تفسير سورة التوبة

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .
﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ﴾ السِّيَاحَةُ والسَّيْحُ: الذَّهَابُ في الأرضِ وَالسَّيْرُ فيها حَسْبَمَا يَشَاءُ الشَّخْصُ.
﴿ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ﴾ أي لَمْ يَنْقُضُوا شَيْئًا من شروطِ العَهْدِ.
﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ احْبِسُوهُمْ وَضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ وَامْنَعُوهُمْ من التَّصَرُّفِ في البلادِ.
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ المَرْصَدُ: الموضعُ الَّذِي يُرْقَبُ فيه العَدُوُّ، أي: اقْعُدُوا لهم عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ وَمَمَرٍّ يَسْلُكُونَهُ حتى تُضَيِّقُوا عليهم سُبُلَ الدّنْيَا.
﴿اسْتَجَارَكَ﴾ أَيْ: طَلَبَ جِوَارَكَ، أَيْ: حِمَايَتَكَ.
﴿لاَ يَرْقُبُوا﴾ لَا يَحْفَظُوا وَلَا يُرَاعُوا.
﴿إِلًّا﴾ الإِلُّ هَا هُنَا: القَرَابَةُ، وَالْإِلُّ: لفظٌ مشتركٌ يُطْلَقُ عَلَى العَهْدِ والحِلْفِ والجِوَارِ، وقيل الإِلّ: الله تعالى، وَاسْتَبْعَدَهُ الحُذَّاقُ.
﴿وَلاَ ذِمَّةً﴾ أي: وَلَا عَهْدًا.
﴿وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ حَيْثُ نَقَضُوا العهدَ وأعانُوا عليكم، وذلك حين أَعَانَتْ قريشٌ -وهم مُعَاهِدُونَ- بني بكرٍ حُلَفَاءَهُمْ عَلَى خُزَاعَةَ حلفاءِ رسولِ اللهِ - ﷺ -، وَقَاتَلُوا معهم كما هُوَ مذكورٌ مبسوطٌ في السِّيرَةِ.
﴿وَلِيجَةً﴾ كُلُّ شيءٍ أَدْخَلْتَهُ في شيء ليس منه فهو وَلِيجَةٌ، والرجلُ يكون في القوم وليس منهم فهو وليجةٌ فيهم، والمراد بالوليجةِ في الآية: الْبِطَانَةُ من غير المسلمين، وهي أن يَتَّخِذَ المسلمُ دَخِيلًا من المشركين وَخَلِيطًا.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي انْتَظِرُوا ما يَحِلُّ بكم من العقابِ.
﴿وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وَهُمُ الملائكةُ أَنْزَلَهُمُ اللهُ معونةً للمسلمين يومَ حُنَيْنٍ، يُثَبِّتُونَهُمْ وَيُبَشِّرُونَهُمْ بِالنَّصْرِ.
﴿نَجَسٌ﴾ أي: خُبَثَاءُ في عقائدهم وأعمالهم، وأي نَجَاسَةٍ أَبْلَغُ مِمَّنْ كان يَعْبُدُ مع الله آلهةً، لا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ولا تُغْنِي عنه شيئا؟!
﴿عَيْلَةً﴾ فَقْرٌ وَحَاجَةٌ.
﴿يُضَاهِؤُونَ﴾ يُشَابِهُونَ.
﴿النَّسِيءُ﴾ أي التأخيرُ لحرمةِ شهرٍ إلى آخَرَ، كما كان أهلُ الجاهليةِ يستعملونه من تأخيرِ حرمةِ المُحَرَّمِ إذا هَلَّ وَهُمْ في قتالٍ إلى صَفَرٍ «زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ» لِكُفْرِهِمْ بِحُكْمِ اللهِ فِيهِ.
﴿لِّيُوَاطِؤُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ﴾ أي: لِيُوَافِقُوهَا في العددِ، فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ.
﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ أي: زَيَّنَتْ لهم الشياطينُ الأعمالَ السيئةَ، فَرَأَوْهَا حسنةً، بسببِ العقيدةِ المزيَّنَةِ في قُلُوبِهِمْ.
﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ أي: تَكَاسَلْتُمْ وَمِلْتُمْ إلى الأرضِ وَالدَّعَةِ.
﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالمنْشَطِ وَالمكْرَهِ، وَالحَرِّ وَالبَرْدِ، وفي جميعِ الأحوالِ.
﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا﴾ أي: لو كان ما تَدْعُوهُمْ إليه غَنِيمَةً قريبةَ التَّنَاوُلِ.
﴿سَفَرًا قَاصِدًا﴾ القَاصِدُ والْقَصْدُ: المُعْتَدِلُ، أي: لو كان سَفَرًا سَهْلًا لا عناءَ فيه.
﴿وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾: أي: طَالَتْ عليهم المسافةُ، وَصَعُبَ عليهم السفرُ.
﴿انبِعَاثَهُمْ﴾ أي: خُرُوجَهُمْ مَعَكُمْ، والانبعاثُ: مِنْ بَعَثَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ.
﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ عَوَّقَهُمْ عن الخروجِ، والتَّثْبِيطُ: التعويقُ عن الأَمْرِ والحَبْسُ عنه، أي: صَرْفُهُمْ عن الجهاد، ولم يَبْعَثْ فيهم الهمةَ للخروجِ.
﴿خَبَالًا﴾ أي: فَسَادًا وَشَرًّا.
﴿ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ﴾ أَسْرَعُوا بَيْنَكُمْ بالنميمةِ والفسادِ والأحاديثِ الكاذبةِ، والإيضاعُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ، والخِلَالُ جَمْعُ خَلَلٍ، وَالخَلَلُ: الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشيئين.
﴿يَفْرَقُونَ﴾ يَخَافُونَ دائمًا أن يَظْهَرُوا عَلَى ما هُمْ عَلَيْهِ من النِّفَاقِ، وَالْفَرَقُ: الخوفُ الشديدُ الَّذِي يَفْرَقُ بَيْنَ القلبِ وَإِدْرَاكِهِ.
﴿مَلْجَأً﴾ الملجأُ هُوَ المكان الَّذِي يَلْجَأُ إليه الخائفُ لِيَعْتَصِمَ به كحصنٍ أو قلعةٍ أو جزيرةٍ في بَحْرٍ.
﴿مَغَارَاتٍ﴾ جَمْعُ مَغَارَةٍ وهي الغارُ أو الكهفُ المتَّسِعُ في الجبل الَّذِي يستطيعُ الإنسانُ الولوجَ فيه وَيَسْتَتِرُ بِدَاخِلِهِ.
﴿مُدَّخَلًا﴾ بالتشديد مُفْتَعَلٌ: اسْمُ مَكَانٍ للإدخالِ الَّذِي هُوَ افْتِعَالٌ من الدخولِ وهو السَّرَبُ في الأرض يدخله الإنسانُ بِمَشَقَّةٍ.
﴿لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ﴾ أي: لَرَجَعُوا عَنْكُمْ وَدَخَلُوا إلى أَحَدِ الأشياءِ المذكورةِ في الآيةِ.
﴿يَجْمَحُونَ﴾ يُسْرِعُونَ الخُطَا لشدةِ خَوْفِهِمْ، وعظيمِ بغضِهم للإسلامِ وأهلِه، والجُمُوحُ: السرعةُ التي لا يَرُدُّهَا شيءٌ، أي: إن هذه الأماكنَ التي ذَكَرَهَا القرآنُ هي شَرُّ الأماكنِ وَأَضْيَقُهَا، ومع هذا لو وَجَدَ المنافقون وَاحِدًا منها لَأَسْرَعُوا إليه وَاخْتَفُوا فيه، وهذا تصويرٌ في منتهى الروعةِ لتوضيحِ مَدَى حَنَقِهِمْ عَلَى المسلمين، وَخَوْفِهِمْ مِنْهُمْ.
﴿إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ﴾ أي: مُتَضَرِّعُونَ في جَلْبِ مَنَافِعِنَا، وَدَفْعِ مَضَارِّنَا.
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ أي: الزكواتُ الواجبةُ.
﴿لِلْفُقَرَاء وَالمَسَاكِينِ﴾ الفقراءُ والمساكينُ، وهم في هذا الموضع صنفانِ مُتَفَاوِتَانِ: فالفقيرُ أَشَدُّ حاجةً من المسكينِ؛ لأن اللهَ بَدَأَ بهم، ولا يَبْدَأ إلا بالأهم فألاهم، فَفَسَّرَ الفقيرَ بأنه الَّذِي لا يجد شيئًا، أو يجدُ بعضَ كفايته دونَ نِصْفِهَا. والمسكينُ: هُوَ الَّذِي يجد نصفَها فأكثرَ، ولا يجدُ تَمَامَ كفايتِه؛ لأنه لو وُجِدَ لكان غَنِيًّا، فَيَعْطونَ من الزكاة ما يزولُ به فقرُهم وَمَسْكَنَتُهُمْ.
﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ وَهُمْ كُلُّ مَنْ لَهُ عَمَلٌ وَشُغْلٌ فِيهَا، مِنْ حَافِظٍ لها وَجَابٍ لها من أهلها ونحوِه فَيُعْطَوْنَ لأجلِ عمَالَتِهِمْ، وهي أجرةٌ لأعمالهم فيها.
﴿وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ وهو السَّيِّدُ المطاعُ في قومه، ممن يُرْجَى إسلامُه، أو يُخْشَى شَرُّهُ أو يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قوةُ إيمانه، أو إسلامُ نَظِيرِهِ، أو جِبَايتُهَا ممن لا يُعْطِيهَا فَيُعْطَى مَا يَحْصُلُ به التألّفُ وَالمَصْلَحَةُ.
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ وهم المكاتَبُون الّذِينَ قد اشْتَرَوْا أنفسَهم من سَادَاتِهِمْ، فهم يَسْعَوْنَ في تحصيلِ ما يَفُكّ رِقَابَهُمْ، فَيُعَانُونَ عَلَى ذلك من الزكاةِ، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ المُسْلِمَةِ التي في حَبْسِ الكفارِ دَاخِل في هذا بَلْ أَوْلَى.
﴿وَالْغَارِمِينَ﴾ وهم قِسْمَانِ: أَحُدُهَمَا الغارمونَ لإصلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ، وهو أن يكونَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ من الناس شَرٌّ وَفِتْنَةٌ فَيَتَوَّسَطُ الرجلُ للإصلاحِ بينهم بما يبذلُه لأحدهم، أو لهم كُلِّهِمْ، فَيُجْعَلُ له نصيبٌ من الزكاةِ ليكونَ أَنْشَطَ له وَأَقْوَى لِعَزْمِهِ فَيُعْطَى ولو كان غَنِيًّا. والثاني: مَنْ غَرِمَ لنفسه ثُمَّ أعْسِرَ فإنه يُعْطَى ما يُوفِّي به دَيْنَهُ.
﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾ أي الغَازِي في سبيل الله، وهم الغزاةُ المُتَطَوِّعَةُ الَّذِينَ لا دِيوَانَ لهم. فَيُعْطَوْنَ من الزكاة ما يُعِينُهُمْ عَلَى غَزْوِهِمْ، مِنْ ثَمَنِ السِّلَاحِ أَوْ دَابَّةٍ أو نفقةٍ له ولعيالِه.
قال كَثِيرٌ من الفقهاء: إِنْ تَفَرَّغَ القادرُ عَلَى الكسبِ لطلبِ العلمِ أُعْطِيَ من الزكاة؛ لأن الْعِلْمَ داخلٌ في الجهاد في سبيل الله.
﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ وهو الغريبُ المنقطعُ به في غيرِ بَلَدِهِ. فَيُعْطَى من الزكاةِ ما يُوصِلُهُ إلى بَلَدِهِ.
﴿الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ بالأقوالِ الرديئةِ والعيبِ له وَلِدِينِهِ.
﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ أي: وَخُضْتُمْ بالباطلِ والزورِ، وَجَادَلْتُمْ بالباطلِ لِتَدْحَضُوا بِهِ الحَقَّ.
﴿وَالمُؤْتَفِكَاتِ﴾ مَدَائِنُ قَوْمِ لُوطٍ، ائْتُفِكَتْ بهم: أي انْقَلَبَتْ.
﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ وَذَلِكَ حينَ هَمُّوا بالفتكِ برسولِ اللهِ - ﷺ - في غزوةِ تبوكَ، فَقَصَّ اللهُ عَلَيْهِ نَبَأَهُمْ، فَأَمَرَ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَنْ قَصْدِهِمْ.
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ أي: يَعِيبُونَ وَيَطْعَنُونَ.
﴿المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ فيقولون: مُرَاءُونَ، قَصْدُهُمُ الفَخْرُ وَالرِّيَاءُ.
﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ المقعدُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أي: بِقُعُودِهِمْ، أي: فَرِحُوا بِقُعُودِهِمْ لِأَجَلٍ.
﴿خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ﴾ لُغَةٌ في خَلْف، يقال: جلستُ خِلَافَ فُلَانٍ وَخَلْفَهُ أي: بَعْدَهُ، وَمِنْ نُكَتِ اختيارِ لَفْظِ خِلَاف دُونَ خَلْف أنه يُشِيرُ إلى أن قعودَهم كان مُخَالَفَةً لإرادةِ رسولِ اللهِ حين اسْتَنْفَرَ الناسَ كُلّهُمْ لِلْغَزْوِ.
﴿مَعَ الخَالِفِينَ﴾ أي: المُتَخَلِّفِينَ عَنْ تَبُوكَ من النساءِ والأطفالِ وأصحابِ الأعذارِ.
﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ﴾ مِنَ المُنَافِقِينَ.
﴿وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾ بَعْدَ الدَّفْنِ لِتَدْعُوَ له، فَإِنَّ صلاتَه - ﷺ - ووقوفَه عَلَى قبورِهم شفاعةٌ مِنْهُ لَهُمْ، ولا تنفعُ فيهم الشفاعةُ.
﴿أُوْلُوا الطَّوْلِ﴾ الطَّوْلُ بالفتحِ: السَّعَةُ فِي المَالِ.
﴿المُعَذِّرُونَ﴾ المُعْتَذِرُونَ بمعنى المَعْذُورِينَ أي أصحابُ الأعذارِ الصادقةِ.
﴿مَغْرَمًا﴾ المَغْرَمُ: التزامُ مَا لم يَلْزَمُ، والمعنى: وَمِنَ الأَعْرَابِ -وَهُمُ المنافقونَ مِنْهُمْ- مَنْ يَعْتَبِرُ ما يتصدقُ به غَرَامَةً وخسرانًا؛ لأنه لا يَرْجُو عَلَى إِنْفَاقِهِ أَجْرًا وَلَا ثَوَابًا، وإنما يُنْفِقُهُ خَوْفًا وَرِيَاءً.
﴿الدَّوَائِرَ﴾ دَوَائِرُ الزَّمَانِ: صُرُوفُهُ التي تأتي مرةً بخير ومرةً بِشَرٍّ، يعني: ما أَحَاطَ بالإنسان مِنْهُ.
﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ﴾ هم الَّذِينَ سبقوا هذه الأمةَ، وَبَدَرُوهَا للإيمانِ والهجرةِ والجهادِ، وإقامةِ دينِ اللهِ.
﴿مَرَدُوا﴾ استمروا عَلَيْهِ ولم يتوبوا.
﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أي ادْعُ لهم، أي للمؤمنين عمومًا وخصوصًا، عندما يدفعون إليك زكاةَ أموالهم.
﴿إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ أي: طُمَأْنِينَةٌ لقلوبهم، واستبشارٌ لهم.
﴿يَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ أي: يَقْبَلُهَا، ويأخذُها بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لأحدهم كما يُرَبِّي الرجلُ فُلُوَّهُ، حتى تكون التمرةُ الواحدةُ كالجبلِ العظيمِ، فكيف بما هُوَ أكبرُ وأكثرُ من ذلك.
﴿إِرْصَادًا﴾ أي: بَنَوْهُ تَرَقُّبًا وانتظارًا لمَنْ حَارَبَ اللهَ ورسولَه.
﴿شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ عَلَى طَرَفِ جانبِ وَادٍ مُشْرِفٍ عَلَى السقوطِ، والشَّفَا: طرفُ الشيءِ وَحَرْفُهُ، والجرفُ: جانبُ الوادي قَدْ جَرَفَهُ السيلُ فَصَارَ مائلا إلى السقوطِ، والهَارِي: المتصدعُ الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى السقوطِ، فهو من هَارَ يَهُورُ فهو هَائِرٌ إذا صَارَ وَاهِيًا، وقيل من هَارَ يَهَارُ: إذا تَهَدَّمَ وَسَقَطَ.
﴿إِلَّا أَن تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ بأن يَنْدَمُوا غايةَ النَّدَمِ، ويتوبوا إلى ربهم، ويخافوه غايةَ الخوفِ؛ فبذلك يَعْفُو اللهُ عَنْهُمْ.
﴿السَّائِحُونَ﴾ جَمْعُ سَائِحٍ، والسياحةُ: استمرارُ الذَّهَابِ في الأرضِ، أي: السائرون في الأرضِ لِلتَّذَكُّرِ والاعتبارِ، أو لطلبِ الْعِلْمِ والجهادِ، وقيل: السائحون الصائمون المُمْسِكُونَ عن المُفْطِرَاتِ وَالشَّهَوَاتِ.
﴿أوَّاهٌ﴾ كثيرُ التَّأَوُّهِ والخوفِ، وقيل: كثيرُ الخشوعِ والتضرعِ.
﴿بِمَا رَحُبَتْ﴾ أي: بِرَحْبَتِهَا وَسَعَتِهَا، وَتَقَلَّصَتْ حتى لم تَعُدْ تَسَعُهُمْ عَلَى طُولِهَا وَعَرْضِهَا.
﴿ظَمَأٌ﴾ شِدَّةُ الْعَطَشِ.
﴿نَصَبٌ﴾ الإِعْيَاءُ والتَّعَبُ.
﴿مَخْمَصَةٌ﴾ الجوعُ الشديدُ.
﴿نَّيْلًا﴾ مَصْدَرٌ، يقال: نَالَ مِنْهُ إذا أَصَابَهُ إما بالأَسْرِ أو القتلِ أو الهزيمةِ.
﴿يُفْتَنُونَ﴾ أي: يُبْتَلَوْنَ وَيُخْتَبَرُونَ في كل عامٍ مرةً أو مرتين، وذلك إما بِكَشْفِ أَسْتَارِهِمْ، أو نَصْرِ المؤمنين بِدُونِهِمْ، أو بالغزوِ والجهادِ، أو بالشدةِ والبلاءِ.
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ شديدٌ عَلَيْهِ عَنَتُكُمْ وَمَشَقّتُكُمْ ووقوعُ المكروهِ بكم، والعنتُ: المَشَقّةُ ولقاءُ المكروهِ.
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ أي: يُحِبُّ لكم الخيرَ، ويسعى جُهْدَهُ في إيصاله إليكم، وَيَحْرِصُ عَلَى هِدَايَتِكُمْ إلى الإيمانِ، وَيَكْرَهُ لَكُمُ الشَّرَّ، ويسعى جُهْدَهُ في تنفيركم عنه.
128
سُورة يُونُسَ
Icon