ﰡ
قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الأمي الذي بشَّرْنا به موسى، ونَجِدُه في كتابنا بنعته وصفته، وإنه لا تُرَدُّ له راية. فأرادوا تصديقه واتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى. فلما كان يوم أحد ونُكِبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شَكُّو وقالوا: لا والله ما هو به. وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عهد إلى مُدَّة، فنقضوا ذلك العهد، وانطلق كعب بن الأَشْرَف في ستين راكباً إلى أهل مكة: أبي سفيان وأصحابه، فوَافَقُوهم، وأجمعوا أمرهم، وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة. ثم رجعوا إِلى المدينة، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قريشاً ببدر، فقدم المدينة، جَمَع اليهود فقال: يا معشر اليهود، احذروا من الله مثلَ ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، فقالوا: يا محمد، لا يعزّنك أنك لقيت قوماً أغْماراً لا علم لهم بالحرب فأصبتَ فيهم فرصة، أما والله لو قاتلناك لعرفت أنّا نحنُ الناسُ. فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يعني اليهود: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ تهزمون ﴿وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة. وهذه رواية عكرمة، وسعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال الكلبي: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة، قدم عليه حَبْرَانِ من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد، قال: نعم، قالا: إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلاني، فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله. فأنزل الله تعالى على نبيه: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ﴾ فأسلم الرجلان وصدّقا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اختلفوا في سبب نزولها.
فقال السُّدِّي: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ إلى الإسلام، فقال له النعمان بن أوفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل إلى كتاب الله، فقال: بل إلى الأحبار. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم [بيت] المِدْرَاسِ على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله، فقال له نُعَيْم بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملّة إبراهيم، قالا: إن إبراهيم كان يهوديّاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم. فأبيا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر، وسؤال اليهود النبيَّ صلى الله عليه وسلم، عن حد الزانيين. وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ووعد أمته مُلْكَ فارس والروم، قالت المنافقون واليهود: هيهات! هيهات! من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعزُّ وأمنع من ذلك، ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك وفارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرني محمد بن عبد العزيز المَرْوَزِي في كتابه، أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين [الحدادي]، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا رَوْح بن عُبادة، حدَّثنا سعيد، عن قتادة قال:
ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآء﴾ الآية.
حدَّثنا الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوَزان، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري، حدَّثنا حماد بن الحسن، حدَّثنا محمد بن خالد بن عَثْمَة، حدَّثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، حدَّثني أبي عن أبيه، قال:
خَطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الخندق يوم الأحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً. قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسَلْمان، وحُذَيْفَة والنُّعْمَان بن مُقْرِّن المُزَني، وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً. فحفرنا حتى إذا كنا تحت "ذوناب"، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مَرْوَة كَسَرَتْ حديدَنا وشقت علينا، فقلنا: يا سليمان، ارْقَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإِما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خَطَّه. قال: فرقي سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ضارب عليه قبة تُرْكِيّة، فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مَرْوَة من بطن الخندق، فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمْرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطَّك. قال: فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع سلمان الخندق، والتسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الْمِعْوَل من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبَرَق منها برق أضاء ما بين لاَبَتَيْها - يعني المدينة - حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم. وَكَبَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، فكبَّرَ المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية وبرق منها برق أضاء ما بين لاَبَتَيْها، حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لاَبَتَيْهَا حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، وكَبّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون، وأخذ بيد سلمان ورقي، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئاً ما رأيت مثله قط. فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى القوم، فقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحِيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل، عليه السلام، أن أمتي ظاهرةٌ عليها. ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام، أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا. فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله، موعد صدق، وعدنا النصر بعد الحفر. فقال المنافقون: ألا تعجبون يُمَنِّيكم ويَعِدُكُم الباطلَ، ويخبركم أنه يبصر من يَثْرِبَ قُصورَ الحِيرَة ومدائنَ كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إِنما تحفرون الخندق من الفَرَقِ، ولا تستطيعون أن تبرزوا! قال: فنزل القرآن ﴿وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ وأنزل الله تعالى في هذه القصة، قوله: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ﴾ الآية.
قال ابن عباس: كان الحجّاج بن عَمْرو، وكَهْمَس بن أبي الحقيق، وقيس بن زيد - وهؤلاء كانوا من اليهود - يُبَاطِنُون نفراً من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رِفَاعة بن الْمُنْذِر، وعبد الله بن جُبير، وسعيد بن خَيْثَمَةَ لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود، واحذروا لُزُومَهُمْ ومُبَاطَنَتَهُمْ لا يفتنوكم عن دينكم. فأبى أولئك النفر إِلا مُبَاطَنَتَهُمْ وملازمتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: نزلت في المنافقين: عبد الله بن أبيّ وأصحابه، كانوا يتولَّوْن اليهود والمشركين، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وقال جُوَيْبر عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في عُبَادَةَ بن الصَّامِت الأنصاري، وكان بَدْرِياً نَقِيباً، وكان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله، إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدوّ. فأنزل الله تعالى: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ﴾ الآية.
قال الحسن، وابن جُرَيج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد، إنا نحب ربنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى جُوَيْبِر، عن الضَّحاك، عن ابن عباس، قال:
وقف النبي صلى الله عليه وسلم، على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نَصَبُوا أصنامهم، وعلّقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشُّنُوفَ [والقِرَطَةَ]، وهم يسجدون لها؛ فقال: يا معشر قريش، لقد خالفتم مِلَّةَ أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الإسلام. فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حباً لله ليقربونا إلى الله زُلْفَى. فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ﴾ وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه ﴿فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ﴾ فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم.
وروى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤُه، أنزل الله تعالى هذه الآية. فلما نزلت عَرَضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
وروى محمد بن إسحاق بن يسار، عن محمد بن جعفر بن الزبير، قال:
نزلت في نصارى نجران، وذلك أنهم قالوا: إنما نعظِّم المسيح ونعبده حباً لله وتعظيماً له. فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم.
قال المفسرون: إنّ وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول؟ قالوا: تقول: إنه عبد، قال: أجل إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البَتُول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسناً قط من غير أب؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله. فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا سهل أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان، أخبرنا يحيى ووكيع، عن مبارك، عن الحسن قال:
جاء راهباً نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما، إنه يمنعكما عن الإسلام ثلاثة: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم: لله ولد. قالا: من أبو عيسى؟ وكان لا يعجل حتى يأمره ربه، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ﴾ الآية.
أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الزَّمجاري، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدَّثنا أبي، حدَّثنا حسين، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، قال:
جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما تَسْلَما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما يمنعكما من الإسلام: [ثلاث]: سجودكما للصليب، وقولكما: اتخذ الله ولداً، وشربكما الخمر فقالا: ما تقول في عيسى؟ قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن: ﴿ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ﴾ الآية، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة، قال وجاء بالحسن والحسين وفاطمة وأهله وولده عليهم السلام. قال: فلما خرجا من عنده قال أحدهما للآخر: أَقْرِرْ بالجِزْية ولا تلاعنه، فأقرَّ بالجزية. قال: فرجعا فقالا: نقرُّ بالجزية ولا نلاعنك. [فأقرا بالجزية].
أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، فيما أذن في روايته؛ حدَّثنا أبو حفص عمر بن أحمد الواعظ، حدَّثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدَّثنا يحيى بن حاتم العسكري، حدَّثنا بشر بن مِهْران، حدَّثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هِنْد، عن الشّعبي، عن جابر بن عبد الله، قال:
قدم وفد أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم: العاقب، والسيد. فدعاهما إلى الإسلام، فقالا: أسلمنا قبلك، قال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام، فقالا: هات أنبئنا، قال: حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. فدعاهما إلى المُلاَعَنَةِ فوعداه على أن يُغَادِيَاه بالغَدَاة، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة، وبيد الحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا، فأقرا له بالخراج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق لو فعلا لَمُطِرَ الوادي ناراً". قال جابر: فنزلت فيهم هذه الآية: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ﴾ قال الشعبي: ابناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة، وأنفسنا: علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
قال [ابن عباس: قال رؤساء] اليهود: والله يا محمد، لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنه كان يهودياً، وما بك إلا الحسد! فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس؛ وروى أيضاً عبد الرحمن بن غُنْم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره محمد بن إسحاق بن يَسَار، وقد دخل حديث بعضهم في بعض.
قالوا: لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، واستقرت بهم الدار، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان - اجتمعت قريش في دار النَّدْوَة وقالوا: إن لنا في أصحاب محمد الذين عند النَّجَاشي ثأراً بمن قُتِل منكم ببدر، فاجمعوا مالاً وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم مَنْ عنده من قومكم؛ ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم. فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن أبي مُعَيْط، مع الهدايا: الأدم وغيره، فركبا البحر وأتيا الحبشة، فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له: إن قومنا لك ناصحون شاكرون، ولصلاحك محبون؛ وإنهم بعثونا إليك لنحذِّرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك؛ لأنهم قومُ رجلٍ كذّاب، خرج فينا يزعم أنه رسول الله، ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء، وكنا قد ضيقنا عليهم الأمر، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا، لا يدخل عليهم أحد، ولا يخرج منهم أحد قد قتلهم الجوع والعطش، فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك ومُلْكك ورعيتك، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم.
قالوا: وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك، ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس، رغبةً عن دينك وسنتك.
قال: فدعاهم النجاشي، فلما حضرا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حزبُ الله، فقال النجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه، ففعل جعفر، فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه، فقال: ألا تسمع كيف يَرْطُنُونَ بحزب الله، وما أجابهم [به] النجاشي. فساءهما ذلك. ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص [وعمارة بن أبي معيط]: ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك؟ فقال لهم النجاشي: ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتى من الآفاق؟ قالوا: نسجد لله الذي خلقك وملَّكك، وإِنما كانت تلك تحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيّا صادقاً، وأمرنا بالتحية التي يرتضيها الله لنا وهي السلام تحية أهل الجنة. فعرف النجاشي أن ذلك حق، وأنه في التوراة والإِنجيل. قال: أيكم الهاتف: يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر: أنا، قال: فتكلم، قال: إنك ملك من ملوك أهل الأرض، ومن أهل الكتاب، ولا يصلح عندك كثرة الكلام، ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر، فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر: تكلم، فقال جعفر للنجاشي: سل هذا الرجل: أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيداً أَبقِنَا من أربابنا، فارددنا إليهم. فقال النجاشي: أعبيد هم أم أحرار؟ فقال: بل أحرار كرام، فقال النجاشي: نجوا من العبودية. قال جعفر: سلهما: هل أهرقا دماً بغير حق فيقتص منا؟ فقال عمرو: لا، ولا قطره. قال جعفر: سلهما: هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها؟ قال النجاشي: يا عمرو إن كان قنطاراً فعليَّ قضاؤه، فقال عمرو. لا ولا قيراطاً، قال النجاشي: فما تطلبون منهم؟ قال عمرو: كنا وهم على دين واحد، وأمر واحد، على دين آبائنا، فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره، ولزمنا نحن فبعثنا إليك قومُهم لتدفعهم إلينا. فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي كنتم عليه، والدين الذي اتبعتموه؟ اصدقني. قال جعفر: أما [الدين] الذي كانا عليه وتركناه فهو دين الشيطان وأمره، كنا نكفر بالله عز وجل، ونعبد الحجارة؛ وأما [الدين] الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام، جاءنا به رسول من الله وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقاً له.
فقال النجاشي: يا جعفر لقد تكلمت بأمر عظيم فَعَلَى رِسْلِكَ. ثم أمر النجاشي فضرِب بالناقوس فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبياً مرسلاً؟ فقالوا: اللهم نعم، قد بشرنا بن عيسى، وقال: من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر: ماذا يقول لكم هذا الرجل ويأمركم به، وما ينهاكم عنه؟ قال: يقرأ علينا كتابَ الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار، وصلة الرحم، وبرّ اليتيم، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له.
فقال: اقرأ علينا شيئاً مما كان يقرأ عليكم. فقرأ عليهم سورة "العنكبوت" و "الروم". ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع، وقالوا: يا جعفر، زدنا من هذا الحديث الطيب. فقرأ عليهم "سورة الكهف". فأراد عمرو أن يغضب النجاشي فقال: إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال النجاشي: ما يقولون في عيسى وأمه؟ فقرأ عليهم جعفر سورة "مريم"، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي نفثه من سواك قدر ما يقذى العين، وقال: والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا. ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سُيُومٌ بأرضي. يقول: آمنون، من سبكم أو آذاكم غرم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا، ولا دهورة اليوم على حزب إبراهيم. قال عمرو: يا نجاشي ومن حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبكم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم. فأنكر ذلك المشركون وادعوا في دين إبراهيم، ثم ردّ النجاشي على عمر وصاحبه المال الذي حَمُلوه، وقال: إنما هديتكم إليّ رشوة فاقبضوها، فإن الله ملّكني ولم يأخذ مني رشوة.
قال جعفر: وانصرفنا وكنا في خير دار، وأكرم جوار، وأنزل الله عز وجل ذلك اليوم في خصومتهم في إِبراهيم على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ﴾ [أي] على ملته وسنته، ﴿وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، ﴿وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾.
أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الوراق، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجَزَرِي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدَّثنا أبو سعيد الأشج، حدَّثنا وكيع، عن سفيان بن سعيد، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي ولاةً من النبيين، وأنا وَلِيِّي منهم أبي وخليلُ ربي إبراهيم. ثم قرأ: ﴿إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ﴾ الآية.
نزلت في معاذ بن جبل [وحُذَيفة] وعمار بن ياسر، حين دعاهم اليهود إلى دينهم. وقد مضت القصة في سورة البقرة.
قال الحسن والسدي: تواطأ اثنا عشر حَبراً من يهود خيبر [وقرى عُرَيْنة] وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أولَ النهار باللسان دون الاعتقاد واكفروا به في آخر النهار، وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبه، وبطلان دينه؛ فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم وقالوا: إنهم أهل كتاب، وهم أعلم به منا؛ فيرجعون عن دينهم إلى دينكم. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأخبر [به] نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين.
[و] قال مجاهد، ومقاتل، والكلبي، هذا في شأن القبلة؛ لما صرفت إلى الكعبة، شق ذلك على اليهود لمخالفتهم، فقال كعب بن الأشرف وأصحابه: آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلُّوا إليها أولَ النهار، ثم اكفروا بالكعبة آخرَ النهار، وارجعوا إِلى قبلتكم الصخرة؛ لعلهم يقولون: هؤلاء أهل كتاب وهم أعلم منا. فربما يرجعون إلى قبلتنا. فحذَّر الله تعالى نبيه مكرَ هؤلاء، وأطلعه على سرهم، وأنزل: ﴿وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ﴾ الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد، أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن شفيق، عن عبد الله، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين وهو فيها فاجرٌ، ليقطع بها مال امرئ مسلم، لقَي الله وهو عليه غضبانُ. فقال الأَشْعَثُ بن قَيْس: فيَّ والله [نزلت]؛ كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك بينةٌ؟ قلت: لا. فقال لليهودي: أتحلف؟ فقلت: [يا رسول الله] إذن يحلف فيذهب بمالي. فأنزل الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ الآية.
رواه البخاري عن عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المِهْرجاني، أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو القاسم البَغَوي، حدَّثني محمد بن سليمان، حدَّثنا صالح بن عمر عن الأعمش، عن شَقِيق، قال: قال عبد الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطعَ بها مالاً، لقَي الله وهو عليه غضبانُ، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ إلى آخر الآية. فأتى الأشعث بن قيس، فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا كذا وكذا. قال: لَفِيَّ نزلت، خاصمت رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك بينة؟ قلت: لا. قال: فيحلف قلت: إذاً يحلفُ قال عليه السلام: من حلف على يمين هو فيها فاجرٌ، ليقتطع بها مالاً، لقيَ الله وهو عليه غضبانُ، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ الآية.
رواه البخاري عن حَجَّاج بن مِنْهَال، عن أبي عَوَانة.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، وعن ابن نمير، عن أبي معاوية؛ كلهم عن الأعمش.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشَّاذياخي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عبد الرزّاق، حدَّثنا سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف رجل على يمين صبر، ليقتطع بها مالاً فاجراً، إلا لقي الله وهو عليه غضبان. قال: فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ الآية.
قال: فجاء الأشعث، وعبد الله يحدثهم، قال: فيَّ نزلت وفي رجل خاصمته في بئر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قلت: لا، قال: فليحلف لك، قلت إذاً يحلف، قال: فنزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ الآية.
أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المُزَكِّي، أخبرنا محمد بن المكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدَّثنا علي بن عبد الله سمع هشيماً يقول: أخبرنا العَوَّام بن حَوْشَب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبى أَوْفَى:
أن رجلاً أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطي بها ما لم يعطه؛ ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ إلى آخر الآية.
وقال الكلبي: إن ناساً من علماء اليهود أُولي فاقة، أصابتهم سَنة، فاقتحموا إلى كعب بن الأشرَف بالمدينة، فسألهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل - رسولَ الله - في كتابكم؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا، قالوا؛ فإِنا نشهد أنه عبد الله ورسوله، قال [كعب]: لقد حَرَمَكم الله خيراً كثيراً، لقد قَدِمْتُم علي وأنا أريد أن أبركم وأكسو عيالكم، فحرمَكم الله وحرمَ عيالكم. قالوا: فإنه شُبِّهَ لَنَا، فَرُوَيْداً حتى نلقاه. فانطلقوا فكتبوا صفةً سوى صفته، ثم انتهو إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فكلموه وسألوه، ثم رجعوا إلى كعب، وقالوا: لقد كنا نرى أنه رسول الله، فلما أتيناه إذا هو ليس بالنعت الذي نُعِتَ لنا، ووجدنا نعته مخالفاً للذي عندنا. وأخرجُوا الذي كتبوا، فنظر إليه كعب ففرح ومارَهُمْ وأنفق عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نزلت في أبي رافع وكِنَانَةَ بن أبي الحقيق، وحيي بن أَخْطَب، وغيرهم من رؤساء اليهود، كتبوا ما عهد الله إليهم في التوراة، من شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرّشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم.
قال الضحاك ومقاتل: نزلت في نصارى نَجْرَان حين عبدوا عيسى. وقوله: ﴿لِبَشَرٍ﴾ يعني عيسى ﴿أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَابَ﴾ يعني الإنجيل.
وقال ابن عباس في رواية الكلبي وعطاء: إن أبا رافع اليهودي والرِّبِّيس من نصارى نَجْرَان، قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. معاذ الله أن يُعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الحسن: بلغني أن رجلاً قال: يا رسول الله، نُسلِّم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس: اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا الفريقين بريءٌ من دين إبراهيم. فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك، ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله تعالى ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ﴾.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا [أبو] محمد بن حيان، أخبرنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا علي بن عاصم، عن خالد وداود، عن عكرمة، عن ابن عباس:
أن رجلاً من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين، فأنزل الله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ﴾ فبعث بها قومه إليه، فلما قُرِئت عليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كذب رسول الله على الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة. فرجع تائباً فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركه.
وأخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو محمد، أخبرنا أبو يحيى، حدَّثنا سهل، عن يحيى بن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
ارتد رجل من الأنصار عن الإسلام ولحق بالشرك، فندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة، فإني قد ندمت؟ فنزلت ﴿كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ حتى بلغ ﴿إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ﴾ فكتب بها قومه إليه، فرجع فأسلم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا أبو بكر بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدَّثنا أحمد بن سيّار، حدَّثنا مُسَدَّد بن مُسَرْهَد، حدَّثنا جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج عن مجاهد، قال:
كان الحارث بن سُوَيد قد أسلم، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بقومه وكفر، فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: والله إِنك ما علمت لصَدُوق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَصْدَقُ منك، وإِنَّ الله لأَصْدَقُ الثلاثة. ثم رجع فأسلم إسلاماً حسناً.
قال الحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني: نزلت في اليهود، كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفراً ببعثة محمد والقرآن.
وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، ثم ازدادوا كفراً بإقامتهم على كفرهم.
قال أبو رَوْق والكَلْبي: نزلت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا على ملّة إبراهيم، فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كان ذلك حلالاً لإبراهيم، فنحن نُحِلُّه. فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرِّمه فإنه كان محرماً على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا. فأنزل الله عز وجل تكذيباً لهم: ﴿كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ﴾ الآية.
قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة، لأنه مُهَاجَرُ الأنبياء، وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو عَمْرو القَنْطَرِي فيما أذن لي في روايته، أخبرني محمد بن الحسين الحدادي قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المُؤَمِّل بن إسماعيل، حدَّثنا حماد بن زيد، حدَّثنا أيوب، عن عكرمة قال:
كان بين هذين الحيين من الأوس والخزْرَج قتال من الجاهلية، فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألَّف الله بين قلوبهم، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج، فأنشد شعراً قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الآخرون قد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا، فقال الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا. [قال] فقالوا: تعالوا نرد الحرب جَذَعاً كما كانت، فنادى هؤلاء يا آل أوس، ونادى هؤلاء يا آل خزرج. فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قام بين الصفّين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا [له] وجعلوا يستمعون إليه فلما فرغ ألقوا السلاح، وعانق بعضهم بعضاً. وجَثَوْا يبكون.
وقال زيد بن أَسْلَم: مرشَاس بن قيس اليهودي - وكان شيخاً فدعَا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأوس والخزرج في مجلس [قد] جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وَأُلْفَتِهِمْ، وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار. فأمر شاباً من اليهود كان معه، فقال: اعمد إِليهم فاجلس معهم، ثم ذَكِّرْهُم [بيوم] بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تَقَاوَلُوا فيه من الأشعار. وكان بُعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخَزْرَج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل فتكلّم القومُ عند ذلك فتنازُعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قَيْظِي أحد بني حارثة من الأوس، وجبّار بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج. فتقاولا، وقال أحدهما لصاحبه: غن شَئت [والله] رددتها [الآن] جذعة، وغضب الفريقان جميعاً وقالا: قد فعلنا، السلاح السلاح موعدكم الظاهرة. وهي حرة، فخرجوا إليها، وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين أَبدَعْوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألّف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كُفَّاراً؟ الله الله! فعرف القوم أنها نَزْغَةٌ من الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبَكَوْا وعانق بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سامعين مطيعين؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ﴾ يعني الأوس والخزرج ﴿إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ﴾ يعني شاساً وأصحابه ﴿يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾.
قال جابر بن عبد الله: ما كان [من] طالع أكرهَ إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومى إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحبَّ إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما رأيت [قط] يوماً أقبحَ ولا أوْحشَ أوّلاً، وأطيبَ آخِراً من ذلك اليوم.
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيرِي، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا العباس الدُّورِي، حدَّثنا أبو نعيم الفضل بن دُكَين، حدَّثنا قيس بن الربيع، عن الأغرّ، عن خليفة بن حُصَين، عن أبي نصر، عن ابن عباس، قال:
كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف، فأُتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ ذلك له، فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾ [إلى قوله]: ﴿وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب، قال: أخبرنا جدّي محمد بن الحسين، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدَّثنا حاتم بن يونس الجرجاني، حدَّثما إبراهيم بن أبي الليث، حدَّثنا الأشجعي عن سفيان، عن خليفة بن حُصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس، قال:
كان الأوس والخزرج يتحدثون، فغضبوا حتى كاد [يكون] بينهم حرب فأخذوا السلاح [ومشى] بعضهم إلى بعض، فنزلت: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا﴾.
قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة؛ وذلك أن مالك ابن الضَّيف، ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعوننا إليه، ونحن خير وأفضل منكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال مقاتل: إن رؤوس اليهود كعب، وبحرى، والنعمان، وأبو رافع، وأبو ياسر، وابن صوريا؛ عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه، فآذوهم لإسلامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية واسيد بن سعية وأسد بن عبيد، ومن أسلم من اليهود - قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا من أخيارنا لما تركوا دين آبائهم، وقالوا لهم: لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم ديناً غيره، فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً﴾ الآية.
وقال ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العَتَمة يصليها المسلمون، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الغازي أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدَّثنا أبو خيثمة، حدَّثنا هاشم بن القاسم، حدَّثنا شيبان، عن عاصم، عن زِرّ، عن ابن مسعود، قال:
أخَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالى في هذه الساعة غيركم، قال: فأنزلت هذه الآيات ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ﴾.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح، أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه، أخبرنا محمد بن المسيب، حدَّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدَّثنا عبد الله بن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن زَحْرٍ، عن سليمان، عن زِرِّ بن حُبَيْشن عن عبد الله بن مسعود، قال:
احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة، وكنا عند بعض أهله أو نسائه، فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فبشرنا فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب، وأنزلت ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يُصَافونَ المنافقين، ويواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحِلْف والجِوَار والرّضاع، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مُبَاطَنَتِهِمْ خوفَ الفتنة منهم عليهم.
نزلت هذه الآية في غزاة أحد.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدَّثنا عبد الله بن جعفر المَخْرَمِيُّ، عن ابن عون، عن المِسْوَر بن مَخْرَمَةَ، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي، أخبرني عن قصتكم يوم أحد، فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدْ ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ إلى قوله: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً﴾.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد الرَّازي، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري، حدَّثنا عَبِيدَة بن حُميد، عن حُميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال:
كسرت رَبَاعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ قال: فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدَّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدَّثنا عبد العزيز بن محمد، حدَّثنا مَعْمَر، عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه، قال:
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم [في صلاة الصبح] فلاناً وفلاناً [ناساً من المنافقين] فأنزل الله عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ رواه البخاري عن حيان عن ابن المبارك عن معمر، ورواه مسلم من طريق ثابت، عن أنس.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عَمْرَوَيه، أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا مسلم بن الحجاج، حدَّثنا القَعْنَبِيّ، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رَبَاعِيَته يوم أُحد، وشُجَّ في رأسه، وجعل يسيل الدم عنه، ويقول: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رَبَاعِيته وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ﴾.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوَزَّان، أخبرنا أبو حامد بن الشرقي، حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع: ربنا لك الحمد، اللهم العن فلاناً وفلاناً. دعا على ناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ﴾. رواه البخاري من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، وسياقه أحسن من هذا.
أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن، حدَّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدَّثنا بحر بن نصر قال: قُرِئَ على ابن وهب: أخبرك يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب وابو سلمة بن عبد الرحمن، أنهما سمعا أبا هريرة يقول:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه، يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسَلَمة بن هشام، وعَيّاش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين؛ اللهم اشدد وَطْأَتِك على مُضَر، واجعلها عليهم سِنينَ كَسِنِي يوسف، اللهم العن لحْيان ورِعْلاً وذَكْوان، وعُصَيّةَ عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك لما نزلت ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾. رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، عن الزُّهري.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت الآية في نبهان التَّمَّار، أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمراً، فضمها إلى نفسه وقبّلها ثم ندم على ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية.
وقال في رواية الكلبي: إن رجلين - أنصاريَّاً وثقفياً - آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فكانا لا يفترقان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مَغَازيه، وخرج معه الثَّقَفي وخلف الأنصاري في أهله وحاجته، وكان يتعاهد أهلَ الثقفي، فأَقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها، فوقعت في نفسه، فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها. فذهب ليلثمها فوضعت كفها على وجهها فقبَّل ظاهر كفها، ثم ندم واستحيا، فأدبر راجعاً، فقالت: سبحان الله! خنت أمانتك، وعصيت ربك، ولم تصب حاجتك. قال: فندم على صنيعه، فخرج يَسِيحُ في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه، حتى وَافَى الثقفي فأخبرته أهله بفعله، فخرج يطلبه حتى دُلَّ عليه، فوَافَقَهُ ساجداً وهو يقول: رب ذنبي [ذنبي!] قد خنتُ أخي، فقال له: يا فلان، قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ذنبك، لعل الله أن يجعل لك فرجاً وتوبة. فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة، وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل عليه السلام بتوبته، فتلا عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ إلى قوله: ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ﴾ فقال عمر: يا رسول الله، أخاص هذا لهذا الرجل، أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامة [في التوبة].
أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المَرْوزِي إجازة، أخبرنا محمد بن الحسين الحَدَّادِي، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا رَوْح، حدَّثنا محمد عن أبيه، عن عطاء:
أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أَبَنُوا إِسرائيلَ أَكْرَمُ على الله منا؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه: اجدع أذنك، اجدع أنفك، افعل كذا. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلك؟ فقرأ هذه الآيات.
قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبيناهم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يعلُون علينا، اللهم لا قوة لنا إلا بك، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر. فأنزل الله تعالى هذه الآيات، وثاب نفر من المسلمين رماة، فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم؛ فذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾.
قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيباً حزيناً يوم أحد، جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تَلْتَدِم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهكذا يُفعل برسولك؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ الآية.
قال عطية العَوْفِي: لما كان يوم أحد انهزم الناس، فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم، فإنما هم إخوانكم. وقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب، ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به؟ فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ﴾ إلى ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ﴾ لقتل نبيهم، إلى قوله: ﴿فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا﴾.
قال السدي: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق، ثم إنهم ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا! قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلاَّ الشريد تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم. فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما عزموا، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال محمد بن كَعْب القُرَظي: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أُحد، قال ناس من أصحابه: من اين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ﴾ الآية إلى قوله: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ يعني الرماة الذي فعلوا ما فعلوا يوم أحد.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أخبرنا أبو يعلى، حدَّثنا أبو عبد الله [بن عمر] بن أبان، حدَّثنا ابن المبارك، حدَّثنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين، فقال أناس: لعلّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ قال خصيف: فقلت لسعيد بن جبير: ما كان لنبي أن يُغَلّ؟ فقال: بل يُغَلّ ويُقْتَل.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار، حدَّثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني، حدَّثنا محمد بن أحمد بن يزيد النَّرْسِي، [حدَّثنا أبو عمر حفص بن عمر الدُّورِي، عن أبي محمد اليزيدي، عن أبي عمر] بن العَلاَء، عن مجاهد، عن ابن عباس:
أنه كان ينكر على من يقرأ ﴿وما كان لنبي أن يُغَلَّ﴾ ويقول كيف لا يكون له أن يُغَلّ وقد كان يقتل؟ قال الله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ﴾ ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني، [أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني] حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة، وقسمها بين الناس، ولم يقسم للطلائع شيئاً، فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا، فنزلت ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾.
قال: سلمة قرأها الضحاك: "يغَلَّ".
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده غنائم هَوَازِن يوم حُنَين، غلَّه رجل بمخيط، فأ، زل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: نزلت وقد غَلَّ طوائف من أصحابه.
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين تركت الرماة المَرْكَزَ يوم أحد طلباً للغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئاً فهو له، وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ظننتم أنا نَغلُّ ولا نقسم لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروي عن ابن عباس: أن أشرافَ الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشيء من الغنائم؛ فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس: حدَّثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البَيْضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله تعالى: ﴿أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ قال: بأخذكم الفداء.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا عبد الله بن زيدان [بن يزيد] البجلي، حدَّثنا أبو كريب، حدَّثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إِلى قناديل من ذهب معلّقة في ظل العرش؛ فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وَمقيلهم، قالوا: من يبلَّغ إخواننا [عنا] أنّا في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا يَنْكُلوا في الحرب؟ فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي، أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان، أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي، حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدَّثنا [عبد الله] بن إِدريس؛ فذكره. رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيري، عن مسدد، عن عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا أحمد بن الحسين الحذَّاء، أخبرنا علي بن المديني، حدَّثنا موسى بن إبراهيم بن بشير بن الفَاكه النصاري: أنه سمع طلحة ابن خِرَاش قال:
سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إِليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما لي أراك مهتماً؟ قلت: يا رسول الله، قتل أبي وترك دَيناً وعيالاً، فقال: ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كِفَاحاً فقال: يا عبدي سلني أعطك، قال: اسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتلَ فيك ثانية، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فأبلغ مَنْ ورائي. فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ الآية.
أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إليّ، أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدَّثنا وكيع عن سفيان، عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ قال:
لما أصيب حَمْزَة بن عبد المطلب، ومُصْعَبُ بن عمير يوم أُحد، ورأوا ما رزقوا من الخير، قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة، فقالوا الله تعالى: انا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ إلى قوله: ﴿لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقال أبو الضُّحَى: نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة.
وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت الآية في شهداء بئر مَعُونَة. وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي.
وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور. فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيساً عنهم، وإخباراً عن حال قتلاهم.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا مكي بن عبدان حدَّثنا أبو الأزهر، حدَّثنا رَوْح، حدَّثنا أبو يونس القشيري، عن عمرو بن دينار:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون، فاستجاب له سبعون رجلاً؛ قال: فطلبهم، فلقي أبو سفيان عيراً من خُزَاعة فقال لهم: إن لقيتم محمداً يطلبني فأخبروه أني في جَمْعٍ كثير. فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن أبي سفيان فقالوا: لقيناه في جمع كثير، ونراك في قِلَّة، ولا نأمنه عليك: فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يطلبه، فسبقه أبو سفيان فدخل مكة، فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ حتى بلغ ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾.
أخبرنا عمر بن أبي عمرو، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد، حدَّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، في قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ إلى آخرها، قال:
قالت لعرْوَةَ: يا ابن أختي كان أبَوَاكَ منهم: الزبير وأبو بكر، لمَّا أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ ما أصاب، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال: من يذهب في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً، كان منهم أبو بكر والزبير.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد، أخبرنا أبو حاتم التَّمِيمي، أخبرنا أحمد بن الأزهر، حدَّثنا رَوْح بن عبادة، حدَّثنا سعيد عن قتادة، قال:
ذاك يوم أحد بعد القتل والجراحة وبعدها انصرف المشركون: أبو سفيان وأصحابه، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أَلاَ عصابَةٌ تَشَدَّدُ لأمر الله فتطلبَ عدوّها، فإنه أنكى للعدو، وأبعد للسمع؟ فانطلق عصابة على ما يعلم الله تعالى من الجهد، حتى إذا كانوا بذي الحُلَيْفَة جعل الأغراب والناس يأتون عليهم فيقولون: هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأنزل الله تعالى فيهم قوله: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.
قال السدي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت عليَّ أمّتي في صورها كما عرضت على آدم، وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر. فبلغ ذلك المنافقين، فاستهزأوا وقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر، ونحن معه ولا يعرفنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان، وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض؛ فأخبرنا بمن يؤمن بك وبمن لا يؤمن بك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله تعالى هذه الآية.
[أجمع] جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة.
وروى عطية [العوفي] عن ابن عباس: أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته، وأراد بالبخل: كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى.
قال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق:
دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم بيت مِدْرَاس اليهود، فوجد ناساً من اليهود قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له: فِنْحَاص بن عَازُورَا، وكان من علمائهم، فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله، قد جاءكم بالحق من عند الله، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، فآمن وصدِّق، وأقرض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة، ويضاعف لك الثواب. فقال فنحاص: يا أبا بكر، تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا، وما يستقرض إلا الفقير من الغني، فإن كان ما تقول حقاً فإن الله إذاً لفقير ونحن أغنياء، ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا، فغضب أبو بكر، رضي الله عنه، وضرب وجه فِنْحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله. فذهب فِنْحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر غلى ما صنع بي صاحبك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما الذي حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم [عنه] أغنياء، فغضبتُ لله وضربت وجهه. فجحد ذلك فِنْحَاص، فأنزل الله عز وجل رداً على فِنْحاص وتصديقاً لأبي بكر: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ...﴾ الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر: أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا جعفر بن الليث الزِّيادي، حدَّثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، حدَّثنا شبل، عن ابن أبي نُجَيح، عن مجاهد، قال:
نزلت في اليهود، صَكَّ أبو بكر رضي الله عنه، وجه رجل منهم، وهو الذي قال: إن الله فقير ونحن أغنياء. قال شبل: بلغني أنه فِنْحاص اليهودي، وهو الذي قال: يد الله مغلولة.
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا، وزيد بن تابوه، وفنحاص بن عَازُورَا، وحُييّ بن أخطب؛ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً، وأنزل عليك كتاباً، وأن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بِقُرْبان تأكله النار، فإن جئتنا به صدقناك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا أبو اليمان، حدَّثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه - وكان من أحد الثلاثة الذين تِيبَ عليهم:
أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش في شعره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخْلاطٌ: منهم المسلمون، ومنهم المشركون، ومنهم اليهود. فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم [كلهم]، وكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك وفيهم أنزل الله تعالى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ...﴾ الآية.
أخبرنا عمرو بن [أبي] عمرو المزَكِّي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل [البخاري]، اخبرنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبره:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فَدَكيَّة، وأردَف أسامة بن زيد [وراءه] وسار يعود سعد بن عُبادة في بني الحارث بن الخزرج، قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عَجَاجَةُ الدابة خَمَّرَ عبد الله بن أبيّ أنْفَة بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يَتَسَاوَرُون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم، دابته، وسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي - قال كذا وكذا؟! فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرة على أن يتوجوه ويُعَصِّبُوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك، فذلك فَعَلَ به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً﴾ الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو الهيثم المَرْوزِي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدَّثنا سعيد بن أبي مريم، حدَّثنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِي.
أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الغزو تخلفوا عنه، فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يُحْمَدُوا بما لم يفعلوا؛ فنزلت: ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ﴾ الآية. رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن ابن أبي مريم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشَّاذياخي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، أخبرنا محمد بن جهم، أخبرنا جعفر بن عَوْن، حدَّثنا هشام بن سعيد، قال: حدَّثنا زيد بن أَسْلم:
أن مَرْوَان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخُدْرِي، وزيد بن ثابت، ورافع بن خُدَيْجٍ؛ فقال مروان: يا أبا سعيد، أرأيت قوله تعالى: ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ والله إنا لنفرح بما أتينا، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا، إنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكرهون فرحوا بتخلفهم، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون، أخبرنا أبو حامد بن الشرقيّ، قال: حدَّثنا أبو الأزهر، قال: حدَّثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة: أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس: وقل له: لئن كان [كل] امرئ منا فرح بما أتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذِّب - لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس: مالكم ولهذا؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، اليهود فسألهم عن شيء، فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه فيما سألهم، وفرحوا بما أَتوا من كتمانهم إِياه. ثم قرأ ابن عباس: ﴿وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام، ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج؛ كلاهما عن ابن جُرَيج.
وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومَنْ بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: أن محمداً ليس نبي الله، فاثبتوا على دينكم، وأجمعوا كلمتكم على ذلك. فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن. ففرحوا بذلك. وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا، ولم نتفرق، ولم نترك ديننا؛ وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله. وذلك قول الله تعالى: ﴿يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ﴾ بما فعلوا ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.
أخبرنا أبو إسحاق المقري، قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العنبري، حدَّثنا أحمد بن نجدة، حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، أخبرنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:
أتت قريش اليهودي، فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟ فقالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ادع لنا ربك يجعل [لنا] الصفا ذهباً. فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ﴾.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النَّصْرَابَادِي، أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوار، أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سلمة بن عمر بن أبي سَلَمة - رجل من ولد أم سلمة - قال:
قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا أَسْمَعُ الله ذَكَرَ النساءَ في الهجرة بشيء. فأنزل الله تعالى: ﴿فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ...﴾ الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي عون محمد بن أحمد بن ماهان، عن محمد بن علي بن زيد، عن يعقوب بن حميد، عن سفيان.
نزلت في مشركي مكة، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش، وكانوا يَتّجِرُونَ ويتنعمون، فقال بعض المؤمنين: إِنّ أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع والجهد. فنزلت هذه الآية.
قال جابر بن عبد الله، وأنس، وابن عباس، وقتادة:
نزلت في النجاشي، وذلك [أنه] لما مات نعاه جبريل، عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في اليوم الذي مات فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم. فقالوا: من هو؟ فقال: النجاشي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البَقِيع، وكُشِفَ له من المدينة إلى أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي، وصلى عليه، وكبّر أربع تكبيرات، واستغفر له، وقال لأصحابه: استغفروا له. فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على عِلْجٍ حَبَشِيّ نَصْرَاني، لم يره قط، وليس على دينه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف، حدَّثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن سنان الواسطي، أخبرنا أبو هانئ محمد بن بكار الباهلي، حدَّثنا المُعْتَمِر بن سليمان، عن حميد، عن أنس قال:
قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي؛ فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على عِلْج من الحبشة! فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ الآية.
وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم.
أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ، أخبرنا أبو علي الفقيه، حدَّثنا محمد بن معاذ المَالِيني. حدَّثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي، حدَّثنا ابن المبارك، أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، حدَّثني داود بن صالح، قال:
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾؟ قال: قلت: لا، قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غَزْو يُرابطُ فيه، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي محمد المزني، عن أحمد بن نجدة، عن سعيد بن منصور، عن ابن المبارك.