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :" كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته " أَيْ فِي النَّظْم وَالرَّصْف وَأَنَّهُ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه.
وَمَعْنَى " كِتَابًا مُتَشَابِهًا "، أَيْ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا وَيُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا.
وَلَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ :" آيَات مُحْكَمَات وَأُخَر مُتَشَابِهَات " هَذَا الْمَعْنَى ; وَإِنَّمَا الْمُتَشَابِه فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ بَاب الِاحْتِمَال وَالِاشْتِبَاه، مِنْ قَوْله :" إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا " [ الْبَقَرَة : ٧٠ ] أَيْ اِلْتَبَسَ عَلَيْنَا، أَيْ يَحْتَمِل أَنْوَاعًا كَثِيرَة مِنْ الْبَقَر.
وَالْمُرَاد بِالْمُحْكَمِ مَا فِي مُقَابَلَة هَذَا، وَهُوَ مَا لَا اِلْتِبَاس فِيهِ وَلَا يَحْتَمِل إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُتَشَابِه مَا يَحْتَمِل وُجُوهًا، ثُمَّ إِذَا رُدَّتْ الْوُجُوه إِلَى وَجْه وَاحِد وَأَبْطَلَ الْبَاقِي صَارَ الْمُتَشَابِه مُحْكَمًا.
فَالْمُحْكَم أَبَدًا أَصْل تُرَدّ إِلَيْهِ الْفُرُوع ; وَالْمُتَشَابِه هُوَ الْفَرْع.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( الْمُحْكَمَات هُوَ قَوْله فِي سُورَة الْأَنْعَام " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ " [ الْأَنْعَام : ١٥١ ] إِلَى ثَلَاث آيَات، وَقَوْله فِي بَنِي إِسْرَائِيل :" وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [ الْإِسْرَاء : ٢٣ ] قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا عِنْدِي مِثَال أَعْطَاهُ فِي الْمُحْكَمَات.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا :( الْمُحْكَمَات نَاسِخه وَحَرَامه وَفَرَائِضه وَمَا يُؤْمِن بِهِ وَيَعْمَل بِهِ، وَالْمُتَشَابِهَات الْمَنْسُوخَات وَمُقَدَّمه وَمُؤَخَّره وَأَمْثَاله وَأَقْسَامه وَمَا يُؤْمِن بِهِ وَلَا يَعْمَل بِهِ ) وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره :( الْمُحْكَمَات النَّاسِخَات، وَالْمُتَشَابِهَات الْمَنْسُوخَات ) وَقَالَ قَتَادَة وَالرَّبِيع وَالضَّحَّاك.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : الْمُحْكَمَات هِيَ الَّتِي فِيهَا حُجَّة الرَّبّ وَعِصْمَة الْعِبَاد وَدَفْع الْخُصُوم وَالْبَاطِل، لَيْسَ لَهَا تَصْرِيف وَلَا تَحْرِيف عَمَّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ.
وَالْمُتَشَابِهَات لَهُنَّ تَصْرِيف وَتَحْرِيف وَتَأْوِيل، اِبْتَلَى اللَّه فِيهِنَّ الْعِبَاد ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَابْن إِسْحَاق.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِل سُورَة الْبَقَرَة عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ.
) الْحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان : الْمُحْكَم فَاتِحَة الْكِتَاب الَّتِي لَا تُجْزِئ الصَّلَاة إِلَّا بِهَا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْفَضْل : سُورَة الْإِخْلَاص، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيد فَقَطْ.
وَقَدْ قِيلَ : الْقُرْآن كُلّه مُحْكَم : لِقَوْلِ تَعَالَى :" كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته " [ هُود : ١ ].
وَقِيلَ : كُلّه مُتَشَابِه ; لِقَوْلِهِ :" كِتَابًا مُتَشَابِهًا " [ الزُّمَر : ٢٣ ].
قُلْت : وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَعْنَى الْآيَة فِي شَيْء ; فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :" كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته " أَيْ فِي النَّظْم وَالرَّصْف وَأَنَّهُ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه.
وَمَعْنَى " كِتَابًا مُتَشَابِهًا "، أَيْ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا وَيُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا.
وَلَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ :" آيَات مُحْكَمَات وَأُخَر مُتَشَابِهَات " هَذَا الْمَعْنَى ; وَإِنَّمَا الْمُتَشَابِه فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ بَاب الِاحْتِمَال وَالِاشْتِبَاه، مِنْ قَوْله :" إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا " [ الْبَقَرَة : ٧٠ ] أَيْ اِلْتَبَسَ عَلَيْنَا، أَيْ يَحْتَمِل أَنْوَاعًا كَثِيرَة مِنْ الْبَقَر.
وَالْمُرَاد بِالْمُحْكَمِ مَا فِي مُقَابَلَة هَذَا، وَهُوَ مَا لَا اِلْتِبَاس فِيهِ وَلَا يَحْتَمِل إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُتَشَابِه مَا يَحْتَمِل وُجُوهًا، ثُمَّ إِذَا رُدَّتْ الْوُجُوه إِلَى وَجْه وَاحِد وَأَبْطَلَ الْبَاقِي صَارَ الْمُتَشَابِه مُحْكَمًا.
