ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام (٢)، والسورة نازلة بها.(٢) وممن حكى الإجماع على أن المراد بالبلد هي مكة: ابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٣، والفخر في: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٠، والقرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٠، والخازن في: "لباب التأويل" ٤/ ٣٧٩، والشوكاني في: "فتح القدير" ٥/ ٤٤٢. ولم يذكر الطبري في الآية اختلافًا. "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٣. والمفسرون على أنه قسم بالبلد الحرام، قال بذلك: قتادة، وابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وابن زيد، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وعطية. "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٣، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٨. وانظر أيضًا: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٧، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٧٩، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٦. وهناك من شذ فقال: إنها مدنية، وهو قول الواسطي، قال القرطبي: والأول أصح؛ لأن السورة نزلت بمكة باتفاق. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٠، وقال الشوكاني: وهو مع كونه خلاف إجماع المفسرين، هو أيضًا مدفوع بكون =
قال أبو إسحاق: يقال رَجُلّ حِلّ وحَلاَل مُحِلُّ، وكذلك رجل حِرْمٌ، وحَرام ومُحْرِمّ (٢).
وقال (٣) مجاهد: أحلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصنع فيها ما يشاء (٤).
وقال قتادة: أنت به حل لست بآثم (٥) (٦).
قال مقاتل: وأنت حل أن تقتل بمكة من شئت من الكفار (٧).
قال المفسرون: أحل لنبيه ﷺ (٨) مكة يوم الفتح حتى
(١) "تهذيب اللغة" ٣/ ٤٣٧ (حلل).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٧.
(٣) في (أ): (قال).
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٤، وورد بمعناه في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٤٣.
(٥) بياض في (ع).
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٣، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥،"التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٠، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٩٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٦، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٨، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٣.
(٧) بمعناه في "تفسيره" ٢٤٠ أقال: "لا أقسم بهذا البلد"، يعني مكة، "وأنت حل بهذا البلد"، يعني ما أحلها لأحد قبلك ولا بعدك، وإنما أحللتها لك ساعة في النهار.
(٨) في (أ): (عليه السلام).
وهذا قول ابن عباس (٢)، وعطاء (٣)، (والكلبي (٤)، وابن زيد (٥)، والضحاك (٦)) (٧).
والمعنى: إن الله تعالى لما ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها مع كونها حرامًا، فوعد نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٤، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٤، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٣، "زاد المسير" ٨/ ٢٥٠، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٠، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٤، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٦، وعزاه إلى ابن مردويه، وابن أبي حاتم.
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥، "بحر العلوم" ٣/ ٤٧٩، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٨، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥، "الجامع لأحكام القرآن" ٣٠/ ٦١، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٦، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٨.
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٦.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
وهذا اعتراض بين القسم وما نسق عليه، وهو قوله (تعالى) (٣):
٣ - ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ (هذا الذي ذكرنا قول عامة أهل التفسير) (٤).
قال الحسن: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ أي أنت مقيم فيه (٥)، وهو محلك، ومعناه التنبيه على شرفه، بشرف من حل فيه من الرسول الداعي إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له؛ المبشر بالثواب، والمنذر بالعقاب.
وذكر المبرد هذا القول، فقال: ويقال: حِل: تأويله حَال؛ أي سَاكن (٦).
وذكر قولًا آخر: وهو أن المعنى أن الكفار من أهل مكة يحرمون أن يقتلوا بها صيدًا، أو (٧) يعضدوا بها شجرة، ويستحلون إخراجك وقتلك.
وهذا يروى عن شُرَحْبيل بن سعد (٨).
(٢) من قوله: (فوعد نبيه..) إلى: (بها حلًا) عزاه ابن الجوزي إلى المفسرين في: "زاد المسير" ٨/ ٢٥٠ - ٢٥١، وانظر: "فتح القدير" ٥/ ٤٤٣.
(٣) ساقط من: (ع).
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦١، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٧٩.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) في (أ): (و).
(٨) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٣، "الكشاف" ٥/ ٢١٢، و"التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٠، =
(١) "تفسير الإمام مجاهد" ص ٧٢٩ بنحوه، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٥، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٣، "زاد المسير" ٨/ ٢٥١ حاشية، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦١، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٩ وعزاه إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٣ وجميعها بلفظ: آدم وولده.
وأخرجه البخاري معلقًا عليه في كتاب التفسير: سورة البلد: ٦/ ٨٣.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٠ أ.
(٣) ساقط من: (أ).
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٣، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٥، "زاد المسير" ٨/ ٢٥١ حاشية "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦١، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٣، وجميعها بعبارة: آدم وولده.
(٥) المراجع السابقة عدا "تفسير عبد الرزاق".
قال ابن كثير: والذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي؛ لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى، وهي أم المساكن، أقسم بعده بالساكن، وهو آدم أبو البشر وولده.
"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "المستدرك" ٢/ ٥٢٣، وصححه الحاكم عن ابن عباس.
قال الفراء: وصلحت "ما" للناس، كقوله: ﴿مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٣]، ومثله كثير (٣)، قال: ويجوز أن يجعل "مَا" مع الذي بعدها في معنى مصدر، كأنه قيل: ووالد وولادته، كقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس: ٥] (٤).
وروى عكرمة عن ابن عباس: الوالد: الذي يلد، "وما ولد": العاقر الذي لا يلد (٥).
وعلى هذا "ما" تكون نفيًا؛ كأنه قيل: ووالد غير والد، ولا يصح هذا القول إلا بإضمار الموصول، كأنه قيل: ووالد والذي ما ولد، وذلك لا يجوز عند البصريين (٦) (٧).
(٢) ما بين القوسين ذكر بدلًا من تعدادهم لفظ: وغيرهم في نسخة (أ).
(٣) نحو ما جاء في سورة الليل (٣) وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣)﴾، وما جاء في سورة النساء: ٢٢ وهو قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٣ - ٢٦٤ بتصرف.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٥، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٥، وبمعناه في:"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، و"غرائب التفسير" ٢/ ١٣٤٢، وقد عده الكرماني من العجيب في التأويل.
(٦) انظر: "الدر المصون" ٣٠/ ٥٢٤، "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٩٥ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٤٣، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٧٥.
(٧) البصريون: هم أصحاب المدرسة النحوية بالبصرة، الذين نشأ النحو على أيديهم وتطور، وضعوا قواعدهم على الأعم الأغلب مما نقل عن العرب، من ذلك: التشدد في السماع، فلا يأخذون إلا من ثقات العربية، ولا يعتمدون الشاهد =
وروي عن أبي عمران الجَوْنِيّ أنه قال: يعني إبراهيم (٢) وولده (٣).
قال مقاتل: أقسم الله تعالى بمكة، وبآدم وذريته (٤). فقال:
٤ - (قوله تعالى) (٥): ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ قال ابن عباس في رواية مِقْسَم: قائمًا على قدميه منتصبًا (٦).
وهو قول أبي صالح (٧)، وإبراهيم (٨)،
ومن علماء المذهب البصري: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، وسيبويه، وقطرب، والأخفش الأوسط، والمازني، والمبرد، وغيرهم.
انظر: "المدارس النحوية" لشوقي ضيف ص ١١ وما بعدها، و"معجم المصطلحات النحوية والصرفية" لمحمود اللبدي ص٢١، ٨٧.
(١) "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، وهو اختيار الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٦.
(٢) (إبرهم) في كلا النسختين.
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٦، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٥، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٣، "زاد المسير" ٨/ ٢٥١، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦١، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٩، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ساقط من: (ع).
(٦) ورد معنى قوله من غير ذكر طريق مقسم في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٠، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٧٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٥١٩، وعزاه إلى الطبراني.
(٧) ورد معنى قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٧، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٧٥.
(٨) ورد معنى قوله في "تفسير الإمام مجاهد" ٧٢٩، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٧، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ أ.
قال المُنذري: سمعت أبا طالب يقول: الكبد: الاستواء والاستقامة (٩) (١٠).
(٢) لعله يريد به: عبد الله بن شَدّاد المديني، أبو الحسن الأعرج، كان من تجار واسط، صدوق، روى له الجماعة. انظر: "تهذيب الكمال" ١٥/ ٨٥ ت: ٣٣٣١.
(٣) ورد قوله في "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ أ، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٥.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ورد معنى قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٧، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩١ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢.
(٦) وردت روايته ولكن عن طريق مقسم عنه في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٧٩، " الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٢٠.
ومن غير ذكر طريق عطاء في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٥، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٣.
(٧) ما بين القوسين ذكر بدلًا منه في (أ) بلفظ: (وغيرها).
(٨) في (أ): (منتصبًا) من غير واو.
(٩) في (أ): (الإقامة).
(١٠) "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٢٧ (كبد)، وانظر: "لسان العرب" ٣/ ٣٧٦.
قال الحسن: لم يخلق الله خلقًا يكابد ما يكابد ابن آدم (٦).
قال أخوه سعيد (٧): يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة (٨).
(٢) ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٦، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، "زاد المسير" ٨/ ٢٥١، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٧٩، "صحيفة علي بن أبي طلحة" ص ٥٣٣.
(٣) "تفسير الإمام مجاهد" ص ٧٢٩، "زاد المسير" ٨/ ٢٥١، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٩، وعزاه إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) المراجع السابقة عدا تفسير مجاهد، وانظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، وعزاه صاحب الدر إلى سعيد بن منصور، وعبد ابن حميد.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٦، "زاد المسير" ٨/ ٢٥١، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٢٠.
(٦) ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٧، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٨٠، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٥٠، وعزاه إلى ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٤٣، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٢٠.
(٧) سعيد بن أبي الحسن، واسمه يَسار الأنصاري؛ مولاهم، البصري، أخو الحسن البصري، روى عن ابن عباس، وعنه أخوه الحسن البصري، ثقة، مات قبل الحسن سنة ١٠٠ هـ، روى له الجماعة.
انظر: "تاريخ الثقات" ١٨٢ ت ٥٣٦، و"التاريخ الكبير" ٣/ ٤٦٢ ت ١٥٣٨، و"الكاشف" ١/ ٢٨٣ ت ١٨٨٥.
(٨) "الوسيط" ٤/ ٤٨٩، وقد وردت الرواية من طريقه عن أخيه الحسن البصري في "بحر العلوم" ٣/ ٤٧٩، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٦، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، "القرطبي" ٢٠/ ٦٢، "ابن كثير" ٤/ ٥٤٧.
وروى عن ابن جُرَيْج، عن (عطاء، عن (٢) ابن عباس قال: يعني حمله، وولادته، ورضاعه، وفصاله، ونبت أسنانه، وختانه، ومعاشه، وموته، كل ذلك بشدة (٣).
ونحو هذا روى (القاسم (٤) بن أبي بزة (٥) (٦)، عن مجاهد قال: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: ١٥]، ومعيشته في شدة، فهو يكابد ذلك (٧).
وذكر الكلبي (٨)، والفراء (٩): القولين جميعًا.
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) ورد بمعناه في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٧، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٨٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٥ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٥١٩، وعزاه إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٢٣، كتاب التفسير: تفسير سورة البلد، وصححه، ووافقه الذهبي.
(٤) في (ع): (القسم).
(٥) (بزة) غير واضحة في: (ع).
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧ من غير ذكر طريق القاسم من أبي بزة، وبمثله ورد عن ابن جريج. "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٦.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٤.
وقال أهل المعاني: الكبد شدة الأمر، ومنه تكبد اللبن إذا غلظ واشتد، ومنه الكبد: كأنه دم (٤) يغلظ ويشتد، فالإنسان مخلوق في شدة مكونة (٥) في رحمه، ثم في القماط، والرباط، ثم على خطر (عظيم) (٦) عند بلوغه حال التكليف، ومكابدة المعيشة، والأمر والنهي، فينبغي [له] (٧) أن يعلم أن الدنيا دار مشقة وكد، وأن الجنة هي دار الراحة والنعمة (٨).
ومن المفسرين من يذهب (٩) بالكبد إلى شدة الخلق، والقوة، وهو قول الكلبي، قال: نزلت في رجل من بني جمح (١٠)، كان يكنى أبا الأشدين، وكان يجعل تحت قدميه الأديم (العكاظي) (١١)، ثم يأمر العشرة
(٢) ومن قوله: (الرجل يكابد...) إلى: (وصعوبته) من قول الليث. المرجعان السابقان.
(٣) ما بين القوسين نقله من التهذيب. المرجع السابق.
(٤) في (أ): (ولم).
(٥) في (أ): (ركمه).
(٦) ساقط من: (أ).
(٧) ساقط من: (أ).
(٨) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(٩) في (أ): (ذهب).
(١٠) بنو جمح: بطن بني هصيص من قريش من العدنانية، النسبة إليهم جمحي، "نهاية الأرب" للقلقشندي ص ٢٠٢، وانظر "معجم قبائل العرب" لمحمد رضا كحالة ١/ ٢٠٢، "نهاية الأرب" للنويري ٢/ ٣٥٦.
(١١) ساقط من: (أ).
وعلى هذا: الكبد من الشدة التي هي بمعنى القوة، وغلظ القول (٤)، والخلق.
قال المبرد: يقال فلان يكابد الأمر إذا كان يدافعه بشدة (٥)، وأنشد أبو عبيدة قول لبيد:
عَيْنُ هَلّا بَكَيْتِ أرْبَدَ إذْ | قُمْنَا وقَامَ الخُصومُ في كَبَدِ (٦) (٧) |
(٢) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٣، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٣، "لباب التأويل" ٤/ ٣٨٠ من غير عزو.
(٣) "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٨، وانظر: "نهاية الأرب" للقلقشندي ص ٢٠٢، ولم أعثر على قوله في تفسيره.
(٤) في (ع): (القوة).
(٥) جاء في حاشية "الكامل" ٣/ ١٣٩٤ قول المبرد قال: (والكبد: الشدة والمشقة).
(٦) ورد البيت في: "ديوانه" ص ٥٠ ط. دار صادر. وانظر (كبد) في: "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٢٧، و"لسان العرب" ٣/ ٣٧٦، وفي "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ أ، و"النكت والعيون" ٨/ ٢٧٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، "الكشاف" ٤/ ٢١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٢، و"روح المعاني" ٣٠/ ١٣٥، و"الكامل" ٣/ ١٣٩٤، و"الخصائص" ٢/ ٢٠٥، ٣/ ٣١٨، "الدر المنثور" ٨/ ٥٢٠، و"الإتقان" ٢/ ٥٧، و"جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي، تح: البجاوي ص ٢١.
(٧) ورد قوله في: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩.
(٨) "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٢٧ (كبد).
قال الفراء: أيحسب بشدته أن لن يقدر عليه أحد، والله قادر عليه (١).
وهو قول الكلبي، قال: أيظن من شدته أن لن يقدر عليه أحد، وأن لن يعاقبه الله (٢).
٦ - ثم أخبر عن مقالة هذا الإنسان، فقال: ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾.
قال أبو عبيدة: لبدًا: فُعَلٌ من التلبُّد، وهو المال الكثير بعضه على بعض (٣).
قال أبو إسحاق: وفُعَلٌ للكثرة، يقال: رجل حُطَم إذا كان كثير الحَطْمِ (٤).
وقال الفراء: واحدتُهْ لُبْدة، ولُبَد جماع، وقال: وجعل بعضهم واحدًا على جههَ قُثَّم وحُطَم، وهي في الوجهين جميعًا الكثير (٥).
قال الليث: قال: لبدّ لا يخاف فناءه من كثرته (٦)، وذكرنا تفسير هذا الحرف عند قوله: ﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩].
وجميع المفسرين قالوا في "اللبد": إنه الكثير المجتمع (٧).
(٢) "الوسيط" ٤/ ٤٨٩.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٨.
(٥) لم أعثر على قوله في معانيه، و"تهذيب اللغة" ١٤/ ١٢٩ (لبد)، "التفسير الكبير" ١/ ١٨٣، و"لسان العرب" ٣٠/ ٣٨٧، وقد سبق بيان قراءة (لبدًا) سورة الجن ١٩.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بنحوه من غير عزو في: "لسان العرب" ٣٠/ ٣٨٧ (لبد).
(٧) قال بذلك: قتادة، وابن عباس، ومجاهد، وابن زيد، والحسن، والسدي وغيرهم. "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٨، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧. =
٧ - قال الله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾. قال عطاء عن ابن عباس: أيحسب أن لم ير الله عمله (٣).
ونحو هذا قال مقاتل: أيحسب أن لم يطلع الله على مَا عمل (٤).
ومعنى هذا التهديد باطلاع الله على مَا عمل، كما قال قتادة: أيظن أن الله لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين كسبه، وأين أنفقه (٥)؟.
وذكر الماوردي قولًا محتملًا قال: ويحتمل أن يكون المعنى مالًا قديمًا لاشتقاقه من الأبد، أو للمبالغة في قدمه في عهد لَبِد؛ لأن العرب تضرب المثل في القدم بـ (لبد). وذكر قدمه لطول بقائه، وشدة ضنه به. "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٧.
قلت: وهذا الاحتمال بعيد عن مفهوم الآية، وهو ضعيف، وعليه لا يعتبره الإمام الواحدي قولًا مخالفًا؛ بل لا يعتبر أن له وجودًا، ولهذا حكى الإجماع.
(١) "زاد المسير" ٨/ ٢٥٢، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٣، وعنه القرطبي عن ابن عباس: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٤.
(٢) "فتح القدير" ٥/ ٤٤٣، وبمعناه ورد في: "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٦ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٤، والذي ورد عنه في تفسيره ٢٤٠ ب قال: لبدًا يعني مالًا كثيرًا.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) بمعناه في "تفسيره" ٢٤٠ ب.
(٥) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٣، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٩، "الكشف والبيان" ١٣/ =
واختاره الفراء فقال: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ في إنفاقه، يقول: أنفقت وهو كاذب (٢).
قال مقاتل: (ثم ذكره النعم ليعتبر فقال (٣):
٨ - ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾) (٤) قال أبو إسحاق: (أي) (٥) ألم نفعل به ما يُستدل به على أن الله قادر على أن يبعثه، وأن يحصي عليه ما يعمله (٦).
٩ - (قوله تعالى) (٧): ﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾. قال الليث: الشَّفة حُذِفَتْ منها "الهاء"، وتصغيرها: شُفيْهة، والجميع شِفاه، وإذا ثلثوا قالوا: شفهات (٨)، وشَفهوات، و"الهاء" أقيس، و"الواو" أعمّ، لأنهم شبهوه بالسنوات (٩)، ونقصانها حذف "هَائها" (١٠).
(١) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٩، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٤، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٤.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٤ بتصرف.
(٣) في (أ): (فقال قوله).
(٤) ما بين القوسين من قول مقاتل، انظر: "تفسيره" ٢٤٠ ب.
(٥) ساقط من: (أ).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٨ بنصه.
(٧) ساقط من (ع).
(٨) في (أ): (شفهات).
(٩) في (أ): (بالسموات).
(١٠) "تهذيب اللغة" ٦/ ٨٥، ٨٦، وانظر: "لسان العرب" ١٣/ ٥٠٦ (شفه).
١٠ - وقوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ النجد: معناه في اللغة: ما ارتفع من الأرض، وأشرف، ونجد هو ما ارتفع عن انخفاض تِهَامة، وكل عَال من الأرض نجد، والنجد الطريق في ارتفاع (٢).
قال ابن عباس (٣)، والمفسرون: يريد بينا له طريق الخير، وطريق الشر.
وهو قول عبد الله (٤)، (وعلي (٥)) (٦)، ومجاهد (٧)، ومقاتل (٨)
(٢) المرجعان السابقان، وانظر أيضًا: "الصحاح" ٢/ ٥٤٢ (نجد)، و"تاج العروس" ٢/ ٥٠٨ - ٥٠٩ (نجد).
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٠، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٥، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٤، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٩، "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٠ بمعناه، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٥، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٧، "الدر المنثور" ٨/ ٥٢١، وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني: ٩/ ٢٧٥، وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٢٣: كتاب التفسير: تفسير سورة البلد، قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين، وفيه عاصم بن أبي النجود، وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣٨.
(٥) ورد قوله من طريقه عن ابن عباس في: "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٩، ومن طريقه في "الدر المنثور" ٨/ ٥٢٢.
(٦) ساقط من: (أ).
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٠.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٤٠ ب، "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٠.
قال أبو إسحاق: المعنى: ألم نُعرّفه طريق الخير والشر بَيّنَيْن كتبيين الطريقين العَاليين (٤)؟
وروى عيسى بن عقال (٥)، عن أبيه (٦) عن ابن عباس في قوله: ﴿النَّجْدَيْنِ﴾ قال الثديين (٧). وهو قول سعيد بن المسيب (٨)، والضحاك (٩)،
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) سورة الدهر: ٣.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٩ بنحوه.
(٥) عيسى بن عقال البجلي، عن أبيه، روى عنه القاسم بن مالك في الكوفيين، سكت عنه البخاري في تاريخه، وكذا ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات. انظر: كتاب "الجرح والتعديل" ٦/ ٢٨٣: ت: ١٥٦٩، و"التاريخ الكبير" ٦/ ٤٠٣: ت: ٢٧٨٦، و"الثقات" ٨/ ٤٩٠.
(٦) عقال البجلي. لم أعثر له على ترجمة.
(٧) ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٧ ب، كما ورد من طريق محمد بن كعب، عن ابن عباس بمثله في: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٤، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٩، وكما ورد قوله من غير ذكر الطريق في: "زاد المسير" ٨/ ٢٥٣، و"التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٤، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٠، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٧٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٢٢، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
(٨) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٩، "زاد المسير" ٨/ ٢٥٣، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٥، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٦، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٤.
(٩) المراجع السابقة عدا "التفسير الكبير"، وانظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠١، وقد اعتبره الكرماني من الغريب في "التفسير" ٢/ ١٣٤٣.
١١ - قوله: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ قال (ابن قتيبة (٣) و) (٤) الأزهري (٥): أي فلا هو اقتحم يعني الإنسان المذكور (والاقتحام الدخول في الأمر الشديد، وهو المهالك، ويقال قَحمَ يَقْحَمُ قُحُومًا، واقتحم اقتحامًا، وتقحم تقحُمًّا، إذا ركب القحم، وهي المهالك، والأمور العِظام) (٦)، (والعقبة: طريق في الجبل وعر، والجميع: العقب والعقاب) (٧).
قال عطاء: يريد عقبة جهنم (٨).
وقال الكلبي: هي عقبة بين الجنة، والنار (٩).
(٢) في (أ): (أنها).
(٣) "تفسير غريب القرآن" ٥٢٨، وكلامه: (قال: فلا هو اقتحم العقبة).
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "تهذيب اللغة" ٤/ ٧٧ (قحم)، قال: (أي قل هو اقتحم العقبة).
(٦) ما بين القوسين نقله عن "تهذيب اللغة". المرجع السابق، وانظر: "لسان العرب" ١٢/ ١٦٢ - ١٦٣ (قحم).
(٧) ما بين القوسين تناول المعنى اللغوي للعقبة.
انظر ذلك في: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٨٢، "لسان العرب" ١/ ٦٢١ (عقب).
(٨) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٤.
(٩) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٤، وورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٧ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٧، و"فتح القدير" ٥/ ٤٤٤.
وقال الضحاك (٣)، ومجاهد (٤): هي الصراط يضرب على جهنم، وهو معنى قول الكلبي: عقبة بين الجنة والنار.
وقال قتادة: إنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة الله (٥).
هذا كلام المفسرين في تفسير هذه العقبة المذكورة هاهنا (٦)
قال المبرد (٧)، والفراء (٨)، وأبو عبيدة (٩)، (والزجاج (١٠)) (١١):
"لسان العرب" ١١/ ٣٠٧ (زلل).
(٢) ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٨ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٧٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٩، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٤، و"التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٤، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٢٢، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم.
(٣) ورد قوله في "الكشف والبيان"، و"النكت والعيون"، و"معالم التنزيل"، و"زاد المسير". مراجع سابقة. وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٧.
(٤) المراجع السابقة عدا "النكت والعيون".
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠١، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٨ أ، "الحجة" ٦/ ٤١٤، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٤.
(٦) أيضًا من الأقوال في معنى العقبة: (قال كعب: هو سبعون درجة في جهنم). "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٢.
(٧) "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٦، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٤.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩.
(١٠) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٩.
(١١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
قال الفراء (١)، والزجاج (٢): ولم يضم إلى قوله: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ كلامًا آخر فيه "لا"، والعرب قل ما تتكلم في مثل هذا المكان (٣) إلا بـ"لا" مرتين أو أكثر، لا تكاد تقول: لا حييتنى، تريد مَا حييتنى، فإن قال: لا حييتنى، ولا بررتني صلح. كما قال الله تعالى: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى﴾ [القيامة: ٣١] واكتفى هاهنا بواحدة، لأن المعنى يدل على التكرير، وهو قوله: (فك رقبة أو إطعام (٤))، ﴿ثُمَّ كَانَ﴾ كأنه قيل: فلا تفعل ذا ولاذا، ولا أمن.
قال أبو علي الفارسي: معنى ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ لم يقتحمها، وإذا كانت ﴿لَا﴾ بمعنى ﴿لَمْ﴾ لم يلزم تكريرها، كما لا يلزم التكرير مع ﴿لَمْ﴾، فإن تكررت في موضع نحو: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى﴾ [القيامة: ٣١]، فهو كتكرير لم نحو: ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] (٥).
ويدل على صحة مَا ذكر أبو علي مَا أنشد أبو عبيدة، والمبرد (٦):
وأيُّ خميس لا أفَأنَا (٧) نِهابَه | وأسيافنا يَقْطُرْن من كَبْشِهِ دَمَا (٨) |
وأما مَا ذكرنا عن المفسرين في تفسير العقبة، فغير متوجه هاهنا
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٩.
(٣) في (أ): (للمكان).
(٤) في النسختين، ومعاني الفراء: (طعم).
(٥) "الحجة" ٦/ ٤١٥ بنصه.
(٦) "الكامل" ٢/ ١٠٤٤، ولم أجده في "مجاز القرآن".
(٧) في (أ): (أفا).
(٨) البيت لطرفة بن العبد، سبق ذكره، انظر: تفسير سورة القيامة؛ الآية: ٣١.
قال الحسن: عقبة الله شديدة، ومجاهدة الإنسان نفسه وهواه، وعدوه والشيطان (٤).
وقال مقاتل: هذا مثل ضربه الله؛ يريد أن المعتق رقبة، والمطعم تقاحم نفسه وشيطانه، مثل من يتكلف صعود العقبة، فشبه المعتق رقبة في شدته عليه بالمتكلف صعود العقبة (٥).
وهذا مذهب أبي عبيدة، فقد قال: لم يقتحم العقبة في الدنيا (٦)، فبين أن هذه العقبة في الدنيا، وهي مَا ذكر الله من بعد فقال:
١٢ - ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ قال ابن عباس: يريد اقتحام العقبة (٧).
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٨ بمعناه، "الكشاف" ٤/ ٢١٣، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٥، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٧.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٤٠ ب، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٥، وقد رجح الفخر الرازي هذا القول في: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٥، وقال الماوردي: وهو أشبه بالصواب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٩، وكذا القرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٦٨.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
[الهمزة: ٥ - ٦] أي: الحطمة نار الله (٥).
ونحو هذا قال الزجاج (٦).
المعني: اقتحام العقبة فك رقبة، أو إطعام، فالمضاف محذوف من الآية الأولى، والمبتدأ محذوف من قوله: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ علي ما بيَّنَّا وشرحنا.
(وفك الرقبة: تخليصها من إسار الرق، وفكُّ الرهن، وفكِاكه: تخليصه من غَلَق الرهن، وكل شيء أطلقته فقد فككته، ومنه فك الكتاب، وهو أن تأخذ السحانة (٧) فتلويها حتى ينفك ختامها (٨)).
(٢) في كلا النسختين: (تقدر)، والمثبت من مصدر القول، وهو: "الحجة".
(٣) في (أ): (حديث).
(٤) لم يستفهم: هكذا ورد في أصل الكلام، وهو "الحجة".
(٥) انتهى كلام أبي علي الفارسي:"الحجة" ٦/ ٤١٤.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٩ بمعناه.
(٧) لعله يراد بالسحانه: السَّحْن، وهو أن تدلك خشبة بمسحن حتى تلين من غير أن تأخذ من الخشبة شيئًا: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩ (سحن).
(٨) ما بين القوسين نقلًا عن الأزهري من: "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٥٩: مادة: (فك) =
قال الفراء في المصادر: فكها يفكها فكاكًا، بفتح الفاء في المصدر، ولا تقل بكسرها (٢).
١٤ - وقوله (٣): ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ قال أبو عبيدة: ذي مجاعة (٤)؛ (يقال سَغِبَ يَسْغَبُ سَغبًا: إذا جاع، فهو سَاغِبِ وسَغْبَان ذو مَسغَبةٍ) (٥).
قال ابن عباس: يريد بالمسغبة الجوع (٦).
قال مجاهد (٧)، وعكرمة (٨): ذو مجاعة.
وقال الحسن: يوم محروص فيه على الطعام (٩).
قال أبو علي: وجاز أن يوصف اليوم بهذا، كما جاز أن يقال: ليل
(١) لم أعثر على مصدر لقولهم، غير أني وجدت بمثله من غير عزو في: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٥.
(٢) لم أعثر على مصدر قوله في معانيه، ولكن ورد في: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٥.
(٣) في (أ): قوله.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩.
(٥) ما بين القوسين قول الليث نقله عن "تهذيب اللغة" ٨/ ٤١ بتصرف، وانظر: "لسان العرب" ١/: ٤٦٨ (سغب)، "تاج العروس" ١/ ٢٩٩ (سغب).
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٩، "الدر المنثور" ٨/ ٥٢٥، وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وكلها برواية: يوم مجاعة.
(٧) المراجع السابقة برواية: الجوع، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٤.
(٨) المراجع السابقة عدا "الدر المنثور".
(٩) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٦.
وقرأ أبو عمرو، والكسائي: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ بفتح الكَاف، (أو ﴿أطعم﴾ بغير ألف (٤)) (٥).
(قال الفراء) (٦): وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية، لقوله: "ثم كان"، وهو أشكل بـ"فك" و"أطعم"، والفك، والإطعام، اسم فينبغي أن يرد على الاسم اسم مثله، فلو قيل: "ثم إن كان" كان أشكل للإطعام، لأنه حينئذ يكون بمعنى المصدر، وهذا وجه القراءة الأولى مع قوله: "ثم كان"، وهو أن يضمر "أن"، وتُلقى فيكون مثل قول الشاعر (٧):
ألا ايُهذا الزاجري احْضِرَ الْوَغَى | وأَنْ أشْهَدَ اللذَّاتِ هَلْ أنت مُخْلِدِ (٨) |
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) قرأ بذلك: عاصم، وابن عامر، ونافع، وحمزة: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ إضافة ﴿أَوْ إِطْعَامٌ﴾ رفعًا.
انظر: "السبعة في القراءات" ٦٨٦، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٧٧، "الحجة" ٦/ ٤١٣، و"المبسوط" ٤١٠، و"حجة القراءات" ٧٦٤، و"الكشف" ٢/ ٣٧٥، و"التبصرة" ص ٧٢٧، و"إتحاف فضلاء البشر" ص ٤٣٩.
(٤) وقرأ بذلك أيضًا: ابن كثير. انظر: المراجع السابقة.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) البيت لطَرفَةُ بن العبد البكري من معلقته.
(٨) ورد البيت أيضًا في: "كتاب سيبويه" ٣/ ٩٩ - ١٠٠، و"شرح أبيات سيبويه" ص ١٦٩ و"المقتضب" ٢/ ٨٥، و"المدخل" ٣٠١، رقم ٣١٥، و"لسان العرب" ١٣/ ٣٢ (أنن)، و"مغني اللبيب" ٢/ ١٧ رقم ٦١٦، و"شرح ابن عقيل" م ٢ ج ٤/ ٢٤ رقم ٣٣٣. وانظر أيضًا: "شرح أبيات معاني القرآن" للفراء ص ١١٥رقم ٢٤٠، ولم أجده في ديوانه.
موضع الشاهد: "أحْضِرَ" حذف "أن" الناصبة، وانتصاب الفعل بعدها، وفي =
وقال أبو علي: من قرأ: ﴿فكّ رقبة أو أطعم﴾ فإنه يجوز أن يكون ما ذكر من الفعل تفسيرًا لاقتحام العقبة، وقد جاء: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩]، ثم فَسَّرَ المثل بقوله: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩]، فكذلك قول من قال: "فك رقبة * أو أطْعَم".
قال: ومن احتج لهذه القراءة بقوله: "ثم كان" فقال: [كأنه لما] (٣) كان فعلًا يجب أن يكون المعطوف عليه مثله، كان هذا وجهًا حسنًا.
"شرح أبيات معاني القرآن للفراء" ص ١١٥ رقم ٢٤٠.
ومعنى البيت: هل أنت مبقي، يا من يلومني في حضور الحرب، لئلا أُقتل، وفي أن أنفق مالي في الفتوة، ولا أخلفه لغيري.
المرجع السابق، وانظر: "المقتضب" ٢/ ٨٥.
(١) ساقط من: أ.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٥ بتصرف، ولتفصيل هذه المسألة النحوية راجع فيها المراجع السابقة الذكر مثل: كتاب سيبويه: ٣/ ٩٩، "المقتضب" ٢/ ٨٥، "شرح ابن عقيل" ٤/ ٢٤، وغيرها.
وخلاصة القول فيها: ذهب الكوفيون إلى أنَّ "أن" الخفيفة تعمل في الفعل المضارع النصب مع الحذف من غير بَدَل، وذهب البصريون إلى أنها لا تعمل مع الحذف من غير بدل، وقد عرض كل واحد منهم بأدلته.
راجع ذلك في "الإنصاف" ٢/ ٥٥٩، ٥٧٠.
(٣) في النسختين: (لما كان كان)، وأثبت ما جاء في "الحجة" لانتظامه.
١٥ - قوله تعالى: ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ قال أبو إسحاق: معناه ذا قرابة، تقول: زيد ذو قرأ بني، وذو مقربتي (٢)، (وزيدٌ قرابتي) (٣) قبيح، لأن القرابة المصدر، قال الشاعر (٤):
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه | وذو قرابته في الحي مسرور (٥) (٦) |
١٦ - وقوله: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾، قال أبو عبيدة (٨)، والمبرد (٩)،
(٢) في (أ): (ذوا).
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) قيل: هو ابن لبيد العذري، وقيل: هو الحارث بن جبلة، وقيل: هو عبيد بن شرية. انظر: "الإصابة" ٦/ ١٠٢ ت: ٦٣٩١، "شواهد المغني" ١١٨، ٢٤٥ ط بيروت، و"أخبار النحويين البصريين" ٣١، وعزاه إلى شيخ من أهل نجد كان أسنهم.
(٥) ورد البيت في المراجع السابقة.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٢٩ - ٣٣٠ بنصه.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢٤٠ ب، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٧، وقد ورد بمثله من غير نسبة في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٨١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٠.
(٨) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩، وكلامه: (قال: قد لزق بالتراب).
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
قال عطاء: يريد قد لصق بالتراب، فليس فوقه مَا يستره، ولا تحته ما يوطئه (٤).
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: هو المطروح في التراب لا يقيه شيء (٥).
روى (٦) أبو صالح أن ابن عباس مر بمسكين لاصق التراب ذي حاجة، فقال: هذا الذي قال الله: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (٧)، ونحو هذا قال جماعة المفسرين (٨).
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) انظر (ترب) في: "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٧٤، "الصحاح" ١/ ٩١، "لسان العرب" ١/ ٢٢٩.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثل قوله من غير عزو في: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٧.
(٥) ورد بنحو من قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٤، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٧٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٠، و"زاد المسير" ٨/ ٤٥٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٥/ ٧٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٢٥ وعزاه إلى الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، و"المستدرك" ٢/ ٥٢٤، كتاب التفسير: تفسير سورة البلد، وقال عنه صحيح، ووافقه الذهبي.
(٦) في (أ): (أنه) بدلًا من: (روي عن ابن عباس).
(٧) ورد معنى قوله في: "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٦، و"التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٧.
(٨) وإلى معنى القول: (ذو اللصوق بالتراب) ذهب: مجاهد، وعكرمة انظر: "تفسير =
ثم بين أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان فقال:
١٧ - ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي كان مقتحم العقبة، وهو فاك الرقبة، والمطعم من الذين آمنوا، فإنه إن لم يكن منهم لم ينفعه قربة، لإحباط الكفر لها.
فإن قيل: أليس من شرط صحة هذا القرب، ووقوعها من الله بمكان القبول: الإيمان؟ فهلا قدم الإيمان عليها، وثم للتراخي، فقدله: "ثم كان" يوجب الإيمان إذا تراخى عن هذا القرب صحت دونه؟!
والجواب عن هذا أن يقال: هذا التراخي في الذكر، لا في الوجود والترتيب (٢)؛ لأن المعنى أنه فعل هذه الأشياء وهو مؤمن معها.
وكذا ذكر المفسرون (٣)، فقالوا: ثم كان مع ذلك من الذين آمنوا، وقد قال:
إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوُهُ | ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدّهْ (٤) |
(١) انظر: "لسان العرب" ١/ ٢٢٨ (ترب).
(٢) انظر تفصيل القول في المسألة في "مغنى اللبيب" ١/ ١٩٧.
(٣) قال بذلك الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٩ أ.
(٤) البيت لأبي نواس الحسن بن هانئ، وهو في "ديوانه" ٤٩٣ برواية:
قلْ لمنْ سادَ ثُم سَادَ أبوُه | قَبْله ثم قبلَ ذلك جَدّه |
(١) ساقط من (ع).
(٢) التَحَنَّث: أي تعبَّد واعتزل الأصنام. "الصحاح" ١/ ٢٨٠ (حنث)، وانظر: القاموس المحيط: ١/ ١٦٥ (حنث).
وجاء في "فتح الباري": التحنث: "الإحسان" وعمل الخير من الحنث، وهو الإثم، يقال: تحنث أي ألقى عنه الإثم. ٣/ ٣٠٢.
(٣) الحديث أخرجه البخاري ١/ ٤٤٣، ٤٤٤ ح ١٤٣٦ كتاب الزكاة، باب ٢٤، واللفظ كما هو عند البخاري: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت أشياء كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية؛ من صدقة، أو عَتاقة، ومن صلة رحم، فهل فيها من أجر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أسلمت على ما سلف من خير". كما ورد أيضًا في المرجع السابق: ٢/ ١١٩ ح ٢٢٢٠: كتاب البيوع، باب ١٠٠، و٢/ ٢١٨ ح ٢٥٣٨: كتاب العتق، باب ١٢، و٤/ ٩٠ ح ٥٩٩٢: كتاب الأدب. قال المازني: ظاهره: أن الخير الذي أسلفه كتب له، والتقدير: أسلمت على قبول ما سلف لك من خير.
وأخرجه مسلم ١/ ١١٣ - ١١٤: ح ١٩٤، ١٩٥ كتاب الإيمان، والإمام أحمد ٣/ ٤٠٢. =
أي على فرائض الله وأمره. قاله ابن عباس (١)، ومقاتل (٢).
(قوله) (٣): ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ فالأمر فيما بينهم، والتراحم لليتيم، والمسكين، والضعيف. وهذا من صفة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، أي كان من الجملة الذين هذه صفتهم.
ثم ذكر أن هؤلاء منهم فقال:
١٨ - ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾.
وتفسير أصحاب الميمنة قد سبق في سورة الواقعة (٤)، وكذلك تفسير أصحاب المشئمة الذين ذكروا هاهنا في قوله:
١٩ - ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ قد تقدم هناك (٥).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩١، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨١.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤١ أ، وقد ورد بمثله عن هشام بن حسام ذكره السيوطي في: "الدر المنثور" ٨/ ٥٢٦.
(٣) ساقط من: (ع).
(٤) سورة الواقعة: ٨، قال تعالى: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾.
(٥) سورة الواقعة: ٩، قال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾، ومما جاء في تفسير الآيتين السابقتين: يعني اليمين، وجمعها الميامن، وهي جوانب اليمين، وفي أصحاب الميمنة أربعة أقوال:
قال عطاء عن ابن عباس: هم الذين يعطون كتابهم بأيمانهم.
وعن ابن عباس أيضًا: هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه.
وقال الحسن، والربيع: هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم، وكانت أعمارهم في طاعة الله عز وجل. =
وقال الفراء (٢)، وأبو عبيدة (٣)، والمبرد (٤)، (والزجاج (٥)) (٦) يقال: أَصَدْتُ البَابَ وأوْصَدْتُهُ إذا أغلقته، وأطبقته، (فمن قرأ: ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ بالهمز (٧) (٨): أخذها من: أصدت (٩)، فهمز اسم المفعول،
"المشئمة" يعني أصحاب الشمال، والمشأمة: اليسرى، يقال: اليد اليمنى، واليد الشومى، ومن هذا أخذ اليُمن والشؤم، واليمن والشام، وفي أصحاب المشأمة أربعة أقوال تضاد الأقوال التي ذكرنا في أصحاب الميمنة.
(١) قال بذلك ابن عباس، وقتادة، والضحاك بمعناه، وأبو هريرة، وعكرمة، وسعيد ابن جبير، ومجاهد، ومحمد ابن كعب، وعطية العوفي، والحسن، والسدي.
انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٥، و"جامع البيان" ٣/ ٢٠٧، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٨٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٢٦ وبه قال الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٠٧، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٨١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٩٩ أ.
وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩١، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٦، و"الكشاف " ٤/ ٢١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨١.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٦، قال: والموصدة تهمز ولا تهمز، وهي المطبقة.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٩، قال: مطبقة، أصدتُ وأوصدت، وهو أطبقت.
(٤) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٨.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٠، واللفظ له.
(٦) ساقط من: (أ).
(٧) في (أ): (فالهمز).
(٨) قرأ بذلك: أبوعمرو، وحمزة، وحفص بن عاصم، ويعقوب، وخلف.
وقرأ الباقون: مُوْصَدَة بغير همز.
انظر: "السبعة في القراءات" ٦٨٦، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٧٧، و"الحجة" ٦/ ٤١٦، و"المبسوط" ٤١٠، و"حجة القراءات" ٧٦٦، و"التبصرة" ٧٢٦، "الوافي" ٣٨٠.
(٩) في (أ): (أمررت).
(وكان أبو حيه النميري يفعل ذلك) (٢)، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم (٣)
ومن لم يهمز، احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون من لغة من قال: أوصدتُ فلم يهمز اسم المفعول، كما يقال: من أوعدت موعود.
والآخر: أن يكون قد أصد مثل: آمن، ولكنه خفف، كما تقول في تخفيف جُؤْنَهٍ (٤)، وبُؤسٍ، ونُؤْيٍ: جونه، وبوس، ونوى، فيقلبها في التخفيف "واوًا" (٥).
قال الفراء: ويقال: من هذا الأصيد، والوصيد، وهو الباب المطبق (٦).
لَحَبَّ الواقدان إلى مؤسى | وجَعْدَةُ لَوْ أضاءهما الوقود |
"ديوانه" ١/ ٢٨٨، ط. دار المعارف، "الخصائص" ١/ ٥٦٧، "شرح أبيات المغني" ٨/ ٧٦: ش ٩١٨.
والمعنى أنه لما أضاء إيقاد النار موسى وجعدة، ورأيتهما ذوي ضياء ونور وبهجة صارا محبوبين.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) انظر: "الحجة"١/ ٢٣٩، وأيضًا جاء ذكر ذلك في سورة البقرة: ٣.
(٤) جؤنة: سُلَيْلَةُ مستديرة مُغَشَّاة أدمًا، تكون مع العطارين، وجمعها جوَنٌ. "تهذيب اللغة" ١١/ ٢٠٤ (جون).
(٥) ما بين القوسين نقلاً عن "الحجة" ٦/ ٤١٦ - ٤١٧ بتصرف.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٦٦.
قال مقاتل: ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ يعني أبواب مطبقة، فلا يفتح لهم باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد (٣).
(والمؤصدة هي الأبواب، وقد جرت صفة للنار على تقدير: عليهم نار مؤصدة. الأبواب، فلما تركت الاضافة عاد التنوين لأنهما يتعاقبان) (٤).
(٢) "تهذيب اللغة" ١٢/ ٢٢٢ (وصد) بنصه، وانظر: "لسان العرب" ٣/ ٣٦٠ (وصد).
(٣) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٨٨، والذي ورد عنه في تفسيره: (قال: وهي جهنم).
(٤) انظر المرجع السابق.