تفسير سورة هود

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة هود من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة هود وهي مكية كلها

قَوْله عز اسْمه: ﴿آلر كتبٌ﴾ أَيْ: هَذَا كتابٌ ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿ثمَّ فصلت﴾ بُيِّنَتْ؛ بُيِّنَ فِيهَا حَلالُهُ وَحَرَامُهُ وطاعته ومعصيته ﴿من لدن﴾ من عِنْد ﴿حَكِيم﴾ أحكمه بِعِلْمِهِ ﴿خَبِير﴾ بأعمال الْعباد.
﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير﴾ يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قُلْ:
لَا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ؛ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ؛ أُنْذِرَكُمْ عِقَابَهُ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بِالْجنَّةِ لمن آمن.
﴿وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم﴾ مِنَ الشِّرْكِ.
﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أجل مُسَمّى﴾ يَعْنِي: الْمَوْتَ، وَلا يَهْلِكَهُمْ بِالْعَذَابِ.
﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ ﴿وَإِن توَلّوا﴾ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ، فَيُكَذِّبُوا بِهِ ﴿فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير﴾.
277
سُورَة هود من الْآيَة (٥) فَقَط.
278
﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾.
قَالَ الْحَسَنُ: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ؛ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ بِذَلِكَ؛ يَظُنُّونَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَعْلَمُ الَّذِي يَسْتَخْفُونَ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى ﴿يثنون صُدُورهمْ﴾: يَطْوُونَ مَا فِيهَا وَيَسْتُرُونَهُ.
﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يسرون وَمَا يعلنون﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى ﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾: يَسْتَتِرُونَ بِهَا؛ يُقَالُ: اسْتَغْشَيْتُ ثَوْبِي وتغشيته.
سُورَة هود من الْآيَة (٦) فَقَط.
﴿وَيعلم مستقرها ومستودعها﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مُسْتَقَرُّهَا: الأَرْحَامُ، وَمُسْتَوْدَعُهَا: الأَرْضُ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا.
يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
إِذَا أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَقْبِضَ عَبْدًا بأرضٍ جَعَلَ لَهُ بِهَا حَاجَةً؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَتِ الأَرْضُ: رَبِّ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي ".
278
سُورَة هود من الْآيَة (٧) فَقَط.
279
﴿ليبولكم﴾ لِيَخْتَبِرَكُمْ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عملا﴾ فِيمَا ابْتَلاكُمْ بِهِ مِنَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: يَخْتَبِرُكُمُ الاخْتِبَارَ الَّذِي يُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَيُّهُمْ أحسن عملا.
سُورَة هود من الْآيَة (٨) إِلَى الْآيَة (١٢).
﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أمة مَعْدُودَة﴾ أَيْ: إِلَى حينٍ مَعْدُودٍ.
280
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْحِينُ أُمَّةً؛ لأَنَّ الأُمَّةَ مِنَ النَّاس تنقرض فِي حِين.
﴿ليقولون مَا يحْبسهُ﴾ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ أَيْ: لَيْسَ يَسْتَطِيعُ أحدٌ أَنْ يصرفهُ عَنْهُم ﴿وحاق بهم﴾ أَحَاطَ بِهِمْ ﴿مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون﴾ يَعْنِي: عَذَابَ الآخِرَةِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيّ.
281
﴿وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي: الْمُشرك ﴿منا رَحْمَة﴾ يَعْنِي: صِحَّةً وَسِعَةً فِي الرِّزْقِ ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ﴾ من رَحْمَة الله (ل ١٤٤) أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ فَيُصِيبُهُ رَخَاءٌ بعد شدَّة ﴿كفور﴾ لنعمة الله تَعَالَى.
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مسته﴾ أَيْ: عَافَيْنَاهُ مِنْ تِلْكَ الضَّرَّاءِ الَّتِي نزلت بِهِ ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾ ذَهَبَ الضُّرُّ عَنِّي ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾ بالدنيا ﴿فخور﴾ يَقُولُ: لَيْسَتْ لَهُ حسبةٌ عِنْدَ ضَرَّاءَ، وَلا شُكْرٌ عِنْدَ سَرَّاءَ
﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ اسْتَثْنَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَهْلَ الإِيمَانِ؛ أَيْ: أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ الَّذِي بَيَّنَ مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ.
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْك﴾ خَاطَبَ بِهَذَا النَّبِيَّ؛ فَلا تُبَلِّغْ عَنِّي مَخَافَةَ قَوْمِكَ ﴿وَضَائِقٌ بِهِ صدرك أَن يَقُولُوا﴾ بِأَنْ يَقُولُوا ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كنز﴾ هَلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مالٌ؛ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ ﴿أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ فَيُخْبِرُنَا أَنَّهُ رسولٌ ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نذيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ وَكيل﴾ حفيظٌ لأَعْمَالِهِمْ؛ حَتَّى يُجَازِيهِمْ بِهَا.
281
سُورَة هود من الْآيَة (١٣) إِلَى الْآيَة (١٤).
282
﴿أم يَقُولُونَ افتراه﴾ افْتَرَى مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ: اخْتَلَقَهُ؛ أَيْ: قَدْ قَالُوا ذَلِكَ.
﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أَيِ: اسْتَعِينُوا مَنْ أَطَاعَكُمْ مِنْ دون الله.
﴿فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لكم﴾ فَيَأْتُوا بِعَشْرِ سورٍ مِثْلِهِ، وَلَنْ يَفْعَلُوا ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلِ بِعِلْمِ الله﴾ أَي: من عِنْد الله.
سُورَة هود من الْآيَة (١٥) إِلَى الْآيَة (١٦).
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزينتهَا﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكَ لَا يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ
﴿نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا﴾ يَعْنِي: جَزَاءَ حَسَنَاتِهِمْ ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يبخسون﴾ لَا يُنْقَصُونَ حَسَنَاتِهِمِ الَّتِي عَمِلُوا.
﴿وحبط مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ بَطَلَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ حسناتٍ فِي الآخِرَةِ؛ لأَنَّهُمْ جوزوا بهَا فِي الدُّنْيَا.
سُورَة هود من الْآيَة (١٧) فَقَط.
﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ ربه﴾ أَيْ: بَيَانٍ وَيَقِينٍ؛ يَعْنِي: مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: جِبْرِيلُ شاهدٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ﴾ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ ﴿كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة﴾ يَعْنِي: لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
يَقُولُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهدٌ مِنْهُ؛ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَكْفُرُ بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ؟! أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ محمدٌ: يَجُوزُ النَّصْبُ فِي قَوْله: ﴿إِمَامًا وَرَحْمَة﴾ عَلَى الْحَالِ.
﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ يَؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ ﴿وَمَنْ يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ﴿فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ ﴿فَلا تَكُ فِي مرية مِنْهُ﴾ فِي شِكٍّ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِهِ؛ فَالنَّار موعده.
سُورَة هود من الْآيَة (١٨) إِلَى الْآيَة (١٩).
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا﴾ أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ؛ وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمرهم بِمَا هُم عَلَيْهِ من عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَتَكْذِيبِهِمْ بمحمدٍ. ﴿أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ﴾ الأَنْبِيَاءُ ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبهم﴾ الْآيَة.
سُورَة هود من الْآيَة (٢٠) إِلَى الْآيَة (٢٢).
﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض﴾ يَسْبِقُونَا حَتَّى لَا نَبْعَثَهُمْ، ثُمَّ نُعَذِّبَهُمْ. ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دون الله من أَوْلِيَاء﴾ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
﴿يُضَاعَفُ لَهُم الْعَذَاب﴾ فِي النَّارِ ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع﴾ سَمْعَ الْهُدَى؛ يَعْنِي: سَمْعَ قَبُولٍ إِذْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا ﴿وَمَا كَانُوا يبصرون﴾ الْهدى.
﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ ٦ يَعْنِي: أَوْثَانَهَمْ ضَلَّتْ عَنْهُمْ؛ فَلَمْ تغن عَنْهُم شَيْئا
﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هم الأخسرون﴾ ﴿لَا جَرَمَ﴾ كَلِمَةُ وَعِيدٍ.
قَالَ محمدٌ: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَاهَا: حَقًّا. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: (جَرَمَ) مَعْنَاهَا: حَقٌّ، وَدَخَلَتْ لَا لِلنَّفْيِ، كَأَنَّ الْمَعْنَى: لَا يَنْفُعُهُمْ ذَلِكَ حَقٌّ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ.
وَأَنْشَدَ [... ]
(وَلَقَدْ طَعَنْتَ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً... جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَهَا أَنْ يَغْضَبُوا}
يَقُولُ: [أَحَقَّتِ الطَّعْنَةُ فَزَارَةَ] الْغَضَبَ.
قَالَ محمدٌ: وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ: جَرَمَتْ (فَزَارَةُ بَعْدَهَا أَنْ يغضبوا).
284
(ل ١٤٥) حق لَهُم الْغَضَب.
سُورَة هود من الْآيَة (٢٣) إِلَى الْآيَة (٢٤).
285
﴿وأخبتوا إِلَى رَبهم﴾ أَي: أنابوا مُخلصين:
﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ والسميع هَل يستويان مثلا﴾ أَي لَا يستويان مثل الْكَافِرُ مِثْلُ الأَعْمَى وَالأَصَمِّ؛ لأَنَّهُ أَعْمَى أَصَمُّ عَنِ الْهُدَى، وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ؛ لأَنَّهُ أَبْصَرَ الْهُدَى وَسَمِعَهُ؛ يَقُولُ: فَكَمَا لَا يَسْتَوِي عِنْدَكُمُ الأَعْمَى وَالأَصَمُ وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ فِي الدُّنْيَا؛ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدِّينِ.
سُورَة هود من الْآيَة (٢٥) إِلَى الْآيَة (٢٨).
﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هم أراذلنا﴾ سفلتنا ﴿بَادِي الرَّأْي﴾ أَيْ: فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ فِي الدِّينِ ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ يَعْنُونَ: نَوْحًا وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ عَلَى بَيَانٍ ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْده﴾ يَعْنِي بِالرَّحْمَةِ: النُّبُوَّةَ ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ أَنْ تُبْصِرُوهَا بِقُلُوبِكُمْ
285
وَتَقْبَلُوهَا ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾.
سُورَة هود من الْآيَة (٢٩) إِلَى الْآيَة (٣١).
286
﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ من الْهدى ﴿مَالا﴾ فَإِنَّمَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى تَرْكِ الْهُدَى الْمَالُ الَّذِي أَسْأَلُكُمُوهُ.
﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ ثَوَابِي ﴿إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ ملاقو رَبهم﴾ فيحاسبهم بأعمالهم.
﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله﴾ أَي: خَزَائِن علم الله ﴿وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم﴾.
قَالَ محمدٌ: (تزدري) أَيْ: تَسْتَقِلُّ وَتَسْتَخِسُّ.
﴿لَنْ يُؤْتِيَهُمُ الله خيرا﴾ فِي الْعَاقِبَةِ؛ أَيْ: أَنَّهُ سَيُؤْتِيهِمْ بِذَلِكَ خَيْرًا؛ إِنْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ صَادِقَة.
سُورَة هود من الْآيَة (٣٢) إِلَى الْآيَة (٣٧).
﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ ماريتنا ﴿فَأَكْثَرت جدالنا﴾.
﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يغويكم﴾ يُضِلَّكُمْ.
قَالَ محمدٌ: (يُغْوِيَكُمْ): أَصْلُهُ يُهْلِكَكُمْ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: أَغْوَيْتُ فُلانًا؛ أَيْ: أَهْلَكْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: غَوَى الْفَصِيلُ؛ إِذَا فَقَدَ اللَّبَنَ، فَمَاتَ.
﴿ إن كان الله يريد أن يغويكم ﴾ يضلكم. قال محمد ( يغويكم ) : أصله يهلككم ؛ تقول العرب : أغويت فلانا ؛ أي : أهلكته، ومنه قولهم : غوى الفصيل ؛ إذا فقد اللبن، فمات.
﴿أم يَقُولُونَ افتراه﴾ إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بريءٌ مِمَّا تجرمون﴾ يَقُولُ: فَعَلَيَّ عَمَلِي، وَأَنَا بريءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ.
قَالَ محمدٌ: الإِجْرَامُ: الإِقْدَامُ عَلَى الذَّنْبِ؛ وَهُوَ مَصْدَرُ أجرمت.
﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قد آمن﴾ قَالَ قَتَادَةُ: ذَلِكَ حِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾.
﴿فَلَا تبتئس﴾ أَيْ: لَا تَحْزَنْ لَهُمْ ﴿بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
﴿واصنع الْفلك بأعيننا ووحينا﴾ كَمَا نَأْمُرُكَ بِعَمَلِهَا ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي﴾ تراجعني ﴿فِي الَّذين ظلمُوا﴾ أنفسهم بشركهم.
سُورَة هود من الْآيَة (٣٨) إِلَى الْآيَة (٤٠).
﴿ويصنع الْفلك﴾ السَّفِينَةَ ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ من قومه سخروا مِنْهُ﴾ عَمِلَ نوحٌ الْفُلْكَ بِيَدِهِ، فَكَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ فَيَقُولُونَ لَهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ: يَا نُوحُ، بَيْنَمَا أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِذْ صِرْتَ نَجَّارًا.
﴿قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَ.
قَالَ يحيى:
وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِهِ يَأْخُذُ بِيَدِ ابْنِهِ، فَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى نوحٍ فَيَقُولُ: أَيْ بُنَيَّ، لَا تُطِعْ هَذَا؛ فَإِنَّ أَبِي قَدْ ذَهَبَ بِي إِلَيْهِ وَأَنَا مِثْلُكَ فَقَالَ: أَيْ بني لَا تُطِع هَذَا.
﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يخزيه﴾ يَعْنِي: عَذَابَ الدُّنْيَا ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم﴾ دائمٌ.
﴿حَتَّى إِذا جَاءَ أمرنَا﴾ يَعْنِي: عذابنا ﴿وفار التَّنور﴾ (التَّنُّورُ) فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: الْبَابُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ السَّفِينَةِ، فَفَارَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالسَّفِينَةُ عَلَى الأَرْضِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلامَةً لإِهْلاكِ الْقَوْمِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: التَّنُّورُ عَيْنُ مَاءٍ كَانَتْ بِالْجَزِيرَةِ، يُقَالُ لَهَا: التَّنُّورُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانَ التَّنُّورُ فِي أَقْصَى دَارِهِ.
سعيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ التَّنُّورُ أَعْلَى الأَرْضِ.
288
﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ أَيْ: احْمِلْ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ (ل ١٤٦) كُلِّ صِنْفٍ، الْوَاحِدُ: زوجٌ، وَالاثْنَانِ: زَوْجَانِ، فَحَمَلَ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ وَدَوَابِّ الْبَرِّ وَالطَّيْرِ وَالشَّجَرِ، وَشَكَوْا إِلَى نوحٍ فِي السَّفِينَةِ الزُّبْلَ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى نوحٍ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ذَنَبِ الْفِيلِ، فَفَعَلَ فَخَرَجَ مِنْهُ خِنْزِيرَانِ، فَكَانَا يَأْكُلانِ الزُّبْلَ، وَشَكَوْا إِلَى اللَّهِ الْفَأْرَةَ فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى الأَسَدِ - أَلْقَى فِي قَلْبِهِ - فَعَطَسَ الأَسَدُ فَخَرَجَ مِنْ مُنْخَرَيْهِ سِنَّوْرَانِ، فَكَانَا يَأْكُلانِ الْفَأْرَةَ، وَشَكَوْا إِلَى نُوحٍ عَرَامَةَ الأَسَدِ، فَدَعَا عَلَيْهِ نوحٌ فَسَلَّطَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ الحُمَّى.
قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ طُولُ السَّفِينَةِ فِيمَا بَلَغَنَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيِ ذِرَاعٍ، وعرضها سِتّمائَة ذِرَاعٍ.
يحيى: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَانَ رَأْسُهَا مِثْلَ رَأْسِ الْحَمَامَةِ، وَذَنَبُهَا كَذَنَبِ الدِّيكِ مُطَّبَقَةٌ تَسِيرُ مَا بَيْنَ الْمَاءَيْنِ: مَاءُ السَّمَاءِ، وَمَاءُ الأَرْضِ.
قَالَ يحيى: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَلاثَةُ أَبْوَابٍ: بابٌ لِلسِّبَاعِ وَالطَّيْرِ، وبابٌ لِلْبَهَائِمِ، وبابٌ لِلنَّاسِ، وَفُصِلَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: بِجَسَدِ آدَمَ حَمَلَهُ نوحٌ مَعَهُ.
289
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَهْلَكَ إِلا من سبق عَلَيْهِ القَوْل﴾ الْغَضَبُ؛ يَعْنِي: ابْنَهُ ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ أَيْ: وَاحْمِلْ مَنْ آمَنَ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَه إِلَّا قَلِيل﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: ثَمَانِينَ نَفْسًا؛ أَرْبَعُونَ رَجُلا، وَأَرْبَعُونَ امْرَأَةً.
قَالَ قَتَادَةُ:. لمْ يَنْجُ فِي السَّفِينَةِ إِلا نوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ: سامٌ وحامٌ وَيَافِثٌ؛ وَنِسَاؤُهُمْ؛ فَجَمِيعهمْ ثمانيةٌ.
سُورَة هود من الْآيَة (٤١) إِلَى الْآيَة (٤٥).
290
﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مجْراهَا وَمرْسَاهَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - كُلَّ مَا تَقُولُونَ؛ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ، وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ؛ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ قَلْتُمْ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين﴾ وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ قُلْتُمْ: ﴿بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا﴾.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ: ﴿باسم اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ بِضَمِّ الْمِيمَيْنِ جَمِيعًا فَمَعْنَى ذَلِكَ: بِاللَّهِ إِجْرَاؤُهَا، وَبِاللَّهِ إِرْسَاؤُهَا؛ يُقَالُ: جَرَتِ السَّفِينَةُ
290
وَأَجْرَيْتُهَا أَنَا مَجْرًى وَإِجْرَاءً فِي مَعْنَى واحدٍ، وَرَسَتْ وَأَرْسَيْتُهَا مَرْسًى وإرساءً.
291
﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ.
قَالَ محمدٌ: ﴿لَا عَاصِم﴾ فِي مَعْنَى: لَا مَعْصُومَ؛ كَمَا قَالُوا: مَاءٌ [دَافِقٌ] بِمَعْنَى مَدْفُوقٌ.
﴿وغيض المَاء﴾ أَيْ: نَقَصَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ إِذَا غَابَ فِي الأَرْض.
وَقَرَأَ بَعضهم (غيض الْمَاءُ) بِإِشْمَامِ الضَّمِّ فِي الْغَيْنِ، وَمَنْ قَرَأَ بِهَذَا أَرَادَ الأَصْلَ فُعِلَ، وَمَنْ كَسَرَ فَلِلْيَاءِ الَّتِي بَعْدَ فَاءِ الْفِعْلِ.
﴿وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ فُرِغَ مِنْهُ؛ يَعْنِي: هَلاكَ قَوْمِ نوح.
﴿واستوت على الجودي﴾ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ.
قَالَ قَتَادَةُ:
وَبَلَغَنِي أَنَّ السَّفِينَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَقِفَ، تَطَاوَلَتْ لَهَا الْجِبَالُ كُلُّ جبلٍ مِنْهَا يُحِبُّ أَنْ تَقِفَ عَلَيْهِ، وَتَوَاضَعَ الْجُودِيُّ، فَجَاءَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيْهِ، وَأَبْقَاهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ،
291
وَبَلَغَنِي أَنَّهَا اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبَ، وَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِائَةِ يَوْمًا، وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمْ عَلَى الْجُوْدِيِّ شَهْرًا، وأهبطوا إِلَى الأَرْض فِي عشر خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ.
قَالَ قَتَادَةُ:
وذُكِرَ لَنَا أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ بَعَثَ الْغُرَابَ لِيَنْظُرَ إِلَى الْمَاءِ؛ فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ [الْحَمَامَةَ] فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ، فَأُعْطِيَتِ الطَّوْقُ الَّذِي فِي عُنُقهَا وخضاب رِجْلَيْهَا.
سُورَة هود من الْآيَة (٤٦) إِلَى الْآيَة (٤٨).
292
﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ من أهلك﴾ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنَجِّيَهُمْ، وَكَانَ (ابْنُهُ) يُظْهِرُ الإِيمَانَ وَيُسِرُّ الشِّرْكَ، ونوحٌ لَا يَعْلَمُ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَلَوْلا ذَلِكَ لمْ يُنَادِهِ؛ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - مُغْرِقٌ الْكُفَّارَ، وَأَنَّهُ قَضَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ عَلَى قومٍ كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ ثُمَّ آمَنُوا، لمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ.
﴿إِنَّه عمل غير صَالح﴾ يَقُولُ: إِنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علمٌ عَمَلٌ غير صَالح (ل ١٤٧) ﴿فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم﴾ قَالَ الْحَسَنُ أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ مَا يُسِرُّ مِنَ النِّفَاقِ.
292
يحيى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حوشبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: ﴿إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ﴾ ".
293
﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ منا﴾ يَعْنِي: سَلامَةً مِنَ الْغَرَقِ.
﴿وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ يَعْنِي: نُسُولَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَة ﴿وأمم سنمتعهم﴾ فِي الدُّنْيَا يَعْنِي: أُمَمًا مِنْ نُسُولَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَة.
سُورَة هود من الْآيَة (٤٩) إِلَى الْآيَة (٥٢).
﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْك﴾ يَقُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ انْقَضَتْ قِصَّةُ نُوحٍ: تِلْكَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ، يَعْنِي: مَا قَصَّ عَلَيْهِ ﴿مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْت وَلَا قَوْمك﴾ يَعْنِي: قُريْشًا ﴿من قبل﴾ هَذَا الْقُرْآن ﴿فاصبر﴾ عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّكَ مجنونٌ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ لَهُ.
﴿وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هودا﴾ يَقُولُ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
294
﴿فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وَحِّدُوا اللَّهَ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مفترون﴾ كُلُّ مَنْ عَبْدَ غَيْرَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فَقَدِ افْتَرَى الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.
قَالَ محمدٌ: (غَيْرُهُ) مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: مَا لكم إِلَه غَيره.
295
﴿يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا﴾ أَيْ: يُوَسِّعُ لَكُمْ مِنَ الرَّزْقِ، وَإِنَّمَا أَرْزَاقُ الْعِبَادِ مِنَ الْمَطَرِ.
قَالَ محمدٌ: معنى (مدراراً} الْمُبَالَغَةُ، وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ دَارَّةً.
وَذكر بعض المفسدين: أَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُمْ جدبٌ.
﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّة إِلَى قوتكم﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي شِدَّةً إِلَى شدتكم أَي: فِي أبدانكم.
سُورَة هود من الْآيَة (٥٣) إِلَى الْآيَة (٥٧).
﴿إِنَّه نقُول إِلَّا اعتراك﴾ أَصَابَك ﴿بعض آلِهَتنَا بِسوء﴾ أَيْ: بِجُنُونٍ؛ لأَنَّكَ عِبْتَهَا؛ يَعْنُونَ: أوثانهم ﴿فكيدوني جَمِيعًا﴾ أَنْتُمْ وَأَوْثَانُكُمْ - أَيْ: اجْهَدُوا جُهْدَكُمْ
﴿ثمَّ لَا تنْظرُون﴾ طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - سَيَمْنَعُنِي مِنْكُمْ؛ قَالَ هَذَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الأَوْثَانَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَكِيدَ، وَأَنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع
﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخذ بناصيتها﴾ أَيْ: هِيَ فِي قَبْضَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
سُورَة هود من الْآيَة (٥٨) إِلَى الْآيَة (٦٠).
﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ أَيْ: وَاتَّبَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْكُفْرِ، وَالْعَنِيدُ: الْمُجْتَنِبُ لِلْهُدَى الْمُعَانِدُ لَهُ.
قَالَ محمدٌ: الْعَنِيدُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَائِرُ، وَالْعِنْدُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْجَانِبُ، فَقِيلَ لِلْجَائِرِ: عنيدٌ مِنْ هَذَا؛ لأَنَّهُ مجانبٌ لِلْقَصْدِ.
﴿وَاتبعُوا﴾ أُلْحِقُوا ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ يَعْنِي: الْعَذَابُ الَّذِي عَذَّبَهُمْ بِهِ ﴿وَيَوْم الْقِيَامَة﴾ أَيْ: وَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا لَعْنَةً؛ يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴿أَلا بعدا لعاد قوم هود﴾.
