تفسير سورة الشورى

المنتخب
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم المعروف بـالمنتخب .
لمؤلفه مجموعة من المؤلفين .

١ -، ٢ - حم. عسق: افتتحت هذه السورة بهذه الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف.
٣ - مثل ما فى هذه السورة من المعانى يوحى إليك وإلى المرسلين من قبلك الله الغالب بقهره، الذى يضع كل شئ موضعه، على وفق الحكمة فى أفعاله وتدبيره.
٤ - لله - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض خلقاً وملكاً وتدبيراً، وهو المتفرد بعلو الشأن وعظم السلطان.
٥ - تكاد السموات - مع عِظَمِهِن وتماسكهن - أن يتشققن من فوقهن، خشية من الله، وتأثراً بعظمته وجلاله، والملائكة ينزهون الله عما لا يليق به، مثنين عليه بما هو أهله، ويسألون الله المغفرة لأهل الأرض، وينبه - سبحانه - إلى أن الله هو - وحده - صاحب المغفرة الشاملة والرحمة الواسعة.
٦ - والذين اتخذوا من دون الله نصراء، الله رقيب عليهم فيما يفعلون، ولست أنت - يا محمد - موكلاً بمراقبهم.
٧ - ومثل ذلك الإيحاء البيِّن أوحينا إليك قرآناً عربياً لا لبس فيه، لتنذر أهل مكة ومن حولها من العرب، وتنذر الناس عذاب يوم يجمع الله فيه الخلائق للحساب، لا ريب فى مجيئه، الناس فيه فريقان: فريق فى الجنة، وفريق فى السعير.
٨ - ولو شاء الله أن يجمع الناس فى الدنيا على طريقة واحدة لجمعهم، ولكن يدخل من يشاء فى رحمته، لعلمه أنهم سيختارون الهدى على الضلالة، والظالمون أنفسهم بالكفر ليس لهم من دون الله ولى يتكفل بحمايتهم، ولا نصير يُنقذهم من عذاب الله.
٩ - هؤلاء الظالمون لم يتخذوا الله ولياً، بل اتخذوا غيره أولياء، وليس لهم ذلك، فالله - وحده - الولى بحق إن أرادوا ولياً، وهو يحيى الموتى للحساب، وهو المسيطر بقدرته على كل شئ.
١٠ - والذى اختلفتم فيه من الإيمان والكفر فالحكم الفصل فيه مفوض إلى الله، وقد بينه، وهو - سبحانه - معتمدى ومرجعى فى كل أمورى.
١١ - مُبدع السموات والأرض، خلق لكم من جنسكم أزواجاً ذكوراً وإناثاً، وخلق من الأنعام من جنسها أزواجاً كذلك، يكثِّركم بهذا التدبير المحكم، ليس كذاته شئ، فليس له شئ يزاوجه، وهو المدرك - إدراكاً كاملاً - لجميع المسموعات والمرئيات بلا تأثر حاسة.
١٢ - له مقاليد السموات والأرض حفظاً وتدبيراً، يوسع الرزق لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، إنه - تعالى - محيط علمه بكل شئ.
١٣ - شرع لكم من العقائد ما عهد به إلى نوح، والذى أوحيناه إليك، وما عهدنا به إلى إبراهيم وموسى وعيسى، أن ثبِّتوا دعائم الدين - بامتثال ما جاء به - ولا تختلفوا فى شأنه، شق على المشركين ما تدعوهم إليه من إقامة دعائم الدين، الله يصطفى لرسالته من يشاء، ويوفق للإيمان وإقامة الدين من يترك العناد ويقبل عليه.
١٤ - وما اختلف أتباع الرسل السابقين فى الدين عداوة وحسداً فيما بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم بحقيقته فى رسالتك، ولولا وعْد سابق من الله بتأجيل العذاب إلى يوم القيامة لأهلكوا، وإن الذين ورثوا الكتاب من أسلافهم وأدركوا عهدك لفى شك من كتابهم موقع فى الريب، حيث لم يستجيبوا لدعوتك.
١٥ - فلأجل وحدة الدين، وعدم التفرق فيه، فادعهم إلى إقامة الدين، وثابر على تلك الدعوة كما أمرك الله، ولا تساير أهواء المشركين، وقل: آمنت بجميع الكتب التى أنزلها الله على رسله، وأمرنى الله بإقامة العدل بينكم، وقل لهم: الله خالقنا وخالقكم، لنا أعمالنا لا لكم، ولكم أعمالكم لا لنا، لا احتجاج بيننا وبينكم لوضوح الحق. الله يجمع بيننا للفصل بالعدل، وإليه - وحده - المرجع والمآل.
١٦ - والذين يُجادلون فى دين الله من بعد ما استجاب الناس لدعوته الواضحة، حُجَّة هؤلاء المرتابين باطلة عند ربهم، وعليهم غضب شديد بكفرهم، ولهم عذاب أليم ينتظرهم.
١٧ - الله الذى أنزل كتاب محمد وما قبله من كتب المرسلين مشتملة على الحق والعدل، وما يُعلمك لعل وقت الساعة قريب وأنت لا تدرى.
١٨ - يستعجل بمجئ الساعة - استهزاء - الذين لا يصدقون بها، والذين صدقوا بها خائفون من وقوعها فلا يستعجلونها، ويعلمون أنها الحق الثابت الذى لا ريب فيه، ويُنبِّه - سبحانه - إلى أن الذين يجادلون فى وقوعها لفى ضلال بعيد عن الحق.
١٩ - الله عظيم البر بجميع عباده، يرزق من يشاء كما يشاء، وهو الغالب على كل شئ، المنيع الذى لا يغلب.
٢٠ - من كان يريد بعمله ثواب الآخرة نضاعف له أجره، ومن كان يريد بأعماله متاع الدنيا - فحسب - غير راغب فى متاع الآخرة نعطه ما قسم له فيها، وليس له فى الآخرة نصيب من الثواب.
٢١ - بل ألهُم آلهة شرعوا لهم من الدين ما لم يأمر به الله؟ لم يكن ذلك، ولولا وعد سابق بتأخر الفصل إلى يوم القيامة لقضى بين الكافرين والمؤمنين فى الدنيا، وإن الظالمين أنفسهم بالكفر لهم عذاب شديد الإيلام.
٢٢ - ترى فى القيامة - أيها المخاطب - الذين ظلموا أنفسهم بالشرك خائفين عقاب شركهم، وهو نازل بهم - لا محالة - وترى الذين آمنوا وعملوا الصالحات مُتَمَتِّعين فى أطيب بقاع الجنة، لهم ما يتمنون من النعيم عند ربهم، ذلك الجزاء العظيم هو الفضل الكبير الذى تتعلق به الآمال.
٢٣ - ذلك الفضل الكبير هو الذى يُبشِّر الله به عباده المؤمنين الطائعين، قل - أيها الرسول -: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة أجراً إلا أن تحبوا الله ورسوله فى تقربكم إليه - سبحانه - بعمل الصالحات، ومن يكتسب طاعة يُضاعف الله له جزاءها، إن الله واسع المغفرة للمذنبين، شكور لعباده طيبات أعمالهم.
٢٤ - أيقول الكفار: اختلق محمد الكذب على الله؟! فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، واتهامك بالافتراء على الله، ويزيل الله الشرك ويخذله، ويثبت الإسلام ويظهره بالوحى الذى أنزله على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إنه - سبحانه - محيط بخفايا قلوبكم جميعاً.
٢٥ - والله - وحده - الذى يقبل التوبة من أهل طاعته بالتجاوز عما تابوا منه، ويصفح - تفضلاً ورحمة - عن السيئات دون الشرك، ويعلم ما تفعلون من خير أو شر.
٢٦ - ويُجيب الله المؤمنين إلى ما طلبوا، ويزيدهم خيراً على مطلوبهم، والكافرون لهم عذاب بالغ غاية الشدة والإيلام.
٢٧ - ولو وسَّع الله الرزق لجميع عباده - كما يبتغون - لطغوا فى الأرض وظلموا، ولكن الله يوسع الرزق لمن يشاء، ويُضيقه على من يشاء، حسبما اقتضته حكمته، إن الله محيط علماً بما خفى وظهر من أمور عباده، فيقدر بحكمته لكلٍّ ما يصلح شأنه.
٢٨ - والله - وحده - هو الذى ينزل المطر الذى يغيثهم من الجدب من بعد اليأس واشتداد القحط، رحمة بعباده، وينشر بركات المطر فى النبات والثمار والحيوان والسهل والجبل، وهو - وحده - الذى يتولى تدبير أمور عباده، المحمود على إنعامه وجميع أفعاله.
٢٩ - ومن دلائل قدرة الله على خلق ما يشاء: خلق السموات والأرض على هذا النظام المحكم، وخلق ما فرق ونشر فيهما من الدواب المرئية وغيرها، والله الذى ثبتت قدرته بإبداع ما تقدم قدير على جمع المكلفين فى الوقت الذى يشاء بعثهم فيه للجزاء.
٣٠ - وأى مصيبة أصابتكم مما تكرهونه فبسبب معاصيكم، وما عفا عنه فى الدنيا أو آخذ عليه فيها، فالله أكرم من أن يعاقب به فى الآخرة، وبهذا تنزَّه عن الظلم واتصف بالرحمة الواسعة.
٣١ - ولستم بقادرين على أن تعجزوا الله عن إنزال المصائب فى الدنيا عقاباً على معاصيكم، وإن هربتم فى الأرض كل مهرب، وليس لكم من دون الله من يتولاكم بالرحمة عند نزول البلاء، ولا من ينصركم بدفعه عنكم.
٣٢ - ومن دلائل قدرة الله السفن الجارية فى البحر كالجبال الشاهقة فى عظمتها.
٣٣ - إن يشأ الله يُسْكِن الريح فتظل السفن ثوابت على ظهر الماء لا تجرى بهم إلى مقاصدهم، إن فى سيرها ووقوفها بأمر الله لدلائل واضحة على قدرة الله، يعتبر بها المؤمنون الصابرون فى الضراء، الشاكرون فى السراء.
٣٤ - أو يهلكن بذنوب ركابها بإرسال الرياح العاصفة، وإن يشأ يعف عن كثير، فلا يعاقبهم بإسكان الريح، أو بإرسالها عاصفة مغرقة.
٣٥ - الله - سبحانه - فعل ذلك ليعتبر المؤمنون، ويعلم الذين يردون آياته بالباطل أنهم فى قبضته، ما لهم مهرب من عذاب الله.
٣٦ - لا تغتروا بمتاع الدنيا، فكل ما أعطيتموه - أيها الناس - من المال والبنين وسواهما فهو متاع لكم فى الحياة الدنيا، وما أعده الله من نعيم الجنة خير وأدْوم للذين آمنوا، وعلى خالقهم ومربيهم - وحده - يعتمدون.
٣٧ - والذين يبتعدون عن ارتكاب كبائر ما نهى الله عنه، وكل ما زاد قبحه من الذنوب، وإذا ما استفزوا بالإساءة إليهم فى دنياهم، هم - وحدهم - يبادرون بالصفح حتى كان ذلك علاجاً نافعاً.
٣٨ - والذين أجابوا دعوة خالقهم ومربيهم، فآمنوا به، وحافظوا على صلواتهم، وكان شأنهم التشاور فى أمورهم لإقامة العدل فى مجتمعهم، دون أن يستبد بهم فرد أو قلة من الناس، ومما أنعم الله به عليهم ينفقون فى وجوه الخير.
٣٩ - والذين إذا اعتدى عليهم ظالم هم ينتصرون لأنفسهم بمقاومة عدوانه.
٤٠ - وجزاء المسئ إساءة مماثلة تقريراً للعدل، فمن عفا عمن أساءه عند القدرة، وأصلح ما بينه وبين خصمه تقريراً للود، فثوابه على الله الذى لا يعلم بقدره سواه، إن الله لا يرحم المعتدين على حقوق الناس بمجاوزة شريعة الله.
٤١ - وإن الذين يعاقبون المعتدين بمثل ما اعتدوا به فلا مؤاخذة عليهم ولا لوم.
٤٢ - إنما اللوم والمؤاخذة على المعتدين الذين يظلمون الناس ويتكبرون فى الأرض، ويفسدون فيها بغير الحق، أولئك لهم عذاب شديد الإيلام.
٤٣ - أقسم: لمن صبر على الظلم وتجاوز عن ظالمه، ولم ينتصر لنفسه حينما لا يكون العفو تمكيناً للفساد فى الأرض، إن ذلك لمن الأمور التى ينبغى أن يوجبها العاقل على نفسه.
٤٤ - ومن ضل طريق الهدى - لسوء اختياره - فليس له ناصر سوى الله يهديه أو يمنعه من العذاب، وترى فى القيامة - أيها المخاطب - الظالمين حين يشاهدون عذاب الآخرة يسألون ربهم أى وسيلة يرجعون بها إلى الدنيا، كى يعملوا صالحاً غير الذى كانوا يعملون.
٤٥ - وترى الظالمين - كذلك - يُعرضون على النار متضائلين بسبب ما رأوه من الهول وما نزل بهم من الهوان، يسارقون النظر إلى النار خوفاً من مكارهها، ويقول المؤمنون - حينئذ -: إن الخاسرين حقا هم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وخسروا أزواجهم وأولادهم وأقاربهم بما حيل بينهم، ويُنبِّه الله إلى أن الظالمين فى عذاب دائم.
٤٦ - وما كان لهم نصراء مما عبدوهم من دون الله، وممن أطاعوا فى معصيته، ينقذونهم من عذاب الله، ومن ضل طريق الحق - لسوء اختياره - فليس له أى طريق ينجِّيه من سوء المصير.
٤٧ - سارعوا - أيها الناس - إلى إجابة ما دعاكم إليه رسول خالقكم ومُربيكم من الإيمان والطاعة، من قبل أن تنتهى الحياة التى هى فرصة للعمل، ويأتى يوم الحساب الذى لا يردُّه الله بعد أن قضى به، ليس لكم - يومئذ - أى ملاذ يحميكم من العذاب ولا تجدوا من يدفع عنكم أو يقوى على حمايتكم.
٤٨ - فإن أعرض المشركون عن إجابتك - أيها الرسول - فلا تحزن، فلست رقيباً عليهم فيما يفعلون، إنما كُلِّفْت البلاغ، وقد بيَّنت، وإن شأن الناس إذا منحناهم من لدنا سعة بطروا لأجلها، وإن تصبهم مصيبة بسبب معاصيهم فإنهم ينسون النعمة، ويجزعون لنزول البلاء كفراً وجحوداً.
٤٩ - لله - وحده - ملك السموات والأرض خلقاً وتدبيراً وتصرفاً، يخلق ما يشاء خلقه، يهب لمن يشاء الإناث من الذرية، ويمنح من يشاء الذكور دون الإناث.
٥٠ - ويتفضل - سبحانه - على من يشاء بالجمع بين الذكور والإناث، ويجعل من يشاء لا ولد له، إن الله محيط علمه بكل شئ، قدير على فعل كل ما يريد.
٥١ - وما صح لأحد من البشر أن يُكلمه الله إلا وحياً بالإلقاء فى القلب إلهاماً، أو مناماً، أو بإسماع الكلام الإلهى دون أن يرى السامع من يكلمه، أو بإرسال ملك يرى صورته، ويسمع صوته، ليوحى بإذن الله ما يشاء، إن الله قاهر فلا يمانع، بالغ الحكمة فى تصرفاته وتدبيره.
٥٢ - ومثل ما أوحينا إلى الرسل قبلك أوحينا إليك - أيها الرسول - هذا القرآن حياة للقلوب بأمرنا، ما كنت تعرف قبل الإيحاء إليك ما هو القرآن، ولا تعرف ما شرائع الإيمان، ولكن جعلنا القرآن نوراً عظيماً يرشد به من اختار الهدى، وإنك لتدعو بهذا القرآن إلى طريق مستقيم.
٥٣ - صراط الله طريقه الذى له - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض وهذا ما تدعو إليه - يا محمد - وما نزلت به رسالتك، ليعلم الناس أن إلى الله وحده - تصير كل الأمور.
Icon