ﰡ
قراءات :
قرأ حمزة وحفص :﴿ هدىً ورحمةً ﴾ بالنصب، والباقون :﴿ بالرفع ﴾.
سبيل الله : دينه.
هُزُوا : سخرية.
ومن الناس من يشتري بماله الأحاديث الملهية، وكتبَ الأساطير والخرافات ليصدّ بها الناس عن سبيل الله بغير علم، ﴿ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾.
قراءات : قرأ ابن كثير وأبو عمرو :﴿ ليَضِل عن سبيله ﴾ بفتح الياء، والباقون :﴿ بالرفع ﴾ وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص :﴿ ويتخذَها ﴾ بنصب الذال، والباقون بالرفع.
روي أن النضر بن الحارث من بني عبد الدار ( صاحبَ لواء المشركين ببدر وأحَد شياطين قريش ) كان يجلس لقريش ويحدّثهم بأخبار ملوكِ الفرس وخرافاتهم، ويقول : أنا أحسن من محمد حديثاً، إنما يأتيكم بأساطير الأولين.
وقد أسِر يوم بَدرٍ وقتل بمكان يقال له « الأثيل ». فكان النضر وأمثاله كما يقول تعالى :
﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ولى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾.
ونلاحظ أن القرآن عندما يذكر المؤمنين يصفهم ( بالعاملين، الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وهذا يُفهمنا أن الإيمان وحدَه لا يكفي. وقد جزم الله بوعده وأوجبه على نفسه وهو الغني عن الجميع، تفضّلاً منه وكرمه.
بثّ : فرّق.
زوج كريم : صنف حسن.
يتحدث الله هنا عن القدرة العظيمة وحكمته، ودليلُ ذلك هذا الكونُ الهائل بجميع ما نرى من سمات بغير عمد، وجبال تحفظ توازن الأرض، وهذه الأنواع التي لا تُحصى من المخلوقات المبثوثة في هذه الأرض، وإنزالِ الماء الذي يُحيي الأرضَ فتُنْبتُ من كل زوج كريم، بنظام دقيق متكامل، متناسق التكوين.
هذا الكون الكبير الهائل وما فيه من نظام هو من خلْق الله، أروني ماذا خلق الذين تعبدونهم من دونه، ﴿ بَلِ الظالمون فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾.
الحكمة : العلم مع العمل، وكل كلام وافق الحقَّ فهو حكمة. وقيل الحكمة : هي الكلام المعقول المصون عن الحشو، وقال ابن عباس الحكمة : تعلُّم الحلالِ والحرام. وقال الراغب : الحكمة : معرفة الموجودات وفعل الخيرات. وقال الرسول الكريم :« إن من الشعر لحكمة » يعني كلاما صادقا. وقال تعالى ﴿ واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة ﴾ الخ....
لقد منحْنا لقمانَ الحكم والعلم والإصابة في القول، وقلنا له اشكرِ الله، ومن يشكر فإن فائدةَ ذلك الشكر عائدةٌ إليه، ومن جَحَدَ نعمةَ الله فإنه غنيّ عن شكره غير محتاج إليه، محمود في ذاته.
واذكر أيها الرسول الكريم، لَمّا قال لقمانُ لابنه وهو يعظه ويذكّره : يا بنّي لا تشركْ بالله أحدا، إن الشِركَ ظلمٌ عظيم لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه.
الفصال : الفطام.
ثم بعد أن ذكر الشِرك وما فيه من شفاعة، أتبعه بوصية الولد بوالديه، لكونهما السببَ في إيجاده، فقال :﴿ وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ.... ﴾
أمرناه ببرّهما وطاعتهما، والقيام بحقوقهما لأنها تعبا في تربيته.... لقد حملته أمه في بطنها، وما زالت تضعف كلما مرت الأيام ضعفاً على ضعف حتى وضعتْه، ثم أرضعتْه عامين وفطمته، وكل ذلك ببذل جهود عظيمة، فاشكر لي أيها الإنسان ولوالديك وأحسنْ إليهما فإليَّ الرجوع لا إلى غيري.
أناب : رجع.
ما أحلى هذا الكلام ! فإن كانا كافرين، وحاولا أن تكفر أنت بالله فلا تطعمها، ومع ذلك يجب عليك أن تبقى باراً بهما، تصاحبهما بالمعروف والإحسان والعطف.
أما من جهة الدين :﴿ واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
إن عليك أن تتبع طريقَ الهدى، وطريق من تاب الى الله، ومصيركم جميعاً إلي بعد مماتكم فأخبركم بما كنتم تعلمون في الدنيا من خير أو شر.
مثقال حبة من خردل : شيء صغير جدا.
لطيف : يصل علمه الى كل شيء خفي.
خبير : عليم بكنْه الأشياء وحقائقها.
ثم عاد إلى ذكر بقية وصايا لقمان لابنه، فقال :﴿ يا بني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ :
يا بنِيّ، إن الله لا يَفلِتُ من حسابه شيء، إن الخصلةَ من الإحسان أو الإساءة إن تكن وزنَ حبة خردلٍ تائهة في وسط صخرة أو في السموات أو في الأرض، يأتِ بها الله ويُحضرها يوم القيامة حين يضع الموازينَ بالقسط. إن الله لطيف يصل علمه الى كل خفي، خبير يعلم ظواهر الأمور وبواطنها.
قراءات :
قرأ نافع :﴿ مثقالُ حبة ﴾ برفع مثقال، والباقون بالفتح.
يا بني حافظْ على الصلاة، ومُرْ بكل حَسَن، وانْهَ عن كل قبيح، واحتملْ ما أصابك من الشدائد، فإن المحافظة على الصلاة والصبرَ على الشدائد من عزم الأمور.... بدأ هذه الوصيةَ بالصلاة وختمها بملازمة الصبر لأنهما من أعظمِ ما يستعان بهما، كما قال تعالى :﴿ واستعينوا بالصبر والصلاة ﴾ البقرة : ٤٥ و ١٥٣.
ولا تمشِ في الأرض مرحا : مختلا بطِرا.
مختال فخور : يمشي الخيلاء ويفخر على الناس ويتباهى بماله وجاهه.
وبعد أن أمره بعمل أشياء خيرة، حذّره من أمور غير مستحسنَة وأدّبه خير تأديب، فقال :
﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾.
إنها حِكم تُكتب بماء الذهب.... لا تتكبر وتُعرِضْ بوجهك عن الناس، إن الله لا يحب المتكبرين.
قراءات :
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر :﴿ ولا تصعّر ﴾ بتشديد العين، والباقون :﴿ ولا تصاعر ﴾ بألف من : صاعر يصاعر.
واغضض من صوتك : اخفض منه ولا ترفعه.
أَنكرُ الأصوات : أقبحها.
وامشِ بهدوء، وتوسَّط في مشيك بين السرعة والبطء، ولا ترفع صوتك لأن أقبح
ما يُستنكر من الأصوات هو صوت الحمير.
ألم تروا أن الله سخرّ لكم جميع ما في السموات والأرض، ووسّع عليكم نعمه وأتمّها على أحسن ما يكون، ومع ذلك ففي الناس من يجادل في توحيد الله ووجوده بغير علمٍ يستند إليه ولا هدى، ولا كتاب يستأنس به.
قراءات :
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص :﴿ نِعَمَه ﴾ بالجمع والباقون نعمةً بالافراد.
وإذا قيل لهؤلاء المجادِلين الجاحدين : اتّبعوا ما أنزل الله على رسوله من الشرائع،
لم يجدوا ردّاً لذلك إلا قولهم :﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا ﴾.
ثم وبّخهم الله على تلك المقالة، فقال :﴿ أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير ! ﴾ :
أما كان لهم عقلٌ يفكرون به ويتدبرون حتى يعلموا الحقَّ من الباطل ! ! يفضّلون اتّباع الشيطان الذي يقودهم الى النار !
محسن : مطيع لله.
العروة الوثقى : أوثق الأسباب وأمتنها. والعروة في اللغة مقبض الكوز، والدلو.
الوثقى : المتينة الشديدة.
ومن أخلصَ لله وهو محسن في جميع ما يقول ويعمل فقد تمسَّكَ من حَبْلِ الله بأوثقِ عراه. ﴿ وإلى الله عَاقِبَةُ الأمور ﴾ : إليه المصير والمراجع.
ثم سلّى رسول الله على ما يلقاه من أذى المشركين وعنادهم، فقال :﴿ وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عملوا إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾،
ومن كفر يا محمد فلا تحزن عليه، إلينا مصيرهم فنخبرهم بما عملوا، إن الله يعلم ما يدور في صدورهم فضلاً عن علمه بظاهرهم.
غليظ : شديد ثقيل.
نحنُ نمتّع الكافرين في هذه الدنيا مدةً قصيرة ثم نوردهم جهنم ليذوقوا العذاب الشديد.
لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : ٣٤ ].
لو تحولت كل أشجار الأرض أقلاما، وصارت مياه البحار الكثيرة مداداً تُكتب به كلماتُ الله، لنفدت الأقلام ُونفد المداد قبل أن تنفد كلمات الله.
قراءات :
قرأ ابر عمرو ويعقوب :﴿ والبحرَ يمده ﴾ بنصب البحر، والباقون :﴿ والبحرُ ﴾ بالرفع.
ما خلقكم أيها الناس من العدم ولا بعثكم من قبوركم في قدرة الله، إلا كخلْق نفس واحدة وبعثها، إنه سميع لأقوال عباده بصير بأفعالهم فيجازيهم عليها.
نحن نرى دائماً تقلُّب الليل وتناقصَهما وزيادتهما عند اختلاف الفصول، لذلك ألِفْنا هذه الآيات، مع أنها حقاً من المعجزات، فهذا الكون وما فيه من آيات عجيبة واسعة تحير الألباب، واللهُ وحده القادرُ على إنشاء هذا النظام الدقيق العجيب وحفظه. وكل ما نرى في هذا الكون متحرك ﴿ يجري إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ ووقتٍ معلوم.
بنعمة الله : بما تحمله من خيرات للناس.
وبعد أن ذكر الآيات العلوية الدالة على وحدانيته أشار الى آيةٍ أرضية، فقال :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرِي فِي البحر بِنِعْمَةِ الله لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ :
ألم تشاهد أيها الرسول، تلك السفن تمخر عباب البحر بنعم الله المحملة عليها للناس ليريكم من آياته ولدلائله، إن في ذلك لآيات لكل من روض نفسه على الصبر على المشاق، طلباً للنظر في نفسه وفي الآفاق، وعوّدها الشكر لمانح النعيم ومسديها لنا سبحانه وتعالى
ولكن الناس لا يصبرون ولا يشكرون، فإن أصابهم الضر جأروا وصاحوا واستجاروا، وعندما ينجيهم الله من الضر لا يشكر منهم إلا القليل.
كالظلل : ما يظلل الناسَ من سحاب، يعني أن الموج يرتفع حتى يغطي السفينة.
فمنهم مقتصد : سالك للطريق المستقيم.
ختّار : غدار.
وهذه طبيعة البشر عندما يحيط بهم الخطر يخلصون لله ويؤمنون، وإذا نجوا فمنهم من يشكر وهم القليل، والكثير جاحد غدار كفور. وهذا المعنى جاء في سورة يونس الآيتان ٢٢ و ٢٣.
لا يجزي : لا يغني ولا ينفع.
الغرور : بفتْح الغَين، ما غرَّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان.
يختم الله هذه السورة الكريمة بآيتين عظيمتين : في هذه الآية يذكّر الناسَ بالتقوى والعمل الصالح، وأن هناك هولاً أكبر من هول البحر، وذلك هو يوم القيامة بحيث لا ينفع والد ولدَه، ولا ولد والده.
الغيث : المطر. ما في الأرحام : ما في بطون الحبالى من مواليد.
بهذه الآية العظيمة يختم الله هذه السورة، فقرر أن ثلاثة من هذه الخمسة لا يعلمها إلا هو وهي : وقت قيام الساعة، وعدم علمِ أي إنسان ماذا يكسب غداً، ولا في أي أرضٍ يموت وقال :﴿ وَيُنَزِّلُ الغيث وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام ﴾ فلم يحصر هذين الأمرين بعلمه. وذلك لسابق علمه أن الإنسان بإعمال عقله يمكنه أن يكتشف أمورا كثيرة. وقد استطاع الإنسان باستعمال عقله والعلم وتوفيق الله أن ينزل المطر في بعض المناطق وإن كان على نطاق ضيق ونفقات عالية، واستطاع بوساطة الآلات الحديثة أن يعلم نوع الجنين في الأرحام ولا يزال يجهل كثيراً من الأمور. ﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً.... ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ]
وهكذا تختم هذه السورة بهذا الستار المسدول والعلم العجيب. فتبارك الله خالق القلوب ومنزل هذا القرآن شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للعالمين.