تفسير سورة البقرة

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

أَنَا أَبُو سَعِيدٍ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ [قَالَ «١» ] «قَالَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ٧٣- ٤)، فَأَقَلُّ التَّرْتِيلِ: تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ الْإِبَانَةِ. وَكُلَّمَا «٢» زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْإِبَانَةِ فِي الْقُرْآنِ، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ: مَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِيهِ تَمْطِيطًا».
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ «الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ» - فِيمَا رَوَاهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ، عَنْ الشَّافِعِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أَنَّهُ قَالَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَرْضَ الْقِبْلَةِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةٍ يَسْتَقْبِلُ مِنْهَا الْبَيْتَ [الْحَرَامَ]، وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، مُوَلِّيًا عَنْ الْبَيْت الْحَرَام سنة عَشَرَ شَهْرًا-: وَهُوَ يُحِبُّ: لَوْ قَضَى اللَّهُ إلَيْهِ بِاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ. لِأَنَّ فِيهِ مَقَامُ أَبِيهِ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَهُوَ: الْمَثَابَةُ لِلنَّاسِ وَالْأَمْنُ، وَإِلَيْهِ الْحَجُّ وَهُوَ: الْمَأْمُورُ بِهِ: أَنْ يُطَهَّرَ لِلطَّائِفِينَ، وَالْعَاكِفِينَ، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. مَعَ كَرَاهِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا وَافَقَ الْيَهُودَ فَقَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوَدِدْتُ أَنَّ رَبِّي صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إلَى غَيْرِهَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ: ٢- ١١٥).- يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ «٣» فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) «يَا مُحَمَّدُ أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ
(١) الزِّيَادَة للايضاح
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ [ج ١ ص ٩٥] وفى الأَصْل «وكل مَا»
وَهُوَ خطأ وَاضح إِلَّا أَن تكون «كلما» من الْكَلِمَات الَّتِي يَصح كتَابَتهَا مُتَفَرِّقَة، مثل «حَيْثُمَا»، و «كَيْفَمَا»
(٣) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى للبيهقى [ج ٢ ص ١٣] وَمَا رَوَاهُ عَن مُجَاهِد فى تَفْسِير ذَلِك
أَمَرَ «١» بِالصَّلَاةِ عِنْدَ حَادِثٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. وَاحْتَمَلَ: أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَهَى عَنْ السُّجُودِ لَهُمَا كَمَا نَهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ. فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ «٢» (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : عَلَى أَنْ يُصَلَّى لِلَّهِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فَأَشْبَهَ «٣» ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) : أَنْ يصلّى عِنْد كسوفهما [لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِكَ] «٤» وَ [ثَانِيهِمَا] :
أَنْ لَا يُؤْمَرَ «٥» - عِنْدَ آيَةٍ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا- بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ بِهَا عِنْدَهُمَا.
لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ-: مِنْ الْآيَاتِ.- صَلَاةً. وَالصَّلَاةُ- فِي كُلِّ حَالٍ- طَاعَةٌ [لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى] «٦»، وَغِبْطَةٌ لِمَنْ صَلَّاهَا. فَيُصَلَّى- عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ- صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ: مِنْ الْآيَاتِ غَيْرِهِمَا.».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: «أَنَا الثِّقَةُ «٧» : أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ:
(١) كَذَا بِالْأَصْلِ وفى الْأُم (ج ١ ص ٢١٤) :«بِأَن يَأْمر» وَمَا فى الأَصْل هُوَ الظَّاهِر.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «فَدلَّ رَسُول الله»، وَمَا فى الْأُم أولى.
(٣) أَي: غلب على الظَّن أَن ذَلِك يدل عَليّ مَجْمُوع أَمريْن. فَلْيتَأَمَّل.
(٤) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٦) فى الأَصْل وَالأُم: «وَأَن لَا يُؤمر»، فَزِيَادَة «ثَانِيهمَا» للايضاح.
(٧) قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ (رَحمَه الله) :«إِذا قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنى الثِّقَة عَن ابْن أَبى ذِئْب، فَهُوَ: ابْن أَبى فديك. وَإِذا قَالَ: الثِّقَة عَن اللَّيْث بن سعد، فَهُوَ: يحيى ابْن حسان. وَإِذا قَالَ: الثِّقَة عَن الْوَلِيد بن كثير، فَهُوَ: عمر بن سَلمَة. وَإِذا قَالَ: الثِّقَة فَهُوَ: مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَإِذا قَالَ: الثِّقَة عَن صَالح مولى التوأمه، فَهُوَ: إِبْرَاهِيم بن يحيى.». اهـ انْظُر هَامِش الْأُم (ج ١ ص ٢٢٣).
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) يُشْبِهُ «١» مَا قَالُوا.».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٢» :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ «٣» -: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ: مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها: ٣٣- ٤٩) «٤»
«وَكَانَ «٥» بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ، وَأَنَّ الْمَسِيسَ [هُوَ «٦» ] الْإِصَابَةُ. [وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا «٧» ] ».
وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ «٨»، ثُمَّ قَالَ: «فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَكُونُ الْوَفَاةُ.».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٩» :«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، وَيَذَرُونَ أَزْواجاً: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ)
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «فى هَذَا... شبه» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٢) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١٩٧).
(٣) رَاجع فى مسئلة الطَّلَاق قبل النِّكَاح، فتح الْبَارِي (ج ٩ ص ٣٠٦- ٣١٢) :
فَهُوَ مُشْتَمل على أُمُور هَامة، تفِيد فِيمَا سبق (ص ٢١٩- ٢٢٠).
(٤) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢٤- ٤٢٦) : مَا روى عَن ابْن عَبَّاس وَشُرَيْح، فى هَذَا.
(٥) فى الْأُم: «فَكَانَ».
(٦) زِيَادَة حَسَنَة مفيدة، عَن الْأُم. وَانْظُر فِيهَا مَا قَالَه بعد ذَلِك. وراجع مَا تقدم (ص ٢٠٢- ٢٠٣)
(٧) زِيَادَة حَسَنَة مفيدة، عَن الْأُم. وَانْظُر فِيهَا مَا قَالَه بعد ذَلِك. وراجع مَا تقدم (ص ٢٠٢- ٢٠٣)
(٨) وهى- كَمَا فى (ص ١٩٨) -: آيتا الْبَقَرَة (٢٢٨ و٢٣٤)، وَآيَة الطَّلَاق (٤).
(٩) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٠٥). وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢٧).
251
(غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ «١» خَرَجْنَ: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ. فِي أَنْفُسِهِنَّ: مِنْ مَعْرُوفٍ: ٢- ٢٤٠).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ.-:
أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ»

الْمَوَارِيثِ، وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ «٣»
«وَكَانَ بَعْضُهُمْ، يَذْهَبُ: إلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَرْأَةِ مَحْدُودَةٌ بِمَتَاعِ سَنَةٍ- وَذَلِكَ: نَفَقَتُهَا، وَكِسْوَتُهَا، وَسَكَنُهَا «٤».- وَأَنْ قَدْ حُظِرَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا إخْرَاجُهَا، وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ «٥»
«قَالَ: وَكَانَ مَذْهَبُهُمْ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا: بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ وَالسُّكْنَى مَنْسُوخَةٌ «٦» ». يَعْنِي: بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ «٧».
(١) فى الْأُم: «الْآيَة».
(٢) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «آي».
(٣) فى الْأُم بعد ذَلِك، كَلَام يُفِيد أَنه قد وضح كَلَام من نقل عَنْهُم. وراجع فى الرسَالَة (ص ١٣٨- ١٣٩) كَلَامه الْمُتَعَلّق بِهَذَا الْمقَام.
(٤) ذكر فى الْأُم (ج ٤ ص ٢٨) : أَنه لم يحفظ خلافًا عَن أحد فى ذَلِك. وَانْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٣٠ و٤٣٤- ٤٣٥) مَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْبَحْث.
(٥) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «وَلم يحرج زَوجهَا وَلَا وَارثه، بخروجها: إِذا كَانَ غير إِخْرَاج مِنْهُم لَهَا وَلَا هى: لِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ تاركة لحق لَهَا.». وَقد ذكره بأوسع وأوضح فى الْأُم (ج ٤ ص ٢٨) فَرَاجعه. [.....]
(٦) قَالَ فى الْأُم (ج ٤ ص ٢٨) :«حفظت عَمَّن أرْضى... أَن نَفَقَة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا، وكسوتها حولا: مَنْسُوخ بِآيَة الْمَوَارِيث.». ثمَّ ذكر الْآيَة.
(٧) عبارَة الْأُم هى: «بِأَن الله تَعَالَى ورثهَا الرّبع: إِن لم يكن لزَوجهَا ولد وَالثمن:
إِن كَانَ لَهُ ولد.»
252
«وَ [بَيِّنٌ «١» ] : أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) أَثْبَت عَلَيْهَا عِدَّةً: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
(١) هَذِه الزِّيَادَة عَن الْأُم، وبدونها قد يفهم: أَن النَّاسِخ للْوَصِيَّة بالمتاع، آيتا الْمِيرَاث والاعتداد بِالْأَشْهرِ. مَعَ أَنه آيَة الْمِيرَاث فَقَط.
ولأوضح ذَلِك وأزيده فَائِدَة، أَقُول فى اخْتِصَار: إِن الْآيَة تَضَمَّنت أَمريْن: الْوَصِيَّة بالمتاع، والاعتداد بالحول.
(أما الأول) : فَلَا خلاف (على مَا أرجح) : فى أَنه مَنْسُوخ، وَإِنَّمَا الْخلاف: فى أَن النَّاسِخ: آيَة الْمِيرَاث، أَو حَدِيث: «لَا وَصِيَّة لوَارث». كَمَا فى (النَّاسِخ والمنسوخ) للنحاس (ص ٧٧). وَهُوَ خلاف لَا أهمية لَهُ هُنَا. بل صرح الشَّافِعِي فى الْأُم- بعد ذَلِك-: بِأَنَّهُ لَا يعلم خلافًا فى أَن الْوَصِيَّة بالمتاع مَنْسُوخَة بِالْمِيرَاثِ. وَصرح: بِأَنَّهُ النَّاسِخ. ابْن عَبَّاس وَعَطَاء، فِيمَا روى عَنْهُمَا: فى النَّاسِخ والمنسوخ (ص ٧٣)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢٧ و٤٣١ و٤٣٥).
وَقد يعْتَرض: بِأَن الْخلاف قد وَقع بَينهم: فى لُزُوم سُكْنى الْمُتَوفَّى عَنْهَا. فَنَقُول: انهم قد اتَّفقُوا على أَن كلا-: من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة.- قد نسخ: فى الْحول كُله، وَفِيمَا دونه.
وَلما كَانَ السُّكْنَى قد ذكر مَعَ النَّفَقَة-: بِسَبَب أَنه يصدق عَلَيْهِ اسْم الْمَتَاع.-: جَازَ أَن يَكُونُوا قد اتَّفقُوا على أَنه مَنْسُوخ مُطلقًا أَيْضا، وَجَاز: أَن يَكُونُوا قد اخْتلفُوا: فى أَنه مَنْسُوخ كَذَلِك، أَو فِي الْحول فَقَط. فعلي الْفَرْض الثَّانِي، يكون لُزُوم السُّكْنَى- عِنْد الْقَائِل بِهِ- ثَابتا. بِأَصْل الْآيَة: وعَلى الْفَرْض الأول، يكون ثَابتا: بِالْقِيَاسِ على الْمُطلقَة الْمُعْتَدَّة، الثَّابِت سكناهَا بِآيَة: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ: ٦٥- ١)، لِأَن الْمُتَوفَّى عَنْهَا فى مَعْنَاهَا. أَو بقول النَّبِي للفريعة (أُخْت أَبى سعيد الْخُدْرِيّ) :«امكثى فى بَيْتك، حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله». أَو:
بهما مَعًا. وَحِينَئِذٍ: فَيكون الْخلاف قد وَقع فَقَط فى كَون الْقيَاس والْحَدِيث يدلان على لُزُوم السُّكْنَى، أم لَا. وَقد أَشَارَ الشَّافِعِي الى ذَلِك كُله، وَبَين أَكْثَره فى الْأُم (ج ٤ ص ٢٨ وَج ٥ ص ٢٠٨- ٢٠٩).
(وَأما الثَّانِي) : فَذهب الْجُمْهُور: إِلَى أَنه مَنْسُوخ بِآيَة الِاعْتِدَاد بِالْأَشْهرِ. وَهُوَ الْمُخْتَار.
وَذهب بَعضهم: الى أَنه لَا نسخ فى ذَلِك، وانما هُوَ نُقْصَان من الْحول. وَذهب بعض آخر:
الى أَنه لَا نسخ فِيهِ، وَلَا نُقْصَان. وهما مذهبان فى غَايَة الضعْف، وَقد بَين ذَلِك أَبُو جَعْفَر فِي النَّاسِخ والمنسوخ (ص ٧٤- ٧٦).
253
وَعَشْرًا لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَلَا النِّكَاحُ قَبْلَهَا «١». إلَّا: أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَكُونُ أَجَلُهَا: أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا: [بَعُدَ أَوْ قَرُبَ. وَيَسْقُطُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا: عِدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ «٢».] ».
وَلَهُ- فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا- قَوْلٌ آخَرُ «٣» :«أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِوَرَثَتِهِ «٤» : أَنْ يُسْكِنُوهَا وَإِنْ «٥» لَمْ يَفْعَلُوا «٦» : فقد ملكو الْمَالَ دُونَهُ «٧».».
وَقَدْ «٨» رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ [الشَّافِعِيُّ عَنْ «٩» ] الشَّعْبِيِّ [عَنْ عَلِيٍّ «١٠» ].
(١) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «ودلت سنة رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : على أَن عَلَيْهَا أَن تمكث فى بَيت زَوجهَا، حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله.».
(٢) زِيَادَة حَسَنَة مفيدة عَن الْأُم وَانْظُر مَا قَالَه بعد ذَلِك: فَفِيهِ فَوَائِد جمة. وَانْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢٨- ٤٣٠) مَا ورد فى ذَلِك: من الْأَحَادِيث والْآثَار.
ثمَّ انْظُر مَا رد بِهِ أَبُو جَعْفَر النّحاس- فى النَّاسِخ والمنسوخ (ص ٧٤) - على من زعم:
أَن الْعدة آخر الْأَجَليْنِ. فَهُوَ فى غَايَة الْقُوَّة والجودة.
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٠٩)، والمختصر (ج ٥ ص ٣٠- ٣١).
(٤) فى الْمُخْتَصر: «للْوَرَثَة».
(٥) فى الْمُخْتَصر: «فَإِن». وَهُوَ أحسن.
(٦) فى الْأُم زِيَادَة: «هَذَا».
(٧) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «وَلم يكن لَهَا السُّكْنَى حِين كَانَ مَيتا لَا يملك شَيْئا وَلَا سُكْنى لَهَا: كَمَا لَا نَفَقَة لَهَا.». وَانْظُر فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٠٨) كَلَامه: فى الْفرق بَين الْمُطلقَة الْمُعْتَدَّة والمتوفى عَنْهَا.
(٨) فى الأَصْل: «فَإِن». وَلَعَلَّه محرف عَن نَحْو مَا أثبتنا، أَو يكون فى الْكَلَام حذف. فَتَأمل.
(٩) هَذِه الزِّيَادَة يتَوَقَّف عَلَيْهَا صِحَة الْكَلَام وتوضيحه. وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٣٥- ٤٣٦).
(١٠) هَذِه الزِّيَادَة يتَوَقَّف عَلَيْهَا صِحَة الْكَلَام وتوضيحه. وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٣٥- ٤٣٦).
254
الْجُزْء الثَّانِي
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي السِّيَرِ وَالْجِهَادِ «١»، وَغَيْرِ ذَلِكَ»
(أَنَا) سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، [قَالَ «٢» ] :«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: ٥١- ٥٦).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ: لِعِبَادَتِهِ «٣» ثُمَّ أَبَانَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) : أَنَّ خِيرَتَهُ من خلقه: أنبياؤه «٤» فَقَالَ تَعَالَى: (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ «٥» : مُبَشِّرِينَ، وَمُنْذِرِينَ: ٢- ٢١٤) فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ «٦» وَسَلَّمَ) مِنْ أَصْفِيَائِهِ- دُونَ عِبَادِهِ-:
بِالْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ، وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ.»
(١) رَاجع مَا ذكره فى الْفَتْح (ج ٦ ص ٢) عَن معنى ذَلِك: فَهُوَ مُفِيد.
(٢) كَمَا فى أول كتاب الْجِزْيَة من الْأُم (ج ٤ ص ٨٢- ٨٣). وَالزِّيَادَة عَن الْأُم.
وَقد ذكر أَكثر مَا سيأتى، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٣- ٥) : مُتَفَرقًا ضمن بعض الْأَحَادِيث والْآثَار الَّتِي تدل على مَعْنَاهُ وتؤيده، أَو تتصل بِهِ وتناسبه.
(٣) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فى السّنَن- بعد أَن ذكر ذَلِك-: «يعْنى: مَا شَاءَ من عباده أَو:
ليأمر من شَاءَ مِنْهُم بِعِبَادَتِهِ، ويهدى من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم.»
.
(٤) يحسن أَن تراجع كتاب (أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء) من فتح الْبَارِي (ج ٦ ص ٢٢٧) : فَهُوَ مُفِيد فى هَذَا الْبَحْث.
(٥) سَأَلَ أبوذر، النَّبِي: كم النَّبِيُّونَ؟ فَقَالَ: «مائَة ألف نبى، وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف نَبِي» ثمَّ سَأَلَهُ: كم المُرْسَلُونَ مِنْهُم؟ فَقَالَ: «ثَلَاثمِائَة وَعِشْرُونَ». انْظُر السّنَن الْكُبْرَى
(٦) كَذَا فى الْأُم. وَهُوَ الظَّاهِر الَّذِي يمْنَع مَا يشبه التّكْرَار. وفى الأَصْل وَالسّنَن الْكُبْرَى: «نَبينَا... عَلَيْهِ». وَهُوَ صَحِيح على أَن يكون قَوْله: دون عباده مُتَعَلقا بأصفيائه، لَا يَجْعَل. فَتنبه.
أَمَرَهُمْ فِيهَا: بِأَنْ يَحْرُسَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَعِلْمنَا: أَنَّ الْخَوْفَيْنِ مُخْتَلِفَانِ، وَأَنَّ الْخَوْفَ الْآخَرَ-: الَّذِي أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ أَنْ يُصَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا.- لَا يَكُونُ إلَّا أَشَدَّ [مِنْ] الْخَوْفِ الْأَوَّلِ «١». وَدَلَّ: عَلَى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا حَيْثُ تَوَجَّهُوا: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَقُعُودًا عَلَى الدَّوَابِّ، وَقِيَامًا عَلَى الْأَقْدَامِ «٢». وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ.». فَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ «٣».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِذا سَجَدُوا: فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ: ٤- ١٠٢) -.
قَالَ: «فَاحْتَمَلَ «٤» : أَنْ يَكُونُوا إذَا سَجَدُوا مَا عَلَيْهِمْ: مِنْ السُّجُودِ كُلِّهِ كَانُوا «٥» مِنْ وَرَائِهِمْ. وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى مَا احْتَمَلَ الْقُرْآنُ مِنْ هَذَا فَكَانَ أُولَى مَعَانِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ: ٢- ١٨٥). قَالَ: فَسَمِعْتُ مَنْ
(١) انْظُر الام (ج ١ ص ١٩٠ و١٩٧).
(٢) انْظُر الام (ج ١ ص ١٩٧) ومختصر الْمُزنِيّ (ج ١ ص ١٤٤- ١٤٥).
(٣) اُنْظُرْهُ فى الْأُم (ج ١ ص ١٩٧).
(٤) عِبَارَته فى الْأُم (ج ١ ص ١٨٧) : وَاحْتمل قَول الله عز وَجل: (فَإِذا سَجَدُوا) :
إِذا سجدوا مَا عَلَيْهِم: من سُجُود الصَّلَاة كُله. ودلت على ذَلِك سنة رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، مَعَ دلَالَة كتاب الله عز وَجل».
(٥) كَذَا بِالْأَصْلِ، ولعلها زَائِدَة:
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ:
الدُّعَاء لَهُم عِنْد أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ.»

«فَحُقَّ عَلَى الْوَالِي- إذَا أَخذ صَدَقَة امرى-: أَنْ يَدْعُو لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ: آجَرَكَ «١» اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَجَعَلَهَا لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ «٢»
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ: ٢- ٢٦٧ «٣» ).
يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ «٤» لِأَنْفُسِكُمْ مِمَّنْ لَكُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَا تُنْفِقُوا مِمَّا «٥» لَمْ تَأْخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي: [لَا «٦» ] تُعْطُوا مَا خَبُثَ عَلَيْكُمْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) :
وَعِنْدَكُمْ الطَّيِّبُ.».
(١) فى الْأُم «أجرك»، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، ومعناهما وَاحِد. انْظُر الْمُخْتَار (مَادَّة أجر).
(٢) فى الْأُم بعد ذَلِك: «وَمَا دَعَا لَهُ بِهِ أَجزَأَهُ إِن شَاءَ الله» وَانْظُر مَا ورد فى ذَلِك، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ١٥٧).
(٣) انْظُر سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ١٣٦).
(٤) فى الْأُم (ج ٢ ص ٤٩) :«تأخذون» وَلَا ذكر فِيهَا لقَوْله: «لَسْتُم».
(٥) عبارَة الْأُم: «مَا لَا تأخذون لأنفسكم».
(٦) زِيَادَة عَن الْأُم، قد تكون متعينة.
قَالَ الشَّيْخُ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : قَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي مَعْنَاهُ «١»
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «٢» :«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ: ١٦- ١٠٦).»
«قَالَ: وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ: كَفِرَاقِ «٣» الزَّوْجَةِ، وَأَنْ «٤» يُقْتَلَ الْكَافِرُ، وَيُغْنَمَ مَالُهُ.»
«فَلَمَّا وَضَعَ [اللَّهُ «٥» ] عَنْهُ: سَقَطَتْ [عَنْهُ «٦» ] أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَلَى «٧» الْقَوْلِ كُلِّهِ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ: سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَمَا يَكُونُ حُكْمَهُ: بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ.». وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ «٨».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «٩» :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ)
(١) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٣٧).
(٢) كَمَا فى الْأُم (ج ٣ ص ٢٠٩). وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٥٦) على مَا ستعرف. [.....]
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «لفراق»
، وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «فان»، وَلَعَلَّه محرف.
(٥) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الْأَظْهر. وفى الأَصْل وَالسّنَن الْكُبْرَى: «عَن».
(٨) انْظُر الْأُم (ج ٢ ص ٢١٠). وراجع أَيْضا الْأُم (ج ٧ ص ٦٩- ٧٠)، والمختصر (ج ٥ ص ٢٣٣). وراجع الْخلاف فى طَلَاق الْمُكْره، فى الام (ج ٧ ص ١٦٠).
(٩) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٢٥).
224
(تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ: ٢- ٢٢٩) وَقَالَ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ: أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً
«١» : ٢- ٢٢٨).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ-[فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «٢» ] :(إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً).-:
يُقَالُ «٣» : إصْلَاحُ الطَّلَاقِ: بِالرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «٤»
«فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ- بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا- وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَهُوَ: أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا: مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «٥»
وَقَالَ «٦» - فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. [وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً «٧» ] :)
(١) قَالَ فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٠) :«فَظَاهر هَاتين الْآيَتَيْنِ، يدل: على أَن كل مُطلق:
فَلهُ الرّجْعَة على امْرَأَته: مَا لم تنقض عدتهَا. لِأَن الْآيَتَيْنِ فى كل مُطلق عَامَّة، لَا خَاصَّة على بعض المطلقين دون بعض. وَكَذَلِكَ قُلْنَا: كل طَلَاق ابتدأه الزَّوْج، فَهُوَ يملك فِيهِ الرّجْعَة فى الْعدة.»
إِلَخ فَرَاجعه: فَهُوَ مُفِيد.
(٢) الزِّيَادَة عَن الْأُم، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٦٧). ولعلها متعينة: بِدَلِيل أَن عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «أَنا الشَّافِعِي إِلَخ».
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالسّنَن الْكُبْرَى، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الْأُم: «فَقَالَ» وَلَعَلَّه محرف.
(٤) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «فَمن أَرَادَ الرّجْعَة فهى لَهُ: لِأَن الله (تبَارك وَتَعَالَى) جعلهَا لَهُ.». وراجع- فى السّنَن الْكُبْرَى- مَا روى عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد، فى هَذِه الْآيَة.
(٥) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «ثمَّ سنة رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَإِن ركَانَة طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ، وَلم يرد إِلَّا وَاحِدَة. فَردهَا إِلَيْهِ رَسُول الله. وَذَلِكَ عندنَا: فى الْعدة.»
إِلَخ فَرَاجعه.
(٦) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٢٩).
(٧) زِيَادَة عَن السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٦٨) وَقد تنَاولهَا الشَّرْح. [.....]
225
(٢- ٢٣١).-: إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ: فراجعوهن بِمَعْرُوف، [أ «١» ] وَدَعَوْهُنَّ تَنْقَضِيَ «٢» عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَنَهَاهُمْ: أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا:
لِيَعْتَدُوا فَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ: ضِرَارًا «٣».».
زَادَ عَلَى هَذَا، فِي مَوْضِعِ آخَرَ «٤» - هُوَ عِنْدِي: بِالْإِجَازَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.-:
« [وَالْعَرَبُ «٥» ] تَقُولُ لِلرَّجُلِ «٦» -: إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ: يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ:
يُرِيدُهُ.-: قَدْ بَلَغْته وَتَقُولُهُ»
: إذَا بَلَغَهُ.»
«فَقَوْلُهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ [بِمَعْرُوفٍ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «٨» ] : ٦٥- ٢) : إذَا قَارَبْنَ [بُلُوغَ «٩» ] أَجَلِهِنَّ.
(١) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى وفى الأَصْل: «تقضى».
(٣) رَاجع- فى السّنَن الْكُبْرَى- مَا روى فى ذَلِك، عَن مُجَاهِد، وَالْحسن، ومسروق ابْن الأجدع.
(٤) من الْأُم (ج ٥ ص ١٠٥- ١٠٦) : فى خلال مناقشة قيمَة.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْمُخْتَصر (ج ٤ ص ٨٧) وَهِي تُؤْخَذ من الْأُم أَيْضا. وَعبارَته فى الْمُخْتَصر هى: «فَدلَّ سِيَاق الْكَلَام: على افْتِرَاق البلوغين فأحدهما: مقاربة بُلُوغ الْأَجَل، فَلهُ إِِمْسَاكهَا أَو تَركهَا: فتسرح بِالطَّلَاق الْمُتَقَدّم. وَالْعرب تَقول..... وَالْبُلُوغ الآخر:
انْقِضَاء الْأَجَل.»
. وَقد ذكر نَحْوهَا فى الْأُم.
(٦) فى الأَصْل: «يَقُول الرجل» والتصحيح عَن الْأُم والمختصر.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ والمختصر وفى الأَصْل: «وَبِقَوْلِهِ» وَهُوَ محرف.
(٨) الزِّيَادَة عَن الْأُم (أثْنَاء مناقشة ص ١٠٥)
(٩) الزِّيَادَة عَن الْأُم (أثْنَاء مناقشة ص ١٠٥)
226
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ، وَأَمْناً) «١» إلَى [قَوْلِهِ] «٢» :(وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ: ٢- ١٢٥).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: المثابة- فى كلاب الْعَرَبِ-: الْمَوْضِعُ: يَثُوبُ النَّاس إِلَيْهِ، ويؤوبون: يَعُودُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ «٣». وَقَدْ يُقَالُ: ثَابَ إلَيْهِ: اجْتَمَعَ إلَيْهِ فَالْمَثَابَةُ تجمع الِاجْتِمَاع ويؤوبون: يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ: رَاجِعِينَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ، وَمُبْتَدَئِينَ. قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ «٤»، يَذْكُرُ الْبَيْتَ:
مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا تَخُبُّ إلَيْهِ الْيَعْمُلَاتُ «٥» الذَّوَابِلُ «٦» وَقَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ [النَّصْرِيُّ] :
فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ «٧» مِنْهُمْ أَوَّلُونَ فَآخِرُ «٨» »
(١) تَمام الْمَتْرُوك: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ).
(٢) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٣) فى الْأُم: «مِنْهُ».
(٤) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم، وتفاسير الطَّبَرِيّ (ج ١ ص ٤٢٠) والطبرسي الشيعي (ج ١ ص ٢٠٢) وأبى حَيَّان (ج ١ ص ٣٨٠) والقرطبي (ج ٢ ص ١١٠) والشوكانى (ج ١ ص ١١٨). وروى فى اللِّسَان والتاج (مَادَّة: ثوب) عَن الشَّافِعِي: مَنْسُوبا لأبى طَالب.
وَالَّذِي تطمئِن إِلَيْهِ النَّفس أَن الْبَيْت لورقة ويؤكد ذَلِك خلو ديوَان أَبى طَالب (المطبوع (بالنجف سنة ١٣٥٦ هـ) مِنْهُ.
(٥) جمع يعملة، وهى: النَّاقة السريعة.
(٦) كَذَا بِالْأَصْلِ وَتَفْسِير الشوكانى، وفى الْأُم وَاللِّسَان والقرطبي: «الذوامل»، وفى التَّاج: «الزوامل»، وفى تفاسير الطَّبَرِيّ والطبرسي وأبى حَيَّان: «الطلائح»، وَالْكل صَحِيح الْمَعْنى.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «وتلحق». [.....]
(٨) وفى الْأُم: «وَآخر».
قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلِ: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) الْآيَةَ: (٤- ١٢٧).-: «قَوْلُ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، أَثْبَتُ شَيْءٍ فِيهِ». وَذَكَرَ لِي- فِي قَوْلِهَا-:
حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ «١».
قَالَ: وَقَالَ [الشَّافِعِيُّ «٢» ]- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ: ٥- ٨٩).-: «لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلُ عَائِشَةَ: حَلِفُ الرَّجُلِ عَلَى الشَّيْءِ: يَسْتَيْقِنُهُ، ثُمَّ يَجِدُهُ: عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ «٣».».
قُلْت: وَهَذَا بِخِلَافِ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ: مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ.
وَرِوَايَةِ الرَّبِيعِ أَصَحُّ: فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ الشَّافِعِيِّ-: مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ.-: إنَّمَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ «٤». وَعُمَرَ بْنِ
(١) هُوَ- كَمَا فى صَحِيح البُخَارِيّ-: «أَن الْيَتِيمَة إِذا كَانَت ذَات جمال وَمَال: رَغِبُوا فى نِكَاحهَا، وَلم يلحقوها بسنتها: بإكمال الصَدَاق. فَإِذا كَانَت مرغوبا عَنْهَا- فى قلَّة المَال وَالْجمال-: تركوها، والتمسوا غَيرهَا: من النِّسَاء. فَكَمَا يتركونها: حِين يرغبون عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُم أَن ينكحوها: إِذا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَن يقسطوا لَهَا الأوفى: من الصَدَاق ويعطوها حَقّهَا.». وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من طَرِيقه عَن عُرْوَة، وَمن طَرِيق أَبى أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق وَكِيع عَن هِشَام أَيْضا: بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة. انْظُر الْفَتْح (ج ٥ ص ٨١ و٢٥٣ وَج ٨ ص ١٦٦ و١٨٤)، وَشرح مُسلم (ج ١٨ ص ١٥٤- ١٥٦)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٣٠). ثمَّ رَاجع تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ (ج ٥ ص ١١ و٤٠٣).
(٢) زِيَادَة حَسَنَة، ولعلها سَقَطت من النَّاسِخ.
(٣) هَذَا هُوَ نَحْو مَا استحسنه مَالك فى الْمُوَطَّأ، ونقلناه فِيمَا سبق (ص ١١٠) وأشرنا إِلَى رد الشَّافِعِي عَلَيْهِ. إِلَّا أَن مَالِكًا لم ينْسبهُ إِلَى قَائِل معِين.
(٤) كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ٤٩). وَانْظُر مَا روى فِيهَا (ص ٥٠) : عَن مُجَاهِد وَالْحسن.
«وَفِي قَوْله تَعَالَى: (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ: ٢- ١٤٣) لِقَوْلِهِ إلَّا لِنَعْلَمَ أَنْ قَدْ عَلِمَهُمْ «١» مَنْ يَتَّبِعْ الرَّسُولَ وَعِلْمُ اللَّهِ كَانَ- قَبْلَ اتِّبَاعِهِمْ وَبَعْدَهُ- سَوَاءً.».
«وَقَدْ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: فَكَيْفَ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِنَا، وَمَنْ مَضَى مِنَّا؟.
فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنَّ صَلَاتَهُمْ إيمَانٌ «٢»
فَقَالَ: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) الْآيَةُ «٣» ».
«وَيُقَالُ: إنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: الْبِرُّ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَغْرِبِ، وَقَالَتْ النَّصَارَى: الْبِرُّ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ بِكُلِّ حَالٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِيهِمْ:
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ: ٢- ١٧٧).
يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : وَأَنْتُمْ مُشْرِكُونَ لِأَنَّ الْبِرَّ لَا يُكْتَبُ لِمُشْرِكٍ.»
.
«فَلَمَّا حَوَّلَ اللَّهُ رَسُولَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ-:
(١) كَذَا بِالْأَصْلِ وَلم نعثر على مصدر آخر لهَذَا النَّص. وَهُوَ: إِمَّا أَن يكون قد وَقع فِيهِ تَحْرِيف فَقَط، أَو تَحْرِيف وَنقص. فعلى الِاحْتِمَال الثَّانِي، لَعَلَّ الأَصْل: «قيل: فَقَوله:
(إِلَّا لنعلم)، يعْنى: إِلَّا لِتَعْلَمُوا إِذْ قد علمهمْ»
. أَي: بِسَبَب تَحْويل الْقبْلَة. وَهَذَا الْمَعْنى مُوَافق للْوَجْه الْمَشْهُور الَّذِي اخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ فى تَفْسِيره (ج ٢ ص ٩)، وَالَّذِي صدر بِهِ الْفَخر الْوُجُوه الَّتِي ذكرهَا، فى تَفْسِيره (ج ٢ ص ١١). وعَلى الِاحْتِمَال الأول. لَعَلَّ الأَصْل:
«قيل: إِلَّا لنعلم أَن قد علمْتُم.». أَي: بِالْفِعْلِ. وَهَذَا الْمَعْنى جمع بَين الْوَجْه الأول وَالْوَجْه الثَّانِي الَّذِي ذكره الْفَخر. وعَلى كل: فَلَا يُمكن أَن نطمئن إِلَى تَصْحِيح لهَذَا النَّص، أَو تَبْيِين للمعنى المُرَاد مِنْهُ-: مَا دمنا لم نعثر لَهُ على مصدر آخر من مؤلفات الشَّافِعِي (رضى الله عَنهُ) وَغَيره.
(٢) أَي: لَا حرج عَلَيْهَا، وَلنْ يضيع ثَوَابهَا. انْظُر فتح الْبَارِي (ج ١ ص ٧٣).
(٣) تَمامهَا: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ: ٢- ١٤٣).
67
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَكْثَرَ صَلَاتِهِ، مِمَّا يَلِي الْبَابَ: مِنْ وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ صَلَّى مِنْ وَرَائِهَا وَالنَّاسُ مَعَهُ: مُطِيفِينَ بِالْكَعْبَةِ، مُسْتَقْبِلِيهَا كُلَّهَا، مُسْتَدْبِرِينَ مَا وَرَاءَهَا: مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.»
«قَالَ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: ٢- ١٤٤ وَ ١٥٠)، فَشَطْرُهُ وَتِلْقَاؤُهُ وَجِهَتُهُ: وَاحِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.». «١»
وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ «٢».
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ)، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ: ٢- ١٥٠). فَفَرَضَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ مَا كَانُوا: أَنْ يُوَلُّوا وُجُوههم شطره. و «شَطْرَهُ» : جِهَتُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. إذَا قُلْتَ: «أَقْصِدُ شَطْرَ كَذَا» : مَعْرُوفٌ «٣» أَنَّكَ تَقُولُ: «أَقْصِدُ قَصْدَ «٤» عَيْنِ «٥» كَذَا» يَعْنِي «٦» : قَصْدَ «٧» نَفْسِ كَذَا. وَكَذَلِكَ: «تِلْقَاءَهُ وَجِهَتَهُ «٨» »، أَيْ: أَسْتَقْبِلُ
(١) إِلَى هُنَا انْتهى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الْمُخْتَصر الْكَبِير للمزنى.
(٢) ص ٣٤- ٣٨ مِمَّا ذكره الْبَيْهَقِيّ عَقِيبه.
(٣) أَي: فمعروف. فَهُوَ جَوَاب الشَّرْط.
(٤) أَي: نَحْو وجهة، فَهُوَ اسْم لَا مصدر. انْظُر تَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ١٣) وَاللِّسَان وَالْمُخْتَار (مَادَّة: قصد).
(٥) فى الأَصْل: «غير». وَهُوَ تَحْرِيف من النَّاسِخ. والتصحيح مِمَّا سيأتى بعد وَمن الرسَالَة (ص ٣٤). [.....]
(٦) كَذَا بالرسالة وفى الأَصْل: «بِمَعْنى».
(٧) أَي: نَحْو وجهة، فَهُوَ اسْم لَا مصدر. انْظُر تَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ١٣) وَاللِّسَان وَالْمُخْتَار (مَادَّة: قصد).
(٨) كَذَا بِالْأَصْلِ وَبَعض نسخ الرسَالَة أَي: وَكَذَلِكَ تَقول: قصدت تلقاءه وجهته.
- بِدَلِيل تَفْسِير الشَّافِعِي إِيَّاه عَقِيبه. وَإِذن: فَلَا خطأ فى زِيَادَة الْوَاو فى قَوْله «وجهته»، وَإِن خَالَفت نُسْخَة الرّبيع الَّتِي خلت من الْوَاو. إِذْ لَيست معصومة من الْخَطَأ.
68
تِلْقَاءَهُ وَجِهَتَهُ. وَكُلُّهَا «١» بِمَعْنًى وَاحِدٍ: وَإِنْ كَانَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ.
قَالَ خُفَافُ بْنُ نُدْبَةَ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرًا رَسُولًا وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو وَقَالَ سَاعِدَة بن جؤيّة:
أَقُولُ لِأُمِّ زِنْبَاعٍ: أَقِيمِي صُدُورَ الْعِيسِ، شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ وَقَالَ لَقِيطٌ الْإِيَادِيُّ «٢» :
وَقَدْ أَظَلَّكُمْ مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمْ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمْ قِطَعًا وَقَالَ الشَّاعِر:
إنَّ الْعَسِيبَ بِهَا دَاءٌ «٣» مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ الْعَيْنَيْنِ مَسْحُورُ قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : يُرِيدُ: [تِلْقَاءَهَا] «٤» بَصَرُ الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوَهَا-:
تِلْقَاءَ «٥» جِهَتِهَا.». وَهَذَا كُلُّهُ- مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَشْعَارِهِمْ- يُبَيِّنُ: أَنَّ شَطْرَ الشَّيْءِ: قَصْدُ عَيْنِ الشَّيْءِ: إذَا كَانَ مُعَايَنًا: فَبِالصَّوَابِ وَإِنْ «٦» كَانَ
(١) فى الرسَالَة: «وَإِن كلهَا».
(٢) فى عينيته الْمَشْهُورَة الَّتِي أنذر بهَا قومه غَزْو كسْرَى إيَّاهُم، وَالَّتِي صدر بهَا ابْن الشجري مختاراته الْقيمَة.
(٣) كَذَا بِبَعْض نسخ الرسَالَة وفى الأَصْل: «هَذَا مخامرها»، وَهُوَ تَحْرِيف مخل بِالْمَعْنَى وَالْوَزْن. وَقد وَقع فى رِوَايَة هَذَا الْبَيْت اخْتِلَاف كَبِير، فَارْجِع إِلَى مَا كتبه الشَّيْخ شَاكر خَاصّا بِهِ، فِيمَا علقه عَليّ الرسَالَة (ص ٣٦- ٣٧ و٤٨٧- ٤٨٨) فَإِنَّهُ مُفِيد.
(٤) زِيَادَة عَن الرسَالَة (ص ٣٧).
(٥) هَذَا بدل من «تلقاءها» الْمُتَقَدّم. لبَيَان أَن الضَّمِير عَائِد إِلَى جِهَة العسيب.
(٦) فى الرسَالَة. «وَإِذا».
69
مُغَيَّبًا: فَبِالِاجْتِهَادِ وَالتَّوَجُّهِ «١» إلَيْهِ. وَذَلِكَ: أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ.»
«وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: ٦- ٩٧) وَقَالَ تَعَالَى: (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ: ١٦- ١٦).
فَخَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ الْعَلَامَاتِ، وَنَصَبَ لَهُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَأمرهمْ: أَن أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ. وَإِنَّمَا تَوَجُّهُهُمْ إلَيْهِ: بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ، وَالْعُقُولِ الَّتِي رَكَّبَهَا فِيهِمْ: الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَلَامَاتِ. وَكُلُّ هَذَا: بَيَانٌ وَنِعْمَةٌ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ»
. «٢»
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَوَجَّهَ اللَّهُ رَسُولَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) - إلَى الْقِبْلَةِ «٣» فِي الصَّلَاةِ- إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَانَتْ الْقِبْلَةُ الَّتِي لَا يَحِلُّ- قَبْلَ نَسْخِهَا- اسْتِقْبَالُ غَيْرِهَا. ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، [وَ] «٤» وَجَّهَهُ إلَى الْبَيْتِ.
[فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَبَدًا لِمَكْتُوبَةٍ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ غَيْرَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ «٥» ]. وَكُلٌّ كَانَ حَقًّا فِي وَقْتِهِ». وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ «٦».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ
(١) فى الرسَالَة: «بالتوجه» وَهُوَ أظهر وَإِن كَانَ لَا فرق من حَيْثُ الْمَعْنى.
(٢) انْظُر الرسَالَة (ص ٣٨)، وَالأُم (ج ١ ص ٨٠- ٨١) : وفى عبارَة الْأُم اخْتِلَاف وَزِيَادَة.
(٣) فى الرسَالَة (ص ١٢١) :«للْقبْلَة».
(٤) زِيَادَة عَن الرسَالَة ص ١٢٢).
(٥) زِيَادَة عَن الرسَالَة ص ١٢٢). [.....]
(٦) فَلْينْظر فى الرسَالَة (ص ١٢٢- ١٢٥).
70
مِثْلُكَ، لَا أَمْلِكُ شَيْئًا فَسَلْ اللَّهَ». فَسَأَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَبَّهُ:
أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَصَعِدَ جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلَى السَّمَاءِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُدِيمُ طَرَفَهُ إلَى السَّمَاءِ: رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِمَا سَأَلَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «١» إلَى قَوْلِهِ: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي: ٢- ١٤٤- ١٥٠).».
«فِي قَوْلِهِ: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ٢- ١٤٤)، يُقَالُ: يَجِدُونَ- فِيمَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ-: أَنَّ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ-:
مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ:- يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ، وَتَعُودُ قِبْلَتُهُ وَصَلَاتُهُ مَخْرَجَهُ. يَعْنِي «٢»
: الْحَرَمَ».
وَفِي قَوْله تَعَالَى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ)
(١) تَمام الْمَتْرُوك: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
(٢) هَذَا من كَلَام الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ. [.....]
65
(الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ: ٢- ١٥٠) قِيلَ فِي ذَلِكَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) :
لَا تَسْتَقْبِلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ الْمَدِينَةِ، إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْتَدْبِرُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِنْ جِئْتُمْ مِنْ جِهَةِ نَجْدٍ الْيَمَنِ- فَكُنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ-: اسْتَقْبَلْتُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. لَا: أَنَّ إرَادَتَكُمْ «١» : بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِنْ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. [وَ] «٢» لَأَنْتُمْ كَذَلِكَ: تَسْتَقْبِلُونَ مَا دُونَهُ [وَ] »
وَرَاءَهُ لَا إرَادَة أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً، وَلَكِنَّهُ جِهَةَ قِبْلَةٍ.».
«وَقِيلَ: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) : فِي اسْتِقْبَالِ قِبْلَةِ غَيْرِكُمْ.».
«وَقِيلَ: فِي تَحْوِيلِكُمْ عَنْ قِبْلَتِكُمْ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا، إلَى غَيْرِهَا. وَهَذَا أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) -: لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) «٤» إلَى قَوْله تَعَالَى:
(مُسْتَقِيمٍ: ٢- ١٤٢). فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَنْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي التَّحْوِيلِ يَعْنِي: لَا يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ بِشَيْءٍ، يُرِيدُ الْحُجَّةَ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ. لَا: أَنَّ لَهُمْ «٥» حُجَّةً لِأَنَّ عَلَيْهِمْ «٦» أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْ قِبْلَتِهِمْ، إلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا».
(١) أَي: قصدكم ووجهتكم، وفى الأَصْل: «أَرَادَ بكم» وَهُوَ خطأ كَمَا يدل عَلَيْهِ الْكَلَام الْآتِي.
(٢) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا.
(٣) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا.
(٤) تَمام الْمَتْرُوك: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ).
(٥) أَي: الَّذين ظلمُوا.
(٦) أَي: الرَّسُول وَمن مَعَه.
66
بِأَحَدٍ-: مِمَّنْ [لَمْ «١» ] يَقْتُلْهُ.-: لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ «٢». وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :«أَعْدَى «٣» النَّاسِ عَلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) :
مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ.» »
«وَمَا وَصَفْتُ «٤» -: مِنْ أَنْ «٥» لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا: فِي أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ «٦».- دَلِيلُ «٧» : أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [غَيْرَ «٨» ] خَاصَّةٍ- كَمَا قَالَ مَنْ وَصَفْتُ قَوْلَهُ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.-: لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى.».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، نَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «٩» :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) «١٠»
«فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ عَلَى
(١) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم.
(٢) رَاجع كَلَامه الْمُتَعَلّق بِهَذَا، فى الْأُم (ج ٦ ص ٨) : فَفِيهِ زِيَادَة مفيدة فِيمَا سيأتى.
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ، وَالأُم (ص ٣)، وَبَعض الرِّوَايَات فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ٢٦).
وفى الْأُم (ص ٢١) وَبَعض الرِّوَايَات فى السّنَن الْكُبْرَى: «أَعْتَى»
.
(٤) أَي: قبيل مَا تقدم: مِمَّا ذكر فى الْأُم، وَلم يذكر بِالْأَصْلِ. وراجع كَلَامه فِي الْأُم (ص ١٨- ١٩)
(٥) فى الْأُم: «أَنى».
(٦) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ٢٧- ٢٨) : مَا روى فى ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ، وَابْن الْمسيب، وَغَيرهمَا. وراجع فى فتح الْبَارِي (ج ١٢ ص ١٦٠) : كَلَام ابْن عبد الْبر، فَهُوَ مُفِيد.
(٧) فى الْأُم زِيَادَة: «على».
(٨) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم.
(٩) كَمَا فِي الْأُم (ج ٦ ص ٣٢- ٣٣).
(١٠) فى الْأُم زِيَادَة: «الْآيَة».
272
الْبَالِغِينَ «١» الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ-: لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ.-:
إذَا قَتَلُوا «٢» الْمُؤْمِنِينَ. بِابْتِدَاءِ «٣» الْآيَةِ، وَقَوْلُهُ: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: ٢- ١٧٨) لِأَنَّهُ «٤» جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ «٥»، فَقَالَ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ: ٤٩- ١٠) وَقَطَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ.»
«قَالَ: وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : عَلَى مِثْلِ ظَاهِرِ الْآيَةِ «٦».».
[قَالَ الشَّافِعِيُّ «٧» ] :«قَالَ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ [: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الْآيَةُ: (٥- ٤٥).] «٨» »
« [قَالَ: وَلَا يَجُوزُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فِي حُكْمِ اللَّهِ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ «٩» ]-: أَنْ كَانَ حُكْمًا بَيِّنًا.- إلَّا: مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ: (وَمَنْ)
(١) قَالَ- كَمَا فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٩٧) -: وَلَا يقْتَصّ إِلَّا من بَالغ وَهُوَ: من احْتَلَمَ من الذُّكُور، أَو حاض من النِّسَاء، أَو بلغ أَيهمَا كَانَ خمس عشرَة سنة.».
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «اقْتَتَلُوا» وَهُوَ تَحْرِيف. [.....]
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «تأييد» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الْآيَة» ويغلب على الظَّن أَنه تَحْرِيف.
(٥) رَاجع كَلَام صَاحب الْجَوْهَر النقي (ج ٨ ص ٢٨- ٢٩) وتأمله.
(٦) انْظُر مَا ذكره فى الْأُم- بعد ذَلِك-: من السّنة الَّتِي تدل على عدم قتل الْمُؤمن بالكافر. وراجع الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٩٣- ٩٥)، والمناقشات الْقيمَة حول هَذَا الْمَوْضُوع:
فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٨٩- ٣٩٩)، فهى مُعينَة على فهم الْكَلَام الْآتِي. وراجع فتح الْبَارِي (ج ١٢ ص ٢١٢- ٢١٤).
(٧) كَمَا فى الْأُم (ج ٦ ص ٢١). وَقد زِدْنَا هَذَا: لِأَن مَا سيأتى وَإِن كَانَ مرتبطا بالبحث السَّابِق، إِلَّا أَنه فى الْوَاقِع انْتِقَال إِلَى بحث آخر، وَهُوَ: عدم قتل الْحر بِالْعَبدِ.
(٨) زِيَادَة متعينة عَن الْأُم، ونقطع بِأَنَّهَا سَقَطت من النَّاسِخ.
(٩) زِيَادَة متعينة عَن الْأُم، ونقطع بِأَنَّهَا سَقَطت من النَّاسِخ.
273
(قُتِلَ مَظْلُوماً: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ «١» سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ: ١٧- ٣٣).»
«وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا: أَنْ يَكُونَ «٢» : كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةِ الْقَتْلِ: فَعَلَى مَنْ قَتَلَهَا الْقَوَدُ. فَيَلْزَمُ مِنْ «٣» هَذَا: أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ: بِالْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ، وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ «٤» : مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ [وَالرَّجُلِ: بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ: مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كَافِرًا «٥» ] وَالرَّجُلُ: بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ.»
«أَوْ: يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) : مِمَّن دَمه مكافىء «٦» دَمَ مَنْ قَتَلَهُ وَكُلُّ «٧» نَفْسٍ: كَانَتْ تُقَادُ بِنَفْسٍ: بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ. كَمَا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) :
(١) رَاجع كَلَامه الْمُتَعَلّق بولِي الْمَقْتُول: فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٩٥)، فَهُوَ فى غَايَة الأهمية.
(٢) فى الْأُم: «تكون».
(٣) فى الْأُم: «فى» وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٤) فى الْأُم تَقْدِيم وَتَأْخِير.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم. وهى الْمَقْصُودَة بالبحث ونرجح أَنَّهَا سَقَطت من النَّاسِخ.
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مطاف» وَلَعَلَّه محرف عَن «مكاف» بالتسهيل.
وَقَالَ فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٩٣) :«وَإِذا تكافأ الدمَان من الْأَحْرَار الْمُسلمين، أَو العبيد الْمُسلمين، أَو الْأَحْرَار من المعاهدين، أَو العبيد مِنْهُم-: قتل من كل صنف مكافىء دَمه مِنْهُم:
الذّكر إِذا قتل: بِالذكر وبالأنثى وَالْأُنْثَى إِذا قتلت: بِالْأُنْثَى وبالذكر.»
.
(٧) أَي: كل نفس ثَبت- بِدَلِيل شرعى آخر-: أَنَّهَا تقتل إِذا قتلت غَيرهَا. وَهَذَا بَيَان للمعنى المُرَاد من النَّفس القاتلة- فى آيَة التَّوْرَاة- على الِاحْتِمَال الثَّانِي. ثمَّ إِن الْآيَة الثَّانِيَة مخصصة للأولى على كلا الِاحْتِمَالَيْنِ: وَإِن كَانَ التَّخْصِيص أوسع على الِاحْتِمَال الثَّانِي. فَتنبه. [.....]
274
إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً خَاصَّةً لَا: أَنْ ذَكَرًا [لَا «١» ] يُقْتَلُ بِأُنْثَى.»
«وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ بِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلَائِلَ، مِنْهَا: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :«لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ «٢» » وَالْإِجْمَاعُ «٣» :
عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ الْمَرْءُ بِابْنِهِ: إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ: عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ:
بِعَبْدِهِ، وَلَا بِمُسْتَأْمَنٍ: مِنْ أَهْلِ [دَارِ «٤» ] الْحَرْبِ وَلَا بِامْرَأَةٍ: مِنْ أَهْل [دَارِ «٥» ] الْحَرْبِ وَلَا صَبِيٍّ.»
«قَالَ: وَكَذَلِكَ: وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ: بِالْعَبْدِ، بِحَالٍ. «٦» ».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَا:
نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ «٧» :«أَنَا مُعَاذُ «٨» بْنُ مُوسَى، عَنْ بُكَيْر «٩»
(١) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم.
(٢) رَاجع هَذَا الحَدِيث: فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٨٨- ٣٨٩)، وَفتح الْبَارِي (ج ١ ص ١٤٦- ١٤٧ وَج ١٢ ص ٢١٢)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٢٨- ٣٠ وَج ٩ ص ٢٢٦) ثمَّ رَاجع فِيهَا (ج ٨ ص ٣٠- ٣٤) مَا يُعَارضهُ.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وبالإجماع» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٤) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٥) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٦) ثمَّ قَالَ: «وَلَو قتل حر ذمى عبدا مُؤمنا: لم يقتل بِهِ» ثمَّ بَين مَا يجب فى قتل الْحر العَبْد عمدا وَخطأ. فَرَاجعه. وراجع- فِيمَا تقدم- كَلَامه فى الْمُخْتَصر (ج ص ٩٥- ٩٦) : فَفِيهِ مزِيد فَائِدَة. وراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٣٤- ٣٥) : مَا ورد فِي ذَلِك وراجع كَلَام صَاحب الْجَوْهَر النقي.
(٧) كَمَا فى الْأُم (ج ٦ ص ٧)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٥١). وَقد أخرجه فى السّنَن أَيْضا من طَرِيق آخر عَن مقَاتل: بِلَفْظ مُخْتَلف، وَزِيَادَة نافعة. فَرَاجعه.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «معاد». وَهُوَ تَحْرِيف.
(٩) فى الأَصْل: «بكر» وَهُوَ خطأ وتحريف. والتصحيح عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
275
ابْن مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ [مُعَاذٌ «١» ] : قَالَ مُقَاتِلٌ: أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ نَفَرٍ- حَفِظَ مُعَاذٌ مِنْهُمْ: مُجَاهِدًا، وَالْحَسَنَ، وَالضَّحَّاكَ ابْن مُزَاحِمٍ.- «٢» فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) إلَى آخِرِ الْآيَةِ: (٢- ١٧٨).»
«قَالَ: كَانَ كُتِبَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ «٣» : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، حَقَّ «٤» : أَنْ يُقَادَ بِهَا وَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَا يُقْبَلُ «٥» مِنْهُ الدِّيَةُ. وَفُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ: أَنْ يُعْفَى عَنْهُ، وَلَا يُقْتَلُ. وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إنْ شَاءَ «٦» قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَى.
فَذَلِكَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) يَقُولُ: الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ: إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ، وَلَا يُقْتَلُ. ثُمَّ قَالَ: (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ: فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) يَقُولُ: فَمَنْ «٧» قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ «٨» الدِّيَةِ «٩» :
فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ.»
(١) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٢) فى الْأُم زِيَادَة: «قَالَ».
(٣) فى الْأُم زِيَادَة: «أَنه».
(٤) فى الْأُم زِيَادَة: «لَهُ»، والحذف أولى.
(٥) فى الْأُم: «تقبل». [.....]
(٦) أَي: الْوَلِيّ.
(٧) فى السّنَن الْكُبْرَى: «من».
(٨) فى الْأُم: «أَخذه» وَلَا فرق: إِذا الْمَحْذُوف مُقَدّر.
(٩) قد روى نَحْو هَذَا عَن مُجَاهِد وَعَطَاء: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٥٣).
276
«وَقَالَ «١» - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ «٢» : ٢- ١٧٩).-: يَقُولُ: لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ، حَيَاةٌ يَنْتَهِي بِهَا «٣» بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، أَنْ يُصِيبَ: مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ.».
(وَأَخْبَرَنَا «٤» ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ «٥» :«أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَا «٦» عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: كَانَ «٧» فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَكُنْ «٨» فِيهِمْ الدِّيَةُ فَقَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ:
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى: «٩» الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «١٠» فَإِنَّ «١١» الْعَفْوَ: أَنْ يُقْبَلَ «١٢»
(١) أَي: مقَاتل.
(٢) ذكر فى الْأُم إِلَى آخر الْآيَة.
(٣) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ. وزيادته أولى.
(٤) أخرجه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٥١- ٥٢) عَن يحيى بن ابراهيم بن مُحَمَّد ابْن يحيي المزكى، عَن أَبى الْعَبَّاس إِلَى آخر السَّنَد. وَأخرجه عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا من طَرِيق آخر عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد عَنهُ: بِلَفْظ مُخْتَلف فِيهِ اخْتِصَار، وَفِيه زِيَادَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ مزيدا- فى التَّفْسِير-: من طَرِيق الْحميدِي عَن سُفْيَان وفى الدِّيات: من طَرِيق قُتَيْبَة بن سعيد عَنهُ. انْظُر فتح الْبَارِي (ج ٨ ص ١٢٣ وَج ١٢ ص ١٦٨).
(٥) كَمَا فى الْأُم (ج ٦ ص ٧).
(٦) فى الْأُم: «حَدثنَا».
(٧) رِوَايَة البُخَارِيّ فى الدِّيات: «كَانَت» وَانْظُر مَا كتبه فى الْفَتْح على ذَلِك.
(٨) رِوَايَة الْأُم وَالْبُخَارِيّ: «تكن».
(٩) فى رِوَايَة البُخَارِيّ- فى الدِّيات- بعد ذَلِك: «إِلَى هَذِه الْآيَة فَمن عفى... »
وَانْظُر تَعْلِيق ابْن حجر على ذَلِك.
(١٠) فى الأَصْل زِيَادَة: «الْآيَة» ولعلها من النَّاسِخ. [.....]
(١١) كَذَا بِالْأَصْلِ. وفى السّنَن الْكُبْرَى، وَرِوَايَة البُخَارِيّ- فى الدِّيات-: «قَالَ».
وَرِوَايَة البُخَارِيّ الْأُخْرَى: «فالعفو».
(١٢) فى الْأُم: «تقبل».
277
الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ [ (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ «١». ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ] «٢» : مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) «٣».».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» - فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ-: «وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا، كَمَا قَالَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). وَكَذَلِكَ: قَالَ مُقَاتِلٌ. وَتَقَصِّي «٥» مُقَاتِلٍ فِيهِ:
أَكْثَرُ مِنْ تَقَصِّي «٦» ابْنِ عَبَّاسٍ.»
«وَالتَّنْزِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَنَّ اللَّهَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) -:
إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ، ثُمَّ «٧»
قَالَ: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ).- لَمْ يَجُزْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَنْ يُقَالَ: إنْ عُفِيَ: إنْ «٨» صُولِحَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ. لِأَنَّ الْعَفْوَ: تَرْكُ حَقٍّ بِلَا عِوَضٍ فَلَمْ
(١) بعد ذَلِك، فى روايتى البُخَارِيّ: «يتبع (أَو أَن يطْلب) بِالْمَعْرُوفِ، ويؤدى بِإِحْسَان».
وفى رِوَايَة جَابر: «فَيتبع الطَّالِب بِمَعْرُوف، ويؤدى- يعْنى: الْمَطْلُوب.- إِلَيْهِ بِإِحْسَان».
(٢) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى، وَرِوَايَة البُخَارِيّ فى التَّفْسِير.
(٣) فى رِوَايَة البُخَارِيّ- فى التَّفْسِير- زِيَادَة: «قتل بعد قبُول الدِّيَة». وَانْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ٥٤) مَا ورد-: من السّنة.- فى ذَلِك. وَمَا ورد فى التَّرْغِيب فى الْعَفو.
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٦ ص ٧- ٨).
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يقْضى» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يقْضى» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٧) قَالَ الْمُزنِيّ فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ١٠٦) :«احْتج (الشَّافِعِي) فى أَن الْعَفو يُوجب الدِّيَة: بِأَن الله تَعَالَى لما قَالَ: (فَمن عفى... ) لم يجز أَن يُقَال: عَفا إِن صولح على مَال:
لِأَن الْعَفو ترك بِلَا عوض فَلم يجز-: إِذا عَفا عَن الْقَتْل الَّذِي هُوَ أعظم الْأَمريْنِ.- إِلَّا: أَن يكون لَهُ مَال فى مَال الْقَاتِل: أحب، أَو كره....»
.
(٨) فى الْأُم: «بِأَن»، وَمَا فى الأَصْل أحسن.
278
يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ: إنْ عُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ فَإِذَا عُفِيَ «١» : لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ، وَصَارَ لِعَافِي «٢» الْقَتْلِ مَالٌ «٣» فِي مَالِ الْقَاتِلِ- وَهُوَ: دِيَةُ قَتِيلِهِ.-:
فَيَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ.»
«وَإِنْ «٤» كَانَ: إذَا عَفَا عَنْ «٥» الْقَاتِلِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ-: لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي: أَنْ «٦» يَتْبَعَهُ وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ: شَيْءٌ «٧» يُؤَدِّيه بِإِحْسَانٍ «٨»
«قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ- مَعَ بَيَانِ الْقُرْآنِ-: [فِي «٩» ] مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ.». فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ [الْكَعْبِيِّ «١٠» ] : أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: «مَنْ «١١» قَتَلَ بَعْدَهُ «١٢» قَتِيلًا، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إنْ
(١) فى الْأُم: «عَفا»، وَمَا فى الأَصْل أنسب لما بعد.
(٢) فى الْأُم: «للعافى» وَمَا فى الأَصْل أولى.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مَا قَالَ»، وَهُوَ تَحْرِيف خطير.
(٤) فى الْمُخْتَصر: «وَلَو». وفى الْأُم: «فَلَو» وَهُوَ الْأَظْهر. [.....]
(٥) قَوْله: عَن الْقَاتِل غير مَوْجُود بالمختصر.
(٦) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ. وفى الْمُخْتَصر: «مَا».
(٧) فى الْمُخْتَصر: «مَا».
(٨) أنظر كَلَامه فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٨٩- ٢٩٠) وراجع مَا كتبه فى فتح الْبَارِي (ج ١٢ ص ١٦٩- ١٧٠) على أثر ابْن عَبَّاس: فَهُوَ مُفِيد فى كَون الْخِيَار فى الْقود أَو الدِّيَة للولى- كَمَا قَالَ الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور- أَو للْقَاتِل كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالثَّوْري. ومفيد فى بعض المباحث السَّابِقَة: كَقَتل الْمُسلم بالكافر، وَالْحر بِالْعَبدِ.
(٩) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(١٠) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(١١) فى الْأُم، والمختصر (ج ٥ ص ١٠٥) :«فَمن».
(١٢) فى الأَصْل: «بِعَبْدِهِ»، وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن الْأُم والمختصر، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٥٢). وراجع لفظ رِوَايَته فى الرسَالَة (ص ٤٥٢).
279
«مَا نُسِخَ مِنْ الْوَصَايَا «١» »
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ- إِنْ تَرَكَ خَيْراً-: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ: بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: ٢- ١٨٠).»
«قَالَ: فَكَانَ «٢» فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا- وَالْخَيْرُ: الْمَالُ.-: أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ.»
«وَزَعَمَ «٣» بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [بِالْقُرْآنِ «٤» ] : أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ «٥»
«وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ: غَيْرِ الْوَارِثِينَ فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ «٦» حَفِظْتُ [عَنْهُ «٧» ].- قَالَ: الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا: إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ: كَانَتْ تَطَوُّعًا.»
(١) هَذَا الْكَلَام قد ورد فى الأَصْل مُتَأَخِّرًا بعد قَوْله: قَالَ الشَّافِعِي بِلَفْظ: «نسخ مِنْهُ الْوَصَايَا.» والتصحيح والتقديم عَن الْأُم (ج ٤ ص ٢٧). [.....]
(٢) فى الْأُم: «وَكَانَ».
(٣) فى الْأُم: «ثمَّ زعم».
(٤) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٥) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ٢٢٦ و٢٦٣- ٢٦٥) مَا روى فى ذَلِك، عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره.
(٦) فى الْأُم: «مِمَّن».
(٧) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
149
«وَهَذَا- إنْ شَاءَ اللَّهُ- كُلُّهُ: كَمَا قَالُوا.».
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) [فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ «١» ] :
بِآيَةِ «٢» الْمِيرَاثِ، وَبِمَا «٣» رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : مِنْ قَوْلِهِ:
«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ «٤» ».
وَاحْتَجَّ «٥» فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ «٦»، بِحَدِيثِ عمرَان ابْن لحصين: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ: لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ «٧» اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً.».
[ثُمَّ قَالَ «٨» ] :«وَالْمُعْتِقُ: عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ: تَمْلِكُ مَنْ
(١) الزِّيَادَة للايضاح.
(٢) ذكر فى الْأُم مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ: إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ: ٤- ١١).
(٣) فى الأَصْل: «وَلما»
، وَهُوَ تَحْرِيف.
(٤) قَالَ فى الْأُم (ج ٤ ص ٢٧) :«وَمَا وصفت-: من أَن الْوَصِيَّة للْوَارِث مَنْسُوخَة بآى الْمَوَارِيث، وَأَن لَا وَصِيَّة لوَارث.-: مِمَّا لم أعرف فِيهِ عَن أحد: مِمَّن لقِيت، خلافًا.». وَقد تعرض لهَذَا الْمَوْضُوع بتوسع فى الْأُم (ج ٤ ص ٤٠)، فَرَاجعه.
(٥) انْظُر كَلَامه قبل ذَلِك، فى الْأُم (ج ٤ ص ٢٧) : فَهُوَ مُفِيد.
(٦) نقل فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ٢٦٥) عَن الشَّافِعِي: «أَن طاوسا وَقلة لم يجيزوا الوصيه لغير قرَابَة» وَقد ذكر نَحْو ذَلِك فى الْأُم (ج ٧ ص ١٨) وفى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٨١)،
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ (ج ٤ ص ٢٧ و٤٥ وَج ٧ ص ١٦ و٣٣٧) وَاخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٧١) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ٢٦٥). وفى الأَصْل: «وَأعْتق».
(٨) الزِّيَادَة للتّنْبِيه والإيضاح. [.....]
150
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الصِّيَامِ»
قَرَأْتُ- فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ، عَنْ الشَّافِعِيِّ- أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ: ٢- ١٨٣- ١٨٤) ثُمَّ أَبَانَ: أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ:
شَهْرُ رَمَضَانَ «١»
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ «٢» ) إلَى قَوْله تَعَالَى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ: فَلْيَصُمْهُ: ٢- ١٨٥).».
«وَكَانَ بَيِّنًا- فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: [أَنَّهُ «٣» ] لَا يَجِبُ صَوْمٌ، إلَّا صَوْمَ شهر رَمَضَانَ. وَكَانَ عِلْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ- عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِاللِّسَانِ-:
أَنَّهُ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ «٤».».
وَذَكَرَهُ- فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ- بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ قَالَ: «فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ: أَنَّ فَرْضَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ: شَهْرُ رَمَضَانَ وَكَانَتْ الْأَعَاجِمُ «٥» : تَعُدُّ الشُّهُورَ بِالْأَيَّامِ «٦»، لَا بِالْأَهِلَّةِ وَتَذْهَبُ: إلَى أَنَّ الْحِسَابَ- إذَا عُدَّتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ- يَخْتَلِفُ.-: فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ: الْمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ
(١) انْظُر الرسَالَة (ص ١٥٧) وَاخْتِلَاف الحَدِيث بِهَامِش الْأُم (ج ٧ ص- ١٠٥). [.....]
(٢) تَمام الْمَتْرُوك: (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).
(٣) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا.
(٤) انْظُر الرسَالَة (ص ١٥٧- ١٥٨).
(٥) مُرَاده بالأعاجم: الْفرس وَالروم والقبط لَا خُصُوص الْفرس.
(٦) فتجعل بعض الشُّهُور ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَبَعضهَا أَكثر، وَبَعضهَا أقل. انْظُر تَفْسِير الشوكانى (ج ٢ ص ٣٤٢).
105
وَالْحَجِّ «١» وَذَكَرَ الشُّهُورَ، فَقَالَ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ: ٩- ٣٦) فَدَلَّ: عَلَى أَنَّ الشُّهُورَ لِلْأَهِلَّةِ-: إذْ جَعَلَهَا الْمَوَاقِيتَ.- لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْأَعَاجِمُ: مِنْ الْعَدَدِ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ.»
«ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَلِكَ، عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) وَبَيَّنَ: أَنَّ الشَّهْرَ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَعْنِي: أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَذَلِكَ: أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ يَعْلَمُونَ: أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَأَعْلَمَهُمْ: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ «٢» وَأَعْلَمَهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَهِلَّةِ «٣».».
(أَخْبَرَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا الْعَبَّاس، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ (تَعَالَى) فِي فَرْضِ الصَّوْمِ: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) إلَى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ: فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً، أَوْ عَلى سَفَرٍ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ: ٢- ١٨٥) » «فَبَيَّنَ «٤» - فِي الْآيَةِ-: أَنَّهُ فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً «٥»، وَجَعَلَ «٦» لَهُمْ: أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا: مرضِي ومسافرين ويخصوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ.
(١) انْظُر اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٠٣)، وَانْظُر سَبَب خلق الْأَهِلّة، فى تَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ١٠٧- ١٠٨).
(٢) انْظُر الرسَالَة (ص ٢٧- ٢٨).
(٣) انْظُر اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٠٢- ٣٠٣).
(٤) فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٧٦) :«فَكَانَ بَينا».
(٥) كَذَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث، وَهُوَ الملائم لما بعد. وفى الأَصْل: «عددا.
(٦) فى اخْتِلَاف الحَدِيث «فَجعل»
.
106
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ.»
«وَكَانَ قَوْلُ «١» اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً، أَوْ عَلى سَفَرٍ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:» « (أَحَدُهُمَا) : أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ «٢» صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ: مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا- إذَا مَضَى السَّفَرُ وَالْمَرَضُ-: مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.»
« (وَيَحْتَمِلُ «٣» ) : أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ: عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا.».
«وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ، وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ-: فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا: أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً، لَا مُفَرَّقَةً «٤»
. وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفَرَّقَتَيْنِ «٥» فَأَمَّا آيَةٌ: فَلَا لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، [يَسْتَأْنِفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ] «٦» ».
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: «لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: مَعْنَى «٧» قطع الْكَلَام.».
(١) كَذَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٧٧)، وفى الأَصْل: «فى قَول»، وَزِيَادَة «فى» من النساخ.
(٢) كَذَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث، وَعبارَة الأَصْل: «لَهُم»، وهى محرفة.
(٣) كَذَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث، وَعبارَة الأَصْل: «يحْتَمل». وَهَذَا بَيَان للمعنى الثَّانِي. [.....]
(٤) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «مُتَفَرِّقَة».
(٥) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «مفترقتين».
(٦) الزِّيَادَة عَن اخْتِلَاف الحَدِيث، للايضاح.
(٧) كَذَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث، وبالأصل: «بِمَعْنى».
107
«فَإذْ «١» صَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ-: وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ.-: عِلْمنَا «٢» أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ.».
قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«فَمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ- مِنْ عُذْرٍ «٣» -:
قَضَاهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ، أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ «٤». وَذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) قَالَ: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ «٥».».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ: ٢- ١٨٤) فَقِيلَ: (يُطِيقُونَهُ «٦» ) : كَانُوا يُطِيقُونَهُ ثُمَّ عَجَزُوا «٧» فَعَلَيْهِمْ- فِي كُلِّ يَوْمٍ-: طَعَامُ مِسْكِينٍ «٨».».
(١) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «فَإِذا».
(٢) عبارَة اخْتِلَاف الحَدِيث: «أَلَيْسَ قد علمنَا» وهى وَارِدَة فى مقَام مناقشة بَين الشَّافِعِي وَغَيره.
(٣) عِبَارَته فى الْأُم (ج ٢ ص ٨٨) :«من عذر: مرض أَو سفر قضاهن فى أَي وَقت مَا شَاءَ: فى ذى الْحجَّة أَو غَيرهَا، وَبَينه وَبَين أَن يأتى عَلَيْهِ رَمَضَان آخر.- متفرقات» إِلَخ. وَانْظُر- فى مسئلة الْقَضَاء قبل رَمَضَان التَّالِي- السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٢٥٢).
(٤) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٢٥٨- ٢٦٠).
(٥) انْظُر مَا ذكره بعد ذَلِك فى الْأُم: فَإِنَّهُ مُفِيد.
(٦) أَي تَأْوِيل مَعْنَاهُ وَهُوَ يتلخص فى أَنه مجَاز مُرْسل بِاعْتِبَار مَا كَانَ.
(٧) انْظُر مَا نَقله الْمُزنِيّ- فى الْمُخْتَصر الصَّغِير (ج ٢ ص ٢٢- ٢٣) - عَن ابْن عَبَّاس وَالشَّافِعِيّ: مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا فَإِنَّهُ مُهِمّ. وَانْظُر كَذَلِك: السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٢٠٠ و٢٣٠ و٢٧٠- ٢٧٢) وَتَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ٧٧- ٨٢).
(٨) انْظُر فى الْأُم (ج ٢ ص ٨٩) كَلَام الشَّافِعِي فى الْفرق بَين فرض الصَّلَاة وَفرض الصَّوْم: من حَيْثُ السُّقُوط وَعَدَمه، فَهُوَ الْغَايَة فى الْجَوْدَة.
108
فِي كِتَابِ الصِّيَامِ «١» (وَذَلِكَ: بِالْإِجَازَةِ.) قَالَ: «وَالْحَالُ (الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ) : أَنْ يُجْهِدَهُ الْجَهْدَ غَيْرَ «٢» الْمُحْتَمَلِ. وَكَذَلِكَ: الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ:
[إنْ «٣» زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً: أَفْطَرَ وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً: لَمْ يُفْطِرْ «٤». وَالْحَامِلُ] إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا: [أَفْطَرَتْ] «٥». وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ:
إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ.». وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ «٦».
وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( [رِوَايَةُ] الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ) :«سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا، مَنْ نَقَلُوا «٧» - إذَا سُئِلَ [عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى] «٨» :(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ).-: فَكَأَنَّهُ «٩» يَتَأَوَّلُ: إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ: الْفِدْيَةُ».
(١) أَي: الْكتاب الصغيرى، وَهُوَ فى الْجُزْء الثَّانِي من الْأُم (ص ٨٠- ٨٩)، وَمِمَّا يؤسف لَهُ: أَن الْكتاب الْكَبِير لم يعثر عَلَيْهِ.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ (ج ٢ ص ٨٩) وفى الأَصْل: «عَن»، وَهُوَ محرف. [.....]
(٣) فى الْأُم: و «إِن»، وَلَعَلَّ الْوَاو زَائِدَة من النَّاسِخ، فَلْيتَأَمَّل. وَمَا بَين المربعات هُنَا زِيَادَة عَن الْأُم.
(٤) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٢٤٢- ٢٤٣) وَتَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ٨٧).
(٥) انْظُر فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٣٣) : الْخلاف فى أَن على الْحَامِل الْمُفطر الْقَضَاء أم لَا، ومناقشة الشَّافِعِي لمن أوجبه كَالْإِمَامِ مَالك. فهى مناقشة قَوِيَّة مفيدة.
(٦) اُنْظُرْهُ فى الْأُم (ج ٢ ص ٨٩).
(٧) أَي: من نقلوا عَن بعض أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ القَوْل الْآتِي بعد.
(٨) الزِّيَادَة للايضاح.
(٩) فى الأَصْل: «فَكَانَ» والتصحيح عَن الْأُم. وَقد ورد هَذَا القَوْل فِيهَا مُسْندًا للشافعى (رضى الله عَنهُ) وَلَا ذكر للاية الْكَرِيمَة قبله. وَهُوَ مروى بِالْمَعْنَى عَن ابْن عَبَّاس كَمَا فى تَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ٨٠).
109
شَوَّالِ كُلِّهِ، وَذِي الْقَعْدَةِ كُلِّهِ، وَتِسْعٍ «١» مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَلَا يُفْرَضُ: إِذا خلت عشر ذِي الْحِجَّةِ «٢» فَهُوَ: مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ وَالْحَجُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ.».
وَقَالَ- فِي قَوْله تَعَالَى: (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: ٢- ١٩٦) -: «فَحَاضِرُهُ: مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُوَ: كُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ دُونِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ، دُونَ لَيْلَتَيْنِ «٣» ».
(وَأَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) - فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ: ٢- ١٩٦) «٤».- قَالَ: «أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ «٥» ».
(١) انْظُر الِاعْتِرَاض الْوَارِد على هَذَا التَّعْبِير، وَدفعه- فى الشَّرْح الْكَبِير وَالْمَجْمُوع (ج ٧ ص ٧٥ و١٤٣). [.....]
(٢) قَالَ عَطاء (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى ج ٤ ص ٣٤٣) :«إِنَّمَا قَالَ الله تَعَالَى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) لِئَلَّا يفْرض الْحَج فى غَيْرهنَّ». وَقَالَ عِكْرِمَة: «لَا ينبغى لأحد أَن يحرم بِالْحَجِّ إِلَّا فى أشهر الْحَج من أجل قَول الله جلّ وَعز: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ).»،
انْظُر ذَلِك وَمَا روى عَن عَطاء أَيْضا فى مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَالأُم (ج ٢ ص ٤٦- ٤٧ و١٣٢).
(٣) عِبَارَته فى مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٥٩) :«من كَانَ أَهله دون لَيْلَتَيْنِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ أقرب الْمَوَاقِيت» فتأملها وَانْظُر مَا ذكر فى لمجموع (ج ٧ ص ١٧٥).
(٤) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٣٤١) مَا روى فى تَفْسِير ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس.
(٥) أخرجه عَن على وأبى هُرَيْرَة- فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٣٤١ وَج ٥ ص ٣٠ بِلَفْظ: «تَمام الْحَج أَن تحرم من دويرة أهلك» وَانْظُر فى ذَلِك الشَّرْح الْكَبِير وَالتَّلْخِيص وَالْمَجْمُوع (ج ٧ ص ٧٩ و١٩٩- ٢٠٢).
115
(وَأَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، نَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
«وَلَا يَجِبُ دَمُ الْمُتْعَةِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ «١» : لِأَنَّ اللَّهَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) يَقُولُ: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: ٢- ١٩٦). وَكَانَ بَيِّنًا- فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ:
التَّمَتُّعُ بِالْإِهْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ «٢» إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ: فَقَدْ أَكْمَلَ التَّمَتُّعَ «٣»، وَمَضَى التَّمَتُّعُ وَإِذَا مَضَى بِكَمَالِهِ:
فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُهُ. وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ «٤»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَحْنُ نَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ-: مِنْ الْهَدْيِ.-: شَاةٌ (وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) «٥». فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ: صَامَ بَعْدَ مِنَى: بِمَكَّةَ أَوْ فِي سَفَرِهِ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ.»
«وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَسَبْعَةً فِي الْمَرْجِعِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ «٦».».
(١) قَالَ سعيد بن الْمسيب (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى ج ٤ ص ٣٥٦) :«كَانَ أَصْحَاب النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يتمتعون فى أشهر الْحَج فَإِذا لم يحجوا عَامهمْ ذَلِك: لم يهدوا شَيْئا،».
(٢) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالْمرَاد: الِانْتِقَال من الإهلال بِالْعُمْرَةِ إِلَى الإهلال بِالْحَجِّ. إِذْ أصل الإهلال بِالْعُمْرَةِ مُتَحَقق من قبل.
(٣) انْظُر مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٥٦- ٥٧).
(٤) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٤).
(٥) وَعَطَاء وَالْحسن وَابْن جُبَير وَالنَّخَعِيّ كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٤).
(٦) انْظُر- فى هَذَا الْمقَام- السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٤- ٢٦) ومختصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٥٨- ٥٩) وَالْمَجْمُوع (ج ٧ ص ١٨٧- ١٨٩).
116
وَاحْتَجَّ [فِي الصَّوْمِ «١» ]- فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (إجَازَةً)، عَنْ أَبِي الْعَبَّاس، عَنْ الرَّبِيعِ، عَنْ الشَّافِعِيِّ- فَقَالَ: «أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ:
أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ «٢»
ثَلَاثَةَ «٣» أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ. وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ: مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَكَانَ عَلَى بَدَنِ الرَّجُلِ. فَكَانَ «٤» عَمَلًا بِغَيْرِ وَقْتٍ: فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ.».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبى عَمْرو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: «الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَ [هـ «٥» ] اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) فِي الْقُرْآنِ «٦».- فَقَالَ:
(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: ٢- ١٩٦).- نَزَلَ «٧» يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ «٨» وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [بِعَدُوٍّ «٩» ].»
فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، مَرَضٌ حَابِسٌ-: فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ «١٠». لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحَائِلِ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «١١» ».
(١) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٢ ص ١٦٠).
(٢) فى الْأُم: «من صَوْمه»، وَلَعَلَّ مَا فى الأَصْل هُوَ الْأَظْهر.
(٣) فى الْأُم: «ثَلَاث فى الْحَج».
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «وَكَانَ».
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٢ ص ١٨٤- ١٨٥).
(٦) قَوْله: «فى الْقُرْآن»، غير مَوْجُود بِالْأُمِّ.
(٧) فى الام: «نزلت»، وَلَعَلَّ مَا فى الأَصْل هُوَ الْمَقْصُود الْمُنَاسب. فَلْيتَأَمَّل.
(٨) انْظُر الام (ج ٢ ص ١٣٥ و١٣٩).
(٩) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٢ ص ١٨٤- ١٨٥).
(١٠) رَاجع- فى ذَلِك وفى الْفرق بَين الْمحصر بالعدو والمحصر بِالْمرضِ- مُخْتَصر الْمُزنِيّ والام (ج ٢ ص ١١٩- ١٢٠ و١٣٦ و١٣٩ و١٤٢ و١٨٥) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢١٤).
(١١) قَوْله: فَمن حَال» إِلَى هُنَا، مروى عَن الشَّافِعِي، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢١٩). فانظرها وَانْظُر مَا ذكره صَاحب الْجَوْهَر النقي.
130
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ «١» » وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، مَعْنَاهُ «٢».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فِي الْحِلِّ وَقَدْ قِيلَ: نَحَرَ فِي الْحَرَمِ.»
«وَإِنَّمَا «٣» ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ-: وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ، وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ «٤».-: لِأَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) يَقُولُ: (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ: ٤٨- ٢٥) وَالْحَرَمُ: كُلُّهُ مَحِلُّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.»
«فَحَيْثُ مَا أُحْصِرَ [الرَّجُلُ: قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا بِعَدُوٍّ حَائِلٍ: مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَدْ أَحْرَمَ «٥» ]-: ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ «٦» - إلَّا «٧»
(١) انْظُر الام (ج ٢ ص ١٣٩ و١٨٥) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢١٩- ٢٢٠).
(٢) انْظُر مَا روى عَنْهُمَا، فى الام (ج ٢ ص ١٣٩- ١٤٠). [.....]
(٣) قد ورد هَذَا الْكَلَام، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢١٧- ٢١٨) مَعَ تَقْدِيم وَتَأْخِير. فَلْينْظر.
(٤) قَالَ الشَّافِعِي: «وَالْحُدَيْبِيَة مَوضِع من الأَرْض: مِنْهُ مَا هُوَ فى الْحل، وَمِنْه مَا هُوَ فى الْحرم. فَإِنَّمَا نحر الْهدى عندنَا فى الْحل وَفِيه مَسْجِد رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
الَّذِي بُويِعَ فية تَحت الشَّجَرَة فَأنْزل الله تَعَالَى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).»
. انْظُر الْأُم (ج ٢ ص ١٣٥) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢١٧- ٢١٨) وَانْظُر فِيهَا مَا نَقله عَن الشَّافِعِي بعد ذَلِك، فى قَوْله: (وَلَا تحلقوا رؤوسكم) فَإِنَّهُ مُفِيد.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٢ ص ١٨٥).
(٦) انْظُر الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٣٥٥).
(٧) عبارَة الْمُخْتَصر (ج ٢ ص ١١٧) :«إِلَّا أَن يكون وَاجِبا فَيقْضى»
131
مَا أُمِرُوا: أَنْ «١» يَنْتَهُوا إلَيْهِ، لَا يُجَاوِزُونَهُ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا، إنَّمَا هُوَ: عَطَاءُ اللَّهِ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ). فَنَسْأَلُ اللَّهَ: عَطَاءً: مُؤَدِّيًا لَحَقّه، مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ.».
وَكُلُّ هَذَا: فِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ الرَّبِيعِ، عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَلَهُ- فِي هَذَا الْجِنْسِ- كَلَامٌ كَثِيرٌ: يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي «٢» مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، [إلَّا بِتَوْفِيقِهِ «٣» ]. وَتَوْفِيقُهُ: نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ: الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ وَعَطَاؤُهُ: الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ: الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ.
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبى عَمْرو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنا الرّبيع، نَا الشَّافِعِيُّ- فِي قَوْله تَعَالَى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ: ٢- ١٩٧). قَالَ «٤» :«أَشْهُرُ الْحَجِّ «٥» : شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ «٦». وَلَا يُفْرَضُ الْحَجُّ [إلَّا «٧» ] فِي
(١) فى الأَصْل: «وينتهوا» وَهُوَ خطأ.
(٢) فى الأَصْل: «التقرى» وَهُوَ تَحْرِيف من النَّاسِخ.
(٣) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا.
(٤) انْظُر مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٤٦- ٤٧)، وَالشَّرْح الْكَبِير وَالْمَجْمُوع (ج ٧ ص ٧٤ و١٤٠- ١٤٢).
(٥) انْظُر فى الْمَجْمُوع (ج ٧ ص ١٤٥- ١٤٦) مَذَاهِب الْعلمَاء فى أشهر الْحَج.
(٦) أخرجه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٣٤٢) عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن الزبير، بِلَفْظ: «وَعشر من ذى الْحجَّة».
(٧) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا.
مَاءِ مُسْتَنْقِعٍ «١»، أَوْ عَيْنٍ «٢»، وَعَذْبٍ، وَمَالِحٍ فَهُوَ بَحْرٌ.-: فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ مِنْ حُوتٍ أَوْ ضَرْبِهِ: مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ [أَكْثَرَ «٣» ] عَيْشِهِ «٤».
فَلِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ: أَن يُصِيبهُ ويأكله.»
«فَأَمَّا طَائِرُهُ: فَإِنَّهُ «٥» يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فِيهِ [فَهُوَ «٦» ] مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ: إذَا أُصِيبَ جُزِيَ «٧».».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَاسَرْجِسِيِّ- فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ أَبُو «٨» مُحَمَّدِ بْنُ سُفْيَانَ-: أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) - فِي قَوْله تَعَالَى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ)
(١) كَذَا بِالْأُمِّ (ج ٢ ص ١٧٧) أَي: المَاء الَّذِي اجْتمع فى نهر وَغَيره وَأما المستنقع (بِفَتْح الْقَاف) فَهُوَ مَكَان اجْتِمَاع المَاء. وفى الأَصْل: «منتقع» وَلم يرد إِلَّا فى الْوَجْه إِذا تغير لَونه. وَلَعَلَّه محرف عَن «المنقع» (كمكرم) وَإِن كَانَ لم يرد كَذَلِك إِلَّا فى الْمَحْض من اللَّبن يبرد، أَو الزَّبِيب ينقع فى المَاء. رَاجع اللِّسَان، والتاج، وتهذيب النَّوَوِيّ، والمصباح.
(٢) عبارَة الْأُم: «أَو غَيره، فَهُوَ بَحر. وَسَوَاء كَانَ فى الْحل وَالْحرم يصاد ويؤكل لِأَنَّهُ مِمَّا لم يمْنَع بِحرْمَة شىء. وَلَيْسَ صَيْده إِلَّا مَا كَانَ يعِيش فِيهِ أَكثر عيشه». [.....]
(٣) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٤) فى الأَصْل: «عيشة».
(٥) فى الْأُم: «فَإِنَّمَا».
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٧) عبارَة الشَّافِعِي- على مَا نَقله عَن الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره، فِي الْمَجْمُوع (ج ٧ ص ٢٩٧) - هى: «وكل مَا كَانَ أَكثر عيشه فى المَاء- فَكَانَ فى بَحر أَو نهر أَو بِئْر أَو وَاد أَو مَاء مستنقع أَو غَيره-: فَسَوَاء وَهُوَ مُبَاح صَيْده للْمحرمِ فى الْحل وَالْحرم. فَأَما طَائِره: فَإِنَّمَا يأوى إِلَى أَرض فَهُوَ صيد بر: حرَام على الْمحرم.». وهى توضح عبارَة الأَصْل وَالأُم.
(٨) فى الأَصْل: «أَبَا» فَلْيتَأَمَّل.
133
(النَّاسُ: ٢- ١٩٩).- قَالَ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ وَقَبَائِلُ «١» لَا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ «٢» وَكَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ الْحُمْسُ «٣»، لَمْ نُسَبَّ قَطُّ، وَلَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَيْسَ نُفَارِقُ الْحَرَمَ «٤». وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ. فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ.».
قَالَ: وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ: «الْأَيَّامُ «٥» الْمَعْلُومَاتُ: أَيَّامُ الْعَشْرِ كُلِّهَا «٦» وَالْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ مِنًى «٧» فَقَط.». زَاد «٨» فى كِتَابُ الْبُوَيْطِيِّ:
«وَيُظَنُّ [أَنَّهُ «٩» ] كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.».
(١) فى الأَصْل: «قبائل وقباثل» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ كَمَا هُوَ ظَاهر ويؤكد ذَلِك قَول عَائِشَة (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى ج ٥ ص ١١٣) :«كَانَت قُرَيْش وَمن دَان دينهَا يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ».
(٢) انْظُر حد عَرَفَة، فى الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ١٠٥- ١٠٩)، وتهذيب النَّوَوِيّ:
فَفِيهِ فَوَائِد جمة.
(٣) جمع «أحمس» (بِسُكُون الْحَاء وَفتح الْمِيم) وَقد فسره ابْن عَيْنِيَّة (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى ج ٥ ص ١١٤) : بِأَنَّهُ الشَّديد فى دينه، زَاد فى الْمُخْتَار: والقتال.
(٤) فى رِوَايَة أُخْرَى عَن عَائِشَة: «قَالَت قُرَيْش: نَحن قواطن الْبَيْت، لَا تجَاوز الْحرم.»، وَقَالَ ابْن عَيْنِيَّة: «وَكَانَت قُرَيْش لَا تجَاوز الْحرم، يَقُولُونَ: نَحن أهل الله لَا نخرج من الْحرم.»، انْظُر السّنَن الْكُبْرَى.
(٥) عِبَارَته فى مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ١٢١) :«وَالْأَيَّام المعلومات: الْعشْر، وَآخِرهَا يَوْم النَّحْر. والمعدودات: ثَلَاثَة أَيَّام بعد النَّحْر». وَانْظُر مَا قَالَه الْمُزنِيّ بعد ذَلِك:
فَإِنَّهُ مُفِيد جدا.
(٦) أخرجه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٢٨) بِدُونِ ذكر «كلهَا».
(٧) فى السّنَن الْكُبْرَى: «أَيَّام التَّشْرِيق».
(٨) الظَّاهِر أَن هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ، لَا من كَلَام يُونُس. [.....]
(٩) لَعَلَّ هَذِه الزِّيَادَة متعينة، فَلْيتَأَمَّل.
134
إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ. وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ: أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ: إنْ هَاجَرْتُمْ:
فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ: فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ «١». وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ «٢»، إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ.».
«فَصْلٌ فِي أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ «٣» »
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَلَمَّا «٥» مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُدَّةٌ: مِنْ هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ «٦»، بِاتِّبَاعِهِ-:
حَدَثَتْ لَهُمْ «٧» بِهَا، مَعَ «٨» عَوْنِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، قُوَّةٌ: بِالْعَدَدِ لَمْ يَكُنْ «٩» قَبْلَهَا.»
«فَفَرَضَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَيْهِمْ، الْجِهَادَ- بَعْدَ «١٠» إذْ كَانَ: إبَاحَةً
(١) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ وَلَعَلَّه سقط من النَّاسِخ أَو الطابع. [.....]
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وَفِي الأَصْل: «يُخْبِرهُمْ» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٣) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢٠) مَا ورد فى ذَلِك: من السّنة.
وراجع فِيهَا (ص ١٥٧- ١٦١) : مَا ورد فى فضل الْجِهَاد فَهُوَ مُفِيد جدا.
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٤ ص ٨٤- ٨٥). وَقد ذكر بِاخْتِصَار، فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ١٨٠).
(٥) فى الْمُخْتَصر. «لما».
(٦) فى الْأُم: «جمَاعَة».
(٧) عبارَة الْمُخْتَصر: «لَهَا مَعَ» إِلَخ.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ والمختصر. وفى الأَصْل: «عون مَعَ» وَهُوَ من عَبث النَّاسِخ.
(٩) أَي: الْعدَد. وَفِي الْأُم والمختصر: «تكن» أَي: الْقُوَّة.
(١٠) هَذَا إِلَى قَوْله: فرضا غير مَوْجُود بالمختصر.
قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ-: مِنْ «١» مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ.- (يَعْنِي «٢» :
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا: ٢- ٢٢١)) :
فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ، بِالْقُرْآنِ: بِكُلِّ «٣» حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ: لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ. عَلِمْتُهُ «٤».».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٥» - فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ: ٤- ٢٤).-: «مَعْنَاهُ «٦» : بِمَا أَحَلَّهُ [اللَّهُ «٧» ] لَنَا-: مِنْ النِّكَاحِ، وَمِلْكِ الْيَمِينِ.- فِي كِتَابِهِ. لَا: أَنَّهُ أَبَاحَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ «٨».».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :
«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ: مِنْ)
(١) فى الْأُم (ج ٥ ص ٥) :«وفى» وَمَا هُنَا هُوَ الظَّاهِر.
(٢) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
(٣) فى الْأُم: «على كل».
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «عَلَيْهِ»، وَهُوَ تَحْرِيف وَخطأ.
(٥) كَمَا فى الرسَالَة (ص ٢٣٢- ٢٣٣).
(٦) هَذَا غير مَوْجُود فى الرسَالَة.
(٧) زِيَادَة عَن نُسْخَة الرّبيع.
(٨) رَاجع فى الْأُم (ج ٥ ص ٤- ٥ و٦٦ و١٣٣) كَلَامه الْمُتَعَلّق بِهَذَا الْمقَام.
189
(خِطْبَةِ النِّساءِ «١» ) إلَى قَوْلِهِ «٢» :(وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ: ٢- ٢٣٥).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: بُلُوغُ «٣» الْكِتَابِ أَجَلَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ «٤»
«قَالَ: وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ: فِي الْعِدَّةِ فَبَيَّنَ: أَنَّهُ «٥» حَظَرَ التَّصْرِيحَ فِيهَا «٦». قَالَ تَعَالَى: (وَ [لكِنْ] لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا «٧» ) يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : جِمَاعًا (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً: ٢- ٢٣٥ «٨» ) :
حَسَنًا لَا فُحْشَ فِيهِ. وَذَلِكَ «٩» : أَنْ يَقُولَ: رَضِيتُك «١٠» إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا «١١» يُرْضِي مَنْ جُومِعَهُ.»
«وَكَانَ هَذَا- وَإِنْ كَانَ تَعْرِيضًا- كَانَ «١٢» مَنْهِيًّا عَنْهُ: لِقُبْحِهِ. وَمَا
(١) رَاجع فى الْأُم (ج ٥ ص ١٤١) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٧٧- ١٧٨) مَا روى فى ذَلِك: فَفِيهِ فَوَائِد جمة. [.....]
(٢) فى الْأُم (ج ٥ ص ٣٢) :«أَو أكننتم فى أَنفسكُم الْآيَة». وَتَمام الْمَتْرُوك: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا، إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً).
(٣) فى الْأُم: «وبلوغ».
(٤) انْظُر مَا قَالَه بعد ذَلِك فى الْأُم.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «أَن».
(٦) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «وَخَالف بَين حكم التَّعْرِيض وَالتَّصْرِيح» إِلَخ. فَرَاجعه وراجع أَيْضا كَلَامه فى الْأُم (ج ٥ ص ١١٨ و١٤٢) لعظم فَائِدَته.
(٧) رَاجع مَا ورد فى ذَلِك، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٧٩) لأهميته.
(٨) فى الْأُم (ج ٥ ص ٣٢) زِيَادَة: «قولا».
(٩) أَي: مَا فِيهِ فحش.
(١٠) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر الْمُنَاسب لما بعد. وفى الأَصْل: «أَن تَقول يرضيك».
(١١) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «جماعا». وَمَا فى الام أحسن.
(١٢) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ وزيادته للتاكيد وَدفع اللّبْس.
190
عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هَذَا-: مِمَّا تَفْهَمُ «١» الْمَرْأَةُ بِهِ: أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا.-:
فَجَائِزٌ لَهُ وَكَذَلِكَ: التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ [لَهُ «٢» ]، جَائِزٌ «٣» لَهَا «٤»
«قَالَ: وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِيهَا-: الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةِ الزَّوْجِ «٥». وَلَا يَبِينُ «٦» : أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ: الَّذِي لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ، الرَّجْعَةَ.».
وَاحْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ «٧» - عَلَى أَنَّ السِّرَّ: الْجِمَاعُ «٨».-: بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ [ثُمَّ قَالَ «٩» ] :«فَإِذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ-: وَالتَّعْرِيضُ، عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، جَائِزٌ: سِرًّا وَعَلَانِيَةً «١٠».-: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ: أَنَّ السِّرَّ: سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى: الْجِمَاعُ. قَالَ «١١» امْرُؤُ الْقَيْسِ
(١) فى الْأُم: «يفهم». وَلَا فرق فى الْمَعْنى.
(٢) الزِّيَادَة للايضاح، عَن الْأُم.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «جَازَ». [.....]
(٤) انْظُر مَا ذكره فى الْأُم، بعد ذَلِك.
(٥) قَالَ فى الْأُم- بعد ذَلِك-: «وَإِذا كَانَت الْوَفَاة: فَلَا زوج يُرْجَى نِكَاحه بِحَال.».
(٦) هَذَا إِلَخ، مُخْتَصر بِتَصَرُّف من عبارَة الْأُم (ج ٥ ص ٣٢) وهى: «وَلَا أحب أَن يعرض الرجل للْمَرْأَة، فى الْعدة من الطَّلَاق الَّذِي لَا يملك فِيهِ الْمُطلق الرّجْعَة-: احْتِيَاطًا.
وَلَا يبين أَن لَا يجوز ذَلِك: لِأَنَّهُ غير مَالك أمره فى عدتهَا كَمَا هُوَ غير مَالِكهَا: إِذا خلت من عدتهَا.»
.
(٧) من الْأُم (ج ٥ ص ١٤٢).
(٨) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٧٩) : مَا روى فى ذَلِك.
(٩) الزِّيَادَة للتّنْبِيه وَعبارَة الْأُم هى: «فالقرآن كالدليل عَلَيْهِ إِذْ أَبَاحَ» فَمَا فِي الأَصْل مُخْتَصر بِتَصَرُّف.
(١٠) فِي الْأُم زِيَادَة ملائمة لما فِيهَا، وهى: «فَإِذا كَانَ هَذَا» إِلَخ.
(١١) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم (ص ١١٨) والمختصر (ج ٣ ص ٢٨٠). وفى الْأُم (ص ١٤٢) :«وَقَالَ».
191
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ «١»، الْيَوْمَ «٢» : أَنَّنِي كَبِرْتُ، وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ «٣» أَمْثَالِي كَذَبْتِ: لَقَدْ أُصْبِيَ «٤» عَلَى الْمَرْءِ عِرْسَهُ وَأَمْنَعُ عِرْسِي: أَنْ يُزَنَّ «٥» بِهَا الْخَالِي «٦» وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ:
كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ «٧» فِرَاشَهَا: خُزِنَ الْحَدِيثُ، وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ.»
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا عُلِمَ: أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ، فَخَزْنُ الْحَدِيثِ: [أَنْ «٨» ] لَا يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً. فَإِذَا وَصَفَهَا بِهَذَا «٩» : فَلَا مَعْنَى لِلْعَفَافِ «١٠» غَيْرَ الْأَسْرَارِ [وَ «١١» ] الْأَسْرَارُ: الْجِمَاعُ.».
وَهَذَا: فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَهُ.
(١) هى: امْرَأَة من بنى أَسد كَمَا فى الْقَامُوس وَشَرحه (مَادَّة: بس). وَانْظُر شرح الدِّيوَان للسندوبى (ص ١٣٩). وفى الأَصْل: (لبسباسة)، وَهُوَ تَحْرِيف مخل بِالْوَزْنِ.
(٢) كَذَا بِالْأَصْلِ والديوان وَشرح الْقَامُوس. وفى الْأُم (ص ١١٨ و١٤٢) والمختصر (ج ٣ ص ٢٨٨) :«الْقَوْم». وَالظَّاهِر أَنه تَحْرِيف.
(٣) فى شرح الْقَامُوس وَبَعض نسخ الدِّيوَان: «اللَّهْو» وَالِاسْتِدْلَال إِنَّمَا هُوَ بالرواية الأولى.
(٤) فى الأَصْل: «أَمْسَى» وَهُوَ خطأ وتحريف. والتصحيح عَن الْأُم والمختصر والديوان، وَاللِّسَان والتاج (مَادَّة: خلى).
(٥) فى الأَصْل: «يرى». وَهُوَ تَحْرِيف.
(٦) هُوَ: العزب الَّذِي لَا زَوْجَة لَهُ. [.....]
(٧) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم. وفى الدِّيوَان (ص ٢٠١) :«الحليل» وَلَا فرق فى الْمَعْنى المُرَاد.
(٨) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا عَن الْأُم (ص ١٤٢).
(٩) قَوْله: بِهَذَا، غير مَوْجُود بِالْأُمِّ.
(١٠) فى الأَصْل: «لعفاف»، وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن الْأُم.
(١١) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا عَن الْأُم (ص ١٤٢).
192
ثُمَّ ذَكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ، وَذَكَرَ تَأْوِيلَهُ، وَذَكَرَ السُّنَّةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَ [فِي] النَّظَافَةِ، وَنَفَى «١» تَغَيُّرَ الرِّيحِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ «٢»، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ «٣».
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (إجَازَةً) عَنْ الرَّبِيعِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
(رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) :«قَالَ اللَّهُ تبَارك وَتَعَالَى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ. قُلْ: هُوَ أَذىً، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) الْآيَةُ «٤». فَأَبَانَ: أَنَّهَا حَائِضٌ غَيْرُ طَاهِرٍ، وَأَمَرَنَا: أَنْ لَا نَقْرَبَ حَائِضًا حَتَّى تَطْهُرَ، وَلَا إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَتَطَهَّرَ «٥» بِالْمَاءِ، وَتَكُونُ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ».
وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)، قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي فِي «٦» مَوَاضِعِ الْحَيْضِ. وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِمَا قَالَ وَمُحْتَمِلَةً: أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ: اعْتِزَالُ جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ، وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى اعْتِزَالِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا، وَإِبَاحَةِ مَا فَوْقَهَا».
(١) فى الأَصْل: «وَمعنى». والتصحيح عَن اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ١٧٩). [.....]
(٢) فَلْينْظر فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ١٧٨- ١٨١).
(٣) لِلْحَافِظِ الْبَيْهَقِيّ رضى الله عَنهُ.
(٤) تَمامهَا: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ: ٢- ٢٢٢).
(٥) فى الأَصْل: «تطهر». وَمَا أَثْبَتْنَاهُ عبارَة الام (ج ١ ص ٥٠)، وهى أظهر.
(٦) عبارَة الْأُم (ج ١ ص ٥١) :«من». وهى أنسب.
52
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» - فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ: ٢- ٢٢٢).-: «يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : الطَّهَارَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ لَهَا-:
[الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ «٢»
].».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٣» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَتَحْرِيمُ «٤» اللَّهِ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ «٥» -: لِأَذَى الْحَيْضِ «٦».-: كَالدَّلَالَةِ عَلَى: [أَنَّ «٧» ] إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ «٨».».
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٩» :
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١٥٤).
(٢) زِيَادَة مفيدة، عَن الْمُخْتَصر (ج ٣ ص ٢٩٣). وراجع الْأُم (ج ٥ ص ٧).
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٨٤).
(٤) عبارَة الْأُم: «وَيُشبه أَن يكون تَحْرِيم».
(٥) قَالَ الشَّافِعِي- (على مَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٩١) وَالأُم (ج ٥ ص ١٥٥- ١٥٦) -: «فخالفنا بعض النَّاس: فى مُبَاشرَة الرجل امْرَأَته، وإتيانه إِيَّاهَا وهى حَائِض.- فَقَالَ: قد روينَا خلاف مَا رويتم، فروينا: أَن يخلف مَوضِع الدَّم، ثمَّ ينَال مَا شَاءَ. وَذكر حَدِيثا لَا يُثبتهُ أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ.».
(٦) انْظُر مَا قَالَه فى الْأُم بعد ذَلِك.
(٧) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٨) قَالَ فى الْمُخْتَصر (ج ٣ ص ٢٩٣) :«لِأَن أَذَاهُ لَا يَنْقَطِع». وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٩٠- ١٩١).
(٩) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٨٤). [.....]
193
أَرَادَ [بِهِ «١» ] : الزَّوْجَ الثَّانِي: إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا-: فَإِقَامَةُ الرَّجْعَةِ، مِثْلُ: أَنْ يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ. ثُمَّ تَكُونُ الْحُجَّةُ- فِي رُجُوعِهَا إلَى الْأَوَّلِ:
بِنِكَاحٍ مُبْتَدَإٍ.-: تَعْلِيقَهُ التَّحْرِيمَ بِغَايَتِهِ «٢».
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ: الزَّوْجَ الْأَوَّلَ فَالْمُرَادُ بِالتَّرَاجُعِ: النِّكَاحُ الَّذِي يَكُونُ بِتَرَاجُعِهِمَا وَبِرِضَاهُمَا جَمِيعًا، بَعْدَ الْعِدَّةِ «٣». وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «٤» :«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ «٥» : تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: ٢- ٢٢٦- ٢٢٧).»
«فَقَالَ الْأَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ-: مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ «٦» صلّى الله عَلَيْهِ
(١) زِيَادَة حَسَنَة أَي: بالمراجع.
(٢) أَي: فى قَوْله تَعَالَى: (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). فَيكون لرجوعها إِلَى الاول دَلِيل وَاحِد. هَذَا وفى الأَصْل: «فغاية»، وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٣) فَيكون لرجوعها إِلَى الاول دليلان.
(٤) كَمَا فى الرسَالَة (ص ٥٧٧- ٥٨٤) وَكَلَام الأَصْل فِيهِ اخْتِصَار كَبِير، وَتصرف يسير.
(٥) انْظُر فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٤٨- ٢٥٢) كَلَامه فى الْيَمين الَّتِي يكون بهَا الرجل موليا: فَفِيهِ فَوَائِد لَا تُوجد فى غَيره. وَانْظُر فى الْأُم (ج ٧ ص ٢١)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٨٠) مَذْهَب ابْن عَبَّاس فى ذَلِك.
(٦) كعلى، وَعُثْمَان، وَعَائِشَة، وَابْن عمر، وَزيد بن ثَابت، وأبى الدَّرْدَاء، وأبى ذَر وَابْن عَبَّاس فى رِوَايَة ضَعِيفَة عَنهُ. انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ٢٤٧- ٢٤٨)، والمختصر (ج ٤ ص ٩٤)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٦- ٣٧٨ و٣٨٠)، وَفتح الْبَارِي (ج ٩ ص ٣٤٦- ٣٤٧).
230
وَسلم. عِنْدَنَا: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ: وُقِفَ الْمُولِي فَإِمَّا: أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا: أَنْ يُطَلِّقَ.»
« [وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ-: مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ «١».-: عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ:
انْقِضَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ «٢» ] » «قَالَ: وَالظَّاهِرُ «٣» فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَنْظَرَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فِي شَيْءٍ-: لَمْ يَكُنْ «٤» عَلَيْهِ سَبِيلٌ، حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. لِأَنَّهُ «٥» [إنَّمَا «٦» ] جَعَلَ عَلَيْهِ: الْفَيْئَةَ أَوْ الطَّلَاقَ «٧» - وَالْفَيْئَةُ: الْجِمَاعُ: إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ «٨».- وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا «٩» يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ
(١) كَابْن عَبَّاس فى الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَنهُ، وَعمر فِي رِوَايَة ضَعِيفَة، وَابْن مَسْعُود فى رِوَايَة مُرْسلَة، وَعُثْمَان وَزيد فى رِوَايَة أُخْرَى عَنْهُمَا مَرْدُودَة. انْظُر الْأُم (ج ٧ ص ٢١)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٨- ٣٨٠).
(٢) زِيَادَة مفيدة عَن الرسَالَة، ونجوز أَنَّهَا سَقَطت من الأَصْل.
(٣) عبارَة الرسَالَة (ص ٥٧٩) هى: «لما قَالَ الله:
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ) كَانَ الظَّاهِر» إِلَخ.
(٤) فى نُسْخَة الرّبيع زِيَادَة: «لَهُ». [.....]
(٥) كَذَا بالرسالة (ص ٥٨١). وفى الأَصْل: «وَلِأَنَّهُ» وللزيادة من النَّاسِخ.
(٦) الزِّيَادَة عَن الرسَالَة.
(٧) كَذَا بالرسالة، وَهُوَ الأولى. وفى الأَصْل: «وَالطَّلَاق».
(٨) قد ذكر هَذَا التَّفْسِير بِدُونِ الشَّرْط، فى الرسَالَة (ص ٥٧٨). وَقد ذكر بِلَفْظ:
«إِلَّا لعذر» فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٥٦)، والمختصر (ج ٤ ص ١٠٦). وَانْظُر الْخلاف فى تَفْسِير ذَلِك ومنشأه، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٨٠) وَفتح الْبَارِي (ج ٩ ص ٣٤٤).
(٩) فى بعض نسخ الرسَالَة: «لَا»، وَالْمعْنَى عَلَيْهَا صَحِيح أَيْضا.
231
مِنْهُمَا صَاحِبَهُ: وَقَدْ ذُكِرَا «١» فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. كَمَا «٢» يُقَالُ لَهُ: افْدِهِ، أَوْ نَبِيعَهُ عَلَيْكَ. بِلَا «٣» فَصْلٌ.».
وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ، وَبَيَانُ «٤» الِاعْتِبَارِ بِالْعَزْمِ. وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ: «وَكَيْفَ «٥» يَكُونُ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَفِيءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ: وَهُوَ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ. ؟ أَتُرَى هَذَا قَوْلًا يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ «٦» [لِأَحَدٍ «٧» ] ؟!.».
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ «٨» - هُوَ لِي مَسْمُوعٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ.-:
«وَلِمَ زَعَمْتُمْ «٩» : أَنَّ «١٠» الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثَهُ-: مِنْ
(١) فى الأَصْل: «ذكرُوا» وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن الرسَالَة (ص ٥٨١).
(٢) كَذَا بالرسالة وفى الأَصْل: «فَيُقَال» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٣) كَذَا بالرسالة وفى الأَصْل: «فَلَا» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٤) عبارَة الأَصْل: «مَكَان» أَو «مظان». وَلَعَلَّ الصَّوَاب مَا أَثْبَتْنَاهُ.
(٥) كَذَا بِالْأَصْلِ ونسخة الرسَالَة المطبوعة ببولاق. وفى سَائِر النّسخ: «فَكيف».
(٦) كَذَا بِالْأَصْلِ ونسخة الرّبيع (ص ٥٨٤). وفى سَائِر النّسخ: «الْمَعْقُول».
(٧) الزِّيَادَة عَن الرسَالَة. وراجع بَقِيَّة الْكَلَام فِيهَا (ص ٥٨٤- ٥٨٦) لفائدته.
(٨) من الْأُم (ج ٧ ص ٢١) : فى خلال مناظرة أخري مَعَ بعض الْحَنَفِيَّة: من تِلْكَ المناظرات المفيدة الَّتِي مَلأ بهَا كِتَابه الَّذِي أَلفه للرَّدّ على من خَالفه فى مسئلة: الْأَخْذ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد وَالَّذِي أتحفنا بفصل كَبِير مِنْهُ فى الْجُزْء السَّابِع من الْأُم (ج ٧ ص ٦- ٣١ و٧٩)، وفى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٥٢- ٣٦٠). وَالَّذِي نرجوا: أَن يهتم بِهِ، وَيرجع إِلَيْهِ كل من عَنى بالدقائق الْفِقْهِيَّة، والموازنات المذهبية، والمناقشات القوية البريئة، والآراء الجلية السليمة الَّتِي تصدر عَن دقة فى الْفَهم، وسعة فى الْعلم.
(٩) رَاجع كَلَامه فى الْمُخْتَصر (ج ٤ ص ١١٣) : فَهُوَ يزِيد مَا هُنَا وضوحا وَقُوَّة. [.....]
(١٠) كَذَا بِالْأُمِّ وفى الأَصْل: «بِأَن». وَالظَّاهِر: أَن زِيَادَة الْبَاء من النَّاسِخ لِأَن التَّعْدِيَة بهَا هُنَا إِنَّمَا تكون إِذا كَانَ الزَّعْم بِمَعْنى الْكفَالَة: على مَا أَظن.
232
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْعِدَّة، وَفِي الرَّضَاعِ، وَفِي النَّفَقَاتِ»
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (قَرَأْتَ عَلَيْهِ) : أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ «١»، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ)، قَالَ «٢» :«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «٣» : ٢- ٢٢٨).»
«قَالَتْ «٤» عَائِشَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) : الْأَقْرَاءُ «٥» : الْأَطْهَارُ [فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ: مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ حَلَّتْ «٦» ]. وَقَالَ بِمِثْلِ «٧» مَعْنَى
(١) فى الأَصْل: «أَنا الرّبيع، أَنا أَبُو الْعَبَّاس». والتقديم من النَّاسِخ.
(٢) كَمَا فى الرسَالَة (ص ٥٦٢- ٥٦٨).
(٣) هَذِه قِرَاءَة الْجُمْهُور. وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَنَافِع: بتَشْديد الْوَاو، بِغَيْر همز. وَهُوَ: جمع «قرء» : بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا: وَإِن كَانَ الْفَتْح هُوَ الْمَشْهُور الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ جُمْهُور أهل اللُّغَة. وَلَا خلاف: فى أَنه يسْتَعْمل لُغَة، فى كل: من الطُّهْر وَالْحيض. وَلَا خلاف كَذَلِك:
فى أَنه يسْتَعْمل شرعا فيهمَا: وَإِن زعم خِلَافه الزاعمون، وَادّعى عدم اسْتِعْمَاله شرعا فى الطُّهْر المدعون. وَإِنَّمَا الْخلاف- عِنْد الصَّحَابَة وفقهاء الْأمة-: فى كَونه فى الْعدة، الطُّهْر أَو الْحيض. وَهُوَ خلاف ناشىء عَن الِاخْتِلَاف فى الِاسْتِعْمَال اللّغَوِيّ. وَقد نَص على ذَلِك، الْأَئِمَّة الثِّقَات: الَّذين يُؤْخَذ بكلامهم، ويعتد بحكمهم.
(٤) فى الرسَالَة: «فَقَالَت».
(٥) هَذَا جمع قلَّة، والقروء جمع كَثْرَة. وَقد ورد فى الْآيَة، بدل الأول: توسعا.
وَهُنَاكَ جمع ثَالِث فى أدنى الْعدَد، وَهُوَ: أقرؤ.
(٦) هَذِه زِيَادَة جَيِّدَة مفيدة، عَن الْأُم (ج ٧ ص ٢٤٥). وَقد رويت بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة عَن عَائِشَة وَمن مَعهَا. [.....]
(٧) كَذَا بالرسالة وفى الأَصْل: «كَمثل» وَهُوَ تَحْرِيف.
242
قَوْلِهَا، زيد بن ثانت، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا «١»
«وَقَالَ نَفَرٌ-: مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ «٢» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.-:
الْأَقْرَاءُ: الْحَيْضُ فَلَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ «٣» : حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ.»
(١) كالقاسم بن مُحَمَّد، وَسَالم بن عبد الله، وأبى بكر بن عبد الرَّحْمَن، وَسليمَان بن يسَار، وَسَائِر الْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَأَبَان بن عُثْمَان، وَالزهْرِيّ، وَعَامة فُقَهَاء أهل الْمَدِينَة، وَمَالك، وَأحمد فى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ. انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ١٩١- ١٩٢ وَج ٧ ص ٢٤٥)، والمختصر (ج ٥ ص ٤)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤١٤- ٤١٦)، وَشرح الْمُوَطَّأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢٠٣- ٢٠٥) وَزَاد الْمعَاد (ج ٤ ص ١٨٥)، وتهذيب اللُّغَات للنووى (ج ٢ ص ٨٥).
(٢) كالخلفاء الْأَرْبَعَة، وَابْن عَبَّاس، وَابْن مَسْعُود، وأبى بن كَعْب، ومعاذ بن جبل، وَعبادَة بن الصَّامِت، وأبى الدَّرْدَاء، وأبى مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَقد وافقهم على ذَلِك، كثير من التَّابِعين والمفتين: كَابْن الْمسيب، وَابْن جُبَير، وَطَاوُس، وَالْحسن، وَشُرَيْح، وَقَتَادَة، وعلقمة، وَالْأسود بن يزِيد، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَالشعْبِيّ، وَعَمْرو بن دِينَار، وَمُجاهد، وَمُقَاتِل، وَالثَّوْري، والأوزاعى، وأبى حنيفَة، وَزفر، وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه، وَأحمد فى أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَالشَّافِعِيّ فى الْقَدِيم، وأبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام: (وَإِن روى فى شرح الْقَامُوس- مَادَّة: قَرَأَ-: أَنه رَجَعَ عَنهُ بعد أَن ناظره الشَّافِعِي وأقنعه.). أنظر الْأُم (ج ٧ ص ٢٤٥)، وَاخْتِلَاف الحَدِيث (ص ١٤٦)، وَشرح مُسلم للنووى (ج ١٠ ص ٦٢- ٦٣)، وتهذيب اللُّغَات (ج ٢ ص ٨٥)، وَشرح الزرقانى على الْمُوَطَّأ (ج ٣ ص ٢٠٤)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤١٦- ٤١٨)، وَزَاد الْمعَاد (ج ٤ ص ١٨٤- ١٨٥).
(٣) كَذَا بِكَثِير من نسخ الرسَالَة. وفى الأَصْل: «فَلَا يحل للمطلقة» وَلَعَلَّه محرف.
وفى الْأُم (ج ٧ ص ٢٤٥) :«لَا تحل الْمَرْأَة». وفى نسختى الرّبيع وَابْن جمَاعَة: «فَلَا يحلوا الْمُطلقَة» (على حذف النُّون تَخْفِيفًا). أَي: لَا يحكمون بحلها. وَلَا نستبعد- مَعَ صِحَّته-:
أَنه محرف عَمَّا أثبت.
243
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حُجَّةَ الْقَوْلَيْنِ «١»، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ «٢» وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ:
«بِأَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَرَ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) - حِينَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ: حَائِضًا.-: أَنْ يَأْمُرَهُ: بِرَجْعَتِهَا [وَحَبْسِهَا «٣» ] حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا: طَاهِرًا، مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
«فَتِلْكَ الْعِدَّةُ: الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنْ يُطَلَّقَ «٤» لَهَا النِّسَاءُ.»
قَالَ الشَّافِعِيُّ: « [يَعْنِي «٥» ]- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ-: قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: ٦٥- ١) فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَّ الْعِدَّةَ: الطُّهْرُ، دُونَ الْحَيْضِ «٦»
(١) رَاجع كَلَامه فى الرسَالَة (ص ٥٦٣- ٥٦٦) : فَفِيهِ فَوَائِد جمة.
(٢) أنظر الرسَالَة (ص ٥٦٩)، والمختصر وَالأُم (ج ٥ ص ٢- ٤ و١٩١- ١٩٢).
وراجع فى الْأُم (ج ٥ ص ٨٩) كَلَامه فى الْفرق بَين اخْتِيَاره هَذَا، وَمَا ذهب إِلَيْهِ فى الِاسْتِبْرَاء: من أَنه طهر ثمَّ حَيْضَة. فَهُوَ مُفِيد هُنَا وَفِيمَا ذكر فى الرسَالَة (ص ٥٧١- ٥٧٢) :
مِمَّا لم يذكر فى الأَصْل.
(٣) زِيَادَة مفيدة، عَن الرسَالَة (ص ٥٦٧).
(٤) فى الْأُم (ج ٥ ص ١٦٢ و١٩١) :«تطلق». وَحَدِيث ابْن عمر هَذَا، قد روى من طرق عدَّة، وبألفاظ مُخْتَلفَة. فَرَاجعه فى الْأُم والمختصر، وَاخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣١٦)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٢٣- ٣٢٧ و٤١٤)، وَشرح الْمُوَطَّأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢٠٠- ٢٠٢ و٢١٨)، وَفتح الْبَارِي (ج ٩ ص ٢٧٦- ٢٨٥ و٣٩١)، وَشرح مُسلم للنووى (ج ١٠ ص ٥٩- ٦٩)، ومعالم السّنَن (ج ٣ ص ٢٣١).
(٥) أَي: الرَّسُول. وَالزِّيَادَة عَن الرسَالَة (ص ٥٦٧)، وَالْجُمْلَة الاعتراضية مُؤخر فِيهَا عَن الْمَفْعُول.
(٦) قَالَ الشَّافِعِي بعد ذَلِك (كَمَا فى الْمُخْتَصر وَالأُم: (ج ٥ ص ٣ و١٩١) :«وَقَرَأَ (فطلقوهن لقبل عدتهن) وَهُوَ: أَن يطلقهَا طَاهِرا. لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تسْتَقْبل عدتهَا.
وَلَو طلقت حَائِضًا: لم تكن مُسْتَقْبلَة عدتهَا، إِلَّا من بعد الْحيض.»
. اهـ. وَانْظُر زَاد الْمعَاد (ج ٤ ص ١٩٠). وَأَقُول:
قَوْله تَعَالَى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) - بِقطع النّظر عَن كَون مَا روى فى الْأُم والمختصر، والموطأ وصحيح مُسلم، عَن النَّبِي أَو غَيره، من قَوْله: «فى قبل، أَو لقبل عدتهن» قِرَاءَة أُخْرَى، أَو تَفْسِيرا-: مؤول فى نظر أَصْحَاب المذهبين جَمِيعًا، على معنى: فطلقوهن مستقبلات عدتهن.
إِلَّا أَن الشَّافِعِي قد فهم بِحَق: أَن الِاسْتِقْبَال على الْفَوْر، لَا على التَّرَاخِي وَأَن ذَلِك لَا يتَحَقَّق إِلَّا: إِذا كَانَت الْعدة الطُّهْر.
لِأَنَّهُ وجد: أَن الشَّارِع قد نهى عَن الطَّلَاق فى الْحيض، وَأقرهُ فى الطُّهْر. وَوجد:
أَن الْإِجْمَاع قد انْعَقَد: على أَن الْحيض الَّذِي وَقع فِيهِ الطَّلَاق، لَا يحْسب من الْعدة. وَأدْركَ:
أَن النهى إِنَّمَا هُوَ لمنع ضَرَر طول الِانْتِظَار، عَن الْمَرْأَة.
فَلَو لم يكن الِاسْتِقْبَال على الْفَوْر-: بِأَن كَانَ على التَّرَاخِي.-: للَزِمَ (أَولا) : عدم النهى عَن الطَّلَاق فى الْحيض لكَون الْمُطلقَة فِيهِ: مُسْتَقْبلَة عدتهَا (أَيْضا) على التَّرَاخِي.
وللزم (ثَانِيًا) : أَن يتَحَقَّق فى الطَّلَاق السنى، الْمَعْنى: الَّذِي من أَجله حصل النهى فى الطَّلَاق البدعى. وَلَيْسَ بمعقول: أَن ينْهَى الشَّارِع عَنهُ- فى حَالَة- لعِلَّة خَاصَّة، ثمَّ يُجِيزهُ فى حَالَة أُخْرَى، مَعَ وجودهَا.
وعَلى هَذَا، فتفيد الْآيَة: أَن الْأَقْرَاء هى: الْأَطْهَار وَيكون مَعْنَاهَا: فطلقوهن فى وَقت عدتهن، أَي: فى الْوَقْت الَّذِي يشرعن فِيهِ فى الْعدة، ويستقبلها فَوْرًا عقب صُدُور الطَّلَاق. وَهَذَا لَا يكون إِلَّا: إِذا كَانَت الْعدة نفس الطُّهْر.
وَلَا يُعَكر على هَذَا: أَن الشَّافِعِي قد ذهب: إِلَى أَن طَلَاق الْحَائِض يَقع فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ:
اسْتِقْبَال الْعدة فَوْرًا.
لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ: بِالنّظرِ إِلَى معنى الْآيَة الْكَرِيمَة، وبالنظر إِلَى الطَّلَاق الَّذِي لم يتَعَلَّق نهى بِهِ. وَكَون الِاسْتِقْبَال فَوْرًا يتَخَلَّف فى طَلَاق الْحَائِض، إِنَّمَا هُوَ: لِأَن الزَّوْج قد أَسَاءَ فارتكب الْمنْهِي عَنهُ.
ولكى تتأكد مِمَّا ذكرنَا، وتطمئن إِلَيْهِ- يكفى: أَن تتأمل قَول الشَّافِعِي الَّذِي صدرنا بِهِ الْكَلَام وَترجع إِلَى مَا ذكره فى الْأُم (ج ٥ ص ١٦٢- ١٦٣ و١٩١)، وَمَا ذكره كل: من الْخطابِيّ فى معالم السّنَن (ج ٣ ص ٢٣١- ٢٣٢)، وَالنَّوَوِيّ فى شرح مُسلم (ج ١٠ ص ٦٢ و٦٧- ٦٨)، وَابْن حجر فى الْفَتْح (ج ٩ ص ٢٧٦ و٢٨١ و٣٨٦)، والزرقانى فى شرح الْمُوَطَّأ (ج ٣ ص ٢٠٢ و٢١٨).
وَبِذَلِك، يتَبَيَّن: أَن مَا ذكره الشَّيْخ شَاكر فى تَعْلِيقه على الرسَالَة (ص ٥٦٧- ٥٦٨) :
كَلَام تافه لَا يعْتد بِهِ، وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ. وَأَنه لم يصدر عَن إِدْرَاك صَحِيح لرَأى الشَّافِعِي وَمن إِلَيْهِ فى الْآيَة وَإِنَّمَا صدر عَن تسرع فى فهمه، وتقليد لِابْنِ الْقيم وَغَيره. وَبِهِمَا أَخطَأ من أَخطَأ، وأغفل من أغفل.
أما كَلَامه (ص ٥٦٩) عَن الِاكْتِفَاء فى الْعدة بِبَقِيَّة الطُّهْر، ومحاولته إِلْزَام الْقَائِلين بِهِ:
أَن يكتفوا بِبَقِيَّة الشَّهْر، لمن تَعْتَد بِالْأَشْهرِ.-: فناشىء عَن تأثره بِكَلَام ابْن رشد، وَعدم إِدْرَاكه الْفرق الْوَاضِح بَين الشَّهْر وَالطُّهْر وَأَن الشَّهْر: منضبط محدد، لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص بِخِلَاف الطُّهْر: الَّذِي يُطلق لُغَة على كل الزَّمن الْخَالِي من الْحيض، وعَلى بعضه وَلَو لَحْظَة: وَإِن زعم ابْن الْقيم فى زَاد الْمعَاد (ج ٤ ص ١٨٦) : أَنه غير مَعْقُول إِذْ يكفى فى الْقَضَاء على زَعمه هَذَا، مَا ذكره النَّوَوِيّ فى شرح مُسلم (ج ١٠ ص ٦٣) فَرَاجعه. على أَن فى ذَلِك اللَّازِم، خلافًا وتفصيلا مَشْهُورا بَين الْمُتَحَيِّرَة وَغَيرهَا: كَمَا فى شرح الْمحلى للمنهاج (ج ٤ ص ٤١- ٤٢).
وَأما كَلَامه (ص ٥٧٠- ٥٧١) عَن عدَّة الْأمة-: فَمن الضعْف الْوَاضِح، وَالْخَطَأ الفاضح: بِحَيْثُ لَا يسْتَحق الرَّد عَلَيْهِ ويكفى أَنه اشْتَمَل على مَا ينْقضه ويبطله.
244
وَاحْتَجَّ: «بِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) قَالَ: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) وَلَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ «١» : لِأَنَّ الْغُسْلَ رَابِعٌ «٢».».
وَاحْتَجَّ: «بِأَنَّ الْحَيْضَ، هُوَ: أَنْ يُرْخِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ حَتَّى يَظْهَرَ «٣»
(١) قَالَ فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٤) :«وَلَيْسَ فى الْكتاب، وَلَا فِي السّنة- للْغسْل بعد الْحَيْضَة الثَّالِثَة- معنى: تنقضى بِهِ الْعدة.».
(٢) فى الأَصْل: «رَافع». وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن الرسَالَة (ص ٥٦٨).
وراجع كَلَامه فِيهَا لِأَن مَا فى الأَصْل مُخْتَصر.
(٣) كَذَا بالرسالة (ص ٥٦٦). وفى الأَصْل: «يطهر». وَهُوَ تَحْرِيف.
246
وَالطُّهْرُ هُوَ: أَنْ يَقْرِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ، فَلَا يَظْهَرُ «١». فَالْقُرْءُ «٢» : الْحَبْسُ لَا:
الْإِرْسَالُ. فَالطُّهْرُ-: إذَا «٣» كَانَ يَكُونَ وَقْتًا.- أَوْلَى «٤» فِي اللِّسَانِ، بِمَعْنَى الْقُرْءِ لِأَنَّهُ «٥» : حَبْسُ الدَّمِ.» وَأَطَالَ الْكَلَامُ فِي شَرْحِهِ «٦».
(أَنْبَأَنِي) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (إجَازَةً) : أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٧» :«قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ «٨» :(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ. بِأَنْفُسِهِنَّ)
(١) كَذَا بالرسالة (ص ٥٦٦). وفى الأَصْل: «يطهر». وَهُوَ تَحْرِيف. [.....]
(٢) كَذَا بِالْأَصْلِ ومعظم نسخ الرسَالَة (وعبارتها: وَيكون الطُّهْر والقرء إِلَخ).
وفى نُسْخَة الرّبيع بِالْيَاءِ. وَكِلَاهُمَا صَحِيح، ومصدر لقرى، بِمَعْنى جمع: وَإِن كَانَ يائيا.
كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَام الزّجاج الْمَذْكُور فى تَهْذِيب اللُّغَات (ج ٢ ص ٨٦)، وَاللِّسَان (ج ١ ص ١٢٦)، وَشرح الْقَامُوس (ج ١ ص ١٠٢). ومصدر الْفِعْل اليائى، لَيْسَ بِلَازِم: أَن يكون يائيا كَمَا هُوَ مَعْرُوف. على أَن الْقُرْء- مصدر «قَرَأَ» - قد ورد بِمَعْنى الْجمع وَالْحَبْس أَيْضا فَلَا يلْزم إِذن: أَن يكون الشَّافِعِي قد أَرَادَ هُنَا مصدر اليائى. على أَن كَلَام الشَّافِعِي نَفسه- فى الْمُخْتَصر وَالأُم (ج ٥ ص ٣ و١٩١) - يقْضى على كل شُبْهَة وجدل حَيْثُ يَقُول: «والقرء اسْم وضع لِمَعْنى فَلَمَّا كَانَ الْحيض: دَمًا يرخيه الرَّحِم فَيخرج وَالطُّهْر: دَمًا يحتبس فَلَا يخرج-: كَانَ مَعْرُوفا من لِسَان الْعَرَب: أَن الْقُرْء: الْحَبْس تَقول الْعَرَب: هُوَ يقرى المَاء فى حَوْضه وفى سقائه وَتقول: هُوَ يقرى الطَّعَام فى شدقه.». وَانْظُر زَاد الْمعَاد (ج ٤ ص ١٩٠).
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ وَأكْثر نسخ الرسَالَة وَهُوَ الظَّاهِر. أَي: إِذا جرينا على أَنه وَقت الْعدة. وفى نسختى الرّبيع وَابْن جمَاعَة: «إِذْ».
(٤) كَذَا بالرسالة. وفى الأَصْل: «أُوتى» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٥) كَذَا بالرسالة. أَي: الطُّهْر. وفى الأَصْل: «وَلِأَنَّهُ» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٦) فى صفحه (٥٦٧- ٥٧٢) حَيْثُ ذكر بعض مَا تقدم، وَغَيره.
(٧) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١٩٥).
(٨) فى الْأُم زِيَادَة: «فى الْآيَة الْكَرِيمَة الَّتِي ذكر فِيهَا المطلقات ذَوَات الْأَقْرَاء».
247
(ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «١» وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ: أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْآيَةُ «٢»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : فَكَانَ «٣» بَيِّنًا فِي الْآيَةِ- بِالتَّنْزِيلِ «٤» -:
أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلَّقَةِ: أَنْ تَكْتُمَ مَا فِي رَحِمِهَا: مِنْ الْمَحِيضِ. فَقَدْ يَحْدُثُ لَهُ «٥» - عِنْدَ خَوْفِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتُهَا- رَأَى فِي نِكَاحِهَا «٦» أَوْ يَكُونُ طَلَاقُهُ إيَّاهَا:
أَدَبًا [لَهَا «٧» ].».
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ «٨»، إلَى أَنْ قَالَ: «وَكَانَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ: الْحَمْلَ مَعَ الْمَحِيضِ «٩» لِأَنَّ الْحَمْلَ: مِمَّا «١٠» خَلْقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ.»
«فَإِذَا «١١» سَأَلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ: أَحَامِلٌ هِيَ؟ أَوْ هَلْ حَاضَتْ؟ -:
(١) فى الْأُم بعد ذَلِك: «الْآيَة».
(٢) تَمامهَا: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: ٢- ٢٢٨).
(٣) فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢٠) :«وَكَانَ».
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى، أَي: بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ، بِدُونِ مَا حَاجَة إِلَى دَلِيل آخر كالسنة. وَعبارَة الأَصْل هى: «فَكَانَ بَينا الْآيَة فى التَّنْزِيل» وفيهَا تَقْدِيم وتحريف.
(٥) كَذَا بِالْأَصْلِ. وفى الْأُم: «وَذَلِكَ أَن يحدث للزَّوْج». وَالْأول أظهر.
(٦) فى الْأُم: «ارتجاعها» وَالْمعْنَى وَاحِد.
(٧) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم، قَالَ بعْدهَا: «لَا إِرَادَة أَن تبين مِنْهُ». [.....]
(٨) حَيْثُ قَالَ: «فلتعلمه ذَلِك: لِئَلَّا تنقضى عدتهَا، فَلَا يكون لَهُ سَبِيل إِلَى رَجعتهَا.».
(٩) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «الْحيض» ومعناهما وَاحِد هُنَا.
(١٠) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مَا». وَلَعَلَّه محرف.
(١١) فى الْأُم: «وَإِذا». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
248
فَهِيَ «١» عِنْدِي، لَا «٢» يَحِلُّ لَهَا: أَنْ تَكْتُمَهُ «٣» وَلَا أَحَدًا رَأَتْ أَنْ «٤» يُعْلِمَهُ.»
« [وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهَا، وَلَا أَحَدٌ يُعْلِمُهُ إيَّاهُ «٥» ] : فَأَحَبُّ إلَيَّ: لَوْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ.».
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ «٦»، إلَى أَنْ قَالَ: «وَلَوْ كَتَمَتْهُ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ، [الْحَمْلَ وَالْأَقْرَاءَ «٧» ] حَتَّى خَلَتْ عِدَّتُهَا-: كَانَتْ عِنْدِي، آثمة بِالْكِتْمَانِ [: إِذْ سُئِلَتْ وَكَتَمَتْ «٨» ]- وَخِفْتُ عَلَيْهَا الْإِثْمَ: إذَا كَتَمَتْ «٩» وَإِنْ لَمْ تُسْأَلْ.- وَلَمْ «١٠» يَكُنْ [لَهُ «١١».] عَلَيْهَا رَجْعَةٌ: لِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) إنَّمَا جَعَلَهَا لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. «١٢» ».
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) - فِي ذَلِكَ- قَوْلَ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ «١٣» وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ (الْمَبْسُوطِ) وَ (الْمَعْرِفَةِ).
(١) فى الْأُم: «فَبين».
(٢) فى الْأُم: «أَن لَا».
(٣) فى الْأُم زِيَادَة: «وَاحِدًا مِنْهُمَا».
(٤) عبارَة الْأُم: «أَنه يُعلمهُ إِيَّاه».
(٥) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم.
(٦) رَاجع الْأُم (ص ١٩٥)
(٧) زِيَادَة حَسَنَة مفيدة، عَن الْأُم.
(٨) زِيَادَة حَسَنَة مفيدة، عَن الْأُم.
(٩) فى الْأُم: «كتمته».
(١٠) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «لم» وَهُوَ خطأ، وَالنَّقْص من النَّاسِخ. [.....]
(١١) زِيَادَة حَسَنَة مفيدة، عَن الْأُم.
(١٢) قَالَ فى الْأُم، بعد ذَلِك: «فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فَلَا رَجْعَة لَهُ عَلَيْهَا».
(١٣) انْظُر الْأُم (ص ١٩٥- ١٩٦)، وَفتح الْبَارِي (ج ٩ ص ٣٩٠)، وَالسّنَن الْكُبْرَى. وَانْظُر فِيهَا أَيْضا مَا روى عَن عِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
249
وَبِهَذَا الْإِسْنَادُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ «٢» - يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) -: مِنْ الْعِدَدِ.-: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ: ٢- ٢٢٨) فَلَمْ يَعْلَمُوا: مَا عِدَّةُ الْمَرْأَةِ [الَّتِي «٣» ] لَا قُرْءَ «٤» لَهَا؟ وَهِيَ: الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَالْحَامِلُ «٥». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ: مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ: فَعِدَّتُهُنَّ: ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ «٦» [وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ: ٦٥- ٤) فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُؤَيَّسَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ: ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ «٧».] وَقَوْلُهُ «٨» :
(إنْ ارْتَبْتُمْ) : فَلَمْ تَدْرُوا «٩» : مَا تَعْتَدُّ غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ؟ - وَقَالَ: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ «١٠» أَجَلُهُنَّ: أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ: ٦٥- ٤) «١١»
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١٩٦).
(٢) قد أخرجه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢٠) عَن أَبى بن كَعْب، بِلَفْظ مُخْتَلف
(٣) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٤) فى الْأُم: «أَقراء».
(٥) عبارَة الْأُم: «وَلَا الْحَامِل» (بالْعَطْف على الْمَرْأَة). وهى وَإِن كَانَت صَحِيحَة، إِلَّا أَنَّهَا توهم: أَن الْحَامِل من ذَوَات الْأَقْرَاء مَعَ أَن أقراءها تهمل إِذا مَا تبين حملهَا كَمَا هُوَ مُقَرر فَتَأمل.
(٦) رَاجع فى الْأُم (ج ٥ ص ١٩٤- ١٩٥) كَلَامه عَن هَذَا: فَهُوَ مُفِيد جدا.
(٧) الزِّيَادَة عَن الْأُم، ونرجح أَنَّهَا سَقَطت هُنَا من النَّاسِخ.
(٨) هَذَا الى قَوْله: الْأَقْرَاء، يظْهر أَنه من كَلَام الشَّافِعِي نَفسه، لَا مِمَّا سَمعه. انْظُر السّنَن الْكُبْرَى
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «يدروا». وَهُوَ تَحْرِيف فى الْغَالِب.
(١٠) رَاجع فى الرسَالَة (ص ٥٧٢- ٥٧٥) : كَلَامه عَن عدَّة الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا، وَخلاف الصَّحَابَة فى ذَلِك. فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سيأتى قَرِيبا.
(١١) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٢١). حَدِيث أم كُلْثُوم بنت عقبَة. [.....]
250
«وَهَذِهِ الْآيَةُ: فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي [كَتَبْنَا «١» ] قَبْلَهَا. فَإِذَا «٢» أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ، وَلَمْ تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ-: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا-: بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عَلَيْهِ.- وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا: لِتُعْطِيهِ فِدْيَةً مِنْهُ.».
وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ «٣».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا «٥» يَحِلُّ لَكُمْ: أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا: أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ: ٢- ٢٢٩).»
«فَقِيلَ «٦» (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الرَّجُلَ: حَتَّى تَخَافَ أَنْ لَا تُقِيمَ «٧» حُدُودَ اللَّهِ-: بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ، أَوْ أَكْثَرِهِ، إلَيْهِ «٨».
وَيَكُونُ الزَّوْجُ غَيْرَ مَانِعٍ «٩» لَهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، أَوْ أَكْثَرَهُ.»
«فَإِذَا كَانَ هَذَا: حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ:
فَلَيْسَا مَعًا مُقِيمِينَ حُدُودَ اللَّهِ «١٠»

(١) الزِّيَادَة عَن الْأُم لدفع الْإِيهَام.
(٢) فى الْأُم: «وَإِذا». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٣) انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ١٧٨).
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١٧٩).
(٥) ذكر فى الْأُم، الْآيَة من أَولهَا.
(٦) فى الأَصْل: «فقيد» وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن الْأُم.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يُقيم». وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٨) فى الأَصْل: «أَو أَكثر وَإِلَيْهِ» وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن الْأُم.
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ: وفى الأَصْل: «دَافع» وَهُوَ تَحْرِيف يخل بِالْمَعْنَى المُرَاد، وَيُعْطى عَكسه.
(١٠) أَي: فَيصدق بِهَذَا، كَمَا يصدق بِعَدَمِ إِقَامَة كل مِنْهُمَا الْحُدُود. [.....]
217
«وَقِيلَ «١» : وَ [هَكَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) «٢».] : إذَا حَلَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ: [فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ حَالٍ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا. وَإِذَا حَلَّ لَهُ «٣» ] وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهَا: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا مَعًا. وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ». وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ «٤» ثُمَّ قَالَ «٥» :
«وَقِيلَ «٦» : أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، فَتَخَافُ عَلَى الزَّوْجِ: أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إذَا مَنَعَتْهُ حَقًّا. فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ.»
«وَجِمَاعُ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ: الْمَانِعَةُ لِبَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ، الْمُفْتَدِيَةُ «٧» : تَحَرُّجًا مِنْ أَنْ لَا تُؤَدِّيَ حَقَّهُ، أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ «٨». فَإِذَا كَانَ هَكَذَا:
حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ «٩».».
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «قَالَ» وَهُوَ تَحْرِيف، أَو أَن مَا أَثْبَتْنَاهُ سَاقِط من الأَصْل بِدَلِيل قَوْله فِيمَا بعد: وَهَذَا كَلَام صَحِيح.
(٢) هَذِه الزِّيَادَة عَن الْأُم وَقد يكون أَكْثَرهَا مُتَعَيّنا. وعَلى كل فَالْكَلَام قد اتَّضَح بهَا وَظهر.
(٣) هَذِه الزِّيَادَة عَن الْأُم وَقد يكون أَكْثَرهَا مُتَعَيّنا. وعَلى كل فَالْكَلَام قد اتَّضَح بهَا وَظهر.
(٤) انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ١٧٩).
(٥) ص ١٧٩.
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وَقل». وَهُوَ تَحْرِيف.
(٧) فى الأَصْل: «الفذية» وَهُوَ خطأ وتحريف. والتصحيح عَن الْأُم.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وَعبارَة الأَصْل: «أَو كراهيته» وهى محرفة.
(٩) رَاجع فى هَذَا الْمقَام، السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣١٢- ٣١٥).
218
(أَنَا) أَبُو زَكَرِيَّا بن أَبى إِسْحَق (فِي آخَرِينَ)، قَالُوا: أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «١» :«ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ «٢» عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ «٣»، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ [امْرَأَتَهُ، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا-: كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ. فَعَمَد رَجُلٌ إلَى «٤» ] امْرَأَةٍ لَهُ:
فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا: ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ:
وَاَللَّهِ لَا آوِيكَ «٥» إلَيَّ، وَلَا تَحِلِّينَ «٦» أَبَدًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ: ٢- ٢٢٩) فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا- مِنْ يَوْمئِذٍ-: مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ، أَوْ «٧» لَمْ يُطَلِّقْ.».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٨» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ هَذَا».
(١) كَمَا فِي اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣١٢- ٣١٣) وَقد ذكره فى الْأُم (ج ٥ ص ١٢٤).
(٢) فى الأَصْل: «عَن» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٣) قد أخرجه أَيْضا- فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٣٣) مَوْصُولا، عَن عَائِشَة.
وَكَذَلِكَ أخرجه عَنْهَا التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، كَمَا فى شرح الْمُوَطَّأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢١٨).
فَلَا يضر إرْسَاله هُنَا بل نَص البُخَارِيّ وَغَيره (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى) على أَنه الصَّحِيح.
(٤) الزِّيَادَة عَن اخْتِلَاف الحَدِيث، وَالأُم، والموطأ، وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(٥) فى السّنَن الْكُبْرَى: «أؤويك».
(٦) أَي: لغيرى. وفى بعض نسخ السّنَن الْكُبْرَى: «تخلين» فَلَا فرق. ويؤكد ذَلِك قَوْله فى رِوَايَة عَائِشَة: «لَا أطلقك: فتبينى منى، وَلَا أؤويك إِلَى» إِلَخ. وَقَوله فى رِوَايَة أُخْرَى عَن عُرْوَة- كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٤٤) -: «لَا آويك إِلَى أبدا، وَلَا تحلين لغيرى» إِلَخ
(٧) فى الْأُم: «وَلم» وَهُوَ أحسن.
(٨) كَمَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣١٣) وَانْظُر مَا ذكره هَذَا الْبَعْض فى الْأُم.
223
فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ، إلَّا «١» : مَنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ.»
وَقَوْلُهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «٢» : ٢- ٢٣٤) هَذَا: إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ.»
«وَهَذَا «٣» : كَلَام عربى والآيتان يَدُلَّانِ «٤» : عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بَيِّنًا وَالْكَلَامُ فِيهِمَا: مِثْلُ قَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ: ٢- ٢٣٥) : حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا «٥».».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ «٦» - فِي
(١) فى الْأُم: «إِلَّا من يجوز لَهُ».
(٢) فى الْأُم: «من مَعْرُوف». وَهُوَ خطأ نشا عَن التباس هَذِه الْآيَة، بِآيَة الْبَقَرَة الْأُخْرَى: (٢٤٠) عِنْد النَّاسِخ أَو الطابع.
(٣) عبارَة الْأُم (ص ١٠٦) :«وَهُوَ كَلَام عربى: هَذَا من أبينه وَأقله خَفَاء لِأَن الْآيَتَيْنِ تدلان على افتراقهما: بسياق الْكَلَام فيهمَا وَمثل قَول الله فى المتوفي، فى قَوْله» إِلَخ:
فَكَلَام الأَصْل فِيهِ تصرف واختصار.
(٤) فى الأَصْل: «والإتيان بدلات» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٥) من الْوَاجِب: أَن تراجع المناقشة الْمَذْكُورَة فى الْأُم (ج ٥ ص ١٠٥- ١٠٦).
ليتأتى فهم هَذَا الْكَلَام حق الْفَهم. [.....]
(٦) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٢٩- ٢٣٠) وَأول كَلَامه هُوَ: «أَي امْرَأَة حل ابْتِدَاء نِكَاحهَا. فنكاحها حَلَال، مَتى شَاءَ من كَانَت تحل لَهُ، وشاءت. إِلَّا امْرَأتَيْنِ: الْمُلَاعنَة-: فَإِن الزَّوْج إِذا التعن لم تحل لَهُ أبدا بِحَال.- وَالثَّانيَِة: الْمَرْأَة يطلقهَا الْحر ثَلَاثًا» إِلَى آخر مَا فى الأَصْل.
227
الْمَرْأَةِ: يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا.-[قَالَ «١» ] :«فَلَا تَحِلُّ لَهُ: حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ لِقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الْمُطَلَّقَةِ «٢» الثَّالِثَةَ: (فَإِنْ طَلَّقَها: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ: ٢- ٢٣٠) «٣»
«قَالَ: فَاحْتَمَلَتْ «٤» الْآيَةُ: حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ [وَ «٥» ] دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ «٦». فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي- بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «٧»
«قَالَ: فَإِذَا «٨» تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، بِزَوْجٍ «٩» : صَحِيحِ النِّكَاحِ
(١) الزِّيَادَة: للتّنْبِيه والإيضاح.
(٢) فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٣) :«الطَّلقَة» وَلَا خلاف فى الْمَعْنى المُرَاد.
(٣) قَالَ الشَّافِعِي- كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١٦٥)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٣٣) -.
«فالقرآن يدل (وَالله أعلم) : على أَن من طلق زَوْجَة لَهُ-. دخل بهَا، أَو لم يدْخل.-:
لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره.»
. وراجع مَا قَالَه بعد ذَلِك فى الْأُم (ص ١٦٥- ١٦٦) :
الْفَائِدَة الْكَبِيرَة.
(٤) قَالَ فى الرسَالَة (ص ١٥٩) :«فَاحْتمل (هَذَا القَوْل) : أَن يَتَزَوَّجهَا زوج غَيره وَكَانَ هَذَا الْمَعْنى الَّذِي يسْبق إِلَى من خُوطِبَ بِهِ: أَنَّهَا إِذا عقدت عَلَيْهَا عقدَة النِّكَاح، فقد نكحت. وَاحْتمل: حَتَّى يُصِيبهَا زوج غَيره لَان اسْم: (النِّكَاح)، يَقع بالإصابة، وَيَقَع بِالْعقدِ.». ثمَّ ذكر حَدِيث امْرَأَة رِفَاعَة، الْمَشْهُور: الَّذِي يرجح الِاحْتِمَال الثَّانِي الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ فى الأَصْل.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٣).
(٦) رَاجع فِي الْأُم (ج ٧ ص ٢٦) : مناقشة جَيِّدَة حول هَذَا الْمَوْضُوع.
(٧) انْظُر مَا رَوَاهُ من السّنة فى ذَلِك، فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٢٩) والمختصر (ج ٤ ص ٩٢). وَانْظُر أَيْضا السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٣- ٣٧٥).
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل. «إِذا».
(٩) فى الْأُم: «زوجا».
228
فَأَصَابَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا-: حَلَّ «١» لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ: ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ طَلَّقَها: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ «٢» ).».
وَقَالَ «٣» فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ طَلَّقَها «٤» : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا: إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ: ٢- ٢٣٠).-: «وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ فَأَمَّا «٥» الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ: إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ.»
«وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً: ٢- ٢٢٨) «٦» : إصْلَاحَ مَا أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ-:
بِالرَّجْعَةِ.».
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامُ، إلَى أَنْ قَالَ: «فَأُحِبُّ «٧» لَهُمَا: أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَغَيْرِهِ: مِنْ حُدُودِهِ «٨».».
قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَلَّقَها: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) إنْ
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وَفِي الأَصْل. «حلت» وَالظَّاهِر أَنه محرف، فتامل.
(٢) ذكر فى الْأُم الْآيَة كلهَا، ثمَّ اسْتدلَّ أَيْضا بِحَدِيث امْرَأَة رِفَاعَة. وَانْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى ج (ج ٧ ص ٣٧٦) : مَا روى عَن ابْن عَبَّاس فى ذَلِك، فَهُوَ مُفِيد.
(٣) فى الْأُم. «وفى» إِلَخ. ثمَّ إِنَّه قد وَقع فى الأَصْل- قبل ذَلِك- زِيَادَة مثل هَذِه الْجُمْلَة كلهَا تتلوها نفس الْآيَة السَّابِقَة. وهى زِيَادَة من النَّاسِخ بِلَا شكّ فَلذَلِك لم نثبتها.
(٤) هَذَا لم يذكر فى الْأُم: اكْتِفَاء بِذكرِهِ فِيهَا من قبل، واقتصارا على مَوضِع الشَّرْح. [.....]
(٥) فى الْأُم. «أما».
(٦) فى الْأُم، زِيَادَة. «أَي»
(٧) فى الْأُم. «وَأحب».
(٨) فى الْأُم: «حُدُود الله».
229
«وَالْحَصُورُ: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ «١»، [وَلَمْ يَنْدُبْهُ إلَى النِّكَاحِ «٢» ].».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «حَتْمٌ «٣» لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى «٤»، وَالْحَرَائِرُ: الْبَوَالِغُ-: إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ، وَدُعُوا «٥» إلَى رَضِيٍّ «٦» : مِنْ الْأَزْوَاجِ.-: أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ «٧» : إِذا تَراضَوْا)
(١) قد رَوَاهُ- فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٨٣) - بِهَذَا اللَّفْظ، عَن ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وبلفظ: «لَا يقرب» عَن ابْن مَسْعُود.
(٢) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى وَانْظُر كَلَامه السَّابِق واللاحق فى الْأُم، وَكَلَامه فى الْمُخْتَصر (ج ٣ ص ٢٥٦).
(٣) فى الْأُم (ج ٥ ص ١٢٧) :«فحتم».
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٠٣) وفى الأَصْل: «الْإِمَاء».
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ وفى الأَصْل وَالسّنَن الْكُبْرَى: «دعون» وَمَا فى الْأُم أشمل.
(٦) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالسّنَن الْكُبْرَى وفى الْأُم: «رضَا». [.....]
(٧) قَالَ بعض أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ (كَمَا فى الْأُم ج ٥ ص ١١) :« (وَإِذا طَلَّقْتُمُ) يعْنى: الْأزْوَاج (النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يعْنى: فانقضى أَجلهنَّ، يعْنى: عدتهن (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) يعْنى: أولياءهن (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) : إِن طلقوهن وَلم يبتوا طلاقهن.» قَالَ الشَّافِعِي: «وَمَا أشبه مَا قَالُوا من هَذَا بِمَا قَالُوا، وَلَا أعلم الْآيَة تحْتَمل غَيره: لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤمر بِأَن لَا يعضل الْمَرْأَة، من لَهُ سَبَب إِلَى العضل-:
بِأَن يكون يتم بِهِ نِكَاحهَا.-: من الْأَوْلِيَاء. وَالزَّوْج إِذا طَلقهَا، فانقضت عدتهَا: فَلَيْسَ بسبيل مِنْهَا فيعضلها، وَإِن لم تنقض عدتهَا: فقد يحرم عَلَيْهَا أَن تنْكح غَيره، وَهُوَ لَا يعضلها عَن نَفسه. وَهَذَا أبين مَا فى الْقُرْآن: من أَن للولى مَعَ الْمَرْأَة فى نَفسهَا حَقًا، وَأَن على الْوَلِيّ أَن لَا يعضلها إِذا رضيت أَن تنْكح بِالْمَعْرُوفِ.»
. اهـ وَهُوَ كَلَام جيد يُؤَكد ويوضح مَا سيأتى هُنَا. وَانْظُر مَا كتبه على هَذَا صَاحب الْجَوْهَر النقي (ج ٧ ص ١٠٤) وتأمله.
171
(بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ: ٢- ٢٣٢) «١»
«فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ: بِأَنَّ «٢» مُبْتَدَأَ الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ.-:
فَفِي «٣» الْآيَةِ، دَلَالَةٌ: [عَلَى «٤» ] أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضَلِ الْأَوْلِيَاءَ «٥» لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ، فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ-: فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لَا سَبِيلَ، وَلَا شِرْكَ لَهُ [فِي أَنْ يَعْضُلَهَا «٦» ] فِي بَعْضِهَا؟!.»
«فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ يَحْتَمِلُ «٧» : إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ: (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «٨» ) الْآيَةُ «٩».
(١) انْظُر الْمُخْتَصر (ج ٣ ص ٢٥٧).
(٢) فى الْأُم (ج ٥ ص ١٢٨) :«أَن» وَقَالَ فى الْأُم (ج ٥ ص ١٤٩) :
«فَإِن قَالَ قَائِل: نرى ابْتِدَاء الْآيَة مُخَاطبَة الْأزْوَاج» ثمَّ علل بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة.
(٣) هَذَا جَوَاب الشَّرْط، وَعبارَته فى الْأُم (ص ١٤٩) :«فَدلَّ على أَنه أَرَادَ غير الْأزْوَاج: من قبل أَن الزَّوْج- إِذا انْقَضتْ عدَّة الْمَرْأَة: ببلوغ أجلهَا.- لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا.».
(٤) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ص ١٢٨).
(٥) فى الأَصْل: «للأولياء»، وَهُوَ خطا وتحريف. والتصحيح عَن الْأُم (ص ١٢٨).
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ص ١٢٨).
(٧) فى الْأُم (ص ١٢٨) :«تحْتَمل» وفيهَا (ص ١٤٩) :«فقد يحْتَمل...
إِذا شارفن»
وَلَا خلاف فى الْمَعْنى.
(٨) قَالَ فى الْأُم (ج ٥ ص ١٤٩) - بعد أَن ذكر نَحْو هَذَا-: «نهيا: أَن يرتجعها ضِرَارًا ليعضلها.».
(٩) كَذَا بِالْأَصْلِ: وفى الْأُم (ج ٥ ص ١٢٨) :(أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) وَبَقِيَّة الْآيَة: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ: فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ: مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ، يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: ٢- ٢٣١).
172
ثُمَّ ذَكَرَ دَلَالَةَ السُّنَّةِ، لِمَا اخْتَارَ: مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ «١».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٢» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ، يَقَعُ: عَلَى الْمَصَّةِ، وَأَكْثَرَ مِنْهَا «٣» : إلَى كَمَالِ إرْضَاعِ الْحَوْلَيْنِ. وَيَقَعُ «٤» : عَلَى كُلِّ رَضَاعٍ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ «٥»
«فَاسْتَدْلَلْنَا «٦» : أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ: بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ «٧»، دُونَ بَعْضٍ. لَا «٨» : مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ: رَضَاعٍ.».
وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ: آيَةَ «٩» السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ، وَآيَةَ «١٠» الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ «١١» وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي وُقُوعِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ «١٢».
(١) أنظر الْأُم (ج ٥ ص ٢٠- ٢١ و١٣٣)، والمختصر (ج ٥ ص ٤٨- ٤٩).
(٢) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٢٣- ٢٤)، والمختصر (ج ٥ ص ٤٩- ٥١)
(٣) هَذَا لَيْسَ بالمختصر.
(٤) فى الْمُخْتَصر: «وعَلى».
(٥) فى الْمُخْتَصر، بعد ذَلِك: «فَوَجَبَ طلب الدّلَالَة فى ذَلِك». وَانْظُر الْأُم.
(٦) عبارَة الْأُم (ص ٢٤) :«فَهَكَذَا استدللنا بِسنة رَسُول الله»، أَي: بِمَا ذكره قبل ذَلِك: من حَدِيث عَائِشَة، وَابْن الزبير، وَسَالم بن عبد الله
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ والمختصر. وفى الأَصْل: «الوصفين» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وَمن» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٩) سُورَة الْمَائِدَة: (٣٨).
(١٠) سُورَة النُّور: (٢). [.....]
(١١) أنظر كَلَامه عَن هَذَا، فى الْأُم (ص ٢٤)، والمختصر (ص ٥٠).
(١٢) أنظر الْأُم (ص ٢٣- ٢٤)، والمختصر (ص ٤٩- ٥١). وَأنْظر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٥٣- ٤٥٧). وراجع بتأمل مَا كتبه صَاحب الْجَوْهَر النقي.
257
وَاحْتَجَّ فِي الْحَوْلَيْنِ «١» بِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) :(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ: ٢- ٢٣٣).
[ثُمَّ قَالَ «٢» ] :«فَجَعَلَ (عَزَّ وَجَلَّ) تَمَامَ الرَّضَاعَةِ: حَوْلَيْنِ [كَامِلَيْنِ «٣» ] وَقَالَ: (فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما، وَتَشاوُرٍ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما: ٢- ٢٣٣) يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ.»
«فَدَلَّ إرْخَاصُهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) -: فِي فِصَالِ الْمَوْلُودِ، عَنْ تَرَاضِيَ وَالِدَيْهِ وَتَشَاوُرِهِمَا، قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ.-: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ: بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فِصَالِهِ، قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ «٤»
«وَذَلِكَ لَا يَكُونُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ مِنْ وَالِدَيْهِ: أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ: فِصَالَهُ «٥» قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، خَيْرًا مِنْ إتْمَامِ الرَّضَاعِ لَهُ لِعِلَّةِ
(١) كَمَا فى الْأُم (ص ٢٤- ٢٥). وَقد تعرض لذَلِك، فى الْمُخْتَصر (ص ٥١- ٥٢).
وراجع فى هَذَا الْمقَام، السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٤٢- ٤٤٣ و٤٦٢- ٤٦٣).
(٢) تبيينا للدلالة، وتتميما لَهَا. وَهَذِه الزِّيَادَة حَسَنَة منبهة.
(٣) زِيَادَة جَيِّدَة، عَن الْأُم.
(٤) من قَوْله: فَدلَّ، إِلَى هُنَا- قد ورد هَكَذَا فى الأَصْل. وَهُوَ صَحِيح فى غَايَة الظُّهُور. وَعبارَة الْأُم هى: «فَدلَّ على أَن إرخاصه (عز وَجل) : فى فصَال الْحَوْلَيْنِ على أَن ذَلِك إِنَّمَا يكون باجتماعهما على فصاله قبل الْحَوْلَيْنِ». وَالظَّاهِر: أَن فِيهَا زِيَادَة ونقصا فَتَأمل.
(٥) فى الْأُم: «ان فصاله قبل الْحَوْلَيْنِ خير لَهُ».
258
تَكُونُ بِهِ، أَوْ بِمُرْضِعِهِ «١» -: وَإِنَّهُ لَا يَقْبَل رَضَاعَ غَيْرَهَا.- وَمَا «٢» أَشْبَهَ هَذَا.»
«وَمَا جَعَلَ اللَّهُ (تَعَالَى) لَهُ، غَايَةً-[فَالْحُكْمُ «٣» ] بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ، فِيهِ: غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا. قَالَ «٤» اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ: ٢- ٢٢٨) فَحُكْمُهُنَّ «٥» - بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ-: غَيْرَ حُكْمِهِنَّ «٦» فِيهَا. وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ «٧» : ٤- ١٠١) فَكَانَ لَهُمْ:
أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ وَكَانَ- فِي شَرْطِ الْقَصْرِ لَهُمْ: بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ.-
دَلِيلٌ: عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ: غَيْرَ الْقَصْرِ «٨» ».
(١) فى الْأُم: «أَو بمرضعته». وفى الأَصْل: «أَو لمرضعه» وَهُوَ محرف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيح على رأى الْجُمْهُور. وَيتَعَيَّن هُنَا مَا فى الْأُم: على رَأْي الْفراء وَجَمَاعَة.
أنظر الْمِصْبَاح (مَادَّة: رضع).
(٢) فى الْأُم: «أَو مَا».
(٣) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم. وَعبارَة الْمُخْتَصر (ص ٥٢) هى: «وَمَا جعل لَهُ غَايَة، فَالْحكم بعد مضى الْغَايَة: خلاف الحكم قبل الْغَايَة.».
(٤) كَلَام الْأُم هُنَا، قد ورد على صُورَة سُؤال وَجَوَاب وَقد تَأَخّر فِيهِ هَذَا القَوْل، عَن القَوْل الْآتِي بعد.
(٥) عبارَة الْأُم هى: «فَكُن إِذا مَضَت الثَّلَاثَة الْأَقْرَاء، فحكمهن بعد مضيها غير» إِلَخ. وَعبارَة الْمُخْتَصر: «فَإِذا مَضَت الْأَقْرَاء، فحكمهن بعد مضيها خلاف» إِلَخ.
(٦) فى الأَصْل: «حكمين»، وَهُوَ تَحْرِيف.
(٧) فى الْأُم زِيَادَة: «الْآيَة». [.....]
(٨) أنظر كَلَامه بعد ذَلِك- فى الْأُم (ص ٢٥) - عَن حَدِيث سَالم، وَغَيره، فَهُوَ مُفِيد
259
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ: رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «٢» : ٢- ٢٣٣)
وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ. وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ: فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى «٣» : ٦٥- ٦).»
«قَالَ «٤» الشَّافِعِيُّ «٥» : فَفِي كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) - بَيَانُ: أَنَّ الْإِجَارَاتِ «٦» جَائِزَةٌ: عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ «٧».
إذْ قَالَ اللَّهُ: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ:
فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا مِنْ صَبِيٍّ، وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا مِنْ امْرَأَةٍ وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا. فَيَقِلُّ «٨» وَيَكْثُرُ.»
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ٨٩- ٩٠).
(٢) ذكر فى الْأُم الْآيَة كلهَا.
(٣) ذكر فى الْأُم الْآيَة التالية أَيْضا.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وَقَالَ» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ على مَا يظْهر.
(٥) بعد أَن ذكر (ص ٨٩- ٩٠) حَدِيث هِنْد أم مُعَاوِيَة الْمَشْهُور، الَّذِي روته عَائِشَة. وراجع الْأُم (ص ٧٧- ٧٨ و٩٥)، والمختصر (ج ٥ ص ٦٦- ٦٧)، ومسند الشَّافِعِي (بِهَامِش الْأُم: ج ٦ ص ٢١٩ و٢٣١)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٧٧).
(٦) فى الْأُم: «الْإِجَارَة».
(٧) رَاجع كَلَامه فى الرسَالَة (ص ٥١٧- ٥١٨) : فَهُوَ مُفِيد هُنَا.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «فَقيل»، وَهُوَ تَحْرِيف. وراجع كَلَامه الْمُتَعَلّق بِهَذَا: فى الْأُم (ج ٣ ص ٢٥٠).
263
«فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ «١» عَلَى هَذَا: لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ: مِنْ هَذَا وَتَجُوزُ «٢» الْإِجَارَاتُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ: قِيَاسًا عَلَى هَذَا وَتَجُوزُ فِي غَيْرِهِ-: مِمَّا يَعْرِفُ النَّاسُ.-: قِيَاسًا عَلَى هَذَا.»
«قَالَ: وَبَيَانُ «٣» : أَنَّ عَلَى الْوَالِدِ: نَفَقَةَ الْوَلَدِ دُونَ أُمِّهِ: مُتَزَوِّجَةً، أَوْ مُطَلَّقَةً.»
«وَفِي هَذَا، دَلَالَةٌ: [عَلَى «٤» ] أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ:
أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ، وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ، دُونَهَا. قَالَ «٥» ابْنُ عَبَّاسٍ- فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ: ٢- ٢٣٣).-:
مِنْ أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا «٦» لَا «٧» : أَنَّ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ.».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي (الْإِمْلَاءِ) : قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ رَضَاعُ
(١) فى الْأُم: «الْإِجَارَة».
(٢) فى الأَصْل: «وَيجوز» وَلَعَلَّه محرف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ. وفى الْأُم: «فَتجوز» وَهُوَ أحسن.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله السَّابِق: «وَبَيَان». وَعبارَة الأَصْل: «وَبَيَان على» وَلَعَلَّ الزِّيَادَة من النَّاسِخ
(٤) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «وَقَالَ».
(٦) قد ذكر هَذَا الْأَثر أَيْضا، فى الْأُم (ج ٥ ص ٩٥) : خلال مناظرة قَوِيَّة بَينه وَبَين بعض الْحَنَفِيَّة فَرَاجعهَا وراجع رده (ص ٩٤) على أثر عمر الَّذِي تمسك بِهِ الْخصم وراجع ذَلِك أَيْضا وَمَا روى عَن مُجَاهِد: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٤٧٨)، ثمَّ تَأمل مَا ذكره صَاحب الْجَوْهَر النقي. [.....]
(٧) نجوز: أَن هَذَا تَفْسِير من الشَّافِعِي لكَلَام ابْن عَبَّاس.
264
يَعْنِي «١» : إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ.».
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّهَا «٢» لَا تَحْتَمِلُهُ: لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا، أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ «٣» -: فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَيْهَا: أَنْ تَنْكِحَ «٤»، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ: ٢- ٢٣٥) فَلَا يَأْمُرُ: بِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ. إنَّمَا يَأْمُرُ: بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ «٥» مِمَّا أَبَاحَ لَهَا، مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ [مِنْ «٦» ] مَنْعِهَا.»
«قَالَ: وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَذَلِكَ: أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا «٧»، فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ «٨» عِدَّتُهَا، ثُمَّ:
(١) هَذَا إِلَى قَوْله: الشَّافِعِي غير مَوْجُود بِالْأُمِّ (ص ١٢٨). وَقَوله: فالآية، جَوَاب الشَّرْط، فَتنبه.
(٢) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم (ص ١٢٨)، وفى الْأُم (ص ١٤٩) :«لِأَنَّهَا».
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم (ص ١٢٨) وفى الْأُم (ص ١٤٩) :«لَان الْمَرْأَة المشارفة بُلُوغ أجلهَا وَلم تبلغه: لَا يحل لَهَا أَن تنْكح، وهى مَمْنُوعَة من النِّكَاح بآخر الْعدة، كَمَا كَانَت مَمْنُوعَة مِنْهُ بأولها: فَإِن الله (عز وَجل) يَقُول: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا) فَلَا يُؤمر: بِأَن يحل إنكاح الزَّوْج إِلَّا لمن قد حل لَهُ الزَّوْج.». أَو: (فَلَا يُؤمر... من إِلَخ). إِذْ عبارَة الْأُم: (إِلَّا من)، وهى خطأ بِيَقِين.
(٤) فى الأَصْل: «ينْكح»، والتصحيح عَن الْأُم (ص ١٢٨). [.....]
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ (ص ١٢٨). وفى الأَصْل: «لكل لَا يمْنَع»، وَهُوَ تَحْرِيف.
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ص ١٢٨).
(٧) هُوَ ابْن عَم لَهُ، كَمَا فى الْأُم (ج ٥ ص ١١).
(٨) فى الْمُخْتَصر (ج ٣ ص ٢٥٧) :«فانقضت».
173
طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ، فَقَالَ: زَوَّجْتُكَ- دُونَ غَيْرِكَ- أُخْتِي»
، ثُمَّ:
طَلَّقْتهَا، لَا أُنْكِحُكَ «٢» أَبَدًا. فَنَزَلَتْ: (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ «٣» ).»
«قَالَ: وَهَذِهِ «٤» الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ: أَنْ «٥» تُنْكِحَ نَفْسَهَا.»
«وَفِيهَا: دَلَالَةٌ «٦» عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الْمُزَوَّجِ وَالْمُزَوَّجَةِ «٧».».
قَالَ الشَّيْخُ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : هَذَا الَّذِي نَقَلْتُهُ-: مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤمنِينَ، إِلَى هَاهُنَا.- بَعْضُهُ فِي مَسْمُوعٍ لِي «٨» :
(١) هَذَا فى الْمُخْتَصر مقدم على مَا قبله.
(٢) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم (ص ١٢٨) وفى الْمُخْتَصر: «أنكحكها» وفى الْأُم (ص ١٤٩) «أزَوّجكَهَا» وَلَا فرق: إِذا الْمَحْذُوف مُقَدّر.
(٣) رَاجع فى ذَلِك السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٠٣- ١٠٤ و١٣٨).
(٤) فى الْأُم (ص ١٤٩) :«فَهَذِهِ».
(٥) فى الْمُخْتَصر: «أَن تتَزَوَّج بِغَيْر ولى».
(٦) كَذَا بِالْأَصْلِ والام (ص ١٢٨) وفى الام (ص ١٤٩) :«الدّلَالَة»،
(٧) كَذَا بِالْأَصْلِ وفى الْأُم (ص ١٢٨) «الزَّوْج وَالزَّوْجَة»، وفى الْأُم (ص ١٤٩) :«والمنكحة والناكح»، ثمَّ قَالَ فِيهَا بعد ذَلِك وعَلى أَن على الْوَلِيّ أَن لَا يعضل. فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ أَن لَا يعضل فعلى السُّلْطَان التَّزْوِيج إِذا عضل: لِأَن من منع حَقًا: فَأمر السُّلْطَان جَائِز عَلَيْهِ أَن يَأْخُذهُ مِنْهُ «وإعطاؤه عَلَيْهِ».
(٨) فى الأَصْل: «بعضه لى فِي مسموع». وَالظَّاهِر مَا صنعنَا، وان التَّقْدِيم من النَّاسِخ.
174
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «أَمَرَ اللَّهُ: بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا «١» وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ «٢» الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ «٣»
«وَقَالَ: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ «٤» : ٢- ٢٣٧).»
«فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ: عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ: أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا [كَمَا كَانَ عَلَيْهِ: أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ- مِنْ الرِّجَالِ- مَا وَجَبَ لَهُمْ «٥».] وَأَنَّهَا «٦» مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُو عَنْ مَالِهَا. وَنَدَبَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) :
إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ: أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فِيمَا يَجُوزُ: مِنْ «٧» عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَا وَجَبَ لَهُ «٨»
«وَقَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً: فَكُلُوهُ [هَنِيئاً مَرِيئاً «٩» ] : ٤- ٤).»
(١) أَي: اليتيمين بقوله: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ). وفى الْأُم (ج ٣ ص ١٩٢) :
«بِدفع أَمْوَالهم إِلَيْهِم». وَلَا فرق فى الْمَعْنى.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «فيهمَا من»، وَهُوَ تَحْرِيف.
(٣) انْظُر الْأُم (ج ٣ ص ١٩٢).
(٤) ذكر فى الْأُم بَقِيَّة الْآيَة، وهى: (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وهى زِيَادَة يتَعَلَّق بِبَعْضِهَا بعض الْكَلَام الْآتِي.
(٥) زِيَادَة مفيدة، عَن الْأُم.
(٦) فى الْأُم: «ودلت السّنة على أَن الْمَرْأَة مسلطة» إِلَخ. وَكِلَاهُمَا صَحِيح: وَإِن كَانَت دلَالَة السّنة أَعم وأوضح من دلَالَة الْكتاب كَمَا لَا يخفى.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «مِنْهُ»، وَهُوَ تَحْرِيف،
(٨) انْظُر الْأُم (ج ٣ ص ١٩٢).
(٩) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
139
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَنْ يَنْكِحَ فَيَمَسَّ، إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ. مَعَ دَلَالَةِ الْآيِ قَبْلَهُ»
.».
وَقَالَ- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ).-: «يَعْنِي:
النِّسَاءُ «٢»
.».
[وَفِي قَوْله «٣» ] :(أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ: ٢- ٢٣٧).
-: «يَعْنِي: الزَّوْجُ «٤» وَذَلِكَ: أَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو «٥» مَنْ لَهُ مَا يَعْفُوهُ «٦».».
وَرَوَاهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَجُبَيْرِ ابْن مُطْعِمٍ. وَابْنُ سِيرِينَ «٧»، وَشُرَيْحٌ «٨»، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ،
(١) انْظُر مَا ذكره بعد ذَلِك، فى الْأُم (ص ١٤٣). [.....]
(٢) رَاجع مَا تقدم (ص ١٣٩، وَالأُم (ج ٣ ص ١٩٢- ١٩٣).
(٣) زِيَادَة لَا بَأْس بهَا.
(٤) عِبَارَته فى الْأُم (ج ٥ ص ٦٦) :«وَبَين عندى فى الْآيَة: أَن الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح: الزَّوْج.». وَعبارَته فى الْأُم (ج ٥ ص ١٥١) :«وفى الْآيَة كالدلالة على أَن الَّذِي» إِلَخ.
(٥) فى الْأُم (ص ٦٦) :«يعفوه» وَعبارَة الْمُخْتَصر (ج ٤ ص ٣٤) :«إِنَّمَا يعْفُو من ملك».
(٦) قَالَ بعد ذَلِك فى الْأُم (ص ٦٦) :«فَلَمَّا ذكر الله (جلّ وَعز) عفوها عَمَّا ملكت:
من نصف الْمهْر أشبه: أَن يكون ذكر عَفوه لمَاله: من جنس نصف الْمهْر. وَالله أعلم»
.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ (ص ٦٦)، ومسند الشَّافِعِي بِهَامِش الْأُم (ج ٦ ص ٢١١). وفى الأَصْل: «وَابْن عَبَّاس» وَلم نعثر عَلَيْهِ فِيمَا لدينا من كتب الشَّافِعِي وَلَعَلَّ استقراءنا نَاقص: إِذْ قد أخرجه عَنهُ فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٢٥١).
(٨) كَمَا فى الْمُخْتَصر (ج ٤ ص ٣٤).
200
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَكَانَ مُبَيَّنًا «١» فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) :
أَنَّهُنَّ حُيَّضٌ فِي غَيْرِ حَالِ الطَّهَارَةِ «٢»، وَقَضَى اللَّهُ عَلَى الْجُنُبِ: أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ، فَكَانَ مُبَيِّنًا: أَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلَ «٣»، وَلَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْحَائِضِ إلَّا ذَهَابَ الْحَيْضِ، ثُمَّ الْغُسْلَ: لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(حَتَّى يَطْهُرْنَ)، وَذَلِكَ: انْقِضَاءُ «٤» الْحَيْضِ: (فَإِذا تَطَهَّرْنَ)، يَعْنِي:
بِالْغُسْلِ لِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ: الْغُسْلُ «٥» وَدَلَّتْ عَلَى بَيَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ: مِنْ أَنْ لَا تُصَلِّيَ الْحَائِضُ.»، فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، ثُمَّ قَالَ: «وَأَمْرُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) -: «أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» :-: يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تُصَلِّيَ «٦» حَائِضًا لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ مَا كَانَ الْحَيْضُ قَائِمًا. وَلِذَلِكَ «٧» قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (حَتَّى يَطْهُرْنَ).»
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) الْآيَتَيْنِ «٨». فَلَمَّا لَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ «٩» فِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ
(١) فى الْأُم: «بَينا».
(٢) فى الأَصْل: «فى غير طَهَارَة»، والتصحيح عَن الام.
(٣) عبارَة الأَصْل: «لامره لطهارة الْجنب لَا الْغسْل» وهى خطأ، والتصحيح عَن الام
(٤) عبارَة الام: «بِانْقِضَاء».
(٥) عبارَة الام: «بِالْغسْلِ».
(٦) عبارَة الام: «أَن لَا تَطوف حَتَّى تطهر، فَدلَّ». فَيكون قَوْله: «وَأمر إِلَخ» جملَة فعلية.
وعَلى مَا فى الأَصْل: يكون جملَة اسمية روعى فِيهَا لفظ الحَدِيث، وَالْخَبَر قَوْله: «يدل» :
(٧) عبارَة الام: «وَكَذَلِكَ». وَمَا فى الأَصْل أصح.
(٨) تمامهما. (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ: ٢- ٢٣٨، ٢٣٩).
(٩) عبارَة الْأُم (ج ١ ص ٥١. «رَسُول الله». وهى خطأ. [.....]
53
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ (رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ، عَنْ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ) :
قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ: ٢- ٢٣٨). قَالَ الشَّافِعِيُّ:
مَنْ خُوطِبَ بِالْقُنُوتِ مُطْلَقًا «١»
، ذَهَبَ: إلَى أَنَّهُ: قِيَامٌ فِي الصَّلَاةِ. وَذَلِكَ:
أَنَّ الْقُنُوتَ: قِيَامٌ لِمَعْنَى طَاعَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَإِذَا كَانَ هَكَذَا: فَهُوَ مَوْضِعُ كَفٍّ عَنْ قِرَاءَةٍ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا، أَشْبَهَ: أَنْ يَكُونَ قِيَامًا- فِي صَلَاةٍ- لِدُعَاءٍ، لَا قِرَاءَةٍ. فَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه، وَعَلَيْهِ دَلَالَةُ السُّنَّةِ وَهُوَ أولى الْمعَانِي أَنْ يُقَالَ بِهِ، عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقُنُوتُ: الْقِيَامَ كُلَّهُ فِي الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «قِيلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوت.»
.
وَقَالَ طَاوس: الْقُنُوتِ، طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «٢».».
«وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : وَمَا وَصَفْتُ-: مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.- أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.»
«قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْقُنُوتُ بَعْضَ الْقِيَامِ، دُونَ بَعْضٍ-: لَمْ يَجُزْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَنْ يَكُونَ إلَّا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ: مِنْ الْقُنُوتِ لِلدُّعَاءِ «٣»، دُونَ الْقِرَاءَةِ».
«قَالَ: وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) :(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) : قَانِتِينَ
(١) أَي من سُئِلَ- من أهل اللُّغَة- عَن معنى لفظ الْقُنُوت من حَيْثُ هُوَ بِقطع النّظر عَن وُرُوده فى كَلَام الشَّارِع وَكَونه مَأْمُورا بِهِ، وَعَما ورد فى السّنة من بَيَان المُرَاد مِنْهُ.
(٢) انْظُر الْآثَار الَّتِي أوردهَا فى ذَلِك الطَّبَرِيّ فى تَفْسِيره (ج ٢ ص ٣٥٢- ٣٥٣)
(٣) انْظُر فتح الْبَارِي (ج ٢ ص ٣٣٤). وَانْظُر الْمعَانِي الَّتِي يسْتَعْمل فِيهَا لفظ الْقُنُوت، فى (ص ٣٣٥) مِنْهُ
78
فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَفِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. فَلَمَّا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي بَعْضِهَا «١» وَحُفِظَ عَنْهُ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِخَاصَّةٍ «٢» -: دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ اللَّهُ أَرَادَ بِالْقُنُوتِ: الْقُنُوتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ خَاصًّا.».
«وَاحْتَمَلَ: أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَوَاتِ، فِي النَّازِلَةِ. وَاحْتَمَلَ طُولُ الْقُنُوتِ:
طُولَ الْقِيَامِ. وَاحْتَمَلَ الْقُنُوتُ: طَاعَةَ اللَّهِ وَاحْتَمَلَ السُّكَاتَ «٣»

«قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ فى الصُّبْح، سَأَلَ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ اخْتِيَارًا «٤» مِنْ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : لَمْ أُرَخِّصْ فِي تَرْكِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا: كَانَ مِمَّا «٥» لَا يَتَبَيَّنُ تَرْكُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ تَارِكٌ:
كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ «٦» كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ: لَوْ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي شَيْءٍ.».
قَالَ الشَّيْخُ- فِي قَوْلِهِ: «احْتَمَلَ السُّكَاتَ».-: أَرَادَ: السُّكُوتَ عَنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: «أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ: فَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ، وَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ «٧» ».
(١) رَاجع فى ذَلِك اخْتِلَاف الحَدِيث بِهَامِش الْأُم (ج ٧ ص ٢٨٥- ٢٨٧)، وَالأُم (ج ٧ ص ١٢٩ و٢٣١)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٢ ص ٢٠٠- ٢٠١).
(٢) رَاجع فى ذَلِك اخْتِلَاف الحَدِيث بِهَامِش الْأُم (ج ٧ ص ٢٨٥- ٢٨٧)، وَالأُم (ج ٧ ص ١٢٩ و٢٣١)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٢ ص ٢٠٠- ٢٠١).
(٣) انْظُر الْأَحَادِيث والْآثَار الَّتِي أوردهَا فى ذَلِك الطَّبَرِيّ فى تَفْسِيره (ج ٢ ص ٣٥٣- ٣٥٤).
(٤) أَي: مَنْدُوبًا
(٥) فى الأَصْل «مَا».
(٦) قَالَ فى الْأُم (ج ١ ص ١١٦) «لِأَنَّهُ من عمل الصَّلَاة وَقد تَركه».
(٧) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٢ ص ٢٤٨) وَتَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٢ ص ٣٥٤).
وَكَلَام ابْن حجر فى الْفَتْح (ج ٨ ص ١٣٨) الْمُتَعَلّق بِهَذَا الحَدِيث.
79
وَمُجَاهِدٌ «١» ].
وَقَالَ- فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ-: «وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى، يَقُولُ:
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ: الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ «٢»
فَعَفَوْهُ جَائِزٌ «٣».».
(وَأَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» :
«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: ٢- ٢٤١) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ: مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ) الْآيَةُ «٥»
«فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ لَقِيتُ-: مِنْ أَصْحَابِنَا-: الْمُتْعَةُ [هِيَ «٦» ] : لِلَّتِي [لَمْ «٧» ] يُدْخَلْ بِهَا [قَطُّ «٨» ]، وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ، وَطَلُقَتْ «٩». وَلِلْمُطَلَّقَةِ
(١) الزِّيَادَة عَن الْمُخْتَصر. وَقد روى هَذَا أَيْضا: عَن طَاوس، وَالشعْبِيّ، وَنَافِع بن جُبَير، وَمُحَمّد بن كَعْب. كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٢٥١).
(٢) انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ١٩١).
(٣) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٢٥٢) : مَا ورد فى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره وَمَا حَكَاهُ عَن الشَّافِعِي فى الْقَدِيم.
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٨).
(٥) تَمامهَا: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ: ٢- ٢٣٦).
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَبَعضهَا ضَرُورِيّ، وَبَعضهَا حسن كَمَا لَا يخفى.
(٧) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَبَعضهَا ضَرُورِيّ، وَبَعضهَا حسن كَمَا لَا يخفى. [.....]
(٨) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَبَعضهَا ضَرُورِيّ، وَبَعضهَا حسن كَمَا لَا يخفى.
(٩) فى الْأُم: «فَطلقت». وراجع الْأُم (ج ٥ ص ٦٢) : فَفِيهَا فَوَائِد كَثِيرَة.
201
الْمَدْخُولِ «١» بِهَا: الْمَفْرُوضِ لَهَا بِأَنَّ الْآيَةَ «٢» عَامَّةٌ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ «٣»
وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «٤».
وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ «٥» (بِهَذَا الْإِسْنَادِ) - فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ-: «فَإِنْ «٦» طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا مُتْعَةَ [لَهَا «٧» ] فِي قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ: إلَى أَنْ لَا مُتْعَةَ لِلَّتِي «٨» فُرِضَ لَهَا: إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ «٩» أَنْ تُمَسَّ وَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ.».
وَرُوِيَ «١٠» الْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ «١١» وَقَدْ ذَكَرْنَا إسْنَادَهُ فِي ذَلِكَ، فِي كِتَابِ: (الْمَعْرِفَةِ)
(١) كَذَا بِالْأُمِّ وفى الأَصْل: «الدُّخُول». وَهُوَ تَحْرِيف.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «بِالْآيَةِ».
(٣) قَالَ فى الْأُم بعد ذَلِك: «لم يخصض مِنْهُنَّ وَاحِدَة دون أُخْرَى، بِدلَالَة: من كتاب الله (عز وَجل) وَلَا أثر.». وراجع بَقِيَّة كَلَامه فَهُوَ مُفِيد جدا وراجع الْأُم (ج ٧ ص ٢٣٧).
(٤) أخرج الشَّافِعِي عَنهُ- من طَرِيق مَالك عَن نَافِع- أَنه قَالَ: «لكل مُطلقَة مُتْعَة إِلَّا الَّتِي تطلق: وَقد فرض لَهَا الصَدَاق وَلم تمس فحسبها مَا فرض لَهَا.». انْظُر الْأُم (ج ٧ ص ٢٣٧ و٢٨)، والمختصر (ج ٤ ص ٣٨) وَقَالَ فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٢٥٧) - بعد أَن رَوَاهُ من هَذَا الطَّرِيق أَيْضا-: «وروينا هَذَا القَوْل: من التَّابِعين عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، وَمُجاهد، وَالشعْبِيّ.».
(٥) من الْأُم (ج ٥ ص ٦١).
(٦) فى الْأُم: «وَإِن».
(٧) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الَّتِي». وَهُوَ تَحْرِيف.
(٩) فى الْأُم: «قبل تمس».
(١٠) فى كتاب: (اخْتِلَاف مَالك وَالشَّافِعِيّ) الملحق بِالْأُمِّ (ج ٧ ص ٢٣٧).
(١١) وَرَوَاهُ أَيْضا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٢٥٧) عَن أَبى الْعَالِيَة، وَالْحسن.
202
وَاجِبًا: لَكَانَ مَحْدُودًا: بِأَقَلِّ «١» مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِتَابَةِ أَوْ: لِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ «٢».».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، نَا الشَّافِعِيُّ «٣» :«أَنَا الثِّقَةُ «٤»، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلَافٍ. أَحْسِبُهُ قَالَ: مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ «٥»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(وَلِلْمُطَلَّقاتِ: مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ: ٢- ٢٤١). فَيُجْبَرُ «٦»
سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ:
عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ-: مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ.- شَيْئًا [وَإِذَا وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا «٧» ] مَا كَانَ: [لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ «٨» ].»
(١) فى الأَصْل: «فَأَقل» وَهُوَ تَصْحِيف. والتصحيح من الْأُم.
(٢) فى الأَصْل: «أَو لعام معلومه» وَهُوَ تَصْحِيف. والتصحيح من الْأُم.
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٣٦٤)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ٣٣٠). وراجع فِيهَا (ص ٣٢٩) وفى تَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ١٨ ص ١٠٠- ١٠٢) : مَا ورد فِي تَفْسِير الْآيَة الْآتِيَة. وَانْظُر الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٧٦).
(٤) هُوَ: مَالك رضى الله عَنهُ. انْظُر شرح الْمُوَطَّأ (ج ٤ ص ١٠٣- ١٠٤).
(٥) لفظ الْمُوَطَّإِ هُوَ: «من آخر كِتَابَته» وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى. وَقد روى عَن على (مَرْفُوعا وموقوفا) : أَنه يتْرك للْمكَاتب الرّبع.
(٦) يحسن أَن تراجع بتأمل كَلَام صَاحب الْجَوْهَر النقي (ص ٣٢٩) : فَهُوَ- على مَا فِيهِ- مُفِيد فى الْمقَام كُله.
(٧) زِيَادَة جَيِّدَة عَن الْأُم ونجوز أَنَّهَا سَقَطت من النَّاسِخ. وراجع مَا ذكر فى الْأُم بعد ذَلِك.
(٨) زِيَادَة جَيِّدَة عَن الْأُم ونجوز أَنَّهَا سَقَطت من النَّاسِخ. وراجع مَا ذكر فى الْأُم بعد ذَلِك.
171
«وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ كُلَّهَا، فَعَلَى السَّيِّدِ: أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا «١»، وَيُعْطِيَهُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ: ٢٤- ٣٣) يُشْبِهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : آتَاكُمْ مِنْهُمْ «٢» فَإِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَهُ: فَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الَّذِي أُمِرَ: أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ.». وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ «٣».
(١) رَاجع مَا قَالَه بعد ذَلِك. [.....]
(٢) كَمَا روى بِمَعْنَاهُ: عَن ابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَغَيرهمَا.
(٣) فَرَاجعه (ص ٣٦٥) : فَإِن مَا هُنَا مُخْتَصر جدا.
172
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ، وَالْمُعَامَلَاتِ» «وَالْفَرَائِضِ، وَالْوَصَايَا»
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، وَحَرَّمَ الرِّبا: ٢- ٢٧٥). فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ الْبَيْعَ، مَعْنَيَيْنِ:» « (أَحَدُهُمَا) : أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعٍ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ «١» -:
جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ.- عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا. وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه.»
« (وَالثَّانِي) : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ: إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مَعْنَى مَا أَرَادَ.»
«فَيَكُونُ هَذَا: مِنْ الْجُمْلَةِ «٢» الَّتِي أَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ، وَبَيَّنَ:
كَيْفَ هِيَ؟ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). أَوْ: مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : مَا أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ مِنْهُ، وَمَا حَرَّمَ أَوْ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا. أَوْ: مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَبَاحَهُ، إلَّا مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنْهُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ «٣» فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ:
(١) كَذَا بِالْأُمِّ (ج ٣ ص ٢)، وفى الأَصْل: «متبايعان»، وَهُوَ خطأ وتحريف من النَّاسِخ، أَو يكون قَوْله: «جائزى»، محرفا عَن: «جَائِزا»
(٢) فى الْأُم: «الْجمل»، وَلَا فرق فى الْمَعْنى.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «فى الضَّوْء»، وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ [هُوَ «١» ] وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عَنْهُ «٢» لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ-: مِنْ مَالِهِ «٣».- مَقَامَهُ.»
«قَالَ: وَقَدْ قِيلَ «٤» :(الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ) يُحْتَمَلُ: [أَنْ يَكُونَ «٥» ] الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ. وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيه «٦»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَلَا يُؤْجَرُ الْحُرُّ «٧» فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ: إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ: ٢- ٢٨٠) «٨».».
(١) الزِّيَادَة عَن الام والمختصر:
(٢) كَذَا بالمختصر (ج ٢ ص ٢٢٣) وفى الأَصْل وَالأُم (ج ٣ ص ١٩٤) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ٦١) :«عَلَيْهِ» وَعبارَة الْمُخْتَصر أولى وَأظْهر.
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ، وَهُوَ صَحِيح وَاضح. وَفِي الْأُم: «فِيمَا لَا غناء بِهِ عَنهُ من مَاله» وفى الْمُخْتَصر: «فِيمَا لَا غنى بِهِ عَنهُ فى مَاله». وَلَعَلَّ فيهمَا تحريفا فَلْيتَأَمَّل.
(٤) فى الْأُم: «قد قيل» وفى الْمُخْتَصر: «وَقيل».
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم والمختصر. [.....]
(٦) زَاد فى الْمُخْتَصر: «بِهِ» ولعلها زِيَادَة نَاسخ ثمَّ قَالَ: «فَإِذا أَمر الله (عز وَجل) : بِدفع أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَيْهِم بأمرين-: لم يدْفع إِلَيْهِم إِلَّا بهما. وهما: الْبلُوغ والرشد.».
(٧) فى الأَصْل: «وَلَا يُؤَخر الْحَد» وَهُوَ تَحْرِيف خطير يُوقع فى الْحيرَة. والتصحيح عَن عنوان فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ٤٩). ثمَّ إِن هَذَا القَوْل إِلَى قَوْله: شىء، نجزم بِأَنَّهُ سقط من نسخ الْأُم، وَأَن مَوْضِعه الْبيَاض الَّذِي ورد فى (ج ٣ ص ١٧٩)، كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَامه الَّذِي سننقله هُنَا بعد.
(٨) قَالَ بعد ذَلِك فى الْأُم (ج ٣ ص ١٧٩) :«وَقَالَ رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مطل الْغنى ظلم». فَلم يَجْعَل على ذى دين سَبِيلا فى الْعسرَة، حَتَّى تكون الميسرة. وَلم يَجْعَل رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مطله ظلما، إِلَّا بالغنى. فَإِذا كَانَ مُعسرا: فَهُوَ لَيْسَ مِمَّن عَلَيْهِ سَبِيل، إِلَّا أَن يوسر. وَإِذا لم يكن عَلَيْهِ سَبِيل: فَلَا سَبِيل على إِجَارَته، لِأَن إِجَارَته عمل بدنه. وَإِذا لم يكن على بدنه سَبِيل- وَإِنَّمَا السَّبِيل على مَاله-: لم يكن إِلَى اسْتِعْمَاله سَبِيل». اهـ وَهُوَ فى غَايَة الْجَوْدَة والوضوح.
لَا خُفَّيْنِ «١» عَلَيْهِ لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ.»
«وَأَيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ: فَقَدْ أَلْزَمهُ اللَّهُ خَلْقَهُ، بِمَا فَرَضَ: مِنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «٢»
«فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ بُيُوعٍ: تَرَاضَى «٣» بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ.-: اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ مِنْ الْبُيُوعِ: مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [دُونَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِهِ «٤» ].».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: فَاكْتُبُوهُ، وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ: ٢- ٢٨٢) وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ، وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً: فَرِهانٌ «٥» مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ «٦» أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ: ٢- ٢٨٣).»
(١) فى الأَصْل: «خفان»، وفى الْأُم: «خفيه»، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيف وَخطأ.
(٢) فى الْأُم بعد ذَلِك: «وَأَن مَا قبل عَنهُ فَعَن الله عز وَجل) قبل: لِأَنَّهُ بِكِتَاب الله (تَعَالَى) قبل.».
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «وتراضى»، وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٤) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٥) فى الْأُم (ج ٣ ص ١٢٢) :«فرهن» وهى قِرَاءَة سبعية مَشْهُورَة.
(٦) قَوْله: (فَإِن) إِلَخ لم يثبت فى الْأُم.
136
قَالَ: وَكَانَ. «١» بَيِّنًا- فِي الْآيَةِ- الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ «٢» : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) الرَّهْنَ: إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ، فَلَمْ»
يَجِدُوا كَاتِبًا.»
«وَكَانَ «٤» مَعْقُولًا «٥»، (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فِيهَا: أَنَّهُمْ «٦» أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ: احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ: بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ: بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ. لَا: أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ: أَنْ يَكْتُبُوا، أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا «٧». لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ «٨» ).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ) يَحْتَمِلُ: كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ: السَّلَفَ خَاصَّةً. وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ «٩» وَقُلْنَا «١٠» بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ: قِيَاسًا عَلَيْهِ
(١) فى الْأُم: «فَكَانَ».
(٢) هُوَ مصدر كالكتابة.
(٣) فى الْأُم: «وَلم».
(٤) فى الْأُم: «فَكَانَ». [.....]
(٥) انْظُر مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٢١٥).
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ وفى الأَصْل: «أَنه» : وَمَا فى الْأُم هُوَ الصَّحِيح أَو الظَّاهِر.
(٧) فى الْأُم: «وَلَا أَن يَأْخُذُوا رهنا» وَلَا فرق فى الْمَعْنى. وَانْظُر كَلَامه فى الْأُم (ج ٣ ص ٧٧- ٧٨) : فَفِيهِ تَأْكِيد وتوضيح لما هُنَا.
(٨) انْظُر مَا قَالَه فى الْأُم، بعد ذَلِك.
(٩) رَاجع مَا روى عَنهُ فى ذَلِك، فى الْأُم (ج ٣ ص ٨٠- ٨١)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ١٨).
(١٠) عِبَارَته فى الْأُم (ج ٣ ص ٨١) :«وَإِن كَانَ كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس فى السّلف:
قُلْنَا بِهِ»
إِلَخ.
137
«فَجَعَلَ «١» عَلَيْهِمْ: إيتَاءَهُنَّ «٢» مَا فُرِضَ لَهُنَّ «٣» وَأُحِلَّ «٤» لِلرِّجَالِ:
كُلُّ «٥» مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا «٦».».
وَاحْتَجَّ (أَيْضًا) : بِآيَةِ الْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ، وَبِآيَةِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ «٧».
ثُمَّ قَالَ: «وَإِذَا «٨» كَانَ هَذَا هَكَذَا: كَانَ لَهَا: أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَا «٩» شَاءَتْ، بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا «١٠».». وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ «١١».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
«أَثْبَتَ «١٢» اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالضَّعِيفِ، وَاَلَّذِي
(١) فى الْأُم: «فَجعل فى»، وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٢) فى الأَصْل: «إيتاهن»، وفى الام: «إيتائهن».
(٣) قَالَ بعد ذَلِك، فى الام: «على أَزوَاجهنَّ، يدفعونه إلَيْهِنَّ: دفعهم إِلَى غَيرهم من الرِّجَال: مِمَّن وَجب لَهُ عَلَيْهِم حق بِوَجْه.». [.....]
(٤) فى الام: «وَحل»، وَمَا فى الأَصْل أنسب.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «الاكل»، وَالظَّاهِر أَنه تَحْرِيف، أَو قَوْله:
«مَا». محرف عَن: «مِمَّا»، فَلْيتَأَمَّل.
(٦) رَاجع كَلَامه بعد ذَلِك فى الام (ج ٣ ص ١٩٢).
(٧) انْظُر الام (ج ٣ ص ١٩٣).
(٨) فى الام (ج ٣ ص ١٩٣) : ، «فَإِذا»، وَهُوَ أحسن.
(٩) فى الام: «من»، وَلَا خلاف فى الْمَعْنى:
(١٠) انْظُر- فى هَذَا وَمَا قبله- السّنَن الْكُبْرَى (ج ٦ ص ٥٩- ٦١) :
(١١) انْظُر الام (ج ٣ ص ١٩٣- ١٩٤).
(١٢) أَي: بقوله: (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً، أَوْ ضَعِيفاً، أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ-: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) : وَفِي الام (ج ٣ ص ١٩٤) :«وَأثبت»، وفى الْمُخْتَصر (ج ٢ ص ٢٢٣) :«فَأثْبت».
140
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ: أَنْ يُتْرَكَ سُدىً. ؟!: ٧٥- ٣٦) فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ- فِيمَا عَلِمْتُ-: أَنَّ (السُّدَى) هُوَ «٢» : الَّذِي لَا يُؤْمَرُ «٣»، وَلَا يُنْهَى».
وَمِمَّا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (إجَازَةً) : أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ: أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» :«قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ: ٢- ٢٨٢).»
«فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ: بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنْ
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٧١) : فى بَيَان أَنه لَا يجوز الحكم وَلَا الْإِفْتَاء بِمَا لم يُؤمر بِهِ. وَقد ذكر فِيمَا سبق (ج ص ٣٦)، وَذكره فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١١٣)، وروى نَحوه عَن مُجَاهِد. وراجع فِيهَا (ص ١١٤- ١١٦) مَا ورد فى ذَلِك: من الْأَحَادِيث والْآثَار وَانْظُر الرسَالَة (ص ٢٥)، وطبقات السبكى (ج ١ ص ٢٦١)، وَالْفَتْح (ج ١١ ص ٤٠٤).
(٢) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ والرسالة وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ والرسالة وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «يَأْمر»
وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٣ ص ٧٦- ٧٧). وَقد ذكر بعضه بِتَصَرُّف: فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٤٦).
123
يَكُونَ «١» دَلَالَةً: عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ «٢» وَمُبَاحٌ «٣» تَرْكُهَا. لَا:
حَتْمًا يَكُونُ مَنْ تَرَكَهُ عَاصِيًا: بِتَرْكِهِ. (وَاحْتَمَلَ «٤» ) : أَنْ يَكُونَ حَتْمًا مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ: بِتَرْكِهِ.»
«وَاَلَّذِي أَخْتَارُ: أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ وَذَلِكَ: أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا: لَمْ يَبْقَ فِي أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّ ذَلِكَ: إنْ كَانَ حَتْمًا: فَقَدْ أَدَّيَاهُ وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً: فَقَدْ أَخَذَا «٥» بِالْحَظِّ فِيهَا.»
«قَالَ: وَكُلُّ مَا نَدَبَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إلَيْهِ-: مِنْ فَرْضٍ، أَوْ دَلَالَةٍ.-:
فَهُوَ بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ. أَلَا تَرَى: أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ، إذَا «٦»
كَانَ دَلَالَةً: كَانَ فِيهِ «٧» :[أَنَّ] الْمُتَبَايِعَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا: إنْ أَرَادَ ظُلْمًا: قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ تَارِكًا «٨» : لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. وَلَوْ
(١) عبارَة الْأُم: «تكون الدّلَالَة» وَلَعَلَّ فِيهَا بعض التحريف. وَعبارَة الْمُخْتَصر:
«يكون مُبَاحا تَركه».
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «بالشهاد» وَالنَّقْص من النَّاسِخ.
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم وَهُوَ خبر مقدم. وَلَو قَالَ: «وَيُبَاح، أَو فَيُبَاح»، لَكَانَ أولى وَأظْهر.
(٤) هَذَا شُرُوع فى بَيَان الْأَمر الثَّانِي. وَلَو قَالَ: «وَثَانِيهمَا» أَو: «وَالْآخر» كَمَا فى الْمُخْتَصر لَكَانَ أحسن.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَخذنَا لحط»، وَهُوَ تَصْحِيف.
(٦) عبارَة الْأُم: «إِن كَانَ فِيهِ» أَي فى البيع. وَمَا فى الأَصْل أولى.
(٧) فى الأَصْل: «قيمَة» وَهُوَ محرف عَمَّا ذكرنَا والتصحيح وَالزِّيَادَة من الْأُم.
أَو محرف عَن: «قِيمَته» مرَادا مِنْهُ: الْفَائِدَة. وَهُوَ بعيد من حَيْثُ الِاسْتِعْمَال. [.....]
(٨) أَي: للاشهاد لَا يمْنَع من الظُّلم. وفى الأَصْل: «كَارِهًا» وَهُوَ تَحْرِيف.
لتصحيح عَن الْأُم.
124
نَسِيَ، أَوْ وَهِمَ-: فَجَحَدَ.-: مُنِعَ مِنْ الْمَأْثَمِ عَلَى ذَلِكَ: بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ:
وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا. ؟!.»
«أَوْ لَا تَرَى: أَنَّهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا «١» : لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا: [أَنْ «٢» ] يَبِيعَ فَبَاعَ هُوَ «٣» رَجُلًا، وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ-: وَلَمْ يُعْرَفْ: أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ «٤» ؟ -: لَمْ يُعْطَ الْأَوَّلُ: مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ «٥» بِقَوْلِ الْبَائِعِ. وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ، فَأَثْبَتَتْ «٦» : أَيُّهُمَا أَوَّلُ؟ -: أُعْطِيَ الْأَوَّلُ. ؟!.»
«فَالشَّهَادَةُ: سَبَبُ قَطْعِ الْمَظَالِمِ، وَتَثْبِيتِ «٧» الْحُقُوقِ. وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ)، ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : الْخَيْرُ «٨» الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ «٩»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ «١٠» : وَاَلَّذِي «١١» يُشْبِهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَو إِحْدَاهمَا» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٢) زِيَادَة حَسَنَة عَن الْأُم.
(٣) فى الْأُم: «هَذَا». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَوله» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الْمُشْتَرى» وَالظَّاهِر: أَنه محرف عَمَّا ذكرنَا فَتَأمل
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «فَأثْبت» وَلَعَلَّ النَّقْص من النَّاسِخ.
(٧) فى الْأُم: «وَتثبت» وَعبارَة الأَصْل أحسن.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الحير»، وَهُوَ تَصْحِيف.
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «بركَة»، وَهُوَ تَصْحِيف.
(١٠) فى بَيَان: أَي المعينين: من الْوُجُوب وَالنَّدْب أولى بِالْآيَةِ؟. وَقد ذكر مَا سيأتى إِلَى آخر الْكَلَام- بِاخْتِصَار وَتصرف-: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١٤٥).
(١١) فى السّنَن الْكُبْرَى: بِدُونِ الْوَاو. وَعبارَة الْأُم: «فَإِن الَّذِي» وهى وَاقعَة فى جَوَاب سُؤال، كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ.
125
التَّوْفِيقَ-: أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ «١» : بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ دَلَالَةً لَا: حَتْمًا لَهُ «٢». قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، وَحَرَّمَ الرِّبا: ٢- ٢٧٥) فَذَكَرَ: أَنَّ الْبَيْعَ حَلَالٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ بَيِّنَةً.»
«وَقَالَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ: [إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ «٣» : ٢- ٢٨٢] وَالدَّيْنُ: تَبَايُعٌ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ «٤» فِيهِ: بِالْإِشْهَادِ فَبَيَّنَ «٥» الْمَعْنَى: الَّذِي أَمَرَ لَهُ: بِهِ. فَدَلَّ مَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي الدَّيْنِ، عَلَى «٦» أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ: عَلَى النَّظَرِ وَالِاخْتِيَارِ «٧» لَا: عَلَى الْحَتْمِ «٨» قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: فَاكْتُبُوهُ «٩» ) ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: (وَإِنْ)
(١) هَذَا إِلَى قَوْله: البيع لَيْسَ بِالْأُمِّ، وموجود بالسنن الْكُبْرَى.
(٢) هَذَا لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى. وَعبارَة الْأُم: «يحرج من ترك الْإِشْهَاد. فَإِن قَالَ [قَائِل] : مَا دلّ على مَا وصفت؟ قيل: قَالَ الله» إِلَخ. [.....]
(٣) زِيَادَة حَسَنَة عَن الْأُم، ونجوز: أَنَّهَا سَقَطت من النَّاسِخ.
(٤) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «فَتبين»، وَهُوَ تَحْرِيف: بِقَرِينَة مَا سيأتى.
(٦) هَذَا فى الأَصْل قد ورد بعد قَوْله: فَدلَّ. وَهُوَ من عَبث النَّاسِخ. والتصحيح من الْأُم.
(٧) فى الْأُم: «وَالِاحْتِيَاط»، أَي: بِالنِّسْبَةِ للمستقبل، وكل من اللَّفْظَيْنِ لَهُ وَجه أحسنية كَمَا لَا يخفى.
(٨) فى الْأُم زِيَادَة: «قلت». وَالظَّاهِر: أَنَّهَا جَوَاب جملَة شَرْطِيَّة قد سَقَطت من نسخ الْأُم، تقديرها: فَإِن قيل: مَا وَجه ذَلِك من الْآيَة (مثلا) ؟ وَمَا فى الأَصْل سليم مُخْتَصر.
(٩) ينبغى: أَن تراجع فى السّنَن الْكُبْرَى، آثَار أَبى سعيد الْخُدْرِيّ، وعامر الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ: فى ذَلِك. لعَظيم فائدتها.
126
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ: (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: فَاكْتُبُوهُ) الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا: (٢- ٢٨٢- ٢٨٣) وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ: مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ «٢» -: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.-: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما، فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) «٣»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) شُهُودَ الزِّنَا وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ «٤» وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ» - يَعْنِي «٥» :[فِي] قَوْله تَعَالَى: (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ: ٥- ١٠٦).- «: فَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمْ امْرَأَةً.»
«فَوَجَدْنَا شُهُود الزّنا: يشْهدُونَ عَلَى حَدٍّ، لَا: مَالٍ وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ: يَشْهَدُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ، وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ: فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.»
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٧٧). وَانْظُر الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٤٧)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١٤٨).
(٢) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٤٨ و١٥١)، وَشرح مُسلم للنووى (ج ٢ ص ٦٥- ٦٨) : حَدِيث ابْن عمر وَغَيره، الْخَاص: بِنُقْصَان عقل النِّسَاء ودينهن، وَسَببه. وَانْظُر الْفَتْح (ج ٥ ص ١٦٨).
(٣) فى الْأُم زِيَادَة: «الْآيَة».
(٤) يحسن: أَن تراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٣)، أثرى ابْن عمر وَعمْرَان بن الْحصين.
(٥) فى الأَصْل: «بِمَعْنى» والتصحيف وَالنَّقْص من النَّاسِخ. وَهَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
132
«وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ: وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ: أَنَّهُ وَصِيٌّ.»
«ثُمَّ: لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.- خَالَفَ: فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزِّنَا، إلَّا: الرِّجَالُ. وَعَلِمْتُ أَكْثَرَهُمْ «١» قَالَ: وَلَا فِي طَلَاقٍ «٢» وَلَا رَجْعَةٍ «٣» : إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ. وَقَالُوا ذَلِكَ: فِي الْوَصِيَّةِ. فَكَانَ «٤» مَا حَكَيْتُ «٥» -: مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ.- دَلَالَةً: عَلَى مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ: أَنْ «٦» يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَيُصَارَ إلَيْهِ.»
«وَذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) شُهُودَ الدَّيْنِ: فَذَكَرَ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَكَانَ الدَّيْنُ: أَخْذَ مَالٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.»
«فَالْأَمْرُ «٧» -: عَلَى مَا فَرَّقَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بَيْنَهُ «٨» : مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّهَادَاتِ.-: أَنْ يُنْظَرَ: كُلُّ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ وَكَانَ: إنَّمَا يَلْزَمُ بِهَا حَقٌّ غَيْرِ مَالٍ أَوْ شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ:
(١) أخرج فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١٤٨) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: عدم إجَازَة شَهَادَة النِّسَاء على الطَّلَاق وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: عدم إجازتها أَيْضا على الْحُدُود.
(٢) فى الْأُم: «الطَّلَاق». [.....]
(٣) فى الْأُم: «الرّجْعَة».
(٤) فى الْأُم: «وَكَانَ». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «حكمت». وَهُوَ تَصْحِيف.
(٦) فى الْأُم: «أَن يُصَار... وَيُقَاس» وَكَذَلِكَ فى الْمُخْتَصر: بِزِيَادَة حرف الْبَاء.
وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٧) فى الْأُم: «وَالْأَمر» وَعبارَة الأَصْل أظهر.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وَهُوَ الظَّاهِر. وَعبارَة الأَصْل: «بَينهم» ولعلها محرفة، أَو نقص بعْدهَا كلمة: «فِيهِ».
133
كَانَ «١» لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا «٢» لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غَيْرَ مَالٍ-: مِثْلُ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْحُدُودِ «٣»، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.-: فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ «٤»
«وَيُنْظَرُ: كُلُّ «٥» مَا شُهِدَ بِهِ-: مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ، مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، مَالًا.-: فَتُجَازَ «٦» فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فِيهِ: فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْقَوْلُ، وَلَا «٧» يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «٨».».
(١) فى الْأُم: «وَكَانَ» وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مَال» وَالظَّاهِر: أَنه محرف.
(٣) عبارَة الْأُم: «وَالْحَد وَمَا أشبهه».
(٤) فى الْأُم زِيَادَة: «لَا يجوز فِيهِ امْرَأَة» وراجع الْأُم (٤٣- ٤٤ وَج ٦ ص ٢٦٧).
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «كلما» وَلَعَلَّه جرى على رسم بعض الْمُتَقَدِّمين.
(٦) فى الأَصْل: بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ تَصْحِيف. وفى الْأُم: «فَتجوز».
(٧) فى الْأُم: «فَلَا»، وَهُوَ أحسن.
(٨) ثمَّ قَالَ: «وَمن خَالف هَذَا الأَصْل، ترك عندى مَا ينبغى أَن يلْزمه: من معنى الْقُرْآن. وَلَا أعلم لأحد خَالفه، حجَّة فِيهِ: بِقِيَاس، وَلَا خبر لَازم.». ثمَّ بَين: أَنه لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء منفردات، وَذكر الْخلاف فِي ذَلِك وَمَا يتَّصل بِهِ. فراجع كَلَامه (ص ٧٧ و٧٩- ٨٠). وَانْظُر كَلَامه (ص ١٠)، والمختصر (ج ٥ ص ٢٤٧- ٢٤٨).
ثمَّ رَاجع السّنَن الْكُبْرَى والجوهر النقي (ج ١٠ ص ١٥٠- ١٥١)، وَالْفَتْح (ج ٥ ص ١٦٨- ١٧٠). وَيحسن أَن تراجع كَلَام الشَّافِعِي فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٤٩ و٣٥٢ و٣٥٤- ٣٥٦)، وفى الرسَالَة (ص ٣٨٥- ٣٩٠) : فَهُوَ مُفِيد فى الْمَوْضُوع عَامَّة. [.....]
134
الْعِلْمِ فِي «١» هَذِهِ الْآيَاتِ-: أَنَّهُ فِي الشَّاهِدِ: قَدْ «٢» لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ: أَنْ يَقُومَ بِهَا: عَلَى وَالِدَيْهِ «٣» وَوَلَدِهِ، والقريب والبعيد و:
للبغيض «٤» :[الْبعيد] والقريب و «٥» : لَا يَكْتُمَ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُحَابِيَ بِهَا «٦»، وَلَا يَمْنَعَهَا أَحَدًا «٧».».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٨» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ: ٢- ٢٨٢) يَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ حَتْمًا عَلَى مَنْ دُعِيَ لِكِتَابٍ «٩» فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ: كَانَ عَاصِيًا.»
(١) فى السّنَن الْكُبْرَى: «فى هَذِه الْآيَة»، وَعبارَة الْمُخْتَصر: «أَن ذَلِك».
(٢) فِي الْأُم: «وَقد». وَمَا هُنَا أحسن.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الْمُخْتَصر: «وَالِده». وَعبارَة الأَصْل: «والدته ووالده»، وهى- مَعَ صِحَة مَعْنَاهَا- مصحفة عَمَّا فى الْأُم.
(٤) هَذَا إِلَى قَوْله: والقريب، لَيْسَ بالمختصر. وفى الأَصْل: «والبغيض»، وَهُوَ تَصْحِيف. والتصحيح وَالزِّيَادَة من عبارَة الْأُم: «وللبغيض الْقَرِيب والبعيد».
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الْمُخْتَصر: «لَا تكْتم»، أَي: الشَّهَادَة. وَعبارَة الأَصْل:
«لَا يكتم عَن وَاحِد»، وَالظَّاهِر- مَعَ صِحَّتهَا وموافقتها فى الْجُمْلَة لعبارة الْمُخْتَصر-:
أَن تَأْخِير الْوَاو من النَّاسِخ.
(٦) فى الْمُخْتَصر زِيَادَة: «أحد».
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل والمختصر: «أحد». وهى- بِالنّظرِ لما فى الأَصْل- محرفة.
(٨) كَمَا فى الْأُم (ج ٣ ص ٧٩- ٨٠) وَهُوَ مُرْتَبِط أَيْضا بِمَا تقدم (ص ١٢٧).
(٩) فى الْأُم: «الْكتاب» وَهُوَ مصدر أَيْضا: كالكتابة. [.....]
139
«وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ [عَلَى «١» ] مَنْ حَضَرَ-: مِنْ الْكُتَّابِ.-:
أَنْ لَا يُعَطِّلُوا كِتَابَ حَقٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ: أَجْزَأَ عَنْهُمْ.
كَمَا حُقَّ عَلَيْهِمْ: أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْجَنَائِزِ وَيَدْفِنُوهَا فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِيهَا:
أَخْرَجَ ذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا، مِنْ الْمَأْثَمِ «٢». وَهَذَا: أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.»
«قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ: إِذا مَا دُعُوا «٣» : ٢- ٢٨٢) يَحْتَمِلُ مَا وَصَفْتُ: مِنْ أَنْ لَا يَأْبَى «٤» كُلُّ شَاهِدٍ: اُبْتُدِئَ «٥»، فَيُدْعَى: لِيَشْهَدَ.»
«وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى من حضر الحقّ: أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلشَّهَادَةِ «٦» فَإِذَا شَهِدُوا: أَخْرَجُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الْمَأْثَمِ وَإِنْ تَرَكَ مَنْ حَضَرَ، الشَّهَادَةَ: خِفْتُ حَرَجَهُمْ بل: لَا أشكّ فِيهِ وَاَللَّهُ «٧» أَعْلَمُ.
(١) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم ذكر قبلهَا: «كَمَا وَصفنَا فى كتاب: جماع الْعلم.».
(٢) فِي الْأُم بعد ذَلِك: «وَلَو ترك كل من حضر الْكتاب: خفت أَن يأثموا بل:
كأنى لَا أَرَاهُم يخرجُون من المأثم. وأيهم قَامَ بِهِ: أَجْزَأَ عَنْهُم.»
.
(٣) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ٤٦٠). أثرى ابْن عَبَّاس وَالْحسن، وَمَا لقله الْبَيْهَقِيّ عَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين فى هَذِه الْآيَة وَمَا عقب بِهِ عَلَيْهِ. لفائدته الْكَبِيرَة.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يأتى». وَهُوَ تَصْحِيف.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «ابسدى» وَهُوَ تَصْحِيف. وَلَو قَالَ بعد ذَلِك:
فدعى لَكَانَ أحسن.
(٦) قَالَ- كَمَا فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٤٩) -: «وَفرض الْقيام بهَا فى الِابْتِدَاء، على الْكِفَايَة: كالجهاد، والجنائز، ورد السَّلَام. وَلم أحفظ خلاف مَا قلت، عَن أحد».
(٧) هَذِه الْجُمْلَة لَيست بِالْأُمِّ وَلَا يبعد أَن تكون مزيدة من النَّاسِخ.
140
لِأَنَّهُ «١» إنَّمَا خُوطِبَ «٢» بِالْفَرَائِضِ: الْبَالِغُونَ دُونَ: مَنْ لَمْ يَبْلُغْ «٣».».
وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ «٤».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٥» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«فِي «٦» قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ: مِنْ رِجالِكُمْ) إلَى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ: مِنَ الشُّهَداءِ «٧» )، وقَوْله تَعَالَى:
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ: مِنْكُمْ: ٦٥- ٢) دَلَالَةٌ «٨» : عَلَى أَنَّ اللَّهَ
(١) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٦١) هى: «وَقَول الله: (مِنْ رِجالِكُمْ) يدل:
على أَنه لَا تجوز شَهَادَة الصّبيان (وَالله أعلم) فى شىء. وَلِأَنَّهُ»
إِلَخ.
(٢) أَي: كلف بهَا.
(٣) فى السّنَن الْكُبْرَى زِيَادَة: «وَلِأَنَّهُم لَيْسُوا مِمَّن يرضى: من الشُّهَدَاء وَإِنَّمَا أَمر الله: أَن نقبل شَهَادَة من نرضى.». [.....]
(٤) حَيْثُ رد على من أجَاز شَهَادَة الصّبيان فى الْجراح: مَا لم يتفرقوا. فراجع كَلَامه (ص ٨١ و٤٤). وراجع الْفَتْح (ج ٥ ص ١٧٥)، وَشرح الْمُوَطَّأ (ج ٣ ص ٣٩٦).
(٥) كَمَا فى الْأُم (ج ٦ ص ١٢٧) وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١٦٢).
(٦) عبارَة الْأُم: «قلت» وهى جَوَاب عَن سُؤال. وَعبارَة السّنَن الْكُبْرَى:
«قَالَ الله».
(٧) ذكر فى الْأُم (ج ٧ ص ١١٦) أَن مُجَاهدًا قَالَ فى ذَلِك: «عَدْلَانِ، حران، مسلمان». ثمَّ قَالَ: «لم أعلم: من أهل الْعلم مُخَالفا: فى أَن هَذَا معنى الْآيَة.» إِلَخ فَرَاجعه. وراجع كَلَامه (ص ٩٧ وَج ٦ ص ٢٤٦) : لفائدته فى الْمقَام كُله. وَانْظُر اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٥٢) وَالسّنَن الْكُبْرَى ص ١٦٣.
(٨) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «ففى هَاتين الْآيَتَيْنِ (وَالله أعلم) دلَالَة» إِلَخ.
143
(عَزَّ وَجَلَّ) إنَّمَا عَنَى: الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ «١»
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ «٢»، إلَى أَنْ قَالَ: «وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَعْدَلُهُمْ عِنْدَهُ «٣» : أَعْظَمُهُمْ بِاَللَّهِ شِرْكًا: أَسْجَدُهُمْ لِلصَّلِيبِ، وَأَلْزَمُهُمْ لِلْكَنِيسَةِ «٤»
«فَإِنْ «٥» قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقُولُ: (حِينَ الْوَصِيَّةِ:)
(١) فى السّنَن زِيَادَة تقدّمت، وهى: «من قبل أَن» إِلَى: «بِالدّينِ». وراجع مَا كتبه صَاحب الْجَوْهَر النقي على ذَلِك، وتأمله. ثمَّ رَاجع الْمذَاهب فى هَذِه الْمَسْأَلَة: فى معالم السّنَن (ج ٤ ص ١٧١- ١٧٢)، وَالْفَتْح (ج ٥ ص ١٨٥).
(٢) حَيْثُ قَالَ: «وَلم أر الْمُسلمين اخْتلفُوا: فى أَنَّهَا على الْأَحْرَار الْعُدُول: من الْمُسلمين خَاصَّة دون: المماليك الْعُدُول، والأحرار غير الْعُدُول. وَإِذا زعم الْمُسلمُونَ: أَنَّهَا على الْأَحْرَار الْمُسلمين الْعُدُول، دون المماليك-: فالمماليك الْعُدُول، والمسلمون الْأَحْرَار-:
وَإِن لم يَكُونُوا عُدُولًا.-: فهم خير من الْمُشْركين: كَيْفَمَا كَانَ الْمُشْركُونَ فى ديانتهم.
فَكيف أُجِيز شَهَادَة الَّذِي هُوَ شَرّ، وأرد شَهَادَة الَّذِي هُوَ خير بِلَا كتاب، وَلَا سنة، وَلَا أثر، وَلَا أَمر: اجْتمعت عَلَيْهِ عوام الْفُقَهَاء. ؟!»
. وَقد تعرض لهَذَا الْمَعْنى-:
بتوضيح وَزِيَادَة.- فى الْأُم (ج ٧ ص ١٤ و٣٩- ٤٠) فَرَاجعه. وَانْظُر الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٥٠). وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٦٢)، وعقبه: بأثر ابْن عَبَّاس الْمُتَقَدّم (ص ٧٤)، وَحَدِيث أَبى هُرَيْرَة: «لَا تصدقوا أهل الْكتاب، وَلَا تكذبوهم» وَغَيره: مِمَّا يُفِيد فى الْبَحْث.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وَقد ورد بِالْأَصْلِ: مَضْرُوبا عَلَيْهِ ثمَّ ذكر بعده: «عِنْدهم» وَالظَّاهِر أَنه من صنع النَّاسِخ. وَمَا فى الْأُم أولى: فى مثل هَذَا التَّرْكِيب.
(٤) لَعَلَّك بعد هَذَا الْكَلَام الصَّرِيح الْبَين، من ذَلِك الإِمَام الْأَجَل، يقوى يقينك:
بِأَن من أفحش الأخطاء، وأحقر الآراء- مَا يُجَاهر بِهِ بعض المتفيقهين المتبجحين: من أَن بعض أهل الْكتاب الَّذين لم يسلمُوا، سيدخلون الْجنَّة قبل الْمُسلمين.
(٥) عبارَة الْأُم: «فَقَالَ قَائِل» وهى أفيد.
144
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ: (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: فَاكْتُبُوهُ) الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا: (٢- ٢٨٢- ٢٨٣) وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ: مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ «٢» -: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.-: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما، فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) «٣»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) شُهُودَ الزِّنَا وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ «٤» وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ» - يَعْنِي «٥» :[فِي] قَوْله تَعَالَى: (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ: ٥- ١٠٦).- «: فَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمْ امْرَأَةً.»
«فَوَجَدْنَا شُهُود الزّنا: يشْهدُونَ عَلَى حَدٍّ، لَا: مَالٍ وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ: يَشْهَدُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ، وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ: فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.»
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٧٧). وَانْظُر الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٤٧)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١٤٨).
(٢) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٤٨ و١٥١)، وَشرح مُسلم للنووى (ج ٢ ص ٦٥- ٦٨) : حَدِيث ابْن عمر وَغَيره، الْخَاص: بِنُقْصَان عقل النِّسَاء ودينهن، وَسَببه. وَانْظُر الْفَتْح (ج ٥ ص ١٦٨).
(٣) فى الْأُم زِيَادَة: «الْآيَة».
(٤) يحسن: أَن تراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ٣٧٣)، أثرى ابْن عمر وَعمْرَان بن الْحصين.
(٥) فى الأَصْل: «بِمَعْنى» والتصحيف وَالنَّقْص من النَّاسِخ. وَهَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
132
«وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ: وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ: أَنَّهُ وَصِيٌّ.»
«ثُمَّ: لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.- خَالَفَ: فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزِّنَا، إلَّا: الرِّجَالُ. وَعَلِمْتُ أَكْثَرَهُمْ «١» قَالَ: وَلَا فِي طَلَاقٍ «٢» وَلَا رَجْعَةٍ «٣» : إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ. وَقَالُوا ذَلِكَ: فِي الْوَصِيَّةِ. فَكَانَ «٤» مَا حَكَيْتُ «٥» -: مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ.- دَلَالَةً: عَلَى مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ: أَنْ «٦» يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَيُصَارَ إلَيْهِ.»
«وَذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) شُهُودَ الدَّيْنِ: فَذَكَرَ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَكَانَ الدَّيْنُ: أَخْذَ مَالٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.»
«فَالْأَمْرُ «٧» -: عَلَى مَا فَرَّقَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بَيْنَهُ «٨» : مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّهَادَاتِ.-: أَنْ يُنْظَرَ: كُلُّ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ وَكَانَ: إنَّمَا يَلْزَمُ بِهَا حَقٌّ غَيْرِ مَالٍ أَوْ شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ:
(١) أخرج فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ١٤٨) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: عدم إجَازَة شَهَادَة النِّسَاء على الطَّلَاق وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: عدم إجازتها أَيْضا على الْحُدُود.
(٢) فى الْأُم: «الطَّلَاق». [.....]
(٣) فى الْأُم: «الرّجْعَة».
(٤) فى الْأُم: «وَكَانَ». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «حكمت». وَهُوَ تَصْحِيف.
(٦) فى الْأُم: «أَن يُصَار... وَيُقَاس» وَكَذَلِكَ فى الْمُخْتَصر: بِزِيَادَة حرف الْبَاء.
وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٧) فى الْأُم: «وَالْأَمر» وَعبارَة الأَصْل أظهر.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وَهُوَ الظَّاهِر. وَعبارَة الأَصْل: «بَينهم» ولعلها محرفة، أَو نقص بعْدهَا كلمة: «فِيهِ».
133
كَانَ «١» لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا «٢» لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غَيْرَ مَالٍ-: مِثْلُ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْحُدُودِ «٣»، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.-: فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ «٤»
«وَيُنْظَرُ: كُلُّ «٥» مَا شُهِدَ بِهِ-: مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ، مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، مَالًا.-: فَتُجَازَ «٦» فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فِيهِ: فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْقَوْلُ، وَلَا «٧» يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «٨».».
(١) فى الْأُم: «وَكَانَ» وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مَال» وَالظَّاهِر: أَنه محرف.
(٣) عبارَة الْأُم: «وَالْحَد وَمَا أشبهه».
(٤) فى الْأُم زِيَادَة: «لَا يجوز فِيهِ امْرَأَة» وراجع الْأُم (٤٣- ٤٤ وَج ٦ ص ٢٦٧).
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «كلما» وَلَعَلَّه جرى على رسم بعض الْمُتَقَدِّمين.
(٦) فى الأَصْل: بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ تَصْحِيف. وفى الْأُم: «فَتجوز».
(٧) فى الْأُم: «فَلَا»، وَهُوَ أحسن.
(٨) ثمَّ قَالَ: «وَمن خَالف هَذَا الأَصْل، ترك عندى مَا ينبغى أَن يلْزمه: من معنى الْقُرْآن. وَلَا أعلم لأحد خَالفه، حجَّة فِيهِ: بِقِيَاس، وَلَا خبر لَازم.». ثمَّ بَين: أَنه لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء منفردات، وَذكر الْخلاف فِي ذَلِك وَمَا يتَّصل بِهِ. فراجع كَلَامه (ص ٧٧ و٧٩- ٨٠). وَانْظُر كَلَامه (ص ١٠)، والمختصر (ج ٥ ص ٢٤٧- ٢٤٨).
ثمَّ رَاجع السّنَن الْكُبْرَى والجوهر النقي (ج ١٠ ص ١٥٠- ١٥١)، وَالْفَتْح (ج ٥ ص ١٦٨- ١٧٠). وَيحسن أَن تراجع كَلَام الشَّافِعِي فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٣٤٩ و٣٥٢ و٣٥٤- ٣٥٦)، وفى الرسَالَة (ص ٣٨٥- ٣٩٠) : فَهُوَ مُفِيد فى الْمَوْضُوع عَامَّة. [.....]
134
لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ. فَلَوْ لَمْ تَجُزْ «١» الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ: لَمْ تَجُزْ «٢» لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «٣».».
(أَخْبَرَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ «٤» أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ: «إذَا قَالَ: دَفَعْتهَا إلَيْكَ فَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ. وَلَوْ قَالَ: أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ، فَدَفَعْتُهَا فَالْقَوْلُ:
قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ «٥»
. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً:)
(١) كَذَا بِالْأُمِّ (ج ٤ ص ٢٧)، وفى الأَصْل: «يجز»، وَمَا فى الْأُم أنسب:
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ (ج ٤ ص ٢٧)، وفى الأَصْل: «يجز»، وَمَا فى الْأُم أنسب:
(٣) وَقَالَ أَيْضا (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى: ج ٦ ص ٢٦٦) :«فَكَانَت دلَالَة السّنة- فى حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن- بَيِّنَة: أَن رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنزل عتقهم فى الْمَرَض وَصِيَّة وَالَّذِي أعتقهم: رجل من الْعَرَب والعربي إِنَّمَا يملك من لَا قرَابَة بَينه وَبَينه: من الْعَجم. فَأجَاز النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَهُم الْوَصِيَّة». وراجع الْأُم (ج ٧ ص ٣٣٧- ٣٣٨).
(٤) فى الأَصْل: «عَن»، وَهُوَ تَحْرِيف.
(٥) قَالَ فى الْأُم (ج ٤ ص ٦١) :«وَإِذا استودع الرجل الرجل الْوَدِيعَة، فاختلفا-:
فَقَالَ الْمُسْتَوْدع: دفعتها إِلَيْك وَقَالَ الْمُسْتَوْدع: لم تدفعها.-: فَالْقَوْل: قَول الْمُسْتَوْدع.
وَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا- غير أَن الْمُسْتَوْدع قَالَ: أمرتنى أَن أدفعها إِلَى فلَان، فدفعتها وَقَالَ الْمُسْتَوْدع: لم آمُرك.-: فَالْقَوْل: قَول الْمُسْتَوْدع وعَلى الْمُسْتَوْدع: الْبَيِّنَة. وَإِنَّمَا فرقنا بَينهمَا: أَن الْمَدْفُوع إِلَيْهِ غير الْمُسْتَوْدع وَقد قَالَ الله: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ). فالاول: إِنَّمَا ادّعى دَفعهَا إِلَى من ائتمنه وَالثَّانِي: إِنَّمَا ادّعى دَفعهَا إِلَى غير الْمُسْتَوْدع بأَمْره. فَلَمَّا أنكر أَنه أمره: أغرم لَهُ لَان الْمَدْفُوع إِلَيْهِ غير الدَّافِع.»
. اهـ وَهُوَ كَلَام جيد مُفِيد، ويوضح مَا فى الأَصْل الَّذِي نرجح أَنه مُخْتَصر مِنْهُ.
151
(فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ: ٢- ٢٨٣) وَقَالَ فِي الْيَتَامَى: «١» (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ: فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ «٢» : ٤- ٦).»
«وَذَلِكَ: أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ: وَصِيُّ أَبِيهِ، أَوْ [وَصِيٌّ] «٣» وَصَّاهُ الْحَاكِمُ: لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ «٤». وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ: أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ. [وَ «٥» ] كَذَلِكَ: الْوَصِيُّ.».
(١) انْظُر مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٣ ص ١٧٧) وَالأُم (ج ٧ ص ١٠٥).
(٢) ذكر فى الْأُم قبل ذَلِك، قَوْله تَعَالَى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ: ٤- ٦).
(٣) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٤ ص ٦١).
(٤) قَالَ بعد ذَلِك، فى الْأُم (ج ٤ ص ٦١) :«فَلَمَّا بلغ الْيَتِيم: أَن يكون لَهُ أَمر فى نَفسه وَقَالَ: لم أَرض أَمَانَة هَذَا، وَلم أستودعه.-: فَيكون القَوْل قَول الْمُسْتَوْدع.-:
كَانَ على الْمُسْتَوْدع أَن يشْهد»
إِلَى آخر مَا فى الأَصْل. وارجع إِلَى مَا ذكر فى الْوكَالَة من كتاب الْمُخْتَصر (ج ٣ ص ٦- ٧) : فَإِنَّهُ مُفِيد فى الْمَوْضُوع.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٤ ص ٦١).
152
ابْن الْفَضْلِ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ابْنَ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ) يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: «الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
قَوْله تَعَالَى: (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ: ٤٣- ٢٢) قَالَ: عَلَى دِينٍ. وقَوْله تَعَالَى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ: ١٢- ٤٥)، قَالَ: بَعْدَ زَمَانٍ. وقَوْله تَعَالَى:
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ: ١٦- ١٢٠) قَالَ: مُعَلِّمًا.»

(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الْفَارِسِيُّ الْمُفَسِّرُ. أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ ابْن الْحَسَنِ الْبُسْتَانِيُّ بِشِيرَازَ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ)، أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ: قَالَ عِكْرِمَةُ لَابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ ابْنَ عُمَرَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ: ٢- ٢٨٤) فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهُ لَئِنْ أَخَذَنَا اللَّهُ بِهَا لَنَهْلِكَنَّ.» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا- حِينَ نَزَلَتْ- مَا وَجَدَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الْآيَةُ «١» : ٢- ٢٨٦) مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
(١) تَمامهَا: (لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«فَرَضَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَقَالَ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها: ٢- ٢٨٦). فَبِذَا «٢» فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَطَاقُوهُ فَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُ: فَإِنَّمَا كُلِّفُوا مِنْهُ مَا أَطَاقُوهُ فَلَا بَأْسَ: أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِ الْفَرِيقَيْنِ: مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ.».
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ «٣»، إلَى أَنْ قَالَ: «فَهَادَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) «٤» (يَعْنِي «٥» : أَهْلَ مَكَّةَ، بِالْحُدَيْبِيَةِ «٦».) فَكَانَتْ «٧» الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ- فِي سَفَرِهِ- فِي أَمْرِهِمْ: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً «٨» لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ: ٤٨- ١- ٢). قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٤ ص ١٠٩- ١١٠). [.....]
(٢) عبارَة الْأُم هى: «فَهَذَا فرض الله على الْمُسلمين قتال الفرقين من الْمُشْركين، وَأَن يهادنوهم». وَالظَّاهِر: أَنَّهَا نَاقِصَة ومحرفة.
(٣) يحسن أَن تراجع مَا ذكره (ص ١٠٩- ١١٠) : ليتضح لَك كَلَامه تَمامًا.
(٤) فى الْأُم زِيَادَة: «إِلَى مُدَّة وَلم يهادنهم على الْأَبَد: لِأَن قِتَالهمْ حَتَّى يسلمُوا، فرض: إِذا قوى عَلَيْهِم.».
(٥) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
(٦) فى الأَصْل: «بِالْحَدِيثِ». وَهُوَ تَصْحِيف. وراجع فى هَذَا الْمقَام، السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢١٨- ٢٢٣)، وَالْفَتْح (ج ٧ ص ٣١٨- ٣١٩ وَج ٨ ص ٤١٢).
(٧) فى الْأُم، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ص ٢٢١) :«وَكَانَت».
(٨) ذكر فى الْأُم إِلَى هُنَا.
Icon