تفسير سورة محمد

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة محمد من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته وهم المطعمون يَوْم بدر عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج وَأَبُو البحترى بن هِشَام وَأَبُو جهل بن هِشَام وأصحابهم ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر
﴿وَالَّذين آمَنُواْ﴾ بِاللَّه وَمُحَمّد وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ﴾ بِمَا نزل الله بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَهُوَ الْحق مِن رَّبِّهِمْ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ ذنوبهم بِالْجِهَادِ ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ حَالهم وشأنهم ونياتهم وعملهم فِي الدُّنْيَا وَيُقَال أظهر أَمرهم فِي الْإِسْلَام
﴿ذَلِك﴾ ثمَّ بَين الشَّيْء الَّذِي أحبط أَعمال الْكَافرين وَأصْلح أَعمال الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ذَلِك الْإِبْطَال ﴿بِأَن الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿اتبعُوا الْبَاطِل﴾ يَعْنِي الشّرك بِاللَّه ﴿وَأَنَّ الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿اتبعُوا الْحق مِن رَّبِّهِمْ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يَضْرِبُ الله﴾ يبين الله ﴿لِلنَّاسِ﴾ لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَمْثَالَهُمْ﴾ أَمْثَال من كَانَ قبلهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد تَكْذِيب الرُّسُل
ثمَّ حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذين كَفَرُواْ﴾ يَوْم بدر ﴿فَضَرْبَ الرّقاب﴾ فاضربوا أَعْنَاقهم ﴿حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾ قهرتموهم وأسرتموهم ﴿فَشُدُّواْ الوثاق﴾ فاستوثقوا الْأَسير ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ﴾ يَقُول تمن على الْأَسير فترسله بِغَيْر فدَاء ﴿وَإِمَّا فِدَآءً﴾ وَإِمَّا أَن يفادي المأسور نَفسه ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْب﴾ الْكفَّار ﴿أَوْزَارَهَا﴾ أسلحتها وَيُقَال حَتَّى يتْرك الْكفَّار ﴿ذَلِك﴾ الْعقُوبَة لمن كفر بِاللَّه ﴿وَلَوْ يَشَآءُ الله لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ﴾ لانتقم مِنْهُم من كفار مَكَّة بِالْمَلَائِكَةِ غَيْركُمْ وَيُقَال من غير قتالكم ﴿وَلَكِن ليبلو بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾ ليختبر الْمُؤمنِينَ بالكافرين والقريب بالقريب ﴿وَالَّذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله يَوْم بدر وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ فَلَنْ يبطل حسناتهم فِي الْجِهَاد
﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ يوفقهم للأعمال الصَّالِحَة ﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ حَالهم وشأنهم ونياتهم وَيُقَال سيهديهم سينجيهم فِي الْآخِرَة وَيصْلح بالهم يقبل أَعْمَالهم يَوْم الْقِيَامَة
﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ بَينهَا لَهُم يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا كَمَا يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى مَنَازِلهمْ
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ﴾ إِن تنصرُوا نَبِي الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو ينصركم الله بالغلبة على الْعَدو ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ فِي الْحَرْب لكَي لَا تَزُول
﴿وَالَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر ﴿فَتَعْساً لَّهُمْ﴾ فنكساً لَهُم وبعداً لَهُم ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر
﴿ذَلِك﴾ الْإِبْطَال ﴿بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ﴾ جَحَدُوا ﴿مَآ أَنزَلَ الله﴾ بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ فَأبْطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ﴾ يسافروا كفار مَكَّة ﴿فِي الأَرْض فينظروا﴾ يتفكروا
427
﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ جَزَاء ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ﴾ أهلكهم الله ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ لكفار مَكَّة ﴿أَمْثَالُهَا﴾ أشباهها من الْعَذَاب
428
﴿ذَلِك﴾ النُّصْرَة للْمُؤْمِنين ﴿بِأَنَّ الله مَوْلَى﴾ نَاصِر ﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَأَنَّ الْكَافرين﴾ كفار مَكَّة ﴿لاَ مولى لَهُمْ﴾ لَا نَاصِر لَهُم
﴿إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿جنَّات﴾ بساتين ﴿تجْرِي من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿وَالَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿يَتَمَتَّعُونَ﴾ يعيشون فِي الدُّنْيَا ﴿وَيَأْكُلُونَ﴾ بِشَهْوَة أنفسهم بِلَا همة مَا فِي غَد ﴿كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَام وَالنَّار مَثْوىً لَّهُمْ﴾ منزل لَهُم فِي الْآخِرَة
﴿وكأين من قَرْيَة﴾ وَكم من أهل قَرْيَة ﴿هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً﴾ بِالْبدنِ والمنعة ﴿مِّن قَرْيَتِكَ﴾ مَكَّة ﴿الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ أخرجك أَهلهَا إِلَى الْمَدِينَة ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ عِنْد التَّكْذِيب ﴿فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ﴾ لم يكن لَهُم مَانع من عَذَاب الله
﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ﴾ على بَيَان وَدين ﴿من ربه﴾ وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿كمن زين لَهُ سوء عَمَلِهِ﴾ قبح عمله وَهُوَ أَبُو جهل ﴿وَاتبعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ بِعبَادة الْأَوْثَان
﴿مَّثَلُ الْجنَّة﴾ صفة الْجنَّة ﴿الَّتِي وُعِدَ المتقون﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ آجن رِيحه وطعمه ﴿وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ إِلَى الحموضة وزهومة زبده لم يخرج من بطُون اللقَاح ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾ شَهْوَة للشاربين لم تعصر بالأقدام ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ بِلَا شمع لم يخرج من بطُون النَّحْل ﴿وَلَهُمْ﴾ وَلأَهل الْجنَّة ﴿فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿مِن كُلِّ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ لذنوبهم فِي الدُّنْيَا ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّار﴾ لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يخرج مِنْهَا وَهُوَ أَبُو جهل ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً﴾ حاراً ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾ مباعرهم ﴿وَمِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين
﴿مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ إِلَى خطبتك يَوْم الْجُمُعَة ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ﴾ تفَرقُوا من عنْدك ﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعلم﴾ أعْطوا الْعلم يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود ﴿مَاذَا قَالَ﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿آنِفاً﴾ السَّاعَة على الْمِنْبَر استهزاء بِمَا قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أُولَئِكَ﴾ المُنَافِقُونَ هم ﴿الَّذين طَبَعَ الله﴾ ختم الله ﴿على قُلُوبِهِمْ﴾ فهم لَا يعْقلُونَ الْحق وَالْهدى ﴿وَاتبعُوا أَهْوَآءَهُمْ﴾ بِكفْر السِّرّ والنفاق والخيانة والعداوة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَالَّذين اهتدوا﴾ بِالْإِيمَان ﴿زَادَهُمْ﴾ بخطبتك ﴿هُدىً﴾ بَصِيرَة فِي أَمر الدّين وَتَصْدِيقًا فِي النيات ﴿وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ﴾ ألهمهم تقواهم يَقُول أكْرمهم بترك الْمعاصِي وَاجْتنَاب الْمَحَارِم وَيُقَال وَالَّذين اهتدوا بالناسخ زادهم هدى بالمنسوخ وآتاهم الله تبَارك وَتَعَالَى تقواهم أكْرمهم الله بِاسْتِعْمَال النَّاسِخ وَترك الْمَنْسُوخ
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ﴾ إِذا كَذبُوك كفار مَكَّة ﴿إِلاَّ السَّاعَة﴾ قيام السَّاعَة ﴿أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ فَجْأَة ﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا﴾ معالمها انْشِقَاق الْقَمَر وَخُرُوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ من أعلامها أَي معالمها
428
﴿فَأنى لَهُمْ﴾ فَمن أَيْن لَهُم ﴿إِذَا جَآءَتْهُمْ﴾ قيام السَّاعَة ﴿ذِكْرَاهُمْ﴾ التَّوْبَة
429
﴿فَاعْلَم﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ الله﴾ لَا ضار وَلَا نَافِع وَلَا مَانع وَلَا معطي وَلَا معز وَلَا مذل إِلَّا الله وَيُقَال فَاعْلَم أَنه لَيْسَ شَيْء فَضله كفضل لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿واستغفر لِذَنبِكَ﴾ يَا مُحَمَّد من ضرب الْيَهُودِيّ زيد بن السمين ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ ولذنوب الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ﴿وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ﴾ ذهابكم ومجيئكم وَأَعْمَالكُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿وَمَثْوَاكُمْ﴾ مصيركم ومنزلكم فِي الْآخِرَة
﴿وَيَقُول الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المخلصون ﴿لَوْلاَ﴾ هلا ﴿نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾ جِبْرِيل بِسُورَة تمنوا ذَلِك من اشتياقهم إِلَى ذكر الله وطاعته ﴿فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ جِبْرِيل بِسُورَة ﴿مُّحْكَمَةٌ﴾ مبينَة بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال﴾ أَمر فِيهَا بِالْقِتَالِ ﴿رَأَيْتَ الَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ نَحْوك عِنْد ذكرك الْقِتَال ﴿نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت﴾ كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت من كَرَاهِيَة قِتَالهمْ مَعَ الْعَدو ﴿فَأولى لَهُمْ﴾ وَعِيد لَهُم من عَذَاب الله
﴿طَاعَةٌ﴾ يَقُول هَذَا من الْمُؤمنِينَ طَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ ﴿وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ كَلَام حسن وَيُقَال طَاعَة الْمُنَافِقين لله وَلِرَسُولِهِ وَقَول مَعْرُوف كَلَام حسن لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير لَهُم من الْمعْصِيَة والمخالفة والكراهية وَيُقَال أطِيعُوا طَاعَة الله وَقُولُوا قولا مَعْرُوفا لمُحَمد ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمر﴾ جد الْأَمر وَظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ ﴿فَلَوْ صَدَقُواْ الله﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين بإيمَانهمْ وجهادهم ﴿لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ من الْمعْصِيَة
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ فلعلكم يَا معشر الْمُنَافِقين تتمنون إِن توليتم أَمر هَذِه الْأمة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض﴾ بِالْقَتْلِ والمعاصي وَالْفساد ﴿وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ﴾ بِإِظْهَار الْكفْر
﴿أُولَئِكَ﴾ المُنَافِقُونَ ﴿الَّذين لَعَنَهُمُ الله﴾ هم الَّذين طردهم الله من كل خير ﴿فَأَصَمَّهُمْ﴾ عَن الْحق وَالْهدى ﴿وأعمى أَبْصَارَهُمْ﴾ عَن الْحق وَالْهدى
﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن﴾ أَفلا يتفكرون بِالْقُرْآنِ مَا نزل فيهم ﴿أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ أم على قُلُوب الْمُنَافِقين أقفالاً لَا يعْقلُونَ مَا نزل فيهم
﴿إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِمْ﴾ رجعُوا إِلَى دين آبَائِهِم وهم الْيَهُود ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى﴾ التَّوْحِيد وَالْقُرْآن وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْقُرْآن ﴿الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ﴾ زين لَهُم الرُّجُوع إِلَى دينهم ﴿وأملى لَهُمْ﴾ الله أمهلهم إِذْ لم يُهْلِكهُمْ
﴿ذَلِك﴾ الارتداد ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿لِلَّذِينَ كَرِهُواْ﴾ وهم المُنَافِقُونَ جَحَدُوا فِي السِّرّ ﴿مَا نزل الله﴾ بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿سَنُطِيعُكُمْ﴾ سنعينكم يَا معشر الْمُنَافِقين ﴿فِي بَعْضِ الْأَمر﴾ أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِن كَانَ لَهُ ظُهُور علينا ﴿وَالله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ إسرار الْيَهُود مَعَ الْمُنَافِقين
﴿فَكَيْفَ﴾ يصنعون ﴿إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة﴾ قبضتهم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْيَهُود ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ﴾ بمقامع من حَدِيد ﴿وأدبارهم﴾ ظُهُورهمْ
﴿ذَلِك﴾ الضَّرْب والعقوبة ﴿بِأَنَّهُمُ اتبعُوا مَآ أَسْخَطَ الله﴾ من الْيَهُودِيَّة ﴿وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ﴾ جَحَدُوا توحيده ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ فَأبْطل حسناتهم فِي الْيَهُودِيَّة وَيُقَال نزل من قَوْله ﴿إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم﴾ إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين الَّذين رجعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة مرتدين عَن دينهم وَيُقَال نزل فِي شَأْن الحكم بن أبي الْعَاصِ الْمُنَافِق وَأَصْحَابه الَّذين شاوروا فِيمَا بَينهم يَوْم الْجُمُعَة فى أَمر الْخلَافَة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ولينا أَمر هَذِه الْأمة نَفْعل كَذَا وَكَذَا كَانُوا يشاورون فِي هَذَا وَالنَّبِيّ يخْطب وَلَا يَسْتَمِعُون إِلَى خطبَته حَتَّى قَالُوا بعد ذَلِك لعبد الله بن مَسْعُود مَاذَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن على الْمِنْبَر استهزاء مِنْهُم
﴿أَمْ حَسِبَ﴾ أيظن ﴿الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ﴾ أَن لن يظْهر الله عداوتهم وبغضهم لله
429
وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقهم للْمُؤْمِنين وعداوتهم وبغضهم
430
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد بالعلامة القبيحة ﴿فَلَعَرَفْتَهُم﴾ فلتعرفنهم ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ بعلامتهم القبيحة بعد ذَلِك ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ﴾ وَلَكِن تعرفنهم يَا مُحَمَّد ﴿فِي لَحْنِ القَوْل﴾ فِي محاورة الْكَلَام وَهِي معذرة الْمُنَافِقين ﴿وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ أسراركم وعداوتكم وبغضكم لله وَلِرَسُولِهِ
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ وَالله لنختبرنكم بِالْقِتَالِ ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾ حَتَّى نميز ﴿الْمُجَاهدين﴾ فِي سَبِيل الله ﴿مِنكُمْ﴾ يَا معشر الْمُنَافِقين ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ ونميز الصابرين فِي الْحَرْب مِنْكُم ﴿ونبلو أَخْبَارَكُمْ﴾ نظهر أسراركم وبغضكم وعداوتكم ومخالفتكم لله وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقكم
﴿إِن الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته ﴿وَشَآقُّواْ الرَّسُول﴾ خالفوا الرَّسُول فِي الدّين ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى﴾ التَّوْحِيد ﴿لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً﴾ لن ينقصوا الله بمخالفتهم وعداوتهم وكفرهم وصدهم عَن سَبِيل الله شَيْئا ﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ يبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر وهم المطعمون يَوْم بدر
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بالعلانية ﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُول﴾ فِي السِّرّ ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ حسناتكم بالنفاق والبغض والعداوة وَمُخَالفَة الرَّسُول وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فى المخلصين يَقُول يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَطِيعُواْ اللَّهَ فِيمَا أَمركُم من الْفَرَائِض وَالصَّدَََقَة وَأَطِيعُواْ الرَّسُول فِيمَا أَمركُم من السّنة والغزو وَالْجهَاد وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بالرياء والسمعة
﴿إِن الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر ﴿وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته ﴿ثُمَّ مَاتُواْ﴾ أَو قتلوا ﴿وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ بِاللَّه وبرسوله ﴿فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ﴾ لأَنهم كفار بِاللَّه وبرسوله
﴿فَلاَ تَهِنُواْ﴾ فَلَا تضعفوا يَا معشر الْمُؤمنِينَ بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو ﴿وَتَدعُوا إِلَى السّلم﴾ إِلَى الصُّلْح وَيُقَال إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال ﴿وَأَنتُمُ الأعلون﴾ الغالبون وَآخر الْأَمر لكم ﴿وَالله مَعَكُمْ﴾ معينكم بالنصر على عَدوكُمْ ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ وَلنْ ينقص أَعمالكُم فِي الْجِهَاد
﴿إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ﴿لَعِبٌ﴾ بَاطِل ﴿وَلَهْوٌ﴾ فَرح لَا يبْقى ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ﴾ تستقيموا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿يُؤْتِكُمْ﴾ يعطكم ﴿أُجُورَكُمْ﴾ ثَوَاب أَعمالكُم ﴿وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم﴾ كلهَا فى الصَّدَقَة
﴿إِن يسألكموها﴾ كلهَا فِي الصَّدَقَة ﴿فَيُحْفِكُمْ﴾ يجهدكم ﴿تَبْخَلُواْ﴾ بِالصَّدَقَةِ فِي طَاعَة الله ﴿وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ يظْهر بخلكم
﴿هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ﴾ أَنْتُم يَا هَؤُلَاءِ ﴿تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله ﴿فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ﴾ بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله ﴿وَمَن يَبْخَلْ﴾ بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله ﴿فَإِنَّمَا يَبْخَلُ﴾ بالثواب والكرامة ﴿عَن نَّفْسِهِ وَالله الْغَنِيّ﴾ هُوَ الْغَنِيّ عَن أَمْوَالكُم وصدقاتكم ﴿وَأَنتُمُ الفقرآء﴾ إِلَى رَحْمَة الله وجنته ومغفرته ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ﴾ عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله وَعَما أَمركُم من الصَّدَقَة ﴿يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ﴾ يهلككم وَيَأْتِ بِآخَرين خير مِنْكُم وأطوع ﴿ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ بالمعصية وَالطَّاعَة وَلَكِن يَكُونُوا خيرا لَهُ مِنْكُم وأطوع لله وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين أَسد وغَطَفَان فبدل الله بهم جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة خيرا مِنْهُم وأطوع لله وَذَلِكَ إِنَّا فتحنا لَك
430
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفَتْح وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ آيَة وكلمها خَمْسمِائَة وَسِتُّونَ كلمة وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
431
Icon