تفسير سورة المجادلة

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المجادلة
وهي مدنية

قَوْله تَعَالَى: ﴿قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله﴾ نزلت الْآيَة فِي خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة، وَهِي امْرَأَة أَوْس بن الصَّامِت، وَيُقَال: خَوْلَة بنت خويلد. وَقيل: خَوْلَة بنت الصَّامِت، وَالأَصَح هُوَ الأول، وَعَلِيهِ أَكثر أهل التَّفْسِير مِنْهُم: مُجَاهِد، وَقَتَادَة، وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ، وَغَيرهم. وَكَانَ أَوْس بن الصَّامِت ظَاهر مِنْهَا. وَفِي رِوَايَة عَن خَوْلَة أَنَّهَا قَالَت: " كَانَ بأوس بن الصَّامِت لمَم، فراجعته فِي بعض الْأَمر فَظَاهر منى ". قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: أَتَت خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة رَسُول الله وَقَالَت: إِن أَوْس بن الصَّامِت زَوجي وَابْن عمي وَأحب النَّاس إِلَيّ وَقد ظَاهر مني، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا أَرَاك إِلَّا وَقد حرمت عَلَيْهِ "، فَجعلت تَشْتَكِي وَتقول: أَبُو وَلَدي وَزَوْجي وَلَا أَسْتَطِيع فِرَاقه، وَرَسُول الله يَقُول: " مَا أَرَاك إِلَّا وَقد حرمت عَلَيْهِ "، وَهِي تراجعه مرّة بعد أُخْرَى، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: (قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا) " قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: سُبْحَانَ الَّذِي وسع سَمعه الْأَصْوَات، كنت فِي جَانب الْبَيْت وَلَا أسمع مَا تَقوله خَوْلَة، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا﴾.
وَقَوله: ﴿وتشتكي إِلَى الله﴾ اشْتَكَى وشكا بِمَعْنى وَاحِد
وَقَوله ﴿وَالله يسمع تحاوركما﴾ أَي: تراجعكما.
وَقَوله: ﴿إِن الله سميع بَصِير﴾ ظَاهر.
382
﴿الله سميع بَصِير (١) الَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم مَا هن أمهاتهم إِن أمهاتهم إِلَّا اللائي ولدنهم وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا وَإِن الله لعفو غَفُور (٢) وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا ذَلِكُم﴾
383
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم مَا هن أمهاتهم﴾ أَي: لَيْسَ هن بأمهاتهم، وَالْمعْنَى: أَنه لَيْسَ أَزوَاجهنَّ كَمَا قَالُوا: إِن ظهورهن كَظهر أمهاتهم.
وَقَوله: ﴿إِن أمهاتهم إِلَّا اللائي ولدنهم وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا﴾ قَالَ قَتَادَة: أَي: كذبا. وَالْكذب هُوَ قَوْله لَهَا: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي.
وَقَوله: ﴿وَإِن الله لعفو غَفُور﴾ أَي: لمن نَدم على قَوْله،
وَهَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير﴾ قَالَ الْحسن وَطَاوُس وَالزهْرِيّ: الْعود هُوَ الْوَطْء، وَهَذَا قَول مَالك. وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ أَن ينْدَم على مَا قَالَ وَيرجع إِلَى الألفة. وَمذهب الشَّافِعِي فِي الْعود أَنه يمْسِكهَا على النِّكَاح عقيب الظِّهَار وَلَا يطلقهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا يكون هَذَا عودا؛ لِأَن الظِّهَار قصد التَّحْرِيم، فَإِذا مضى وَقت عقيب الظِّهَار، وَلم يحرمها على نَفسه بِالطَّلَاق، فَهُوَ عَائِد عَمَّا قَالَ. وَيجوز أَن يكون على هَذَا قَول ابْن عَبَّاس الَّذِي ذكرنَا.
وَأما مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ قَالَ: الْعود هُوَ أَن يعزم على إِِمْسَاكهَا، فَإِذا فعل ذَلِك فقد تحقق الْعود. وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين قَول الشَّافِعِي أَنه إِذا مضى عقيب الظِّهَار وَقت يُمكنهُ أَن يطلقهَا فِيهِ وَلم يُطلق فَهُوَ عَائِد، وَإِن لم يعزم على إِِمْسَاكهَا.
وَعند أبي حنيفَة مَا لم يعزم على إِِمْسَاكهَا لَا يكون عَائِدًا.
وَفِي الْآيَة قَول رَابِع، وَهُوَ قَول أبي الْعَالِيَة وَبُكَيْر بن عبد الله الْأَشَج: أَن الْعود هُوَ أَن يُكَرر لفظ الظِّهَار وأولا الْعود لما قَالُوا بِهَذَا. وَقَالَ القتيبي: ثَبت الظِّهَار بِنَفس القَوْل وَتجب الْكَفَّارَة. وَمعنى الْعود فِي هَذَا هُوَ الْعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة من فعل
383
﴿توعظون بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (٣) فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا ذَلِك لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وَتلك حُدُود﴾ الظِّهَار، وَكَأَنَّهُ قَالَ: " ويعودون لما قَالُوا " يَعْنِي: إِلَى مَا قَالَه أهل الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْأَخْفَش سعيد بن مسْعدَة: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وتقديرها: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون فَتَحْرِير رَقَبَة بِمَا قَالُوا.
وَقَوله: ﴿من قبل أَن يتماسا﴾ يَعْنِي: الْوَطْء، وَأما اللَّمْس فِيمَا دون الْفرج اخْتلفُوا فِيهِ، فحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: يجوز.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا يجوز، وَالأَصَح أَنه لَا يجوز حَتَّى يكفر.
وَقَوله: ﴿ذَلِكُم توعظون بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَتَحْرِير رَقَبَة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: مُؤمنَة. وَعَن الشّعبِيّ قَالَ: رَقَبَة قد صلت وَعرفت الْإِيمَان. وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي دَعَا أَوْس بن الصَّامِت وَقَالَ: " اعْتِقْ رَقَبَة. فَقَالَ: لَا أَجدهَا. فَقَالَ: صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ: لَا أَسْتَطِيع وَكَانَ شَيخا قد أسن وَكبر فَقَالَ: أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا، فَقَالَ: " نعم ". وَرُوِيَ أَنه قَالَ: " لَا أجد إِلَّا أَن تعينني، فأعانه رَسُول الله بفرق من تمر، وأعانته الْمَرْأَة بفرق من تمر ". وَفِي رِوَايَة: " أَنه لما أعطَاهُ رَسُول الله التَّمْر قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَدِينَة أحد أحْوج إِلَيْهِ مني، فَقَالَ: كُله أَنْت وَعِيَالك ".
384
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا﴾ قد بَينا. وَعَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: إِذا أفطر بِعُذْر يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَا يسْتَقْبل. وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: يسْتَقْبل. وَعَلِيهِ أَكثر الْفُقَهَاء.
384
﴿الله وللكافرين عَذَاب أَلِيم (٤) إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله كبتوا كَمَا كبت الَّذين من قبلهم وَقد أنزلنَا آيَات بَيِّنَات وللكافرين عَذَاب مهين (٥) يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فينبئهم بِمَا عمِلُوا أَحْصَاهُ الله ونسوه وَالله على كل شَيْء شَهِيد (٦) ألم تَرَ أَن الله﴾
وَقَوله: ﴿فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا﴾ قد بَينا، وَالأَصَح أَنه يطعم مدا مدا، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس.
وَقَوله: ﴿ذَلِك لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وَتلك حُدُود الله﴾ أَي: سنة الله، وَيُقَال: أوَامِر الله.
وَقَوله: ﴿وللكافرين عَذَاب أَلِيم﴾ أَي: مؤلم.
385
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله﴾ أَي: يكونُونَ فِي حد غير حد الْمُؤمنِينَ. وَيُقَال: إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله أَي: يعادون الله وَرَسُوله. وَقَوله فِي مَوضِع آخر: ﴿وَمن يُشَاقق الله وَرَسُوله﴾ أَي: يكون فِي شقّ غير شقّ الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ﴿كبتوا﴾ أَي: أخزوا، قَالَه قَتَادَة. وَيُقَال: أهلكوا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَيُقَال: لعنُوا، قَالَه السدى.
وَقَوله: ﴿كَمَا كبت الَّذين من قبلهم﴾ أَي: كَمَا أخزى وَأهْلك وَلعن الَّذين من قبلهم.
وَقَوله: ﴿وَقد أنزلنَا آيَات بَيِّنَات وللكافرين عَذَاب مهين﴾ أَي: يهينهم، وَهُوَ من الهوان، وَمن عذبه الله فقد أهانه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فينبئهم بِمَا عمِلُوا﴾ أَي: يُخْبِرهُمْ.
وَقَوله: ﴿أَحْصَاهُ الله ونسوه﴾ أَي: أحَاط بِهِ علم الله، ونسوه أَي: نَسيَه من عمل بِهِ.
وَقَوله: ﴿وَالله على كل شَيْء شَهِيد﴾ أَي: شَاهد.
قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض مَا يكون من نجوى
385
﴿يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم إِلَّا وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر إِلَّا هُوَ مَعَهم أَيْن مَا كَانُوا ثمَّ ينبئهم بِمَا عمِلُوا يَوْم الْقِيَامَة إِن الله بِكُل شَيْء عليم (٧) ألم تَرَ إِلَى الَّذين نهوا عَن النَّجْوَى ثمَّ﴾ ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم) ذكر الزّجاج أَن السرَار والنجوى بِمَعْنى وَاحِد. وَعَن بَعضهم: أَن السرَار يكون بَين اثْنَيْنِ، والنجوى [تكون] بَين ثَلَاثَة وَأكْثر إِذا إخفي.
وَقَوله: ﴿إِلَّا هُوَ رابعهم﴾ يَعْنِي: بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة.
وَقَوله: ﴿وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم﴾ هُوَ كَمَا بَينا.
وَقَوله: ﴿وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر هُوَ مَعَهم أَيْنَمَا كَانُوا﴾ هُوَ كَمَا بَينا.
وَقَوله: ﴿ثمَّ ينبئهم بِمَا عمِلُوا يَوْم الْقِيَامَة إِن الله بِكُل شَيْء عليم﴾ أَي: عَالم.
386
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذين نهوا عَن النَّجْوَى﴾ نزلت الْآيَة فِي قوم من الْمُنَافِقين كَانَ رَسُول الله إِذا بعث سَرِيَّة قَالُوا فِيمَا بَينهم: قد أصَاب السّريَّة، وَكَذَا قد أَسرُّوا وَقتلُوا وَمَا يشبه ذَلِك إرجافا بِالْمُسْلِمين، فنهاهم النَّبِي عَن ذَلِك، فَكَانُوا يَقُولُونَ قد نبئنا. [قَوْله] :﴿ثمَّ يعودون [لما نهوا عَنهُ] ﴾.
قَوْله: ﴿ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرَّسُول﴾ وَهُوَ بِالْمَعْنَى الَّذِي بَيناهُ من قبل.
وَقَوله: ﴿وَإِذا جاءوك وحيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله﴾ هَذَا فِي الْيَهُود. وَيُقَال: إِن أول الْآيَة فِي الْيَهُود أَيْضا، وتحيتهم أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: السام عَلَيْك يَا مُحَمَّد، وَكَانَ السام فِي لغتهم الْمَوْت والهلاك، وَكَانَ رَسُول الله يَقُول: " وَعَلَيْكُم ". فَروِيَ فِي بعض الْأَخْبَار: " أَن عَائِشَة سمعتهم يَقُولُونَ ذَلِك، فَجعلت تسبهم وتلعنهم، فزجها النَّبِي عَن ذَلِك وَقَالَ لَهَا: " يَا عَائِشَة، إِن الله لَا يحب الْفُحْش والتفحش، وَقَالَت:
386
﴿يعودون لما نهوا عَنهُ ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرَّسُول وَإِذا جاءوك حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله وَيَقُولُونَ فِي أنفسهم لَوْلَا يعذبنا الله بِمَا نقُول حسبهم جَهَنَّم يصلونها فبئس الْمصير (٨) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرَّسُول وتناجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون﴾ يَا رَسُول الله، ألم تسمع مَا قَالُوا؟ ! فَقَالَ رَسُول الله: ألم تسمعي مَا قلت، قلت: وَعَلَيْكُم، وَإِنَّا نستجاب فيهم، وَلَا يستجابون فِينَا ".
وَقَوله: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أنفسهم لَوْلَا يعذبنا الله بِمَا نقُول﴾ الْمَعْنى: أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: لَو كَانَ مُحَمَّد نَبيا لعذبنا الله بِمَا نقُول.
وَقَوله: ﴿حسبهم جَهَنَّم﴾ أَي: كافيهم عَذَاب جَهَنَّم.
وَقَوله: ﴿يصلونها﴾ أَي: يدْخلُونَهَا.
وَقَوله: ﴿وَبئسَ الْمصير﴾ أَي: المنقلب والمرجع.
387
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرَّسُول وتناجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى﴾ أَي: وَمَا تَتَّقُون بِهِ.
وَقَوله: ﴿وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون﴾ يَوْم الْقِيَامَة. وَإِذا حملنَا الْآيَة على الْمُنَافِقين فَقَوله: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ أَي: آمنُوا بألسنتهم، وَالأَصَح أَن الْخطاب للْمُؤْمِنين، أَمرهم الله تَعَالَى أَلا يَكُونُوا كالمنافقين وكاليهود.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى من الشَّيْطَان﴾ يَعْنِي: أَن النَّجْوَى بَينهم على مَا بَينا [هِيَ] من الشَّيْطَان.
وَقَوله: ﴿ليحزن الَّذين آمنُوا﴾ أَي: ليحزنوا بِمَا يسمعُونَ من الإرجاف بالسرية.
387
((٩} إِنَّمَا النَّجْوَى من الشَّيْطَان ليحزن الَّذين آمنُوا وَلَيْسَ بضارهم شَيْئا إِلَّا بِإِذن الله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي)
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَ بضارهم شَيْئا﴾ يَعْنِي: أَن الإرجاف لَا يضر السّريَّة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِلَّا بِإِذن الله﴾ أَي: بِعلم الله. وَقَوله: ﴿وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ﴾ أَي: فليتق الْمُؤْمِنُونَ.
388
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فافسحوا يفسح الله لكم﴾ مَعْنَاهُ: إِذا قيل لكم توسعوا فِي الْمجْلس أَي: فِي مجْلِس رَسُول الله فوسعوا يُوسع الله لكم. أَي: فِي الْجنَّة.
وَفِي التَّفْسِير: أَن الْآيَة نزلت فِي ثَابت بن قيس بن شماس، وَكَانَ بِهِ صمم، فجَاء يَوْمًا وَقد (جلس) النَّاس عِنْد النَّبِي، فَطلب أَن يوسعوا لَهُ ليقرب من النَّبِي وَيسمع، فوسعوا لَهُ إِلَّا رجلا وَاحِدًا وَكَانَ قَرِيبا من النَّبِي لم يُوسع لَهُ، وَقَالَ لَهُ: قد أصبت موضعا فَاقْعُدْ، فَعَيَّرَهُ ثَابت بن قيس بِأم كَانَت لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، فَسمع النَّبِي ذَلِك فَقَالَ: " يَا ثَابت، انْظُر من الْقَوْم فَلَيْسَ لَك على أحد مِنْهُم فضل إِلَّا بالتقوى ". وَأنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَأمر الْمُسلمين أَن يتوسعوا فِي الْمجْلس. قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: نزلت الْآيَة فِي صُفُوف الْجِهَاد. وَالْمرَاد من التفسح هَاهُنَا هُوَ الْقعُود فِي الْمَكَان من (اختباء) لَا للحرب. وَالْقَوْل الأول أظهر.
وَقَوله: ﴿وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا﴾ قَالَ قَتَادَة مَعْنَاهُ: إِذا دعيتم إِلَى خير فأجيبوا. وَقَالَ الْحسن: هُوَ فِي الْحَرْب. وَقيل: هُوَ النهوض فِي جَمِيع الْأَشْيَاء بعد أَن يكون من الْخيرَات، وَذَلِكَ مثل: الْجِهَاد، وصفوف الْجَمَاعَات، وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَمَا أشبه ذَلِك.
388
﴿الْمجَالِس فافسحوا يفسح الله لكم وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (١١) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة ذَلِك خير لكم وأطهر فَإِن لم تَجدوا﴾
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: أَن قَوْله: ﴿فانشزوا﴾ هُوَ إِذا فرغ النَّبِي فاخرجوا من عِنْده، وَلَا تلبثوا عِنْده فتثقلوا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا أطعمْتُم فَانْتَشرُوا وَلَا مستأنسين لحَدِيث﴾.
وَقَوله: ﴿يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات﴾ أَي: بإيمَانهمْ وعلمهم. وَقيل: كَانَ النَّبِي يسْتَحبّ أَن يكون بِالْقربِ مِنْهُ أولُوا الْعلم وَالنَّهْي من أَصْحَابه، فَكَانَ غَيرهم يَأْتِي وَيقرب من النَّبِي، ثمَّ إِذا حضر الأكابر وَأولُوا الْعلم من أَصْحَابه كَانَ يَقُول: " يَا فلَان، قُم، وَيَا فلَان، قُم وَتَأَخر؛ ليقعد أولُوا الْعلم وَالنَّهْي بِالْقربِ مِنْهُ، فعلى هَذَا معنى قَوْله: ﴿يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات﴾ إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ يرفعهم النَّبِي ويقعدهم بِالْقربِ. يَعْنِي: أَنهم أَصَابُوا مَا أَصَابُوا من الرّفْعَة والرتبة بِالْإِيمَان وَالْعلم.
وَقَوله: ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ أَي: عليم.
389
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة﴾ سَبَب نزُول الْآيَة أَن النَّاس كَانُوا يستكثرون من السُّؤَال على النَّبِي، وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يَتَنَاجَى مَعَ رَسُول الله طَويلا، فَأَرَادَ الله أَن يُخَفف عَن نبيه، فَأنْزل هَذِه الْآيَة. وَعَن مُجَاهِد عَن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: لم يعْمل بِهَذِهِ الْآيَة غَيْرِي، كَانَ عِنْدِي دِينَار فتصدقت بِهِ، وانتجيت مَعَ الرَّسُول. وَفِي رِوَايَة: أَنه صَارف الدِّينَار بِعشْرَة دَرَاهِم، فَكَانَ كلما أَرَادَ أَن يَتَنَاجَى مَعَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تصدق بدرهم.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن الْمُنَافِقين قَالُوا: قد طَال نجوى مُحَمَّد مَعَ ابْن عَمه
389
﴿فَإِن الله غَفُور رَحِيم (١٢) أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات فَإِذا لم تَفعلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم فأقيموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَالله خَبِير بِمَا﴾ فَقَالَ النَّبِي: " مَا انتجيته أَنا وَلَكِن الله انتجاه ".
فِي بعض التفاسير: أَن هَذَا لأمر لم يبْق إِلَّا سَاعَة من النَّهَار حَتَّى نسخ.
وَفِي التَّفْسِير أَيْضا: أَن النَّبِي قَالَ لعَلي: " كم تقدر فِي الصَّدَقَة؟ فَقَالَ: شعيرَة، فَقَالَ: إِنَّك لَزَهِيد "، " وَكَانَ الرَّسُول قد قَالَ: " يتصدقون بِدِينَار. فَقَالَ عَليّ: إِنَّهُم لَا يطيقُونَهُ ".
وَذكر بَعضهم: أَن الْمُنَافِقين كَانُوا يأْتونَ النَّبِي [ويتناجون] مَعَه طَويلا تصنعا ورياء، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، فبخلوا بِأَمْوَالِهِمْ وَكفوا عَن النَّجْوَى.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ذَلِك خير لكم وأطهر﴾ أَي: أزكى.
وَقَوله: ﴿فَإِن لم تَجدوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم﴾ أَي: إِن لم تَجدوا مَا تتصدقون بِهِ فَإِن الله غفر لكم، وَرَحِمَكُمْ بِإِسْقَاط الصَّدَقَة عَنْكُم.
390
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات﴾ مَعْنَاهُ: أَأَشْفَقْتُم على أَمْوَالكُم وبخلتم بهَا؟
وَقَوله: ﴿فَإِذا لم تَفعلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم فأقيموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله﴾ نسخ ذَلِك الْأَمر بِهَذِهِ الْآيَة، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِذا لم تَفعلُوا ونسخناه مِنْكُم ﴿فأقيموا الصَّلَاة﴾ أَي: حَافظُوا عَلَيْهَا ﴿وَآتوا الزَّكَاة﴾ أَي: أدوها {وَأَطيعُوا الله
390
﴿تَعْمَلُونَ (١٣) ألم تَرَ إِلَى الَّذين توَلّوا قوما غضب الله عَلَيْهِم مَا هم مِنْكُم وَلَا مِنْهُم ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ (١٤) أعد الله لَهُم عذَابا شَدِيدا إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يعْملُونَ (١٥) اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة فصدوا عَن سَبِيل الله فَلهم عَذَاب مهين (١٦) لن﴾ وَرَسُوله) فِيمَا يأمران من الْأَمر ﴿وَالله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أَي: عليم بأعمالكم.
391
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذين توَلّوا قوما غضب الله عَلَيْهِم﴾ نزلت فِي الْمُنَافِقين كَانُوا [يتولون] الْيَهُود، وَقَالُوا لَهُم: نَحن مَعكُمْ فِي السِّرّ.
وَقَوله: ﴿مَا هم مِنْكُم وَلَا مِنْهُم﴾ أَي: الْمُنَافِقين.
وَقَوله: ﴿ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾ رُوِيَ " أَن النَّبِي دَعَا عبد الله ابْن نَبْتَل وَكَانَ أحد الْمُنَافِقين فَقَالَ لَهُ: مَالك تَشْتمنِي وتؤذيني وقومك وَأَصْحَابك، فَذهب وَجَاء بِأَصْحَابِهِ يحلفوا أَنهم لم يَقُولُوا لَهُ إِلَّا خيرا "، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾.
وَقَوله: ﴿أعد الله لَهُم عذَابا شَدِيدا إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَي: ساءت أَعْمَالهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة﴾ مَعْنَاهُ: اتَّقوا بأيمانهم كَمَا يَتَّقِي الْمُحَارب
391
﴿تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ (١٧) يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء أَلا إِنَّهُم هم الْكَاذِبُونَ (١٨) استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان فأنساهم ذكر الله أُولَئِكَ حزب الشَّيْطَان أَلا إِن حزب الشَّيْطَان هم الخاسرون (١٩) إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله﴾ بجنته، وَهِي ترسه.
وَقَوله: ﴿فصدوا عَن سَبِيل الله﴾ أَي: أَعرضُوا عَن سَبِيل الله.
وَقَوله: ﴿فَلهم عَذَاب مهين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
392
قَوْله: ﴿لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا﴾ أَي: لن تدفع عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من عَذَاب الله شَيْئا.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ أَي: دائمون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم﴾ أَي: يحلفُونَ لله كذبا كَمَا حلفوا لكم كذبا.
وَقَوله: ﴿وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء﴾ أَي: يظنون أَنهم على شَيْء.
وَقَوله: ﴿آلا إِنَّهُم هم الْكَاذِبُونَ﴾ أَي: الْكَاذِبُونَ على الله وعَلى رَسُوله.
قَوْله: ﴿استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان﴾ أَي: غلب عَلَيْهِم الشَّيْطَان. وَفِي صِفَات عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ أحوذيا نَسِيج وَحده. وَفِي رِوَايَة أحوزيا. وَمَعْنَاهُ بِالذَّالِ أَي: غَالِبا على الْأُمُور.
وَقَوله: ﴿فأنساهم ذكر الله﴾ أَي: أنساهم الشَّيْطَان ذكر الله.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ حزب الشَّيْطَان أَلا إِن حزب الشَّيْطَان هم الخاسرون﴾ أَي: خسروا رضَا الله تَعَالَى وَالْجنَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله﴾ قد بَينا.
392
﴿أُولَئِكَ فِي الأذلين (٢٠) كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي إِن الله قوي عَزِيز (٢١) لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وأيدهم بِروح مِنْهُ﴾
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ فِي الأذلين﴾ أَي: الأقلين. وكل كَافِر ذليل، وكل مُؤمن عَزِيز. وَمَعْنَاهُ: هم أقل دَرَجَة ورتبة.
393
وَقَوله: ﴿كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي﴾ أما غَلَبَة الله مَعْلُومَة؛ لِأَن كل الْأَشْيَاء على مُرَاده ومشيئته، أما غَلَبَة رسله فَهِيَ بالنصر تَارَة وبالحجة أُخْرَى.
وَقَوله: ﴿إِن الله قوي عَزِيز﴾ أَي: قوي فِي الْأُمُور، غَالب عَلَيْهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله﴾ أَي: لَا يكون من صفة الْمُؤمنِينَ أَن يوادوا من حاد الله وَرَسُوله ﴿وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم﴾ فِي نزُول الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة حِين كتب إِلَى مَكَّة يؤذنهم بغزو النَّبِي؛ وَسَتَأْتِي قصَّة ذَلِك فِي سُورَة الممتحنة. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة نزلت فِي غَيره.
وَقَوله: ﴿وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم﴾ نزل فِي أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وَكَانَ قتل أَبَاهُ الْكَافِر وَجَاء بِرَأْسِهِ إِلَى النَّبِي. وَقد قيل: إِن أَبَاهُ مَاتَ قبل أَن يسلم أَبُو عُبَيْدَة، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿أَو أَبْنَاءَهُم﴾ نزل فِي أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ أَن يخرج إِلَى ابْنه عبد الرَّحْمَن فيبارزه، فَمَنعه النَّبِي عَن ذَلِك وَقَالَ: " نبله مِنْهُ غَيْرك ".
وَقَوله: ﴿أَو إخْوَانهمْ﴾ نزل فِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قتل أَخَاهُ هِشَام بن الْعَاصِ يَوْم بدر، وَكَانَ أَخَاهُ من أمه.
وَقَوله: ﴿أَو عشيرتهم﴾ نزل فِي حَمْزَة وَعلي وَعبيدَة بن الْحَارِث رَضِي الله عَنْهُم بارزوا مَعَ عتبَة وَشَيْبَة والوليد بن عتبَة، وَقد كَانُوا عشيرتهم وقرابتهم.
393
﴿ويدخلهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ أُولَئِكَ حزب الله أَلا إِن حزب الله هم المفلحون (٢٢).﴾
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان﴾ أَي: أَدخل فِي قُلُوبهم الْإِيمَان. وَقيل: كتب أَي: جعل فِي قُلُوبهم عَلامَة تدل على إِيمَانهم.
وَقَوله: ﴿وأيدهم بِروح مِنْهُ﴾ أَي: قواهم بنصر مِنْهُ. وَقيل: بِنَظَر مِنْهُ. وَقيل: برحمة مِنْهُ.
وَقَوله: ﴿ويدخلهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ حزب الله﴾ أَي: جند الله. وَقيل: خَاصَّة الله وصفوته. وَتقول الْعَرَب: أَنا فِي حزب فلَان أَي: فِي شقّ فلَان وجانبه.
وَقَوله: ﴿أَلا إِن حزب الله هم المفلحون﴾ أَي: هم السُّعَدَاء الْبَاقُونَ فِي نعيم الْأَبَد. وَقيل: هم الَّذين نالوا رضَا الله تَعَالَى، وَالله أعلم.
394

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿سبح لله مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم (١) هُوَ الَّذِي أخرج﴾
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر
وَهِي مَدَنِيَّة
وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه سَمَّاهَا سُورَة النَّضِير، وَالله اعْلَم
395
Icon