قَالَ مُحَمَّد: (بعدا) نصبٌ عَلَى مَعْنَى: أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ، فَبَعِدُوا بُعْدًا؛ أَيْ: مِنْ رَحْمَةِ الله
﴿هُوَ أنشأكم من الأَرْض﴾ يُرِيد الْخلق الأول خلق آدم ﴿واستعمركم فِيهَا﴾ أَيْ: جَعَلَكُمْ عُمَّارَهَا ﴿إِنَّ رَبِّي قريب مُجيب﴾ قريبٌ مِمَّنْ دَعَاهُ، مُجِيبٌ لَهُ.
سُورَة هود من الْآيَة (٦١) إِلَى الْآيَة (٦٨).
﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مرجوا قبل هَذَا﴾ أَيْ: كُنَّا نَرْجُو أَلا تَشْتُمَ آلِهَتَنَا، وَلا تَعْبُدَ غَيْرَهَا.
﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مريب﴾ من الرِّيبَة.
﴿فَمَا تزيدونني غير تخسير﴾ نُقْصَانٍ؛ إِنْ أَجَبْتُكُمْ إِلَى مَا تدعونني إِلَيْهِ.
﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لكم آيَة﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (آيَةٍ) عَلَى الْحَالِ؛
297
كَأَنَّهُ قَالَ: انْتَبِهُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ.
﴿وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ أَيْ: لَا تَعْقِرُوهَا ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قريب﴾
298
﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب﴾ فَقَالُوا لَهُ: مَا آيَةُ ذَلِكَ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّكَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ وُجُوهَكُمْ تُصْبِحُ أَوَّلَ يَوْمٍ مُصْفَرَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّانِي مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ مُسْوَدَّةً، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَرَفُوا أَنَّهُ الْعَذَابُ، فَتَحَنَّطُوا وَتَكَفَّنُوا، فَلَمَّا أَمْسَوْا بَقَوْا فِي [... ] ثُمَّ صَبَّحَهُمُ الْعَذَابُ فِي الْيَوْم الرَّابِع.
قَالَ: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ (ل ١٤٨) قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: صَيْحَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جاثمين﴾ أَي: قد هَلَكُوا.
﴿كَأَن لم يغنوا فِيهَا﴾ أَيْ: لمْ يَعِيشُوا.
قَالَ محمدٌ: وَقيل كَأَن لم ينزلُوا فِيهَا.
سُورَة هود من الْآيَة (٦٩) إِلَى الْآيَة (٧٣).
﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ قَالَ قَتَادَةُ: بِإِسْحَاقَ ﴿قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلام﴾
298
قَالَ محمدٌ: (سَلامًا) منصوبٌ عَلَى مَعْنَى: سَلَّمْنَا سَلامًا، وَأَمَّا (سلامٌ) فمرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: أَمْرِي سلامٌ.
﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حنيذ﴾ مشوي
299
﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نكرهم﴾ أنكرهم ﴿وأوجس مِنْهُم خيفة﴾ أَيْ: أَضْمَرَ خَوْفًا إِذْ لَمْ يَأْكُلُوا ﴿فَقَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قوم لوطٍ﴾ لنهلكهم
﴿وَامْرَأَته قَائِمَة﴾ يَعْنِي: سَارَةَ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ ﴿فَضَحِكَتْ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَأَتْ سَارَةُ فَرَقَ إِبْرَاهِيمَ عَجِبَتْ مِنْ فَرَقِهِ، فَضَحِكَتْ وَهِيَ لَا تَدْرِي مَنِ الْقَوْمِ، فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: نَرْجِعُ إِلَيْكِ عَامًا قَابِلا، وَقَدْ وَلَدْتِ لإِبْرَاهِيمَ غُلامًا اسْمُهُ: إِسْحَاقُ، وَيَكُونُ مِنْ وُرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ؛ أَيْ: من بعد إِسْحَاق.
﴿قَالَت يَا ويلتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيخا﴾ وَكَانَتْ قَدْ قَعَدَتْ عَنِ الْوَلَدِ ﴿إِنَّ هَذَا لشيءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّه حميدٌ مجيد﴾ مستحمدٌ إِلَى خَلْقِهِ، مجيدٌ كريمٌ.
قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (يَعْقُوبُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى مَعْنَى: وَيَعْقُوبُ يَحْدُثُ لَهَا مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ، وَمَنْ قَرَأَ: (هَذَا بعلي شَيخا) فَعَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى:
299
انْتَبِهُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
سُورَة هود من الْآيَة (٧٤) إِلَى الْآيَة (٧٦).
300
﴿ قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ﴾ مستحمد إلى خلقه، مجيد كريم.
قال محمد : من قرأ ( يعقوب ) بالرفع١ فعلى معنى : ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق، ومن قرأ :( هذا بعلي شيخا ) فعلى الحال٢ ؛ المعنى : انتبهوا له في هذه الحال.
١ هي قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر (يعقوب) بالفتح وحمزة وحفص عن عاصم انظر/ النشر (٢/٢٩٠)..
٢ هي قراءة الجمهور. انظر/ إتحاف الفضلاء (٢٥٩)..
﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ الْفرق ﴿وجاءته الْبُشْرَى﴾ بِإِسْحَاقَ ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُجَادَلَتَهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. حَتَّى صَارَ ذَلِكَ إِلَى عَشَرَةٍ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ عشرةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُم؟ قَالُوا: لَا.
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ الْمُنِيبُ: الْمُخْلِصُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الأَوَّاهُ قبل هَذَا.
﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَلا يُهْلِكَ لَوْطًا وَأَهْلَهُ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَوْمِ لوطٍ، فَقِيلَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾.
سُورَة هود من الْآيَة (٧٧) إِلَى الْآيَة (٨٣).
﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بهم﴾ قَالَ الْحَسَنُ: سَاءَهُ دُخُولُهُمْ؛ لِمَا تَخَوَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ ﴿وَضَاقَ بهم ذرعاً﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يُنْزِلَهُمْ.
قَالَ: وَكَانَ قَوْمُ لوطٍ لَا يُؤْوُنَ ضَيْفًا بليلٍ، وَكَانُوا يَعْتَرِضُونَ مَنْ مَرَّ بِالطَّرِيقِ نَهَارًا لِلْفَاحِشَةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْمَلائِكَةُ لُوطًا حِينَ أَمْسَوْا، كَرِهَهُمْ وَلَمْ يَسْتَطِعْ دَفْعَهَمْ، فَقَالَ: ﴿هَذَا يومٌ عصيبٌ﴾ شديدٌ.
﴿وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ﴾ أَيْ: يُسْرِعُونَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أُهْرِعَ الرَّجُلُ؛ أَيْ: أَسْرَعَ؛ عَلَى لَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. ﴿وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ يَعْنِي: يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ؛ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِالْغُرَبَاءِ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم﴾ أَحَلُّ لَكُمْ مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ.
قَالَ محمدٌ: وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِبَنَاتِهِ: نِسَاءَ أُمَّتِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا شبيهٌ بِمَا يُرْوَى عَنْ قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ ".
301
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ الضَّيْفُ: يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَلِلاثْنَيْنِ، وَلأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رجلٌ رَشِيدٌ﴾.
302
﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بناتك من حق﴾ مِنْ حَاجَةٍ ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد﴾ أَيْ: إِنَّا نُرِيدُ أَضْيَافَكَ دُونَ بناتك
﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: إِلَى عَشِيرَةٍ قَوِيَّة (ل ١٤٩) فَدَافَعُوهُ الْبَابَ، وَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ: ﴿يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ من اللَّيْل﴾ أَيْ: سِرْ بِهِمْ فِي ظُلْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُم﴾ فَقَالَ: لَا؛ بَلْ أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ! فَقَالُوا: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب﴾ فَطَمَسَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَعْيُنَهُمْ بِأَحَدِ جَنَاحَيْهِ، فَبَقَوْا لَيْلَتَهُمْ لَا يبصرون
وقالت الملائكة :﴿ يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ﴾ أي : سر بهم في ظلمة من الليل ﴿ ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم ﴾ فقال : لا ؛ بل أهلكوهم الساعة فقالوا :﴿ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ﴾ فطمس جبريل عليه السلام أعينهم بأحد جناحيه، فبقوا ليلتهم لا يبصرون.
﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سافلها﴾ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ، خَرَجَ لوطٌ وَأَهْلُهُ، وَرَفَعَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْضَهُمْ بِجَنَاحِهِ الآخَرِ، حَتَّى بَلَغَ بِهَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا؛ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلائِكَةُ نُبَاحَ كِلابِهِمْ وَأَصْوَاتَ دَجَاجِهِمْ، فَقَلَبَهَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ قَدْ عُهِدَ إِلَى لوطٍ أَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحدٌ إِلا امْرَأَتَكَ؛ فَلَمَّا سَمِعَتِ الْعَجُوزُ - عَجُوزُ السُّوءِ - الْهَدَّةَ الْتَفَتَتْ، فَأَصَابَهَا مَا أَصَابَ قَوْمَهَا، ثُمَّ اتَّبَعَتِ الْحِجَارَةُ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ مَدَائِنِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ ثَلاثًا.
قَالَ الْحَسَنُ: فَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بَعْدَ لوط نَبِيًّا إِلا فِي عزٍّ مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةُ لوطٍ مُنَافِقَةً، تُظْهِرُ الإِسْلامَ، وَقَلْبُهَا عَلَى الْكُفْرِ.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: مِنْ طِينٍ ﴿مَنْضُودٍ﴾ أَي:
302
بعضه على بعضٍ
303
﴿مسومة عِنْد رَبك﴾ قَالَ الْحَسَنُ: عَلَيْهَا سَيْمًا؛ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ.
قَالَ: وَتِلْكَ السِّيمَا عَلَى الْحَجَرِ مِنْهَا مِثْلَ الْخَاتَمِ ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد﴾ يَقُولُ: وَمَا هِيَ مِنْ ظَالِمِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ بِبَعِيدٍ أَنْ يَحْصُبَهُمْ بِهَا.
يحيى: عَنْ هَمَّامِ بْنِ يحيى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لوط ".
303
سُورَة هود من الْآيَة (٨٤) إِلَى الْآيَة (٨٦).
304
﴿وَإِلَى مَدين﴾ أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ ﴿أَخَاهُم شعيبا﴾ أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ أَيْ: بِخَيْرٍ مِنَ اللَّهِ؛ يَعْنِي: السَّعَةَ وَالرِّزْقَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ تَطْفِيفٍ فِي الْكَيْلِ، وَنُقْصَانٍ مِنَ الْمِيزَانِ.
﴿وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم﴾ أَيْ: لَا تَظْلِمُوا ﴿وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْض مفسدين﴾ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ ﴿وَلا تَعْثَوْا﴾ فِي سُورَة الْبَقَرَة.
﴿بَقِيَّة الله خيرٌ لكم﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: طَاعَةَ اللَّهِ ﴿وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ﴾ أَحْفَظُ عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ حَتَّى أُجَازِيَكُمْ بهَا.
سُورَة هود من الْآيَة (٨٧) إِلَى الْآيَة (٩٠).
﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ يَعْنُونَ: أَوْثَانَهُمْ.
قَالَ الْحَسَنُ: لمْ يَبْعَثِ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - نَبِيًّا إِلا فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَدِينُكَ يَأْمُرُكَ؛ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ.
﴿أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالنَا مَا نشَاء﴾ أَيْ: أَوْ أَنْ نَتْرُكَ أَنْ نَفْعَلَ.
﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ أَيْ: أَنَّكَ لَسْتَ بِالْحَلِيمِ الرَّشِيدِ.
﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّةَ.
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ فأفعله
﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ أَيْ: لَا تَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَتِي ﴿أَنْ يُصِيبكُم﴾ بِكُفْرِكُمْ بِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿مِثْلُ مَا أَصَابَ قوم نوح﴾ الْآيَة.
قَالَ مُحَمَّد: (يجر مِنْكُم) أَصْلُهُ: يَكْسِبَنَّكُمْ؛ تَقُولُ: جَرِمْتُ كَذَا؛ بِمَعْنَى كَسَبْتُ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
(طَرِيدُ عشيرةٍ وَرَهِينُ ذنبٍ بِمَا جَرَمَتْ يَدَيَّ وَجَنَى لِسَانِي)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا قَوْمُ لوطٍ مِنْكُمْ بيعيد﴾ يَقُولُ: الْعِظَةُ بِقَوْمِ لوطٍ قَرِيبَةٌ
305
مِنْكُمْ؛ لأَنَّ إِهْلاكَ قَوْمِ لوطٍ كَانَ أَقْرَبَ الإِهَلاكَاتِ الَّتِي عَرَفُوهَا.
306
﴿إِن رَبِّي رحيمٌ﴾ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، وَتَابَ إِلَيْهِ ﴿ودودٌ﴾ محبٌّ لأهل طَاعَته.
سُورَة هود من الْآيَة (٩١) إِلَى الْآيَة (٩٥).
﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كثيرا مِمَّا تَقول﴾ أَيْ: إِنَّا لَا نَقْبَلُ، وَقَدْ فَهِمُوهُ وَقَامَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ ﴿وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا﴾ قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ أَعْمَى ﴿وَلَوْلا رهطك لرجمناك﴾ ﴿ل ١٥٠﴾ بِالْحِجَارَةِ ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ بعظيم، وَكَانَ من أَشْرَافهم.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ، وَرَاءَكُمْ ظهرياًّ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: أَعْزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ، وَأَظْهَرْتُمْ بِرَبِّكُمْ
قَالَ يحيى: أَرَاهُ يَعْنِي: جَعَلْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِظَهْرٍ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: ظَهْرَتُ بِحَاجَةِ فلانٍ؛ إِذَا نَبَذْتُهَا وَلَمْ تَعْبَأْ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
306
(تَمِيمُ بْنُ زَيْدٍ لَا تَكُونَنَّ حَاجَتِي بظهرٍ فَلا يَعْيَى عَلَيَّ جَوَابُهَا}
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ محيطٌ﴾ ﴿خَبِير﴾
307
﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ أَيْ: عَلَى دِينِكُمْ ﴿إِنِّي عاملٌ﴾ عَلَى دِينِي ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين﴾ يُخَوِّفُهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ ثَبَتُوا عَلَى دينهم، جَاءَهُم الْعَذَاب
﴿أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ قَدْ بُعِدُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَصَبَ (بُعْدًا) عَلَى الْمَصْدِرِ؛ يُقَالُ: بَعِدَ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - يَبْعُدُ؛ إِذَا كَانَ بُعْدَ هلكةٍ، وَبَعُدَ بِضَمِّ الْعَيْنِ يَبْعُدُ بُعْدًا؛ إِذَا نَأَى.
سُورَة هود من الْآيَة (٩٦) إِلَى الْآيَة (١٠٠).
﴿وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ أَيْ: بِعَلامَاتِنَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِحَة نبوته ﴿وسلطانٍ مُبين﴾ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ.
307
قَالَ محمدٌ: وَالسُّلْطَانُ إِنَّمَا سُمِّيَ سُلْطَانًا؛ لأَنَّهُ حُجَّةُ اللَّهِ - عَزَّ وَجل - فِي أرضه.
308
﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قومه يَوْم الْقِيَامَة﴾ أَيْ: يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ؛ حَتَّى يدخلهَا هُوَ وَقَومه.
﴿ يقدم قومه يوم القيامة ﴾ أي : يقودهم إلى النار ؛ حتى يدخلها هو وقومه.
﴿وأتبعوا فِي هَذِه﴾ يَعْنِي: الدُّنْيَا ﴿لَعنه﴾ يَعْنِي: الْعَذَابُ الَّذِي عَذَّبَهُمْ بِهِ من الْغَرق ﴿وَيَوْم الْقِيَامَة﴾ أَيْ: وَأُتْبِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَعْنَةً ﴿بئس الرفد المرفود﴾ قَالَ عَطَاءٌ: تَرَادَفَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَعْنَتَانِ: لَعْنَةُ بَعْدَ لَعْنَةٍ؛ لَعْنَةُ الدُّنْيَا، وَلَعْنَةُ الآخِرَةِ.
قَالَ محمدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: بئس الْعَطاء الْمُعْطى.
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْك مِنْهَا قَائِم﴾ تَرَاهُ قَدْ هَلَكَ أَهْلَهُ، وَمِنْهَا ﴿حصيد﴾ لَا ترى لَهُ أثرا.
سُورَة هود من الْآيَة (١٠١) إِلَى الْآيَة (١٠٧).
﴿وَمَا زادوهم غير تتبيب﴾ غير تخسير
﴿وَذَلِكَ يومٌ مشهودٌ﴾ يَشْهَدُهُ أَهْلُ
308
السَّمَاء وَأهل الأَرْض
309
﴿فَمنهمْ شقي وَسَعِيد﴾.
يحيى: عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً، ثُمَّ يَبْعَثُ الْمَلَكَ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا: رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَأَثَرَهُ، وَشَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا. وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؛ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلا ذراعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَهَا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَينه وَبَين النَّار إِلا ذراعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زفيرٌ وشهيق﴾ قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا حِينَ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون﴾ فَيَنْقَطِعُ كَلامُهُمْ؛ فَمَا يَتَكَلَّمُونَ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ إِلا هَوَاءَ الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ؛ فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ؛ أَوَّلُهَا زَفِيرٌ، وَآخِرُهَا شَهِيقٌ.
قَالَ محمدٌ: اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ: ذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ؛ أَنَّهُ قَالَ:
الشَّهِيقُ رَدُّ النَّفَسِ، وَالزَّفِيرُ إِخْرَاجُ النَّفَسِ. وَقِيلَ: الزَّفِيرُ صَوْتُ الْمَكْرُوبِ بِالأَنِينِ، وَالشَّهِيقُ أَشَدُّ مِنْهُ ارْتِفَاعًا.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْض﴾ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَالنَّارُ فِي الأَرْضِ؛ وَذَلِكَ مَا لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا ﴿إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ يَعْنِي: مَا سَبَقَهُمْ بِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُمْ؛ قَالَ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كفرُوا إِلَى جَهَنَّم زمرا﴾ قَالَ: زُمْرَةٌ تَدْخُلُ بَعْدَ الزُّمْرَةِ.
وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ.. الَّذِينَ (ل ١٥١) يَدْخُلُونَ النَّارَ؛ فَلا يَدُومُونَ فِيهَا يخرجُون مِنْهَا إِلَى الْجنَّة.
سُورَة هود من الْآيَة (١٠٨) إِلَى الْآيَة (١١١).
﴿وَأما الَّذين سعدوا﴾ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلا مَا شَاءَ رَبك﴾ يَعْنِي: مَا سَبَقَهُمْ بِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُمْ؛ قَالَ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ قَالَ: زُمْرَةٌ تَدْخُلُ بَعْدَ الزُّمْرَةِ.
وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: ﴿إِلا مَا شَاءَ رَبك﴾ يَعْنِي: مَا نَقَصَ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ.
﴿عَطَاءً غير مجذوذ﴾ أَي: غير مَقْطُوع.
﴿فَلَا تَكُ فِي مرية﴾ فِي شَكٍّ ﴿مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
310
﴿مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آباؤهم﴾ أَيْ: إِلا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ؛ أَيْ: كَانُوا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ مِنَ الْعَذَابِ ﴿غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾.
311
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ أَيْ: آمَنَ بِهِ قومٌ وَكَفَرَ بِهِ قومٌ ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ من رَبك﴾ أَلا يُعَذِّبَ بِعَذَابِ الآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا.
﴿لقضي بَينهم﴾ أَيْ: لَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ فَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، وَلَكِنْ أَخَّرَ ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالهم﴾ يَعْنِي: الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
قَالَ محمدٌ: وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) بِتَخْفِيفِ (إِنْ وَلَمَا) فَالْمَعْنَى: إِنَّ كُلًّا لَيُوَفِيَنَّهُمْ وَتَكُونُ (مَا) صِلَةٌ، وَنَصْبَ (كُلًّا) بِإِنَّ؛ لأَنَّ مِنَ النَّحْوِييِّنَ مَنْ يَقُولُ فِي (إِنْ) الْخَفِيفَةِ: أَصْلُهَا (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةُ، فَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهَا التَّخْفِيفُ نُصِبَ بِهَا على تَأْوِيل الأَصْل.
سُورَة هود من الْآيَة (١١٢) إِلَى الْآيَة (١١٦)
﴿فاستقم كَمَا أمرت﴾ عَلَى الإِسْلامِ ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَابُوا مِنَ الشّرك ﴿وَلَا تطغوا﴾ فترجعوا عَن الْإِسْلَام.
﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: لَا تَلْحَقُوا بِالشِّرْكِ، فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ؛ أَيْ: تَدْخُلُوهَا.
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا من اللَّيْل﴾ يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ: أَنْ تُقَامَ عَلَى وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. وَطَرَفَا النَّهَارِ؛ فِي الطَّرَفِ الأَوَّلِ صَلاةُ الصُّبْحِ، وَفِي الطَّرَفِ الآخَرِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ يَعْنِي: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةَ الْعِشَاءِ الآخِرِ، وَزُلَفَ اللَّيْلِ: أَدَانِيهِ - يَعْنِي: أَوَائِلَهُ.
قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ الزُّلَفِ: زلفةٌ؛ يُقَالُ: أَزْلَفَنِي عِنْدَكَ كَذَا؛ أَيْ: أَدْنَانِي، وَنَصْبُ ﴿طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزلفًا من اللَّيْل﴾ عَلَى الظَّرْفِ؛ كَمَا تَقُولُ: جِئْتُ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَأَوَائِلَ اللَّيْلِ.
﴿إِنَّ الْحَسَنَات﴾ يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ﴿يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ يَعْنِي: مَا دُونَ الْكَبَائِرِ.
يحيى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَالْجُمُعَةَ إِلَى الْجُمُعَةِ كفاراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ؛ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر ".
﴿فلولا﴾ فَهَلا ﴿كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قبلكُمْ أولو بَقِيَّة﴾ يَعْنِي: طَاعَةٍ.
﴿يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أنجينا مِنْهُم﴾ يَقُولُ: لمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ اتَّبَعُوا الدُّنْيَا، وَمَا وَسَّعَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِمْ فِيهَا.
قَالَ محمدٌ: أَصْلُ التَّرَفُّهِ: السَّعَةُ فِي الْعَيْشِ، وَالإِسْرَافُ فِي التَّنْعِيمِ.
الْمَعْنَى: اتَّبَعُوا مَا أُعْطُوا مِنَ الأَمْوَالِ وَأَثْرَوْهُ؛ فَفُتِنُوا بِهِ.
سُورَة هود من الْآيَة (١١٧) إِلَى الْآيَة (١٢٠).
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أمة وَاحِدَة﴾ عَلَى الإِيمَانِ ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ يَعْنِي: الْكفَّار
﴿إِلَّا من رحم رَبك﴾ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ؛ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْبَعْثِ كَمَا اخْتَلَفَ الْكُفَّارُ فِيهِ ﴿وَلذَلِك خلقهمْ﴾ أَيْ: وَلِذَلِكَ خَلَقَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ أَلا يَخْتَلِفُوا.
313
﴿وتمت كلمة رَبك﴾ أَيْ: سَبَقَتْ ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ يَعْنِي: أَهْلَ النَّارِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْس.
314
﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُل﴾ مِنْ أَخْبَارِ الرُّسُلِ ﴿مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادك﴾ [... ] أَنَّ الأَنْبِيَاءَ قَدْ لَقِيَتْ مِنَ الأَذَى مَا لَقِيَتَ.
قَالَ محمدٌ: (كلاًّ) منصوبٌ ب (نقص) الْمَعْنَى: كُلُّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ، وَمَعْنَى تَثْبِيتِ الْفُؤَادِ: تَسْكِينُ الْقَلْبِ (ل ١٥٢) مِنَ السُّكُونِ، وَلَكِنْ كُلَّمَا كَانَ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ وَالْبُرْهَانُ أَكْبَرَ كَانَ الْقَلْبُ أَثْبَتَ أَبَدًا؛ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قلبِي﴾.
﴿وجاءك فِي هَذِه الْحق﴾ قَالَ الْحَسَنُ: وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا.
سُورَة هود من الْآيَة (١٢١) إِلَى الْآيَة (١٢٣).
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا على مكانتكم﴾ أَيْ: عَلَى كُفْرِكُمْ؛ يُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ؛ عَن ثَبَتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ ﴿إِنَّا عَامِلُونَ﴾
﴿وَانْتَظرُوا﴾ مَا يَنْزِلُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾.
﴿وَللَّه غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ: لَا يَعْلَمُهُ إِلا هُوَ ﴿وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
314
تَفْسِيرُ سُورَةِ يُوسُفَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (١) إِلَى الْآيَة (٣).
315
Icon