٢ "من سبيل... إلى: "المزلة" كلام ساقط في (ح)..
٣ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١٤/ ٢٠١..
٤ أوصلها ابن الفرس إلى تسع آيات..
ﰡ
قد تقدم الكلام في سورة غافر على هذه الآية بما أغنى عن إعادته.
في هذه الآية موادعة وهي منسوخة بآية السيف ١.
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ؟ فذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنها منسوخة بآية القتال. وذهب قوم إلى أنها محكمة ١ بأن المعنى : لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم.
القول فيها كالقول فيمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة هود. وحكى بعضهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ﴾ ١ [ الإسراء : ١٨ ]. والقول بالنسخ في هذا وأشباهه بعيد، والصواب أنها محكمة. وهذه الآية مثل قوله عليه الصلاة والسلام : " من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ٢ قال أبو الحسن : وفيه دليل على أن من حج عليه غيره لا يقع عليه اسم الحاج ومن توضأ للتبرد والتنظف لا يكون متوضئا للصلاة ٣.
٢ الحديث: راجع صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنيات ١/ ١٩..
٣ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٦٥..
اختلف في معناها، فقيل هي مكية نزلت في صدر الإسلام ومعناها استكفاف شر الكفار ودفع أذاهم، أي ما أسألكم على القرآن والدين والدعاء إلى الله تعالى إلا أن تؤذوني بقرابة هي بيني وبينكم، فكفوا عن أذاكم. قال ابن عباس وغيره ١ : ولم يكن في قريش بطن إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم نسب أو صهر والآية عندي على هذا القول منسوخة بآية القتال لأن فيها مهادنة. وقال ابن عباس أيضا في الآية ما يقتضي أنها مدنية وذلك أنه قال سببها أن قوما من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين ومالوا بالقول على قريش فنزلت الآية على ذلك على معنى ألا تؤذوني فتراعوني في قرابتي وتحفظوني فيهم. وقال هذا أيضا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وغيره. وقال ابن عباس أيضا فيما روي عنه سبب الآية أن الأنصار جمعت مالا وساقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليهم ونزلت الآية في ذلك. وقال ابن عباس أيضا معنى الآية في قربى الطاعة والتزلف إلى الله تعالى كأنه قال إلا أن تؤذوني لأني أدعوكم إليه وأريد هدايتكم وأدعوكم إليها. وقال الحسن بن أبي الحسن معناه : إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى بالتقرب إليه. وقال عبد الله بن القاسم٢ معنى الآية إلا أن يتودد بعضكم إلى بعض وتصلوا أقرباءكم. فالآية على هذا في صلة الرحم. فعلى ما تقدم يأتي في الآية هل هي مكية أو مدنية قولان، وإذا قلنا مدنية يأتي في سبب نزولها قولان. وعلى قول عبد الله بن القاسم وقول الحسن في معنى الآية لا يختلف عندي في أنها محكمة، وأما على سائر الأقوال فمختلف فيها هل هي منسوخة بآية سبأ أم لا ؟ فذكر بعضهم عن ابن عباس أيضا وجماعة معه أنها منسوخة لقوله تعالى في سورة سبأ :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ﴾ [ سبأ : ٤٧ ]. وذهب قوم إلى أنها محكمة ٣.
٢ عبد الله بن القاسم: هو عبد الله بن القاسم بن المظفر بن علي، أبو محمد. توفي سنة ٥١١هـ/ ١١١٧م. انظر وفيات الأعيان ١/ ٢٥٣..
٣ راجع المحرر الوجيز ١٤/ ٢١٧، ٢١٨، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٦٥، ٣٦٦..
اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فذهب قوم إلى أنها منسوخة، قالوا وكانت قد نزلت في بغي المشرك على المؤمن فأباح لهم الانتصار عليهم دون تعد وجعل العفو والإصلاح مقرونا بأجر ثم نسخ ذلك بآية السيف. وذهبت جماعة إلى أنها محكمة واختلفوا في معناها بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحكام المسلمين. فذهب قوم إلى أنهم كانوا يكرهون أن يذلوا نفسهم فيجترئ عليهم الفساق. وقال مقاتل الآية في المجروح المنتصف من الجارح بالقصاص. فعلى هذا الآية في المؤمنين خاصة، ومن بغي عليه من ظلم فجائز له أن ينتصف لنفسه ويخون من خانه في المال حتى ينتصف منه. وقالوا إن الحديث : " ولا تخن من خانك " إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يزني بحرمة من زنى بحرمته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ذلك يريد به الزنا ". وإلى هذا ذهب الشافعي. واحتج أيضا بحديث هند ١ امرأة أبي سفيان، وأنكره مالك وغيره ولم يروا الآية بهذا المعنى واحتجوا بعموم الحديث : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " ٢ ورجح قوم من العلماء الانتصار من الظالم وقالوا انتصار بالواجب تغيير منكر، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر ٣.
– قوله تعالى :﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( ٣٩ ) ﴾ :
يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل وهو محمول على ما ذكر النخعي من أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترؤوا عليهم الفساق بهذه الآية في الانتصار فمن تعدى وأصر على ذلك، والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا وقد قال عقب هذه الآية :﴿ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ( ٤١ ) ﴾ ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به ٤. وقال إسماعيل القاضي في قوله تعالى :﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( ٣٩ ) ﴾، وهذا عندي أن الله تعالى أعلم فيما كان لله عز وجل من أمر أو نهي عن باطل أو منكر. فمن فعل ذلك به فلا ينبغي له أن يصبر على المذلة بل يعز نفسه، ففي ذلك إعزاز للدين. وأما إذا كان البغي عليه في نفسه لا يتعدى إلى الشريعة فصبر واحتسب فذلك حسن.
٢ الحديث أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة، كتاب البيوع ٣/ ٥٦٤. وأحمد في مسنده ٣/ ٤١٤..
٣ راجع المحرر الوجيز ١٤/ ٢٢٩، ٢٣٠..
٤ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٦٦، ٣٦٧..
قال السدي وغيره معنى الآية أن الرجل إذا شتم بشتيمة فله أن يردها بعينها دون أن يتعدى. قال الحسن بن أبي الحسن : ما لم يكن حدا أو عوراء جدا ١ وقال إسماعيل القاضي : السيئة هنا قد تكون القتل والجراح والقذف والسب والتعدي في المال وغير ذلك من الأفعال القبيحة، فمن فعل به شيئا من ذلك فالعفو فيه أفضل وإن أحب القصاص فله أن يفعل ولا يتعدى زيادة. وليس المقتص بمعتد إذا لم يتجاوز في أخذ حقه، ولا القصاص تعديا، وإنما سماه الله تعالى إساءة لأنه إجزاء إساءة فسمي بذلك توسعا وتجوزا كما قال تعالى :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾ [ النمل : ١٢٦ ]. والأول ليس بعقاب وإنما المعاقب المجازي ولكنه سمي باسم المختص للمجازاة. وهذا كثير في القرآن والحديث وكلام العرب.
هذا بلاغ في إباحة الانتصار. والخلاف فيه هل هو بين المؤمن والمشرك أو بين المؤمنين على ما تقدم ؟
من رأى أن هذه الآية فيما بين المؤمنين ١ والمشركين وأن ٢ الصبر للمشركين كان أفضل قال إن الآية نسخت بآية السيف، ومن رأى أن الآية إنما هي بين المؤمنين قال هي محكمة والصبر والغفران أفضل إجماعا. وقال أبو الحسن : قد ندبنا الله تعالى في كتابه العزيز إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس فقال تعالى :﴿ وأن تعفوا أقرب للتقوى ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] وقال في شأن القصاص :﴿ فمن تصدق به فهو كفارة له ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] وقال تعالى :﴿ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾ [ النور : ٢٢ ] وأحكام هذه الآية غير منسوخة.
٢ "وأن" ساقط في (ح)..