مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة.
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
(يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتفقا | أرْعى النجومَ إلى أنْ نوَّرَ الفَلَقُ.) |
(يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا | إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا) |
(أعوذ بربي من النافثا | تِ في عِضَه العاضه المعْضِه) |
(نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى | من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ.) |
(قد كان قومُك يَحْسبونك سيّدا | وإخال أنك سيدٌ مَعْيونُ) |
بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : أن شر ما خلق جهنم، قاله ثابت البناني.
الثاني : إبليس وذريته، قاله الحسن.
الثالث : من شر ما خلق في الدنيا والآخرة، قاله ابن شجرة.
وفي هذا الشر وجهان :
أحدهما : أنه محمول على عمومه في كل شر.
الثاني : أنه خاص في الشر الذي يستحق المصاب به الثواب.
أحدها : يعني الشمس إذا غربت، قاله ابن شهاب.
الثاني : القمر إذا ولج، أي دخل في الظلام.
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم نظر إلى القمر فقال :" يا عائشة، تعوذي بالله من شر غاسقٍ إذا وقب، وهذا الغاسق إذا وقب " ١.
الثالث : أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.
الرابع : أنه الليل ؛ لأنه يخرج السباع من آجامها، والهوام من مكامنها، ويبعث أهل الشر على العبث والفساد، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، قال الشاعر :
يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا | إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا |
فعلى تأويله أنه الليل في قوله :﴿ إذا وقب ﴾أربعة تأويلات :
أحدها : إذا أظلم، قاله ابن عباس.
الثاني : إذا دخل، قاله الضحاك.
الثالث : إذا ذهب، قاله قتادة.
الرابع : إذا سكن، قاله اليمان بن رئاب.
٢ هكذا في الأصل. وفي اللسان –غسق: الغسق هملان العين بالعمش والماء..
أعوذ بربي من النافثا | تِ في عِضَه العاضه المعْضِه١ |
نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى | من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ. |
والنفث : النفخ في العقد بلا ريق، والتفل : النفخ فيها بريق.
وفي ﴿ شر النفاثات في العقد ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه إيهام للأذى، وتخيل للمرض من غير أن يكون له تأثير في الأذى والمرض، إلا استشعار ربما أحزن، أو طعام ضار ربما نفذ بحيلة خفية.
الثاني : أنه قد يؤذي بمرض لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور، فيؤثر فيه كتأثير العين، وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله.
الثالث : أنه قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن، يمتحن الله بعض عباده.
فأما المروي من سحر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أثبته أكثرهم، وأن قوماً من اليهود سحروه، وألقوا عقدة سحره في بئر حتى أظهره الله عليها.
روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى شكوى شديدة، فبينا هو بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما : ما شكواه ؟ فقال الآخر : مطبوب، ( أي مسحور، والطب : السحر ) قال : ومن طبّه ؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي، فطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر فاستخرج السحر منها، ويروى أن فيه إحدى عشرة عقدة، فأمر بحل العقد، فكان كلما حل عقدة وجد راحة، حتى حلت العقد كلها، فكأنما أنشط من عقال، فنزلت عليه المعوذتان، وهما إحدى عشرة آية بعدد العقد، وأمر أن يتعوذ بهما٢.
وأنكره آخرون، ومنعوا منه في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن صح في غيره، لما في استمراره عليه من خبل العقل، وأن الله تعالى قد أنكر على من قال في رسوله حيث يقول :﴿ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ﴾.
وقد جاء البيت في اللسان مادة عضه، غير منسوب..
٢ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة والبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن سعد والحكام وعبد ابن حميد وابن مردويه. وقال ابن القيم: هذا الحديث ثابت عند أهل العلم..
وفي الاستعاذة من شر حاسد إذا حسد وجهان :
أحدهما : من شر نفسه وعينه، فإنه ربما أصاب بها فعان وضر، والمعيون المصاب بالعين، وقال الشاعر :
قد كان قومُك يَحْسبونك سيّدا | وإخال أنك سيدٌ مَعْيونُ |
وافتتح السورة ب " قُلْ " ؛ لأن الله تعالى أمر نبيه أن يقولها، وهي من السورة لنزولها معها، وقد قال بعض فصحاء السلف : احفظ القلاقل، وفيه تأويلان :
أحدهما : قل " قل " في كل سورة ذكر في أوائلها ؛ لأنه منها.
والثاني : احفظ السورة التي في أولها " قل "، لتأكيدها بالأمر بقراءتها.