فَالْمُحْكَم أَبَدًا أَصْل تُرَدّ إِلَيْهِ الْفُرُوع ; وَالْمُتَشَابِه هُوَ الْفَرْع.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( الْمُحْكَمَات هُوَ قَوْله فِي سُورَة الْأَنْعَام " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ " [ الْأَنْعَام : ١٥١ ] إِلَى ثَلَاث آيَات، وَقَوْله فِي بَنِي إِسْرَائِيل :" وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [ الْإِسْرَاء : ٢٣ ] قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا عِنْدِي مِثَال أَعْطَاهُ فِي الْمُحْكَمَات.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا :( الْمُحْكَمَات نَاسِخه وَحَرَامه وَفَرَائِضه وَمَا يُؤْمِن بِهِ وَيَعْمَل بِهِ، وَالْمُتَشَابِهَات الْمَنْسُوخَات وَمُقَدَّمه وَمُؤَخَّره وَأَمْثَاله وَأَقْسَامه وَمَا يُؤْمِن بِهِ وَلَا يَعْمَل بِهِ ) وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره :( الْمُحْكَمَات النَّاسِخَات، وَالْمُتَشَابِهَات الْمَنْسُوخَات ) وَقَالَ قَتَادَة وَالرَّبِيع وَالضَّحَّاك.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : الْمُحْكَمَات هِيَ الَّتِي فِيهَا حُجَّة الرَّبّ وَعِصْمَة الْعِبَاد وَدَفْع الْخُصُوم وَالْبَاطِل، لَيْسَ لَهَا تَصْرِيف وَلَا تَحْرِيف عَمَّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ.
وَالْمُتَشَابِهَات لَهُنَّ تَصْرِيف وَتَحْرِيف وَتَأْوِيل، اِبْتَلَى اللَّه فِيهِنَّ الْعِبَاد ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَابْن إِسْحَاق.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال فِي هَذِهِ الْآيَة.
قَالَ النَّحَّاس : أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْمُحْكَمَات، وَالْمُتَشَابِهَات أَنَّ الْمُحْكَمَات مَا كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاج أَنْ يَرْجِع فِيهِ إِلَى غَيْره ; نَحْو " لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَد " [ الْإِخْلَاص : ٤ ] " وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " [ طَه : ٨٢ ].
وَالْمُتَشَابِهَات نَحْو " إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا " [ الزُّمَر : ٥٣ ] يَرْجِع فِيهِ إِلَى قَوْله جَلَّ وَعَلَا :" وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " [ طَه : ٨٢ ] وَإِلَى قَوْل عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ " [ النِّسَاء : ٤٨، ١١٦ ].
قُلْت : مَا قَالَهُ النَّحَّاس يُبَيِّن مَا اِخْتَارَهُ اِبْن عَطِيَّة، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى وَضْع اللِّسَان ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْكِم اِسْم مَفْعُول مِنْ أَحْكَمَ، وَالْإِحْكَام الْإِتْقَان ; وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا كَانَ وَاضِح الْمَعْنَى، لَا إِشْكَال فِيهِ وَلَا تَرَدُّد، إِنَّمَا يَكُون كَذَلِكَ لِوُضُوحِ مُفْرَدَات كَلِمَاته وَإِتْقَان تَرْكِيبهَا ; وَمَتَى اِخْتَلَّ أَحَد الْأَمْرَيْنِ جَاءَ التَّشَابُه وَالْإِشْكَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : لِلْمُتَشَابِهِ وُجُوه، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ الْحُكْم مَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاء أَيّ الْآيَتَيْنِ نَسَخَتْ الْأُخْرَى ; كَقَوْلِ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس فِي الْحَامِل الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا ( تَعْتَدّ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ) فَكَانَ عُمَر وَزَيْد بْن ثَابِت وَابْن مَسْعُود وَغَيْرهمْ يَقُولُونَ ( وَضْع الْحَمْل ) وَيَقُولُونَ :( سُورَة النِّسَاء الْقُصْرَى نَسَخَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا ) وَكَانَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس يَقُولَانِ لَمْ تَنْسَخ.
وَكَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَصِيَّة لِلْوَارِثِ هَلْ نُسِخَتْ أَمْ لَمْ تُنْسَخ.
وَكَتَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ أَيّهمَا أَوْلَى أَنْ تُقَدَّم إِذَا لَمْ يُعْرَف النَّسْخ وَلَمْ تُوجَد شَرَائِطه ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ] يَقْتَضِي الْجَمْع بَيْنَ الْأَقَارِب مِنْ مِلْك الْيَمِين، وَقَوْله تَعَالَى :" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " [ النِّسَاء : ٢٣ ] يَمْنَع ذَلِكَ.
وَمِنْهُ أَيْضًا تَعَارُض الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَارُض الْأَقْيِسَة، فَذَلِكَ الْمُتَشَابِه.
وَلَيْسَ مِنْ الْمُتَشَابِه أَنْ تَقْرَأ الْآيَة بِقِرَاءَتَيْنِ وَيَكُون الِاسْم مُحْتَمِلًا أَوْ مُجْمَلًا يَحْتَاج إِلَى تَفْسِير لِأَنَّ الْوَاجِب مِنْهُ قَدْر مَا يَتَنَاوَل الِاسْم أَوْ جَمِيعه.
وَالْقِرَاءَتَانِ كَالْآيَتَيْنِ يَجِب الْعَمَل بِمُوجِبِهِمَا جَمِيعًا ; كَمَا قُرِئَ :" وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٦ ] بِالْفَتْحِ وَالْكَسْر، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه " فِي الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس : إِنِّي أَجِد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تَخْتَلِف عَلَيَّ.
وَالْمُتَشَابِهَات نَحْو " إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا " [ الزُّمَر : ٥٣ ] يَرْجِع فِيهِ إِلَى قَوْله جَلَّ وَعَلَا :" وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " [ طَه : ٨٢ ] وَإِلَى قَوْل عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ " [ النِّسَاء : ٤٨، ١١٦ ].
قُلْت : مَا قَالَهُ النَّحَّاس يُبَيِّن مَا اِخْتَارَهُ اِبْن عَطِيَّة، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى وَضْع اللِّسَان ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْكِم اِسْم مَفْعُول مِنْ أَحْكَمَ، وَالْإِحْكَام الْإِتْقَان ; وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا كَانَ وَاضِح الْمَعْنَى، لَا إِشْكَال فِيهِ وَلَا تَرَدُّد، إِنَّمَا يَكُون كَذَلِكَ لِوُضُوحِ مُفْرَدَات كَلِمَاته وَإِتْقَان تَرْكِيبهَا ; وَمَتَى اِخْتَلَّ أَحَد الْأَمْرَيْنِ جَاءَ التَّشَابُه وَالْإِشْكَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : لِلْمُتَشَابِهِ وُجُوه، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ الْحُكْم مَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاء أَيّ الْآيَتَيْنِ نَسَخَتْ الْأُخْرَى ; كَقَوْلِ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس فِي الْحَامِل الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا ( تَعْتَدّ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ) فَكَانَ عُمَر وَزَيْد بْن ثَابِت وَابْن مَسْعُود وَغَيْرهمْ يَقُولُونَ ( وَضْع الْحَمْل ) وَيَقُولُونَ :( سُورَة النِّسَاء الْقُصْرَى نَسَخَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا ) وَكَانَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس يَقُولَانِ لَمْ تَنْسَخ.
وَكَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَصِيَّة لِلْوَارِثِ هَلْ نُسِخَتْ أَمْ لَمْ تُنْسَخ.
وَكَتَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ أَيّهمَا أَوْلَى أَنْ تُقَدَّم إِذَا لَمْ يُعْرَف النَّسْخ وَلَمْ تُوجَد شَرَائِطه ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ] يَقْتَضِي الْجَمْع بَيْنَ الْأَقَارِب مِنْ مِلْك الْيَمِين، وَقَوْله تَعَالَى :" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " [ النِّسَاء : ٢٣ ] يَمْنَع ذَلِكَ.
وَمِنْهُ أَيْضًا تَعَارُض الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَارُض الْأَقْيِسَة، فَذَلِكَ الْمُتَشَابِه.
وَلَيْسَ مِنْ الْمُتَشَابِه أَنْ تَقْرَأ الْآيَة بِقِرَاءَتَيْنِ وَيَكُون الِاسْم مُحْتَمِلًا أَوْ مُجْمَلًا يَحْتَاج إِلَى تَفْسِير لِأَنَّ الْوَاجِب مِنْهُ قَدْر مَا يَتَنَاوَل الِاسْم أَوْ جَمِيعه.
وَالْقِرَاءَتَانِ كَالْآيَتَيْنِ يَجِب الْعَمَل بِمُوجِبِهِمَا جَمِيعًا ; كَمَا قُرِئَ :" وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٦ ] بِالْفَتْحِ وَالْكَسْر، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه " فِي الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس : إِنِّي أَجِد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تَخْتَلِف عَلَيَّ.
قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ :" فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٠١ ] وَقَالَ :" وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ " [ الصَّافَّات : ٢٧ ] وَقَالَ :" وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " [ النِّسَاء : ٤٢ ] وَقَالَ :" وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " [ الْأَنْعَام : ٢٣ ] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَفِي النَّازِعَات " أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا " إِلَى قَوْله " دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٢٦
٢٧ -
٢٨ -
٢٩ - ٣٠ ] فَذَكَرَ خَلْق السَّمَاء قَبْل خَلْق الْأَرْض، ثُمَّ قَالَ :" أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ.
إِلَى : طَائِعِينَ " [ فُصِّلَتْ : ٩، ١٠، ١١ ] فَذَكَرَ فِي هَذَا خَلْق الْأَرْض قَبْل خَلْق السَّمَاء.
وَقَالَ :" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " [ النِّسَاء : ١٠٠ ] " وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا " [ النِّسَاء : ١٥٨ ].
" وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا بَصِيرًا " [ النِّسَاء : ١٣٤ ] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى.
فَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ " فِي النَّفْخَة الْأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه، فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ عِنْد ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ; ثُمَّ فِي النَّفْخَة الْآخِرَة أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ.
وَأَمَّا قَوْله :" مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " فَإِنَّ اللَّه يَغْفِر لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَعَالَوْا نَقُول : لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ; فَخَتَمَ اللَّه عَلَى أَفْوَاههمْ فَتَنْطِق جَوَارِحهمْ بِأَعْمَالِهِمْ ; فَعِنْد ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّه لَا يُكْتَم حَدِيثًا، وَعِنْده يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
وَخَلَقَ اللَّه الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْض أَيْ بَسَطَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاء وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَال وَالْأَشْجَار وَالْآكَام وَمَا بَيْنهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ; فَذَلِكَ قَوْله :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا ".
فَخُلِقَتْ الْأَرْض وَمَا فِيهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام، وَخُلِقَتْ السَّمَاء فِي يَوْمَيْنِ.
وَقَوْله :" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " يَعْنِي نَفْسه ذَلِكَ، أَيْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَال كَذَلِكَ ; فَإِنَّ اللَّه لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ.
وَيْحك فَلَا يَخْتَلِف عَلَيْك الْقُرْآن ; فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْد اللَّه )
" وَأُخَر مُتَشَابِهَات " لَمْ تُصْرَف " أُخَر " لِأَنَّهَا عُدِلَتْ عَنْ الْأَلِف وَاللَّام ; لِأَنَّ أَصْلهَا أَنْ تَكُون صِفَة بِالْأَلِفِ وَاللَّام كَالْكِبَرِ وَالصِّغَر ; فَلَمَّا عُدِلَتْ عَنْ مَجْرَى الْأَلِف وَاللَّام مُنِعَتْ الصَّرْف.
أَبُو عُبَيْد : لَمْ يَصْرِفُوهَا لِأَنَّ وَاحِدهَا لَا يَنْصَرِف فِي مَعْرِفَة وَلَا نَكِرَة.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُبَرِّد وَقَالَ : يَجِب عَلَى هَذَا أَلَّا يَنْصَرِف غِضَاب وَعِطَاش.
الْكِسَائِيّ : لَمْ تَنْصَرِف لِأَنَّهَا صِفَة.
وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّد أَيْضًا وَقَالَ : إِنَّ لُبَدًا وَحُطَمًا صِفَتَانِ وَهُمَا مُنْصَرِفَانِ.
وَفِي النَّازِعَات " أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا " إِلَى قَوْله " دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٢٦
٢٧ -
٢٨ -
٢٩ - ٣٠ ] فَذَكَرَ خَلْق السَّمَاء قَبْل خَلْق الْأَرْض، ثُمَّ قَالَ :" أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ.
إِلَى : طَائِعِينَ " [ فُصِّلَتْ : ٩، ١٠، ١١ ] فَذَكَرَ فِي هَذَا خَلْق الْأَرْض قَبْل خَلْق السَّمَاء.
وَقَالَ :" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " [ النِّسَاء : ١٠٠ ] " وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا " [ النِّسَاء : ١٥٨ ].
" وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا بَصِيرًا " [ النِّسَاء : ١٣٤ ] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى.
فَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ " فِي النَّفْخَة الْأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه، فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ عِنْد ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ; ثُمَّ فِي النَّفْخَة الْآخِرَة أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ.
وَأَمَّا قَوْله :" مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " فَإِنَّ اللَّه يَغْفِر لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَعَالَوْا نَقُول : لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ; فَخَتَمَ اللَّه عَلَى أَفْوَاههمْ فَتَنْطِق جَوَارِحهمْ بِأَعْمَالِهِمْ ; فَعِنْد ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّه لَا يُكْتَم حَدِيثًا، وَعِنْده يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
وَخَلَقَ اللَّه الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْض أَيْ بَسَطَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاء وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَال وَالْأَشْجَار وَالْآكَام وَمَا بَيْنهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ; فَذَلِكَ قَوْله :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا ".
فَخُلِقَتْ الْأَرْض وَمَا فِيهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام، وَخُلِقَتْ السَّمَاء فِي يَوْمَيْنِ.
وَقَوْله :" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " يَعْنِي نَفْسه ذَلِكَ، أَيْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَال كَذَلِكَ ; فَإِنَّ اللَّه لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ.
وَيْحك فَلَا يَخْتَلِف عَلَيْك الْقُرْآن ; فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْد اللَّه )
" وَأُخَر مُتَشَابِهَات " لَمْ تُصْرَف " أُخَر " لِأَنَّهَا عُدِلَتْ عَنْ الْأَلِف وَاللَّام ; لِأَنَّ أَصْلهَا أَنْ تَكُون صِفَة بِالْأَلِفِ وَاللَّام كَالْكِبَرِ وَالصِّغَر ; فَلَمَّا عُدِلَتْ عَنْ مَجْرَى الْأَلِف وَاللَّام مُنِعَتْ الصَّرْف.
أَبُو عُبَيْد : لَمْ يَصْرِفُوهَا لِأَنَّ وَاحِدهَا لَا يَنْصَرِف فِي مَعْرِفَة وَلَا نَكِرَة.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُبَرِّد وَقَالَ : يَجِب عَلَى هَذَا أَلَّا يَنْصَرِف غِضَاب وَعِطَاش.
الْكِسَائِيّ : لَمْ تَنْصَرِف لِأَنَّهَا صِفَة.
وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّد أَيْضًا وَقَالَ : إِنَّ لُبَدًا وَحُطَمًا صِفَتَانِ وَهُمَا مُنْصَرِفَانِ.
سِيبَوَيْهِ : لَا يَجُوز أَنْ تَكُون أُخَر مَعْدُولَة عَنْ الْأَلِف وَاللَّام ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَعْدُولَة عَنْ الْأَلِف وَاللَّام لَكَانَ مَعْرِفَة، أَلَا تَرَى أَنَّ سَحَرَ مَعْرِفَة فِي جَمِيع الْأَقَاوِيل لَمَّا كَانَتْ مَعْدُولَة عَنْ السِّحْر، وَأَمْس فِي قَوْل مَنْ قَالَ : ذَهَبَ أَمْس مَعْدُولًا عَنْ الْأَمْس ; فَلَوْ كَانَ أُخَر مَعْدُولًا أَيْضًا عَنْ الْأَلِف وَاللَّام لَكَانَ مَعْرِفَة، وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى بِالنَّكِرَةِ.
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
الَّذِينَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر " فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ".
وَالزَّيْغ الْمَيْل ; وَمِنْهُ زَاغَتْ الشَّمْس، وَزَاغَتْ الْأَبْصَار.
وَيُقَال : زَاغَ يَزِيغ زَيْغًا إِذَا تُرِكَ الْقَصْد ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّه قُلُوبهمْ " [ الصَّفّ : ٥ ].
وَهَذِهِ الْآيَة تَعُمّ كُلّ طَائِفَة مِنْ كَافِر وَزِنْدِيق وَجَاهِل وَصَاحِب بِدْعَة، وَإِنْ كَانَتْ الْإِشَارَة بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْت إِلَى نَصَارَى نَجْرَان.
وَقَالَ قَتَادَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى :" فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ " : إِنْ لَمْ يَكُونُوا الْحَرُورِيَّة وَأَنْوَاع الْخَوَارِج فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ.
قُلْت : قَدْ مَرَّ هَذَا التَّفْسِير عَنْ أَبِي أُمَامَة مَرْفُوعًا، وَحَسْبك.
الَّذِينَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر " فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ".
وَالزَّيْغ الْمَيْل ; وَمِنْهُ زَاغَتْ الشَّمْس، وَزَاغَتْ الْأَبْصَار.
وَيُقَال : زَاغَ يَزِيغ زَيْغًا إِذَا تُرِكَ الْقَصْد ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّه قُلُوبهمْ " [ الصَّفّ : ٥ ].
وَهَذِهِ الْآيَة تَعُمّ كُلّ طَائِفَة مِنْ كَافِر وَزِنْدِيق وَجَاهِل وَصَاحِب بِدْعَة، وَإِنْ كَانَتْ الْإِشَارَة بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْت إِلَى نَصَارَى نَجْرَان.
وَقَالَ قَتَادَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى :" فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ " : إِنْ لَمْ يَكُونُوا الْحَرُورِيَّة وَأَنْوَاع الْخَوَارِج فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ.
قُلْت : قَدْ مَرَّ هَذَا التَّفْسِير عَنْ أَبِي أُمَامَة مَرْفُوعًا، وَحَسْبك.
