تفسير سورة الصافات

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية وثمانمائة وستون كلمة وثلاثة آلاف وثمانمائة وستة وعشرون حرفا.

سورة الصافات
مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية وثمانمائة وستون كلمة وثلاثة آلاف وثمانمائة وستة وعشرون حرفا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦)
قوله عز وجل: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا قال ابن عباس هم الملائكة يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة (م) عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف» لفظ أبي داود، وقيل هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد وقيل أراد بالصافات الطير تصف أجنحتها في الهواء فَالزَّاجِراتِ زَجْراً يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه وقيل هي زواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبيح فَالتَّالِياتِ ذِكْراً يعني الملائكة يتلون ذكر الله تعالى وقيل هم قرّاء القرآن وهذا كله قسم أقسم الله عز وجل بهذه الأشياء وقيل فيه إضمار تقديره ورب الصافات والزاجرات والتاليات وجواب القسم قوله تعالى: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ وذلك أن كفار مكة قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على شرف ذواتها وكمال مراتبها والرد على عبدة الأصنام في قولهم ثم وصف نفسه فقال تعالى: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يعني أنه المالك القادر العالم المنزه عن الشريك.
وقوله وَرَبُّ الْمَشارِقِ قيل أراد والمغارب فاكتفى بأحدهما قال السدي المشارق ثلاثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب فإن الشمس تطلع كل يوم في مشرق وتغرب في مغرب. فإن قلت قد قال في موضع آخر رب المشرق ورب المغربين وقال رب المشرق والمغرب فكيف وجه الجمع بين هذه الآيات.
قلت أراد بالمشرق والمغرب الجهة التي تطلع فيها الشمس وتغرب وأراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، وبالمغربين مغرب الصيف ومغرب الشتاء وبالمشارق والمغارب ما تقدم من قول السدي وقيل كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه فهو مغرب وقيل أراد مشارق الكواكب.
قوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا يعني التي تلي الأرض وهي أدنى السموات إلى الأرض بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ قال ابن عباس بضوء الكواكب لأن الضوء والنور من أحسن الصفات وأكملها ولو لم تحصل هذه الكواكب في السماء لكانت شديدة الظلمة عند غروب الشمس، وقيل زينتها أشكالها المتناسبة والمختلفة في الشكل كشكل الجوزاء وبنات نعش وغيرها. وقيل إن الإنسان إذا نظر في الليلة المظلمة إلى السماء ورأى هذه الكواكب الزواهر مشرقة متلألئة على سطح أزرق نظر غاية الزينة.
﴿ فالزاجرات زجراً ﴾ يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه وقيل هي زواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبيح.
﴿ فالتاليات ذكراً ﴾ يعني الملائكة يتلون ذكر الله تعالى وقيل هم قرَّاء القرآن وهذا كله قسم أقسم الله عز وجل بهذه الأشياء وقيل فيه إضمار تقديره ورب الصافات والزاجرات والتاليات.
وجواب القسم قوله تعالى :﴿ إن إلهكم لواحد ﴾ وذلك أن كفار مكة قالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على شرف ذواتها وكمال مراتبها والرد على عبدة الأصنام في قولهم.
ثم وصف نفسه فقال تعالى :﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما ﴾ يعني أنه المالك القادر العالم المنزه عن الشريك.
وقوله ﴿ ورب المشارق ﴾ قيل أراد والمغارب فاكتفى بأحدهما قال السدي المشارق ثلاثمائة وستون مشرقاً وكذلك المغارب فإن الشمس تطلع كل يوم في مشرق وتغرب في مغرب. فإن قلت قد قال في موضع آخر رب المشرق ورب المغربين وقال رب المشرق والمغرب فكيف وجه الجمع بين هذه الآيات.
قلت أراد بالمشرق والمغرب الجهة التي تطلع فيها الشمس وتغرب وأراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، وبالمغربين مغرب الصيف ومغرب الشتاء وبالمشارق والمغارب ما تقدم من قول السدي وقيل كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه فهو مغرب وقيل أراد مشارق الكواكب.
قوله تعالى :﴿ إنا زينا السماء الدنيا ﴾ يعني التي تلي الأرض وهي أدنى السماوات إلى الأرض ﴿ بزينة الكواكب ﴾ قال ابن عباس بضوء الكواكب لأن الضوء والنور من أحسن الصفات وأكملها ولو لم تحصل هذه الكواكب في السماء لكانت شديدة الظلمة عند غروب الشمس، وقيل زينتها أشكالها المتناسبة والمختلفة في الشكل كشكل الجوزاء وبنات نعش وغيرها. وقيل إن الإنسان إذا نظر في الليلة المظلمة إلى السماء ورأى هذه الكواكب الزواهر مشرقة متلألئة على سطح أزرق نظر غاية الزينة.

[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٧ الى ١١]

وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١)
وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ أي وحفظنا السماء من كل شيطان متمرد عات يرمون بالشهب لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى يعني إلى الملائكة والكتبة لأنهم سكان السماء وذلك أن شياطين يصعدون إلى قرب السماء فربما سمعوا كلام الملائكة فيخبرون به أولياءهم الإنس ويوهمون بذلك أنهم يعلمون الغيب فمنعهم الله من ذلك بهذه الشهب وهو قوله تعالى: وَيُقْذَفُونَ أي يرمون بها مِنْ كُلِّ جانِبٍ أي آفاق السماء دُحُوراً أي يبعدونهم عن مجالس الملائكة وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ أي دائم إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ أي اختلس الكلمة من كلام الملائكة فَأَتْبَعَهُ أي لحقه شِهابٌ ثاقِبٌ أي كوكب مضيء قوي لا يخطئه بل يقتله ويحرقه أو يخبله.
وقيل سمي النجم الذي ترمى به الشياطين ثاقبا لأنه يثقبهم.
فإن قلت كيف يمكن أن تذهب الشياطين إلى حيث يعلمون أن الشهب تحرقهم ولا يصلون إلى مقصودهم ثم يعودون إلى مثل ذلك.
قلت إنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم أنهم لا يصلون إليه طمعا في السلامة ورجاء نيل المقصود كراكب البحر يغلب على ظنه حصول السلامة.
وقوله عز وجل: فَاسْتَفْتِهِمْ يعني سل أهل مكة أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا يعني من السموات والأرض والجبال وهو استفهام تقرير أي هذه الأشياء أشد خلقا، وقيل أَمْ مَنْ خَلَقْنا يعني من الأمم الخالية والمعنى أن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب.
ثم ذكر مم خلقوا فقال الله تعالى: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ يعني آدم من طين جيد حر لاصق لزج يعلق باليد وقيل من طين نتن.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٢ الى ١٩]
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦)
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)
بَلْ عَجِبْتَ قرئ بالضم على إسناد التعجب إلى الله تعالى وليس هو كالتعجب من الآدميين لأن العجب من الناس محمول على إنكار الشيء وتعظيمه والعجب من الله تعالى محمول على تعظيم تلك الحالة فإن كانت قبيحة فيترتب عليها العقاب وإن كانت حسنة فيترتب عليها الثواب، وقيل قد يكون بمعنى الإنكار والذم وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة» وفي حديث آخر «عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم»، وقوله من إلكم الإل أشد القنوط وقيل هو رفع الصوت بالبكاء.
وسئل الجنيد رحمه الله تعالى عن هذه الآية فقال إن الله لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله ولما عجب رسوله قال «وإن تعجب فعجب قولهم» أي هو كما تقوله وقرئ بفتح التاء على أنه خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أي عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك وقيل عجب نبي الله صلّى الله عليه وسلّم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك
﴿ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ﴾ يعني إلى الملائكة والكتبة لأنهم سكان السماء وذلك أن شياطين يصعدون إلى قرب السماء فربما سمعوا كلام الملائكة فيخبرون به أولياءهم الإنس ويوهمون بذلك أنهم يعلمون الغيب فمنعهم الله من ذلك بهذه الشهب وهو قوله تعالى :﴿ ويقذفون ﴾ أي يرمون بها ﴿ من كل جانب ﴾ أي آفاق السماء.
﴿ دحوراً ﴾ أي يبعدونهم عن مجالس الملائكة ﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ أي دائم.
﴿ إلا من خطف الخطفة ﴾ أي اختلس الكلمة من كلام الملائكة ﴿ فأتبعه ﴾ أي لحقه ﴿ شهاب ثاقب ﴾ أي كوكب مضيء قوي لا يخطئه بل يقتله ويحرقه أو يخبله. وقيل سمي النجم الذي ترمى به الشياطين ثاقباً لأنه يثقبهم.
فإن قلت كيف يمكن أن تذهب الشياطين إلى حيث يعلمون أن الشهب تحرقهم ولا يصلون إلى مقصودهم ثم يعودون إلى مثل ذلك.
قلت إنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم أنهم لا يصلون إليه طمعاً في السلامة ورجاء نيل المقصود كراكب البحر يغلب على ظنه حصول السلامة.
وقوله عز وجل :﴿ فاستفتهم ﴾ يعني سل أهل مكة ﴿ أهم أشد خلقاً أم من خلقنا ﴾ يعني من السماوات والأرض والجبال وهو استفهام تقرير أي هذه الأشياء أشد خلقاً، وقيل ﴿ أم من خلقنا ﴾ يعني من الأمم الخالية والمعنى أن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب.
ثم ذكر مم خلقوا فقال الله تعال :﴿ إنا خلقناهم من طين لازب ﴾ يعني آدم من طين جيد حر لاصق لزج يعلق باليد وقيل من طين نتن.
﴿ بل عجبت ﴾ قرئ بالضم على إسناد التعجب إلى الله تعالى وليس هو كالتعجب من الآدميين لأن العجب من الناس محمول على إنكار الشيء وتعظيمه والعجب من الله تعالى محمول على تعظيم تلك الحالة فإن كانت قبيحة فيترتب عليها العقاب وإن كانت حسنة فيترتب عليها الثواب، وقيل قد يكون بمعنى الإنكار والذم وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة » وفي حديث آخر «عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم »، وقوله من إلكم الإل أشد القنوط وقيل هو رفع الصوت بالبكاء. وسئل الجنيد رحمه الله تعالى عن هذه الآية فقال إن الله لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله ولما عجب رسوله قال :﴿ وإن تعجب فعجب قولهم ﴾ أي هو كما تقوله وقرئ بفتح التاء على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك وقيل عجب نبي الله صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن وسخروا منه ولم يؤمنوا به عجب من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى ﴿ وإذا ذكروا لا يذكرون ﴾ أي وإذا وعظوا لا يتعظون.
﴿ وإذا رأوا آية ﴾ قال ابن عباس يعني انشقاق القمر ﴿ يستسخرون ﴾ أي يستهزئون.
وقيل يستدعي بعضهم بعضاً إلى أن يسخر.
﴿ وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ﴾ أي بيِّن.
أي صاغرون.
﴿ فإنما هي زجرة واحدة ﴾ أي صيحة واحدة وهي نفخة البعث ﴿ فإذا هم ينظرون ﴾ يعني أحياء.
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن وسخروا منه ولم يؤمنوا به عجب من ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال الله تعالى بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ أي وإذا وعظوا لا يتعظون وَإِذا رَأَوْا آيَةً قال ابن عباس يعني انشقاق القمر يَسْتَسْخِرُونَ أي يستهزئون.
