أخبرنا سعيد بن محمد بن محمد المقري، أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد الحبري، حدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي، حدثنا سلام بن سليم المدائني، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أُمامة الباهلي عن أُبي بن كعب، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة ) حم. عسق ( كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له ).
ﰡ
سورة حم عسق مكّية، وهي ثلاث وخمسون آية، وثمانمائة وستّ وستّون كلمة، وثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفا
أخبرنا سعيد بن محمد بن محمد المقري، أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد الحبري، حدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي، حدثنا سلام بن سليم المدائني، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة الباهلي عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة حم. عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له» [١٦٧] «١».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)
حم عسق سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت أبا عثمان بن أبي بكر المقري الزعفراني، يقول: سمعت شيخي يقول: سمعت أبا بكر المؤمن يقول: سألت الحسين بن الفضل لم قطّع حم عسق ولم تقطّع كهيعص، والمر والمص؟.
قال: لكونها من سور أوائلها حم، فجرت مجرى نظائرها، قبلها وبعدها، وكان حم مبتدأ، وعسق خبره، ولأنّها آيتان، وعدت أخواتها الّتي كتبت موصولة آية واحدة.
وقيل: لأنّ أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها، إنّها حروف التهجي لا غيره، واختلفوا في حم، فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلوها فعلا، وقالوا، معناه حم، أي قضي ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ونظير هذا التفسير ما
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن مخلة، حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي، حدثنا عمار بن سيف الضبي أبو عبد الرّحمن، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي عن جرير بن عبد الله، قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصّراة تجتمع فيها جبابرة أهل الأرض، تجبى إليها الخزائن، يخسف بها، وقال مرة: يخسف بأهلها، فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة.
وذكر عن ابن عباس إنّه كان يقرأ (حم سق) بغير عين، ويقال: إنّ السين فيها كلّ فرقة كائنة، وإنّ القاف كلّ جماعة كائنة، ويقول: إنّ عليا إنّما كان يعلم الفتن بهما
، وكذلك هو في مصحف عبد الله (حم سق).
وقال عكرمة: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله: حم عسق.
فقال: (ح) حلمه، (م) مجده، (عين) علمه، (سين) سناه، (ق) قدرته، أقسم الله تعالى بها.
وفي رواية أبي الجوزاء إنّ ابن عباس، قال لنافع: (عين) فيها عذاب، (سين) فيها مسخ، (ق) فيها قذف. يدلّ عليه ما
روي في حديث مرفوع إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجهه، فقيل له: ما هذه الكآبة يا رسول الله؟ قال: أخبرت ببلاء ينزل في أمتي. من خسف ومسخ وقذف، ونار تحشرهم وريح تقذفهم في اليم، وآيات متتابعات متصلة بنزول عيسى (عليه السلام)، وخروج الدجال.
وقال عطاء: (ح) حرب في أهل مكّة يجحف بهم حتّى يأكلون الجيف وعظام الموتى، (م) ملك يتحول من قوم إلى قوم (ع) عدو لقريش قصدهم، (س) سيء يكون فيهم، (ق) قدرة الله النافذة في خلقه.
وقال بكر بن عبد الله المزني: (ح) حرب تكون بين قريش والموالي، فتكون الغلبة لقريش على الموالي، (م) ملك بني أمية، (ع) علو ولد العبّاس، (سين) سناء المهدي (ق) قوة عيسى (عليه السلام) حين ينزل، فيقتل النصارى ويخرب البيع «١».
وقال محمد بن كعب: أقسم الله بحلمه ومجده وعلوه وسناءه وقدرته، أن لا يعذب من عاد إليه بلا إله إلّا الله مخلصا له من قلبه،
وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: (ح) من رحمن، (م) من مجيد، (عين) من عالم، (سين) من قدوس، (ق) من قاهر.
السدي: هو من الهجاء المقطع، (عين) من العزيز، (سين) من السلام، (ق) من القادر.
وقيل: هذا في شأن محمد صلّى الله عليه وسلم (فالحاء) حوضه المورود، و (الميم) ملكة الممدود، و (العين) عزه الموجود، و (السين) سناؤه المشهود، و (القاف) قيامه في المقام المحمود، وقربه في الكرامة إلى المعبود.
وقال ابن عباس: ليس من نبيّ صاحب كتاب إلّا وقد أوحيت حم عسق إليه، فلذلك، قال: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ قرأ ابن كثير بفتح الحاء ومثله روى عباس، عن ابن عمرو ورفع الاسم بالبيان، كأنّه قال: يوحي إليك.
قيل: من الّذي يوحي؟ قال: الله، وهي كقراءة من قرأ يُسَبَّحُ لَهُ فِيها «٢» بفتح الباء، الباقون بكسره.
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وقال مقاتل: نزل حكمها على الأنبياء (عليهما السلام) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أي من عظمة الله وجلاله فوقهنّ.
قال ابن عباس: تَكادُ السَّماواتُ كلّ واحدة منها تتفطّر فوق الّتي تليها من قول المشركين، اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً «٣» : نظيره قوله: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا
(٢) سورة النور: ٣٦.
(٣) سورة البقرة: ١١٦.
قال الحكماء: وعظّم في الابتداء، ثمّ بشّر وألطف في الانتهاء.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ يحفظ أعمالهم ويحصي عليهم أفعالهم ليجازيهم بها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ إن عليك إلّا البلاغ. وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى مكّة، يعني أهلها. وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ أي بيوم الجمع. لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ أي منهم فريق فِي الْجَنَّةِ فضلا وهم المؤمنون. وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ عدلا وهم الكافرون.
أخبرنا الإمام أبو منصور الجمشاذي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أبو عثمان سعيد ابن عثمان بن حبيب السوحي، حدثنا بشر بن مطر، حدثني سعيد بن عثمان، عن أبي راهويه جدير بن كريب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص- وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يفضّل عبد الله على أبيه-
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، حدثني أبي، حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا ليث، حدثني أبو قبيل حيّ بن هانئ المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو، قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم، قابضا على كفيه ومعه كتابان، فقال: «أتدرون ما هذان الكتابان» ؟، قلنا: لا يا رسول الله.
فقال للّذي في يده اليمنى: هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل الجنّة وأسماء آباءهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب، وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون، فليس بزائد فيهم، ولا ناقص منهم إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة» [١٦٨]، ثمّ قال للّذي في يساره: «هذا كتاب من ربّ العالمين، بأسماء أهل النار وأسماء آباءهم وعشائرهم وعدتهم، قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب وقبل أن يستقروا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون، فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة». فقال عبد الله بن عمرو: ففيم العمل؟، إذ قال: «اعملوا وسددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنّة يختم له بعمل أهل الجنّة وأن عمل أي عمل، وإنّ صاحب النّار يختم له بعمل أهل النّار وإن عمل، أي عمل» [١٦٩] «٢».
ثمّ قال: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ عدل من الله تعالى.
(٢) سنن الترمذي: ٣/ ٣٠٤.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٨ الى ٢٢]
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً على ملّة واحدة. وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ الكافرون. ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ لا سواه. وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى مجازه: لأنّه يحيي الموتى. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ في الدين.
قَدِيرٌ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ في الدين. فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً حلائل- وإنّما قال مِنْ أَنْفُسِكُمْ لأنّه خلق حواء من ضلع آدم- وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ يخلقكم ويعيشكم فِيهِ أي في الرحم، وقيل: في البطن، وقيل: في الروح، وقيل: في هذا الوجه من الخليقة.
قال مجاهد: نسلا بعد نسل، ومن الأنعام، وقيل: (في) بمعنى الباء، أي يذرؤكم به، قال ابن كيسان: يكثركم.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ المثل صلة ومجازه: ليس كهو شيء، فأدخل المثل توكيدا للكلام،
وقتلى كمثل جذوع النخيل... يغشاهم مطر منهمر «٢»
أي كجذوع، وقال [آخر] «٣» سعد بن زيد:
إذا أبصرت فضلهم... كمثلهم في النّاس من أحد «٤»
وقال آخر:
ليس كمثل الفتى زهير... خلق يوازيه في الفضائل «٥»
وقيل: (الكاف) صلة مجازه: ليس مثله، كقول الراجز:
وصاليات ككما [يؤثفين]
فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه، وقال آخر:
[تنفي الغياديق على الطريق... قلص عن كبيضة في نيق] «٦»
فأدخل الكاف مع عن.
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وهو أول أنبياء الشريعة.
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى فاختلفوا في وجه الآية، فقال قتادة: تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقال الحكم: تحريم الأخوات والأمهات والبنات، وقال مجاهد: لم يبعث الله تعالى نبيا إلّا أوصاه بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة.
فذلك دينه الذي شرع لهم، وهي رواية الوالي عن ابن عباس، وقيل: الدين التوحيد، وقيل: هو قوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ بعث الأنبياء كلّهم بإقامة الدّين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ من التوحيد ورفض الأوثان. ثمّ قال عزّ من قائل: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ فيستخلصه لدينه.
وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس: يعني أهل الكتاب. دليله
(٢) تفسير القرطبي: ١٦/ ٨، فتح القدير: ٤/ ٥٢٨.
(٣) كذا الظاهر.
(٤) فتح القدير للشوكاني: ٤/ ٥٢٨، جامع البيان للطبري ٢٥/ ١٨. [.....]
(٥) فتح القدير للشوكاني: ٤/ ٥٢٨.
(٦) جامع البيان للطبري: ٢٥/ ١٨.
إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ من قبل بعث محمد وصفته. بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ تأخير العذاب. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وهو يوم القيامة. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالعذاب.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد الأمم الخالية، وقال مجاهد: معناه من قبلهم أي من قبل مشركي مكّة وهم اليهود والنصارى. لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ فَلِذلِكَ أي فإلى ذلك الّذين أوتوا الكتاب. فَادْعُ كقوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها «٢» أي إليها وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ اثبت على الدين الذي به أمرت وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ أي أن أعدل أو كي أعدل، كقوله: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٣».
قال ابن عباس: لأسوي بينكم في الدّين، وأؤمن بكلّ كتاب وكلّ رسول، وقال غيره:
لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ في جميع الأحوال والأشياء.
قال قتادة: أمر نبي الله صلّى الله عليه وسلم أن يعدل، فعدل حتّى مات، والعدل ميزان الله تعالى في الأرض
، وذكر لنا إنّ داود (عليه السلام)، قال: ثلاث من كنّ فيه فهو الفائز: القصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب، والحسنة في السرّ والعلانية، وثلاث من كنّ فيه أهانته: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأربع من أعطيهنّ، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة.
اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ لا خصومة. بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ نسختها آية القتال. اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا لفصل القضاء. وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ يخاصمون. فِي اللَّهِ في دين الله نبيه. مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ أي من بعد ما استجاب له النّاس، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته، وقيام حجته. حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ باطلة زائلة.
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ قال مجاهد: نزلت في اليهود والنصارى. قالوا:
كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم وأولى بالحقّ.
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ أي العدل عن ابن عباس وأكثر المفسرين.
مجاهد: هو الّذي يوزن به، ومعنى إنزال الميزان: إلهامه الخلق للعمل به، وأمره بالعدل والإنصاف، كقوله: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً «٤».
وقال علقمة: الميزان محمد صلّى الله عليه وسلم، يقضي بينهم بالكتاب. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ
(٢) سورة الزلزلة: ٥.
(٣) سورة الأنعام: ٧١.
(٤) سورة الأعراف: ٢٦.
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها ظنّا منهم إنها غير جائية. وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها خائفون منها. وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ قال ابن عباس: حفي بهم. عكرمة: بارّ بهم. السدي: رقيق. مقاتل: لطيف بالبر والفاجر منهم، حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم. القرظي: لطيف بهم في العرض والمحاسبة.
قال الخوافي: غدا عند مولى الخلق، للخلق موقف يسألهم فيه الجليل، فيلطف بهم الصادق في الرزق من وجهين: أحدهما: إنّه جعل رزقك من الطيبات، والثاني: إنّه لم يدفعه إليك بمرة واحدة، وقيل: الرضا بالتضعيف. الحسين بن الفضل: في القرآن وتيسيره.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عاد البغدادي يقول:
سئل جنيد عن اللطيف، فقال: هو الّذي لطف بأوليائه حتّى عرفوه، فعبدوه، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه.
وقال محمد بن علي الكتاني: اللطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا أيس من الخلق، توكل عليه ورجع إليه فحينئذ يقبله ويقبل عليه، وفي هذا المعنى أنشدنا أبو إسحاق الثعلبي، قال:
أنشدني أبو القاسم الحبيبي. قال أنشدني أبي، قال: أنشدني أبو علي محمد بن عبد الوهّاب الثقفي:
أمر بافناء القبور كأنّني | أخو فطنة والثواب فيه نحيف |
ومن شق فاه الله قدّر رزقه | وربّي بمن يلجأ إليه لطيف «١» |
وقيل: هو الّذي لا يخاف إلّا عدله، ولا يرجى إلّا فضله، وقيل: هو الّذي يبذل لعبده النعمة، فوق الهمّة ويكلفه الطاعة دون الطاقة، وقيل: هو الّذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه، وقيل: هو الّذي لا يرد سائله ولا يؤيّس آمله، وقيل: هو الّذي يعفو عمن يهفو، وقيل: هو الّذي يرحم من لا يرحم نفسه، وقيل: هو الّذي يعين على الخدمة، ثم يكثر المدحة، وقيل: هو الّذي أوقد في أسرار عارفيه من المشاهدة سراجا، وجعل الصراط المستقيم لها منهاجا، وأنزل عليهم من سحائب بره ماءا ثجاجا.
قال قتادة: يقول: من عمل لآخرته نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، ومن آثر دنياه على آخرته، لم يجعل الله له نصيبا في الآخرة إلّا النّار، ولم يصب من الدّنيا إلّا رزق قد فرغ منه وقسم له.
أنبأني عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان، حدثنا الحسين بن إدريس، حدثنا سويد بن نصير، أخبرنا عبد بن المبارك عن أبي سنان الشيباني، إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: الأعمال على أربعة وجوه: عامل صالح في سبيل هدى يريد به دنيا، فليس له في الآخرة شيء، ذلك بأنّ تعالى، قال: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها.. «١» الآية، وعامل الرياء ليس له ثواب في الدّنيا والآخرة إلّا الويل، وعامل صالح في سبيل هدى يبتغي به وجه الله والدار الآخرة، فله الجنّة في الآخرة، معها [نعاته] «٢» في الدّنيا، وعامل خطأ وذنوب ثوابه عقوبة الله، إلّا أن يعفوا فإنّه أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ..
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ يوم القيامة، حيث قال: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ «٣».. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَرَى الظَّالِمِينَ المشركين يوم القيامة مُشْفِقِينَ وجلين. مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي نازل بهم لا محالة. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٣]
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
ذلِكَ الَّذِي ذكرت من نعيم الجنّات. يُبَشِّرُ اللَّهُ به. عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنّهم أهله.
(٢) ولعلها: نعمته.
(٣) سورة القمر: ٤٦.
قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق، وليس في يديه سعة لذلك، قالت الأنصار: إنّ هذا الرجل قد هداكم الله به، وهو ابن أختكم، منوبة به. فقالوا له: يا رسول الله إنّك ابن أختنا، وقد هدانا الله على يديك، وتنوبك نوائب وحقوق، ولست لك عندها سعة، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا، فنأتيك به، فتستعين به على ما ينوبك وها هو ذا، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمّدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يحثهم على مودته، ومودّة أقربائه
، وهذا التأويل أشبه بظاهر الآية والتنزيل لأنّ هذه السورة مكّية، واختلف العلماء في معنى الآية.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه بقراءتي عليه، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، حدثنا أبو بكر الأزدي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا أسألكم على ما أتيتكم من البينات والهدى أجرا إلّا أن تودّوا الله تعالى، وتقرّبوا إليه بطاعته» [١٧٠] «١».
وإلى هذا ذهب الحسن البصري، فقال: هو القربى إلى الله تعالى، يقول إلّا التقرب إلى الله تعالى والتودّد إليه بالطاعة والعمل الصالح،
وروى طاوس والشعبي والوالبي والعوفي عن ابن عباس، قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلّا وبين رسول الله وبينهم قرابة، فلما كذّبوه وأبوا أن يبايعوه، أنزل الله تعالى، قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني أن تحفظوني وتودّوني وتصلوا رحمي، فقال رسول الله: «إذا أبيتم أن تبايعوني، فاحفظوا قرابتي فيكم ولا تؤذوني، فإنّكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني «٢» » [١٧١].
وإليه ذهب أبو مالك وعكرمة ومجاهد والسدي والضحاك وابن زيد وقتادة، وقال بعضهم:
معناه إلّا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب.
ثمّ اختلفوا في قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الّذين أمر الله تعالى بمودتهم.
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه الثقفي العدل، حدثنا برهان بن علي الصوفي، حدثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، حدثنا حرب بن الحسن الطحان، حدثنا حسين الأشقر، عن قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟
قال: «علي وفاطمة وأبناءهما «٣» » [١٧٢]
، ودليل هذا التأويل ما
أخبرنا أبو منصور
(٢) جامع البيان للطبري: ٢٥/ ٣١.
(٣) مجمع الزوائد: ٧/ ١٠٣
حدثنا أبو منصور الجمشاذي، حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد، حدثنا أبو العباس محمد بن همام، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن رزين، حدثنا حسان بن حسان، حدثنا حماد بن سلمة ابن أخت حميد الطويل، عن علي بن زيد بن جدعان، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنّه قال لفاطمة: «ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فالقى عليهم كساء فدكيا، ثمّ رفع يديه عليهم، فقال: اللهم هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، فإنك حميد مجيد». قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فاجتذبه وقال: «إنّك على خير» [١٧٤] «٢»..
وروى أبو حازم عن أبي هريرة، قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: «أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم «٣» » [١٧٥].
أخبرنا عقيل بن محمّد، أخبرنا المعافا بن زكريا بن المبتلي، حدثنا محمّد بن جرير، حدثني محمّد بن عمارة، حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا الصياح بن يحيى المزني، عن السدي، عن أبي الديلم، قال: لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا فأقيم على درج دمشق، وقام رجل من أهل الشام، فقال: الحمد لله الّذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال علي بن الحسين:
أقرأت القرآن؟
قال: نعم. قال: قرأت أل حم؟ قال: قرأت القرآن، ولم أقرأ أل حم. قال: ما قرأت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. قال: وإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم» [١٧٦].
أخبرنا الحسين بن العلوي الوصي، حدثنا أحمد بن علي بن مهدي، حدثني أبي، حدثنا علي بن موسى الرّضا، حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثنا أبي جعفر بن محمد الصادق، قال:
كان نقش خاتم أبي محمد بن علي:
ظنّي بالله حسن... وبالنبي المؤتمن
وبالوصي ذي المنن... والحسين والحسن.
أنشدنا محمد بن القاسم الماوردي، أنشدني محمد بن عبد الرّحمن
(٢) مسند احمد: ٦/ ٣٢٣.
(٣) سنن الترمذي: ٥/ ٣٦٠.
إن كان حبّي خمسة... زكت بهم فرائضي
وبغض من عاداهم... رفضا فإنّي رافضي «١»
وقيل: هم ولد عبد المطلب. يدلّ عليه ما
حدثنا أبو العباس سهل بن محمد بن سعيد المروزي، حدثنا أبو الحسن المحمودي، حدثنا أبو جعفر محمد بن عمران الأرسابندي حدثنا هديّة بن عبد الوهّاب، حدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن زياد اليمامي، عن إسحاق بن أبي عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنّة، أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي «٢» » [١٧٧].
علي بن موسى الرضا: حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثني أبي جعفر بن محمد، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن الحسين، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «حرمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها، فأنا أجازيه غدا إذا لقيني في يوم القيامة» [١٧٨] «٣».
وقيل: الّذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب الّذين لم يقترفوا في جاهلية ولا إسلام. يدل عليه قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى «٤»، وقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى «٥»، وقوله: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ «٦».
أخبرنا عقيل بن محمّد إجازة، أخبرنا أبو الفرج البغدادي، حدثنا محمّد بن جدير، حدثنا أبو كرير، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلم حدثني يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس، قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا فكأنهم مخزوك، فقال ابن عباس أو العباس: شل عبد السلم لنا الفضل عليكم. [فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم. فقال: «يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «أفلا تجيبوني؟». قالوا: ما نقول يا رسول
(٢) سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٦٨.
(٣) تفسير القرطبي: ١٦/ ٢٢.
(٤) سورة الأنفال: ٤١.
(٥) سورة الحشر: ٧.
(٦) سورة الإسراء: ١٧.
قال: فما زال يقول حتّى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله تعالى ولرسوله. قال: فنزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [١٧٩] «١».
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمزة، حدثنا عبيد بن شريك البزاز، حدثنا سلمان بن عبد الرّحمن بن بنت شرحبيل، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا يحيى بن بشير الأسدي، عن صالح بن حيان الفزاري عبد الله بن شداد بن الهاد عن العباس ابن عبد المطلب إنّه، قال: يا رسول الله ما بال قريش يلقى بعضهم بعضا بوجوه تكاد أن تسايل من الود، ويلقوننا بوجوه قاطبة، تعني باسرة عابسة، فقال رسول الله (عليه السلام) :
«أويفعلون ذلك؟». قال: نعم، والّذي بعثك بالحقّ. فقال: «أمّا والّذي بعثني بالحقّ، لا يؤمنوا حتّى يحبّوكم لي» [١٨٠] «٢».
وقال قوم: هذه الآية منسوخة فإنّما نزلت بمكّة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمرهم فيها بمودة رسول الله وصلة رحمه. فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار وعزروه ونصروه أحبّ الله تعالى أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء (عليهم السلام) حيث قالوا: وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ «٣»، فأنزل الله تعالى عليه قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ «٤»، فهي منسوخة بهذه الآية وبقوله: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ «٥»، وقوله: وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ «٦»، وقوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ «٧»، وقوله: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ «٨» وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل.
وهذا قول غير قوي ولا مرضي، لأنّ ما حكينا من أقاويل أهل التأويل في هذه الآية لا يجوز أن يكون واحد منها منسوخا، وكفى فتحا بقول من زعم إنّ التقرب الى الله تعالى بطاعته ومودة نبيه وأهل بيته منسوخ.
(٢) المصنف: ٧/ ٥١٨، العجم الكبير: ١١/ ٣٤٣، كنز العمال: ١٣/ ٥١٤.
(٣) سورة الشعراء: ١٠٩.
(٤) سورة سبأ: ٤٧.
(٥) سورة ص: ٨٦.
(٦) سورة المؤمنون: ٧٢. [.....]
(٧) سورة يوسف: ١٠٤.
(٨) سورة الطور: ٤٠.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الأصبهاني، أخبرنا أبو عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين البلخي، حدثنا يعقوب بن يوسف بن إسحاق، حدثنا محمد بن أسلم الطوسي، حدثنا يعلي بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيد، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألّا ومات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد بشره ملك الموت بالجنّة ثم منكرا ونكيرا، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله تعالى زوار قبره ملائكة الرحمن، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان من الجنّة. ألّا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، ألّا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافرا، ألّا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة» [١٨١] «١».
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً يكتسب طاعة. نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً بالضعف. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ. أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا ابن حنش المقري، حدثنا أبو القاسم بن الفضل، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا إسماعيل بن موسى، حدثنا الحكم بن طهر، عن السدّي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً، قال: المودة لآل محمّد صلّى الله عليه وسلم «٢».
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٨]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)
أَمْ يَقُولُونَ يعني كفّار مكّة. افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً. فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ.
قال مجاهد: يعني يربط عليه بالصبر حتّى لا يشق عليك أذاهم، وقال قتادة: يعني يطبع على قلبك فينسيك للقرآن، فأخبرهم إنّه لو افترى على الله لفعل به ما أخبرهم في الآية.
ثمّ ابتدأ، فقال عزّ من قائل: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ. قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير.
(٢) العمدة لابن بطريق عن المصنف: ٥٥ ح ٥٣، ونظم درر السمطين: ٨٦، والكامل لابن عدي: ٢/ ٢٠٩ ترجمة الحكم بن ظهير الفرازي.
وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ. [.......] «٣». إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
قال ابن عباس:
لما نزلت لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... وقع في قلوب قوم منها شيء، وقالوا: ما يريد إلّا أن يحثنا على أقاربه من بعده. ثمّ خرجوا، فنزل جبريل (عليه السلام) فأخبره إنّهم اتهموه وأنزل هذه الآية، فقال القوم: يا رسول الله فإنّا نشهد إنّك صادق، فنزل وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ
واختلفت عبارات العلماء في حقيقة التوبة وشرائطها.
أخبرنا الإمام أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب بقراءته عليّ. في شهور سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، حدثنا محمّد بن سليمان بن منصور، حدثنا محمّد مسكان بن جبلة بساوة.
أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي داود عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: دخل إعرابي مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: اللهمّ إنّي استغفرك وأتوب إليك، سريعا وكبّر، فلما فرغ من صلاته قال له علي: يا هذا إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة، قال: يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معاني: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما أذبتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كلّ ضحك ضحكته.
وسمعت الحسن بن محمّد بن الحسن، يقول: سمعت إبراهيم بن يزيد، يقول: سمعت حسن بن محمّد الترمذي يقول: قيل لأبي بكر محمّد بن عمر الوراق: متى يكون الرجل تائبا؟
فقال: إذا رجع إلى الله فراقبه واستحياه وخاف نقمته فيما عصاه، والتجاء إلى رحمته فرجاه، وذكر حلمه في ستره فأبكاه، وندم على مكروه أتاه، وشكر ربّه على ما أتاه، وفهم عن الله وعظه فوعاه، وحفظ عهده فيما أوصاه.
وسمعت الحسن بن محمّد بن حبيب، يقول: سمعت أبا منصور محمّد بن محمّد بن سمعان المذكر، يقول: سمعت أبا بكر بن الشاه الصوفي الفارسي، يقول: سئل الحرب بن أسد المحاسبي: من التائب؟ فقال: من رأى نفسه من الذنوب معصوما، وللخيرات موفقا، ورأى الفرح من قلبه غائبا والحزن فيه باقيا، وأحبّه أهل الخير، وهابه أهل الشّر، ورأى القليل من الدّنيا كثيرا، ورأى الكثير من عمل الآخرة قليلا، ورأى قلبه فارغا من كلّ ما ضمن له، مشتغلا
(٢) سورة العلق: ١٨.
(٣) بياض في المخلوط.
وقال السري بن المغلس السقطي: التوبة صدق العزيمة على ترك الذنوب، والإنابة بالقلب إلى علام الغيوب، والندامة على ما فرط من العيوب، والاستقصاء في المحاسبة مع النفس بالاستكانة والخضوع.
وقال عمرو بن عثمان: ملاك التوبة إصلاح القوت.
وسمعت أبا القاسم بن أبي بكر بن عبد الله البابي، يقول: سمعت أبا يعلي حمزة بن وهب الطبري، يقول: سمعت الحسن بن علوية الدامغاني، يقول: سمعت يحيى بن معاذ، وسئل: من التائب؟ فقال: من كسر شبابه على رأسه وكسر الدّنيا على رأس الشيطان، ولزم الفطام حتّى أتاه الحمام.
وقال سهل بن عبد الله: التوبة، الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة، وسئل ابن الحسن البوشيخي: عن التوبة؟ فقال: إذا ذكرت الذنب فلا تجد حلاوته في قلبك.
وقال الراعي: التوبة ترك المعاصي نية وفعلا، والإقبال على الطاعة نية وفعلا، وسمعت أبا القاسم الحبيبي، يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عماد البغدادي، يقول: سئل جنيد: من التائب؟
فقال: من تاب عما دون الله.
وقال شاه الكرماني «١» : اترك الدّنيا وقد تبت وخالف هواك وقد وصلت، ويعفو عن السيئات إذا تابوا فيمحوها.
أخبرنا الحسن بن محمّد بن الحسن بن جعفر، حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن سواد، حدثنا عطية بن لفته، حدثنا أبي، حدثنا الزبيري، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد، ومن العقيم الوالد، ومن الظمآن الوارد. فمن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض خطاياه وذنوبه «٢» ». أو قال: «ذنوبه وخطاياه» [١٨٢].
وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ. قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف بالتاء، وهي قراءة عبد الله وأصحابه، ورواية حفص عن عاصم غيرهم بالياء، وهي اختيار أبي عبيد، قال: لأنّه لمن خبرني عن قوم. قال قبله: عَنْ عِبادِهِ، وقال بعده: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
(٢) كنز العمال: ٤/ ٢٠٥/ ح ١٠١٦٦.
جعل الفعل للّذين آمنوا، وقال الآخرون: وَيَسْتَجِيبُ الله الَّذِينَ آمَنُوا جعلوا الإجابة فعل الله تعالى، وهو الأصوب والأعجب إليّ لأنّه وقع بين فعلين لله تعالى: الأول قوله: يَقْبَلُ والثاني وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، ومعنى الآية: ويجيب الله المؤمنين إذا دعوه، وقيل: معناه نجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض.
أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا مكي بن عبدان، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا أبو معاوية بن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبره، قال: خطبنا معاذ بالشام، فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنّة والله إنّي لأرجو أن يدخل الجنّة من تسبون من فارس والرّوم وذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل، قال: أحسنت يرحمك الله أحسنت بارك الله فيك ويقول الله سبحانه وتعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ.
أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثني أبو أحمد عبد الله بن أحمد الزعفراني الهمذاني، حدثنا محمد بن الحسين بن قتيبة بعسقلان، حدثنا محمد بن أيوب بن سويد، حدثني أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، قال: تشفّعهم في إخوانهم. وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. قال: في إخوان إخوانهم.
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ. الآية نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنوا سعة الدّنيا والغنى. قال خباب بن لادن: فينا نزلت هذه الآية وذلك إنّا نظرنا إلى بني قريظة والنضير وبني القينقاع، فتمنيناها فأنزل الله تعالى وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ أي وسع الرزق لعباده.
لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أي لطغوا وعصوا. قال ابن عباس: بغيهم ظلما، منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس.
أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم التبستاني الإصبهاني، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن العباس العصمي الهروي، أخبرني محمد بن علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن صالح الكرابيسي، يقول: سمعت قصير بن يحيى يقول: قال: شقيق بن إبراهيم في قول الله تعالى:
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا، قال: لو رزق الله العباد من غير كسب وتفرغوا عن المعاش والكسب لطغوا في الأرض وبغوا وسعوا في الأرض فسادا، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمة منه وامتنانا.
وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ أرزاقهم بِقَدَرٍ ما يَشاءُ لكفايتهم. قال مقاتل: وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ فجعل واحدا فقيرا وآخرا غنيا.
وذكر لنا إنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف على أمتي، زهرة الدّنيا وكثرتها «١» » [١٨٣].
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا أبو جعفر محمد بن الغفار الزرقاني، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي، حدثنا صدقة بن عبد الله، حدثنا عبد الكريم الجزري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، عن جبريل (عليه السلام)، عن ربّه عزّ وجلّ قال: «من أهان لي وليّا، فقد بارزني بالمحاربة، وإنّي لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، وإنّي لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره إساءته، ولا بد له منه، «٢» فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا، إن سألني أعطيته وإن دعاني استجبت له وإنّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة، ولو أعطيته إياه دخله العجب فأفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين، لمن لا يصلحه إلّا السقم ولو صححته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلّا الصحّة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلّا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلّا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك. إنّي أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إنّي عليم خبير» «٣».
قال صدقة: وسمعت أبان بن أبي عياش يحدث بهذا الحديث، عن أنس بن مالك ثمّ يقول: اللهمّ إنّي من عبادك المؤمنين الّذين لا يصلحهم إلّا الغنى فلا تفقرني.
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعني المطر، سمي بذلك لأنّه يغيث النّاس أي يجيرهم ويصلح حالهم.
قال الأصمعي: مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا، فسألت عجوز منهم، كم أتاكم المطر؟ فقالت: غثنا ما شئنا.
مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ويبسط مطره نظيره قوله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ «٤».
أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا أبو الأزهر، حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة قال:
(٢) في المصدر: وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.
(٣) تفسير القرطبي: ١٦/ ٢٨.
(٤) سورة الأعراف: ٥٧.
قال: مطرتم، ثمّ قال: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ.
وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٩ الى ٣٧]
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ. وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ من الإجرام والآثام. وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ منها فلا يؤاخذكم بها.
وقرأ أهل المدينة والشام (بما) بغير (فاء)، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون فَبِما، بالفاء، وكذلك في مصاحفهم وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
أخبرنا الحسين بن محمد المقري، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب، حدثنا رضوان بن أحمد، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلّا بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر» [١٨٤] «١».
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا بشر بن موسى الأسدي، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا مروان بن معاوية، حدثني الأزهر بن راشد الكاهلي، عن الخضر بن القواس العجلي، عن أبي سخيلة، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، قال: «وسأفسرها لك يا عليّ: ما أصابكم في الدنيا من بلاء أو
قال: بإسناده عن خلف بن الوليد، عن المبرك بن فضالة، عن الحسن، قال: دخلنا على عمران بن الحصين في مرضه الشديد الّذي أصابه، فقال رجل منّا: إنّي لا بد أن أسألك عما أرى من الوجع بك، فقال عمران: يا أخي لا تفعل فو الله أن أحبّه إليّ أحبّه إلى الله تعالى. قال الله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. هذا بما كسبت يداي وعفو ربّي تعالى فيما بقي.
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا موسى بن محمّد بن علي، حدثنا جعفر بن محمد الفرماني، حدثنا أبو خثيمه مصعب بن سعيد، حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني، قال: رأيت على ظهر كف شريح قرحة، قلت: يا أبا أمامة ما هذا؟ قال:
فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.
أخبرنا الحسين بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني إبراهيم بن الحسن الباهلي المقري، حدثنا حمّاد بن زيد أبو إسماعيل عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: لما ركبه الدّين اغتمّ لذلك، فقال: إنّي لأعرف هذا العلم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا موسى بن محمد، حدثنا أبو بشر أحمد بن بشر الطيالسي، حدثني بعض أصحابنا، عن أحمد بن الحواري، قال: قيل لأبي سلمان الدارابي: ما بال العقلاء أزالوا اللّوم عمن أساء إليهم؟ قال: لأنّهم علموا أنّ الله تعالى إنّما ابتلاهم بذنوبهم، قال الله تعالى: ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «٢».
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا محمد بن عبد الله بن [برزة]، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «إذا أراد الله تعالى بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا، وإذا أراد الله بعبده الشّر أمسك عليه بذنبه حتّى يوافي به يوم القيامة»
[١٨٦] «٣».
وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلّا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلّا بها، أو درجة لم يكن الله ليبلّغه إلّا بها.
(٢) زاد المسير: ٧/ ٨١، وتفسير القرطبي: ١٦/ ٣١.
(٣) سنن الترمذي: ٤/ ٢٧.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ هربا. وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ يعني السّفن، واحدتها جارية وهي السائرة في البحر، قال الله تعالى: حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ «٣».
فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ أي الجبال، مجاهد: القصور، واحدها علم.
وقال الخليل بن أحمد: كلّ شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به | كأنّه علم في رأسه نار «٤» |
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ يهلكهنّ. بِما كَسَبُوا أي بما كسب أصحابها وركبانها من الذنوب. وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ فلا يعاقب عليها ويعلم.
قرأ أهل المدينة والشام بالرفع على الاستئناف كقوله في سورة براءة: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ «٥»، وقرأها الآخرون نصبا على الصرف كقوله تعالى: وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «٦» صرف من حال الجزم إلى النصب استحقاقا وكراهة لعوال الجزم، كقول النابغة:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك | ربيع النّاس والشهر الحرام |
ونمسك بعده بذناب عيش | أجبّ الظهر له سنام «٧» |
لا تنه عن خلق وتأتي مثله | عار عليك إذا فعلت عظيم «٨» |
(٢) المصنف لابن أبي شيبة: ٧/ ١٦٢، وتفسير القرطبي: ١٦/ ٣٠، وتفسير ابن كثير: ٤/ ١٢٦.
(٣) سورة الحاقة: ١١.
(٤) بلاغات النساء: ٣١، مجمع البحرين: ٢/ ٥٨٩.
(٥) سورة التوبة: ١٥.
(٦) سورة آل عمران: ١٤٢.
(٧) جامع البيان للطبري: ٢٥/ ٤٦.
(٨) الصحاح: ٣/ ١١٧٤.
قرأ يحيى بن رئاب وحمزة والكسائي وخلف هاهنا وفي سورة النجم (كبير) على التوحيد وفسروه الشرك عن ابن عباس، وقرأ الباقون كَبائِرَ بالجمع في السورتين، وقد بينا اختلاف العلماء في معنى «الكبائر» والفواحش. قال السدّي: يعني الزنا، وقال مقاتل: موجبات الخلود.
وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يتجاوزون ويتحملون.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٨ الى ٥٠]
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وقيل هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. حين لامه النّاس على إنفاق ماله كلّه، وحين شتم فحلم.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبيد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا إسحاق بن صدقة، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا سيف بن عمر، عن عطية، عن أيوب، عن علي رضي الله عنه قال: اجتمع لأبي بكر رضي الله عنهما مال مرة فتصدق به كلّه في سبيل الخير، فلامه المسلمون وخطّأه الكافرون، فأنزل الله تعالى: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا... إلى قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ينتقمون من ظالميهم من غير أن يعتدوا.
وقال مقاتل: هذا في المجروح ينتصر من الجارح فيقتص منه. قال إبراهيم: في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفو له.
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها سمي الجزاء باسم الابتداء وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال ابن نجيح: هو أن يجاب قائل الكلمة القبيحة بمثلها، فإذا قال: أخزاه الله. يقول له: أخزاه الله، وقال السدّي: إذا شتمك بشتمة فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا ابن حنش المقري، حدثنا أبو القاسم بن الفضل، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: ما قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أن يشتمك رجل فتشتمه؟، أو أن يفعل بك فتفعل به؟ فلم أجد عنده شيئا فسألت هشام بن حجير عن هذه الآية، فقال: الجارح إذا جرح تقتص منه وليس هو أن يسبك فتسبه.
وقال سفيان: وكان ابن شبرمة يقول: أليس بمكّة مثل هشام بن حجير فَمَنْ عَفا فلم ينتقم.
قال ابن عباس: فمن ترك القصاص وَأَصْلَحَ، وقال مقاتل: وكان العفو من الأعمال الصالحة فأجره على الله.
قال ابن فنجويه العدل، حدثنا محمد بن الحسن بن بشر، أخبرنا أبو العباس محمد بن جعفر بن ملاس الدمشقي، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن بشر القريشي، حدثنا زهير بن عباد المدائني، حدثنا سفيان بن عينية عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من كان له على الله أجر، فليقم، قال: فيقوم عنق كثير. قال: فقال:
ما أجركم على الله، فيقولون: نحن الّذين عفونا عمّن ظلمنا، وذلك قوله تعالى: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فيقال لهم: ادخلوا الجنّة بإذن الله» [١٨٧] «١».
إِنَّهُ إنّ الله لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. قال ابن عباس: الّذين يبدءون بالظلم. لقوله تعالى:
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ. فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ.
مبتدئين به. وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ.
فلم يكاف. إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وحزمها. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ يهديه أو يمنعه من عذاب الله.
مِنْ سَبِيلٍ وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها أي على النّار خاشِعِينَ خاضعين متواضعين مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ذليل قد خفي من الذّلّ. قاله ابن عباس، وقال مجاهد وقتادة والسدّي والقرظي: سارقو النظر.
واختلف العلماء باللغة في وجه هذه الآية، فقال يونس: من بمعنى الياء، مجازه: بطرف خفيّ، أي ضعيف من الذل والخوف، وقال الأخفش: الطرف العين، أي ينظرون من عين ضعيفة، وقيل: إنّما قال: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ لأنه لا يفتح عينه إنّما ينظر ببعضها، وقيل معناه:
ينظرون إلى النّار بقلوبهم لأنّهم يحشرون عميا، والنظر بالقلب خفيّ.
وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ دائم. وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ طريق للوصول «١» إلى الحقّ في الدّنيا والجنّة في العقبى، قد انسدت عليه طرق الخير. اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ بالإيمان والطاعة. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ. ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ معقل. يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ منكم يغير ما بكم.
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً فلا يكون له ولد ذكر.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا محمد بن الحسين الفرج، حدثنا أحمد بن الخليل القومي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حكيم بن حزام أبو سمير، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذّكر، وذلك إنّ الله تعالى يقول: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ
. ألا ترى إنّه بدأ بالإناث قبل الذّكور»
[١٨٨] «٢».
وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ فلا يكون له أنثى. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً يجمع بينهما فيولد له الذّكور والإناث. تقول العرب: زوّجت وزوجت الصغار بالكبار. أي قرنت بعضها ببعض.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا طلحة وعبيد، قالا: حدثنا ابن مجاهد، حدثنا الحسين بن علي ابن العباس، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبيد الله، عن إسماعيل بن سلمان، عن أبي عمر،
(٢) كنز العمال: ١٦/ ٦١١/ ح ٤٦٠٤٦، وتفسير القرطبي: ١٦/ ٤٨ بتفاوت في المصدرين. [.....]
وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فلا يلد ولا يولد له.
أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، في قول الله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً قال: نزلت في الأنبياء (عليهم السلام) ثمّ عمّت، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعني لوطا (عليه السلام) لم يولد له ذكر إنّما ولد له ابنتان. وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ويعنى إبراهيم (عليه السلام) لم يولد له أنثى أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً يعني النبي صلّى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً يعني يحيى وعيسى (عليهم السلام).
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.
أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد بن محمد المخلدي إملاء، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك ابن محمد بن عدي، حدثنا عمار بن رجاء وعلي بن سهل بن المغيرة، قالا: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن وهب، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا أبو حمزة السّكري المروزي، عن إبراهيم الصائغ عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة «رضي الله عنها».
قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ أولادكم هبة [الله] لكم يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ [فهم] وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها» [١٨٩] «١».
قال علي بن الحسن: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث «٢».
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ الآية وذلك
إنّ اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فإنّا لا نؤمن لك حتّى تفعل ذلك. فقال صلّى الله عليه وسلم: «لم «٣»
(٢) كذا في المخطوط، ولم نجده في المصادر، وعلي بن الحسن هو ابن شقيق راوي الحديث.
(٣) أسباب نزول الآيات: ٢٥٢، زاد المسير: ٧/ ٨٧.
إِلَّا وَحْياً يوحي إليه كيف يشاء إما بالإلهام أو في المنام. أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ بحيث يسمع كلامه ولا يراه كما كلم موسى (عليه السلام) أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا. إليه من ملائكة، إما جبريل وإما غيره. فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ.
قرأ شيبة ونافع وهشام (أَوْ يُرْسِلُ) برفع اللام على الابتداء (فَيُوحِي) بإسكان الياء، وقرأ الباقون بنصب اللام والياء عطفا بهما على محلّ الوحي لأنّ معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلّا أن يوحي أو يرسل.
إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَكَذلِكَ أي وما أوحينا إلى سائر رسلنا كذلك. أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا. قال الحسن: رحمة. ابن عباس: نبوة. السدّي: وحيا. الكلبي: كتابا. ربيع:
جبريل. ملك بن دينار: يعني القرآن، وكان يقول: يا أصحاب القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإنّ القرآن ربيع القلوب كما الغيث ربيع الأرض.
ما كُنْتَ تَدْرِي قبل الوحي. مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ يعني شرائع الإيمان ومعالمه.
وقال أبو العالية: يعني الدعوة إلى الإيمان، وقال الحسين بن الفضل: يعني أهل الإيمان من يؤمن ومن لا يؤمن، وقال محمد بن إسحاق بن جرير: الإيمان في هذا الموضع الصلاة.
دليله قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «١».
وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً وحّد الكتابة وهما اثنان: الإيمان والقرآن لأن الفعل في كثرة أسمائه بمنزلة الفعل، ألا ترى إنّك تقول إقبالك وإدبارك يعجبني فيوحّدوه وهما اثنان.
وقال ابن عباس: (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) يعني الإيمان، وقال السدّي: يعني القرآن.
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي لترشد وتدعوا. إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، حدثنا أحمد بن محمد بن شاذان، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا صالح بن محمد، قال: سمعت أبا معشر يحدّث، عن سهل بن أبي الجعداء وغيره. قال: احترق مصحف فلم يبق إلّا قوله سبحانه وتعالى: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ وغرق مصحف فامتحى كلّ شيء فيه إلّا قوله: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ.