تفسير سورة المزّمّل

فتح القدير
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المعروف بـفتح القدير .
لمؤلفه الشوكاني . المتوفي سنة 1250 هـ
سورة المزمل
هي تسع عشرة آية، وقيل عشرون آية وهي مكية. قال الماوردي : كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر، قال : وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها ﴿ واصبر على ما يقولون ﴾ والتي تليها. وقال الثعلبي : إلا قوله :﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم ﴾ إلى آخر السورة، فإنه نزل بالمدينة. وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت ﴿ يا أيها المزمل ﴾ بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج النحاس عن ابن عباس قال : نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين ﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى ﴾. وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة، فقالوا سموا هذا الرجل اسماً تصدون الناس عنه، فقالوا كاهن، قالوا ليس بكاهن ؛ قالوا مجنون، قالوا ليس بمجنون ؛ قالوا سحار، قالوا ليس بساحر ؛ فتفرق المشركون على ذلك. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل، فقال :﴿ يا أيها المزمل ﴾ ﴿ يا أيها المدثر ﴾. قال البزار : بعد إخراجه من طريق معلى بن عبد الرحمن إن معلى قد حدّث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه، لكنه إذا تفرّد بالأحاديث لا يتابع عليها. وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال :«بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، فحزرت قيامه في كل ركعة بقدر يا أيها المزمل ».

سورة المزّمّل
هي تسع عشرة آية، وقيل عشرون آية وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرٍ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ «١» وَالَّتِي تَلِيهَا. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: إِلَّا قَوْلَهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ «٢» إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ النَّحَّاسُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ بِمَكَّةَ إِلَّا آيَتَيْنِ «٣» إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى «٤». وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَقَالُوا: سَمُّوا هَذَا الرَّجُلَ اسْمًا تَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْهُ، فَقَالُوا: كَاهِنٌ، قَالُوا: لَيْسَ بِكَاهِنٍ قَالُوا: مَجْنُونٌ، قَالُوا: لَيْسَ بِمَجْنُونٍ قَالُوا: سَاحِرٌ، قَالُوا: لَيْسَ بِسَاحِرٍ، فَتَفَرَّقَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَبَلَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابِهِ وَتَدَثَّرَ فِيهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «٥» يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ «٦» قَالَ الْبَزَّارُ: بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ مُعَلَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ مُعَلَّى قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ، لَكِنَّهُ إِذَا تَفَرَّدَ بِالْأَحَادِيثِ لَا يُتَابِعُ عَلَيْهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةَ مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَحَزَّرْتُ قِيَامَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَدْرِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ١٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)
وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤)
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨)
(١). المزمل: ١٠.
(٢). المزمل: ٢٠.
(٣). كذا في الأصل، والصواب: آية.
(٤). المزمل: ٢٠.
(٥). المزمل: ١.
(٦). المدثر: ١.
377
قوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ أَصْلُهُ الْمُتَزَمِّلُ فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الزَّايِ، وَالتَّزَمُّلُ: التَّلَفُّفُ فِي الثَّوْبِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «الْمُزَّمِّلُ» بِالْإِدْغَامِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: «الْمُتَزَمِّلُ» عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَأَنَّ ثَبِيرًا فِي أَفَانِينَ وَبْلِهِ كبير أناس في بجاد مُزَّمِّلِ
وَهَذَا الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّهُ كَانَ يَتَزَمَّلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ فِي أَوَّلِ مَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ فِرَقًا مِنْهُ حَتَّى أَنِسَ بِهِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُلْتَزِمُ لِلرِّسَالَةِ. وَبِهَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَكَانَ يَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً اسْمُ مَفْعُولٍ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ لِمَنَامِهِ، وَقِيلَ: بَلَغَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُوءُ قَوْلٍ، فَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابِهِ وَتَدَثَّرَ، فنزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ويا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْمَلِكَ وَنَظَرَ إِلَيْهِ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ، فَأَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: زَمَّلُونِي دَثِّرُونِي، وَكَانَ خِطَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْخِطَابِ فِي أَوَّلِ نُزُولِ الْوَحْيِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خُوطِبَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: قُمْ لِلصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
قُمِ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وقرأ أبو السّمّال بِضَمِّهَا اتِّبَاعًا لِضَمَّةِ الْقَافِ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّي:
الْغَرَضُ بِهَذِهِ الْحَرَكَةِ الْهَرَبُ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَبِأَيِّ حَرَكَةٍ تُحَرِّكُ فَقَدْ وَقَعَ الْغَرَضُ. وَانْتِصَابُ اللَّيْلِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قُمْ: صِلِّ، عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ وَاسْتُعِيرَ لَهُ. وَاخْتُلِفَ: هَلْ كَانَ هَذَا الْقِيَامُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فَرْضًا عَلَيْهِ أَوْ نَفْلًا؟ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ:
صَلِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ إِلَّا يَسِيرًا مِنْهُ، وَالْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ: هُوَ مَا دُونَ النِّصْفِ، وَقِيلَ: مَا دُونَ السُّدْسِ. وَقِيلَ:
مَا دُونَ الْعُشْرِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: الْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ هُنَا الثُّلْثُ، وَقَدْ أَغْنَانَا عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ قَوْلُهُ:
نِصْفَهُ إِلَخْ، وَانْتِصَابُ «نِصْفَهُ» عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: «نِصْفَهُ» بَدَلٌ مِنَ اللَّيْلِ، وَ «إِلَّا قَلِيلًا» اسْتِثْنَاءٌ مِنَ النِّصْفِ، وَالضَّمِيرُ فِي «منه» و «عليه» عَائِدٌ إِلَى النِّصْفِ. وَالْمَعْنَى: قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ قَلِيلًا إِلَى الثُّلْثَيْنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قُمْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ ثُلْثَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ «نِصْفَهُ» بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ «قَلِيلًا»، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا نِصْفَهُ، أَوْ أَقَلَّ مَنْ نِصْفِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مَنْ نِصْفِهِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: نِصْفَهُ أَيْ: أَوْ نِصْفَهُ، كَمَا يُقَالُ: أَعْطِهِ دِرْهَمًا، دِرْهَمَيْنِ، ثَلَاثَةً، يُرِيدُ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَوِ انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ قَلِيلًا إِلَى الثُّلُثِ، أَوْ زِدْ عَلَى النِّصْفِ إِلَى الثُّلُثَيْنِ، جُعِلَ لَهُ سَعَةٌ فِي مُدَّةِ قِيَامِهِ فِي اللَّيْلِ، وَخَيَّرَهُ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ لِلْقِيَامِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ يَقُومُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَوْ كَمْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ، فَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ حَتَّى خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: الضَّمِيرَانِ في «منه» و «عليه» رَاجِعَانِ لِلْأَقَلِّ مِنَ النِّصْفِ، كَأَنَّهُ قَالَ: قُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ، أَوْ قُمْ أَنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْأَقَلِّ، أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ قَلِيلًا، وَهُوَ بِعِيدٌ جِدًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ «نِصْفَهُ» بَدَلٌ مِنْ «قَلِيلًا»، وَالضَّمِيرَانِ رَاجِعَانِ إِلَى النِّصْفِ الْمُبْدَلِ مِنْ «قليلا».
378
وَاخْتُلِفَ فِي النَّاسِخِ لِهَذَا الْأَمْرِ، فَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ «١» إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ «٢» وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى «٣» وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَبِهَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ كَيْسَانَ، وَقِيلَ: هو قوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ «٤» وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا أَيِ: اقْرَأْهُ عَلَى مَهْلٍ مَعَ تَدَبُّرٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ: اقْرَأْهُ حَرْفًا حَرْفًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ أَنْ يُبَيِّنَ جَمِيعَ الْحُرُوفِ، وَيُوَفِّيَ حَقَّهَا مِنَ الْإِشْبَاعِ. وَأَصْلُ التَّرْتِيلِ: التَّنْضِيدُ وَالتَّنْسِيقُ وَحُسْنُ النِّظَامِ، وَتَأْكِيدُ الْفِعْلِ بِالْمَصْدَرِ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْتَبِسُ فِيهِ بَعْضُ الْحُرُوفِ بِبَعْضٍ، وَلَا يَنْقُصُ مِنَ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ مِنْ مخرجه المعلوم من اسْتِيفَاءِ حَرَكَتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا أَيْ: سَنُوحِي إِلَيْكَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَقِيلٌ. قَالَ قَتَادَةُ: ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ. قَالَ الْحَسَنُ: الْعَمَلُ بِهِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: ثَقِيلًا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ثَقِيلٌ على المنافقين والكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم، والبيان لضلالهم، وسبّ آلهتهم. وقال السدّي: ثقيل بمعنى: كريم، ومن قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ ثَقِيلٌ عَلَيَّ، أَيْ: يَكْرُمُ عَلَيَّ، قَالَ الْفَرَّاءُ:
ثَقِيلًا: رَزِينًا لَيْسَ بِالْخَفِيفِ السَّفْسَافِ لِأَنَّهُ كَلَامُ رَبِّنَا. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: ثَقِيلًا لَا يَحْمِلُهُ إِلَّا قَلْبٌ مُؤَيَّدٌ بِالتَّوْفِيقِ، وَنَفْسٌ مُزَيَّنَةٌ بِالتَّوْحِيدِ. وَقِيلَ: وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ ثَقِيلًا حَقِيقَةً لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا «٥» عَلَى الْأَرْضِ، فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكَ حَتَّى يُسَرِّيَ «٦» عَنْهُ إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ أَيْ: سَاعَاتُهُ وَأَوْقَاتُهُ، لِأَنَّهَا تَنْشَأُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، يُقَالُ: نَشَأَ الشَّيْءُ يَنْشَأُ إِذَا ابْتَدَأَ وَأَقْبَلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَهُوَ نَاشِئٌ، وَأَنْشَأَهُ اللَّهُ فَنَشَأَ، وَمِنْهُ نَشَأَتِ السَّحَابُ إِذَا بدأت، فناشئة فاعلة من نشأت تنشأ فهي ناشئة. قال الزجاج: ناشئة اللَّيْلِ كُلُّ مَا نَشَأَ مِنْهُ أَيْ حَدَثَ، فَهُوَ نَاشِئَةٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ النَّاشِئَةُ، فَاكْتَفَى بِالْوَصْفِ عَنِ الِاسْمِ الْمَوْصُوفِ. وَقِيلَ:
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ النَّفْسُ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْ مَضْجَعِهَا لِلْعِبَادَةِ: أَيْ تَنْهَضُ، مِنْ نَشَأَ مِنْ مَكَانِهِ: إِذَا نَهَضَ. وَقِيلَ:
النَّاشِئَةُ بِالْحَبَشِيَّةِ قِيَامُ الليل، وقيل: إنما يقال لقيام الليل ناشئة إِذَا كَانَ بَعْدَ نَوْمٍ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: إِذَا نِمْتَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْتَ فتلك المنشأة والنشأة، ومنه: ناشئة الليل. قيل: وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ هِيَ: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، لِأَنَّ مَعْنَى نَشَأَ ابْتَدَأَ، وَمِنْهُ قَوْلُ نُصَيْبٍ:
وَلَوْلَا أَنْ يُقَالَ صِبَا نُصَيْبُ لَقُلْتُ بِنَفْسِيَ النّشأ الصّغار
قَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ: بُدُوُّ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هِيَ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ بَعْدَ النَّهَارِ، وَاخْتَارَ هَذَا مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ الْقِيَامُ مِنْ آخر الليل. قال في الصحاح: ناشئة الليل أوّل
(١). المزمل: ٢٠.
(٢). المزمل: ٢٠. [.....]
(٣). المزمل: ٢٠.
(٤). المزمل: ٢٠.
(٥). «جرانها» : أي صدرها.
(٦). أي الوحي.
379
سَاعَاتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى الصُّبْحِ. هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَطْئاً بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، مَقْصُورَةٌ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو حَيْوَةَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مَمْدُودَةٌ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَالْمَعْنَى عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَاشِئَةِ اللَّيْلِ أَثْقَلُ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلنَّوْمِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمَعْنَى أَنَّهَا أَثْقَلُ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ، مِنْ قَوْلِ العرب: اشتدّت على القوم وطأة السُّلْطَانِ إِذَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطَأَتَكَ عَلَى مُضَرٍ». وَالْمَعْنَى عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا أَشَدُّ مُوَاطَأَةً، أَيْ: مُوَافَقَةً، مِنْ قَوْلِهِمْ: وَاطَأْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا مُوَاطَأَةً وَوَطَاءً إِذَا وَافَقْتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَيْ أَشَدُّ مُوَافَقَةً بَيْنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ لِانْقِطَاعِ الْأَصْوَاتِ وَالْحَرَكَاتِ فِيهَا، وَمِنْهُ: لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ «١» أَيْ: لِيُوَافِقُوا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:
أَشَدُّ قِيَامًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ أَثْبَتُ لِلْعَمَلِ، وَأَدُومُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَاللَّيْلُ وَقْتُ الْفَرَاغِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْمَعَاشِ، فَعِبَادَتُهُ تَدُومُ وَلَا تَنْقَطِعُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَشَدُّ نَشَاطًا. وَأَقْوَمُ قِيلًا أَيْ: وَأَشَدُّ مَقَالًا وَأَثْبَتُ قِرَاءَةً لِحُضُورِ الْقَلْبِ فِيهَا وَهُدُوءِ الْأَصْوَاتِ، وَأَشَدُّ اسْتِقَامَةً وَاسْتِمْرَارًا عَلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ فِيهَا هَادِئَةٌ، وَالدُّنْيَا سَاكِنَةٌ، فَلَا يَضْطَرِبُ عَلَى الْمُصَلِّي مَا يَقْرَؤُهُ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ أَصْوَبُ لِلْقِرَاءَةِ وَأَثْبَتُ لِلْقَوْلِ لِأَنَّهُ زَمَانُ التَّفَهُّمِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: أَقْوَمُ قِيلًا أَيْ: أَشَدُّ اسْتِقَامَةً لِفَرَاغِ الْبَالِ بِاللَّيْلِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ: أَبْيَنُ قَوْلًا بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ: أَتَمُّ نَشَاطًا وَإِخْلَاصًا، وَأَكْثَرَ بَرَكَةً. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَجْدَرُ أَنْ يَتَفَقَّهَ فِي الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: أَعْجَلُ إِجَابَةً لِلدُّعَاءِ. إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا قَرَأَ الْجُمْهُورُ سَبْحاً بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: تَصَرُّفًا فِي حَوَائِجِكَ وَإِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، وذهابا ومجيئا، والسبح: الجري والدوران، ومنه السابح فِي الْمَاءِ لِتَقَلُّبِهِ بِبَدَنِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَفَرَسٌ سَابِحٌ: أَيُّ: شَدِيدُ الْجَرْيِ. وَقِيلَ: السَّبْحُ:
الْفَرَاغُ، أَيْ: إِنَّ لَكَ فَرَاغًا بِالنَّهَارِ لِلْحَاجَاتِ فَصَلِّ بِاللَّيْلِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ تَصَرُّفًا وَإِقْبَالًا وَإِدْبَارًا فِي حَوَائِجِكَ وَأَشْغَالِكَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً أَيْ: نَوْمًا، وَالتَّسَبُّحُ: التَّمَدُّدُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: إِنْ فَاتَكَ فِي اللَّيْلِ شَيْءٌ فَلَكَ فِي النَّهَارِ فَرَاغٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَأَبُو وَائِلٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ سَبْخًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، قِيلَ: وَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: الْخِفَّةُ وَالسَّعَةُ وَالِاسْتِرَاحَةُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ:
يُقَالُ: سَبَّخَ اللَّهُ عَنْكَ الْحُمَّى، أَيْ: خَفَّفَهَا، وَسَبَّخَ الْحُرُّ: فَتَرَ وَخَفَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَسَبِّخْ عَلَيْكَ الْهَمَّ وَاعْلَمْ بِأَنَّهُ إِذَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ شَيْئًا فَكَائِنُ
أَيْ: خَفِّفْ عَنْكَ الْهَمَّ. وَالتَّسْبِيخُ من القطن ما يسبّخ بَعْدَ النَّدْفِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
فَأَرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التراب كما يذري سَبَائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أَوْتَارِ
قَالَ ثَعْلَبٌ: السَّبْخُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: التَّرَدُّدُ وَالِاضْطِرَابُ، وَالسَّبْخُ: السُّكُونُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: السَّبْخُ:
النَّوْمُ وَالْفَرَاغُ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ أَيِ: ادْعُهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَقِيلَ: اقْرَأْ باسم ربك في ابتداء صلاتك،
(١). التوبة: ٣٧.
380
وَقِيلَ: اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ لِتُوَفِّرَ عَلَى طَاعَتِهِ وَتَبْعُدَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: دُمْ عَلَى ذِكْرِ رَبِّكَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَاسْتَكْثِرْ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنَى صَلِّ لِرَبِّكَ. وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أَيِ: انْقَطِعْ إِلَيْهِ انْقِطَاعًا بِالِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهِ، وَالتَّبَتُّلُ: الِانْقِطَاعُ، يُقَالُ: بَتَّلْتُ الشَّيْءَ: أَيْ قَطَعْتُهُ وَمَيَّزْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَصَدَقَةٌ بَتْلَةٌ، أَيْ: مُنْقَطِعَةٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا، وَيُقَالُ لِلرَّاهِبِ: مُتَبَتِّلٌ لِانْقِطَاعِهِ عَنِ النَّاسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
تُضِيءُ الظَّلَامَ بِالْعَشَاءِ كَأَنَّهَا مَنَارَةُ مَمْسَى رَاهِبٍ «٢» مُتَبَتِّلٍ.
وَوَضَعَ تَبْتِيلًا مَكَانَ تَبَتُّلًا لِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالتَّبَتُّلُ: رَفْضُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالْتِمَاسُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَامِرٍ بِجَرِّ «رَبِّ» عَلَى النَّعْتِ «لِرَبِّكَ» أَوِ الْبَدَلِ مِنْهُ، أَوِ الْبَيَانِ لَهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِرَفْعِهِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرَهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ رَبُّ الْمَشْرِقِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِنَصْبِهِ عَلَى الْمَدْحِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مُفْرَدَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ «الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ» عَلَى الْجَمْعِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْسِيرَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ، وَالْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا أَيْ: إِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بالربوبية فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا، أَيْ: قَائِمًا بِأُمُورِكَ، وَعَوِّلْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِهَا، وَقِيلَ: كَفِيلًا بِمَا وَعَدَكَ مِنَ الْجَزَاءِ وَالنَّصْرِ وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ مِنَ الْأَذَى وَالسَّبِّ وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَلَا تَجْزَعْ مِنْ ذَلِكَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا أَيْ: لَا تَتَعَرَّضْ لَهُمْ، وَلَا تَشْتَغِلْ بِمُكَافَأَتِهِمْ، وَقِيلَ: الْهَجْرُ الْجَمِيلُ: الَّذِي لَا جَزَعَ فِيهِ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أَيْ: دَعْنِي وَإِيَّاهُمْ، وَلَا تَهْتَمَّ بِهِمْ، فَإِنِّي أَكْفِيكَ أَمْرَهُمْ، وَأَنْتَقِمُ لَكَ مِنْهُمْ. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ عَشَرَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ: هُمْ بَنُو الْمُغِيرَةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَخْبَرْتُ أَنَّهُمِ اثْنَا عَشَرَ. أُولِي النَّعْمَةِ أَيْ: أَرْبَابُ الْغِنَى وَالسَّعَةِ وَالتَّرَفُّهِ وَاللَّذَّةِ فِي الدُّنْيَا وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا أَيْ: تَمْهِيلًا قَلَيِلًا عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ زَمَانًا قَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِزَمَانٍ مَحْذُوفٍ، وَالْمَعْنَى: أَمْهِلْهُمْ إِلَى انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى نُزُولِ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا بِهِمْ كَيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَمَا بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ وَعِيدٌ لَهُمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَالْأَنْكَالُ: جَمْعُ نَكْلٍ، وَهُوَ الْقَيْدُ، كَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا، وقال الكلبي: الأنكال: والأغلال، وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
أَتَوْكَ فَقُطِّعَتْ أَنْكَالُهُمْ «٣» وَقَدْ كُنَّ قَبْلَكَ لَا تُقْطَعُ
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: هِيَ قُيُودٌ لَا تحلّ وَجَحِيماً أي: نارا مُؤَجَّجَةٌ وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ أَيْ: لَا يَسُوغُ فِي الْحَلْقِ، بَلْ يَنْشُبُ فِيهِ، فَلَا يَنْزِلُ ولا يخرج.
(١). هو امرؤ القيس.
(٢). «ممسى راهب» : أي إمساؤه.
(٣). في تفسير القرطبي (١٩/ ٤٦) : دعاك فقطّعت أنكاله.
381
قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الزَّقُّومُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ الضَّرِيعُ كَمَا قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ «١» قَالَ: وَهُوَ شَوْكُ الْعَوْسَجِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ شَوْكٌ يَأْخُذُ بِالْحَلْقِ لَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ، وَالْغُصَّةُ: الشَّجَا فِي الْحَلْقِ، وَهُوَ مَا يَنْشِبُ فِيهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَجَمْعُهَا: غُصَصٌ وَعَذاباً أَلِيماً أَيْ: وَنَوْعًا آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ انتصاب الظرف إما بذرني، أَوْ بِالِاسْتِقْرَارِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لَدَيْنَا، أَوْ هُوَ صفة لعذاب فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: عَذَابًا وَاقِعًا يَوْمَ تَرْجُفُ، أو متعلّق بأليما. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَرْجُفُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، مَأْخُوذٌ مَنْ أَرْجَفَهَا، وَالْمَعْنَى:
تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ بِمَنْ عَلَيْهَا، وَالرَّجْفَةُ: الزَّلْزَلَةُ وَالرِّعْدَةُ الشَّدِيدَةُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا أَيْ:
وَتَكُونُ الْجِبَالُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَالْكَثِيبُ: الرَّمْلُ الْمُجْتَمِعُ، وَالْمَهِيلُ: الَّذِي يَمُرُّ تَحْتَ الْأَرْجُلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَيْ رَمْلًا سَائِلًا، يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَرْسَلْتُهُ إِرْسَالًا مِنْ تُرَابٍ أَوْ طَعَامٍ: أَهَلْتُهُ هَيْلًا.
قَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: الْمَهِيلُ: الَّذِي إِذَا وَطِئْتَهُ بِالْقَدَمِ زَلَّ مِنْ تَحْتِهَا، وَإِذَا أَخَذْتَ أَسْفَلَهُ انْهَالَ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ:
عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ كَخَطِّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ «٢»
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ الْخِطَابُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ لِكُفَّارِ الْعَرَبِ، أَوْ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى: يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالِكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا يَعْنِي مُوسَى فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِ، وَكَذَّبَهُ، وَلَمْ يُؤْمَنْ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَمَحَلُّ الْكَافِ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَالْمَعْنَى: إِنَّا أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا فَعَصَيْتُمُوهُ، كَمَا أَرْسَلَنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَاهُ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا أَيْ: شَدِيدًا ثَقِيلًا غَلِيظًا، وَالْمَعْنَى: عَاقَبْنَا فِرْعَوْنَ عُقُوبَةً شَدِيدَةً غَلِيظَةً بِالْغَرَقِ وَفِيهِ تَخْوِيفٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْعُقُوبَةِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ ثَقِيلًا غَلِيظًا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَطَرِ: وَابِلٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: شَدِيدًا، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَمِنْهُ طَعَامٌ وَبِيلٌ إِذَا كَانَ لَا يُسْتَمْرَأُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
لَقَدْ أَكَلَتْ بَجِيلَةُ يَوْمَ لَاقَتْ فَوَارِسَ مَالِكٍ أَكْلًا وَبِيلَا
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ أَيْ: كَيْفَ تَقُونَ أَنْفُسَكُمْ إِنْ كَفَرْتُمْ أَيْ: إِنْ بَقِيتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ يَوْماً أَيْ: عَذَابَ يَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً لِشِدَّةِ هَوْلِهِ، أَيْ: يَصِيرُ الْوِلْدَانُ شُيُوخًا، وَالشَّيْبُ: جَمْعُ أَشْيَبَ، وَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ كَذَلِكَ، أَوْ تَمْثِيلًا لِأَنَّ مَنْ شَاهَدَ الْهَوْلَ الْعَظِيمَ تَقَاصَرَتْ قُوَاهُ، وَضَعُفَتْ أَعْضَاؤُهُ، وَصَارَ كَالشَّيْخِ فِي الضَّعْفِ وَسُقُوطِ الْقُوَّةِ، وَفِي هَذَا تَقْرِيعٌ لَهُمْ شَدِيدٌ وَتَوْبِيخٌ عَظِيمٌ. قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ كَيْفَ تَتَّقُونَ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوَلَدَانَ شِيبًا إِنْ كَفَرْتُمْ، وكذا قرأ ابن مسعود وعطية، و «يوما» مَفْعُولٌ بِهِ لِتَتَّقُونِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمِنْهُمْ مَنْ نَصَبَ الْيَوْمَ بِكَفَرْتُمْ، وَهَذَا قَبِيحٌ. وَالْوَلَدَانُ: الصبيان. ثم زاد في
(١). الغاشية: ٦.
(٢). «الوحي» :- هنا- الكتابة. «القشيب» : الجديد.
382
وَصْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالشِّدَّةِ فَقَالَ: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي: متشققة به بشدّته وَعَظِيمِ هَوْلِهِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ أُخْرَى لِيَوْمٍ، وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى فِي، أَيْ: مُنْفَطِرٌ فِيهِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: مُنْفَطِرٌ لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ مُنْفَطِرٌ وَلَمْ يَقُلْ مُنْفَطِرَةٌ لِتَنْزِيلِ السَّمَاءِ مُنْزِلَةَ شَيْءٍ لِكَوْنِهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّيْءِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: لَمْ يَقُلْ مُنْفَطِرَةٌ لِأَنَّ مَجَازَهَا «١» السَّقْفُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءَ إِلَيْهِ قَوْمًا لَحِقْنَا بِالسَّمَاءِ وَبِالسَّحَابِ
فَيَكُونُ هَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَقَالَ الْفَرَّاءُ: السَّمَاءُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هُوَ مِنْ بَابِ الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، وأَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ «٢» قَالَ أَيْضًا: أَيِ السَّمَاءُ ذَاتُ انْفِطَارٍ كَقَوْلِهِمْ: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ، أَيْ: ذَاتُ إِرْضَاعٍ عَلَى طَرِيقِ النَّسَبِ، وَانْفِطَارُهَا لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا قَالَ: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «٣» وَقَوْلُهُ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ «٤» وَقِيلَ: مُنْفَطِرٌ بِهِ، أَيْ: بِاللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا أَيْ:
وَكَانَ وَعْدُ اللَّهِ بِمَا وَعَدَ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى فَاعِلِهِ، أَوْ:
وَكَانَ وَعْدُ الْيَوْمِ مَفْعُولًا، فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ وَعْدُهُ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: ألست تقرأ هذه السورة يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «٥» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا مِنْ بَعْدِ فَرْضِهِ» وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُهَا، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا نَحْوٌ مَنْ سُنَّةً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ نَصْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَامُوا حَوْلًا حَتَّى وَرِمَتْ أقدامهم وسوقهم حتى نزلت: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ «٦» فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ نَصْرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي الْمُزَّمِّلِ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا- نِصْفَهُ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ.
كانت صَلَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ. يَقُولُ: هَذَا أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِيَامِ الليل، وذلك أن الإنسان
(١). «مجازها» : معناها.
(٢). القمر: ٢٠.
(٣). الانفطار: ١.
(٤). الشورى: ٥. [.....]
(٥). المزمل: ١.
(٦). المزمل: ٢٠.
383
إِذَا نَامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ. وَقَوْلُهُ: أَقْوَمُ قِيلًا هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَفْقَهَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا يَقُولُ: فَرَاغًا طَوِيلًا. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عنه في قوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَالَ: زَمَّلْتُ هَذَا الْأَمْرَ فَقُمْ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ أَيْضًا قَالَ: يَتَزَمَّلُ «١» بِالثِّيَابِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ أَيْضًا وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قَالَ: تَقْرَأُ آيَتَيْنِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَقْطَعُ لَا تُهْدِرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْهُ أَيْضًا وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قَالَ: بَيَّنَهُ تَبْيِّينًا. وَأَخْرَجَ الْعَسْكَرِيُّ فِي الْمَوَاعِظِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ نَصْرٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جُرَانَهَا، فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكَ حَتَّى يُسَرِّيَ عَنْهُ، وَتَلَتْ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ نَصْرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ قَالَ: قِيَامُ اللَّيْلِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، إِذَا قَامَ الرَّجُلُ قَالُوا:
نَشَأَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ ناشِئَةَ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ نَصْرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ناشِئَةَ اللَّيْلِ بِالْحَبَشَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ نَصْرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ناشِئَةَ اللَّيْلِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ نَصْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ فِي الْكُنَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا قَالَ: السَّبْحُ: الْفَرَاغُ لِلْحَاجَةِ وَالنَّوْمِ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا نَزَلَتْ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا لَمْ يَكُنْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا قَالَ: قُيُودًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: كَثِيباً مَهِيلًا قَالَ: الْمَهِيلُ الَّذِي إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ شَيْئًا تَبِعَكَ آخِرُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا كَثِيباً مَهِيلًا قَالَ: الرَّمْلُ السَّائِلُ، وَفِي قَوْلِهِ: أَخْذاً وَبِيلًا قَالَ: شَدِيدًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ: قُمْ فَابْعَثْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ، قَالَ: مِنْ كَمْ يَا رَبِّ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَيَنْجُو وَاحِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ حِينَ أَبْصَرَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ: إِنَّ بَنِي آدَمَ كَثِيرٌ، وَإِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، إِنَّهُ لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَرِثَهُ لِصُلْبِهِ أَلْفُ رَجُلٍ، فَفِيهِمْ وَفِي أَشْبَاهِهِمْ جُنَّةٌ لَكُمْ»
. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ بِأَخْصَرَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ
(١). في الدر المنثور (٨/ ٣١٢) : يتدثر.
384
ثم بعد ذلك خوطب بالنبوّة والرسالة ﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي قم للصلاة في الليل. قرأ الجمهور :﴿ قم ﴾ بكسر الميم لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو السماك بضمها اتباعاً لضمة القاف. قال عثمان بن جني : الغرض بهذه الحركة الهرب من التقاء الساكنين فبأيّ حركة تحرك فقد وقع الغرض. وانتصاب الليل على الظرفية. وقيل : إن معنى ﴿ قم ﴾ صلّ، عبر به عنه واستعير له. واختلف هل كان هذا القيام الذي أمر به فرضاً عليه أو نفلاً ؟ وسيأتي إن شاء الله ما روي في ذلك. وقوله :﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ استثناء من الليل : أي صلّ الليل كله إلاّ يسيراً منه، والقليل من الشيء هو ما دون النصف، وقيل : ما دون السدس. وقيل : ما دون العشر. وقال مقاتل والكلبي : المراد بالقليل هنا الثلث، وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله ﴿ نّصْفَهُ ﴾ الخ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

وانتصاب ﴿ نصفه ﴾ على أنه بدل من الليل. قال الزجاج : نصفه بدل من الليل، وإلاّ قليلاً استثناء من النصف، والضمير في منه وعليه عائد إلى النصف. والمعنى : قم نصف الليل، أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث، أو زد عليه قليلاً إلى الثلثين، فكأنه قال : قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه. وقيل : إن نصفه بدل من قوله ﴿ قليلاً ﴾ فيكون المعنى : قم الليل إلاّ نصفه أو أقلّ من نصفه أو أكثر من نصفه قال الأخفش : نصفه : أي أو نصفه كما يقال : أعطه درهماً درهمين ثلاثة يريد أو درهمين أو ثلاثة. قال الواحدي : قال المفسرون : أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث، أو زد على النصف إلى الثلثين، جعل له سعة في مدة قيامه في الليل وخيره في هذه الساعات للقيام، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وطائفة معه يقومون على هذه المقادير، وشقّ ذلك عليهم، فكان الرجل لا يدري كم صلّى، أو كم بقي من الليل، فكان يقوم الليل كله حتى خفف الله عنهم، وقيل : الضميران في منه وعليه راجعان للأقل من النصف، كأنه قال : قم أقل من نصفه، أو قم أنقص من ذلك الأقلّ، أو أزيد منه قليلاً، وهو بعيد جداً، والظاهر أن نصفه بدل من قليلاً، والضميران راجعان إلى النصف المبدل من ﴿ قليلاً ﴾.
واختلف في الناسخ لهذا الأمر. وقيل : هو قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] إلى آخر السورة. وقيل : هو قوله :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ وقيل : هو قوله :﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى ﴾. وقيل : هو منسوخ بالصلوات الخمس، وبهذا قال مقاتل والشافعي وابن كيسان. وقيل : هو قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ وَرَتِّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ أي اقرأه على مهل مع تدبر. قال الضحاك : اقرأه حرفاً حرفاً. قال الزجاج : هو أن يبيّن جميع الحروف، ويوفي حقها من الإشباع. وأصل الترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، وتأكيد الفعل بالمصدر يدلّ على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض، ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ أي سنوحي إليك القرآن وهو قول ثقيل. قال قتادة : ثقيل والله فرائضه وحدوده. قال مجاهد : حلاله وحرامه. قال الحسن : العمل به. قال أبو العالية : ثقيلاً بالوعد والوعيد والحلال والحرام. وقال محمد بن كعب : ثقيل على المنافقين والكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم والبيان لضلالهم، وسبّ آلهتهم. وقال السديّ : ثقيل بمعنى كريم من قولهم فلان ثقيل عليّ : أي يكرم عليّ. قال الفراء : ثقيلاً رزيناً ليس بالخفيف السفساف، لأنه كلام ربنا. وقال الحسين بن الفضل : ثقيلاً لا يحمله إلاّ قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد. وقيل : وصفه بكونه ثقيلاً حقيقة لما ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها على الأرض، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أي ساعاته وأوقاته، لأنها تنشأ أوّلاً فأوّلاً، يقال : نشأ الشيء ينشأ : إذا ابتدأ وأقبل شيئًا بعد شيء، فهو ناشئ، وأنشأه الله فنشأ، ومنه نشأت السحاب : إذا بدأت، فناشئة فاعلة من نشأ ينشأ، فهي ناشئة. قال الزجاج : ناشئة الليل كل ما نشأ منه : أي حدث، فهو ناشئة، قال الواحدي : قال المفسرون : الليل كله ناشئة، والمراد أن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف. وقيل : إن ناشئة الليل هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة : أي تنهض، من نشأ من مكانه : إذا نهض. وقيل : الناشئة بالحبشية قيام الليل، وقيل : إنما يقال لقيام الليل ناشئة : إذا كان بعد نوم. قال ابن الأعرابي : إذا نمت من أوّل الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة، ومنه ناشئة الليل. قيل : وناشئة الليل هي ما بين المغرب والعشاء، لأن معنى نشأ ابتدأ، ومنه قول نصيب :
ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشء الصغار
قال عكرمة وعطاء : إن ناشئة الليل بدوّ الليل. وقال مجاهد وغيره : هي في الليل كله، لأنه ينشأ بعد النهار، واختار هذا مالك. وقال ابن كيسان : هي القيام من آخر الليل. قال في الصحاح : ناشئة الليل أوّل ساعاته. وقال الحسن : هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح ﴿ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً ﴾ قرأ الجمهور :﴿ وَطْأً ﴾ بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة، واختار هذه القراءة أبو حاتم. وقرأ أبو العالية، وابن أبي إسحاق ومجاهد وأبو عمرو وابن عامر وحميد وابن محيصن والمغيرة وأبو حيوة بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، فالمعنى على القراءة الأولى أن الصلاة في ناشئة الليل أثقل على المصلي من صلاة النهار، لأن الليل للنوم. قال ابن قتيبة : المعنى أنها أثقل على المصلي من ساعات النهار، من قول العرب : اشتدّت على القوم وطأة السلطان : إذا ثقل عليهم ما يلزمهم منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :﴿ اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر ﴾ والمعنى على القراءة الثانية أنها أشدّ مواطأة : أي موافقة، من قولهم : واطأت فلاناً على كذا مواطأة ووطاء : إذا وافقته عليه. قال مجاهد وابن أبي مليكة : أي أشد موافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان لانقطاع الأصوات والحركات فيها، ومنه :﴿ لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله ﴾ [ التوبة : ٣٧ ] أي ليوافقوا. وقال الأخفش : أشدّ قياماً. وقال الفرّاء : أي أثبت للعمل، وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش، فعبادته تدوم ولا تنقطع. وقال الكلبي : أشدّ نشاطاً ﴿ وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ أي وأشدّ مقالاً، وأثبت قراءة لحضور القلب فيها وهدوء الأصوات، وأشدّ استقامة واستمراراً على الصواب، لأن الأصوات فيها هادئة والدنيا ساكنة، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه. قال قتادة ومجاهد : أي أصوب للقراءة وأثبت للقول، لأنه زمان التفهم. قال أبو عليّ الفارسي : أقوم قليلاً : أي أشدّ استقامة لفراغ البال بالليل. قال الكلبي : أي أبين قولاً بالقرآن. وقال عكرمة : أي أتمّ نشاطاً وإخلاصاً وأكثر بركة. وقال ابن زيد : أجدر أن يتفقه في القرآن. وقيل : أعجل إجابة للدعاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قرأ الجمهور :﴿ سبحاً ﴾ بالحاء المهملة : أي تصرفاً في حوائجك، وإقبالاً وإدباراً، وذهاباً ومجيئاً. والسبح : الجري والدوران، ومنه السباحة في الماء لتقلبه ببدنه ورجليه، وفرس سابح : أي شديد الجري. وقيل : السبح الفراغ : أي إن لك فراغاً بالنهار للحاجات، فصلّ بالليل. قال ابن قتيبة : أي تصرّفاً، وإقبالاً وإدباراً في حوائجك وأشغالك. وقال الخليل : إن لك في النهار سبحاً : أي نوماً، والتسبح التمدّد. قال الزجاج : المعنى إن فاتك في الليل شيء فلك في النهار فراغ للاستدراك. وقرأ يحيى بن يعمر وأبو وائل وابن أبي عبلة :«سبخاً » بالخاء المعجمة. قيل : ومعنى هذه القراءة : الخفة والسعة والاستراحة. قال الأصمعي : يقال : سبخ الله عنك الحمى : أي خففها، وسبخ الحرّ فتر وخفّ، ومنه قول الشاعر :
فسبخ عليك الهمّ واعلم بأنه إذا قدّر الرحمن شيئًا فكائن
أي خفف عنك الهمّ. والتسبيخ من القطن : ما ينسج بعد الندف، ومنه قول الأخطل :
فأرسلوهنّ يذرين التراب كما تذري سبائخ قطن ندف أوتار
قال ثعلب : السبخ بالخاء المعجمة التردّد والاضطراب، والسبخ السكون. وقال أبو عمرو : السبخ النوم والفراغ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ واذكر اسم رَبّكَ ﴾ أي ادعه بأسمائه الحسنى. وقيل : اقرأ باسم ربك في ابتداء صلاتك، وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتوفر على طاعته، وتبعد عن معصيته. وقيل المعنى : دم على ذكر ربك ليلاً ونهاراً، واستكثر من ذلك. وقال الكلبي : المعنى صلّ لربك ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ أي انقطع إليه انقطاعاً بالاشتغال بعبادته، والتبتل : الانقطاع، يقال : بتلت الشيء : أي قطعته وميزته من غيره، وصدقة بتلة : أي منقطعة من مال صاحبها، ويقال للراهب متبتل : لانقطاعه عن الناس، ومنه قول الشاعر :
تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل
ووضع ﴿ تبتيلاً ﴾ مكان تبتلاً لرعاية الفواصل. قال الواحدي : والتبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ رَبُّ المشرق والمغرب ﴾ قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وابن عامر بجرّ ربّ على النعت لربك أو البدل منه أو البيان له. وقرأ الباقون برفعه على أنه مبتدأ، وخبره ﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ أو على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هو ربّ المشرق. وقرأ زيد بن عليّ بنصبه على المدح. وقرأ الجمهور :﴿ المشرق والمغرب ﴾ مفردين. وقرأ ابن مسعود وابن عباس «المشارق والمغارب » على الجمع. وقد قدّمنا تفسير المشرق والمغرب، والمشرقين والمغربين، والمشارق والمغارب. ﴿ فاتخذه وَكِيلاً ﴾ أي إذا عرفت أنه المختص بالربوبية، فاتخذه وكيلاً : أي قائماً بأمورك، وعوّل عليه في جميعها. وقيل : كفيلاً بما وعدك من الجزاء والنصر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ واصبر على مَا يَقُولُونَ ﴾ من الأذى والسب والاستهزاء، ولا تجزع من ذلك ﴿ واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً ﴾ أي لا تتعرّض لهم، ولا تشتغل بمكافأتهم. وقيل : الهجر الجميل الذي لا جزع فيه. وهذا كان قبل الأمر بالقتال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ وَذَرْنِي والمكذبين ﴾ أي دعني وإياهم ولا تهتم بهم فإني أكفيك أمرهم وأنتقم لك منهم. قيل : نزلت في المطعمين يوم بدر، وهم عشرة وقد تقدّم ذكرهم. وقال يحيى بن سلام : هم بنو المغيرة. وقال سعيد بن جبير : أخبرت أنهم اثنا عشر ﴿ أُوْلِي النعمة ﴾ أي أرباب الغنى والسعة والترفه واللذة في الدنيا ﴿ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ أي تمهيلاً قليلاً على أنه نعت لمصدر محذوف، أو زماناً قليلاً على أنه صفة لزمان محذوف، والمعنى أمهلهم إلى انقضاء آجالهم. وقيل : إلى نزول عقوبة الدنيا بهم كيوم بدر، والأول أولى لقوله :﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ وما بعده، فإنه وعيد لهم بعذاب الآخرة، والأنكال جمع نكل وهو القيد، كذا قال الحسن ومجاهد وغيرهما. وقال الكلبي : الأنكال : الأغلال، والأوّل أعرف في اللغة، ومنه قول الخنساء :
أتوك فقطعت أنكالهم *** وقد كنّ قبلك لا تقطع
وقال مقاتل : هي أنواع العذاب الشديد. وقال أبو عمران الجوني : هي قيود لا تحلّ ﴿ وَجَحِيماً ﴾ أي ناراً مؤججة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ أي لا يسوغ في الحلق بل ينشب فيه، فلا ينزل ولا يخرج. قال مجاهد : هو الزقوم. وقال الزجاج : هو الضريع كما قال :﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾ [ الغاشية : ٦ ] قال : وهو شوك العوسج. قال عكرمة : هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج، والغصة : الشجا في الحلق، وهو ما ينشب فيه من عظم أو غيره، وجمعها غصص ﴿ وَعَذَاباً أَلِيماً ﴾ أي ونوعاً آخر من العذاب غير ما ذكر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال ﴾ انتصاب الظرف إما بذرني، أو بالاستقرار المتعلق به لدينا، أو هو صفة لعذاب فيتعلق بمحذوف : أي عذاباً واقعاً يوم ترجف، أو متعلق ب ﴿ أليماً ﴾. قرأ الجمهور :﴿ ترجف ﴾ بفتح التاء وضم الجيم مبنياً للفاعل، وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول. مأخوذ من أرجفها، والمعنى : تتحرك وتضطرب بمن عليها، والرجفة : الزلزلة والرعدة الشديدة ﴿ وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ أي وتكون الجبال، وإنما عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه، والكثيب الرمل المجتمع، والمهيل الذي يمرّ تحت الأرجل. قال الواحدي : أي رملاً سائلاً يقال لكل شيء أرسلته إرسالاً من تراب، أو طعام : أهلته هيلاً. قال الضحاك والكلبي : المهيل الذي إذا وطئته بالقدم زلّ من تحتها، وإذا أخذت أسفله انهال. ومنه قول حسان :
عرفت ديار زينب بالكثيب كخط الوحي في الورق القشيب
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهدا عَلَيْكُمْ ﴾ الخطاب لأهل مكة أو لكفار العرب أو لجميع الكفار. والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى : يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾ يعني : موسى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ فعصى فِرْعَوْنُ الرسول ﴾ الذي أرسلناه إليه وكذبه، ولم يؤمن بما جاء به، ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى : إنا أرسلنا إليكم رسولاً فعصيتموه كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصاه ﴿ فأخذناه أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ أي شديداً ثقيلاً غليظاً، والمعنى : عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق ؛ وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل بهوإن اختلف نوع العقوبة. قال الزجاج : أي ثقيلاً غليظاً، ومنه قيل للمطر : وابل. وقال الأخفش : شديداً، والمعنى متقارب، ومنه طعام وبيل : إذا كان لا يستمرأ، ومنه قول الخنساء :
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت فوارس مالك أكلاً وبيلا
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ ﴾ أي كيف تقون أنفسكم ﴿ إِن كَفَرْتُمْ ﴾ أي إن بقيتم على كفركم ﴿ يَوْماً ﴾ أي عذاب يوم ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ لشدّة هوله : أي يصير الولدان شيوخاً، والشيب جمع أشيب، وهذا يجوز أن يكون حقيقة، وأنهم يصيرون كذلك، أو تمثيلاً، لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه، وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوّة، وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم. قال الحسن : أي كيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم، وكذا قرأ ابن مسعود وعطية، ويوماً مفعول به لتتقون. قال ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم بكفرتم وهذا قبيح، والولدان الصبيان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدّة، فقال :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ أي متشققة به لشدّته وعظيم هوله، والجملة صفة أخرى ليوم، والباء سببية، وقيل : هي بمعنى في : أي منفطر فيه، وقيل : بمعنى اللام : أي منفطر له، وإنما قال :﴿ منفطر ﴾ ولم يقل :«منفطرة » لتنزيل السماء منزلة شيء لكونها قد تغيرت، ولم يبق منها إلاّ ما يعبر عنه بالشيء. وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يقل :«منفطرة »، لأن مجازها السقف، كما قال الشافعي :
فلو رفع السماء إليه قوماً لحقنا بالسماء وبالسحاب
فيكون هذا كما في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ]. وقال الفرّاء : السماء تذكر وتؤنث. وقال أبو عليّ الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر، و ﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾ [ القمر : ٢٠ ] قال أيضاً : أي السماء ذات انفطار، كقولهم : امرأة مرضع : أي ذات إرضاع على طريق النسب، وانفطارها لنزول الملائكة، كما قال :﴿ إِذَا السماء انفطرت ﴾ [ الانفطار : ١ ] وقوله :﴿ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ [ الشورى : ٥ ]. وقيل : منفطر به : أي بالله، والمراد : بأمره، والأوّل أولى ﴿ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴾ أي وكان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائناً لا محالة، والمصدر مضاف إلى فاعله، أو وكان وعد اليوم مفعولاً، فالمصدر مضاف إلى مفعوله. وقال مقاتل : كان وعده أن يظهر دينه على الدين كله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :«قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ ﴾ نسختها الآية التي فيها :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله :﴿ أَقْوَمُ قِيلاً ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ يقول : فراغاً طويلاً. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يأَيُّهَا المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال : يتزمل بالثياب. وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضاً :﴿ وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً ﴾ قال : بيّنه تبييناً. وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة :«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾». وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا : نشأ. وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ أوّله. وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضاً قال : الليل كله ناشئة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال :﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ﴾ قال : قيوداً. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس :﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال : شجرة الزقوم. وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ قال : الرمل السائل، وفي قوله :﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال : شديداً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ﴿ يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ قال :«ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، قال : من كم يا ربّ ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال : يعني : تشقق السماء.

ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قَالَ: مُمْتَلِئَةٌ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ:
مُثْقَلَةٌ مُوَقَّرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الآية قال: يعني تشقق السماء.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)
الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ هذِهِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ. وَالتَّذْكِرَةِ: الْمَوْعِظَةِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى جميع آيات القرآن، لا إِلَى مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَقَطْ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا أَيِ: اتَّخَذَ بِالطَّاعَةِ الَّتِي أَهَمُّ أَنْوَاعِهَا التَّوْحِيدُ إِلَى رَبِّهِ طَرِيقًا تُوَصِّلُهُ إِلَى الْجَنَّةِ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ مَعْنَى أَدْنَى: أَقَلُّ، اسْتُعِيرَ لَهُ الْأَدْنَى لِأَنَّ الْمَسَافَةَ بين الشّيئين إِذَا دَنَتْ قَلَّ مَا بَيْنَهُمَا وَنِصْفَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَدْنَى وَثُلُثَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نِصْفِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ أَقَلَّ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ نِصْفَهُ، وَيَقُومُ ثُلْثَهُ، وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بِالْجَرِّ، عَطْفًا عَلَى ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ أَقَلَّ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَأَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ، وَأَقَلَّ مِنْ ثُلْثِهِ، وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِقَوْلِهِ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَكَيْفَ يَقُومُونَ نِصْفَهُ وَثُلْثَهُ وَهُمْ لَا يُحْصُونَهُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْقِرَاءَةُ الْأَوْلَى أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، ثم فسر الْقِلَّةِ. وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي تَقُومُ، أَيْ: وَتَقُومُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مَعَكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أَيْ: يَعْلَمُ مَقَادِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى حَقَائِقِهَا، وَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ لَا يَفُوتُهُ عِلْمُ مَا تَفْعَلُونَ، أَيْ: أَنَّهُ يَعْلَمُ مَقَادِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَعْلَمُ قَدْرَ الَّذِي تَقُومُونَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أَنْ لَنْ تُطِيقُوا عِلْمَ مَقَادِيرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَفِي «أَنَّ» ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَنْ تُطِيقُوا قِيَامَ اللَّيْلِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مَا فُرِضَ كُلُّهُ قَطُّ. قَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: لَمَّا نَزَلَ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا- نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا- أَوْ زِدْ عَلَيْهِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي مَتَى نِصْفُ اللَّيْلِ مِنْ ثُلْثِهِ فَيَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ مَخَافَةَ أَنْ يُخْطِئَ، فَانْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَانْتَقَعَتْ أَلْوَانُهُمْ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَخَفَّفَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أَيْ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ لِأَنَّكُمْ إِنْ زِدْتُمْ ثَقُلَ عَلَيْكُمْ، وَاحْتَجْتُمْ إِلَى تَكَلُّفِ مَا لَيْسَ فَرْضًا، وَإِنْ نَقَصْتُمْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ أَيْ: فَعَادَ عَلَيْكُمْ بِالْعَفْوِ، وَرَخَّصَ لَكُمْ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ. وَقِيلَ: فَتَابَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرْضِ الْقِيَامِ إِذْ عَجَزْتُمْ، وَأَصْلُ التَّوْبَةِ: الرُّجُوعُ، كَمَا تَقَدَّمَ فَالْمَعْنَى: رَجَعَ بِكُمْ مِنَ التَّثْقِيلِ إِلَى التَّخْفِيفِ، وَمِنَ الْعُسْرِ إلى اليسر فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ أي: فاقرؤوا فِي الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ مَا خَفَّ عَلَيْكُمْ وَتَيَسَّرَ لكم منه
385
مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْقُبُوا وَقْتًا. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَا نَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قال السدّي: ما تيسّر منه هو مائة آية. قال الحسن: أَيْضًا مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ الْقُرْآنُ: وَقَالَ كَعْبٌ: مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وقال سعيد: خمسون آية، وقيل: معنى فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ فَصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ لَكُمْ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى قُرْآنًا كَقَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ «١» قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ، وَالنُّقْصَانُ مِنَ النِّصْفِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَرْضًا ثَابِتًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِقَوْلِهِ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «٢».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَاجِبُ طَلَبُ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَوَجَدْنَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا وَاجِبَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا الْخَمْسَ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ نَسْخٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَقِّ أُمَّتِهِ. وَقِيلَ:
نُسِخَ التَّقْدِيرُ بِمِقْدَارٍ، وَبَقِيَ أَصْلُ الْوُجُوبِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ نَسْخٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، وَبَقِيَ فَرْضًا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَوْلَى الْقَوْلُ بِنَسْخِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي حق أمته، وليس في قوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَدْ وُجِدَتْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنَ النَّوَافِلِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَدْ وُجِدَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنَ التَّطَوُّعِ. وَأَيْضًا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِقَوْلِ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَالَ: «لَا، إِلَّا أَنَّ تَطَّوَّعَ» تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ غَيْرِهَا، فَارْتَفَعَ بِهَذَا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَصَلَاتِهِ عَلَى الْأُمَّةِ، كَمَا ارْتَفَعَ وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ «٣» قال الواحدي: قال المفسرون في قوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ كَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَثَبَتَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عُذْرَهُمْ فَقَالَ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى فَلَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَيْ: يُسَافِرُونَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَالْأَرْبَاحِ يَطْلُبُونَ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ، فَلَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُجَاهِدِينَ فَلَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ. ذكر سبحانه ها هنا ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ مُقْتَضِيَةٍ لِلتَّرْخِيصِ، وَرَفَعَ وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَرَفَعَهُ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ الَّتِي تَنُوبُ بَعْضَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ قَرِيبًا، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يَعْنِي الْمَفْرُوضَةَ، وَهِيَ الخمس لوقتها وَآتُوا الزَّكاةَ يَعْنِي الْوَاجِبَةَ فِي الْأَمْوَالِ. وَقَالَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ: هِيَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ وَجَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَقِيلَ: كُلُّ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أَيْ: أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ إِنْفَاقًا حَسَنًا. وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْقَرْضُ الْحَسَنُ: النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ، وَقِيلَ: النَّفَقَةُ فِي الجهاد، وقيل: هو إخراج الزكاة
(١). الإسراء: ٧٨.
(٢). الإسراء: ٧٩.
(٣). الإسراء: ٧٩.
386
الْمُفْتَرَضَةِ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ، فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: وَآتُوا الزَّكاةَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْعُمُومَ، أَيْ: أَيُّ خَيْرٍ كَانَ مِمَّا ذُكِرَ وَمِمَّا لَمْ يُذْكَرْ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّا تُؤَخِّرُونَهُ إِلَى عِنْدِ الْمَوْتِ، أَوْ تُوصُونَ بِهِ لِيَخْرُجَ بَعْدَ مَوْتِكُمْ، وَانْتِصَابُ خَيْرًا عَلَى أَنَّهُ ثَانِي مَفْعُولَيْ تَجِدُوهُ، وَضَمِيرُ هُوَ ضَمِيرُ فَصْلٍ، وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ أَبُو السّمّال وابن السّميقع بالرفع على أن يكون هو مبتدأ، وخير خَبَرَهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا ثَانِي مَفْعُولَيْ تَجِدُوهُ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ يَرْفَعُونَ مَا بَعْدَ ضَمِيرِ الْفَصْلِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
تَحِنُّ إِلَى لَيْلَى وَأَنْتَ تَرَكْتَهَا وَكُنْتَ عَلَيْهَا بِالْمُلَاءِ أَنْتَ أَقْدَرُ
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا: وَأَعْظَمَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى خَيْرًا: وَقَرَأَ أبو السّمّال وابن السّميقع بِالرَّفْعِ، كَمَا قَرَأَ بِرَفْعِ خَيْرٍ وَانْتِصَابِ أَجْراً عَلَى التَّمْيِيزِ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ أَيِ: اطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَخْلُونَ مِنْ ذُنُوبٍ تَقْتَرِفُونَهَا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمَنِ اسْتَرْحَمَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ: مِائَةَ آيَةٍ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَحَسَّنَاهُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَوَّلِ آيَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ الله يقول: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ». وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَحْثِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ هُنَا هِيَ النَّاسِخَةُ لِوُجُوبِ قيام الليل، فارجع إليه.
387
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل ﴾ معنى ﴿ أدنى ﴾ : أقلّ. استعير له الأدنى، لأن المسافة بين السنين إذا دنت قلّ ما بينهما ﴿ وَنِصْفَهُ ﴾ معطوف على أدنى ﴿ وَثُلُثَهُ ﴾ معطوف على نصفه، والمعنى : أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقلّ من ثلثي الليل ويقوم نصفه ويقوم ثلثه، وبالنصب قرأ ابن كثير والكوفيون وقرأ الجمهور :«ونصفه وثلثه » بالجر عطفاً على ثلثي الليل، والمعنى : أن الله يعلم أن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يقوم أقلّ من ثلثي الليل وأقلّ من نصفه وأقلّ من ثلثه، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه. وقال الفرّاء : القراءة الأولى أشبه بالصواب، لأنه قال : أقلّ من ثلثي الليل، ثم فسر نفس القلة ﴿ وَطَائِفَةٌ مّنَ الذين مَعَكَ ﴾ معطوف على الضمير في تقوم : أي وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك. ﴿ والله يُقَدّرُ الليل والنهار ﴾ أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ويختص بذلك دون غيره، وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة. قال عطاء : يريد لا يفوته علم ما تفعلون. أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل ﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ أن لن تطيقوا علم مقادير الليل والنهار على الحقيقة، وفي أن ضمير شأن محذوف، وقيل المعنى : لن تطيقوا قيام الليل. قال القرطبي : والأوّل أصحّ، فإن قيام الليل ما فرض كله قط. قال مقاتل وغيره : لما نزل ﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ﴾ [ المزمل : ٤. ٣. ٢ ] شقّ ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم فرحمهم الله وخفف عنهم فقال :﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضاً، وإن نقصتم شق ذلك عليكم ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي فعاد عليكم بالعفو، ورخص لكم في ترك القيام. وقيل : فتاب عليكم من فرض القيام إذا عجزتم، وأصل التوبة الرجوع كما تقدّم ؛ فالمعنى : رجع بكم من التثقيل إلى التخفيف، ومن العسر إلى اليسر. ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان ﴾ أي فاقرءوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم وتيسّر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتاً. قال الحسن : هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء. قال السديّ : ما تيسّر منه هو مائة آية. قال الحسن : أيضاً من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن. وقال كعب : من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين. وقال سعيد : خمسون آية. وقيل : معنى ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ فصلوا ما تيسّر لكم من صلاة الليل، والصلاة تسمى قرآناً كقوله :﴿ وقرآن الفجر ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ]. قيل : إن هذه الآية نسخت قيام الليل ونصفه، والنقصان من النصف والزيادة عليه، فيحتمل أن يكون ما تضمنته هذه الآية فرضاً ثابتاً، ويحتمل أن يكون منسوخاً لقوله :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ]. قال الشافعي : الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين. فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدلّ على أن لا واجب من الصلاة إلاّ الخمس. وقد ذهب قوم إلى أن قيام الليل نسخ في حقه وفي حق أمته. وقيل : نسخ التقدير بمقدار، وبقي أصل الوجوب. وقيل : إنه نسخ في حق الأمة، وبقي فرضاً في حقه صلى الله عليه وسلم، والأولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق أمته، وليس في قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ ما يدل على بقاء شيء من الوجوب لأنه إن كان المراد به القراءة من القرآن فقد وجدت في صلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من النوافل المؤكدة، وإن كان المراد به الصلاة من الليل فقد وجدت صلاة الليل بصلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من التطوّع. وأيضاً الأحاديث الصحيحة المصرّحة بقول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل عليّ غيرها، يعني : الصلوات الخمس ؟ فقال :«لا، إلاّ أن تطوّع » تدل على عدم وجوب غيرها. فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته على الأمة كما ارتفع وجوب ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾، قال الواحدي : قال المفسرون في قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ كان هذا في صدر الإسلام، ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين، وثبت على النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك قوله :﴿ وأقيموا الصلاة ﴾. ثم ذكر سبحانه عذرهم فقال :﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى ﴾ فلا يطيقون قيام الليل ﴿ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ﴾ أي يسافرون فيها للتجارة والأرباح يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم فلا يطيقون قيام الليل ﴿ وآخرون يقاتلون في سبيل الله ﴾ يعني : المجاهدين، فلا يطيقون قيام الليل. ذكر سبحانه هاهنا ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص، ورفع وجوب قيام الليل، فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم. ثم ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ وقد سبق تفسيره قريباً، والتكرير للتأكيد ﴿ وأقيموا الصلاة ﴾ يعني : المفروضة، وهي الخمس لوقتها ﴿ وآتوا الزكاة ﴾ يعني : الواجبة في الأموال. وقال الحارث العكلي : هي صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك. وقيل : صدقة التطوّع، وقيل : كل أفعال الخير ﴿ وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾ أي أنفقوا في سبيل الخير من أموالكم إنفاقاً حسناً، وقد مضى تفسيره في سورة الحديد. قال زيد بن أسلم : القرض الحسن النفقة على الأهل. وقيل : النفقة في الجهاد، وقيل : هو إخراج الزكاة المفترضة على وجه حسن، فيكون تفسيراً لقوله ﴿ وآتوا الزكاة ﴾ والأوّل أولى لقوله :﴿ وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله ﴾ فإن ظاهره العموم : أي أيّ خير كان مما ذكر ومما لم يذكر ﴿ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ مما تؤخرونه إلى عند الموت، أو توصون به ليخرج بعد موتكم، وانتصاب ﴿ خيراً ﴾ على أنه ثاني مفعولي تجدوه، وضمير هو ضمير فصل، وبالنصب قرأ الجمهور وقرأ أبو السماك وابن السميفع بالرفع على أن يكون هو مبتدأ وخير خبره، والجملة في محل نصب على أنها ثاني مفعولي تجدوه. قال أبو زيد : وهي لغة تميم يرفعون ما بعد ضمير الفصل، وأنشد سيبويه :
تحنّ إلى ليلى وأنت تركتها وكنت عليها بالملاء أنت أقدر
وقرأ الجمهور أيضاً ﴿ وَأَعْظَمُ ﴾ بالنصب عطفاً على ﴿ خيراً ﴾، وقرأ أبو السماك وابن السميفع بالرفع، كما قرأ برفع «خير »، وانتصاب ﴿ أجراً ﴾ على التمييز ﴿ واستغفروا الله ﴾ أي اطلبوا منه المغفرة لذنوبكم فإنكم لا تخلون من ذنوب تقترفونها ﴿ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي كثير المغفرة لمن استغفره، كثير الرحمة لمن استرحمه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ قال : مائة آية. وأخرج الدراقطني والبيهقي في سننه وحسناه عن قيس بن أبي حازم قال :«صليت خلف ابن عباس، فقرأ في أوّل ركعة بالحمد لله ربّ العالمين، وأوّل آية من البقرة ثم ركع، فلما انصرفنا أقبل علينا، فقال : إن الله يقول :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ » قال ابن كثير : وهذا حديث غريب جداً لم أره إلاّ في معجم الطبراني. وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي سعيد قال :«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسّر ». وقد قدّمنا في البحث الأوّل من هذه السورة ما روي أن هذه الآيات المذكورة هنا هي الناسخة لوجوب قيام الليل، فارجع إليه.
Icon