وقيل يستدعي بعضهم بعضا إلى أن يسخر وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي بيّن أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ أي صاغرون فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ أي صيحة واحدة وهي نفخة البعث فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ يعني أحياء.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٢٠ الى ٢٦]
وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤)
ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦)
وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ يعني يوم الحساب والجزاء هذا يَوْمُ الْفَصْلِ أي القضاء وقيل بين المحسن والمسيء الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ أي في الدنيا احْشُرُوا أي اجمعوا الَّذِينَ ظَلَمُوا أي أشركوا وقيل هو عام في كل ظالم وَأَزْواجَهُمْ أي أشباههم وأمثالهم فكل طائفة مع مثلها فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا وقيل أزواجهم أي قرناءهم من الشياطين يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة وقيل أزواجهم المشركات وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي في الدنيا يعني الأصنام والطواغيت وقيل إبليس وجنوده فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ قال ابن عباس أي دلوهم إلى طريق النار وَقِفُوهُمْ أي احبسوهم إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط للسؤال قال ابن عباس عن جميع أقوالهم وأفعالهم ويروى عنه عن لا إله إلا الله وروى عن أبي برزة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما «١» أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه» وفي رواية.
«عن شبابه فيما أبلاه» أخرجه الترمذي وله عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «قال ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفا يوم القيامة لازما به لا يفارقه وإن دعا رجل رجلا ثم قرأ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ أي تقول لهم خزنة جهنم توبيخا لهم ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا وهذا جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر قال الله تعالى: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ قال ابن عباس خاضعون. وقيل منقادون والمعنى هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٢٧ الى ٣٧]
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١)
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني الرؤساء والأتباع يَتَساءَلُونَ يعني يتخاصمون قالُوا يعني الرؤساء للأتباع إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ يعني من قبل الدين فتضلوننا وتروننا أن الدين ما تضلوننا به. وقيل كان الرؤساء يحلفون لهم أن الدين الذي يدعونهم إليه هو الحق والمعنى أنكم حلفتم لنا فوثقنا بأيمانكم وقيل عن
(١) قوله فيما أفناه إلخ. كذا في النسخ بإثبات ألف ما الاستفهامية وهو قليل.
﴿ هذا يوم الفصل ﴾ أي القضاء وقيل بين المحسن والمسيء ﴿ الذي كنتم به تكذبون ﴾ أي في الدنيا.
﴿ احشروا ﴾ أي اجمعوا ﴿ الذين ظلموا ﴾ أي أشركوا وقيل هو عام في كل ظالم ﴿ وأزواجهم ﴾ أي أشباههم وأمثالهم فكل طائفة مع مثلها فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا وقيل أزواجهم أي قرناءهم من الشياطين يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة وقيل أزواجهم المشركات ﴿ وما كانوا يعبدون ﴾.
﴿ من دون الله ﴾ أي في الدنيا يعني الأصنام والطواغيت وقيل إبليس وجنوده ﴿ فاهدوهم إلى صراط الجحيم ﴾ قال ابن عباس أي دلوهم إلى طريق النار.
﴿ وقفوهم ﴾ أي احبسوهم ﴿ إنهم مسؤولون ﴾ لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط للسؤال قال ابن عباس عن جميع أقوالهم وأفعالهم ويروى عنه عن لا إله إلا الله وروى عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما١ أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه » وفي رواية. «عن شبابه فيما أبلاه » أخرجه الترمذي وله عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً يوم القيامة لازماً به لا يفارقه وإن دعا رجل رجلاً » ثم قرأ ﴿ وقفوهم إنهم مسؤولون ﴾.
١ قوله فيما أفناه إلخ. كذا في النسخ بإثبات ألف ما الاستفهامية وهو قليل..
﴿ ما لكم لا تناصرون ﴾ أي تقول لهم خزنة جهنم توبيخاً لهم ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً وهذا جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر.
قال الله تعالى :﴿ بل هم اليوم مستسلمون ﴾ قال ابن عباس خاضعون. وقيل منقادون والمعنى هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم.
﴿ وأقبل بعضهم على بعض ﴾ يعني الرؤساء والأتباع ﴿ يتساءلون ﴾ يعني يتخاصمون.
﴿ قالوا ﴾ يعني الرؤساء للأتباع ﴿ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ﴾ يعني من قبل الدين فتضلوننا وتروننا أن الدين ما تضلوننا به. وقيل كان الرؤساء يحلفون لهم أن الدين الذي يدعونهم إليه هو الحق والمعنى أنكم حلفتم لنا فوثقنا بأيمانكم وقيل عن اليمين أي عن العزة والقدرة والقول الأول أصح.
﴿ قالوا ﴾ يعني الرؤساء للأتباع ﴿ بل لم تكونوا مؤمنين ﴾ يعني لم تكونوا على حق حتى نضلكم عنه بل كنتم على الكفر.
﴿ وما كان لنا عليكم من سلطان ﴾ يعني من قوة وقدرة فنقهركم على متابعتنا ﴿ بل كنتم قوماً طاغين ﴾ يعني ضالين.
﴿ فحق علينا ﴾ يعني وجب علينا جميعاً ﴿ قول ربنا ﴾ يعني كلمة العذاب وهي قوله ﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ ﴿ إنا لذائقون ﴾ يعني أن الضال والمضل جميعاً في النار.
﴿ فأغويناكم ﴾ فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه ﴿ إنا كنا غاوين ﴾ أي ضالين.
قال الله تعالى :﴿ فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ﴾ يعني الرؤساء والأتباع.
﴿ إنا كذلك نفعل بالمجرمين ﴾ قال ابن عباس الذين جعلوا لله شركاء ثم بين تعالى أنهم إنما وقعوا في ذلك العذاب باستكبارهم عن التوحيد.
فقال تعالى :﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴾ أي يتكبرون عن كلمة التوحيد ويمتنعون منها.
﴿ ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ﴾ يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى رداً عليهم ﴿ بل جاء بالحق وصدق المرسلين ﴾ يعني أنه أتى بما أتى به المرسلون قبله من الدين والتوحد ونفي الشرك.
اليمين أي عن العزة والقدرة والقول الأول أصح قالُوا يعني الرؤساء للأتباع بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يعني لم تكونوا على حق حتى نضلكم عنه بل كنتم على الكفر وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني من قوة وقدرة فنقهركم على متابعتنا بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ يعني ضالين فَحَقَّ عَلَيْنا يعني وجب علينا جميعا قَوْلُ رَبِّنا يعني كلمة العذاب وهي قوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ إِنَّا لَذائِقُونَ يعني أن الضال والمضل جميعا في النار فَأَغْوَيْناكُمْ فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه إِنَّا كُنَّا غاوِينَ أي ضالين قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ يعني الرؤساء والأتباع إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ قال ابن عباس الذين جعلوا لله شركاء ثم بين تعالى أنهم إنما وقعوا في ذلك العذاب باستكبارهم عن التوحيد فقال تعالى:
إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ أي يتكبرون عن كلمة التوحيد ويمتنعون منها وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلّم قال الله تعالى ردا عليهم بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ يعني أنه أتى بما أتى به المرسلون قبله من الدين والتوحد ونفي الشرك.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٣٨ الى ٤٩]
إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧)
وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)
إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي في الدنيا من الشرك والتكذيب إِلَّا أي لكن وهو استثناء منقطع عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي الموحدين أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ يعني بكرة وعشيا وقيل حين يشتهونه يؤتون به وقيل إنه معلوم الصفة من طيب طعم ولذة ورائحة وحسن منظر ثم وصف ذلك الرزق فقال تعالى: فَواكِهُ جمع فاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وكل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت. وقيل إن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم خلقت للأبد فكل ما يأكلونه على سبيل التلذذ ثم إن ذلك حاصل مع الإكرام والتعظيم كما قال تعالى: وَهُمْ مُكْرَمُونَ أي بثواب الله تعالى ثم وصف مساكنهم فقال تعالى: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ يعني لا يرى بعضهم قفا بعض ثم وصف شرابهم فقال تعالى: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ كل إناء فيه شراب يسمى كأسا وإذا لم يكن فيه شراب فهو إناء وقد تسمى الخمر نفسها كأسا قال الشاعر:
وكأسا شربت على لذة ومعنى معين أي من خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون بَيْضاءَ يعني أن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن لَذَّةٍ أي لذيذة لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها وقيل لا إثم فيها ولا وجع البطن ولا صداع وقيل الغول فساد يلحق في خفاء وخمر الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد ومنها السكر وذهاب العقل ووجع البطن وصداع الرأس والبول والقيء والخمار والعربدة وغير ذلك ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ أي لا تغلبهم على عقولهم ولا يسكرون وقيل معناه لا ينفد شرابهم ثم وصف أزواجهم فقال تعالى: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي حابسات الأعين غاضات العيون قصرن أعينهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم عِينٌ أي حسان الأعين عظامها كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ أي مصون مستور شبههن ببيض النعام لأنها تكنها بالريش من الريح والغبار فيكون لونها أبيض في صفرة ويقال هذا من أحسن ألوان
﴿ إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾ أي في الدنيا من الشرك والتكذيب.
﴿ إلا ﴾ أي لكن وهو استثناء منقطع ﴿ عباد الله المخلصين ﴾ أي الموحدين.
﴿ أولئك لهم رزق معلوم ﴾ يعني بكرة وعشياً وقيل حين يشتهونه يؤتون به وقيل إنه معلوم الصفة من طيب طعم ولذة ورائحة وحسن منظر.
ثم وصف ذلك الرزق فقال تعالى :﴿ فواكه ﴾ جمع فاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وكل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت. وقيل إن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم خلقت للأبد فكل ما يأكلونه على سبيل التلذذ ثم إن ذلك حاصل مع الإكرام والتعظيم كما قال تعالى :﴿ وهم مكرمون ﴾ أي بثواب الله تعالى.
ثم وصف مساكنهم فقال تعالى :﴿ في جنات النعيم على سرر متقابلين ﴾ يعني لا يرى بعضهم قفا بعض.
ثم وصف شرابهم فقال تعالى :﴿ يطاف عليهم بكأس من معين ﴾ كل إناء فيه شراب يسمى كأساً وإذا لم يكن فيه شراب
فهو إناء وقد تسمى الخمر نفسها كأساً قال الشاعر :
وكأساً شربت على لذة
ومعنى معين أي من خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون.
﴿ بيضاء ﴾ يعني أن خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن ﴿ لذة ﴾ أي لذيذة ﴿ للشاربين ﴾.
﴿ لا فيها غول ﴾ أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها وقيل لا إثم فيها ولا وجع البطن ولا صداع وقيل الغول فساد يلحق في خفاء وخمر الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد ومنها السكر وذهاب العقل ووجع البطن وصداع الرأس والبول والقيء والخمار والعربدة وغير ذلك ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ أي لا تغلبهم على عقولهم ولا يسكرون وقيل معناه لا ينفد شرابهم.
ثم وصف أزواجهم فقال تعالى :﴿ وعندهم قاصرات الطرف ﴾ أي حابسات الأعين غاضات العيون قصرن أعينهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ﴿ عين ﴾ أي حسان الأعين عظامها.
﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ أي مصون مستور شبههن ببيض النعام لأنها تكنها بالريش من الريح والغبار فيكون لونها أبيض في صفرة ويقال هذا من أحسن ألوان النساء وهو أن تكون المرأة بيضاء مشوبة بصفرة والعرب تشبه المرأة ببيض النعامة وتسميهن ببيضات الخدور.
النساء وهو أن تكون المرأة بيضاء مشوبة بصفرة والعرب تشبه المرأة ببيض النعامة وتسميهن ببيضات الخدور.
قوله عز وجل:
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٥٠ الى ٦٢]
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩)
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني أهل الجنة في الجنة يَتَساءَلُونَ أي يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ أي من أهل الجنة إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ أي في الدنيا ينكر البعث قيل كان قرينه شيطانا وقيل كان من الإنس قيل كانا أخوين وقيل كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهوذا وهما اللذان قص الله عز وجل خبرهما في سورة الكهف في قوله: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أي بالبعث أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ أي مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكاري قالَ الله تعالى لأهل الجنة هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ أي إلى النار وقيل يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون أي لننظر كيف منزلة أخي في النار فيقول أهل الجنة أنت أعرف به منا فَاطَّلَعَ أي المؤمن قال ابن عباس إن في الجنة كوى ينظر منها أهلها إلى النار فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ أي فرأى قرينه في وسط النار سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ أي والله لقد كدت أن تهلكني وقيل تغويني ومن أغوى إنسانا فقد أرداه وأهلكه وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي أي رحمة ربي وإنعامه علي بالإسلام لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أي معك في النار أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى أي في الدنيا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قيل يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت فتقول الملائكة لهم لا فيقولون إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وإنما يقولونه على جهة التحدث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون ليفرحوا بدوام النعيم لا على طريق الاستفهام لأنهم قد علموا أنهم ليسوا بميتين ولا معذبين ولكن أعادوا الكلام ليزدادوا سرورا بتكراره وقيل يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره قال الله تعالى: لِمِثْلِ هذا أي المنزل والنعيم الذي ذكره في قوله: أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ هذا ترغيب في ثواب الله تعالى وما عنده بطاعته.
قوله تعالى: أَذلِكَ أي الذي ذكره لأهل الجنة من النعيم. خَيْرٌ نُزُلًا أي رزقا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ التي هي نزل أهل النار والزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم يكره أهل النار على تناولها فهم يتزقمونه على أشد كراهة وقيل هي شجرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٦٣ الى ٧٤]
إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)
إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ أي للكافرين وذلك أنهم قالوا كيف تكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر، وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش إن محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر، وقيل هو
﴿ قال قائل منهم ﴾ أي من أهل الجنة ﴿ إني كان لي قرين ﴾ أي في الدنيا ينكر البعث قيل كان قرينه شيطاناً وقيل كان من الإنس قيل كانا أخوين وقيل كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهوذا وهما اللذان قص الله عز وجل خبرهما في سورة الكهف في قوله :﴿ واضرب لهم مثلاً رجلين ﴾.
﴿ يقول أئنك لمن المصدقين ﴾ أي بالبعث.
﴿ أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون ﴾ أي مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكاري.
﴿ قال ﴾ الله تعالى لأهل الجنة ﴿ هل أنتم مطلعون ﴾ أي إلى النار وقيل يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون أي لننظر كيف منزلة أخي في النار فيقول أهل الجنة أنت أعرف به منا.
﴿ فاطلع ﴾ أي المؤمن قال ابن عباس إن في الجنة كوى ينظر منها أهلها إلى النار ﴿ فرآه في سواء الجحيم ﴾ أي فرأى قرينه في وسط النار سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه.
﴿ قال تالله إن كدت لتردين ﴾ أي والله لقد كدت أن تهلكني وقيل تغويني ومن أغوى إنساناً فقد أرداه وأهلكه.
﴿ ولولا نعمة ربي ﴾ أي رحمة ربي وإنعامه علي بالإسلام ﴿ لكنت من المحضرين ﴾ أي معك في النار.
﴿ إلا موتتنا الأولى ﴾ أي في الدنيا ﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ قيل يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت فتقول الملائكة لهم لا.
فيقولون ﴿ إن هذا لهو الفوز العظيم ﴾ وإنما يقولونه على جهة التحدث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون ليفرحوا بدوام النعيم لا على طريق الاستفهام لأنهم قد علموا أنهم ليسوا بميتين ولا معذبين ولكن أعادوا الكلام ليزدادوا سروراً بتكراره وقيل يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.
قال الله تعالى :﴿ لمثل هذا ﴾ أي المنزل والنعيم الذي ذكره في قوله :﴿ أولئك لهم رزق معلوم ﴾ ﴿ فليعمل العاملون ﴾ هذا ترغيب في ثواب الله تعالى وما عنده بطاعته.
قوله تعالى :﴿ أذلك ﴾ أي الذي ذكره لأهل الجنة من النعيم ﴿ خير نزلاً أي رزقاً { أم شجرة الزقوم ﴾ التي هي نزل أهل النار والزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم يكره أهل النار على تناولها فهم يتزقمونه على أشد كراهة وقيل هي شجرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر.
﴿ إنا جعلناها فتنة للظالمين ﴾ أي للكافرين وذلك أنهم قالوا كيف تكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش إن محمداً يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر، وقيل هو بلغة أهل اليمن فأدخلهم أبو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال أبو جهل تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد.
فقال الله تعالى :﴿ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ﴾ أي في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
﴿ طلعها ﴾ أي ثمرها سمي طلعاً لطلوعه ﴿ كأنه رؤوس الشياطين ﴾ قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبهها لقبحهم عند الناس.
فإن قلت قد شبهها بشيء لم يشاهد فكيف وجه التشبيه.
قلت إنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين وإن لم يشاهدوا فكأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح المنظر والعرب إذا رأت منظراً قبيحاً قالت كأنه رأس شيطان قال امرؤ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي***. . ومسنونة زرق كأنياب أغوال
شبَّه سنان الرمح بأنياب الغول ولم يرها وقيل إن بين مكة واليمن شجرة قبيحة منتنة تسمى رؤوس الشياطين فشبهها بها وقيل أراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً.
﴿ فإنهم لآكلون منها ﴾ أي من ثمرها ﴿ فمالئون منها البطون ﴾ وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم.
﴿ ثم إن لهم عليها لشوباً ﴾ أي خلطاً ومزاجاً ﴿ من حميم ﴾ أي من ماء شديد الحرارة يقال إنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا عليه الحميم شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوباً لهم.
﴿ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ﴾ وذلك أنهم يردون إلى الجحيم بعد شراب الحميم.
﴿ إنهم ألفوا ﴾ أي وجدوا ﴿ آباءهم ضالين ﴾.
﴿ فهم على آثارهم يهرعون ﴾ أي يسرعون وقيل يعملون مثل عملهم.
﴿ ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ﴾ أي من الأمم الخالية.
﴿ ولقد أرسلنا فيهم منذرين ﴾ أي وأرسلنا فيهم رسلاً منذرين.
﴿ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ﴾ أي الكافرين وكانت عاقبتهم العذاب.
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ أي الموحدين نجوا من العذاب والمعنى انظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله المخلصين.
بلغة أهل اليمن فأدخلهم أبو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال أبو جهل تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد فقال الله تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ أي في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها طَلْعُها أي ثمرها سمي طلعا لطلوعه كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبهها لقبحهم عند الناس.
فإن قلت قد شبهها بشيء لم يشاهد فكيف وجه التشبيه.
قلت إنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين وإن لم يشاهدوا فكأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح المنظر والعرب إذا رأت منظرا قبيحا قالت كأنه رأس شيطان قال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
شبّه سنان الرمح بأنياب الغول ولم يرها وقيل إن بين مكة واليمن شجرة قبيحة منتنة تسمى رؤوس الشياطين فشبهها بها وقيل أراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطانا فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها أي من ثمرها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً أي خلطا ومزاجا مِنْ حَمِيمٍ أي من ماء شديد الحرارة يقال إنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا عليه الحميم شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوبا لهم ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ وذلك أنهم يردون إلى الجحيم بعد شراب الحميم إِنَّهُمْ أَلْفَوْا أي وجدوا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ أي يسرعون وقيل يعملون مثل عملهم وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ أي من الأمم الخالية وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ أي وأرسلنا فيهم رسلا منذرين فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أي الكافرين وكانت عاقبتهم العذاب إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي الموحدين نجوا من العذاب والمعنى انظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله المخلصين. قوله عز وجل:
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٧٥ الى ٩١]
وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١)
وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ أي دعا ربه على قومه وقيل دعا ربه أن ينجيه من الغرق فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ نحن أي دعانا فأجبناه وأهلكنا قومه وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي من الغم الذي لحق قومه وهو الغرق وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ يعني أن الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام قال ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم، عن سمرة بن جندب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول الله عز وجل وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ قال «هم سام وحام ويافث» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وفي رواية أخرى سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم وقيل سام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ أي أبقينا له حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ أي سلام عليه منا في العالمين وقيل
﴿ ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ﴾ أي من الغم الذي لحق قومه وهو الغرق.
﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ يعني أن الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام قال ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل ﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ قال «هم سام وحام ويافث » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وفي رواية أخرى سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم وقيل سام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ أي أبقينا له حسناً وذكراً جميلاً فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
﴿ سلام على نوح في العالمين ﴾ أي سلام عليه منا في العالمين وقيل تركنا عليه في الآخرين أن يصلي عليه إلى يوم القيامة.
﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين ﴾ أي جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين.
﴿ ثم أغرقنا الآخرين ﴾ يعني الكفار.
قوله عز وجل :﴿ وإن من شيعته ﴾ أي من شيعة نوح ﴿ لإبراهيم ﴾ يعني أنه على دينه وملته ومنهاجه وسنته.
﴿ إذ جاء ربه بقلب سليم ﴾ أي مخلص من الشرك والشك وقيل من الغل والغش والحقد والحسد يحب للناس ما يحب لنفسه.
﴿ إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ﴾ استفهام توبيخ.
﴿ أئفكاً آلهة دون الله تريدون ﴾ أي أتأفكون إفكاً وهو أسوأ الكذب وتعبدون آلهة سوى الله تعالى.
﴿ فما ظنكم برب العالمين ﴾ يعني إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم.
﴿ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ﴾ قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين، ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم وزعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه، فقالوا : لإبراهيم ألا تخرج معنا إلى عيدنا فنظر في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس : أي مطعون وكانوا يفرون من المطعون فراراً عظيماً وقيل مريض وقيل : معناه متساقم وهو من معاريض الكلام وقد تقدم الجواب عنه في سورة الأنبياء وقيل : إنه خرج معهم إلى عيدهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ﴾ قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين، ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم وزعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه، فقالوا : لإبراهيم ألا تخرج معنا إلى عيدنا فنظر في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس : أي مطعون وكانوا يفرون من المطعون فراراً عظيماً وقيل مريض وقيل : معناه متساقم وهو من معاريض الكلام وقد تقدم الجواب عنه في سورة الأنبياء وقيل : إنه خرج معهم إلى عيدهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي.
﴿ فتولوا عنه مدبرين ﴾ أي إلى عيدهم.
فدخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأصنام فكسرها وهو قوله تعالى :﴿ فراغ ﴾ أي مال ﴿ إلى آلهتهم ﴾ ميلة في خفية ﴿ فقال ﴾ أي للأصنام استهزاء بها ﴿ ألا تأكلون ﴾ يعني الطعام الذي بين أيديكم.
تركنا عليه في الآخرين أن يصلي عليه إلى يوم القيامة إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أي جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعني الكفار.
قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ أي من شيعة نوح لَإِبْراهِيمَ يعني أنه على دينه وملته ومنهاجه وسنته إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي مخلص من الشرك والشك وقيل من الغل والغش والحقد والحسد يحب للناس ما يحب لنفسه إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ استفهام توبيخ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ أي أتأفكون إفكا وهو أسوأ الكذب وتعبدون آلهة سوى الله تعالى: فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ يعني إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم وزعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه فقالوا لإبراهيم ألا تخرج معنا إلى عيدنا فنظر في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس أي مطعون وكانوا يفرون من المطعون فرارا عظيما وقيل مريض وقيل معناه متساقم وهو من معاريض الكلام وقد تقدم الجواب عنه في سورة الأنبياء وقيل إنه خرج معهم إلى عيدهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أي إلى عيدهم فدخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأصنام فكسرها وهو قوله تعالى: فَراغَ أي مال إِلى آلِهَتِهِمْ ميلة في خفية فَقالَ أي للأصنام استهزاء بها أَلا تَأْكُلُونَ يعني الطعام الذي بين أيديكم.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٩٢ الى ٩٩]
ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)
قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)
ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَراغَ أي مال عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ أي ضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى من الشمال في العمل. وقيل بالقوة والقدرة عليهم وقيل أراد باليمين القسم وهو قوله تعالى وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يعني إلى إبراهيم يَزِفُّونَ أي يسرعون وذلك أنهم أخبروا بصنع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه قالَ لهم إبراهيم على وجه الحجاج أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ أي بأيديكم من الأصنام وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ أي وعملكم. وقيل وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام وفي الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ قيل إنهم بنوا له حائطا من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملؤوه من الحطب وأوقدوا عليه النار وطرحوه فيها وهو قوله تعالى:
فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً أي شرا وهو أن يحرقوه فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ يعني المقهورين حيث سلم الله إبراهيم ورد كيدهم وَقالَ يعني إبراهيم إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي أي مهاجر إلى ربي وأهجر دار الكفر قاله بعد خروجه من النار سَيَهْدِينِ أي إلى حيث أمرني بالمصير إليه وهو أرض الشام فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال:
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٠٠ الى ١٠٣]
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)
21
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ يعني هب لي ولدا صالحا فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ قيل غلام في صغره حليم في كبره وفيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش وينتهي في السن حتى يوصف بالحلم.
قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قال ابن عباس يعني المشي معه إلى الجبل وعنه أنه لما شبّ حتى بلغ سعيه سعى مع إبراهيم، والمعنى بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله وقيل السعي العمل لله تعالى وهو العبادة قيل كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل سبع سنين قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ قيل إنه لم ير في منامه أنه ذبحه وإنما أمر بذبحه. وقيل بل رأى أنه يعالج ذبحه ولم ير إراقة دمه ورؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه على قولين مع اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق، قال قوم هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود والعباس ومن التابعين، ومن بعدهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي واختلفت الروايات عن ابن عباس فروى عنه أنه إسحاق وروي أنه إسماعيل، ومن ذهب إلى أنه إسحاق قال كانت هذه القصة بالشأم وروي عن سعيد بن جبير قال رأى إبراهيم ذبح إسحاق في المنام وهو بالشأم فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر من منى فلما أمره الله بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الأودية والجبال، والقول الثاني أنه إسماعيل وإليه ذهب عبد الله بن سلام والحسن وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي ورواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدي إسماعيل، وكلا القولين يروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واحتج من ذهب إلى أن الذبيح إسحاق بقوله تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أمر بذبح من بشر به وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق كما قال تعالى في سورة هود: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وقوله وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ بعد قصة الذبح يدل على أنه تعالى إنما بشره بالنبوة لما تحمل من الشدائد في قصة الذبح فثبت بما ذكرناه أن أول الآية وآخرها يدل على أن إسحاق هو الذبيح وبما ذكر أيضا في كتاب يعقوب إلى ولده يوسف لما كان بمصر من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
واحتج من ذهب إلى أن الذبيح هو إسماعيل بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة الذبيح فقال تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فدل على أن المذبوح غيره وأيضا فإن الله تعالى قال في سورة هود فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة وهو يعقوب بعده ووصف إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وهو صبره على الذبح ووصفه بصدق الوعد بقوله: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى له بذلك وقال القرطبي سأل عمر بن عبد العزيز رجلا من علماء اليهود وكان أسلم وحسن إسلامه أي ابني إبراهيم أمره الله تعالى بذبحه فقال إسماعيل ثم قال يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكن يحسدونكم يا معشر العرب على أن يكون أباكم هو الذي أمر الله تعالى بذبحه ويدعون أنه إسحاق أبوهم ومن الدليل أيضا أن قرني الكبش كانا معلقين على الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن ابن الزبير. قال الشعبي رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة. وقال ابن عباس: والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وقد وحش يعني يبس وقال الأصمعي سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال يا أصمعي أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة إنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه والله تعالى أعلم.
(ذكر الإشارة إلى قصة الذبح) قال العلماء بالسير وأخبار الماضين لما دعا إبراهيم ربه فقال: رب هب لي من الصالحين وبشر به قال هو
22
إذا لله ذبيح، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك. هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بالذبح فقال لإسحاق انطلق نقرب لله قربانا فأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال الغلام يا أبت أين قربانك فقال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر. وقال محمد بن إسحاق كان إبراهيم عليه السلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يؤمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر في المنام بذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح تروى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي ذلك اليوم يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي ذلك اليوم يوم عرفة. وقيل رأى ذلك ثلاث ليال متتابعات فلما عزم على نحره سمي ذلك اليوم يوم النحر فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فَانْظُرْ ماذا تَرى أي في الرأي على وجه المشاورة.
فإن قلت: لم شاوره في أمر قد علم أنه حتم من الله تعالى وما الحكمة في ذلك.
قلت لم يشاوره ليرجع إلى رأيه وإنما شاوره ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى وليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ويثبت قدمه ويصبره إن جزع ويراجع نفسه ويوطنها ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله.
فإن قلت لم كان ذلك في المنام دون اليقظة وما الحكمة في ذلك؟ قلت إن هذا الأمر كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح.
فورد في المنام كالتوطئة له ثم تأكد حال النوم بأحوال اليقظة فإذا تظاهرت الحالتان كان أقوى في الدلالة ورؤيا الأنبياء وحي وحق قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ يعني قال الغلام لأبيه افعل ما أمرت به قال ابن إسحاق وغيره لما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب أخبره بما أمر الله به فقال افعل ما تؤمر سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ إنما علق ذلك بمشيئة الله تعالى على سبيل التبرك وأنه لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمة الله تعالى ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله فَلَمَّا أَسْلَما يعني انقادا وخضعا لأمر الله وذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسلم ابنه وأسلم الابن نفسه وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ يعني صرعه على الأرض قال ابن عباس أضجعه على جبينه على الأرض فلما فعل ذلك قال له ابنه يا أبت أشدد رباطي كيلا أضطرب واكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها شيء من دمي فينقص أجري وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك وأسرع مرّ السكين على حلقي ليكون أهون عليّ فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بني على أمر الله ففعل إبراهيم ما أمره به ابنه ثم أقبل عليه يقبله وهو يبكي وقد ربطه والابن يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك شيئا. ثم إنه حدها مرتين أو ثلاثا بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئا. قيل ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه والأول أبلغ في القدرة وهو منع الحديد عن اللحم، قالوا فقال الابن عند ذلك: يا أبت كبني لوجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع منها ففعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذلك ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. وروي عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله قالوا لما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ابنه قال الشيطان لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل الشيطان في صورة رجل وأتى أم الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك قالت
23
﴿ فراغ ﴾ أي مال ﴿ عليهم ضرباً باليمين ﴾ أي ضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى من الشمال في العمل. وقيل بالقوة والقدرة عليهم وقيل أراد باليمين القسم وهو قوله تعالى :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم ﴾.
﴿ فأقبلوا إليه ﴾ يعني إلى إبراهيم ﴿ يزفون ﴾ أي : يسرعون وذلك أنهم أخبروا بصنع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه.
﴿ قال ﴾ لهم إبراهيم على وجه الحجاج ﴿ أتعبدون ما تنحتون ﴾ أي بأيديكم من الأصنام.
﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ أي وعملكم. وقيل وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام وفي الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
﴿ قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم ﴾ قيل إنهم بنوا له حائطاً من الحجر، طوله في السماء ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، وملؤوه من الحطب وأوقدوا عليه النار وطرحوه فيها.
قوله تعالى :﴿ فأرادوا به كيداً ﴾ أي شراً وهو أن يحرقوه ﴿ فجعلناهم الأسفلين ﴾ يعني : المقهورين حيث سلم الله إبراهيم ورد كيدهم.
﴿ وقال ﴾ يعني إبراهيم ﴿ إني ذاهب إلى ربي ﴾ أي مهاجر إلى ربي، وأهجر دار الكفر قاله بعد خروجه من النار ﴿ سيهدين ﴾ أي إلى حيث أمرني بالمصير إليه، وهو أرض الشام فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد.
﴿ رب هب لي من الصالحين ﴾ يعني هب لي ولداً صالحاً.
﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قيل غلام في صغره حليم، في كبره وفيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش وينتهي في السن حتى يوصف بالحلم.
قوله تعالى :﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال ابن عباس : يعني المشي معه إلى الجبل وعنه أنه لما شبَّ حتى بلغ سعيه سعى مع إبراهيم، والمعنى بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله، وقيل : السعي العمل لله تعالى وهو العبادة، قيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل سبع سنين ﴿ قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ﴾ قيل : إنه لم ير في منامه أنه ذبحه وإنما أمر بذبحه. وقيل بل رأى أنه يعالج ذبحه ولم ير إراقة دمه ورؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئاً فعلوه. واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه على قولين : مع اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق، قال : قوم هو إسحاق، وإليه ذهب من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود والعباس ومن التابعين، ومن بعدهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي واختلفت الروايات عن ابن عباس فروى عنه أنه إسحاق وروي أنه إسماعيل، ومن ذهب إلى أنه إسحاق قال كانت هذه القصة بالشأم وروي عن سعيد بن جبير قال رأى إبراهيم ذبح إسحاق في المنام وهو بالشأم فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر من منى فلما أمره الله بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الأودية والجبال والقول الثاني : أنه إسماعيل وإليه ذهب عبد الله بن سلام والحسن وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي ورواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدي إسماعيل، وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج من ذهب إلى أن الذبيح إسحاق بقوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي ﴾ أمر بذبح من بشر به وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق كما قال تعالى في سورة هود :﴿ فبشرناه بإسحاق ﴾ وقوله ﴿ وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين ﴾ بعد قصة الذبح يدل على أنه تعالى إنما بشره بالنبوة لما تحمل من الشدائد في قصة الذبح فثبت بما ذكرناه أن أول الآية وآخرها يدل على أن إسحاق هو الذبيح وبما ذكر أيضاً في كتاب يعقوب إلى ولده يوسف لما كان بمصر من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
واحتج من ذهب إلى أن الذبيح هو إسماعيل بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة الذبيح فقال تعالى :﴿ وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين ﴾ فدل على أن المذبوح غيره وأيضاً فإن الله تعالى قال في سورة هود ﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة وهو يعقوب بعده ووصف إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله :﴿ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ﴾ وهو صبره على الذبح ووصفه بصدق الوعد بقوله :﴿ إنه كان صادق الوعد ﴾ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى له بذلك وقال القرطبي سأل عمر بن عبد العزيز رجلاً من علماء اليهود وكان أسلم وحسن إسلامه أي ابني إبراهيم أمره الله تعالى بذبحه فقال إسماعيل ثم قال يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكن يحسدونكم يا معشر العرب على أن يكون أباكم هو الذي أمر الله تعالى بذبحه ويدعون أنه إسحاق أبوهم ومن الدليل أيضاً أن قرني الكبش كانا معلقين على الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن ابن الزبير. قال الشعبي : رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة.
وقال ابن عباس : والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وقد وحش يعني يبس وقال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل ؟ فقال : يا أصمعي أين ذهب عقلك ؟ متى كان إسحاق بمكة ؟ إنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه والله تعالى أعلم.
( ذكر الإشارة إلى قصة الذبح )
قال العلماء بالسير وأخبار الماضين لما دعا إبراهيم ربه فقال : رب هب لي من الصالحين وبشر به قال : هو إذاً لله ذبيح، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له أوفِ بنذرك. هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بالذبح، فقال لإسحاق : انطلق نقرب لله قرباناً فأخذ سكيناً وحبلاً وانطلق معه حتى ذهب بين الجبال فقال الغلام : يا أبت أين قربانك ؟ فقال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى، قال يا أبت : افعل ما تؤمر. وقال محمد بن إسحاق كان إبراهيم عليه السلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه، لما كان يؤمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر في المنام بذبحه، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح تروى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح، أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان ؟ فمن ثم سمي ذلك اليوم يوم التروية، فلما أمسى رأى في المنام ثانياً فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي ذلك اليوم يوم عرفة. وقيل رأى ذلك ثلاث ليال متتابعات فلما عزم على نحره سمي ذلك اليوم يوم النحر، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ﴿ فانظر ماذا ترى ﴾ أي في الرأي على وجه المشاورة.
فإن قلت : لم شاوره في أمر قد علم أنه حتم من الله تعالى وما الحكمة في ذلك.
قلت : لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، وإنما شاوره ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى، وليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ويثبت قدمه ويصبره، إن جزع ويراجع نفسه ويوطنها ويلقى البلاء، وهو كالمستأنس به ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله.
فإن قلت لم كان ذلك في المنام دون اليقظة وما الحكمة في ذلك ؟ قلت إن هذا الأمر كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح.
فورد في المنام كالتوطئة له ثم تأكد حال النوم بأحوال اليقظة فإذا تظاهرت الحالتان كان أقوى في الدلالة ورؤيا الأنبياء وحي وحق ﴿ قال يا أبت افعل ما تؤمر ﴾ يعني : قال الغلام لأبيه افعل ما أمرت به قال ابن إسحاق وغيره لما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه يا بني : خذ الحبل والمدية وانطلق، إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب أخبره بما أمر الله به فقال : افعل ما تؤمر ﴿ ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ إنما علق ذلك بمشيئة الله تعالى على سبيل التبرك، وأنه لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمة الله تعالى ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله.
﴿ فلما أسلما ﴾ يعني انقادا وخضعا لأمر الله وذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسلم ابنه وأسلم الابن نفسه ﴿ وتله للجبين ﴾ يعني : صرعه على الأرض قال ابن عباس : أضجعه على جبينه على الأرض فلما فعل ذلك قال له ابنه : يا أبت أشدد رباطي كيلاً أضطرب واكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها شيء من دمي فينقص أجري وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك وأسرع مرَّ السكين على حلقي ليكون أهون عليّ فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال إبراهيم عليه السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ففعل إبراهيم ما أمره به ابنه ثم أقبل عليه يقبله وهو يبكي وقد ربطه والابن يبكي، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك شيئاً. ثم إنه حدها مرتين أو ثلاثاً بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئاً. قيل ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه والأول أبلغ في القدرة، وهو منع الحديد عن اللحم، قالوا فقال الابن عند ذلك : يا أبت كبني لوجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع منها ففعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذلك ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
وروي عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله قالوا : لما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ابنه قال الشيطان : لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا، فتمثل الشيطان في صورة رجل وأتى أم الغلام فقال لها : هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : ذهب به ليحتطب من هذا الشعب، قال : لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه قالت : كلا، هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك. قال : إنه يزعم أن الله أمره بذلك قالت : إن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه. فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على أثر أبيه، فقال له يا غلام : هل تدري أن يذهب بك أبوك : قال نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال : لا والله ما يريد إلا أن يذبحك، قال : ولم قال : إن ربه أمره بذلك قال : فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة، فلما امتنع الغلام أقبل على إبراهيم فقال له : أين تريد أيها الشيخ قال : هذا الشعب لحاجة لي فيه قال : والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال : إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد وامتنعوا منه بعون الله تعالى. وروى عن ابن عباس : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل وهو قوله تعالى :﴿ فلما أسلما وتله للجبين ﴾.
ذهب به ليحتطب من هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه قالت كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك قال إنه يزعم أن الله أمره بذلك قالت إن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه. فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على أثر أبيه فقال له يا غلام هل تدري أن يذهب بك أبوك قال نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال لا والله ما يريد إلا أن يذبحك قال، ولم قال إن ربه أمره بذلك قال فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة فلما امتنع الغلام أقبل على إبراهيم فقال له أين تريد أيها الشيخ قال هذا الشعب لحاجة لي فيه قال والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال إليك عني يا عدو الله فو الله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد وامتنعوا منه بعون الله تعالى وروى عن ابن عباس أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل وهو قوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٠٤ الى ١٠٦]
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)
وَنادَيْناهُ أي فنودي من الجبل أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أي حصل المقصود من تلك الرؤيا حيث ظهر منه كمال الطاعة والانقياد لأمر الله تعالى وكذلك الولد.
فإن قلت كيف قيل قد صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح وإنما كان تصديقها لو حصل منه الذبح.
قلت جعله مصدقا لأنه بذل وسعه ومجهوده وأتى بما أمكنه وفعل ما يفعله الذابح فقد حصل المطلوب وهو إسلامهما لأمر الله تعالى وانقيادهما لذلك، فلذلك قال له قد صدقت الرؤيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ولده والمعنى إنا كما عفونا عن ذبح ولده كذلك نجزي المحسنين في طاعتنا إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ أي الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ولده.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٠٧ الى ١١٦]
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قيل نظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء ابنك فاذبحه دونه فكبر إبراهيم وكبر جبريل وكبر الكبش، فأخذه إبراهيم وأتى به المنحر من منى فذبحه قال أكثر المفسرين كان هذا الذبح كبشا رعى في الجنة أربعين خريفا وقال ابن عباس الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم قيل حق له أن يكون عظيما وقد تقبل مرتين وقيل سمي عظيما لأنه من عند الله تعالى. وقيل لعظمه في الثواب وقيل لعظمه وسمنه وقال الحسن ما فدى إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ أي تركنا له ثناء حسنا فيمن بعده سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ قوله تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ أي بوجود إسحاق وهذا على قول من يقول إن الذبيح هو إسماعيل ومعناه أنه بشر بإسحاق بعد هذه القصة جزاء لطاعته وصبره ومن جعل الذبيح هو إسحاق قال معنى الآية
﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ أي حصل المقصود من تلك الرؤيا حيث ظهر منه كمال الطاعة والانقياد لأمر الله تعالى وكذلك الولد.
فإن قلت : كيف ؟ قيل : قد صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح وإنما كان تصديقها لو حصل منه الذبح.
قلت : جعله مصدقاً لأنه بذل وسعه ومجهوده، وأتى بما أمكنه وفعل ما يفعله الذابح فقد حصل المطلوب وهو إسلامهما لأمر الله تعالى وانقيادهما لذلك، فلذلك قال له : قد صدقت الرؤيا ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين ﴾ يعني : جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ولده والمعنى إنا كما عفونا عن ذبح ولده كذلك نجزي المحسنين في طاعتنا.
﴿ إن هذا لهو البلاء المبين ﴾ أي الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ولده.
﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قيل نظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن، فقال : هذا فداء ابنك فاذبحه دونه فكبر إبراهيم وكبر جبريل وكبر الكبش، فأخذه إبراهيم وأتى به المنحر من منى فذبحه، قال أكثر المفسرين : كان هذا الذبح كبشاً رعى في الجنة أربعين خريفاً، وقال ابن عباس : الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم، قيل : حق له أن يكون عظيماً وقد تقبل مرتين، وقيل : سمي عظيماً لأنه من عند الله تعالى. وقيل : لعظمه في الثواب، وقيل : لعظمه وسمنه، وقال الحسن : ما فدى إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير.
﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ أي : تركنا له ثناء حسناً فيمن بعده.
قوله تعالى :﴿ وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين ﴾ أي : بوجود إسحاق وهذا على قول من يقول : إن الذبيح هو إسماعيل، ومعناه : أنه بشر بإسحاق بعد هذه القصة جزاءً لطاعته وصبره، ومن جعل الذبيح هو إسحاق قال معنى الآية : وبشرناه بنبوة إسحاق. وكذا روى عن ابن عباس قال : بشر به مرتين حين ولد وحين نبىء.
﴿ وباركنا عليه ﴾ يعني : على إبراهيم في أولاده ﴿ وعلى إسحاق ﴾ أي : يكون أكثر الأنبياء من نسله ﴿ ومن ذريتهما محسن ﴾ أي : مؤمن ﴿ وظالم لنفسه ﴾ أي : كافر ﴿ مبين ﴾ أي : ظاهر الكفر، وفيه تنبيه على أنه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن.
قوله عز وجل :﴿ ولقد مننا على موسى وهارون ﴾ أي : أنعمنا عليهما بالنبوة والرسالة.
﴿ ونجيناهما وقومهما ﴾ يعني : بني إسرائيل ﴿ من الكرب العظيم ﴾ يعني : الذي كانوا فيه من استبعاد فرعون إياهم، وقيل : هو إنجاؤهم من الغرق.
﴿ ونصرناهم ﴾ يعني : موسى وهارون وقومهما ﴿ فكانوا هم الغالبين ﴾ أي : على القبط.
وبشرناه بنبوة إسحاق. وكذا روى عن ابن عباس قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبىء وَبارَكْنا عَلَيْهِ يعني على إبراهيم في أولاده وَعَلى إِسْحاقَ أي يكون أكثر الأنبياء من نسله وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ أي مؤمن وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي كافر مُبِينٌ أي ظاهر الكفر، وفيه تنبيه على أنه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ أي أنعمنا عليهما بالنبوة والرسالة وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما يعني بني إسرائيل مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ يعني الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم وقيل هو إنجاؤهم من الغرق وَنَصَرْناهُمْ يعني موسى وهارون وقومهما فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ أي على القبط.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١١٧ الى ١٢٣]
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١)
إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ يعني التوراة الْمُسْتَبِينَ المستنير وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي دللناهما على طريق الجنة وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ أي الثناء الحسن سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ قوله عز وجل: وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ روي عن ابن مسعود أنه قال إلياس هو إدريس وكذلك هو في مصحفه وقال أكثر المفسرين هو نبي من أنبياء بني إسرائيل قال ابن عباس هو ابن عم اليسع وقال محمد بن إسحاق هو الياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
(ذكر الإشارة إلى القصة) قال محمد بن إسحاق وعلماء السير والأخبار لما قبض الله عز وجل حزقيل النبي عليه الصلاة والسلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عز وجل، فبعث الله عز وجل إليهم إلياس نبيا وكان الأنبياء يبعثون من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة وكان يوشع لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وإن سبطا منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها وهم الذين بعث إليهم إلياس وعليهم يومئذ ملك اسمه آجب وكان قد أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام وكان له صنم من ذهب طوله عشرون ذراعا وله أربعة وجوه اسمه بعل وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك وكان إلياس يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك فإنه آمن به وصدقه، فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده وكان للملك امرأة جبارة وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب فغصبت من رجل مؤمن جنينة كان يتعيش منها فأخذتها وقتلته فبعث الله سبحانه وتعالى إلياس إلى الملك وزوجته وأمره أن يخبرهما أن الله عز وجل قد غضب لوليه حين قتل ظلما وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ويرد الجنينة على ورثة المقتول أهلكهما في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها ولا يتمتعان فيها إلا قليلا، فجاء إلياس فأخبر الملك بما أوحى الله إليه في أمره وأمر امرأته والجنينة فلما سمع الملك ذلك غضب واشتد غضبه عليه وقال يا إلياس والله ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلا، وهمّ بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس إلياس بالشر رفضه وخرج عنه هاربا ورجع الملك إلى عبادة بعل ولحق إلياس بشواهق الجبال فكان يأوي إلى الشعاب والكهوف فبقي سبع سنين على ذلك خائفا مستخفيا يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون والله يستره منهم: فلما طال
25
الأمر على إلياس وسكنى الكهوف في الجبال وطال عصيان قومه ضاق بذلك ذرعا فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود يا إلياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه ألست أميني على وحيي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي سلني أعطك فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم، قال يا رب تميتني وتلحقني بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل وملوني فأوحى الله تعالى إليه يا إلياس ما هذا باليوم الذي أعرى منك الأرض وأهلها وإنما صلاحها وقوامها بك وبأشباهك وإن كنتم قليلا ولكن سلني أعطك فقال إلياس إن لم تمتني فأعطني ثأري من بني إسرائيل قال الله عز وجل وأي شيء تريد أن أعطيك، قال تملكني خزائن السماء سبع سنين فلا تسير عليهم سحابة إلا بدعوتي ولا تمطر عليهم قطرة إلا بشفاعتي فإنه لا يذلهم إلا ذلك قال الله عز وجل يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك وإن كانوا ظالمين، قال فست سنين قال أنا أرحم بخلقي من ذلك قال فخمس سنين قال أنا أرحم بخلقي ولكن أعطيك ثأرك ثلاث سنين أجعل خزائن المطر بيدك قال إلياس فبأي شيء أعيش يا رب قال أسخر لك جيشا من الطير ينقل لك طعامك وشرابك من الريف والأرض التي لم تقحط قال إلياس قد رضيت فأمسك الله عز وجل عنهم المطر حتى هلكت الماشية والهوام والشجر وجهد الناس جهدا شديدا وإلياس على حاله مستخفيا من قومه يوضع له لرزق حيث كان وقد عرف قومه ذلك. قال ابن عباس أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط فمر إلياس بعجوز فقال لها أعندك طعام قالت نعم شيء من دقيق وزيت قليل قال فدعا به ودعا فيه بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقا وملأ خوابيها زيتا فلما رأوا ذلك عندها قالوا من أين لك هذا قالت مر بي رجل من حاله كذا وكذا فوصفته بصفته
فعرفوه وقالوا ذلك إلياس فطلبوه فوجوده فهرب منهم ثم إنه آوى إلى بيت امرأة من بني إسرائيل ولها ابن يقال له اليسع بن أخطوب بن ضر فآوته وأخفت أمره فدعا لابنها فعوفي من الضر الذي كان به واتبع اليسع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه وذهب معه حيثما ذهب. وكان إلياس قد كبر وأسن واليسع غلام شاب ثم إن الله تعالى أوحى إلى إلياس إنك قد أهلكت كثيرا من الخلق ممن لم يعص من البهائم والدواب والطير والهوام بحبس المطر، فيزعمون أن إلياس قال: يا رب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم يرجعون عما هم فيه ينزعون عن عبادة غيرك فقيل له نعم. فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال:
إنكم قد هلكتم جوعا وجهدا وهلكت البهائم والدواب والطير والهوام والشجر بخطاياكم وإنكم على باطل فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فاخرجوا بأصنامكم فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله تعالى ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء، فقالوا أنصفت فخرجوا بأوثانهم ودعوها فلم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء فقالوا يا إلياس إنا قد أهلكنا فادع الله لنا، فدعا إلياس ومعه اليسع بالفرج فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون فأقبلت نحوهم وطبقت الآفاق ثم أرسل الله عز وجل عليهم المطر وأغاثهم وحييت بلادهم فلما كشف الله تعالى عنهم الضر نقضوا العهد ولم ينزعوا عن كفرهم وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه عز وجل أن يريحه منهم، فقيل له فيما يزعمون انظر يوم كذا وكذا فاخرج إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه فخرج إلياس ومعه اليسع حتى إذا كان بالموضع الذي أمر به أقبل فرس من نار وقيل لونه كالنار حتى وقف بين أيدي إلياس فوثب عليه فانطلق به الفرس فناداه اليسع يا إلياس ما تأمرني فقذف إليه إلياس بكسائه من الجو الأعلى فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل وكان ذلك آخر العهد به ورفع الله تعالى إلياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فصار إنسيا ملكيا أرضيا سماويا وسلط الله عز وجل على آجب الملك وقومه عدوا لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى رهقهم فقتل آجب وامرأته أزبيل في الجنينة التي اغتصبتها امرأة الملك من ذلك المؤمن فلم تزل جثتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما ونبأ الله سبحانه وتعالى اليسع وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل وأوحى إليه وأيده فآمنت به بنو إسرائيل وكانوا يعظمونه وحكم الله تعالى فيهم قائم
26
﴿ وهديناهما الصراط المستقيم ﴾ أي دللناهما على طريق الجنة.
﴿ وتركنا عليهما في الآخرين ﴾ أي : الثناء الحسن.
قوله عز وجل :﴿ وإن إلياس لمن المرسلين ﴾ روي عن ابن مسعود أنه قال : إلياس هو إدريس وكذلك هو في مصحفه وقال أكثر المفسرين : هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن عباس : هو ابن عم اليسع، وقال محمد بن إسحاق : هو الياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
( ذكر الإشارة إلى القصة )
قال محمد بن إسحاق وعلماء السير والأخبار لما قبض الله عز وجل حزقيل النبي عليه الصلاة والسلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عز وجل، فبعث الله عز وجل إليهم إلياس نبياً وكان الأنبياء يبعثون من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة، وكان يوشع لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وإن سبطاً منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها وهم الذين بعث إليهم إلياس وعليهم يومئذ ملك اسمه آجب، وكان قد أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام وكان له صنم من ذهب طوله عشرون ذراعاً، وله أربعة وجوه اسمه بعل، وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياء فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة، يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك، وكان إلياس يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل وهم لا يسمعون له، ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك، فإنه آمن به وصدقه، فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده، وكان للملك امرأة جبارة، وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب فغصبت من رجل مؤمن جنينة كان يتعيش منها، فأخذتها وقتلته فبعث الله سبحانه وتعالى إلياس إلى الملك وزوجته وأمره أن يخبرهما أن الله عز وجل قد غضب لوليه حين قتل ظلماً وآلى على نفسه، أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ويرد الجنينة على ورثة المقتول أهلكهما في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها، ولا يتمتعان فيها إلا قليلاً، فجاء إلياس فأخبر الملك بما أوحى الله إليه في أمره، وأمر امرأته والجنينة، فلما سمع الملك ذلك غضب واشتد غضبه عليه، وقال : يا إلياس والله ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلاً، وهمَّ بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس إلياس بالشر رفضه وخرج عنه هارباً ورجع الملك إلى عبادة بعل ولحق إلياس بشواهق الجبال، فكان يأوي إلى الشعاب والكهوف فبقي سبع سنين على ذلك خائفاً مستخفياً يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر، وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون والله يستره منهم : فلما طال الأمر على إلياس، وسكنى الكهوف في الجبال وطال عصيان قومه، ضاق بذلك ذرعاً فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود، يا إلياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه ألست ؟ أميني على وحيي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي ؟ سلني أعطك فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم، قال يا رب : تميتني وتلحقني بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل وملوني، فأوحى الله تعالى إليه يا إلياس ما هذا باليوم الذي أعرى منك الأرض وأهلها، وإنما صلاحها وقوامها بك وبأشباهك، وإن كنتم قليلاً، ولكن سلني أعطك فقال إلياس إن لم تمتني فأعطني ثأري من بني إسرائيل، قال الله عز وجل : وأي شيء تريد أن أعطيك ؟ قال : تملكني خزائن السماء سبع سنين، فلا تسير عليهم سحابة إلا بدعوتي، ولا تمطر عليهم قطرة إلا بشفاعتي، فإنه لا يذلهم إلا ذلك قال الله عز وجل : يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك، وإن كانوا ظالمين، قال : فست سنين، قال : أنا أرحم بخلقي من ذلك قال : فخمس سنين، قال : أنا أرحم بخلقي، ولكن أعطيك ثأرك ثلاث سنين، أجعل خزائن المطر بيدك، قال إلياس : فبأي شيء أعيش يا رب ؟ قال : أسخر لك جيشاً من الطير ينقل لك طعامك وشرابك من الريف والأرض التي لم تقحط، قال إلياس : قد رضيت فأمسك الله عز وجل عنهم المطر حتى هلكت الماشية، والهوام والشجر وجهد الناس جهداً شديداً وإلياس على حاله مستخفياً من قومه يوضع له لرزق حيث كان وقد عرف قومه ذلك.
قال ابن عباس : أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط فمر إلياس بعجوز فقال لها : أعندك طعام قالت : نعم، شيء من دقيق وزيت قليل، قال : فدعا به ودعا فيه بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقاً وملأ خوابيها زيتاً، فلما رأوا ذلك عندها قالوا : من أين لك هذا ؟ قالت مر بي رجل من حاله كذا وكذا فوصفته بصفته فعرفوه، وقالوا : ذلك إلياس فطلبوه فوجدوه فهرب منهم ثم إنه آوى إلى بيت امرأة من بني إسرائيل ولها ابن يقال له اليسع بن أخطوب بن ضر، فآوته وأخفت أمره فدعا لابنها فعوفي من الضر الذي كان به، واتبع اليسع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه وذهب معه حيثما ذهب. وكان إلياس قد كبر وأسن واليسع غلام شاب، ثم إن الله تعالى أوحى إلى إلياس إنك قد أهلكت كثيراً من الخلق ممن لم يعص من البهائم والدواب والطير والهوام بحبس المطر، فيزعمون أن إلياس قال : يا رب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم يرجعون عما هم فيه ينزعون عن عبادة غيرك فقيل له نعم.
فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال : إنكم قد هلكتم جوعا وجهدا وهلكت البهائم والدواب والطير والهوام والشجر بخطاياكم، وإنكم على باطل، فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فاخرجوا بأصنامكم، فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم، ودعوت الله تعالى ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء، فقالوا : أنصفت فخرجوا بأوثانهم ودعوها فلم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء، فقالوا : يا إلياس إنا قد أهلكنا فادع الله لنا، فدعا إلياس ومعه اليسع بالفرج، فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون فأقبلت نحوهم وطبقت الآفاق، ثم أرسل الله عز وجل عليهم المطر، وأغاثهم وحييت بلادهم فلما كشف الله تعالى عنهم الضر نقضوا العهد ولم ينزعوا عن كفرهم، وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه عز وجل أن يريحه منهم، فقيل له : فيما يزعمون انظر يوم كذا وكذا فاخرج إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه فخرج إلياس ومعه اليسع، حتى إذا كان بالموضع الذي أمر به أقبل فرس من نار، وقيل : لونه كالنار حتى وقف بين أيدي إلياس، فوثب عليه فانطلق به الفرس فناداه اليسع، يا إلياس ما تأمرني فقذف إليه بكسائه من الجو الأعلى فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل وكان ذلك آخر العهد به، ورفع الله تعالى إلياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فصار إنسيا ملكيا أرضيا سماويا، وسلط الله عز وجل على آجب الملك وقومه عدوا لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى رهقهم فقتل آجب وامرأته أزبيل في الجنينة التي اغتصبتها امرأة الملك من ذلك المؤمن، فلم تزل جثتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما، ونبأ الله سبحانه وتعالى اليسع وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل وأوحى إليه وأيده فآمنت به بنو إسرائيل وكانوا يعظمونه، وحكم الله تعالى فيهم قائم إلى أن فارقهم اليسع، روى السدي : عن يحيى بن عبد العزيز عن أبي راود قال : إلياس والخضر يصومان رمضان ببيت المقدس ويوفيان الموسم في كل عام وقيل : إن إليام موكل بالفيافي والخصر موكل بالبحار فذلك قوله تعالى :﴿ وإن إلياس لمن المرسلين ﴾.
إلى أن فارقهم اليسع، روى السدي عن يحيى بن عبد العزيز عن أبي راود قال إلياس والخضر يصومان رمضان ببيت المقدس ويوفيان الموسم في كل عام وقيل إن إلياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالبحار فذلك قوله تعالى وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٢٤ الى ١٢٨]
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨)
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا يعني أتعبدون بعلا وهو صنم كان لهم يعبدونه ولذلك سميت مدينتهم بعلبك قيل البعل الرب بلغة أهل اليمن وَتَذَرُونَ أي وتتركون عبادة أَحْسَنَ الْخالِقِينَ فلا تعبدونه اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ أي في النار إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي من قومه الذين آمنوا به فإنهم نجوا من العذاب.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٢٩ الى ١٤٣]
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢) وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣)
إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ قرئ آل ياسين بالقطع قيل أراد آل محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل آل القرآن لأن ياسين من أسماء القرآن وفيه بعد وقرئ الياسين بالوصل ومعناه إلياس وأتباعه من المؤمنين إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ قوله تعالى: وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ أي الباقين في العذاب ثُمَّ دَمَّرْنَا
أي أهلكنا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ
أي أهل مكة لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ
أي على آثارهم ومنازلهم مُصْبِحِينَ
أي في وقت الصباح وَبِاللَّيْلِ
أي وبالليل في أسفاركم أَفَلا تَعْقِلُونَ
أي فتعتبرون بهم.
قوله عز وجل: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
أي من جملة رسل الله تعالى إِذْ أَبَقَ
أي هرب إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
أي المملوء قال ابن عباس ووهب كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون ها هنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت على يونس فاقترعوا ثلاثا وهي تقع على يونس فقال أنا الآبق وزجّ نفسه في الماء.
وقيل إنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب وذهب المركب وجاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر فبقي فريدا فجاء مركب فركبه وقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون إن فيكم عاصيا وإلا لم يحصل وقوف السفينة فيما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فاقترعوا فمن خرج سهمه نغرقه فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرج سهم يونس فذلك قوله تعالى: فَساهَمَ
أي فقارع فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
يعني من المقرعين المغلوبين في سورة يونس والأنبياء فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ أي ابتلعه وَهُوَ مُلِيمٌ أي آت بما يلام عليه فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أي من الذاكرين الله عز وجلّ قبل ذلك
﴿ أتدعون بعلاً ﴾ يعني أتعبدون بعلاً وهو صنم كان لهم يعبدونه، ولذلك سميت مدينتهم بعلبك قيل البعل الرب بلغة أهل اليمن ﴿ وتذرون ﴾ أي : وتتركون عبادة ﴿ أحسن الخالقين ﴾ فلا تعبدونه.
﴿ الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون ﴾ أي : في النار.
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ أي : من قومه الذين آمنوا به فإنهم نجوا من العذاب.
﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين ﴾ قرئ آل ياسين بالقطع، قيل : أراد آل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : آل القرآن لأن ياسين من أسماء القرآن وفيه بعد وقرئ الياسين بالوصل ومعناه إلياس وأتباعه من المؤمنين.
قوله تعالى :﴿ إلا عجوزاً في الغابرين ﴾ أي : الباقين في العذاب.
﴿ ثم دمرنا ﴾ أي : أهلكنا ﴿ الآخرين ﴾.
﴿ وإنكم ﴾ أي : أهل مكة ﴿ لتمرون عليهم ﴾ أي : على آثارهم ومنازلهم ﴿ مصبحين ﴾ أي : في وقت الصباح.
﴿ وبالليل ﴾ أي : وبالليل في أسفاركم ﴿ أفلا تعقلون ﴾ أي : فتعتبرون بهم.
قوله عز وجل :﴿ وإن يونس لمن المرسلين ﴾ أي : من جملة رسل الله تعالى.
﴿ إذ أبق ﴾ أي : هرب ﴿ إلى الفلك المشحون ﴾ أي : المملوء قال ابن عباس ووهب : كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون : هاهنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت على يونس فاقترعوا ثلاثاً وهي تقع على يونس فقال أنا الآبق وزجَّ نفسه في الماء.
وقيل إنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب فأراد أن يركب معهم، فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب وذهب المركب، وجاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر، وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر، فبقي فريداً فجاء مركب فركبه وقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون : إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل وقوف السفينة فيما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فاقترعوا فمن خرج سهمه نغرقه فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرج سهم يونس فذلك قوله تعالى :﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾يعني من المقرعين المغلوبين في سورة يونس والأنبياء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٠:﴿ إذ أبق ﴾ أي : هرب ﴿ إلى الفلك المشحون ﴾ أي : المملوء قال ابن عباس ووهب : كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون : هاهنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت على يونس فاقترعوا ثلاثاً وهي تقع على يونس فقال أنا الآبق وزجَّ نفسه في الماء.
وقيل إنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب فأراد أن يركب معهم، فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب وذهب المركب، وجاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر، وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر، فبقي فريداً فجاء مركب فركبه وقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون : إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل وقوف السفينة فيما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فاقترعوا فمن خرج سهمه نغرقه فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرج سهم يونس فذلك قوله تعالى :﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾يعني من المقرعين المغلوبين في سورة يونس والأنبياء.

﴿ فالتقمه الحوت ﴾ أي : ابتلعه ﴿ وهو مليم ﴾ أي : آت بما يلام عليه.
﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ أي : من الذاكرين الله عز وجلّ قبل ذلك وكان كثير الذكر، وقال ابن عباس : من المصلحين وقيل من العابدين. قال الحسن ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً فشكر الله تعالى له طاعته القديمة، قال بعضهم : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك فقال :﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾.
وكان كثير الذكر وقال ابن عباس من المصلحين وقيل من العابدين. قال الحسن ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملا صالحا فشكر الله تعالى له طاعته القديمة قال بعضهم اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس كان عبدا صالحا ذاكرا لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك فقال فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٤٤ الى ١٤٧]
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وقيل لولا أنه كان يسبح في بطن الحوت بقوله لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة.
قوله عز وجل: فَنَبَذْناهُ أي طرحناه إنما أضاف النبذ إلى نفسه وإن كان الحوت هو النابذ لأن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى: بِالْعَراءِ أي بالأرض الخالية عن الشجر والنبات. وقيل بالساحل وَهُوَ سَقِيمٌ أي عليل كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولم تبق له قوة قيل إنه لبث في بطن الحوت ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل عشرين يوما وقيل أربعين وقيل التقمه ضحى ولفظه عشية وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ يعني القرع قيل إن كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض كالقرع والقثاء والبطيخ ونحوه فهو يقطين، قيل أنبتها الله تعالى له ولم تكن قبل ذلك وكانت معروشة ليحصل له الظل وفي شجر القرع فائدة وهي أن الذباب لا يجتمع عندها فكان يونس يستظل بتلك الشجرة ولو كانت منبسطة على الأرض لم يكن أن يستظل بها قيل وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي فنام نومة ثم استيقظ وقد يبست الشجرة وأصابه حر الشمس فحزن حزنا شديدا وجعل يبكي فأرسل الله تعالى إليه جبريل وقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك قد أسلموا وتابوا وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ قيل أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه والمعنى وكنا أرسلناه إلى مائة ألف فلما خرج من بطن الحوت أمر أن يرجع إليهم ثانيا وقيل كان إرساله إليهم بعد خروجه من بطن الحوت وقيل يجوز أن يكون إرساله إلى قوم آخرين غير القوم الأولين أَوْ يَزِيدُونَ قال ابن عباس معناه ويزيدون وقيل معناه بل يزيدون وقيل أو على أصلها والمعنى أو يزيدون في تقدير الرائي إذا رآهم قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على ذلك فالشك على تقدير المخلوقين والأصح هو قول ابن عباس الأول.
وأما الزيادة فقال ابن عباس كانوا عشرين ألفا، ويعضده ما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال «سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ قال يزيدون عشرين ألفا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وقيل يزيدون بضعا وثلاثين ألفا وقيل سبعين ألفا.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٤٨ الى ١٦٠]
فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢)
أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)
قوله عز وجل :﴿ فنبذناه ﴾ : أي : طرحناه، إنما أضاف النبذ إلى نفسه وإن كان الحوت هو النابذ لأن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى. ﴿ بالعراء ﴾ : أي بالأرض الخالية عن الشجر والنبات، وقيل بالساحل. ﴿ وهو سقيم ﴾ : أي : عليل كالفرخ الممعط، وقيل : كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولم تبق له قوة. قيل : إنه لبث في بطن الحوت ثلاثة أيام، وقيل : سبعة، وقيل : عشرين يوماً، وقيل : أربعين، وقيل : التقمه ضحى ولفظه عشية.
﴿ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ﴾ يعني : القرع قيل إن كان نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض كالقرع والقثاء والبطيخ ونحوه فهو يقطين، قيل : أنبتها الله تعالى له ولم تكن قبل ذلك وكانت معروشة ليحصل له الظل وفي شجر القرع فائدة وهي أن الذباب لا يجتمع عندها فكان يونس يستظل بتلك الشجرة ولو كانت منبسطة على الأرض لم يكن أن يستظل بها، قيل : وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي فنام نومة ثم استيقظ وقد يبست الشجرة وأصابه حر الشمس فحزن حزناً شديداً وجعل يبكي فأرسل الله تعالى إليه جبريل، وقال : أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك قد أسلموا وتابوا.
﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف ﴾ : قيل : أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه، والمعنى : وكنا أرسلناه إلى مائة ألف فلما خرج من بطن الحوت أمر أن يرجع إليهم ثانياً، وقيل : كان إرساله إليهم بعد خروجه من بطن الحوت، وقيل : يجوز أن يكون إرساله إلى قوم آخرين غير القوم الأولين.
﴿ أو يزيدون ﴾ : قال ابن عباس : معناه : ويزيدون وقيل معناه : بل يزيدون، وقيل أو على أصلها والمعنى : أو يزيدون في تقدير الرائي إذا رآهم، قال : هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على ذلك فالشك على تقدير المخلوقين والأصح هو قول ابن عباس الأول.
وأما الزيادة فقال ابن عباس : كانوا عشرين ألفاً، ويعضده ما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى :﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾ قال :« يزيدون عشرين ألفاً »، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن، وقيل يزيدون بضعاً وثلاثين ألفاً وقيل سبعين ألفاً.
﴿ فآمنوا ﴾ يعني : الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب، ﴿ فمتعناهم إلى حين ﴾ أي : إلى انقضاء آجالهم.
قوله عز وجل :﴿ فاستفتهم ﴾ أي : فسل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ ﴿ ألربك البنات ولهم البنون ﴾ وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله.
والمعنى : جعلوا لله البنات ولهم البنين، وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنات والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف ينسب للخالق.
﴿ أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ﴾ أي : حاضرون خلقنا إياهم.
﴿ ألا إنهم من إفكهم ﴾ أي : من كذبهم ﴿ ليقولون ﴾.
﴿ ولد الله ﴾ أي : في زعمهم، ﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ أي : فيما زعموا.
﴿ أصطفى البنات ﴾ أي : في زعمكم ﴿ على البنين ﴾ وهو استفهام توبيخ وتقريع.
﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ أي : بالبنات لله ولكم بالبنين.
﴿ أفلا تذكرون ﴾ أي : أفلا تتعظون.
﴿ أم لكم سلطان مبين ﴾ أي : برهان بين على أن لله ولداً.
﴿ فأتوا بكتابكم ﴾ يعني : الذي لكم فيه حجة، ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ أي : في قولكم.
﴿ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ﴾ قيل : أراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار. قال ابن عباس : هم حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات الله فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن. وقيل : معنى النسب أنهم أشركوا في عبادة الله تعالى. وقيل : هو قول الزنادقة الخير من الله والشر من الشيطان.
﴿ ولقد علمت الجنة إنهم ﴾ يعني قائلي هذا القول ﴿ لمحضرون ﴾ أي : في النار.
﴿ سبحان الله عما يصفون ﴾ : نزه الله تعالى نفسه عما يقولون.
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ هذا استثناء من المحضرين والمعنى أنهم لا يحضرون.
فَآمَنُوا يعني الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ أي إلى انقضاء آجالهم.
قوله عز وجل: فَاسْتَفْتِهِمْ أي فسل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله.
والمعنى جعلوا لله البنات ولهم البنين وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنات والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف ينسب للخالق أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ أي حاضرون خلقنا إياهم أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ أي من كذبهم لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ أي في زعمهم وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي فيما زعموا أَصْطَفَى الْبَناتِ أي في زعمكم عَلَى الْبَنِينَ وهو استفهام توبيخ وتقريع ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أي بالبنات لله ولكم بالبنين أَفَلا تَذَكَّرُونَ أي أفلا تتعظون أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ أي برهان بين على أن لله ولدا فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ
يعني الذي لكم فيه حجة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
أي في قولكم وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً قيل أراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار.
قال ابن عباس هم حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات الله فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن.
وقيل معنى النسب أنهم أشركوا في عبادة الله تعالى.
وقيل هو قول الزنادقة الخير من الله والشر من الشيطان وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ يعني قائلي هذا القول لَمُحْضَرُونَ أي في النار سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ نزه الله تعالى نفسه عما يقولون إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ هذا استثناء من المحضرين والمعنى أنهم لا يحضرون.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٦١ الى ١٧١]
فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١)
فَإِنَّكُمْ يعني يا أهل مكة وَما تَعْبُدُونَ أي من الأصنام ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ أي على ما تعبدون بِفاتِنِينَ أي بمضلين أحدا إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ أي إلا من سبق له في علم الله تعالى الشقاوة وأنه سيدخل النار.
قوله تعالى إخبارا عن حال الملائكة وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ يعني أن جبريل قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم يعبد ربه فيه. وقال ابن عباس ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح. وروى أبو ذر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا» أخرجه الترمذي. وهو طرف من حديث قيل الأطيط أصوات الأقتاب وقيل أصوات الإبل وحنينها، ومعنى الحديث ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا مثل مؤذن بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط وقيل معنى إلا له مقام معلوم أي في القرب والمشاهدة وقيل يعبد الله على مقامات مختلفة كالخوف والرجاء والمحبة والرضا وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ يعني الملائكة صفوا أقدامهم في عبادة الله تعالى كصفوف الناس في الصلاة في الأرض وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أي المصلون لله تعالى وقيل المنزهون لله تعالى عن كل سوء يخبر جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح وأنهم ليسوا بمعبودين كما زعمت الكفار قوله عز وجل: وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ يعني كفار مكة قبل بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني كتابا مثل كتاب الأولين لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي لأخلصنا العبادة لله فَكَفَرُوا بِهِ أي فلما
﴿ ما أنتم عليه ﴾ أي : على ما تعبدون ﴿ بفاتنين ﴾ أي : بمضلين أحداً.
﴿ إلا من هو صال الجحيم ﴾ أي : إلا من سبق له في علم الله تعالى الشقاوة وأنه سيدخل النار.
﴿ وما منا إلا له مقام معلوم ﴾ : يعني أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم يعبد ربه فيه. وقال ابن عباس : ما في السماوات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح. وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً » أخرجه الترمذي. وهو طرف من حديث قيل الأطيط أصوات الأقتاب، وقيل : أصوات الإبل وحنينها، ومعنى الحديث ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل مؤذن بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط، وقيل : معنى إلا له مقام معلوم، أي : في القرب والمشاهدة، وقيل : يعبد الله على مقامات مختلفة كالخوف والرجاء والمحبة والرضا.
﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ يعني : الملائكة صفوا أقدامهم في عبادة الله تعالى كصفوف الناس في الصلاة في الأرض.
﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾ أي : المصلون لله تعالى وقيل : المنزهون لله تعالى عن كل سوء يخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح وأنهم ليسوا بمعبودين كما زعمت الكفار.
قوله عز وجل :﴿ وإن كانوا ليقولون ﴾ يعني : كفار مكة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ لو أن عندنا ذكراً من الأولين ﴾ يعني : كتاباً مثل كتاب الأولين.
﴿ لكنا عباد الله المخلصين ﴾ أي : لأخلصنا العبادة لله.
﴿ فكفروا به ﴾ أي : فلما أتاهم الكتاب كفروا به ﴿ فسوف يعلمون ﴾ فيه تهديد لهم.
قوله عز وجل :﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ﴾ يعني : تقدم وعدنا لعبادنا المرسلين بنصرهم.
أتاهم الكتاب كفروا به فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فيه تهديد لهم قوله عز وجل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ يعني تقدم وعدنا لعبادنا المرسلين بنصرهم.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٧٢ الى ١٨٢]
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦)
فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ أي بالحجة البالغة إِنَّ جُنْدَنا
أي حزبنا المؤمنين هُمُ الْغالِبُونَ
أي لهم النصرة في العاقبة فَتَوَلَّ أي أعرض عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ قال ابن عباس يعني الموت وقيل إلى يوم بدر وقيل حتى آمرك بالقتال وهذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل إلى أن يأتيهم العذاب وَأَبْصِرْهُمْ أي إذا نزل بهم العذاب فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أي ذلك فعند ذلك قالوا متى هذا العذاب قال الله عز وجل: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذا نَزَلَ يعني العذاب بِساحَتِهِمْ أي بحضرتهم وقيل بفنائهم فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ أي فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا العذاب (ق) عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا خيبر فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات» ثم كرر ذكر ما تقدم تأكيدا لوعيد العذاب فقال تعالى: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وقيل المراد من الآية الأولى ذكر أحوالهم في الدنيا وهذه ذكر أحوالهم في الآخرة فعلى هذا القول يزول التكرار وَأَبْصِرْ أي العذاب إذا نزل بهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ثم نزه نفسه فقال تعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ أي الغلبة والقدرة وفيه إشارة إلى كمال القدرة وأنه القادر على جميع الحوادث عَمَّا يَصِفُونَ أي عن اتخاذ الشركاء والأولاد وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ أي الذين بلغوا عن الله عز وجل التوحيد والشرائع لأن أعلى مراتب البشر أن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا جرم يجب على كل أحد الاقتداء بهم والاهتداء بهداهم وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء وقيل الغرض من ذلك تعليم المؤمنين أن يقولوه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه لما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
﴿ وإن جندنا ﴾ أي : حزبنا المؤمنين ﴿ لهم الغالبون ﴾ أي : لهم النصرة في العاقبة.
﴿ فتول ﴾ أي : أعرض ﴿ عنهم حتى حين ﴾ قال ابن عباس يعني : الموت وقيل : إلى يوم بدر، وقيل : حتى آمرك بالقتال وهذه الآية منسوخة بآية القتال، وقيل : إلى أن يأتيهم العذاب.
﴿ وأبصرهم ﴾ أي : إذا نزل بهم العذاب ﴿ فسوف يبصرون ﴾ أي : ذلك فعند ذلك قالوا متى هذا العذاب.
قال الله عز وجل :﴿ فإذا نزل ﴾ يعني : العذاب ﴿ بساحتهم ﴾ أي : بحضرتهم وقيل : بفنائهم ﴿ فساء صباح المنذرين ﴾ أي : فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا العذاب ( ق ) عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات » ثم كرر ذكر ما تقدم تأكيداً لوعيد العذاب فقال تعالى :﴿ وتولى عنهم حتى حين ﴾.
قال تعالى :﴿ وتول عنهم حتى حين ﴾ وقيل : المراد من الآية الأولى ذكر أحوالهم في الدنيا وهذه ذكر أحوالهم في الآخرة فعلى هذا القول يزول التكرار.
﴿ وأبصر ﴾ أي : العذاب إذا نزل بهم ﴿ فسوف يبصرون ﴾.
ثم نزه نفسه فقال تعالى :﴿ سبحان ربك رب العزة ﴾ أي : الغلبة والقدرة وفيه إشارة إلى كمال القدرة وأنه القادر على جميع الحوادث ﴿ عما يصفون ﴾ أي : عن اتخاذ الشركاء والأولاد.
﴿ وسلام على المرسلين ﴾ أي : الذين بلغوا عن الله عز وجل التوحيد والشرائع لأن أعلى مراتب البشر أن يكون كاملاً في نفسه مكملاً لغيره وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا جرم يجب على كل أحد الاقتداء بهم والاهتداء بهداهم.
﴿ والحمد لله رب العالمين ﴾ أي : على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء وقيل الغرض من ذلك تعليم المؤمنين أن يقولوه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه، لما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين » والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon