تفسير سورة الإسراء

جهود ابن عبد البر في التفسير
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير .
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٢٨٦- قال الله- عز وجل- :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ﴾، فهذا١ رباعي، وقال امرؤ القيس :
سريت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان٢
وهذا ثلاثي، وقرىء : " أن اسر بعبادي "، بالوصل والقطع على الثلاثي والرباعي جميعا. وقال النابغة :
أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد٣
فجمع بين اللغتين، والسرى : مشي الليل وسيره، وهي لفظة مؤنثة. ( ت : ٦/٣٨٩-٣٩٠ )
١ أي "أسرى"..
٢ لا يوجد في الديوان المطبوع..
٣ الديوان: ١٨..
٢٨٧- قال الله- عز وجل- :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾ بمعنى فعليها. ( ت : ٢١/٢٢١-٢٢٢ )
٢٨٨- قد يكون السعي في كلام العرب : العمل، من ذلك قوله :﴿ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ﴾، و﴿ إن سعيكم لشتى ﴾١، ونحو هذا كثير.
ذكر سنيد، قال : حدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، قال : السعي : العمل. ( س : ٤/٣٦ )
١ سورة الليل: ٤..
٢٨٩- قال عروة في قوله تعالى :﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾ هو ألا يمنعهما من شيء أراداه١. ( بهجة المجالس : ٢/٧٥٨ )
١ انظر جامع البيان: ١٥/٦٦..
٢٩٠- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، أخبرنا قاسم بن أصبغ، أخبرنا أحمد بن زهير بن أصفهاني، قال : أخبرنا عفيف بن سالم الموصلي، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم في قوله :﴿ ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ﴾، قال : في العلم. ( جامع البيان العلم وفضله : ١/٥٧-٥٨ )
٢٩١- قال عكرمة في قول الله- عز وجل- :﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ﴾، قال : أري إبراهيم وموسى، وعيسى، فذكر أن عيسى، رجل أبيض نحيف مبطن، كأنه عروة بن مسعود. ( س : ٢٦/٢٣٥ )
٢٩٢- قال أبو عمر : أكثر أهل العلم بالتأويل يقولون في قول الله- عز وجل- :﴿ وشاركهم في الأموال ﴾، قالوا : الإنفاق في الحرام، ﴿ والأولاد ﴾، قالوا : الزنا١. ( ت : ١١/١١٥-١١٦ )
١ انظر المصدر السابق: ١٥/١١٩-١٢٠..
٢٩٣- قال مالك : أوقات الصلاة في كتاب الله تعالى قوله تعالى :﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ يعني : الظهر والعصر، ﴿ إلى غسق الليل ﴾، يعني : المغرب والعشاء، و{ وقرءان الفجر، يعني : صلاة الفجر١. ( س : ١/١٨٨ )
وقد قال ذلك قبله جماعة من العلماء بتأويل القرآن، منهم : ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وغيرهم.
٢٩٤- دلوكها٢ : ميلها عند أكثر أهل العلم، ومنهم من قال : دلوكها : غروبها، واللغة محتملة للقولين، والأول أكثر. ( س : ١/١٩٠ )
٢٩٥- معنى :﴿ قرءان الفجر ﴾، القراءة في صلاة الفجر، لأن أهل العلم قالوا في تأويل هذه الآية : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وليس في هذا دفع لاجتماعهم في صلاة العصر ؛ لأن المسكوت عنه قد يكون في معنى المذكور سواء، ويكون بخلافه، وهذا باب من أصول قد بيناه في غير هذا الموضع٣.
ذكر بقي بن مخلد، قال : حدثنا سفيان بن وكيع، قال : حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله تعالى :﴿ وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا ﴾، قال : صلاة الفجر يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار، وذكر ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن زكرياء، عن أبي إسحاق، عن مسروق مثله.
وذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا ابن فضيل، عن ضرار بن مرة، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن أبي عبيدة٤ في قوله :﴿ وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا ﴾، قال : يشهده حرس الليل وحرس النهار من الملائكة في صلاة الفجر.
وذكر بقي قال : حدثنا محمد بن المثنى، قال : حدثنا محمد بن جعفر، قال : حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، أنه قال في هذه الآية :﴿ وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا ﴾، قال : تدارك الحرسان، اقرأوا إن شئتم :﴿ وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا ﴾، قال : تنزل ملائكة النهار، وتصعد ملائكة الليل. ( ت : ١٩/٥١ )
١ انظر تفسيره المجموع من طرف الأستاذ حميد لاحمر: ٢٦٣..
٢ أي: الشمس..
٣ الثابت أن الحافظ ابن عبد البر ألف كتابا في علم أصول الفقه، وهذا ما أشار إليه في بعض كتبه المطبوعة، انظر مثلا الاستذكار: ٦/٢٥٣، لكن مع الأسف أن هذا المؤلف لازال في حكم المفقود..
٤ هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي. وروى عن أبيه شيئا، وأرسل عنه أشياء، وعن أبي موسى الأشعري وعائشة، وكعب بن عجرة وجماعة وعنه إبراهيم النخعي، وسالم الأفطس، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون، توفي سنة ٨١هـ انظر طبقات ابن سعد: ٦/٢١٠. وسير أعلام النبلاء: ٤/٤٦٣..
٢٩٦- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو أمية الطرسوسي، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد :﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾، قال : يوسع له على العرش فيجلسه معه، وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم، فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود، الشفاعة١. ( ت : ٧/١٥٧-١٥٨. وانظر س : ٨/١٣٦ )
١ وهو ما اختاره ابن جرير، انظر جامع البيان: ١٥/١٤٥..
٢٩٧- قيل في الروح المذكور في هذه الآية : إنه جبريل عليه السلام- وقيل هم خلق من خلق الله، وقيل غير ذلك١. وكذلك اختلف في الذين عنوا بقوله :﴿ وما أتيتم من العلم إلا قليلا ﴾، قيل : أراد اليهود السائلين عن الروح، لأنهم زعموا أن التوراة علم كل شيء، فأنزل الله :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ﴾٢- الآية، يقول : ما أتيتم في التوراة والإنجيل يا أهل الكتاب من العلم إلا قليلا.
وقيل : بل عنى بالآية أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- والناس كلهم٣. ( ت : ٥/٢٤٦-٢٤٧ )
١ انظر تفسير ابن كثير: ٣/٦٢..
٢ سورة لقمان: ٢٦..
٣ قال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: خرج الكلام خطايا لمن خوطب به، والمراد جميع الخلق، لأن علم كل أحد سوى الله، وإن كثر في علم الله قليل، وإنما معنى الكلام، وما أتيتم أيها الناس من العلم إلا قليلا من كثير مما يعلم الله. جامع البيان: ١٥/١٥٧..
٢٩٨- روى شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾، قال : نزلت في ﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾، كان المشركون إذا سمعوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجهر بها هزأوا منه وكان مسيلمة يسمى الرحمان، قالوا : يذكر إله اليمامة، فنزلت :﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾.
وقال ابن سيرين : كان أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- يخافت بالقراءة في صلاة الليل، وكان عمر – رضي الله عنه- يجهر ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية. ( س : ٨/١٧٠ )
٢٩٩- قال الحسن في قوله :﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾، قال : لا تصلها رياء ولا تتركها حياء، وفي رواية أخرى عنه : لا تحسن علانيتها ولا تسيء سريرتها. ١
أصح شيء في معنى هذه الآية، قول من قال : إنها نزلت في الدعاء، والله أعلم، ذكر ابن أبي شيبة. قال : أخبرنا ابن فضيل، عن أشعت، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾، قال : كان الرجل إذا دعا في الصلاة رفع صوته، فنزلت هذه الآية، وكل من روي عنه أنها نزلت في القراءة، فقد روي عنه أنها نزلت في الدعاء. ( ت : ١٩/٤٣ )
٣٠١- قال الحسن في قوله :﴿ وابتغ بين ذلك سبيلا ﴾، تكون سريرتك موافقة لعلانيتك. ( ت : ٨/١٦٩ )
١ أخرجه ابن جرير بسنده إلى الحسن البصري، انظر جامع البيان: ١٥/١٨٧..
Icon