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ
قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ : مُتَّبِعُو الْمُتَشَابِه لَا يَخْلُو أَنْ يَتَّبِعُوهُ وَيَجْمَعُوهُ طَلَبًا لِلتَّشْكِيكِ فِي الْقُرْآن وَإِضْلَال الْعَوَامّ، كَمَا فَعَلَتْهُ الزَّنَادِقَة وَالْقَرَامِطَة الطَّاعِنُونَ فِي الْقُرْآن ; أَوْ طَلَبًا لِاعْتِقَادِ ظَوَاهِر الْمُتَشَابِه، كَمَا فَعَلَتْهُ الْمُجَسِّمَة الَّذِينَ جَمَعُوا مَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة مِمَّا ظَاهِره الْجِسْمِيَّة حَتَّى اِعْتَقَدُوا أَنَّ الْبَارِئ تَعَالَى جِسْم مُجَسَّم وَصُورَة مُصَوَّرَة ذَات وَجْه وَعَيْن وَيَد وَجَنْب وَرِجْل وَأُصْبُع، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ ; أَوْ يَتَّبِعُوهُ عَلَى جِهَة إِبْدَاء تَأْوِيلَاتهَا وَإِيضَاح مَعَانِيهَا، أَوْ كَمَا فَعَلَ صَبِيغ حِينَ أَكْثَر عَلَى عُمَر فِيهِ السُّؤَال.
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقْسَام :
[ الْأَوَّل ] لَا شَكَّ فِي كُفْرهمْ، وَإِنَّ حُكْم اللَّه فِيهِمْ الْقَتْل مِنْ غَيْر اِسْتِتَابَة.
[ الثَّانِي ] الصَّحِيح الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ، إِذْ لَا فَرْق بَيْنهمْ وَبَيْنَ عُبَّاد الْأَصْنَام وَالصُّوَر، وَيُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا كَمَا يُفْعَل بِمَنْ اِرْتَدَّ.
[ الثَّالِث ] اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز ذَلِكَ بِنَاء عَلَى الْخِلَاف فِي جَوَاز تَأْوِيلهَا.
وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَذْهَب السَّلَف تَرْك التَّعَرُّض لِتَأْوِيلِهَا مَعَ قَطْعهمْ بِاسْتِحَالَةِ ظَوَاهِرهَا، فَيَقُولُونَ أَمِّرُوهَا كَمَا جَاءَتْ.
وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى إِبْدَاء تَأْوِيلَاتهَا وَحَمْلهَا عَلَى مَا يَصِحّ حَمْله فِي اللِّسَان عَلَيْهَا مِنْ غَيْر قَطْع بِتَعْيِينِ مُجْمَل مِنْهَا.
[ الرَّابِع ] الْحُكْم فِيهِ الْأَدَب الْبَلِيغ، كَمَا فَعَلَهُ عُمَر بِصَبِيغٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ كَانَ الْأَئِمَّة مِنْ السَّلَف يُعَاقِبُونَ مَنْ يَسْأَل عَنْ تَفْسِير الْحُرُوف الْمُشْكِلَات فِي الْقُرْآن، لِأَنَّ السَّائِل إِنْ كَانَ يَبْغِي بِسُؤَالِهِ تَخْلِيد الْبِدْعَة وَإِثَارَة الْفِتْنَة فَهُوَ حَقِيق بِالنَّكِيرِ وَأَعْظَم التَّعْزِير، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَقْصِده فَقَدْ اِسْتَحَقَّ الْعَتْب بِمَا اِجْتَرَمَ مِنْ الذَّنْب، إِذْ أَوْجَدَ لِلْمُنَافِقِينَ الْمُلْحِدِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت سَبِيلًا إِلَى أَنْ يَقْصِدُوا ضَعَفَة الْمُسْلِمِينَ بِالتَّشْكِيكِ وَالتَّضْلِيل فِي تَحْرِيف الْقُرْآن عَنْ مَنَاهِج التَّنْزِيل وَحَقَائِق التَّأْوِيل.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي أَنْبَأَنَا سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ يَزِيد بْن حَازِم عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار أَنَّ صَبِيغ بْن عِسْل قَدِمَ الْمَدِينَة فَجَعَلَ يَسْأَل عَنْ مُتَشَابِه الْقُرْآن وَعَنْ أَشْيَاء ; فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَر فَأَحْضَرَهُ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِين مِنْ عَرَاجِين النَّخْل.
فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ لَهُ عُمَر : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا عَبْد اللَّه صَبِيغ.
فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَأَنَا عَبْد اللَّه عُمَر ; ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ رَأْسه بِعُرْجُونٍ فَشَجَّهُ، ثُمَّ تَابَعَ ضَرْبه حَتَّى سَالَ دَمه عَلَى وَجْهه، فَقَالَ : حَسْبك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ وَاَللَّه ذَهَبَ مَا كُنْت أَجِد فِي رَأْسِي.
قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ : مُتَّبِعُو الْمُتَشَابِه لَا يَخْلُو أَنْ يَتَّبِعُوهُ وَيَجْمَعُوهُ طَلَبًا لِلتَّشْكِيكِ فِي الْقُرْآن وَإِضْلَال الْعَوَامّ، كَمَا فَعَلَتْهُ الزَّنَادِقَة وَالْقَرَامِطَة الطَّاعِنُونَ فِي الْقُرْآن ; أَوْ طَلَبًا لِاعْتِقَادِ ظَوَاهِر الْمُتَشَابِه، كَمَا فَعَلَتْهُ الْمُجَسِّمَة الَّذِينَ جَمَعُوا مَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة مِمَّا ظَاهِره الْجِسْمِيَّة حَتَّى اِعْتَقَدُوا أَنَّ الْبَارِئ تَعَالَى جِسْم مُجَسَّم وَصُورَة مُصَوَّرَة ذَات وَجْه وَعَيْن وَيَد وَجَنْب وَرِجْل وَأُصْبُع، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ ; أَوْ يَتَّبِعُوهُ عَلَى جِهَة إِبْدَاء تَأْوِيلَاتهَا وَإِيضَاح مَعَانِيهَا، أَوْ كَمَا فَعَلَ صَبِيغ حِينَ أَكْثَر عَلَى عُمَر فِيهِ السُّؤَال.
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقْسَام :
[ الْأَوَّل ] لَا شَكَّ فِي كُفْرهمْ، وَإِنَّ حُكْم اللَّه فِيهِمْ الْقَتْل مِنْ غَيْر اِسْتِتَابَة.
[ الثَّانِي ] الصَّحِيح الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ، إِذْ لَا فَرْق بَيْنهمْ وَبَيْنَ عُبَّاد الْأَصْنَام وَالصُّوَر، وَيُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا كَمَا يُفْعَل بِمَنْ اِرْتَدَّ.
[ الثَّالِث ] اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز ذَلِكَ بِنَاء عَلَى الْخِلَاف فِي جَوَاز تَأْوِيلهَا.
وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَذْهَب السَّلَف تَرْك التَّعَرُّض لِتَأْوِيلِهَا مَعَ قَطْعهمْ بِاسْتِحَالَةِ ظَوَاهِرهَا، فَيَقُولُونَ أَمِّرُوهَا كَمَا جَاءَتْ.
وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى إِبْدَاء تَأْوِيلَاتهَا وَحَمْلهَا عَلَى مَا يَصِحّ حَمْله فِي اللِّسَان عَلَيْهَا مِنْ غَيْر قَطْع بِتَعْيِينِ مُجْمَل مِنْهَا.
[ الرَّابِع ] الْحُكْم فِيهِ الْأَدَب الْبَلِيغ، كَمَا فَعَلَهُ عُمَر بِصَبِيغٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ كَانَ الْأَئِمَّة مِنْ السَّلَف يُعَاقِبُونَ مَنْ يَسْأَل عَنْ تَفْسِير الْحُرُوف الْمُشْكِلَات فِي الْقُرْآن، لِأَنَّ السَّائِل إِنْ كَانَ يَبْغِي بِسُؤَالِهِ تَخْلِيد الْبِدْعَة وَإِثَارَة الْفِتْنَة فَهُوَ حَقِيق بِالنَّكِيرِ وَأَعْظَم التَّعْزِير، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَقْصِده فَقَدْ اِسْتَحَقَّ الْعَتْب بِمَا اِجْتَرَمَ مِنْ الذَّنْب، إِذْ أَوْجَدَ لِلْمُنَافِقِينَ الْمُلْحِدِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت سَبِيلًا إِلَى أَنْ يَقْصِدُوا ضَعَفَة الْمُسْلِمِينَ بِالتَّشْكِيكِ وَالتَّضْلِيل فِي تَحْرِيف الْقُرْآن عَنْ مَنَاهِج التَّنْزِيل وَحَقَائِق التَّأْوِيل.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي أَنْبَأَنَا سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ يَزِيد بْن حَازِم عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار أَنَّ صَبِيغ بْن عِسْل قَدِمَ الْمَدِينَة فَجَعَلَ يَسْأَل عَنْ مُتَشَابِه الْقُرْآن وَعَنْ أَشْيَاء ; فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَر فَأَحْضَرَهُ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِين مِنْ عَرَاجِين النَّخْل.
فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ لَهُ عُمَر : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا عَبْد اللَّه صَبِيغ.
فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَأَنَا عَبْد اللَّه عُمَر ; ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ رَأْسه بِعُرْجُونٍ فَشَجَّهُ، ثُمَّ تَابَعَ ضَرْبه حَتَّى سَالَ دَمه عَلَى وَجْهه، فَقَالَ : حَسْبك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ وَاَللَّه ذَهَبَ مَا كُنْت أَجِد فِي رَأْسِي.
وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات فِي أَدَبه، وَسَيَأْتِي ذِكْرهَا فِي " الذَّارِيَات ".
ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَلْهَمَهُ التَّوْبَة وَقَذَفَهَا فِي قَلْبه فَتَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَته.
ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَلْهَمَهُ التَّوْبَة وَقَذَفَهَا فِي قَلْبه فَتَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَته.
ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
طَلَب الشُّبُهَات وَاللَّبْس عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يُفْسِدُوا ذَات بَيْنهمْ، وَيَرُدُّوا النَّاس إِلَى زَيْغهمْ.
طَلَب الشُّبُهَات وَاللَّبْس عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يُفْسِدُوا ذَات بَيْنهمْ، وَيَرُدُّوا النَّاس إِلَى زَيْغهمْ.
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : مَعْنَى " اِبْتِغَاء تَأْوِيله " أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأْوِيل بَعْثهمْ وَإِحْيَائِهِمْ، فَأَعْلَمَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ وَوَقْته لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه.
قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله " أَيْ يَوْم يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ مِنْ الْبَعْث وَالنُّشُور وَالْعَذَاب " يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل " أَيْ تَرَكُوهُ - " قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ " [ الْأَعْرَاف : ٤٣ ] أَيْ قَدْ رَأَيْنَا تَأْوِيل مَا أَنْبَأَتْنَا بِهِ الرُّسُل قَالَ : فَالْوَقْف عَلَى قَوْله تَعَالَى :" وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه " أَيْ لَا يَعْلَم أَحَد مَتَى الْبَعْث إِلَّا اللَّه.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : مَعْنَى " اِبْتِغَاء تَأْوِيله " أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأْوِيل بَعْثهمْ وَإِحْيَائِهِمْ، فَأَعْلَمَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ وَوَقْته لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه.
قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله " أَيْ يَوْم يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ مِنْ الْبَعْث وَالنُّشُور وَالْعَذَاب " يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل " أَيْ تَرَكُوهُ - " قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ " [ الْأَعْرَاف : ٤٣ ] أَيْ قَدْ رَأَيْنَا تَأْوِيل مَا أَنْبَأَتْنَا بِهِ الرُّسُل قَالَ : فَالْوَقْف عَلَى قَوْله تَعَالَى :" وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه " أَيْ لَا يَعْلَم أَحَد مَتَى الْبَعْث إِلَّا اللَّه.
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
يُقَال : إِنَّ جَمَاعَة مِنْ الْيَهُود مِنْهُمْ حُيَيّ بْن أَخْطَب دَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : بَلَغَنَا أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْك " الم " فَإِنْ كُنْت صَادِقًا فِي مَقَالَتك فَإِنَّ مُلْك أُمَّتك يَكُون إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَة ; لِأَنَّ الْأَلِف فِي حِسَاب الْجُمَّل وَاحِد، وَاللَّام ثَلَاثُونَ، وَالْمِيم أَرْبَعُونَ، فَنَزَلَ " وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه ".
وَالتَّأْوِيل يَكُون بِمَعْنَى التَّفْسِير، كَقَوْلِك : تَأْوِيل هَذِهِ الْكَلِمَة عَلَى كَذَا.
وَيَكُون بِمَعْنَى مَا يَؤُول الْأَمْر إِلَيْهِ.
وَاشْتِقَاقه مِنْ آلَ الْأَمْر إِلَى كَذَا يَؤُول إِلَيْهِ، أَيْ صَارَ.
وَأَوَّلْته تَأْوِيلًا أَيْ صَيَّرْته.
وَقَدْ حَدَّهُ بَعْض الْفُقَهَاء فَقَالُوا : هُوَ إِبْدَاء اِحْتِمَال فِي اللَّفْظ مَقْصُود بِدَلِيلٍ خَارِج عَنْهُ.
فَالتَّفْسِير بَيَان اللَّفْظ ; كَقَوْلِهِ " لَا رَيْب فِيهِ " [ الْبَقَرَة : ٢ ] أَيْ لَا شَكَّ.
وَأَصْله مِنْ الْفَسْر وَهُوَ الْبَيَان ; يُقَال : فَسَرْت الشَّيْء ( مُخَفَّفًا ) أَفْسِره ( بِالْكَسْرِ ) فَسْرًا.
وَالتَّأْوِيل بَيَان الْمَعْنَى ; كَقَوْلِهِ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْد الْمُؤْمِنِينَ أَوْ لِأَنَّهُ حَقّ فِي نَفْسه فَلَا يَقْبَل ذَاته الشَّكّ وَإِنَّمَا الشَّكّ وَصْف الشَّاكّ.
وَكَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس فِي الْجَدّ أَبًا لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يَا بَنِي آدَم ".
يُقَال : إِنَّ جَمَاعَة مِنْ الْيَهُود مِنْهُمْ حُيَيّ بْن أَخْطَب دَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : بَلَغَنَا أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْك " الم " فَإِنْ كُنْت صَادِقًا فِي مَقَالَتك فَإِنَّ مُلْك أُمَّتك يَكُون إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَة ; لِأَنَّ الْأَلِف فِي حِسَاب الْجُمَّل وَاحِد، وَاللَّام ثَلَاثُونَ، وَالْمِيم أَرْبَعُونَ، فَنَزَلَ " وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه ".
وَالتَّأْوِيل يَكُون بِمَعْنَى التَّفْسِير، كَقَوْلِك : تَأْوِيل هَذِهِ الْكَلِمَة عَلَى كَذَا.
وَيَكُون بِمَعْنَى مَا يَؤُول الْأَمْر إِلَيْهِ.
وَاشْتِقَاقه مِنْ آلَ الْأَمْر إِلَى كَذَا يَؤُول إِلَيْهِ، أَيْ صَارَ.
وَأَوَّلْته تَأْوِيلًا أَيْ صَيَّرْته.
وَقَدْ حَدَّهُ بَعْض الْفُقَهَاء فَقَالُوا : هُوَ إِبْدَاء اِحْتِمَال فِي اللَّفْظ مَقْصُود بِدَلِيلٍ خَارِج عَنْهُ.
فَالتَّفْسِير بَيَان اللَّفْظ ; كَقَوْلِهِ " لَا رَيْب فِيهِ " [ الْبَقَرَة : ٢ ] أَيْ لَا شَكَّ.
وَأَصْله مِنْ الْفَسْر وَهُوَ الْبَيَان ; يُقَال : فَسَرْت الشَّيْء ( مُخَفَّفًا ) أَفْسِره ( بِالْكَسْرِ ) فَسْرًا.
وَالتَّأْوِيل بَيَان الْمَعْنَى ; كَقَوْلِهِ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْد الْمُؤْمِنِينَ أَوْ لِأَنَّهُ حَقّ فِي نَفْسه فَلَا يَقْبَل ذَاته الشَّكّ وَإِنَّمَا الشَّكّ وَصْف الشَّاكّ.
وَكَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس فِي الْجَدّ أَبًا لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يَا بَنِي آدَم ".
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي " وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم " هَلْ هُوَ اِبْتِدَاء كَلَام مَقْطُوع مِمَّا قَبْله، أَوْ هُوَ مَعْطُوف عَلَى مَا قَبْله فَتَكُون الْوَاو لِلْجَمْعِ.
فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَنَّهُ مَقْطُوع مِمَّا قَبْله، وَأَنَّ الْكَلَام تَمَّ عِنْد قَوْله " إِلَّا اللَّه " هَذَا قَوْل اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَغَيْرهمْ، وَهُوَ مَذْهَب الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش وَالْفَرَّاء وَأَبِي عُبَيْد وَغَيْرهمْ.
قَالَ أَبُو نَهِيك الْأَسَدِيّ : إِنَّكُمْ تَصِلُونَ هَذِهِ الْآيَة وَإِنَّهَا مَقْطُوعَة.
وَمَا اِنْتَهَى عِلْم الرَّاسِخِينَ إِلَّا إِلَى قَوْلهمْ " آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا ".
وَقَالَ مِثْل هَذَا عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، وَحَكَى الطَّبَرِيّ نَحْوه عَنْ يُونُس عَنْ أَشْهَب عَنْ مَالِك بْن أَنَس.
وَ " يَقُولُونَ " عَلَى هَذَا خَبَر " الرَّاسِخُونَ ".
قَالَ الْخَطَّابِيّ : وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى آيَات كِتَابه الَّذِي أَمَرَنَا بِالْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيق بِمَا فِيهِ قِسْمَيْنِ : مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا ; فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِل :" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات.
إِلَى قَوْله :" كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا " فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَشَابِه مِنْ الْكِتَاب قَدْ اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ، فَلَا يَعْلَم تَأْوِيله أَحَد غَيْره، ثُمَّ أَثْنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ.
وَلَوْلَا صِحَّة الْإِيمَان مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا الثَّنَاء عَلَيْهِ.
وَمَذْهَب أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْوَقْف التَّامّ فِي هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا هُوَ عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه " وَأَنَّ مَا بَعْده اِسْتِئْنَاف كَلَام آخَر، وَهُوَ قَوْله " وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ".
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَأُبَيّ بْن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة.
وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ نَسَق " الرَّاسِخُونَ " عَلَى مَا قَبْله وَزَعَمَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ.
وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْض أَهْل اللُّغَة فَقَالَ : مَعْنَاهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَعْلَمُونَهُ قَائِلِينَ آمَنَّا ; وَزَعَمَ أَنَّ مَوْضِع " يَقُولُونَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال.
وَعَامَّة أَهْل اللُّغَة يُنْكِرُونَهُ وَيَسْتَبْعِدُونَهُ ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تُضْمِر الْفِعْل وَالْمَفْعُول مَعًا، وَلَا تَذْكُر حَالًا إِلَّا مَعَ ظُهُور الْفِعْل ; فَإِذَا لَمْ يَظْهَر فِعْل فَلَا يَكُون حَال ; وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُقَال : عَبْد اللَّه رَاكِبًا، بِمَعْنَى أَقْبَلَ عَبْد اللَّه رَاكِبًا ; وَإِنَّمَا يَجُوز ذَلِكَ مَعَ ذِكْر الْفِعْل كَقَوْلِهِ : عَبْد اللَّه يَتَكَلَّم يُصْلِح بَيْن النَّاس ; فَكَانَ " يُصْلِح " حَالًا ; كَقَوْلِ الشَّاعِر - أَنَشَدَنِيهِ أَبُو عُمَر قَالَ أَنْشَدَنَا أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب - :
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي " وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم " هَلْ هُوَ اِبْتِدَاء كَلَام مَقْطُوع مِمَّا قَبْله، أَوْ هُوَ مَعْطُوف عَلَى مَا قَبْله فَتَكُون الْوَاو لِلْجَمْعِ.
فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَنَّهُ مَقْطُوع مِمَّا قَبْله، وَأَنَّ الْكَلَام تَمَّ عِنْد قَوْله " إِلَّا اللَّه " هَذَا قَوْل اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَغَيْرهمْ، وَهُوَ مَذْهَب الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش وَالْفَرَّاء وَأَبِي عُبَيْد وَغَيْرهمْ.
قَالَ أَبُو نَهِيك الْأَسَدِيّ : إِنَّكُمْ تَصِلُونَ هَذِهِ الْآيَة وَإِنَّهَا مَقْطُوعَة.
وَمَا اِنْتَهَى عِلْم الرَّاسِخِينَ إِلَّا إِلَى قَوْلهمْ " آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا ".
وَقَالَ مِثْل هَذَا عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، وَحَكَى الطَّبَرِيّ نَحْوه عَنْ يُونُس عَنْ أَشْهَب عَنْ مَالِك بْن أَنَس.
وَ " يَقُولُونَ " عَلَى هَذَا خَبَر " الرَّاسِخُونَ ".
قَالَ الْخَطَّابِيّ : وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى آيَات كِتَابه الَّذِي أَمَرَنَا بِالْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيق بِمَا فِيهِ قِسْمَيْنِ : مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا ; فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِل :" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات.
إِلَى قَوْله :" كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا " فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَشَابِه مِنْ الْكِتَاب قَدْ اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ، فَلَا يَعْلَم تَأْوِيله أَحَد غَيْره، ثُمَّ أَثْنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ.
وَلَوْلَا صِحَّة الْإِيمَان مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا الثَّنَاء عَلَيْهِ.
وَمَذْهَب أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْوَقْف التَّامّ فِي هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا هُوَ عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه " وَأَنَّ مَا بَعْده اِسْتِئْنَاف كَلَام آخَر، وَهُوَ قَوْله " وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ".
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَأُبَيّ بْن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة.
وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ نَسَق " الرَّاسِخُونَ " عَلَى مَا قَبْله وَزَعَمَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ.
وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْض أَهْل اللُّغَة فَقَالَ : مَعْنَاهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَعْلَمُونَهُ قَائِلِينَ آمَنَّا ; وَزَعَمَ أَنَّ مَوْضِع " يَقُولُونَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال.
وَعَامَّة أَهْل اللُّغَة يُنْكِرُونَهُ وَيَسْتَبْعِدُونَهُ ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تُضْمِر الْفِعْل وَالْمَفْعُول مَعًا، وَلَا تَذْكُر حَالًا إِلَّا مَعَ ظُهُور الْفِعْل ; فَإِذَا لَمْ يَظْهَر فِعْل فَلَا يَكُون حَال ; وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُقَال : عَبْد اللَّه رَاكِبًا، بِمَعْنَى أَقْبَلَ عَبْد اللَّه رَاكِبًا ; وَإِنَّمَا يَجُوز ذَلِكَ مَعَ ذِكْر الْفِعْل كَقَوْلِهِ : عَبْد اللَّه يَتَكَلَّم يُصْلِح بَيْن النَّاس ; فَكَانَ " يُصْلِح " حَالًا ; كَقَوْلِ الشَّاعِر - أَنَشَدَنِيهِ أَبُو عُمَر قَالَ أَنْشَدَنَا أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب - :