تفسير سورة سبأ

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

٣٤ سورة سبأ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣)
١- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ:
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ أي هو المحمود على نعم الآخرة، وهو الثواب.
وَهُوَ الْحَكِيمُ الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته.
الْخَبِيرُ بكل كائن يكون.
٢- يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ:
ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من الغيث أو من الكنوز والدفائن، وجميع ما هى له كفات.
وَما يَخْرُجُ مِنْها من النبت.
وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار.
وَما يَعْرُجُ فِيها من الملائكة.
وَهُوَ مع كثرة نعمه وسبوغ فضله.
الرَّحِيمُ الْغَفُورُ للمفرطين فى أداء مواجب شكرها.
٣- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ
لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ نفى للبعث وانكار لمجىء الساعة.
عالِمِ الْغَيْبِ الخفيات.
لا يَعْزُبُ عَنْهُ لا يبعد عنه ولا يغيب.
مِثْقالُ ذَرَّةٍ مقدر أصغر نملة.
مِنْ ذلِكَ من مثقال ذرة.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤ الى ٧]
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧)
٤- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بالثواب.
أُولئِكَ يعنى المؤمنين.
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم.
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو الجنة.
٥- وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ:
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا أجهدوا أنفسهم فى محاربة القرآن.
مُعاجِزِينَ مغالبين أمر الله فى نصر رسوله.
رِجْزٍ الرجز: سوء العذاب.
٦- وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ:
يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ويعلم أولو العلم.
الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مفعول أول.
هُوَ ضمير فصل.
الْحَقَّ مفعول ثان.
وَيَهْدِي وهو الذي يهدى.
إِلى صِراطِ إلى طريق الله.
الْعَزِيزِ الغالب على كل شىء.
الْحَمِيدِ المستحق بكل ثناء.
٧- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا قال بعضهم لبعض.
عَلى رَجُلٍ يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم.
يُنَبِّئُكُمْ يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب.
إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ بعد أن تكونوا رفاتا وترابا ويمزق البلى أجسادكم كل ممزق، أي يفرقكم ويبدد أجزاءكم كل تبديد.
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ إنكم تبعثون وتنشئون خلقا جديدا.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٨ الى ٩]
أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
٨- أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ:
أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أهو مفتر على الله كذبا فيما ينسب إليه من ذلك.
أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أم به جنون يوهمه فى ذلك ويلقيه على لسانه.
بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي ليس محمد صلّى الله عليه وسلم من الافتراء والجنون فى شىء وهو مبرأ منها، بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث.
فِي الْعَذابِ واقعون فى عذاب النار.
وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ وفيما يؤديهم اليه من الضلال عن الحق.
٩- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ:
كِسَفاً قطعا.
إِنَّ فِي ذلِكَ النظر الى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلان عليه من قدرة الله.
لَآيَةً لدلالة.
لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع الى ربه مطيع له.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٠]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)
١٠- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ:
يا جِبالُ بدل من قوله فَضْلًا أو من قوله آتَيْنا على تقدير: قولنا يا جبال، أو: قلنا: يا جبال.
أَوِّبِي مَعَهُ أي رجعى معه التسبيح، أو رجعى معه فى التسبيح كلما رجع فيه، لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه.
ومعنى تسبيح الجبال: أن يخلق الله تعالى فيها تسبيحا، فيسمع منها ما يسمع من المسبح.
وَالطَّيْرَ رفعا ونصبا، عطفا على لفظ الجبال ومحلها وجوزوا أن ينتصب مفعولا معه، وأن يعطف على فَضْلًا بمعنى: وسخرنا له الطير.
وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ جعلناه له لينا كالطين والعجين.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١١ الى ١٢]
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢)
١١- أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أي دروعا سابغات.
وَقَدِّرْ: أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيفلق، ولا غليظا فيفصم الحلق.
فِي السَّرْدِ فى نسج حلق الدروع.
١٢- وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ:
الرِّيحَ بالنصب، أي وسخرنا لسليمان الريح. وقرىء بالرفع، والتقدير: ولسليمان الريح مسخرة.
غُدُوُّها جريها بالغداة.
شَهْرٌ مسيرة شهر.
وَرَواحُها جريها بالعشي.
عَيْنَ الْقِطْرِ أي النحاس المذاب، سماه باسم ما آل اليه، إذ أصبح النحاس المذاب عينا.
بِإِذْنِ رَبِّهِ بأمر ربه.
وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ ومن يعدل.
عَنْ أَمْرِنا الذي أمرناه به من طاعة سليمان.
عَذابِ السَّعِيرِ عذاب نار الآخرة.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٣ الى ١٥]
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥)
١٣- يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ. وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ:
مِنْ مَحارِيبَ من مساكن ومجالس شريفة مصونة عن الابتذال، وسميت محاريب، لأنه يحامى عليها ويذب عنها.
وَتَماثِيلَ صور الملائكة والنبيين والصالحين.
وَجِفانٍ كَالْجَوابِ كالحياض الكبار.
راسِياتٍ ثابتات على الأثافى لا تنزل عنها لعظمها.
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ حكاية ما قيل لآل داود.
شُكْراً مفعول له.
أي اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه.
الشَّكُورُ المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه.
١٤- فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ:
دَابَّةُ الْأَرْضِ الأرضة، والأرض فعلها، فأضيفت اليه، يقال:
أرضت الخشبة أرضا، إذا أكلتها الأرضة.
مِنْسَأَتَهُ عصاه، لأنه ينسأ بها، أي يطرد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب بين يديه وهم لا يعلمون موته حتى سقط على الأرض بعد أكل الأرضة منسأته.
١٥- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ:
فِي مَسْكَنِهِمْ فى موضع سكناهم، وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين بها.
جَنَّتانِ بدل من آيَةٌ، أو خبر مبتدأ محذوف.
غَفُورٌ لمن شكره.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٦ الى ١٨]
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨)
١٦- فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ:
الْعَرِمِ المطر الشديد.
أُكُلٍ ثمر.
خَمْطٍ شجر ذو شوك. وكل نبت. أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله.
وَأَثْلٍ شجر يشبه الطرفاء.
مِنْ سِدْرٍ نبات ينبت على الماء وثمره النبق.
والخمط والأثل والسدر كلها من البوادي لا خير فيها.
١٧- ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ:
أي ان مثل هذا الجزاء لا يستحقه الا الكافر، وهو العقاب العاجل.
١٨- وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ:
الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قرى الشام.
قُرىً ظاهِرَةً متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها، فهى ظاهرة لأعين الناظرين، أو راكبة متن الطريق، فهى ظاهرة للسابلة.
وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ كأن الغادي منهم يقيل فى قرية والرائح يبيت فى قرية، الى أن يبلغ الشام لا يخاف جوعا ولا عطشا ولا عدوا.
سِيرُوا فِيها وقلنا لهم: سيروا فيها، ولا قول ثم، ولكنهم لما مكثوا من السير وسويت لهم أسبابه كأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه.
لَيالِيَ وَأَيَّاماً ان شئتم بالليل وان شئتم بالنهار، فان الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات. أو سيروا فيها آمنين لا تخافون، وان تطاولت مدة سفركم فيها وامتدت أياما وليالى.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٩ الى ٢٢]
فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)
١٩- فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ:
باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا بطروا النعمة والراحة فتمنوا طول الأسفار والكدح.
وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بكفرهم.
فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يتحدث بأخبارهم.
وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي تفرقوا وتمزقوا.
صَبَّارٍ يصبر عن المعاصي.
شَكُورٍ لنعمه.
٢٠- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
صَدَّقَ حقق.
٢١- وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ:
مِنْ سُلْطانٍ تسلط بالوسوسة والاستغواء.
إِلَّا لِنَعْلَمَ الا ليتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها.
حَفِيظٌ محافظ عليه.
٢٢- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ:
قُلِ لمشركى قومك.
ادْعُوا الَّذِينَ عبدتموهم من دون الله من الأصنام.
مِثْقالَ ذَرَّةٍ من خير وشر، أو نفع وضر.
مِنْ شِرْكٍ شريك.
ظَهِيرٍ معين.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)
٢٣- وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ:
إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ من الشافعين.
فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يقولها رب العزة فى اطلاق الإذن.
قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا:
ماذا قال ربكم.
قالُوا الْحَقَّ قالوا: قال الحق، أي القول، وهو الاذن بالشفاعة لمن ارتضى.
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ذو العلو والكبرياء، ليس لنبى أن يتكلم فى ذلك اليوم الا باذنه.
٢٤- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ وان أحد الفريقين، من الذين يتوحدون الرازق من السموات والأرض بالعبادة ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة، لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال.
٢٥- قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ:
عَمَّا أَجْرَمْنا من صغائر وزلات لا يخلو منها مؤمن.
عَمَّا تَعْمَلُونَ من كفركم.
٢٦- قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ:
ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا ثم يحكم ويفصل، فيدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٧ الى ٣٢]
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢)
٢٧- قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
أَلْحَقْتُمْ بِهِ فى استحقاق العبادة.
شُرَكاءَ تزعمون شركتهم له.
كَلَّا أي ليس الأمر كما زعمتم.
الْعَزِيزُ الغالب على كل شىء.
الْحَكِيمُ فى تدبيره وتصريفه.
٢٨- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ الا رسالة عامة لهم محيطة بهم.
٢٩- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
هذَا الْوَعْدُ يوم الفصل.
٣٠- قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ:
وَلا تَسْتَقْدِمُونَ ولا تتقدمون.
٣١- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ:
وَلَوْ تَرى فى الآخرة، أي لرأيت عجبا، فحذف الجواب.
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا الأتباع.
لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا هم الرؤساء والمقدمون.
٣٢- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ:
أَنَحْنُ الهمزة للإنكار، ينكرون أن يكونوا هم الصادين لهم عن الإيمان، لإثبات أنهم هم الذين صدوا أنفسهم عنه.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]
وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧)
٣٣- وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا.
وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ أي أظهروها، وهو من الأضداد، يكون بمعنى الإخفاء والإبداء.
٣٤- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ:
مُتْرَفُوها أي أغنياؤها ورؤساؤها.
٣٥- وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ:
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ انهم أكرم على الله من أن يعذبهم، نظرا الى أحوالهم فى الدنيا.
٣٦- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
يَبْسُطُ يوسع.
وَيَقْدِرُ ويضيق، أي يقسم الرزق بين عباده، كما يشاء.
٣٧- وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ:
زُلْفى قربة.
إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أي ان الأموال لا تقرب أحدا الا
المؤمن الصالح الذي ينفقها فى سبيل الله، والأولاد لا تقرب أحدا الا من علمهم الخير وفقههم فى الدين ورشحهم للصلاح والطاعة.
جَزاءُ الضِّعْفِ من اضافة المصدر الى المفعول. والأصل:
فأولئك لهم أن يجازوا الضعف. والمعنى: أن تضاعف لهم حسناتهم.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣)
٣٨- وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ:
فِي آياتِنا فى ابطال أدلتنا وحجتنا وكتابنا.
مُعاجِزِينَ معاندين، يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم.
فِي الْعَذابِ أي فى جهنم.
مُحْضَرُونَ لا يفلتون.
٣٩- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ:
فَهُوَ يُخْلِفُهُ فهو يعوضه، اما عاجلا بالمال، واما آجلا بالثواب.
٤٠- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ:
أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ تقريع للكفار.
٤١- قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ:
الْجِنَّ إبليس وأعوانه.
٤٢- فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ:
فَالْيَوْمَ الأمر فى ذلك اليوم لله وحده.
٤٣- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
ما هذا إِلَّا رَجُلٌ أي النبي صلى الله عليه وسلم.
ما هذا إِلَّا إِفْكٌ أي القرآن. والإفك: ما يختلق.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)
٤٤- وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ:
أي: وما آتيناهم من كتب يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك، ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب ان لم يشركوا.
٤٥- وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ:
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تقدموهم من الأمم.
وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوة الأجرام وكثرة الأموال.
فَكَذَّبُوا رُسُلِي فحين كذبوا رسلى.
فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال.
ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم به يستظهرون فما بال هؤلاء.
٤٦- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ:
بِواحِدَةٍ بخصلة واحدة.
أَنْ تَقُومُوا تفسير لقوله بِواحِدَةٍ على أنه عطف بيان لها.
وأراد قيامهم عن مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده، أو الانتصاب فى الأمر والنهوض فيه بالهمة.
يعنى: انما أعظكم بواحدة ان فعلتموها أصبتم الحق، وهى أن تقوموا لوجه الله خالصا، متفرقين اثنين اثنين، وواحدا واحدا.
ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا فى أمر محمد صلّى الله عليه وسلم وما جاء به.
ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ أن هذا الأمر العظيم لا يتصدى لادعاء مثله الا رجلان: اما مجنون لا يبالى بافتضاحه إذا طولب بالبرهان فعجز.
واما عاقل راجح العقل مرشح للنبوة.
وقد علمتم أن محمدا صلّى الله عليه وسلم ما به جنة، بل علمتموه أرجح قريش عقلا.
وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه أن يأتيكم بآية.
فاذا أتى بها تبين أنه نذير مبين.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٧ الى ٥١]
قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١)
٤٧- قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ:
ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ أي: أي شىء سألتكم من أجر فهو لكم.
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ حفيظ مهيمن، يعلم أنى لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه، ولا أطمع منكم فى شىء.
٤٨- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ:
يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يلقيه وينزله الى أنبيائه، أو يرمى به الباطل فيدمغه.
عَلَّامُ الْغُيُوبِ رفع، محمول على محل إِنَّ واسمها، أو خبر مبتدأ محذوف.
٤٩- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ:
أي جاء الحق وهلك الباطل، فالشىء إذا هلك لم يبق له إبداء، ولا إعادة.
٥٠- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ:
أَضِلُّ عَلى نَفْسِي أي إثم ضلالتى على نفسى.
٥١- وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ:
وَلَوْ تَرى جوابه محذوف، يعنى لرأيت أمرا عظيما وحالا هائلة.
(م ٢- الموسوعة القرآنية ج ١١)
إِذْ فَزِعُوا ووقت الفزع وقت البعث وقيام الساعة.
فَلا فَوْتَ فلا يفوتون الله ولا يسبقونه.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٥٢ الى ٥٤]
وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)
٥٢- وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ:
بِهِ بمحمد صلّى الله عليه وسلم.
التَّناوُشُ التناول السهل لشىء قريب.
مثل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة، كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه.
٥٣- وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ:
وَيَقْذِفُونَ معطوف على قوله وَقَدْ كَفَرُوا يعنى وكانوا يتكلمون بالغيب.
مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ وهو قولهم فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ساحر، شاعر، كذاب.
٥٤- وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ:
ما يَشْتَهُونَ من نفع الايمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة، أو من الرد الى الدنيا.
بِأَشْياعِهِمْ من كفرة الأمم ومن كان مذهبه مذهبهم.
مُرِيبٍ يوقع صاحبه فى حيرة.
Icon