تفسير سورة الإخلاص

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآيتها أربع.
بسم الله الرحمان الرحيم
قل هو الله أحدا ( ١ ) الله الصمد ( ٢ ) لم يلد لم يولد ( ٣ ) ولم يكن له كفوا أحد ( ٤ )

﴿ قل هو الله أحد ﴾ سأل اليهود أو كفار مكة رسول الله صلى عله وسلم أن يصف ربه الذي يدعو إلى الإخلاص في عبادته ؛ كما قال فرعون لموسى :﴿ وما رب العالمين ﴾١ ؟ فنزلت السورة. أي الذي سألتموني عنه الله الموجود الحق، الجامع لصفات الألوهية، المنعوت بنعوت الربوبية، والمنفرد بالوجود الحقيقي. وهو " أحد " أي واحد في الألوهية والربوبية، وحدة كاملة ؛ فهو منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجا وذهنا، وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة والخواص. فليس مركبا من جواهر مادية، ولا من أصلين، ولا من أصول غير مادية كما يزعم أهل الأديان الأخرى، ولا شريك له كما يزعم المشركون. فالضمير مبتدأ، ولفظ الجلالة خبره. و " أحد " خبر بعد خبر. أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو أحد، بمعنى واحد ؛ على ما روي عن ابن عباس واختاره أبو عبيدة.
١ آية ٢٣ الشعراء..
﴿ الله الصمد ﴾ أي السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج، ويقصدونه في المطالب. فعل بمعنى مفعول ؛ من صمد إليه بمعنى قصده. أو هو الغني المطلق، الذي لا يحتاج إلى أحد، ويحتاج إليه كل أحد. وتعريفه باللام لإفادة الحصر في الواقع ونفس الأمر ؛ فإن قصد الخلق إليه في الحوائج أعم من القصد الإرادي، والقصد الطبيعي، والقصد بحسب الاستعداد الأصلي الثابت لجميع الماهيات ؛ إذ هي كلها متجهة إلى المبدأ تعالى في طلب كمالاتها منه عز وجل.
﴿ لم يلد ﴾ لم يصدر عنه ولد ؛ لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه، وذلك يقتضي التركيب المنافي للأحدية والصمدية. أو لأن الولد من جنس أبيه، ولا يجانسه تعالى أحد ؛ لأنه واجب وغيره ممكن. ﴿ ولم يولد ﴾ لم يصدر هو عن شيء ؛ لاقتضاء المولوديّة المادة فيلزم التركيب المنافي للأحدية والصمدية. أو لاقتضائها سبق العدم ولو بالذات، أو لاقتضائها المجانسة، وكل منهما مستحيل عليه تعالى ؛ إذ هو واجب الوجود لا أول لوجوده، ولا مجانس له من خلقه.
﴿ ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ لم يكن أحد من خلقه مكافئا ولا مشاكلا ولا نظيرا، ولا شبيها له في ذاته وصفاته وأفعاله ؛ ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾. وفي الحديث الصحيح :( أن هذه السورة تعدل ثلث القرآن ). ومعناه على ما ذكره الإمام ابن شريح : أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام : ثلث منها الأحكام، وثلث منها وعد ووعيد، وثلث منها الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات.
والله أعلم.
Icon