تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
.
لمؤلفه
ابن عجيبة
.
المتوفي سنة 1224 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
سورة آل عمران
مدنية. وآياتها: مائتان، وقيل: مائة وسبع وثمانون. وكلماتها: ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانون كلمة، ومناسبتها لما قبلها: قوله تعالى فى أولها:
ومضمنها: توجيه العتاب لثلاث طوائف: للنصارى لغلوهم في عيسى عليه السلام، ولامتناعهم من الدخول فى الإسلام، وبسببهم نزلت السورة، أعنى نصارى نجران، ولليهود لتفريطهم فى اتباع النبي- عليه الصلاة والسلام- وللمسلمين لما وقع لهم من الفشل يوم أحد، ولذلك افتتح السورة بذكر الكتب الثلاثة، إذ لو قاموا بحقوقها ما توجه لهم عتاب، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١ الى ٣]
قلت: فواتح السور كلها موقوفة خالية عن الإعراب لفقدان مُوجبه ومقتضيه، فيوقف عليها بالسكون، كقولهم:
واحد، اثنان. وإنما فَتَحَ الميم هنا في القراءة المشهورة لإلقاء حركة الهمزة عليها. انظر البيضاوي. قال ابن عباس رضي الله عنه: (الألف آلاؤه، واللام لطفه، والميم مُلكه).
قلت: ولعلَّ كل حرف يشير إلى فرقة ممن توجَّه العتاب إليهم، فالآلاء لِمنْ أسلم من النصارى، واللطف لمن أسلم من اليهود، والملك لمن أسلم من الصحابة- رضوان الله عليهم-، فقد ملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جل جلاله: أيها الملك المُعظَّم، والرسول المفخم، بلِّغ قومك أن الله واحد في ملكه، ليس معه إله، ولا يُحب أن يُعبد معه سواه إذ لا يستحق أن يعبد إلا الحيّ القيّوم، الذي تعجز عن إدراكه العقولُ ومدارك الفهوم، قائم بأمر عباده، متصرف فيهم، على وفق مراده، فأعذر إليهم على ألسنة المرسلين، وأنزل عليهم الكتب بياناً للمسترشدين، فنزَّل عَلَيْكَ الْكِتابَ مُنَجّماً في عشرين سنة، متلبساً بِالْحَقِّ، حتى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، أو متلبساً بالحجج التي تدفع كل باطل، أو بالعدل حتى ينتفي به جَوْر كل مائل، مُصَدِّقاً لما تقدم قبله من الكتب الإلهية إذ هو موافق لما فيها من القصص والأخبار، فكان شاهداً عليها بالصحة والإبرار.
مدنية. وآياتها: مائتان، وقيل: مائة وسبع وثمانون. وكلماتها: ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانون كلمة، ومناسبتها لما قبلها: قوله تعالى فى أولها:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ | إلخ، فكأنه تتميم لقوله، فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ، وتفسير له. |
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) اللَّهُ لآَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣)قلت: فواتح السور كلها موقوفة خالية عن الإعراب لفقدان مُوجبه ومقتضيه، فيوقف عليها بالسكون، كقولهم:
واحد، اثنان. وإنما فَتَحَ الميم هنا في القراءة المشهورة لإلقاء حركة الهمزة عليها. انظر البيضاوي. قال ابن عباس رضي الله عنه: (الألف آلاؤه، واللام لطفه، والميم مُلكه).
قلت: ولعلَّ كل حرف يشير إلى فرقة ممن توجَّه العتاب إليهم، فالآلاء لِمنْ أسلم من النصارى، واللطف لمن أسلم من اليهود، والملك لمن أسلم من الصحابة- رضوان الله عليهم-، فقد ملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جل جلاله: أيها الملك المُعظَّم، والرسول المفخم، بلِّغ قومك أن الله واحد في ملكه، ليس معه إله، ولا يُحب أن يُعبد معه سواه إذ لا يستحق أن يعبد إلا الحيّ القيّوم، الذي تعجز عن إدراكه العقولُ ومدارك الفهوم، قائم بأمر عباده، متصرف فيهم، على وفق مراده، فأعذر إليهم على ألسنة المرسلين، وأنزل عليهم الكتب بياناً للمسترشدين، فنزَّل عَلَيْكَ الْكِتابَ مُنَجّماً في عشرين سنة، متلبساً بِالْحَقِّ، حتى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، أو متلبساً بالحجج التي تدفع كل باطل، أو بالعدل حتى ينتفي به جَوْر كل مائل، مُصَدِّقاً لما تقدم قبله من الكتب الإلهية إذ هو موافق لما فيها من القصص والأخبار، فكان شاهداً عليها بالصحة والإبرار.
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤]
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤)
من قبله هادياً لمن كلف باتباعها من الأنام، أو للجميع، إذا كان شرعُ منْ قبلنا شرعاً لنا- معشر أهل الإسلام-، ثم ختم الوحي بإنزال الْفُرْقانَ، وكلّف بالإيمان به الإنس والجان، فرَّق به بين الحق والباطل، واندفع به ظلمة كل كافر وجاهل وقدَّم ذكره على الكتب لعظم شرفه، وختم به آخراً لتأخر نزوله.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: لمّا أراد الحق جل جلاله إن يشير إلى وحدة الذات وظهور أنوار الصفات، قَدَّم قبل ذلك رموزاً وإشارات، لا يفهمها إلا من غاص في قاموس بحر الذات، وغرق في تيار الصفات، فيستخرج بفكرته من يواقيت العلوم وغوامض الفهوم، ما تحار فيه الأذهان، وتكِلُّ عنه عبارةُ اللسان، فحينئذ يفهم دقائق الرموز وأسرار الإشارات، ويطلع على أسرار الذات وأنوار الصفات، ويفهم أسرار الكتب السماوية، وما احتوت عليه من العلوم اللدنية، والمواهب الربانية، ويشرق في قلبه أنوار الفرقان، حتى يرتقي إلى تحقيق أهل الشهود والعيان. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ثم هدد من كفر بالفرقان، بعد وضوح سواطع البرهان، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...
قلت: الانتقام والنقمة: عقوبة المجرم. وفعله: نقم بكسر القاف وفتحها.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ المنزلة على نبيه أو على سائر أنبيائه، أو الآيات الدالة على وحدانيته، لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ يوم يظهر نفوذ الوعد والوعيد، فينتقم الله فيه من المجرمين، ويتعطف على عباده المؤمنين، فإن اللَّهُ عَزِيزٌ لا يغلبه غالب، ولا يفُوته هارب، ذُو انْتِقامٍ كبير ولطف كثير. لطف الله بنا وبجميع المسلمين. آمين.
الإشارة: ظهور أولياء الله لطف من آيات الله، فمن كفر بهم حُرم بركتهم، وبقي في عذاب الحجاب وسوء الحساب، تظهر عليه النقمة والمحنة، حين يرفع الله المقربين في أعلى عليين، ويكون الغافلون مع عوام المسلمين، (ذلك يوم التغابن). والله تعالى أعلم.
ولما وصف الحق جل جلاله نفسه بالوحدانية والحياة والقيومية المقتضية للغنى المطلق، وصف نفسه أيضا بالعلم المحيط والقدرة النافذة، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥ الى ٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤]
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤)
من قبله هادياً لمن كلف باتباعها من الأنام، أو للجميع، إذا كان شرعُ منْ قبلنا شرعاً لنا- معشر أهل الإسلام-، ثم ختم الوحي بإنزال الْفُرْقانَ، وكلّف بالإيمان به الإنس والجان، فرَّق به بين الحق والباطل، واندفع به ظلمة كل كافر وجاهل وقدَّم ذكره على الكتب لعظم شرفه، وختم به آخراً لتأخر نزوله.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: لمّا أراد الحق جل جلاله إن يشير إلى وحدة الذات وظهور أنوار الصفات، قَدَّم قبل ذلك رموزاً وإشارات، لا يفهمها إلا من غاص في قاموس بحر الذات، وغرق في تيار الصفات، فيستخرج بفكرته من يواقيت العلوم وغوامض الفهوم، ما تحار فيه الأذهان، وتكِلُّ عنه عبارةُ اللسان، فحينئذ يفهم دقائق الرموز وأسرار الإشارات، ويطلع على أسرار الذات وأنوار الصفات، ويفهم أسرار الكتب السماوية، وما احتوت عليه من العلوم اللدنية، والمواهب الربانية، ويشرق في قلبه أنوار الفرقان، حتى يرتقي إلى تحقيق أهل الشهود والعيان. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ثم هدد من كفر بالفرقان، بعد وضوح سواطع البرهان، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...
قلت: الانتقام والنقمة: عقوبة المجرم. وفعله: نقم بكسر القاف وفتحها.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ المنزلة على نبيه أو على سائر أنبيائه، أو الآيات الدالة على وحدانيته، لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ يوم يظهر نفوذ الوعد والوعيد، فينتقم الله فيه من المجرمين، ويتعطف على عباده المؤمنين، فإن اللَّهُ عَزِيزٌ لا يغلبه غالب، ولا يفُوته هارب، ذُو انْتِقامٍ كبير ولطف كثير. لطف الله بنا وبجميع المسلمين. آمين.
الإشارة: ظهور أولياء الله لطف من آيات الله، فمن كفر بهم حُرم بركتهم، وبقي في عذاب الحجاب وسوء الحساب، تظهر عليه النقمة والمحنة، حين يرفع الله المقربين في أعلى عليين، ويكون الغافلون مع عوام المسلمين، (ذلك يوم التغابن). والله تعالى أعلم.
ولما وصف الحق جل جلاله نفسه بالوحدانية والحياة والقيومية المقتضية للغنى المطلق، وصف نفسه أيضا بالعلم المحيط والقدرة النافذة، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥ الى ٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ من أمر خلقه، إيماناً أو كفراناً، طاعة أو عصياناً، أحاط علمه بما فى السموات العلي وما في الأرضين السفلى، كليّاً كان أو جزئيّاً، حسيّاً أو معنوياً، يعلم عدد الحصى والرمال، ومكاييل المياه ومثاقيل الجبال، ويعلم حوادث الضمائر، وهواجس الخواطر، بعلم قديم أزلي، وله قدرة نافذة، وحكمة بالغة، فبقدرته صَوَّرَ النُّطَف في الأرحام كيف شاء سبحانه من نقص أو تمام، وأتقنها بحكمته، وأبرزها إلى ما يَسَّرَ لها من رزقه، سبحانه من مدبر عليم، عزيز حكيم، لا يعجزه شيء، ولا يخرج عن دائرة علمه شيء، لا موجود سواه، ولا نعبد إلا إياه، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
الإشارة: مَنْ تحقق أن الله واحد في ملكه، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله، وأنه أحاط به علماً وسمعاً وبصراً، وأن أمره بين الكاف والنون، (إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يقولَ له كُن فيكون) - كيف يشكو ما نزل به منه إلى أحد سواه؟ أم كيف يرفع حوائجه إلى غير مولاه؟ أم كيف يعول هما، وسيدُه من خيره لا ينساه؟ من دبرك في ظلمة الأحشاء، وصوَّرك في الأرحام كيف يشاء، وآتاك كل ما تسأل وتشاء، كيف يَنْساكَ من بره وإحسانه؟ أم كيف يخرجك عن دائرة لطفه وامتنانه؟ وفي ذلك يقول لسان الحقيقة:
ثم وصف كتابه الفرقان بأنه مشتمل على ما هو محكم واضح البيان، وعلى ما هو متشابه لا يعلمه إلا الله، والراسخون من أهل العرفان، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧ الى ٩]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩)
الإشارة: مَنْ تحقق أن الله واحد في ملكه، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله، وأنه أحاط به علماً وسمعاً وبصراً، وأن أمره بين الكاف والنون، (إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يقولَ له كُن فيكون) - كيف يشكو ما نزل به منه إلى أحد سواه؟ أم كيف يرفع حوائجه إلى غير مولاه؟ أم كيف يعول هما، وسيدُه من خيره لا ينساه؟ من دبرك في ظلمة الأحشاء، وصوَّرك في الأرحام كيف يشاء، وآتاك كل ما تسأل وتشاء، كيف يَنْساكَ من بره وإحسانه؟ أم كيف يخرجك عن دائرة لطفه وامتنانه؟ وفي ذلك يقول لسان الحقيقة:
تَذَكَّر جَمِيلِي فِيكَ إِذْ كُنْتَ نُطْفَةً | وَلا تَنْسَ تَصْوِيرِي لشَخْصِكَ في الْحَشا |
وَكُنْ وَاثِقاً بِي في أُمُورِكَ كُلِّها | سأَكْفِيكَ مِنْهَا ما يُخافُ ويُخْتَشَى |
وَسَلِّمْ ليّ الأمْرَ واعْلَمْ بأنني | أُصَرِّفُ أحْكَامِي وأَفْعَلُ ما أشا |
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧ الى ٩]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩)
323
قلت: (منه) : خبر مقدم، و (آيات) : مبتدأ، فيوقف على (الكتاب)، وقيل: (منه) : نعت لكتاب، وهو بعيد.
قال ابن السبكي: المحكَم: المتضح المعنى، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه، وقد يُطْلعُ عليه بعضَ أصفيائه.
و (هن أم الكتاب) : جملة، وحق الخبر المطابقة فيقول: أمهات، وإنما أفرده على تأويل كل واحدة، أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة. والزيغ: الميل عن الحق. و (الراسخون في العلم) : معطوف على (الله)، أو مبتدأ إن فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه، كمدة بقاء الدنيا ووقت قيام الساعة، أو بما دلّ القاطع على أن ظاهره غير مراد. قاله البيضاوي. و (إذ هديتنا) : ظرف مجرور بالإضافة مسبوك بالمصدر، أي: بعد هدايتك إيانا.
يقول الحق جلّ جلاله: إن الذي انفرد بالوحدانية والقيومية، ولا يخفى عليه شيء في العالم العلوي والسفلي هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ المبين، فمنه ما هو آياتٌ مُحْكَماتٌ واضحات المعنى، لا اشتباه فيها ولا إجمال، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي: أصله، يرد إليها غيرها، وَمنه آيات أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ أي:
محتملات، لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص وجودة الفكر، ليظهر فضل العلماء النُقاد، ويزداد حرصهم على الاجتهاد في تَدبُرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها، فينال بها، وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها، والتوفيق بينها وبين المحكمات، أعلى الدرجات وأرفع المقامات.
قال في نوادر الأصول: لمّا تكلم على المتشابه قسّمه على قسمين منه ما طوى علمه إلاَّ على الخواص كعلم فواتح السور، ومنه ما لم يصل إليه أحد من الرسل فمَنْ دُونَهم، وهو سر القدر لا يستقيم لهم مع العبودية، ولو كُشِفَ لفسدت العبودية، فطواه عن الرّسل والملائكة لأنهم في العبودية، فإذا زالت العبودية احتملوها أي: أسرار القدر. هـ. ولمثل هذا يشير قول سهل: للألوهية سر- لو انكشف لبطلت النبوة، وللنبوة سر- لو انكشف لبطل العِلم، وللعلم سر لو انكشف لبطلت الأحكام. هـ.
قلت: فَتَحَصَّل أن الكتاب العزيز مشتمل على المحكم والمتشابه. وأما قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ فمعناه: أنها حُفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ، وقوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً معناه: أنه يُشبه بعضُه بعضاً في صحة المعنى وجزالة اللفظ.
ثم إن الناس في شأن المتشابه على قسمين: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: أي: شك، أو ميل عن الحق، كالمبتدعة وأشباههم، فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ، فيتعلقون بظاهره، أو بتأويل باطل، ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أي: طلباً لفتنة الناس عن دينهم: بالتشكيك والتلبيس، ومناقضة المحكم بالمتشابه، وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ على ما يشتهون ليوافق بدعتهم.
قال ابن السبكي: المحكَم: المتضح المعنى، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه، وقد يُطْلعُ عليه بعضَ أصفيائه.
و (هن أم الكتاب) : جملة، وحق الخبر المطابقة فيقول: أمهات، وإنما أفرده على تأويل كل واحدة، أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة. والزيغ: الميل عن الحق. و (الراسخون في العلم) : معطوف على (الله)، أو مبتدأ إن فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه، كمدة بقاء الدنيا ووقت قيام الساعة، أو بما دلّ القاطع على أن ظاهره غير مراد. قاله البيضاوي. و (إذ هديتنا) : ظرف مجرور بالإضافة مسبوك بالمصدر، أي: بعد هدايتك إيانا.
يقول الحق جلّ جلاله: إن الذي انفرد بالوحدانية والقيومية، ولا يخفى عليه شيء في العالم العلوي والسفلي هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ المبين، فمنه ما هو آياتٌ مُحْكَماتٌ واضحات المعنى، لا اشتباه فيها ولا إجمال، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي: أصله، يرد إليها غيرها، وَمنه آيات أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ أي:
محتملات، لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص وجودة الفكر، ليظهر فضل العلماء النُقاد، ويزداد حرصهم على الاجتهاد في تَدبُرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها، فينال بها، وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها، والتوفيق بينها وبين المحكمات، أعلى الدرجات وأرفع المقامات.
قال في نوادر الأصول: لمّا تكلم على المتشابه قسّمه على قسمين منه ما طوى علمه إلاَّ على الخواص كعلم فواتح السور، ومنه ما لم يصل إليه أحد من الرسل فمَنْ دُونَهم، وهو سر القدر لا يستقيم لهم مع العبودية، ولو كُشِفَ لفسدت العبودية، فطواه عن الرّسل والملائكة لأنهم في العبودية، فإذا زالت العبودية احتملوها أي: أسرار القدر. هـ. ولمثل هذا يشير قول سهل: للألوهية سر- لو انكشف لبطلت النبوة، وللنبوة سر- لو انكشف لبطل العِلم، وللعلم سر لو انكشف لبطلت الأحكام. هـ.
قلت: فَتَحَصَّل أن الكتاب العزيز مشتمل على المحكم والمتشابه. وأما قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ فمعناه: أنها حُفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ، وقوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً معناه: أنه يُشبه بعضُه بعضاً في صحة المعنى وجزالة اللفظ.
ثم إن الناس في شأن المتشابه على قسمين: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: أي: شك، أو ميل عن الحق، كالمبتدعة وأشباههم، فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ، فيتعلقون بظاهره، أو بتأويل باطل، ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أي: طلباً لفتنة الناس عن دينهم: بالتشكيك والتلبيس، ومناقضة المحكم بالمتشابه، وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ على ما يشتهون ليوافق بدعتهم.
324
روى عن عائشة- رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية فقال: «إِذَا رَأَيتُم الذِينَ يَسألُون عن المتشابه منه، ويجادلون فيه، فهم الذين عَنَا الله تعالى، فاحذروهم، ولا تجالسوهم».
(وما يعلم تأويله) على الحقيقة (إلا الله) تعالى، وقد يُطلع عليه بعضَ خواص أوليائه، وهم (الراسخون) أي: الثابتون في العلم، وهم العارفون بالله أهل الفناء والبقاء، وهم أهل التوحيد الخاص... فقد أطلعهم تعالى على أسرار غيبه، فلم يبق عندهم متشابه في الكتاب ولا في السنة، حال كونهم (يقولون آمنا به)، وصدقنا أنه من كلامه، (كُلّ من عند ربنا) المحكم والمتشابه، وقد فهمنا مراده في القسمين، وهم أولو الألباب، ولذلك مدحهم فقال:
(وما يذكر إلا أولوا الألباب) أي: القلوب الصافية من ظلمة الهوى وغَبَش الحس.
سئل عليه الصلاة والسلام: مَن الراسخون في العلم؟ فقال: «من برَّ يمينُه، وصدق لسانُه، واستقام قلبُه، وعفَّ بطنُه وفرجه، فذلك الراسخ في العلم». وقال نافع بن يزيد: الراسخون في العلم: المتواضعون لله، المتذللون في طلب مرضات الله، لا يتعظمون على مَنْ فوقهم، ولا يحقرون من دونهم. هـ. وقيل: الراسخ في العلم: من وجُد فيه أربعة أشياء: التقوى بينه وبين الله، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه. هـ. قلت: ويجمع هذه الأوصاف العارف بالله، فهو الراسخ في العلم كما تقدم.
ويقولون أيضاً في تضرعهم إلى الله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا عن نهج الحق بالميل إلى اتباع الهوى، بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى طريق الوصول إلى حضرتك، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً تجمع قلوبنا بك، وتضم أرواحنا إلى مشاهدة وحدانيتك، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ تهب للمؤمل فوق ما يؤمل. رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ الجزاء الذي لا رَيْبَ فِيهِ، فاجمعنا مع المقربين إنك لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، فأنجز لنا ما وعدتنا في ذلك اليوم. وخلف الوعد في حقه تعالى مُحال. أما الوعد بالخير فلا إشكال، وأما الوعيد بالشر، فإن كان في مُعَيِّنٍ فلا يخلفه، وإن كان في الجملة فيخلفه بالعفو. والله تعالى أعلم.
وقال في النوادر أيضاً: لَمَّا رَدَّ الراسخون في العلم عِلْمَ المتشابه إلى عالمه، حيث قالوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، خافوا شَرَه النفوس لطلبها فإنَّ العلم لذيذ، وفتنة تلك اللذة لها عتاب، ففزعوا إلى ربهم فقالوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، علموا أن الرحمة تطفئ تلك الفتنة. ولما كان يوم القيامة ينكشف فيه سر القدر حنوا إليه فقالوا: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ... الآية. سكنوا نفوسهم لمجيء ذلك اليوم الذي تَبْطُنِ فيه الحكمة، وتظهر فيه القدرة. هـ. بالمعنى.
الإشارة: إذا صفت القلوب، وسكنت في حضرة علاّم الغيوب، تنزلت عليها الواردات الإلهية والعلوم اللدنية، والمواهب القدسية، فمنها ما تكون محكمات المبنى، واضحات المعنى، ومنها ما تكون مجملة في حال ورودها،
(وما يعلم تأويله) على الحقيقة (إلا الله) تعالى، وقد يُطلع عليه بعضَ خواص أوليائه، وهم (الراسخون) أي: الثابتون في العلم، وهم العارفون بالله أهل الفناء والبقاء، وهم أهل التوحيد الخاص... فقد أطلعهم تعالى على أسرار غيبه، فلم يبق عندهم متشابه في الكتاب ولا في السنة، حال كونهم (يقولون آمنا به)، وصدقنا أنه من كلامه، (كُلّ من عند ربنا) المحكم والمتشابه، وقد فهمنا مراده في القسمين، وهم أولو الألباب، ولذلك مدحهم فقال:
(وما يذكر إلا أولوا الألباب) أي: القلوب الصافية من ظلمة الهوى وغَبَش الحس.
سئل عليه الصلاة والسلام: مَن الراسخون في العلم؟ فقال: «من برَّ يمينُه، وصدق لسانُه، واستقام قلبُه، وعفَّ بطنُه وفرجه، فذلك الراسخ في العلم». وقال نافع بن يزيد: الراسخون في العلم: المتواضعون لله، المتذللون في طلب مرضات الله، لا يتعظمون على مَنْ فوقهم، ولا يحقرون من دونهم. هـ. وقيل: الراسخ في العلم: من وجُد فيه أربعة أشياء: التقوى بينه وبين الله، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه. هـ. قلت: ويجمع هذه الأوصاف العارف بالله، فهو الراسخ في العلم كما تقدم.
ويقولون أيضاً في تضرعهم إلى الله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا عن نهج الحق بالميل إلى اتباع الهوى، بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى طريق الوصول إلى حضرتك، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً تجمع قلوبنا بك، وتضم أرواحنا إلى مشاهدة وحدانيتك، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ تهب للمؤمل فوق ما يؤمل. رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ الجزاء الذي لا رَيْبَ فِيهِ، فاجمعنا مع المقربين إنك لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، فأنجز لنا ما وعدتنا في ذلك اليوم. وخلف الوعد في حقه تعالى مُحال. أما الوعد بالخير فلا إشكال، وأما الوعيد بالشر، فإن كان في مُعَيِّنٍ فلا يخلفه، وإن كان في الجملة فيخلفه بالعفو. والله تعالى أعلم.
وقال في النوادر أيضاً: لَمَّا رَدَّ الراسخون في العلم عِلْمَ المتشابه إلى عالمه، حيث قالوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، خافوا شَرَه النفوس لطلبها فإنَّ العلم لذيذ، وفتنة تلك اللذة لها عتاب، ففزعوا إلى ربهم فقالوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، علموا أن الرحمة تطفئ تلك الفتنة. ولما كان يوم القيامة ينكشف فيه سر القدر حنوا إليه فقالوا: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ... الآية. سكنوا نفوسهم لمجيء ذلك اليوم الذي تَبْطُنِ فيه الحكمة، وتظهر فيه القدرة. هـ. بالمعنى.
الإشارة: إذا صفت القلوب، وسكنت في حضرة علاّم الغيوب، تنزلت عليها الواردات الإلهية والعلوم اللدنية، والمواهب القدسية، فمنها ما تكون محكمات المبنى، واضحات المعنى، ومنها ما تكون مجملة في حال ورودها،
325
وبعد الوعي يكون البيان، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
. وقد تكون خارجة عن مدارك العقول. فأما أهل الزيغ والانتقاد فيتبعون المتشابه من تلك الواردات، ابتغاء فتنة العامة، وصرفهم عن طريق الخاصة، وابتغاء تأويله، ليقيم عليه حجة الشريعة، (وما يعلم تأويله إلا الله)، أو من تحقق فناؤه في الله، وهم الراسخون في معرفة الله، يقولون: (آمنا به كل من عند ربنا) إذ القلوب المطهرة من الهوى لا تنطق عن الهوى، وهم أرباب القلوب يقولون: (ربنا لا تزغ قلوبنا) عن حضرة قدسك (بعد إذ هديتنا) إلى الوصول إليها، (وهب لنا من لدنك رحمة) تعصمنا من النظر إلى سواك، (إنك أنت الوهاب) ربنا إنك جامع الناس. وهم السائرون إليك ليوم لا ريب في الوصول إليه، وهو يوم اللقاء، (إنَّكَ لا تُخْلفُ المِيعادَ) فاجمع بيننا وبينك، وحل بيننا وبين من يقطعنا عنك (إِنك على كل شيءٍ قدير).
ثم هدد أهل الزيغ والفساد، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١)
قلت: (الوقود) بالفتح: الحطب، وبالضم: المصدر، (كذأب آل فرعون) خبر، أي: دأبهم كدأب آل فرعون.
والدأب: مصدر دأب، إذا دام، ثم نقل إلى الشأن والعادة، و (كذبوا) : حال بإضمار «قد»، أو مستأنف، تفسير حالهم، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما أنزلته، على نبينا محمد- عليه الصلاة السلام-، إذا عاينوا العذاب لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ، أي: بدلاً من رحمته أو طاعته، أو بدلاً من عذابه، شَيْئاً، وأولئك هم حطب جهنم، فشأنهم كشأن آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قد كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أي: أهلكهم، وشدد العقوبة عليهم، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن أعرض عنه وركن إلى غيره.
الإشارة: كل من جحد أهل الخصوصية، وفاته حظه من مشاهدة عظمة الربوبية، حتى حصل له الطرد والبعاد، وفاته مرافقة أهل المحبة والوداد، لن تغني عنه- بدلاً مما فاته- أموالُ ولا أولاد، واتصلت به الأحزان والأنكاد كما قال الشاعر:
. وقد تكون خارجة عن مدارك العقول. فأما أهل الزيغ والانتقاد فيتبعون المتشابه من تلك الواردات، ابتغاء فتنة العامة، وصرفهم عن طريق الخاصة، وابتغاء تأويله، ليقيم عليه حجة الشريعة، (وما يعلم تأويله إلا الله)، أو من تحقق فناؤه في الله، وهم الراسخون في معرفة الله، يقولون: (آمنا به كل من عند ربنا) إذ القلوب المطهرة من الهوى لا تنطق عن الهوى، وهم أرباب القلوب يقولون: (ربنا لا تزغ قلوبنا) عن حضرة قدسك (بعد إذ هديتنا) إلى الوصول إليها، (وهب لنا من لدنك رحمة) تعصمنا من النظر إلى سواك، (إنك أنت الوهاب) ربنا إنك جامع الناس. وهم السائرون إليك ليوم لا ريب في الوصول إليه، وهو يوم اللقاء، (إنَّكَ لا تُخْلفُ المِيعادَ) فاجمع بيننا وبينك، وحل بيننا وبين من يقطعنا عنك (إِنك على كل شيءٍ قدير).
ثم هدد أهل الزيغ والفساد، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١)
قلت: (الوقود) بالفتح: الحطب، وبالضم: المصدر، (كذأب آل فرعون) خبر، أي: دأبهم كدأب آل فرعون.
والدأب: مصدر دأب، إذا دام، ثم نقل إلى الشأن والعادة، و (كذبوا) : حال بإضمار «قد»، أو مستأنف، تفسير حالهم، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما أنزلته، على نبينا محمد- عليه الصلاة السلام-، إذا عاينوا العذاب لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ، أي: بدلاً من رحمته أو طاعته، أو بدلاً من عذابه، شَيْئاً، وأولئك هم حطب جهنم، فشأنهم كشأن آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قد كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أي: أهلكهم، وشدد العقوبة عليهم، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن أعرض عنه وركن إلى غيره.
الإشارة: كل من جحد أهل الخصوصية، وفاته حظه من مشاهدة عظمة الربوبية، حتى حصل له الطرد والبعاد، وفاته مرافقة أهل المحبة والوداد، لن تغني عنه- بدلاً مما فاته- أموالُ ولا أولاد، واتصلت به الأحزان والأنكاد كما قال الشاعر: