تفسير سورة الرحمن

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الرحمن
مدنية وآياتها ٧٨ نزلت بعد الرعد

سورة الرحمن
مدنية وآياتها ٧٨ نزلت بعد الرعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الرحمن عز وجل) الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ هذا تعديد نعمة على من علمه الله القرآن، وقيل: معنى علّم القرآن جعله علامة وآية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والأول أظهر وارتفع الرحمن بالابتداء، والأفعال التي بعده أخبار متوالية، ويدل على ذلك مجيئها بدون حرف عطف خَلَقَ الْإِنْسانَ قيل:
جنس الناس وقيل: يعني آدم وقيل: يعني سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا دليل على التخصيص.
والأول أرجح عَلَّمَهُ الْبَيانَ يعني النطق والكلام الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي يجريان في الفلك بحسبان معلوم وترتيب مقدر، وفي ذلك دليل على الصانع الحكيم المريد القدير وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ النجم عند ابن عباس النبات الذي لا ساق له كالبقول، والشجر النبات الذي له ساق، وقيل: النجم جنس نجوم السماء. والسجود عبارة عن التذلل والانقياد لله تعالى: وقيل: سجود الشمس: غروبها وسجود الشجر ظله وَوَضَعَ الْمِيزانَ يعني الميزان المعروف الذي يوزن به الطعام وغيره، وكرر ذكره اهتماما به وقيل:
أراد العدل وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أي لا تنقصوا إذا وزنتم لِلْأَنامِ أي للناس وقيل:
الإنس والجن وقيل: الحيوان كله. الأكمام: يحتمل أن يكون جمع كم بالضم، وهو ما يغطي ويلف النخل من الليف، وبه شبّه كم القميص، أو يكون جمع كم بكسر الكاف وهو غلاف الثمرة الْعَصْفِ «١» ورق الزرع وقيل: التبن وَالرَّيْحانُ قيل: هو الريحان المعروف، وقيل: كل مشموم طيب الريح من النبات، وقيل: هو الرزق.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الآلاء هي: النعم. واحدها إلى على وزن معي. وقيل:
(١). قوله: والحبّ ذو العصف. قرأها ابن عامر: والحبّ ذا العصف بالنصب والباقون بالرفع. [.....]
﴿ خلق الإنسان ﴾ قيل : جنس الناس وقيل : يعني آدم وقيل : يعني سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا دليل على التخصيص، والأول أرجح.
﴿ علمه البيان ﴾ يعني : النطق والكلام.
﴿ الشمس والقمر بحسبان ﴾ أي : يجريان في الفلك بحسبان معلوم وترتيب مقدر وفي ذلك دليل على الصانع الحكيم المريد القدير.
﴿ والنجم والشجر يسجدان ﴾ النجم عند ابن عباس : النبات الذي لا ساق له كالبقول، والشجر النبات الذي له ساق وقيل : النجم جنس نجوم السماء، والسجود عبارة عن التذلل والانقياد لله تعالى وقيل : سجود الشمس غروبها وسجود الشجر ظله.
﴿ ووضع الميزان ﴾ يعني : الميزان المعروف الذي يوزن به الطعام وغيره وكرر ذكره اهتماما به وقيل : أراد العدل.
﴿ ولا تخسروا الميزان ﴾ أي : لا تنقصوا إذا وزنتم.
﴿ للأنام ﴾ أي : للناس وقيل : الإنس والجن وقيل : الحيوان كله.
﴿ الأكمام ﴾ يحتمل أن يكون جمع كم بالضم وهو ما يغطي ويلف النخل من الليف وبه شبه كم القميص أو يكون جمع كم بكسر الكاف وهو غلاف الثمرة.
﴿ العصف ﴾ ورق الزرع وقيل : التبن.
﴿ والريحان ﴾ قيل : هو الريحان المعروف وقيل : كل مشموم طيب الريح من النبات وقيل : هو الرزق.
﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾ الآلاء هي النعم واحدها إلى على وزن معي وقيل : إلى على وزن قضى وقيل : ألى على وزن أمد أو على وزن حصر والخطاب للثقلين الإنس والجن بدليل قوله :﴿ سنفرغ لكم أيه الثقلان ﴾ [ الرحمن : ٣١ ] روي : أن هذه الآية لما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت أصحابه فقال جواب الجن خير من سكوتكم إني لما قرأتها على الجن قالوا :" لا نكذب بشيء من آلاء ربنا ". وكرر هذه الآية تأكيدا ومبالغة وقيل : إن كل موضع منها يرجع إلى معنى الآية التي قبله فليس بتأكيد لأن التأكيد لا يزيد على ثلاث مرات.
ألى على وزن قضى وقيل: ألي على وزن أمد أو على وزن حصر، والخطاب للثقلين الإنس والجن بدليل قوله: سنفرغ لكم أيها الثقلان. روي أن هذه الآية لما قرأها رسول ﷺ سكت أصحابه فقال: جواب الجن خير من سكوتكم. إني لما قرأتها على الجن قالوا: لا نكذب بشيء من آلاء ربنا «١» وكرر هذه الآية تأكيدا ومبالغة وقيل: إن كل موضع منها يرجع إلى معنى الآية التي قبله فليس بتأكيد، لأن التأكيد لا يزيد على ثلاث مرات
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ الإنسان هو آدم، والصلصال الطين اليابس، فإذا طبخ فهو فخار وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ الجان الجن يعني إبليس والد الجن، والمارج اللهيب المضطرب من النار رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يريد مشرق الشمس والقمر ومغرب الشمس والقمر. وقيل: مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ذكر في الفرقان، أي يلتقى ماء هذا وماء هذا، وذلك إذ نزل المطر في البحر على القول بأن البحر العذب هو المطر، وأما على القول بأن البحر العذب هو الأنهار والعيون، فالتقاؤهما بانصباب الأنهار في البحر، وأما على قول من قال إن البحرين بحر فارس وبحر الروم، أو بحر القلزم الأحمر واليمن فضعيف لقوله في الفرقان [٥٣] هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وكل واحد من هذه أجاج، والمراد بالبحرين في هذه السورة ما أراد في الفرقان بَيْنَهُما بَرْزَخٌ أي حاجز يعني جرم الأرض، أو حاجز من قدرة الله لا يَبْغِيانِ أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالاختلاط، وقيل: لا يبغيان على الناس بالفيض.
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «٢» اللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان صغاره، وقيل:
بالعكس وقيل: إن المرجان أحجار حمر، قال ابن عطية: وهذا هو الصواب «٣» وأما قوله منهما ولا يخرج إلا من أحدهما، فقد تكلمنا عليه في فاطر.
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ يعني السفن وسماها منشآت لأن الناس ينشئونها، وقرأ حمزة وأبو بكر المنشئات بكسر الشين بمعنى أنها تنشئ السير أو تنشئ
(١). روى الطبري هذا الحديث بسنده إلى عبد الله بن عمر.
(٢). قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان. قرأ نافع وأبو عمر: يخرج بضم الياء.
(٣). اللؤلؤ هي حبوب تستخرج من أصداف بحرية مخصوصة تسمى واحدتها المحارة وهي ذات ألوان فمنها الأبيض والأسود والزهري، وأما المرجان فهو عروق تنمو على بعض الصخور في البحر كعروق النبات ثم تقطع وتصير صلبة حمراء.
﴿ وخلق الجان من مارج من نار ﴾ الجان يعني : إبليس والد الجن والمارج اللهيب المضطرب من النار.
﴿ رب المشرقين ورب المغربين ﴾ يريد مشرق الشمس والقمر ومغرب الشمس والقمر وقيل : مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما.
﴿ مرج البحرين يلتقيان ﴾ ذكر في الفرقان. أي : يلتقي ماء هذا وماء هذا وذلك إذا نزل المطر في البحر على القول بأن البحر العذب هو المطر، وأما على القول بأن البحر العذب هو الأنهار والعيون، فالتقاؤهما بانصباب الأنهار في البحر، وأما على قول من قال : إن البحرين بحر فارس وبحر الروم، أو بحر القلزم واليمن فضعيف لقوله في الفرقان :﴿ هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ﴾ [ الفرقان : ٥٣ ]، وكل واحد من هذه أجاج، والمراد بالبحرين في هذه السورة ما أراد في الفرقان.
﴿ بينهما برزخ ﴾ أي : حاجز يعني : جرم الأرض، أو حاجز من قدرة الله.
﴿ لا يبغيان ﴾ أي : لا يبغي أحدهما على الآخر بالاختلاط، وقيل : لا يبغيان على الناس بالفيض.
﴿ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ﴾ اللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان صغاره، وقيل : بالعكس وقيل : إن المرجان أحجار حمر، قال ابن عطية : وهذا هو الصواب، وأما قوله :﴿ منهما ﴾ : ولا يخرج إلا من أحدهما، فقد تكلمنا عليه في فاطر.
﴿ وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ﴾ يعني : السفن وسماها منشآت لأن الناس ينشؤونها، وقرئ بكسر الشين بمعنى أنها تنشئ السير أو تنشئ الموج، والأعلام الجبال شبه السفن بها.
الموج، والأعلام الجبال شبه السفن بها
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الضمير في عليها للأرض يدل على ذلك سياق الكلام وإن لم يتقدم لها ذكر، ويعني بمن عليها بني آدم وغيرهم من الحيوان، ولكنه غلّب العقلاء وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الوجه هنا عبارة عن الذات، وذو الجلال صفة للذات لأن من أسمائه تعالى الجليل، ومعناه يقرب من معنى العظيم، وأما وصفه بالإكرام فيحتمل أن يكون بمعنى أنه يكرم عباده كما قال في الإسراء [٧] : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ أو بمعنى أن عباده يكرمونه بتوحيده وتسبيحه وعبادته يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ المعنى أن كل من في السموات والأرض يسأل حاجته من الله، فمنهم من يسأله بلسان المقال، وهم المؤمنون، ومنهم من يسأله بلسان الحال لافتقار الجميع إليه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ المعنى أنه تعالى يتصرف في ملكوته تصرفا يظهر في كل يوم من العطاء والمنع، والإماتة والإحياء وغير ذلك، وروي أن رسول الله ﷺ قرأها فقيل له وما ذلك الشأن، قال من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين «١» وسئل بعضهم. كيف قال: كل يوم هو في شأن والقلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ فقال: هو في شأن يبديه لا في شأن يبتديه.
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ «٢» معناه الوعيد كقولك لمن تهدده: سأفرغ لعقوبتك، وليس المراد التفرغ من شغل، ويحتمل أن يريد انتهاء مدة الدنيا، وإنه حينئذ ينقضي شأنها، فلا يبقى إلا شأن الآخرة فعبّر عن ذلك بالتفرغ. قال الإمام جعفر بن محمد: سمى الإنس والجن ثقلين، كأنهما ثقلا بالذنوب إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا هذا كلام يقال للجن والإنس يوم القيامة أي: إن قدرتم على الهروب والخروج من أقطار السموات والأرض فافعلوا، وروي أنهم يفرون يومئذ لما يرون من أهوال القيامة فيجدون سبعة صفوف من الملائكة، قد أحاطت بالأرض فيرجعون، وقيل: بل خوطبوا بذلك في الدنيا والمعنى: إن استطعتم الخروج عن قهر الله وقضائه عليكم فافعلوا، وقوله: فانفذوا أمر يراد به التعجيز لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أي لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة، وليس لكم قوة
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ الشواظ لهيب النار، والنحاس الدخان وقيل: هو الصفر يذاب ويصب على رؤوسهم وقرئ شواظ بضم الشين
(١). رواه الطبري بسنده إلى عبد الله الأزدي.
(٢). قوله: سنفرغ: قرأها حمزة والكسائي: سيفرغ. والباقون بالنون: سنفرغ.
329
وابن كثير بكسرها وهما لغتان وقرئ «١» نحاس بالرفع على شواظ وبالخفض عطف على نار فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ جواب إذا قوله: فيومئذ وقال ابن عطية: جوابها محذوف فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ معنى وردة حمراء كالوردة، وقيل: هو من الفرس الورد، قال قتادة السماء اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء، والدهان جمع دهن كالزيت وشبهه شبه السماء يوم القيامة به لأنها تذاب من شدّة الهول، وقيل: يشبه لمعانها بلمعان الدهن، وقيل: إن الدهان هو الجلد الأحمر فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ السؤال المنفي هنا هو على وجه الاستخبار وطلب المغفرة إذ لا يحتاج إلى ذلك، لأن المجرمين يعرفون بسيماهم، ولأن أعمالهم معلومة عند الله مكتوبة في صحائفهم، وأما السؤال الثابت في قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: ٩٢] وغيره، فهو سؤال على وجه الحساب والتوبيخ، فلا تعارض بين المنفي والمثبت وقيل: إن ذلك باختلاف المواطن والأول أحسن.
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ يعني بعلامتهم وهي سواد الوجوه وغير ذلك، والمجرمون هنا الكفار بدليل قوله: هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ قيل معناه: يؤخذ بعض الكفار بناصيته وبعضهم بقدميه، وقيل: بل يؤخذ كل واحد بناصيته وقدميه فيطوى ويطرح في النار يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الحميم الماء السخن، والآن الشديد الحرارة، وقيل: الحاضر من قولك آن الشيء إذا حضر، والأول أظهر وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ مقام ربه القيام بين يديه للحساب، ومنه: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين: ٦]، وقيل: قيام الله بأعماله، ومنه: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: ٣٣]، وقيل: معناه لمن خاف ربه وأقحم المقام، كقولك:
خفت جانب فلان. واختلف هل الجنتان لكل خائف على انفراده؟ أو للصنف الخائف وذلك مبنى على قوله: لمن خاف مقام ربه هل يراد به واحد أو جماعة؟ وقال الزمخشري: إنما قال جنتان، لأنه خاطب الثقلين فكأنه قال جنة للإنس وجنة للجن، ذَواتا أَفْنانٍ ثنى ذات هنا على الأصل لأن أصله ذوات، قاله ابن عطية، والأفنان جمع فنن وهو الغصن، أو جمع فن
(١). قوله: من نار ونحاس فلا تنتصران. قرأها كل من ابن كثير وأبو عمرو: ونحاس وقرأ الباقون:
ونحاس.
330
﴿ كل من عليها فان ﴾ الضمير في عليها للأرض يدل على ذلك سياق الكلام وإن لم يتقدم لها ذكر ويعني ب﴿ من عليها ﴾ بني آدم وغيرهم من الحيوان، ولكنه غلب العقلاء.
﴿ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾ الوجه هنا عبارة عن الذات، و﴿ ذو الجلال ﴾ صفة الذات لأن من أسمائه تعالى الجليل ومعناه يقرب من معنى العظيم، وأما وصفه بالإكرام فيحتمل أن يكون بمعنى أنه يكرم عباده كما قال.
﴿ ولقد كرمنا بني آدم ﴾ أو بمعنى : أن عباده يكرمونه بتوحيده وتسبيحه وعبادته.
﴿ يسأله من في السماوات والأرض ﴾ المعنى : أن كل من في السماوات والأرض يسأل حاجته من الله، فمنهم من يسأله بلسان المقال، وهم المؤمنون ومنهم من يسأله بلسان الحال لافتقار الجميع إليه.
﴿ كل يوم هو في شأن ﴾ المعنى : أنه تعالى يتصرف في ملكوته تصرفا يظهر في كل يوم من العطاء والمنع، والإماتة والإحياء وغير ذلك وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قرأها فقيل له : وما ذلك الشأن، قال : من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين " وسئل بعضهم كيف قال كل يوم هو في شأن والقلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، فقال : هو في شأن يبديه لا في شأن يبتديه.
﴿ سنفرغ لكم أيه الثقلان ﴾ معناه : الوعيد كقولك لمن تهدده سأفرغ لعقوبتك وليس المراد التفرغ من شغل ويحتمل أن يريد انتهاء مدة الدنيا، وإنه حينئذ ينقضي شأنها فلا يبقى إلا شأن الآخرة فعبر عن ذلك بالتفرغ قال جعفر بن محمد : سمي بالإنس والجن ثقلين كأنهما ثقلا بالذنوب.
﴿ إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ﴾ هذا كلام يقال للجن والإنس يوم القيامة أي : إن قدرتم على الهروب والخروج من أقطار السماوات والأرض فافعلوا، وروي : أنهم يفرون يومئذ لما يرون من أهوال القيامة فيجدون سبعة صفوف من الملائكة، قد أحاطت بالأرض فيرجعون وقيل : بل خوطبوا بذلك في الدنيا والمعنى : إن استطعتم الخروج عن قهر الله وقضائه عليكم فافعلوا وقوله :﴿ فانفذوا ﴾ أمر يراد به التعجيز.
﴿ لا تنفذون إلا بسلطان ﴾ أي : لا تقدرون على النفوذ إلا بالقوة وليس لكم قوة.
﴿ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ﴾ الشواظ لهيب النار والنحاس الدخان وقيل : هو الصفر يذاب ويصب على رؤوسهم وقرئ شواظ بضم الشين وكسرها وهما لغتان وقرئ نحاس بالرفع عطف على شواظ وبالخفض عطف على نار.
﴿ فإذا انشفت السماء ﴾ جواب إذا قوله :﴿ فيومئذ ﴾ وقال ابن عطية : جوابها محذوف.
﴿ فكانت وردة كالدهان ﴾ معنى وردة : حمراء كالوردة، وقيل : هو من غرس الورد، قال قتادة السماء اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء، والدهان جمع دهن كالزيت وشبهه شبه السماء يوم القيامة به لأنها تذاب من شدة الهول، وقيل : يشبه لمعانها بلمعان الدهن، وقيل : إن الدهان هو الجلد الأحمر.
﴿ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ﴾ السؤال المنفي هنا هو على وجه الاستخبار وطلب المغفرة إذ لا يحتاج إلى ذلك لأن المجرمين يعرفون بسيماهم ولأن أعمالهم معلومة عند الله مكتوبة في صحائفهم، وأما السؤال الثابت في قوله :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ﴾ [ الحجر : ٩٢ ] وغيره، فهو سؤال على وجه الحساب والتوبيخ فلا تعارض بين المنفي والمثبت وقيل : إن ذلك باختلاف المواطن والأول أحسن.
﴿ يعرف المجرمون بسيماهم ﴾ يعني : بعلامتهم وهي سواد الوجوه وغير ذلك، والمجرمون هنا الكفار بدليل قوله :﴿ هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ﴾.
﴿ فيؤخذ بالنواصي والأقدام ﴾ قيل : معناه : يؤخذ بعض الكفار بناصيته وبعضهم بقدميه، وقيل : بل يؤخذ كل واحد بناصيته وقدميه فيطوى ويطرح في النار.
﴿ يطوفون بينها وبين حميم آن ﴾ الحميم الماء الساخن والآن الشديد الحرارة، وقيل : الحاضر من قولك : آن الشيء إذا حضر، والأول أظهر.
﴿ ولمن خاف مقام ربه جنتان ﴾ :﴿ مقام ربه ﴾ القيام بين يديه للحساب ومنه ﴿ يوم يقوم الناس لرب العالمين ﴾ [ المطففين : ٦ ]، وقيل : قيام الله بأعماله، ومنه ﴿ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ﴾ [ الرعد : ٣٣ ]، وقيل : معناه : لمن خاف ربه وأقحم المقام، كقولك خفت جانب فلان واختلف هل الجنتان لكل خائف على انفراده، أو للصنف الخائف وذلك مبني على قوله :﴿ لمن خاف مقام ربه ﴾ هل يراد به واحد أو جماعة، وقال الزمخشري : إنما قال جنتان لأنه خاطب الثقلين فكأنه قال : جنة للإنس وجنة للجن.
﴿ ذواتا أفنان ﴾ ثنى ذات هنا على الأصل لأن أصله ذوات، قاله ابن عطية، والأفنان جمع فنن وهو الغصن أو جمع فن وهو الصنف من الفواكه وغيرها.
وهو الصنف من الفواكه وغيرها
مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ أي نوعان وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الجنا هو ما يجتنى من الثمار، ودان قريب، وروي أن الإنسان يجتنى الفاكهة في الجنة على أي حال كان من قيام أو قعود أو اضطجاع لأنها تتدلى له إذا أرادها وفي قوله جنا الجنتين ضرب من ضروب التجنيس قاصِراتُ الطَّرْفِ ذكر في الصافات [٤٨] لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ المعنى أنهن أبكار، ولم يطمثهن معناه لم يفتضهن، وقيل: الطمث الجماع سواء كان لبكر أو غيرها، ونفي أن يطمثهن إنس أو جان، مبالغة وقصدا للعموم، فكأنه قال لم يطمثهن شيء، وقيل: أراد لم يطمث نساء الإنس إنس ولم يطمث نساء الجن جن، وهذا القول يفيد بأن الجن يدخلون الجنة ويتلذذون فيها بما يتلذذ البشر كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ شبه النساء بالياقوت والمرجان في الحمرة والجمال، وقد ذكرنا المرجان في أول السورة.
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ المعنى أن جزاء من أحسن بطاعة الله أن يحسن الله إليه بالجنة، ويحتمل أن يكون الإحسان هنا هو الذي سأل عنه جبريل رسول الله ﷺ فقال له: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» «١»، وذلك هو مقام المراقبة والمشاهدة، فجعل جزاء ذلك الإحسان بهاتين الجنتين، ويقوي هذا أنه جعل هاتين الجنتين الموصوفتين هنا لأهل المقام العلي، وجعل جنتين دونها لمن كان دون ذلك، فالجنتان المذكورتان أولا للسابقين، والجنتان المذكورتين ثانيا بعد ذلك لأصحاب اليمين حسبما ورد في الواقعة، وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين، أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما فقال هنا: عينان تجريان وقال في الآخرتين: عينان نضّاختان، والجري أشد من النضخ وقال هنالك: من كل فاكهة زوجان، وقال هنا فاكهة ونخل ورمان، وكذلك صفة الحور هنا أبلغ من صفتها هنالك، وكذلك صفة البسط ويفسر ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
جنتان من ذهب آنيتهما وكل ما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وكل ما فيهما «٢» مُدْهامَّتانِ أي تضربان إلى السواد من شدة الخضرةيْنانِ نَضَّاخَتانِ
أي تفوران بالماء والنضخ بالخاء المعجمة أشد من النضح بالحاء المهملة فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ خص النخل
(١). هذا جزء من حديث صحيح رواه مسلم عن عمر بن الخطاب، انظر الأربعين النووية الحديث الثاني.
(٢). الحديث رواه مسلم عن عبد الله بن قيس (أبو موسى الأشعري) كتاب الإيمان ١٦٣/ ١.
﴿ من كل فاكهة زوجان ﴾ أي : نوعان.
﴿ وجنا الجنتين دان ﴾ الجنا هو ما يجتني من الثمار ودان قريب، وروي : أن الإنسان يجتني الفاكهة في الجنة على أي حال كان من قيام أو قعود أو اضطجاع لأنها تتدلى له إذا أرادها وفي قوله :﴿ جنا الجنتين ﴾ ضرب من ضروب التجنيس.
﴿ قاصرات الطرف ﴾ ذكر في الصافات :
﴿ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ﴾، المعنى أنهن أبكار، ولم يطمثهن معناه لم يفتضهن، وقيل : الطمث الجماع سواء كان لبكر أو غيرها، ونفى أن يطمثهن إنس أو جان، مبالغة وقصدا للعموم فكأنه قال : لم يطمثهن شيء، وقيل : أراد لم يطمث نساء الإنس إنس ولم يطمث نساء الجن جن، وهذا القول بأن الجن يدخلون الجنة ويتلذذون فيها بما يتلذذ البشر.
﴿ كأنهن الياقوت والمرجان ﴾ شبه النساء بالياقوت والمرجان في الحمرة والجمال، وقد ذكرنا المرجان في أول السورة.
﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ المعنى : أن جزاء من أحسن بطاعة الله أن يحسن الله إليه بالجنة، ويحتمل أن يكون الإحسان هنا هو الذي سأل عنه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له :" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، وذلك هو مقام المراقبة والمشاهدة فجعل جزاء ذلك الإحسان بهاتين الجنتين ويقوي هذا أنه جعل هاتين الجنتين الموصوفتين هنا لأهل المقام العلي، وجعل جنتين دونها لمن كان دون ذلك، فالجنتان المذكورتان أولا للسابقين، والجنتان المذكورتان ثانيا بعد ذلك لأصحاب اليمين حسبما ورد في الواقعة، وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين، أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما فقال هنا :﴿ عينان تجريان ﴾ وقال في الآخرتين.
﴿ عينان نضاختان ﴾، والجري أشد من النضخ وقال هنالك.
﴿ من كل فاكهة زوجان ﴾، وقال هنا ﴿ فاكهة ونخل ورمان ﴾، وكذلك صفة الحور هنا أبلغ من صفتها هنالك وكذلك صفة البسط ويفسر ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" جنتان من ذهب آنيتهما وكل ما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وكل ما فيهما ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ المعنى : أن جزاء من أحسن بطاعة الله أن يحسن الله إليه بالجنة، ويحتمل أن يكون الإحسان هنا هو الذي سأل عنه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له :" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، وذلك هو مقام المراقبة والمشاهدة فجعل جزاء ذلك الإحسان بهاتين الجنتين ويقوي هذا أنه جعل هاتين الجنتين الموصوفتين هنا لأهل المقام العلي، وجعل جنتين دونها لمن كان دون ذلك، فالجنتان المذكورتان أولا للسابقين، والجنتان المذكورتان ثانيا بعد ذلك لأصحاب اليمين حسبما ورد في الواقعة، وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين، أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما فقال هنا :﴿ عينان تجريان ﴾ وقال في الآخرتين.
﴿ عينان نضاختان ﴾، والجري أشد من النضخ وقال هنالك.
﴿ من كل فاكهة زوجان ﴾، وقال هنا ﴿ فاكهة ونخل ورمان ﴾، وكذلك صفة الحور هنا أبلغ من صفتها هنالك وكذلك صفة البسط ويفسر ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" جنتان من ذهب آنيتهما وكل ما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وكل ما فيهما ".

﴿ مدهامتان ﴾ أي : تضربان إلى السواد من شدة الخضرة.
﴿ عينان نضاختان ﴾ أي : تفوران بالماء والنضخ بالخاء المعجمة أشد من النضح بالحاء المهملة.
﴿ فاكهة ونخل ورمان ﴾ خص النخل والرمان بالذكر بعد دخولهما في الفاكهة تشريفا لهما وبيانا لفضلهما على سائر الفواكه وهذا هو التجريد.
والرمان بالذكر بعد دخولهما في الفاكهة تشريفا لهما، وبيانا لفضلهما على سائر الفواكه.
وهذا هو التجريد
خَيْراتٌ حِسانٌ خيرات جمع خيرة وقال الزمخشري وغيره: أصله خيرات بالتشديد ثم خفف كميت وقرئ بالتشديد، قالت أم سلمة يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى: خَيْراتٌ حِسانٌ قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه «١» حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ الحور جمع حوراء والمقصورات المحجوبات، لأن النساء يمدحن بملازمة البيوت ويذممن بكثرة الخروج، والخيام هي البيوت التي من الخشب والحشيش ونحو ذلك، وخيام الجنة من اللؤلؤ مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ الرفرف البسط، وقيل الوسائد وقيل رياض الجنة وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ العبقري الطنافس، وقيل الزرابي [أي السجاد بلغة اليوم]، وقيل الديباج الغليظ، وهو منسوب إلى عبقري وتزعم العرب أنه بلد الجن فإذا أعجبتها شيء نسبته إليه تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذكر تبارك في الفرقان وغيرها، والاسم هنا يراد به المسمى على الأظهر. وقرأ الجمهور ذي الجلال بالياء صفة لربك، وقرأ ابن عامر بالواو صفة للاسم، وقد ذكر معنى ذي الجلال والإكرام.
(١). رواه الطبري بسنده إلى أم سلمة رضي الله عنها.
﴿ خيرات حسان ﴾ خيرات جمع خيرة وقال الزمخشري وغيره : أصله خيرات بالتشديد ثم خفف كميت وقرئ بالتشديد، قالت أم سلمة يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى :﴿ خيرات حسان ﴾ قال :" خيرات الأخلاق حسان الوجوه ".
﴿ حور مقصورات في الخيام ﴾ الحور جمع حوراء والمقصورات المحجوبات لأن النساء يمدحن بملازمة البيوت ويذممن بكثرة الخروج والخيام هي البيوت التي من الخشب والحشيش ونحو ذلك، وخيام الجنة من اللؤلؤ.
﴿ متكئين على رفرف خضر ﴾ الرفرف البسط، وقيل : الوسائد وقيل : رياض الجنة.
﴿ وعبقري حسان ﴾ العبقري الطنافس، وقيل : الزرابي، وقيل : الديباج الغليظ، وهو منسوب إلى عبقري وتزعم العرب أنه بلد الجن فإذا أعجبتها شيء نسبته إليه.
﴿ تبارك اسم ربك ﴾ ذكر تبارك في الفرقان وغيرها والاسم هنا يراد به المسمى على الأظهر، وقرأ الجمهور ذي الجلال بالياء صفة لربك، وقرأ ابن عامر بالواو صفة للاسم وقد ذكر معنى ذي الجلال والإكرام.
Icon