تفسير سورة الشورى

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وتسمى سورة الشورى وهي مكية، في قول ابن عباس والجمهور وحكي عن ابن عباس إلا أربع آيات نزلت بالمدينة أولها﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا ﴾ وقيل فيها من المدني﴿ ذلك الذي يبشر الله عباده ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ بذات الصدور ﴾ وقوله﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾ إلى قوله﴿ من سبيل ﴾ وهي ثلاث وخمسون آية وثمانمائة وستون كلمة وثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفا والله أعلم.

سورة حم عسق
وتسمى سورة الشورى وهي مكية، في قول ابن عباس والجمهور وحكي عن ابن عباس إلا أربع آيات نزلت بالمدينة أولها قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً وقيل فيها من المدني ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إلى قوله تعالى:
بِذاتِ الصُّدُورِ وقوله وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ إلى قوله مِنْ سَبِيلٍ وهي ثلاث وخمسون آية وثمانمائة وستون كلمة وثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفا والله أعلم.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الشورى (٤٢): الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
قوله عز وجل: حم عسق سئل الحسين بن الفضل لم قطع حروف حم عسق ولم يقطع حروف المص والمر وكهيعص، فقال: لأنها بين سور أوائلها حم فجرت مجرى نظائرها فكان حم مبتدأ وعسق خبره لأن حم عسق عدت آيتين وعدت أخواتها التي لم تقطع آية واحدة. وقيل لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجي واختلفوا في حم فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلا فقال معناها حم الأمر أي قضى وبقي عسق على أصله. وقال ابن عباس ح حلمه م مجده ع علمه س سناه ق قدرته أقسم الله عز وجل بها. وقيل إن العين من العزيز والسين من قدوس والقاف من قاهر وقيل ح حرب في قريش يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز م ملك يتحول من قوم إلى قوم ع عدو لقريش يقصدهم س سنون كسني يوسف ق قدرة الله في خلقه، وقيل هذا في شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم فالحاء حوضه المورود والميم ملكه الممدود والعين عزه الموجود والسين سناؤه المشهود والقاف قيامه في المقام المحمود وقربه من الملك المعبود وقال ابن عباس ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق فلذلك قال الله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ وقيل معناه كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى الذين من قبلك اللَّهُ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ في صنعه، والمعنى كأنه قيل من يوحي فقال الله العزيز الحكيم ثم وصف نفسه وسعة ملكه فقال تعالى:
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٤ الى ٧]
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أي من فوق الأرضين وقيل تنفطر كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله تعالى وقيل من قول المشركين اتخذ الله ولدا
وقال ابن عباس ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق. فلذلك قال الله تعالى :﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ﴾ وقيل معناه كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى الذين من قبلك ﴿ الله العزيز ﴾ في ملكه ﴿ الحكيم ﴾ في صنعه، والمعنى كأنه قيل من يوحي فقال الله العزيز الحكيم ثم وصف نفسه وسعة ملكه فقال تعالى :﴿ له ما في السماوات وما في الأرض. . . ﴾.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ﴾ أي من فوق الأرضين وقيل تنفطر كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله تعالى وقيل من قول المشركين اتخذ الله ولداً ﴿ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ﴾ أي ينزهونه عما لا يليق بجلاله وقيل يصلون بأمر ربهم ﴿ ويستغفرون لمن في الأرض ﴾ أي من المؤمنين دون الكفار، لأن الكافر لا يستحق أن تستغفر له الملائكة، وقيل يحتمل أن يكون لجميع من في الأرض أما في حق الكافرين فبواسطة طلب الإيمان لهم ويحتمل أن يكون المراد من الاستغفار لا يعاجلهم بالعقاب وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم، وقيل استغفارهم لمن في الأرض هو سؤال الرزق لهم فيدخل فيه المؤمن والكافر ﴿ ألا إن الله هو الغفور الرحيم ﴾ يعني أنه تعالى يعطي المغفرة التي سألوها ويضم إليها بمنه وكرمه الرحمة العامة الشاملة.
قوله تعالى :﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء ﴾ أي جعلوا له شركاء وأنداداً ﴿ الله حفيظ عليهم ﴾ يعني رقيب على أحوالهم وأعمالهم ﴿ وما أنت عليهم بوكيل ﴾ يعني لم توكل بهم حتى تؤخذ بهم إنما أنت نذير
﴿ وكذلك ﴾ أي ومثل ما ذكرنا ﴿ أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ﴾ يعني مكة والمراد أهلها ﴿ ومن حولها ﴾ يعني قرى الأرض كلها ﴿ وتنذر يوم الجمع ﴾ أي وتنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله سبحانه وتعالى فيه الأولين والآخرين وأهل السماوات وأهل الأرضين ﴿ لا ريب فيه ﴾ أي لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد ذلك يتفرقون وهو قوله تعالى :﴿ فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابضاً على كفه ومعه كتابان فقال أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول الله فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة، ثم قال للذي في يساره هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة فقال عبد الله بن عمرو ففيم العمل إذاً ؟ قال اعملوا وسددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ثم قال فريق في الجنة وفريق في السعير عدل من الله تعالى » أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده.
وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي ينزهونه عما لا يليق بجلاله وقيل يصلون بأمر ربهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي من المؤمنين دون الكفار، لأن الكافر لا يستحق أن تستغفر له الملائكة، وقيل يحتمل أن يكون لجميع من في الأرض أما في حق الكافرين فبواسطة طلب الإيمان لهم ويحتمل أن يكون المراد من الاستغفار لا يعاجلهم بالعقاب وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم، وقيل استغفارهم لمن في الأرض هو سؤال الرزق لهم فيدخل فيه المؤمن والكافر أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يعني أنه تعالى يعطي المغفرة التي سألوها ويضم إليها بمنه وكرمه الرحمة العامة الشاملة.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي جعلوا له شركاء وأندادا اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ يعني رقيب على أحوالهم وأعمالهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ يعني لم توكل بهم حتى تؤخذ بهم إنما أنت نذير وَكَذلِكَ أي ومثل ما ذكرنا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى يعني مكة والمراد أهلها وَمَنْ حَوْلَها يعني قرى الأرض كلها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ أي وتنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله سبحانه وتعالى فيه الأولين والآخرين وأهل السموات وأهل الأرضين لا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد ذلك يتفرقون وهو قوله تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال «خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم قابضا على كفه ومعه كتابان فقال أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول الله فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة، ثم قال للذي في يساره هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة فقال عبد الله بن عمرو ففيم العمل إذا؟ قال اعملوا وسددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ثم قال فريق في الجنة وفريق في السعير عدل من الله تعالى» أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٨ الى ١١]
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً قال ابن عباس: على دين واحد وقيل على ملة الإسلام وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أي في دين الإسلام وَالظَّالِمُونَ أي الكافرون ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ أي يدفع عنهم العذاب وَلا نَصِيرٍ أي يمنعهم من العذاب أَمِ اتَّخَذُوا يعني الكفار مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ قال ابن عباس هو وليك يا محمد وولي من تبعك وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني أن من يكون بهذه الصفة فهو الحقيق بأن يتخذ وليا ومن لا يكون بهذه الصفة فليس بولي وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ أي من أمر الدين فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب وقيل علمه إلى الله وقيل تحاكموا فيه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن حكمه من حكم الله تعالى ولا تؤثروا حكومة غيره على حكومته ذلِكُمُ اللَّهُ يعني الذي يحكم بين المختلفين هو الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يعني في جميع أموري وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
﴿ أم اتخذوا ﴾ يعني الكفار ﴿ من دونه أولياء فالله هو الولي ﴾ قال ابن عباس هو وليك يا محمد وولي من تبعك ﴿ وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ﴾ يعني أن من يكون بهذه الصفة فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً ومن لا يكون بهذه الصفة فليس بولي.
﴿ وما اختلفتم فيه من شيء ﴾ أي من أمر الدين ﴿ فحكمه إلى الله ﴾ أي يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب وقيل علمه إلى الله وقيل تحاكموا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حكمه من حكم الله تعالى ولا تؤثروا حكومة غيره على حكومته ﴿ ذلكم الله ﴾ يعني الذي يحكم بين المختلفين هو الله ﴿ ربي عليه توكلت ﴾ يعني في جميع أموري ﴿ وإليه أنيب ﴾ يعني وإليه أرجع في كل المهمات.
﴿ فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم ﴾ يعني من جنسكم ﴿ أزواجاً ﴾ يعني حلائل، وإنما قال من أنفسكم لأن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم ﴿ ومن الأنعام أزواجاً ﴾ يعني أصنافاً ذكراناً وإناثاً ﴿ يذرؤكم ﴾ يعني يخلقكم وقيل يكثركم ﴿ فيه ﴾ يعني في الرحم وقيل في البطن لأنه قد تقدم ذكر الأزواج وقيل نسلاً بعد نسل حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل وقيل الضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطب من الناس والأنعام إلا أنه غلب جانب الناس وهم العقلاء على غير العقلاء من الأنعام، وقيل في بمعنى الباء أي يذرؤكم به أي يكثركم بالتزويج ﴿ ليس كمثله شيء ﴾ المثل صلة أي ليس كهو شيء وقيل الكاف صلة مجازه ليس مثله شيء، قال ابن عباس : ليس له نظير.
فإن قلت هذه الآية دالة على نفي المثل وقوله تعالى :﴿ وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ﴾ يقتضي إثبات المثل فما الفرق.
قلت المثل الذي يكون مساوياً في بعض الصفات الخارجية على الماهية فقوله ليس كمثله شيء معناه ليس له نظير، كما قاله ابن عباس أو يكون معناه ليس لذاته سبحانه وتعالى مثل وقوله ﴿ وله المثل الأعلى ﴾ معناه وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله ولا يشاركه فيه أحد فقد ظهر بهذا التفسير معنى الآيتين وحصل الفرق بينهما ﴿ وهو السميع ﴾ يعني لسائر المسموعات ﴿ البصير ﴾ يعني المبصرات.
يعني وإليه أرجع في كل المهمات فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يعني من جنسكم أَزْواجاً يعني حلائل، وإنما قال من أنفسكم لأن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يعني أصنافا ذكرانا وإناثا يَذْرَؤُكُمْ يعني يخلقكم وقيل يكثركم فِيهِ يعني في الرحم وقيل في البطن لأنه قد تقدم ذكر الأزواج وقيل نسلا بعد نسل حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل وقيل الضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطب من الناس والأنعام إلا أنه غلب جانب الناس وهم العقلاء على غير العقلاء من الأنعام، وقيل في بمعنى الباء أي يذرؤكم به أي يكثركم بالتزويج لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ المثل صلة أي ليس كهو شيء وقيل الكاف صلة مجازه ليس مثله شيء، قال ابن عباس: ليس له نظير.
فإن قلت هذه الآية دالة على نفي المثل وقوله تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يقتضي إثبات المثل فما الفرق.
قلت المثل الذي يكون مساويا في بعض الصفات الخارجية على الماهية فقوله ليس كمثله شيء معناه ليس له نظير، كما قاله ابن عباس أو يكون معناه ليس لذاته سبحانه وتعالى مثل وقوله وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى معناه وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله ولا يشاركه فيه أحد فقد ظهر بهذا التفسير معنى الآيتين وحصل الفرق بينهما وَهُوَ السَّمِيعُ يعني لسائر المسموعات الْبَصِيرُ يعني المبصرات.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ١٢ الى ١٥]
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥)
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني مفاتيح الرزق في السموات يعني المطر وفي الأرض يعني النبات يدل عليه قوله تعالى: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي أنه يوسع على ن يشاء ويضيق على من يشاء لأن مفاتيح الرزق بيده إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي من البسط والتضييق.
قوله عز وجل: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أي ما بين وسن لكم طريقا واضحا من الدين، أي دينا تطابقت على صحته الأنبياء وهو قوله تعالى: ما وَصَّى بِهِ نُوحاً أي أنه أول الأنبياء أصحاب الشرائع والمعنى قد وصيناه وإياك يا محمد دينا واحدا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي من القرآن وشرائع الإسلام وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى إنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع المعظمة والأتباع الكثيرة وأولو العزم.
ثم فسر المشروع الذي اشترك فيه هؤلاء الأعلام من رسله بقوله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ والمراد بإقامة الدين هو توحيد الله والإيمان به وبكتبه ورسله واليوم الآخر وطاعة الله في أوامره ونواهيه وسائر ما يكون الرجل به مسلما، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها فإنها مختلفة متفاوتة قال الله
قوله عز وجل :﴿ شرع لكم من الدين ﴾ أي ما بين وسن لكم طريقاً واضحاً من الدين، أي ديناً تطابقت على صحته الأنبياء وهو قوله تعالى :﴿ ما وصى به نوحاً ﴾ أي أنه أول الأنبياء أصحاب الشرائع والمعنى قد وصيناه وإياك يا محمد ديناً واحداً ﴿ والذي أوحينا إليك ﴾ أي من القرآن وشرائع الإسلام ﴿ وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ﴾ إنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع المعظمة والأتباع الكثيرة وأولو العزم. ثم فسر المشروع الذي اشترك فيه هؤلاء الأعلام من رسله بقوله تعالى :﴿ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾ والمراد بإقامة الدين هو توحيد الله والإيمان به وبكتبه ورسله واليوم الآخر وطاعة الله في أوامره ونواهيه وسائر ما يكون الرجل به مسلماً، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها فإنها مختلفة متفاوتة قال الله تعالى :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ﴾ وقيل أراد تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقيل تحريم الأمهات والبنات والأخوات فإنه مجمع على تحريمهن، وقيل لم يبعث الله نبياً إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله تعالى بالوحدانية والطاعة وقيل بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة ﴿ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ﴾ أي من التوحيد ورفض الأوثان ﴿ الله يجتبي إليه من يشاء ﴾ أي يصطفي لدينه من يشاء من عباده ﴿ ويهدي إليه من ينيب ﴾ أي يقبل على طاعته.
﴿ وما تفرقوا ﴾ يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس : يعني أهل الكتاب ﴿ إلا من بعد ما جاءهم العلم ﴾ أي بأن الفرقة ضلالة ﴿ بغياً بينهم ﴾ أي ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وقيل بغياً منهم على محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ أي في تأخير العذاب عنهم ﴿ إلى أجل مسمى ﴾ يعني إلى يوم القيامة ﴿ لقضي بينهم ﴾ أي بين من آمن وكفر يعني لأنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا ﴿ وإن الذين أورثوا الكتاب ﴾ أي اليهود والنصارى ﴿ من بعدهم ﴾ أي من بعد أنبيائهم وقيل الأمم الخالية ﴿ لفي شك منه ﴾ أي من أمر محمد صلى الله عليه وسلم فلا يؤمنون به ﴿ مريب ﴾ يعني مرتابين شاكين فيه.
﴿ فلذلك ﴾ أي إلى ذلك ﴿ فادع ﴾ أي إلى ما وصى الله تعالى به الأنبياء من التوحيد وقيل لأجل ما حدث به من الاختلاف في الدين الكثير فادع أنت إلى الاتفاق على الملة الحنيفية ﴿ واستقم كما أمرت ﴾ أي أثبت على الدين الذي أمرت به ﴿ ولا تتبع أهواءهم ﴾ أي المختلفة الباطلة ﴿ وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ﴾ أي آمنت بكتب الله المنزلة كلها وذلك لأن المتفرقين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض ﴿ وأمرت لأعدل بينكم ﴾ قال ابن عباس أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام وقيل لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء وقيل لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم وتحاكمتم إلى ﴿ الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ يعني أن إله الكل واحد وكل أحد مخصوص بعمل نفسه وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازي بعمله ﴿ لا حجة ﴾ أي لا خصومة ﴿ بيننا وبينكم ﴾ وهذه الآية منسوخة بآية القتال إذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة فلم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة ﴿ الله يجمع بيننا ﴾ أي في المعاد لفصل القضاء ﴿ وإليه المصير ﴾.
تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وقيل أراد تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقيل تحريم الأمهات والبنات والأخوات فإنه مجمع على تحريمهن، وقيل لم يبعث الله نبيا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله تعالى بالوحدانية والطاعة وقيل بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي من التوحيد ورفض الأوثان اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ أي يصطفي لدينه من يشاء من عباده وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي يقبل على طاعته وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس: يعني أهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي بأن الفرقة ضلالة بَغْياً بَيْنَهُمْ أي ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وقيل بغيا منهم على محمد صلّى الله عليه وسلّم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ أي في تأخير العذاب عنهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين من آمن وكفر يعني لأنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ أي اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد أنبيائهم وقيل الأمم الخالية لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي من أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم فلا يؤمنون به مُرِيبٍ يعني مرتابين شاكين فيه فَلِذلِكَ أي إلى ذلك فَادْعُ أي إلى ما وصى الله تعالى به الأنبياء من التوحيد وقيل لأجل ما حدث به من الاختلاف في الدين الكثير فادع أنت إلى الاتفاق على الملة الحنيفية وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي أثبت على الدين الذي أمرت به وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ أي المختلفة الباطلة وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ أي آمنت بكتب الله المنزلة كلها وذلك لأن المتفرقين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال ابن عباس أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام وقيل لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء وقيل لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم وتحاكمتم إلى اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ يعني أن إله الكل واحد وكل أحد مخصوص بعمل نفسه وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازي بعمله لا حُجَّةَ أي لا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ وهذه الآية منسوخة بآية القتال إذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة فلم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا أي في المعاد لفصل القضاء وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ١٦ الى ١٨]
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)
قوله عز وجل: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ أي يخاصمون في دين الله قيل هم اليهود قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ أي من بعد ما استجاب الناس لدين الله تعالى فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزة نبيه صلّى الله عليه وسلّم حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي خصومتهم باطلة عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ أي في الآخرة اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أي الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والأحكام وَالْمِيزانَ أي العدل سمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ أي وقت إتيانها قريب وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبا له متى تكون الساعة فأنزل الله تعالى:
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها أي ظنا منهم أنها غير آتية وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ أي خائفون مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أي أنها آتية لا شك فيها أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ أي يخاصمون فِي السَّاعَةِ وقيل يشكون فيها لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قوله عز وجل:
﴿ الله الذي أنزل الكتاب بالحق ﴾ أي الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والأحكام ﴿ والميزان ﴾ أي العدل سمي العدل ميزاناً لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس ﴿ وما يدريك لعل الساعة قريب ﴾ أي وقت إتيانها قريب وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيباً له متى تكون الساعة.
فأنزل الله تعالى :﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ﴾ أي ظناً منهم أنها غير آتية ﴿ والذين آمنوا مشفقون ﴾ أي خائفون ﴿ منها ويعلمون أنها الحق ﴾ أي أنها آتية لا شك فيها ﴿ ألا إن الذين يمارون ﴾ أي يخاصمون ﴿ في الساعة ﴾ وقيل يشكون فيها ﴿ لفي ضلال بعيد ﴾.

[سورة الشورى (٤٢): الآيات ١٩ الى ٢٣]

اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ أي كثير الإحسان إليهم، قال ابن عباس: حفي بهم وقيل رفيق وقيل لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم يدل عليه قوله تعالى: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ يعني أن الإحسان والبر إنعام في حق كل العباد وهو إعطاء ما لا بد منه فكل من رزقه الله تعالى من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يرزقه، وقيل لطفه في الرزق من وجهين أحدهما أنه جعل رزقكم من الطيبات والثاني أنه لم يدفعه إليكم مرة واحدة وَهُوَ الْقَوِيُّ أي القادر على كل ما يشاء الْعَزِيزُ أي الذي لا يغالب ولا يدافع مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ أي كسب الآخرة والمعنى من كان يريد بعمله الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي بالتضعيف الواحدة إلى عشرة إلى ما يشاء الله تعالى من الزيادة، وقيل إنا نزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعة إليه وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا يعني يريد بعمله الدنيا مؤثرا لها على الآخرة نُؤْتِهِ مِنْها أي ما قدر وقسم له منها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ يعني لأنه لم يعمل لها، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب» ذكره في جامع الأصول ولم يعزه إلى أحد من الكتب الستة وأخرجه البغوي بإسناده.
قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ يعني كفار مكة شُرَكاءُ يعني الأصنام وقيل الشياطين شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ قال ابن عباس شرعوا لهم غير دين الإسلام ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ يعني أن تلك الشرائع بأسرها على خلاف دين الله تعالى الذي أمر به وذلك أنهم زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا لأنهم لا يعلمون غيرها وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ يعني أن الله حكم بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعني المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي في الآخرة تَرَى الظَّالِمِينَ يعني يوم القيامة مُشْفِقِينَ أي وجلين خائفين مِمَّا كَسَبُوا أي من الشرك والأعمال الخبيثة وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي جزاء كسبهم واقع بهم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لأن هذه الروضات أطيب بقاع الجنة فلذلك خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بها وفيه تنبيه على أن الجنة منازل غير الروضات هي لمن هو دون الذين عملوا الصالحات من أهل القبلة لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي من الكرامة ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ أي الذي ذكر من نعيم الجنة الذي يبشر الله به عباده الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قوله عز وجل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على تبليغ الرسالة أَجْراً أي جزاء إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (خ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد صلّى الله عليه وسلّم قال ابن عباس: عجبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تكن بطن من قريش إلا وله فيهم قرابة فقال ألا تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، وعن ابن عباس أيضا في قوله إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى: يعني أن تحفظوا قرابتي وتودوني وتصلوا رحمي، وإليه
﴿ من كان يريد حرث الآخرة ﴾ أي كسب الآخرة والمعنى من كان يريد بعمله الآخرة ﴿ نزد له في حرثه ﴾ أي بالتضعيف الواحدة إلى عشرة إلى ما يشاء الله تعالى من الزيادة، وقيل إنا نزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعة إليه ﴿ ومن كان يريد حرث الدنيا ﴾ يعني يريد بعمله الدنيا مؤثراً لها على الآخرة ﴿ نؤته منها ﴾ أي ما قدر وقسم له منها ﴿ وما له في الآخرة من نصيب ﴾ يعني لأنه لم يعمل لها، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب » ذكره في جامع الأصول ولم يعزه إلى أحد من الكتب الستة وأخرجه البغوي بإسناده.
قوله تعالى :﴿ أم لهم ﴾ يعني كفار مكة ﴿ شركاء ﴾ يعني الأصنام وقيل الشياطين ﴿ شرعوا لهم ديناً من الدين ﴾ قال ابن عباس شرعوا لهم غير دين الإسلام ﴿ ما لم يأذن به الله ﴾ يعني أن تلك الشرائع بأسرها على خلاف دين الله تعالى الذي أمر به وذلك أنهم زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا لأنهم لا يعلمون غيرها ﴿ ولولا كلمة الفصل ﴾ يعني أن الله حكم بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة ﴿ لقضي بينهم ﴾ أي لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا ﴿ وإن الظالمين ﴾ يعني المشركين ﴿ لهم عذاب أليم ﴾ أي في الآخرة.
﴿ ترى الظالمين ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ مشفقين ﴾ أي وجلين خائفين ﴿ مما كسبوا ﴾ أي من الشرك والأعمال الخبيثة ﴿ وهو واقع بهم ﴾ أي جزاء كسبهم واقع بهم ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ﴾ لأن هذه الروضات أطيب بقاع الجنة فلذلك خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بها وفيه تنبيه على أن الجنة منازل غير الروضات هي لمن هو دون الذين عملوا الصالحات من أهل القبلة ﴿ لهم ما يشاؤون عند ربهم ﴾ أي من الكرامة ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾.
﴿ ذلك ﴾ أي الذي ذكر من نعيم الجنة الذي يبشر الله به عباده ﴿ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ قوله عز وجل :﴿ قل لا أسألكم عليه ﴾ أي على تبليغ الرسالة ﴿ أجراً ﴾ أي جزاء ﴿ إلا المودة في القربى ﴾ ( خ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله ﴿ إلا المودة في القربى ﴾ فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس : عجبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بطن من قريش إلا وله فيهم قرابة فقال ألا تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، وعن ابن عباس أيضاً في قوله ﴿ إلا المودة في القربى ﴾ : يعني أن تحفظوا قرابتي وتودوني وتصلوا رحمي، وإليه ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضحاك ( خ ) عن ابن عمر أن أبا بكر قال : ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته واختلفوا في قرابته، فقيل علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم وقيل أهل بيته من تحرم عليه الصدقة من أقاربه وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام ( م ). عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به » فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه ثم قال «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين من أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرمت عليهم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ». فإن قلت طلب الأجر على تبليغ الرسالة والوحي لا يجوز لقوله في قصة نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء ﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ قلت لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة.
بقي الجواب عن قوله ﴿ إلا المودة في القربى ﴾.
فالجواب عنه من وجهين : الأول معناه لا أطلب منكم إلا هذه وهذا في الحقيقة ليس بأجر ومنه قول الشاعر :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
معناه إذا كان هذا عيبهم فليس فيهم عيب بل هو مدح فيهم ولأن المودة بين المسلمين أمر واجب وإذا كان كذلك في حق جميع المسلمين كان في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أولى فقوله ﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ﴾ المودة في القربى ليست أجراً في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت مودتهم وصلتهم لازمة لهم فثبت أن لا أجر البتة، والوجه الثاني أن هذا الاستثناء منقطع وتم الكلام عند قوله قل لا أسألكم عليه أجراً ثم ابتدأ فقال إلا المودة في القربى أي لكن أذكركم المودة في قرابتي الذين هم قرابتكم فلا تؤذوهم ؛ وقيل : إن هذه الآية منسوخة وذلك لأنها نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلة رحمه فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله تعالى أن يلحقه بإخوانه من النبيين فأنزل الله تعالى :﴿ قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ﴾ :[ سبأ : ٤٧ ] فصارت هذه الآية ناسخة لقوله ﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ﴾ وإليه ذهب الضحاك والحسين بن الفضل، والقول بنسخ هذه الآية غير مرضي لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه من فرائض الدين وهو قول السلف فلا يجوز المصير إلى نسخ هذه الآية. وروي عن ابن عباس في معنى الآية قول آخر قال : إلا أن توادوا الله وتتقربوا إليه بطاعته وهو قول الحسن قال هو القربى إلى الله يقول إلا التقرب إلى الله تعالى والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح. وقوله تعالى :﴿ ومن يقترف حسنة ﴾ أي يكتسب طاعة ﴿ نزد له فيها حسنا ﴾ أي بالتضعيف ﴿ إن الله غفور ﴾ للذنوب ﴿ شكور ﴾ أي للقليل من الأعمال حتى يضاعفها.
ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضحاك (خ) عن ابن عمر أن أبا بكر قال: ارقبوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته واختلفوا في قرابته، فقيل علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم وقيل أهل بيته من تحرم عليه الصدقة من أقاربه وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام (م). عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغب فيه ثم قال «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين من أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرمت عليهم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس».
فإن قلت طلب الأجر على تبليغ الرسالة والوحي لا يجوز لقوله في قصة نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ.
قلت لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة.
بقي الجواب عن قوله إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
فالجواب عنه من وجهين: الأول معناه لا أطلب منكم إلا هذه وهذا في الحقيقة ليس بأجر ومنه قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
معناه إذا كان هذا عيبهم فليس فيهم عيب بل هو مدح فيهم ولأن المودة بين المسلمين أمر واجب وإذا كان كذلك في حق جميع المسلمين كان في أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى فقوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى المودة في القربى ليست أجرا في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت مودتهم وصلتهم لازمة لهم فثبت أن لا أجر البتة، والوجه الثاني أن هذا الاستثناء منقطع وتم الكلام عند قوله قل لا أسألكم عليه أجرا ثم ابتدأ فقال إلا المودة في القربى أي لكن أذكركم المودة في قرابتي الذين هم قرابتكم فلا تؤذوهم وقيل: إن هذه الآية منسوخة وذلك لأنها نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلة رحمه فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله تعالى أن يلحقه بإخوانه من النبيين فأنزل الله تعالى: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فصارت هذه الآية ناسخة لقوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وإليه ذهب الضحاك والحسين بن الفضل، والقول بنسخ هذه الآية غير مرضي لأن مودة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه من فرائض الدين وهو قول السلف فلا يجوز المصير إلى نسخ هذه الآية. وروي عن ابن عباس في معنى الآية قول آخر قال: إلا أن توادوا الله وتتقربوا إليه بطاعته وهو قول الحسن قال هو القربى إلى الله يقول إلا التقرب إلى الله تعالى والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح.
وقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً أي يكتسب طاعة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي بالتضعيف إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب شَكُورٌ أي للقليل من الأعمال حتى يضاعفها.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٢٤ الى ٢٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥)
أَمْ يَقُولُونَ أي بل يقول كفار مكة افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيه توبيخ لهم معناه أيقع في قلوبهم ويجري
98
على لسانهم أن ينسبوا مثله إلى الكذب وأنه افترى على الله كذبا وهو أقبح أنواع الكذب فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ أي يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم وقولهم إنه مفتر وقيل معناه يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله بالفعل به ما أخبر به في هذه الآية وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ أخبره الله تعالى أن ما يقولونه الباطل والله عز وجل يمحوه وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي يحق الإسلام بما أنزل من كتابه وقد فعل الله تعالى ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قال ابن عباس: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبره أنهم اتهموه وأنزل الله هذه الآية فقال القوم يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق فنزل قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد أولياؤه وأهل طاعته.
(فصل في ذكر التوبة وحكمها) قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا.
فإذا حصلت هذه الشروط صحت التوبة وإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة والشرط الرابع أن يبرأ من حق صاحبها فهذه شروط التوبة وقيل التوبة الانتقال عن المعاصي نية وفعلا والإقبال على الطاعات نية وفعلا، وقال سهل بن عبد الله التستري: التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة (خ). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (م) عن الأغر بن بشار المزني قال «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» (ق) عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقذ ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها طعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده الدوية الفلاة والمفازة» (ق) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» ولمسلم عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة فرحه اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح» عن صفوان بن عسال المرادي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله وذلك قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها» الآية أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (م). عن أبي موسى
99
قوله عز وجل :﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد أولياؤه وأهل طاعته.
( فصل في ذكر التوبة وحكمها )
قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يقلع عن المعصية.
والثاني : أن يندم على فعلها.
والثالث : أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً.
فإذا حصلت هذه الشروط صحت التوبة وإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة والشرط الرابع أن يبرأ من حق صاحبها فهذه شروط التوبة وقيل التوبة الانتقال عن المعاصي نية وفعلاً والإقبال على الطاعات نية وفعلاً، وقال سهل بن عبد الله التستري : التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة ( خ ). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة » ( م ) عن الأغر بن بشار المزني قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة » ( ق ) عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها طعامه وشرابه فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده الدوية الفلاة والمفازة ».
( ق ) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره و قد أضله في أرض فلاة » ولمسلم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة فرحه اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح » عن صفوان بن عسال المرادي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم «إن الله جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله وذلك قوله تعالى :﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها ﴾ » الآية أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال «إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ( م ). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها » وقوله عز وجل :﴿ ويعفو عن السيئات ﴾ أي يمحوها إذا تابوا ﴿ ويعلم ما تفعلون ﴾ يعين من خير وشر فيجازيهم عليهم.
الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» وقوله عز وجل: وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ أي يمحوها إذا تابوا وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ يعين من خير وشر فيجازيهم عليهم.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٢٦ الى ٢٨]
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني يجيب المؤمنون الله تعالى فيما دعاهم لطاعته وقيل معناه ويجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذا دعوه، وقال ابن عباس: ويثبت الذين آمنوا وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه، وقال ابن عباس: يشفعهم في إخوانهم ويزيدهم من فضله، قال في إخوان إخوانهم وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ قوله عز وجل: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها فأنزل الله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ أي وسع الله الرزق لعباده لَبَغَوْا أي لطغوا وعتوا فِي الْأَرْضِ قال ابن عباس: بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس، وقيل: إن الإنسان متكبر بالطبع فإذا وجد الغنى والقدرة رجع إلى مقتضى طبعه وهو التكبر وإذا وقع في شدة ومكروه وفقر انكسر فرجع إلى الطاعة والتواضع، وقيل: إن البغي مع القبض والفقر أقل ومع البسط والغنى أكثر لأن النفس مائلة إلى الشر لكنها إذا كانت فاقدة لآلاته كان الشر أقل وإذا كانت واجدة لها كان الشر أكثر فثبت أن وجدان المال يوجب الطغيان وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ يعني الأرزاق نظرا لمصالح عباده وهو قوله تعالى: إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ والمعنى أنه تعالى عالم بأحوال عباده وبطبائعهم وبعواقب أمورهم فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم يدل على ذلك ما روى أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عن جبريل عن الله عز وجل قال «يقول الله عز وجل من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى لو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير» أخرجه البغوي بإسناده.
قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا أي يئس الناس منه وذلك أدعى لهم إلى الشكر قيل حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا ثم أنزل الله عز وجل المطر فذكرهم نعمته لأن الفرح بحصول النعمة بعد الشدة أتم وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أي يبسط بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب وَهُوَ الْوَلِيُّ أي لأهل طاعته الْحَمِيدُ أي المحمود على ما يوصل إلى الخلق من أقسام رحمته.
أنزل الله تعالى :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده ﴾ أي وسع الله الرزق لعباده ﴿ لبغوا ﴾ أي لطغوا وعتوا ﴿ في الأرض ﴾ قال ابن عباس : بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس، وقيل : إن الإنسان متكبر بالطبع فإذا وجد الغنى والقدرة رجع إلى مقتضى طبعه وهو التكبر وإذا وقع في شدة ومكروه وفقر انكسر فرجع إلى الطاعة والتواضع، وقيل : إن البغي مع القبض والفقر أقل ومع البسط والغنى أكثر لأن النفس مائلة إلى الشر لكنها إذا كانت فاقدة لآلاته كان الشر أقل وإذا كانت واجدة لها كان الشر أكثر فثبت أن وجدان المال يوجب الطغيان ﴿ ولكن ينزل بقدر ما يشاء ﴾ يعني الأرزاق نظراً لمصالح عباده وهو قوله تعالى :﴿ إنه بعباده خبير بصير ﴾ والمعنى أنه تعالى عالم بأحوال عباده وبطبائعهم وبعواقب أمورهم فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم يدل على ذلك ما روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل قال «يقول الله عز وجل من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى لو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير » أخرجه البغوي بإسناده.
قوله عز وجل :﴿ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ﴾ أي يئس الناس منه وذلك أدعى لهم إلى الشكر قيل حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا ثم أنزل الله عز وجل المطر فذكرهم نعمته لأن الفرح بحصول النعمة بعد الشدة أتم ﴿ وينشر رحمته ﴾ أي يبسط بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب ﴿ وهو الولي ﴾ أي لأهل طاعته ﴿ الحميد ﴾ أي المحمود على ما يوصل إلى الخلق من أقسام رحمته.

[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٢٩ الى ٣٣]

وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣)
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ أي أوجد فِيهِما أي في السموات والأرض مِنْ دابَّةٍ.
فإن قلت كيف يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة.
قلت الدبيب في اللغة المشي الخفيف على الأرض، فيحتمل أن يكون للملائكة مشي مع الطيران فيوصفون بالدبيب كما يوصف به الإنسان، وقيل: يحتمل أن الله تعالى خلق في السموات أنواعا من الحيوانات يدبون دبيب الإنسان وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ يعني يوم القيامة.
قوله عز وجل: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ المراد بهذه المصائب الأحوال المكروهة نحو الأوجاع والأسقام والقحط والغلاء والغرق والصواعق وغير ذلك من المصائب فبما كسبت أيديكم من الذنوب والمعاصي وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر» وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سخيلة قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وسأفسرها لكم يا علي ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ أي من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه» وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها أو درجة لم يكن الله ليرفعه لها إلا بها (ق). عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة» وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي بفائتين فِي الْأَرْضِ هربا يعني لا تعجزوني حيثما كنتم وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ قوله عز وجل: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ يعني السفن وهي السيارة فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ أي كالقصور وكل شيء مرتفع عند العرب فهو علم إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ أي التي تجري بها السفن فَيَظْلَلْنَ يعني السفن الجواري رَواكِدَ أي ثوابت عَلى ظَهْرِهِ أي ظهر البحر لا تجري إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وهذه صفة المؤمن لأنه يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٣٤ الى ٣٩]
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ أي يغرقهن ويهلكهن بِما كَسَبُوا أي بما كسبت ركابها من الذنوب وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ أي من ذنوبهم فلا يعاقب عليها وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يعني يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله تعالى ما لهم من مهرب من عذابه فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ أي من زينة الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي ليس هو من زاد المعاد وَما عِنْدَ اللَّهِ أي من الثواب خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
قوله عز وجل :﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ﴾ المراد بهذه المصائب الأحوال المكروهة نحو الأوجاع والأسقام والقحط والغلاء والغرق والصواعق وغير ذلك من المصائب فبما كسبت أيديكم من الذنوب والمعاصي ﴿ ويعفوا عن كثير ﴾ قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر » وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سخيلة قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ﴾ وسأفسرها لكم يا علي ﴿ ما أصابكم من مصيبة ﴾ أي من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا ﴿ فبما كسبت أيديكم ﴾ والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه » وقال عكرمة : ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها أو درجة لم يكن الله ليرفعه لها إلا بها ( ق ). عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة ».
﴿ وما أنتم بمعجزين ﴾ أي بفائتين ﴿ في الأرض ﴾ هرباً يعني لا تعجزونني حيثما كنتم ﴿ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ﴾.
قوله عز وجل :﴿ ومن آياته الجوار ﴾ يعني السفن وهي السيارة ﴿ في البحر كالأعلام ﴾ أي كالقصور وكل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
﴿ إن يشأ يسكن الريح ﴾ أي التي تجري بها السفن ﴿ فيظللن ﴾ يعني السفن الجواري ﴿ رواكد ﴾ أي ثوابت ﴿ على ظهره ﴾ أي ظهر البحر لا تجري ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ وهذه صفة المؤمن لأنه يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء.
﴿ أو يوبقهن ﴾ أي يغرقهن ويهلكهن ﴿ بما كسبوا ﴾ أي بما كسبت ركابها من الذنوب ﴿ ويعف عن كثير ﴾ أي من ذنوبهم فلا يعاقب عليها.
﴿ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ﴾ يعني يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله تعالى ما لهم من مهرب من عذابه.
﴿ فما أوتيتم من شيء ﴾ أي من زينة الدنيا ﴿ فمتاع الحياة الدنيا ﴾ أي ليس هو من زاد المعاد ﴿ وما عند الله ﴾ أي من الثواب ﴿ خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ﴾ والمعنى أن المؤمن والكافر يستويان في متاع الحياة الدنيا فإذا صارا إلى الله تعالى كان ما عند الله من الثواب خيراً وأبقى للمؤمن.
﴿ والذين يجتنبون كبائر الإثم ﴾ يعني كل ذنب تعظم عقوبته كالقتل والزنا والسرقة وشبه ذلك ﴿ والفواحش ﴾ يعني ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال ﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾ يعني يكظمون الغيظ ويجهلون.
﴿ والذين استجابوا لربهم ﴾ يعني أجابوا إلى ما دعاهم إليه من طاعته ﴿ وأقاموا الصلاة ﴾ يعني المفروضة ﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾ يعني يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون ولا ينفردون برأي ما لم يجتمعوا عليه قيل. ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمرهم ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾.
﴿ والذين إذا أصابهم البغي ﴾ يعني الظلم والعدوان ﴿ هم ينتصرون ﴾ يعني ينتقمون من ظالمهم من غير تعد قال ابن زيد جعل الله تعالى المؤمنين صنفين صنف يعفون عمن ظلمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله تعالى :﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾ وصنف ينتصرون من ظالمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية، وقال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فإذا قدروا عفوا. وقيل : إن العفو إغراء للسفيه وقال عطاء : هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ثم مكنهم الله عز وجل في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم ثم بين الله تعالى أن شرعة الانتصار مشروطة برعاية المماثلة.
والمعنى أن المؤمن والكافر يستويان في متاع الحياة الدنيا فإذا صارا إلى الله تعالى كان ما عند الله من الثواب خيرا وأبقى للمؤمن وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ يعني كل ذنب تعظم عقوبته كالقتل والزنا والسرقة وشبه ذلك وَالْفَواحِشَ يعني ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يعني يكظمون الغيظ ويجهلون وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ يعني أجابوا إلى ما دعاهم إليه من طاعته وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني المفروضة وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ يعني يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون ولا ينفردون برأي ما لم يجتمعوا عليه قيل.
ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمرهم وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ يعني الظلم والعدوان هُمْ يَنْتَصِرُونَ يعني ينتقمون من ظالمهم من غير تعد قال ابن زيد جعل الله تعالى المؤمنين صنفين صنف يعفون عمن ظلمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وصنف ينتصرون من ظالمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فإذا قدروا عفوا.
وقيل: إن العفو إغراء للسفيه وقال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ثم مكنهم الله عز وجل في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم ثم بين الله تعالى أن شرعة الانتصار مشروطة برعاية المماثلة فقال تعالى:
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٤٠ الى ٤٤]
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤)
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة وقيل لأن الجزاء يسوء من ينزل به، وقيل هو جزاء القبيح إذا قال أخزاك الله فقل له أخزاك الله ولا تزد وإذا شتمك فاشتمه بمثلها ولا تعتدوا وقيل هو في القصاص في الجراحات والدماء يقتص بمثل ما جنى عليه وقيل إن الله تعالى لم يرغب في الانتصار بل بين أنه مشروع ثم بين أن العفو أولى بقوله تعالى: فَمَنْ عَفا أي عمن ظلمه وَأَصْلَحَ أي بالعفو بينه وبين الظالم فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من عفا ثم قرأ هذه الآية إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ قال ابن عباس: الذين يبدؤون بالظلم وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ أي بعد ظلم الظالم إياه فَأُولئِكَ يعني المنتصرين ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ أي بعقوبة ومؤاخذة إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ أي يبدؤون بالظالم وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي يعملون فيها بالمعاصي أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ أي لم ينتصر وَغَفَرَ تجاوز عن ظالمه إِنَّ ذلِكَ أي الصبر والتجاوز لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يعني تركه الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة التي أمر الله عز وجل بها وقيل إن الصابر يؤتي بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزما وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ يعني ماله من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه أو يمنعه من عذابه وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يعني يوم القيامة يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ يعني أنهم يسألون الرجعة إلى الدنيا.
﴿ ولمن انتصر بعد ظلمه ﴾ أي بعد ظلم الظالم إياه ﴿ فأولئك ﴾ يعني المنتصرين ﴿ ما عليهم من سبيل ﴾ أي بعقوبة ومؤاخذة.
﴿ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ﴾ أي يبدؤون بالظالم ﴿ ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾ أي يعملون فيها بالمعاصي ﴿ أولئك لهم عذاب أليم ﴾.
﴿ ولمن صبر ﴾ أي لم ينتصر ﴿ وغفر ﴾ تجاوز عن ظالمه ﴿ إن ذلك ﴾ أي الصبر والتجاوز ﴿ لمن عزم الأمور ﴾ يعني تركه الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة التي أمر الله عز وجل بها وقيل إن الصابر يؤتي بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزماً.
﴿ ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ﴾ يعني ما له من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه أو يمنعه من عذابه ﴿ وترى الظالمين لما رأوا العذاب ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ يقولون هل إلى مرد من سبيل ﴾ يعني أنهم يسألون الرجعة إلى الدنيا.

[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٤٥ الى ٤٩]

وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩)
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها أي على النار خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ أي خاضعين متواضعين يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ يعني يسارقون النظر إلى النار خوفا منها وذلة في أنفسهم، وقيل ينظرون بطرف خفي أي ضعيف من الذل، وقيل ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا والنظر بالقلب خفي وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بأن صاروا إلى النار. وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني وخسروا أهليهم بأن صاروا لغيرهم في الجنة أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ أي وصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى فقد استدت عليهم طرق الخير اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ أي أجيبوا داعي الله يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة وقيل هو يوم الموت ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ أي ما لكم من مخلص من العذاب وقيل من الموت وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ أي ينكر حالكم وقيل النكير الإنكار يعني لا تقدرون أن تنكروا من أعمالكم شيئا فَإِنْ أَعْرَضُوا أي عن الإجابة فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي تحفظ أعمالهم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ أي ليس عليك إلا البلاغ وفيه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي قحط بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي من الأعمال الخبيثة فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ أي لما تقدم من نعمة الله تعالى عليه.
قوله عز وجل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني له التصرف فيهما بما يريد يَخْلُقُ ما يَشاءُ أي لا يقدر أحد أن يعترض عليه في ملكه وإرادته يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً أي فلا يولد له ذكر وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أي فلا يولد له أنثى.
[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٥٠ الى ٥٢]
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠) وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً أي يجمع بينهما فيولد له الذكور والإناث وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً أي فلا يولد له ولد، وقيل هذا في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فقوله يهب لمن يشاء إناثا يعني لوطا لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان ويهب لمن يشاء الذكور يعني إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يولد له أنثى أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم ولد له أربع بنين وأربع بنات ويجعل من يشاء عقيما يعني يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لم يولد لهما وهذا على وجه التمثيل وإلا فالآية عامة في جميع الناس إِنَّهُ عَلِيمٌ أي بما يخلق قَدِيرٌ أي على ما يريد أن يخلق.
﴿ وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ﴾ أي وصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى فقد استدت عليهم طرق الخير.
﴿ استجيبوا لربكم ﴾ أي أجيبوا داعي الله يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ من قبل من أن يأتي يوم لا مرد له من الله ﴾ أي لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة وقيل هو يوم الموت ﴿ ما لكم من ملجأ يومئذ ﴾ أي ما لكم من مخلص من العذاب وقيل من الموت ﴿ وما لكم من نكير ﴾ أي ينكر حالكم وقيل النكير الإنكار يعني لا تقدرون أن تنكروا من أعمالكم شيئاً.
﴿ فإن أعرضوا ﴾ أي عن الإجابة ﴿ فما أرسلناك عليهم حفيظاً ﴾ أي تحفظ أعمالهم ﴿ إن عليك إلا البلاغ ﴾ أي ليس عليك إلا البلاغ وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وإنا أذا أذقنا الإنسان منا رحمة ﴾ قال ابن عباس : يعني الغنى والصحة ﴿ فرح بها وإن تصبهم سيئة ﴾ أي قحط ﴿ بما قدمت أيديهم ﴾ أي من الأعمال الخبيثة ﴿ فإن الإنسان كفور ﴾ أي لما تقدم من نعمة الله تعالى عليه.
قوله عز وجل :﴿ لله ملك السماوات والأرض ﴾ يعني له التصرف فيهما بما يريد ﴿ يخلق ما يشاء ﴾ أي لا يقدر أحد أن يعترض عليه في ملكه وإرادته ﴿ يهب لمن يشاء إناثاً ﴾ أي فلا يولد له ذكر ﴿ ويهب لمن يشاء الذكور ﴾ أي فلا يولد له أنثى.
﴿ أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ﴾ أي يجمع بينهما فيولد له الذكور والإناث ﴿ ويجعل من يشاء عقيماً ﴾ أي فلا يولد له ولد، وقيل هذا في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فقوله يهب لمن يشاء إناثاً يعني لوطاً لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان ويهب لمن يشاء الذكور يعني إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يولد له أنثى ﴿ أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ولد له أربع بنين وأربع بنات ويجعل من يشاء عقيماً يعني يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لم يولد لهما وهذا على وجه التمثيل وإلا فالآية عامة في جميع الناس ﴿ إنه عليم ﴾ أي بما يخلق ﴿ قدير ﴾ أي على ما يريد أن يخلق.
قوله تعالى :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً ﴾ قيل في سبب نزولها : إن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى صلى الله عليه وسلم ونظر إليه فقال لم ينظر موسى إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً ﴾ أي يوحي إليه في المنام أو بالإلهام كما رأى إبراهيم في المنام أن يذبح ولده وهو وحي وكما ألهمت أم موسى أن تقذفه في البحر ﴿ أو من وراء حجاب ﴾ أي يسمعه كلامه من وراء حجاب ولا يراه كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام ﴿ أو يرسل رسولاً ﴾ يعني من الملائكة إما جبريل أو غيره ﴿ فيوحي بإذنه ما يشاء ﴾ يعني يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلم بشراً إلا من وراء حجاب في الدنيا ويأتي بيان هذه المسألة إن شاء الله تعالى في سورة النجم ﴿ إنه على ﴾ أي عن صفات المخلوقين ﴿ حكيم ﴾ أي في جميع أفعاله.
قوله عز وجل :﴿ وكذلك ﴾ أي وكما أوحينا إلى سائر رسلنا ﴿ أوحينا إليك روحاً من أمرنا ﴾ قال ابن عباس : نبوة، وقيل : قرآناً لأن به حياة الأرواح، وقيل : رحمة وقيل جبريل ﴿ ما كنت تدري ﴾ أي قبل الوحي ﴿ ما الكتاب ﴾ يعني القرآن ﴿ ولا الإيمان ﴾ اختلف العلماء في هذه الآية مع اتفاقهم على أن الأنبياء قبل النبوة كانوا مؤمنين فقيل معناه ما كنت تدري قبل الوحي شرائع الإيمان ومعالمه.
وقال محمد بن إسحاق عن ابن خزيمة الإيمان في هذا الموضع الصلاة دليله ﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾ يعني صلاتكم ولم يرد به الإيمان الذي هو الإقرار بالله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة يوحد الله تعالى ويحج ويعتمر ويبغض اللات والعزى ولا يأكل ما ذبح على النصب وكان يتعبد على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولم تتبين له شرائع دينه إلا بعد الوحي إليه ﴿ ولكن جعلناه نوراً ﴾ قال ابن عباس يعني الإيمان وقيل القرآن لأنه يهتدي به من الضلالة وهو قوله تعالى :﴿ نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي ﴾ أي لتدعو ﴿ إلى صراط مستقيم ﴾ يعني إلى دين الإسلام.
قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً قيل في سبب نزولها: إن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى صلّى الله عليه وسلّم ونظر إليه فقال لم ينظر موسى إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى:
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أي يوحي إليه في المنام أو بالإلهام كما رأى إبراهيم في المنام أن يذبح ولده وهو وحي وكما ألهمت أم موسى أن تقذفه في البحر أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي يسمعه كلامه من وراء حجاب ولا يراه كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا يعني من الملائكة إما جبريل أو غيره فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ يعني يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلم بشرا إلا من وراء حجاب في الدنيا ويأتي بيان هذه المسألة إن شاء الله تعالى في سورة النجم إِنَّهُ عَلِيٌّ أي عن صفات المخلوقين حَكِيمٌ أي في جميع أفعاله.
قوله عز وجل: وَكَذلِكَ أي وكما أوحينا إلى سائر رسلنا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا قال ابن عباس: نبوة، وقيل: قرآنا لأن به حياة الأرواح، وقيل: رحمة وقيل جبريل ما كُنْتَ تَدْرِي أي قبل الوحي مَا الْكِتابُ يعني القرآن وَلَا الْإِيمانُ اختلف العلماء في هذه الآية مع اتفاقهم على أن الأنبياء قبل النبوة كانوا مؤمنين فقيل معناه ما كنت تدري قبل الوحي شرائع الإيمان ومعالمه.
وقال محمد بن إسحاق عن ابن خزيمة الإيمان في هذا الموضع الصلاة دليله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ يعني صلاتكم ولم يرد به الإيمان الذي هو الإقرار بالله تعالى لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قبل النبوة يوحد الله تعالى ويحج ويعتمر ويبغض اللات والعزى ولا يأكل ما ذبح على النصب وكان يتعبد على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولم تتبين له شرائع دينه إلا بعد الوحي إليه وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً قال ابن عباس يعني الإيمان وقيل القرآن لأنه يهتدي به من الضلالة وهو قوله تعالى: نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي أي لتدعو إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني إلى دين الإسلام.
[سورة الشورى (٤٢): آية ٥٣]
صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)
صِراطِ اللَّهِ يعني دين الله الذي شرعه لعباده الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ يعني أمور الخلائق في الآخرة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon