تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب تفسير القرآن العزيز
المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين
.
لمؤلفه
ابن أبي زَمَنِين
.
المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة آل عمران، وهي مدنية كلها
ﰡ
قَوْله: ﴿الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم﴾ ((الْحَيّ)) الَّذِي لَا يَمُوت، ((القيوم)) قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: الْقَائِم عَلَى كُلِّ نفس بكسبها حَتَّى يجزيها بِهِ
﴿نزل عَلَيْك الْكتاب﴾ الْقُرْآن ﴿بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيل﴾
﴿من قبل﴾ يَعْنِي: من قبل الْقُرْآن ﴿هُدًى للنَّاس﴾ يَعْنِي: أنزل هَذِه الْكتب جَمِيعًا هدى للنَّاس ﴿وَأنزل الْفرْقَان﴾ تَفْسِير قَتَادَة: فرق اللَّه فِي الْكتاب بَين الْحق وَالْبَاطِل. ﴿إِنَّ الَّذين كفرُوا بآيَات الله﴾ تَفْسِير الحَسَن: يَعْنِي: بدين اللَّه. ﴿وَالله عَزِيز﴾ فِي نقمته ﴿ذُو انتقام﴾ من أعدائه
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيفَ يَشَاء﴾ كَقَوْلِه: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ ركبك﴾ [آيَة]
274
[آيَة ٧ - ١٠]
275
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكتاب وَأخر متشابهات﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، يَعْنِي: مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام، وَمَا سوى ذَلِك مِنْهُ الْمُتَشَابه. ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زيغ﴾ الْآيَة. كَانَ الحَسَن يَقُولُ: نزلت فِي الْخَوَارِج. قَالَ الحَسَن: وَمعنى ﴿ابْتِغَاء الْفِتْنَة﴾: طلب الضَّلَالَة. قَالَ مُحَمَّد: الْفِتْنَة تتصرف عَلَى ضروب؛ فَكَانَ الضَّرْب الَّذِي ابتغاه هَؤُلاءِ إِفْسَاد ذَات الْبَين فِي الدِّين، وَمعنى ﴿الزيغ﴾: الْجور، والميل عَنِ الْقَصْد.
يَحْيَى: عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ، فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ، فَلا تُجَالِسُوهُمْ، أَوْ قَالَ: احْذَرُوهُمْ)).
يَحْيَى: عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ، فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ، فَلا تُجَالِسُوهُمْ، أَوْ قَالَ: احْذَرُوهُمْ)).
275
يَحْيَى: وَفِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس: قَالَ: نزل الْقُرْآن عَلَى أَرْبَعَة أوجه: حَلَال وَحرَام لَا يسع النَّاس جَهله، وَتَفْسِير يُعلمهُ الْعلمَاء، وعربية تعرفها الْعَرَب، وَتَأْويل لَا يُعلمهُ إِلَّا اللَّه.
يَقُولُ الراسخون فِي الْعِلْم: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أولو الْأَلْبَاب﴾ أولو الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
يَقُولُ الراسخون فِي الْعِلْم: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أولو الْأَلْبَاب﴾ أولو الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
276
﴿رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا﴾ الْآيَة. قَالَ الْحسن: هَذَا دُعَاء، أَمر اللَّه الْمُؤمنِينَ
276
أَن يدعوا بِهِ.
277
﴿ ربنا إنك جامع الناس ﴾ الآية، قال الحسن : هذا دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعو به.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُم أَمْوَالهم﴾ أَي: لن تنفعهم ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وقود النَّار﴾ يَعْنِي: حطبها. [آيَة ١١ - ١٣]
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قبلهم﴾ الْآيَة.
قَالَ الحَسَن: هَذَا مثل ضربه اللَّه لمشركي الْعَرَب؛ يَقُولُ: كفرُوا، وصنعوا كصنيع آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم من الْكفَّار ﴿فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ فَهَزَمَهُمْ يَوْم بدر، وحشرهم إِلَى جَهَنَّم.
قَالَ مُحَمَّد: الدأب فِي اللُّغَة: الْعَادة؛ يُقَال: هَذَا دأبه.
قَالَ الحَسَن: هَذَا مثل ضربه اللَّه لمشركي الْعَرَب؛ يَقُولُ: كفرُوا، وصنعوا كصنيع آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم من الْكفَّار ﴿فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ فَهَزَمَهُمْ يَوْم بدر، وحشرهم إِلَى جَهَنَّم.
قَالَ مُحَمَّد: الدأب فِي اللُّغَة: الْعَادة؛ يُقَال: هَذَا دأبه.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فئتين التقتا﴾ هما فئتا بدر؛ فِئَة الْمُؤمنِينَ، وَفِئَة مُشْركي الْعَرَب. ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعين﴾ قَالَ الحَسَن: يَقُولُ: قد كَانَ لكم أَيهَا الْمُشْركُونَ آيَة (ل ٤٣) فِي فِئَتكُمْ، وَفِئَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه؛ إِذْ ترونهم مثليكم رَأْي الْعين؛ لما أَرَادَ الله أَن يرعب قُلُوبهم، ويخذلهم
277
ويخزيهم، وَكَانَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَائِكَة وَجِبْرِيل، يَقُول، لَقَدْ كَانَ لكم فِي هَؤُلاءِ عِبْرَة ومتفكر؛ أَيّدهُم اللَّه، ونصرهم على عدوهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ﴾ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ الْمُشْركُونَ آلفوا يَوْم بدر، أَو قاربوا الْألف، وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا. [آيَة ١٤]
قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ الْمُشْركُونَ آلفوا يَوْم بدر، أَو قاربوا الْألف، وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا. [آيَة ١٤]
278
﴿زين للنَّاس حب الشَّهَوَات﴾ قَالَ مُحَمَّد: هُوَ كَقَوْلِه: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾. ﴿والقناطير المقنطرة﴾ [قَالَ قَتَادَة] يَعْنِي: المَال الْكثير بعضه عَلَى بَعْض ﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: الراعية.
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: سامت الْخَيل، فَهِيَ سَائِمَة؛ إِذا رعت، وسوَّمتها فَهِيَ مسومة؛ إِذا رعيتها ﴿وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ الْمَتَاع: مَا يسْتَمْتع بِهِ، ثمَّ يذهب. ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ الْمرجع للْمُؤْمِنين؛ يَعْنِي: الْجنَّة.
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: سامت الْخَيل، فَهِيَ سَائِمَة؛ إِذا رعت، وسوَّمتها فَهِيَ مسومة؛ إِذا رعيتها ﴿وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ الْمَتَاع: مَا يسْتَمْتع بِهِ، ثمَّ يذهب. ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ الْمرجع للْمُؤْمِنين؛ يَعْنِي: الْجنَّة.
278
[آيَة ١٥ - ١٧]
279
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ يَعْنِي: الَّذِي ذكر من مَتَاع الْحَيَاة الدُّنيا ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَرَأَوْا مَا فِيهَا - قَالَ اللَّهُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. قَالُوا: رَبَّنَا لَيْسَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: بَلَى أُحِلُّ عَلَيْكُم رِضْوَانِي)).
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَرَأَوْا مَا فِيهَا - قَالَ اللَّهُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. قَالُوا: رَبَّنَا لَيْسَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: بَلَى أُحِلُّ عَلَيْكُم رِضْوَانِي)).
﴿الصابرين والصادقين﴾ أَي: صدقت نيتهم، واستقامت قُلُوبهم وألسنتهم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ يَعْنِي: المطيعين ﴿والمستغفرين﴾ يَعْنِي: أهل الصَّلاة. يَقُولُ: هَلْ يَسْتَوِي هَؤُلاءِ وَالْكفَّار؟ أَي: أَنهم لَا يستوون عِنْد الله. [آيَة ١٨ - ١٩]
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ﴾ فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ يَقُول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَائِما بِالْقِسْطِ؛ أَي بِالْعَدْلِ [وَيشْهد الْمَلَائِكَة وَيشْهد أولو الْعِلْم وهم الْمُؤْمِنُونَ]
قَالَ مُحَمَّد: نصب ﴿قَائِما﴾ عَلَى الْحَال؛ وَهِي حَال مُؤَكدَة. ﴿فَإِن توليتم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ يَعْنِي: مَا بَين لَهُم ﴿فَاعْلَمُوا أَن الله عَزِيز حَكِيم﴾
قَالَ يَحْيَى: أَحسب أَنهم فسروا كُلَّ شَيْء فِيهِ وَعِيد: عَزِيز فِي نقمته، وكُلَّ شَيْء لَيْسَ فِيهِ وَعِيد: عَزِيز فِي ملكه.
قَالَ مُحَمَّد: نصب ﴿قَائِما﴾ عَلَى الْحَال؛ وَهِي حَال مُؤَكدَة. ﴿فَإِن توليتم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ يَعْنِي: مَا بَين لَهُم ﴿فَاعْلَمُوا أَن الله عَزِيز حَكِيم﴾
قَالَ يَحْيَى: أَحسب أَنهم فسروا كُلَّ شَيْء فِيهِ وَعِيد: عَزِيز فِي نقمته، وكُلَّ شَيْء لَيْسَ فِيهِ وَعِيد: عَزِيز فِي ملكه.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ وَكَانُوا عَلَى الإِسْلام ﴿إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا﴾ أَي: حسداً ﴿بَينهم﴾
280
قَالَ مُحَمَّد: نصب ﴿بغيا﴾ عَلَى معنى: للبغي. ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحساب﴾ يَعْنِي: الْعَذَاب؛ أَي: إِذا أَرَادَ أَن يعذبهم، لم يؤخرهم عَنْ ذَلِكَ الْوَقْت؛ هَذَا تَفْسِير الحَسَن. [آيَة ٢٠ - ٢٢]
281
﴿فَإِن حاجوك فَقل أسلمت﴾ أَي: أخلصت ﴿وَجْهي﴾ أَي: ديني ﴿لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ أَي: وَأسلم من اتبعني وَجهه لله. ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ والأميين﴾ يَعْنِي: مُشْركي الْعَرَب؛ وَكَانَت هَذِه الْأمة أُميَّة لَا كتاب لَهَا؛ حَتَّى نزل الْقُرْآن. ﴿أأسلمتم﴾ أَي: أخلصتم ﴿فَإِن أَسْلمُوا﴾ أَخْلصُوا ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعباد﴾ أَي: بأعمال الْعباد
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: بدين اللَّه ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم﴾ موجع. [آيَة ٢٣]
281
[آيَة ٢٤ - ٢٥]
282
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب﴾ الْآيَة. قَالَ قَتَادَة: هُم الْيَهُود؛ دعاهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المحاكمة إِلَى كتاب اللَّه [وَأَحْكَامه؛ أَي] كتاب الله الَّذِي أنزلهُ عَلَيْهِ (ل ٤٤) فَوَافَقَ كِتَابهمْ الَّذِي أنزل عَلَيْهِم، فتولوا عَنْ ذَلِكَ، وأعرضوا عَنْهُ.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات﴾ عدد الْأَيَّام الَّتِي عبدُوا فِيهَا الْعجل؛ يَعْنِي بِهِ أوائلهم، ثمَّ رَجَعَ الْكَلَام إِلَيْهِم؛ فَقَالَ: ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يفترون﴾ أَي: يختلقون من الْكَذِب عَلَى اللَّه، قَالَ قَتَادَة، وَهُوَ قَوْلهم ﴿نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه﴾
﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا ريب فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ.
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى - وَالله أعلم - فَكيف يكون حَالهم فِي ذَلِكَ الْيَوْم؛ وَهَذَا من الِاخْتِصَار. ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كسبت﴾ أما الْمُؤْمن فيوفى حَسَنَاته فِي الْآخِرَة، وَأما الْكَافِر فيجازى بِهَا فِي الدُّنيا، ولَهُ فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار. [آيَة ٢٦]
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى - وَالله أعلم - فَكيف يكون حَالهم فِي ذَلِكَ الْيَوْم؛ وَهَذَا من الِاخْتِصَار. ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كسبت﴾ أما الْمُؤْمن فيوفى حَسَنَاته فِي الْآخِرَة، وَأما الْكَافِر فيجازى بِهَا فِي الدُّنيا، ولَهُ فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار. [آيَة ٢٦]
282
[آيَة ٢٧]
283
﴿قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك﴾ الْآيَة. قَالَ قَتَادَة: ((ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ ربه أَن يَجْعَل ملك فَارس وَالروم فِي أمته، فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة إِلَى آخرهَا)).
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل﴾ وَهُوَ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه؛ نُقْصَان اللَّيْل فِي زِيَادَة النَّهَار، ونقصان النَّهَار فِي زِيَادَة اللَّيْل ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ تَفْسِير الحَسَن وَقَتَادَة: تخرج المُؤْمن من الْكَافِر، وَتخرج الْكَافِر من الْمُؤمن ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب﴾ يَعْنِي: بِغَيْر محاسبة مِنْهُ لنَفسِهِ. [آيَة ٢٨ - ٣٢]
﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾ يَعْنِي: فِي النصحية ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تقاة﴾.
يَحْيَى: عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: ((أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَبِي فَلَمْ يَتْرُكُوهُ؛ حَتَّى سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا وَرَاءُكَ؟ قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُول الله، وَاللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ! قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: أَجِدُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ قَالَ: فَإِنْ عَادُوا فعد)).
يَحْيَى: عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: ((أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَبِي فَلَمْ يَتْرُكُوهُ؛ حَتَّى سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا وَرَاءُكَ؟ قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُول الله، وَاللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ! قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: أَجِدُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ قَالَ: فَإِنْ عَادُوا فعد)).
﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عملت من خير محضرا﴾ أَي: موفرا كثيرا ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا﴾ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أبدا.
قَالَ مُحَمَّد: نصب (يَوْمًا) عَلَى معنى: ويحذركم اللَّه نَفسه فِي ذَلِكَ الْيَوْم.
قَالَ مُحَمَّد: نصب (يَوْمًا) عَلَى معنى: ويحذركم اللَّه نَفسه فِي ذَلِكَ الْيَوْم.
284
قَوْله: ﴿ويحذركم الله نَفسه﴾ يَعْنِي: عُقُوبَته ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ أَي: رَحِيم؛ أما المُؤمن فَلهُ رَحْمَة الدُّنيا وَالْآخِرَة، وَأما الْكَافِر فرحمته فِي الدُّنيا مَا رزقه اللَّه فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار.
285
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتبعُوني يحببكم الله﴾ قَالَ الْحسن: جعل محبَّة رَسُوله محبته، وطاعته طَاعَته.
﴿قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول﴾ أَي: أطِيعُوا اللَّه فِي الْفَرَائِض. [آيَة ٣٣ - ٣٧]
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾ أَي: اخْتَار. ﴿وَآل إِبْرَاهِيم﴾ يَعْنِي: إِبْرَاهِيم وَولده، وَولد وَلَده ﴿وَآل عمرَان على الْعَالمين﴾
﴿ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض﴾ قَالَ قَتَادَة: أَي: فِي النِّيَّة وَالْعَمَل وَالْإِخْلَاص
285
﴿وجد عِنْدهَا رزقا﴾ قَالَ قَتَادَة: كَانَ يجد عِنْدهَا فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف،
286
وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء. [آيَة ٣٨ - ٣٩]
287
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْني محررا﴾ تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَت امْرَأَة عمرَان حررت لله مَا فِي بَطنهَا، وَكَانُوا يحررون الذُّكُور؛ فَكَانَ الْمُحَرر إِذا حرر يكون فِي الْمَسْجِد يقوم عَلَيْهِ ويكنسه لَا يبرح مِنْهُ،
285
وَكَانَت الْمَرْأَة لَا يُسْتَطَاع أَن (يصنع) ذَلِكَ بِهَا؛ لما يُصِيبهَا من الْأَذَى
286
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وضعت﴾ وَهِي تقْرَأ على وَجه آخر: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم﴾ أَي: الملعون أَن يضلها وإياهم ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا﴾ أَي: ضمهَا إِلَيْهِ؛ فِي تَفْسِير من خفف قرَاءَتهَا، وَمن ثقلهَا يَقُولُ: ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ أَي: فكفلها اللَّه زَكَرِيَّا، بِنصب زَكَرِيَّا.
قَالَ الْكَلْبِيّ: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ لفتها فِي خرقها، (ل ٤٥) ثمَّ أرْسلت بِهَا إِلَى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَوَضَعتهَا فِيهِ فتنافسها الْأَحْبَار بَنو هَارُون، فَقَالَ لَهُم زَكَرِيَّا: أَنا أحقكم بِهَا عِنْدِي أُخْتهَا فذروها لِي، فَقَالَت الْأَحْبَار: لَو تركت لأَقْرَب النَّاس إِلَيْهَا لتركت لأمها، وَلَكنَّا نقترع عَلَيْهَا؛ فَهِيَ لمن خرج سَهْمه، فاقترعوا عَلَيْهَا بأقلامهم الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بِهَا الْوَحْي، فقرعهم زَكَرِيَّا، فَضمهَا إِلَيْهِ، واسترضع لَهَا؛ حَتَّى إِذا شبت بنى لَهَا محرابا فِي الْمَسْجِد، وَجعل بَابه فِي وَسطه لَا يرتقى إِلَيْهَا إِلَّا بسلم، وَلا يَأْمَن عَلَيْهَا غَيره.
قَالَ الْكَلْبِيّ: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ لفتها فِي خرقها، (ل ٤٥) ثمَّ أرْسلت بِهَا إِلَى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَوَضَعتهَا فِيهِ فتنافسها الْأَحْبَار بَنو هَارُون، فَقَالَ لَهُم زَكَرِيَّا: أَنا أحقكم بِهَا عِنْدِي أُخْتهَا فذروها لِي، فَقَالَت الْأَحْبَار: لَو تركت لأَقْرَب النَّاس إِلَيْهَا لتركت لأمها، وَلَكنَّا نقترع عَلَيْهَا؛ فَهِيَ لمن خرج سَهْمه، فاقترعوا عَلَيْهَا بأقلامهم الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بِهَا الْوَحْي، فقرعهم زَكَرِيَّا، فَضمهَا إِلَيْهِ، واسترضع لَهَا؛ حَتَّى إِذا شبت بنى لَهَا محرابا فِي الْمَسْجِد، وَجعل بَابه فِي وَسطه لَا يرتقى إِلَيْهَا إِلَّا بسلم، وَلا يَأْمَن عَلَيْهَا غَيره.
﴿ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ﴾ أي ضمها إليه، في تفسير من خفف قراءتها، ومن ثقلها يقول :
﴿ وكفلها ﴾١ أي فكفلها الله زكريا، بنصب زكريا. قال الكلبي :﴿ فلما وضعتها ﴾ لفتها في خرقها، ثم أرسلت بها إلى مسجد بيت المقدس، فوضعتها فيه فتنافسها الأحبار بنو هارون، فقال لهم زكريا : أنا أحقكم بها عندي أختها فذروها لي، فقالت الأحبار : لو تركت لأقرب الناس إليها لتركت لأمها، ولكنا نقترع عليها، فهي لمن خرج سهمه، فاقترعوا عليها بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، فقرعهم زكريا، فضمها إليه، واسترضع لها، حتى إذا شبت بنى لها محرابا في المسجد، وجعل بابه في وسطه لا يرتقى إليها إلا بسلم، ولا يأمن عليها غيره. ﴿ وجد عندها رزقا ﴾ قال قتادة : كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء.
﴿ وكفلها ﴾١ أي فكفلها الله زكريا، بنصب زكريا. قال الكلبي :﴿ فلما وضعتها ﴾ لفتها في خرقها، ثم أرسلت بها إلى مسجد بيت المقدس، فوضعتها فيه فتنافسها الأحبار بنو هارون، فقال لهم زكريا : أنا أحقكم بها عندي أختها فذروها لي، فقالت الأحبار : لو تركت لأقرب الناس إليها لتركت لأمها، ولكنا نقترع عليها، فهي لمن خرج سهمه، فاقترعوا عليها بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، فقرعهم زكريا، فضمها إليه، واسترضع لها، حتى إذا شبت بنى لها محرابا في المسجد، وجعل بابه في وسطه لا يرتقى إليها إلا بسلم، ولا يأمن عليها غيره. ﴿ وجد عندها رزقا ﴾ قال قتادة : كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء.
١ قرأ بتشديد الفاء وقصر زكريا: حمزة والكسائي، وحفص، عن عاصم، وقرأ بتشديد الفاء، مع مد "زكريا) أبو بكر، عن عاصم، وقرأ الباقون بتخفيف الفاء، ورفع "زكريا" مع المد٠ انظر: السبعة (٢٠٤ – ٢٠٥)..
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّة﴾ أَي: من عنْدك ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ يَعْنِي: تقية، قَالَ الْكَلْبِيّ: وَكَانَت امْرَأَة زَكَرِيَّا عاقرا قد دخلت فِي السن، وزَكَرِيا شيخ كَبِير؛ فَاسْتَجَاب الله لَهُ.
﴿فنادته الْمَلَائِكَة﴾ ناداه جِبْرِيل ﴿وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ يَعْنِي: يحيى؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة؛ أَحْيَاهُ اللَّه بِالْإِيمَان، وَالسَّيِّد: الحَسَن الْخلق، والحصور: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء أَي حصر عَنْهُن.
قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْحصْر: الْحَبْس. [آيَة ٤٠ - ٤٣]
قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْحصْر: الْحَبْس. [آيَة ٤٠ - ٤٣]
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَام﴾ أَي: من أَيْن يكون لي؟! (وَقَدْ بَلَغَنِيَ
287
الْكبر وامرأتي عَاقِر} أَي: لَا تَلد، قَالَ الْحسن: أَرَادَ أَن يعلم كَيفَ وهب ذَلِك لَهُ؛ وَهُوَ كَبِير وَامْرَأَته عَاقِر؛ لِيَزْدَادَ علما ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾
288
﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا﴾ أَي: إِيمَاء، فَعُوقِبَ فَأخذ بِلِسَانِهِ؛ فَجعل لَا يبين الْكَلَام، وَإِنَّمَا عُوقِبَ؛ لِأَن الْمَلَائِكَة شافهته، فبشر بِيَحْيَى مشافهة، فَسَأَلَ الْآيَة بعد أَن شافهته الْمَلَائِكَة ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كثيرا وَسبح بالْعَشي وَالْإِبْكَار﴾ يَعْنِي: الصَّلَاة.
﴿إِن الله اصطفاك﴾ أَي: اختارك لدينِهِ ﴿وطهرك﴾ من الْكفْر
﴿يَا مَرْيَم اقتني لِرَبِّك﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: أطيلي الْقيام فِي الصَّلَاة.
قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْقُنُوت: الطَّاعَة. [آيَة ٤٤ - ٤٨]
قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْقُنُوت: الطَّاعَة. [آيَة ٤٤ - ٤٨]
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْك وَمَا كنت لديهم﴾ ﴿عِنْدهم﴾ (إِذْ يلقون أقلامهم} أَي: يستهمون بهَا.
288
﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لديهم إِذْ يختصمون﴾ فِيهَا أَيهمْ يضمها إِلَيْهِ
289
﴿اسْمه الْمَسِيح﴾ أَي: مُسِحَ بِالْبركَةِ؛ فِي تَفْسِير الْحسن. ﴿ووجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَجُهَ الرجل، وأوجهني أَي: صيرني وجيها. ﴿وَمن المقربين﴾ عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة.
﴿ويكلم النَّاس فِي المهد﴾ أَي: فِي حِجْرِ أُمِّهِ ﴿وَكَهْلا﴾ كَبِيرا ﴿وَيُعَلِّمُهُمْ﴾ أَي: يعلمهُمْ كَبِيرا؛ فَأَرَادَتْ أَن تعلم كَيفَ ذَلِك؛ فَقَالَت: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾
فقالت :﴿ رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء ﴾.
﴿ويعلمه الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْخط ﴿وَالْحكمَة﴾ يَعْنِي: السّنة. [آيَة ٤٩ - ٥١]
﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ﴾ أَي: أُصَوِّرُ [من الطين] ﴿كَهَيْئَةِ الطير﴾ كَشَبَهِ الطَّيْرِ.
289
﴿وأبرئ الأكمه والأبرص﴾ قَالَ قَتَادَة: الأكمه: الَّذِي تلده أمه وَهُوَ مضموم الْعَينَيْنِ. ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ﴾ يَعْنِي: أنبئكم بِمَا أكلْتُم البارحة، وَبِمَا خبأتم فِي بُيُوتكُمْ.
290
﴿وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُم﴾ تَفْسِير قَتَادَة: كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلين مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى؛ أحلّت لَهُم فِي الْإِنْجِيل أَشْيَاء كَانَت عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة حَرَامًا [آيَة ٥٢ - ٥٨]
﴿فَلَمَّا أحسن عِيسَى مِنْهُم الْكفْر﴾ أَي: رأى. ﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله﴾ أَي: مَعَ الله ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحن أنصار الله﴾ والحواريون: هم أصفياء الْأَنْبِيَاء.
﴿فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين﴾ أَي: فاجعلنا
﴿ومكروا ومكر الله﴾ مكروا بقتل عِيسَى، ومكر الله بهم فأهلكهم، وَرفع عِيسَى إِلَيْهِ.
290
قَالَ مُحَمَّد: الْمَكْر من النَّاس الخديعة، وَهُوَ من الله (ل ٤٦) الْجَزَاء، يجازي من مكر بمكره.
291
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ﴾ قَالَ السّديّ: معنى ﴿متوفيك﴾: قابضك من بَين بني إِسْرَائِيل ﴿ورافعك إِلَيّ﴾ فِي السَّمَاء.
قَالَ مُحَمَّد: تَقول: توفيت [الْعدَد] واستوفيته؛ بِمَعْنى: قَبضته. ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فِي النَّصْر، وَفِي الْحجَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَالَّذين اتَّبعُوهُ مُحَمَّد وَأهل دينه؛ اتبعُوا دين عيسي وَصَدقُوا بِهِ.
قَالَ مُحَمَّد: تَقول: توفيت [الْعدَد] واستوفيته؛ بِمَعْنى: قَبضته. ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فِي النَّصْر، وَفِي الْحجَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَالَّذين اتَّبعُوهُ مُحَمَّد وَأهل دينه؛ اتبعُوا دين عيسي وَصَدقُوا بِهِ.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ أما فِي الدُّنْيَا: فَهُوَ مَا عذب بِهِ الْكفَّار من الوقائع وَالسيف حِين كذبُوا رسلهم، وَأما فِي الْآخِرَة: [فيعذبهم] بالنَّار
﴿وَالله لَا يحب الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين [آيَة ٥٩ - ٦٠]
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرَاب﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: لما قدم نَصَارَى نَجْرَان، قَالُوا: يَا مُحَمَّد؛ أَتَذكر صاحبنا؟ قَالَ: وَمن صَاحبكُم؟ قَالُوا: عيسي ابْن مَرْيَم؛ أتزعم أَنه عبد؟ فَقَالَ لَهُم نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أجل هُوَ عبد الله. قَالُوا: أرنا فِي خلق الله عبدا مثله فِيمَن رَأَيْت أَو سَمِعت؟ فَأَعْرض عَنْهُم نَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمئِذٍ، وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل، فَقَالَ: (إِنَّ مَثَلَ
291
عِيسَى عِنْد الله....} الْآيَة. [آيَة ٦١ - ٦٤]
292
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَك من الْعلم﴾ الْآيَة.
قَالَ الْكَلْبِيّ: ثمَّ عَادوا إِلَى النَّبِي، فَقَالُوا: هَل سَمِعت بِمثل صاحبنا؟! قَالَ: نعم. قَالُوا: وَمن هُوَ؟ قَالَ: آدم، خلقه الله من تُرَاب. فَقَالُوا لَهُ: إِنَّه لَيْسَ كَمَا تَقول؟ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمَّ نبتهل﴾ أَي: نتلاعن ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ على الْكَاذِبين﴾ منا ومنكم. قَالُوا: نعم نُلَاعِنك؛ فَرجع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأخذ بيد عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَهموا أَن يلاعنوه، ثمَّ نكصوا، وَعَلمُوا أَنهم لَو فعلوا - لوقعت اللَّعْنَة عَلَيْهِم، فَصَالَحُوهُ على الْجِزْيَة.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: ﴿ثمَّ نبتهل﴾ الْمَعْنى: نتداعى باللعن؛ (يُقَال: أبهله الله؛ أَي: لَعنه الله) وَفِيه لُغَة أُخْرَى: بهله.
قَالَ الْكَلْبِيّ: ثمَّ عَادوا إِلَى النَّبِي، فَقَالُوا: هَل سَمِعت بِمثل صاحبنا؟! قَالَ: نعم. قَالُوا: وَمن هُوَ؟ قَالَ: آدم، خلقه الله من تُرَاب. فَقَالُوا لَهُ: إِنَّه لَيْسَ كَمَا تَقول؟ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمَّ نبتهل﴾ أَي: نتلاعن ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ على الْكَاذِبين﴾ منا ومنكم. قَالُوا: نعم نُلَاعِنك؛ فَرجع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأخذ بيد عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَهموا أَن يلاعنوه، ثمَّ نكصوا، وَعَلمُوا أَنهم لَو فعلوا - لوقعت اللَّعْنَة عَلَيْهِم، فَصَالَحُوهُ على الْجِزْيَة.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: ﴿ثمَّ نبتهل﴾ الْمَعْنى: نتداعى باللعن؛ (يُقَال: أبهله الله؛ أَي: لَعنه الله) وَفِيه لُغَة أُخْرَى: بهله.
﴿فَإِن توَلّوا﴾ يَعْنِي: عَمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فَإِنَّ الله عليم بالمفسدين﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين
﴿قل يَا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ أَي: عدل ﴿بَيْننَا وَبَيْنكُم﴾ يَعْنِي: لَا إِلَه إِلَّا الله. ﴿وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله﴾.
يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ((جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ. فَقَالَ: يَا عَدِيُّ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ. فَأَلْقَيْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله﴾ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا نَتَّخِذُهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ: بَلَى؛ أَلَيْسُوا يُحِلُّونَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ؛ فَتَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ؛ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)). ﴿فَإِنْ توَلّوا فَقولُوا﴾ يَعْنِي: النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسلمُونَ﴾
يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ((جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ. فَقَالَ: يَا عَدِيُّ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ. فَأَلْقَيْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله﴾ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا نَتَّخِذُهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ: بَلَى؛ أَلَيْسُوا يُحِلُّونَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ؛ فَتَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ؛ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)). ﴿فَإِنْ توَلّوا فَقولُوا﴾ يَعْنِي: النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسلمُونَ﴾
293
[آيَة ٦٥ - ٦٨]
294
﴿يَا أهل الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلا من بعده أَفلا تعقلون﴾ قَالَ الْحسن: وَذَلِكَ أَنهم نحلوه أَنه كَانَ على دينهم؛ فَقَالَت الْيَهُود ذَلِك، وَقَالَت النَّصَارَى ذَلِك. فكذبهم الله جَمِيعًا، وَأخْبر أَنه كَانَ مُسلما، ثمَّ احْتج عَلَيْهِم أَنه إِنَّمَا أنزلت التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بعده؛ أَي: إِنَّمَا كَانَت الْيَهُودِيَّة بعد التَّوْرَاة، والنصرانية بعد الْإِنْجِيل.
﴿هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ علم﴾ أَي: بِمَا كَانَ فِي زمانكم وأدركتموه ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ أَن إِبْرَاهِيم لم يكن يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا، وَلَكِن حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبعُوهُ﴾ قَالَ قَتَادَة: أَي: على مِلَّته ﴿وَهَذَا النَّبِي﴾ (ل ٤٧) يَعْنِي: مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام ﴿وَالَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الَّذين (عرفُوا) نَبِي الله واتبعوه. [آيَة]
294
[آيَة ٦٩ - ٧١]
295
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ يَعْنِي: من لم يُؤمن مِنْهُم ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أنفسهم﴾ بِمَا يودون من ذَلِك ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
﴿يَا أهل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُم تَشْهَدُون﴾ أَنَّهَا آيَات الله (وَأَنه) رَسُوله، يَعْنِي بِهِ خَاصَّة عُلَمَائهمْ؛ لأَنهم يَجدونَ نعت مُحَمَّد فِي كِتَابهمْ، ثمَّ كفرُوا بِهِ وأنكروه.
﴿يَا أهل الْكتاب لم تلبسُونَ﴾ أَي: لم تخلطون الْحق بِالْبَاطِلِ؟! قَالَ الْحسن: يَعْنِي: مَا حرفوا من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بِالْبَاطِلِ الَّذِي قبلوه عَن الشَّيْطَان. ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُم تعلمُونَ﴾ أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَأَن دينه حق. [آيَة ٧٢ - ٧٤]
﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمنُوا﴾ بِمُحَمد ﴿وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لمن تبع دينكُمْ﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ: كتبت يهود خَيْبَر إِلَى يهود الْمَدِينَة أَن آمنُوا بِمُحَمد أول النَّهَار،
295
واكفروا آخِره؛ أَي: اجحدوا آخِره، ولَبِّسوا على ضعفة أَصْحَابه، حَتَّى تشككوهم فِي دينهم، فَإِنَّهُم لَا علم لَهُم وَلَا دراسة يدرسونها ﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ عَن مُحَمَّد، وَعَما جَاءَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِد: صلت الْيَهُود مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أول النَّهَار صَلَاة الصُّبْح، وكفرت آخِره؛ مكرا مِنْهُم، ليرى النَّاس أَنه قد بَدَت لَهُم الضَّلَالَة بعد إِذْ كَانُوا اتَّبعُوهُ. ﴿قُلْ إِن الْهدى هدى الله﴾ يَعْنِي: أَن الدّين دين الْإِسْلَام ﴿أَن يُؤْتى أحد مثل أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ فِيهَا تَقْدِيم: إِنَّمَا قَالَت يهود خَيْبَر ليهود الْمَدِينَة: ﴿وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ﴾ أَي: لَا تصدقوا إِلَّا من تبع دينكُمْ؛ فَإِنَّهُ لن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ، وَلنْ (يحاجكم) بِمثل دينكُمْ أحد عِنْد ربكُم،
296
فَقَالَ الله: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هدى الله﴾ وَالْفضل بيد الله، وَفضل الله: الْإِسْلَام ﴿يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَالله وَاسع﴾ لخلقه ﴿عليم﴾ بأمرهم.
﴿يخْتَص برحمته﴾ أَي: بِدِينِهِ؛ وَهُوَ الْإِسْلَام ﴿مَنْ يَشَاء﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ. [آيَة ٧٥ - ٧٦]
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك﴾ يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
296
قَالَ قَتَادَة: كُنَّا نُحدث أَن القنطار مائَة رَطْل من ذهب، أَو ثَمَانُون ألفا من الْوَرق. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما﴾ يَعْنِي: إِن سَأَلته حِين تعطيه إِيَّاه رده إِلَيْك، وَإِن أنظرته بِهِ أَيَّامًا ذهب بِهِ. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيين﴾ يعنون: مُشْركي الْعَرَب ﴿سَبِيل﴾ إِثْم. تَفْسِير الْحسن: كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَت لَهُم هَذِه الْحُقُوق وَتجب علينا وهم على دينهم، فَلَمَّا تحولوا عَن دينهم لم يثبت لَهُم علينا حق. قَالَ الله - عز وَجل -: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾ أَنهم كاذبون
297
﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: أدّى الْأَمَانَة وآمن ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾. [آيَة ٧٧ - ٧٩]
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا﴾ هم ﴿أهل الْكتاب﴾ كتبُوا كتبا بِأَيْدِيهِم، وَقَالُوا: هَذَا من عِنْد الله؛ فاشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا؛ أَي عرضا من عرض الدُّنْيَا، وحلفوا أَنه من عِنْد الله. ﴿أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة﴾ أَي: لَا نصيب لَهُم [فِي] الْجنَّة. ﴿وَلَا يكلمهم الله﴾ بِمَا يحبونَ [وَذَلِكَ] يَوْم الْقِيَامَة، وَقد يكلمهم ويسألهم عَن أَعْمَالهم. قَالَ: ﴿وَلَا ينظر إِلَيْهِم﴾ نظرة رَحْمَة [يَوْم الْقِيَامَة] ﴿وَلا يزكيهم﴾ أَي: لَا يطهرهم من ذنوبهم ﴿وَلَهُم عَذَاب أَلِيم﴾ موجع
﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكتاب﴾ تَفْسِير قَتَادَة: حرفوا كتاب الله، وابتدعوا فِيهِ، وَزَعَمُوا أَنه من عِنْد الله.
﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة﴾ كَمَا آتى عيسي ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دون الله﴾ أَي: اعبدوني؛ يَقُول: لَا يفعل ذَلِك من آتَاهُ الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة.
قَالَ الْحسن: احْتج (ل ٤٨) عَلَيْهِم بِهَذَا؛ لقَولهم [إِن عيسي يَنْبَغِي لَهُ أَن يعبد] وَأَنَّهُمْ قبلوا ذَلِك عَن الله، وَهُوَ فِي كِتَابهمْ الَّذِي نزل من عِنْد الله.
قَالَ ﴿وَلَكِنْ كُونُوا ربانيين﴾ أَي: وَلَكِن يَقُول لَهُم: كونُوا ربانيين؛ أَي: عُلَمَاء فُقَهَاء ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تدرسون﴾ تقرءون
قَالَ الْحسن: احْتج (ل ٤٨) عَلَيْهِم بِهَذَا؛ لقَولهم [إِن عيسي يَنْبَغِي لَهُ أَن يعبد] وَأَنَّهُمْ قبلوا ذَلِك عَن الله، وَهُوَ فِي كِتَابهمْ الَّذِي نزل من عِنْد الله.
قَالَ ﴿وَلَكِنْ كُونُوا ربانيين﴾ أَي: وَلَكِن يَقُول لَهُم: كونُوا ربانيين؛ أَي: عُلَمَاء فُقَهَاء ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تدرسون﴾ تقرءون
298
[آيَة ٨٠ - ٨٢]
299
﴿وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ والنبيين أَرْبَابًا﴾ أَي: من دون الله ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ على الِاسْتِفْهَام أَي: لَا يفعل.
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لما آتيناكم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذَلِكُم إصري﴾ [أَي: عهد ثقيل] ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدين﴾.
يَقُوله الله: أَنا شَاهد مَعَهم وَعَلَيْهِم، بِمَا أعْطوا من الْمِيثَاق وَالْإِقْرَار، قَالَ قَتَادَة: هَذَا مِيثَاق أَخذه الله على النَّبِيين أَن يصدق بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يبلغُوا كتاب الله ورسالاته إِلَى عباده، وَأخذ مِيثَاق أهل الْكتاب فِي كِتَابهمْ فِيمَا بلغتهم رسلهم؛ أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد ويصدقوه وينصروه
يَقُوله الله: أَنا شَاهد مَعَهم وَعَلَيْهِم، بِمَا أعْطوا من الْمِيثَاق وَالْإِقْرَار، قَالَ قَتَادَة: هَذَا مِيثَاق أَخذه الله على النَّبِيين أَن يصدق بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يبلغُوا كتاب الله ورسالاته إِلَى عباده، وَأخذ مِيثَاق أهل الْكتاب فِي كِتَابهمْ فِيمَا بلغتهم رسلهم؛ أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد ويصدقوه وينصروه
﴿فَمن تولى بعد ذَلِك﴾ ﴿أَي:﴾ بعد الْعَهْد والميثاق الَّذِي أَخذ الله عَلَيْهِم ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آيَة ٨٣ - ٨٥]
299
[آيَة ٨٣ - ٨٥]
300
﴿أفغير دين الله يَبْغُونَ﴾ (يطْلبُونَ) ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها﴾ تَفْسِير الْحسن: وَله أسلم من فِي السَّمَوَات، ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: ﴿وَالأَرْضِ﴾ أَيْ: وَمَنْ فِي الأَرْضِ طَوْعًا وَكرها؛ يَعْنِي: طَائِعا وكارها. قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاللَّهِ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا؛ كم دَخَلَهُ كَرْهًا)).
قَالَ يَحْيَى: لَا أَدْرِي أَرَادَ الْمُنَافِقَ، أَوِ الَّذِي قُوتِلَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْمُؤمن فَأسلم طَائِعا؛ فنفعه ذَلِك وَقُبِلَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ كَارِهًا؛ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بِالْكَافِرِ: الْمُنَافِقَ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ قلبه.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿طَوْعًا﴾ مصدر، وضع مَوضِع الْحَال.
قَالَ يَحْيَى: لَا أَدْرِي أَرَادَ الْمُنَافِقَ، أَوِ الَّذِي قُوتِلَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْمُؤمن فَأسلم طَائِعا؛ فنفعه ذَلِك وَقُبِلَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ كَارِهًا؛ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بِالْكَافِرِ: الْمُنَافِقَ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ قلبه.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿طَوْعًا﴾ مصدر، وضع مَوضِع الْحَال.
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط﴾ الأسباط: يُوسُف وَإِخْوَته، إِلَى قَوْله ﴿مُسلمُونَ﴾ قَالَ الْحسن: هَذَا مَا أَخذ الله على رَسُوله، وَلم يُؤْخَذ عَلَيْهِ مَا أَخذ على الْأَنْبِيَاء فِي قَوْله: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ إِذْ لَا نَبِي بعده
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين﴾ خسر نَفسه؛ فَصَارَ فِي النَّار، وخسر أَهله من الْحور الْعين. [آيَة ٨٦ - ٨٩]
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حق﴾ قَالَ مُجَاهِد: نزلت فِي رجل من بني عَمْرو بن عَوْف كفر بعد إيمَانه. ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ يَعْنِي: الْكتاب فِيهِ الْبَينَات والحجج. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ يَعْنِي: من لَا يُرِيد أَن يهديه مِنْهُم
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ يَعْنِي بِالنَّاسِ: الْمُؤمنِينَ خَاصَّة
﴿خَالِدين فِيهَا﴾ أَي: فِي تِلْكَ اللَّعْنَة، وثوابها النَّار. ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هم ينظرُونَ﴾ يؤخرون بِالْعَذَابِ.
﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِك وَأَصْلحُوا﴾ يَعْنِي: من أَرَادَ الله أَن يهديه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آيَة ٩٠ - ٩١]
301
[آيَة ٩٢]
302
قَوْله عز ذكره: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كفرا﴾ قَالَ الْحسن: هم أهل الْكتاب كَانُوا مُؤمنين، ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرا؛ أَي: مَاتُوا على كفرهم.
يَقُول: لن يقبل الله إِيمَانهم الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك، [إِذا مَاتُوا] على كفرهم ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾
يَقُول: لن يقبل الله إِيمَانهم الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك، [إِذا مَاتُوا] على كفرهم ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هَذَا مِلْءُ هَذَا؛ أَي: مِقْدَار مَا يمْلَأ، والْمَلْءُ الْمصدر فبالفتح، يُقَال: مَلَأت الشَّيْء ملئا؛ هَذَا هُوَ الِاخْتِيَار (عِنْد اللغويين)
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تحبون﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي الزَّكَاة (ل ٤٩) الْوَاجِبَة ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِن الله بِهِ عليم﴾ يحفظه لكم حَتَّى يجازيكم بِهِ. [آيَة ٩٣ - ٩٦]
302
[آيَة ٩٧ - ٩٨]
303
﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها﴾ [أَي: فاقرءوها] ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَن فِيهَا مَا تذكرُونَ [أَنه] حرمه عَلَيْكُم. قَالَ الْحسن: وَكَانَ الَّذِي حرم إِسْرَائِيل على نَفسه: لُحُوم الْإِبِل، وَقَالَ بَعضهم: أَلْبَانهَا.
﴿قل صدق الله﴾ أَن إِبْرَاهِيم كَانَ مُسلما ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا﴾ والحنيف: المخلص.
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: وضع قبْلَة لَهُم. ﴿للَّذي ببكة مُبَارَكًا﴾ تَفْسِير حبيب بن أبي ثَابت: قَالَ: الْبَيْت وَمَا حوله بكة، وأسفل من ذَلِك مَكَّة، وَإِنَّمَا سمي الْموضع بكة؛ لِأَن النَّاس يتزاحمون فِيهِ.
قَالَ مُحَمَّد: البك أَصله فِي اللُّغَة: الدّفع، وَنصب ﴿مُبَارَكًا﴾ على الْحَال
قَالَ مُحَمَّد: البك أَصله فِي اللُّغَة: الدّفع، وَنصب ﴿مُبَارَكًا﴾ على الْحَال
﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ قَالَ الْحسن: مقَام إِبْرَاهِيم من الْآيَات الْبَينَات ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمنا﴾ قَالَ الحَسَن: كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ لَو أَن رجلا جر جريرة، ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم - لم يُطْلب وَلم يُتَنَاول، وَأما
303
فِي الْإِسْلَام؛ فَإِن الْحرم لَا يمْنَع من حد، من أصَاب حدا أقيم عَلَيْهِ. ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حج الْبَيْت﴾ قَالَ مُحَمَّد: الْحَج فِي اللُّغَة مَعْنَاهُ: ((الْقَصْد؛ يُقَال: حججْت الشَّيْء أحجه حجا؛ إِذا قصدته مرّة بعد مرّة، وَمن هَذَا قَول الشَّاعِر:
أَي: يكثرون الِاخْتِلَاف إِلَيْهِ؛ لسؤدده، وَكَانَ الرئيس يعتم بعمامة صفراء تكون علما لرئاسته.
قَوْله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾
يَحْيَى: (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ) ((أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [إِنَّ اللَّهَ قَالَ]: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ فَمَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد والراحة)).
(وَأشْهد من عَوْف حلولا كَثِيرَة | يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا) |
قَوْله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾
يَحْيَى: (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ) ((أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [إِنَّ اللَّهَ قَالَ]: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ فَمَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد والراحة)).
304
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَن الْعَالمين﴾ قَالَ الْحسن: الْكفْر: أَن يَقُول:
305
لَيْسَ بفريضة؛ فيكفر بِهِ. [آيَة ٩٩ - ١٠٠]
306
﴿قل يَا أهل الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله﴾ يَعْنِي: الْإِسْلَام ﴿مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عوجا﴾ أَي: تطلبون بهَا العوج. ﴿وَأَنْتُمْ شُهَدَاء﴾ على ذَلِك فِيمَا تقرون من كتاب الله أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَأَن الْإِسْلَام دين الله.
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال فِي الْأَمر: (عِوَج) بِالْكَسْرِ؛ إِذا كَانَ فِي الدّين، وَيُقَال
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال فِي الْأَمر: (عِوَج) بِالْكَسْرِ؛ إِذا كَانَ فِي الدّين، وَيُقَال
306
لكل شَيْء مائل: فِيهِ (عَوَج) بِالْفَتْح؛ كالعصا والحائط وَشبه ذَلِك.
307
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب﴾ يَعْنِي: من لم يُؤمن مِنْهُم. [آيَة ١٠١ - ١٠٣]
﴿وَمن يعتصم بِاللَّه﴾ أَي: يسْتَمْسك بدين الله
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاته﴾ قَالَ ابْن مَسْعُود: حق تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى، ويشكر فَلَا يكفر، وَيذكر فَلَا ينسى. قَالَ قَتَادَة: نزلت هَذِه الْآيَة فَثقلَتْ عَلَيْهِم، ثمَّ أنزل الله الْيُسْر وَالتَّخْفِيف، فَقَالَ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم واسمعوا وَأَطيعُوا﴾
﴿واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا﴾ قَالَ الْحسن وَغَيره: حَبل الله: الْقُرْآن. قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْحَبل فِي اللُّغَة: الْعَهْد.
قَالَ (الْأَعْشَى):
قَالَ (الْأَعْشَى):
(وَإِذا أجوزها حبال قَبيلَة | أخذت من الْأُخْرَى إِلَيْهَا حبالها} |