ﰡ
أحدهما : لأن الناس معظمون، فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا.
الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يُعيذ منهم. ﴿ مَلِكِ النّاسِ * إلَهِ النّاسِ ﴾ لأن في الناس ملوكاً، فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم.
﴿ مِن شَرَّ الوَسْواسِ الخَنّاسِ ﴾ الخّناس هو الشيطان، وفي تسميته بذلك وجهان : أحدهما : لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى :
﴿ فلا أُقْسِمُ بالخُنَّس ﴾ يعني النجوم لاختفائها بعد الظهور.
الثاني : لأنه يرجع عن ذكر الله، والخنس الرجوع، قال الراجز :
وصاحب يَمْتَعِسُ امْتِعاسا | يزدادُ من خَنسِه خناسا |
أحدهما : أنه الشيطان لأنه يوسوس للإنسان، وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله « الوسواس الخناس » قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس، فعلى هذا يكون في تأويل الخناس وجهان :
أحدهما : الراجع بالوسوسة على الهوى.
الثاني : أنه الخارج بالوسوسة في اليقين.
الوجه الثاني : أنه وسواس الإنسان من نفسه، وهي الوسوسة التي يحدث بها نفسه.
وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال :« إنّ الله تعالى تجاوز لأمتى عما وسوست به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به ».
﴿ الذي يُوسْوِسُ في صُدورِ النّاسِ ﴾ وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل، أو يقع في النفس من أمر متوهم ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة، لما يعتريه من المسرة، وأصله الصوت الخفي، قال الأعشى :
تسمع للحلْي وسواساً إذا انصرفت | كما استعان بريح عشرق زجل. |
أحدهما : أنها وسوسة الإنسان من نفسه، قاله ابن جريج.
الثاني : أنه إغواء من يغويه من الناس.
قال قتادة : إن من الإنس شياطين، وإن من الجن شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي ﷺ كان يعوّذ حسناً وحسيناً فيقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة، ومن كل عْينٍ لامّةٍ، ونحن نسعتيذ بالله مما عوذ ونستمده جميل ما عوّد.
وفقنا الله وقارئه لتدبر ما فيه وتفهم معانيه، فيه توفيقنا وعليه توكلنا، والحمد لله وحده وكفى، وصلواته على رسوله محمد المصطفى، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين.