تفسير سورة محمد

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة محمد من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٤٧) سورة محمد مدنيّة وآياتها ثمان وثلاثون
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦)
196
اللغة:
(مُحَمَّدٍ) اسم عربي وهو مفعل من الحمد والتكرير فيه للتكثير كما تقول كرّمته فهو مكرّم وعظمته فهو معظّم إذا فعلت ذلك مرة بعد مرة وهو منقول من الصفة على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده وكان كذلك صلى الله عليه وسلم، روى بعض نقلة العلم فيما حكاه ابن دريد أن النبي ﷺ لما ولد أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجال قريش وكانت سنّتهم في المولود إذا ولد في استقبال الليل كفئوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبي ﷺ فأصبحوا وقد انشقّت عنه القدر وهو شاخص إلى السماء فلما حضرت رجال قريش وطعموا قالوا لعبد المطلب ما سمّيت ابنك هذا؟
قال: سمّيته محمدا قالوا: ما هذا من أسماء آبائك قال: أردت أن يحمد في السموات والأرض. يقال: رجل محمود ومحمد قال الأعشى:
إليك أبيت اللعن كان كلالها إلى الواحد الفرد الجواد المحمّد
فمحمود لا يدل على الكثرة ومحمد يدل على ذلك والذي يدل على الفرق بينهما قول الشاعر:
فلست بمحمود ولا بمحمد ولكنما أنت الحبط الحباتر
وقد سمّت العرب في الجاهلية رجالا من أبنائها بذلك منهم محمد بن حمران الجعفي الشاعر وكان في عصر امرئ القيس وسمّاه شويعرا ومحمد بن خولي الهمداني ومحمد بن بلال بن أحيحة وكان زوج سلمى بنت عمرو جدّة رسول الله ﷺ أم جدّه ومحمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأبو محمد بن أوس بن زيد شهد بدرا.
197
(بالَهُمْ) البال: القلب يقال: ما خطر الأمر ببالي والحال والعيش يقال فلان رخي البال والخاطر يقال فلان كاسف البال وما يهتم به يقال: ليس هذا من بالي أي مما أباليه وأمر ذو بال أي يهتم به وما بالك أي ما شأنك وقال الجوهري: «والبال أيضا رفاء العيش يقال فلان رخي البال أي رخي العيش وعبارة البيضاوي «وأصلح بالهم أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد» وعبارة أبي حيان: «البال الفكر تقول خطر في بالي كذا ولا يثني ولا يجمع وشذ قولهم بآلات في جمعه» وعبارة القاموس: «والبال: الحال والخاطر والقلب والحوت العظيم وبهاء: القارورة والجراب ووعاء الطيب».
(أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل وفي المصباح «أثخن في الأرض إثخانا سار إلى العدو وأوسعهم قتلا وأثخنته أوهنته بالجراح وأضعفته».
(الْوَثاقَ) بالفتح والكسر اسم ما يوثق به وفي المصباح: «الوثاق القيد والحبل ونحوه بفتح الواو وكسرها والجمع وثق مثل. وربط وعناق وعنق».
(أَوْزارَها) آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا
وعبارة الكشاف: «وسمّيت أوزارها لأنه لما لم يكن لها بدّ من جرّها فكأنها تحملها وتستقل بها فإذا انقضت فكأنها وضعتها وقيل أوزارها آثامها يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا».
198
الإعراب:
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) الذين مبتدأ وجملة كفروا صلة وصدّوا عطف على كفروا وعن سبيل الله متعلقان بصدّوا وأضلّ أعمالهم فعل وفاعل مستتر يعود على الله تعالى ومفعول به والجملة خبر الذين وأجاز أبو البقاء أن ينتصب الذين بفعل دلّ عليه المذكور أي أضلّ الذين كفروا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا، وآمنوا بما نزل على محمد عطف أيضا والواو اعتراضية وهو مبتدأ والحق خبره ومن ربهم حال (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) جملة كفّر عنهم خبر الذين آمنوا وسيئاتهم مفعول به وأصلح بالهم عطف على كفّر عنهم سيئاتهم (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) ذلك مبتدأ وبأن الذين كفروا خبره وجملة اتبعوا الباطل خبر أن (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) عطف على ما تقدم وقد تقدم إعرابه (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) كذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الضرب يضرب الله للناس أمثالهم وسيأتي معنى ضرب المثل هنا في باب البلاغة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) الفاء عاطفة لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط والعامل فيه فعل مقدّر هو العامل في ضرب الرقاب تقديره فاضربوا الرقاب وقت ملاقاتكم العدو ولا يعمل فيه نفس المصدر لأنه مؤكد وجملة لقيتم في محل جر بإضافة الظرف إليها والذين مفعول لقيتم وجملة كفروا صلة والفاء رابطة لجواب الشرط وضرب مفعول مطلق لفعل محذوف والرقاب مضاف إليه (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) حتى حرف ابتداء أي تبدأ بعده الجمل وجعلها أبو حيان حرف غاية وجر قال «وهذه
199
غاية للضرب» وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة أثخنتموهم في محل جر بإضافة الظرف إليها والفاء رابطة لجواب إذا وشدّوا الوثاق فعل أمر وفاعل ومفعول به والفاء للتفريع وإما حرف شرط وتفصيل ومنّا وفداء مصدران منصوبان بفعل لا يجوز إظهاره لأن المصدر متى سيق تفصيلا لعاقبة جملة وجب نصبه بإضمار فعل والتقدير فإما أن تمنّوا منّا وإما أن تفادوا فداء، وأجاز أبو البقاء أن يكونا مفعولين بهما لعامل مقدّر تقديرهم أولوهم منّا واقبلوا منهم فداء، وليس بالوجه، وبعد ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى أي بعد أسرهم وشدّ وثاقهم (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) حتى حرف غاية وجر وهي مع مدخولها إما أن تتعلق بالضرب والشدّ أو بالمنّ والفداء لأنها غاية لذلك كله على تفصيل تجده مبسوطا في كتب الفقهاء وليس هذا موضعه وسيأتي مزيد بيان في باب البلاغة، وتضع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والحرب فاعل وأوزارها مفعول به (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ذلك خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر فيهم ما ذكر من القتل والأسر وما بعده من المنّ والفداء ولك أن تنصبه بفعل محذوف أي افعلوا ذلك، والواو استئنافية ولو شرطية ويشاء الله فعل مضارع وفاعل واللام واقعة في جواب لو وانتصر فعل ماض وفاعل مستتر تقديره هو أي الله تعالى ولكن الواو عاطفة أو حالية ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف واللام للتعليل ويبلو فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل واللام ومدخولها متعلقة بفعل محذوف تقديره أمركم بالقتال وبعضكم مفعول به وببعض متعلقان بيبلو (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) الواو عاطفة والذين مبتدأ وجملة قتلوا صلة وفي سبيل الله متعلقان بقتلوا والفاء رابطة لما في الموصول من معنى الشرط ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويضل فعل مضارع منصوب بلن وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وأعمالهم مفعول به
200
والجملة خبر الذين (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) السين حرف استقبال ويهديهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ويصلح عطف على يهدي وبالهم مفعول به (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) الواو عاطفة ويدخلهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به والجنة مفعول
به ثان على السعة وجملة عرفها لهم مستأنفة أو حالية وسيأتي في باب الفوائد معنى عرفها لهم.
البلاغة:
١- في قوله تعالى «وأضلّ أعمالهم» استعارة مكنية فقد شبّه أعمالهم بالضالة من الإبل التي هي بمضيعة لا رب لها يحفظها ويعتني بها أو بالماء الذي يضل في اللبن والمعنى أن الكفار ضلّت أعمالهم الصالحة في جملة أعمالهم السيئة من الكفر والمعاصي وحتى صار صالحهم مستهلكا في غمار سيئهم ومقابله في المؤمنين ستر الله لأعمالهم السيئة في كنف أعمالهم الصالحة من الايمان والطاعة حتى صار سيئهم مكفرا ممحقا في جنب صالح أعمالهم، وإلى هذا التمثيل الجميل في عدم تقبل صالح الكفار والتجاوز عن سيئ أعمال المؤمنين وقعت الإشارة في قوله تعالى «كذلك يضرب الله للناس أمثالهم» وتفصيل ذلك أن ضرب المثل استعمال القول السائر المشبّه مضربه مورده بمورده قال الزمخشري: «فإن قلت أين ضرب الأمثال؟ قلت في أن جعل اتباع الباطل مثلا لأعمال الكفّار واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو في جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفّار وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين».
٢- المجاز المرسل: وفي قوله تعالى «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب» مجاز مرسل علاقته ذكر الجزء وإرادة الكل لأن ضرب
201
الرقاب عبارة عن القتل ولكن لما كان قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته وقع عبارة عن القتل وقد أوثر المجاز لما فيه من تصوير وتجسيد لأن في هذه العبارة- كما يقول الزمخشري- من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حزّ العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوّه وأوجه أعضائه.
٣- وفي قوله تعالى «حتى تضع الحرب أوزارها» استعارة مكنية أو تصريحية فعلى الأولى شبّه الحرب بمطايا ذات أوزار أي أحمال ثقال، وعلى الثانية استعار الأوزار لآلات الحرب، وفيه أيضا مجاز في الإسناد فقد أسند وضع الأوزار إلى الحرب وإنما هو لأهلها.
الفوائد:
معنى قوله تعالى «عرّفها لهم» إما من التعريف وهو التحديد بحيث يكون لكل واحد جنة مفرزة، وفي البخاري ما يدل على صحة هذا القول عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا» وأما من العرف وهو طيب الرائحة قال ابن عباس عرفها لهم بأنواع الملاذ وطعام معرّف أي مطيّب، تقول العرب: عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبازير، وفي كلام بعضهم: عزف كنوح القماري وعرف كفوح القماري، والقماري الأول جمع قمري اسم طير والقماري الثاني عود منسوب إلى موضع ببلاد الهند، كذا في الصحاح.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٧ الى ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)
202
اللغة:
(فَتَعْساً) التعس: الهلاك وخيبة الأمل وفي المختار: «التعس الهلاك وأصله الكبّ وهو ضد الانتعاش وقد تعس من باب قطع وأتعسه الله ويقال: تعسا لفلان أي ألزمه الله هلاكا» وفي المصباح: «وتعس تعسا من باب تعب لغة فهو تعس مثل تعب ويتعدى بالحركة وبالهمزة فيقال تعسه الله بالفتح وأتعسه وفي الدعاء تعسا له وتعس وانتكس فالتعس أن يخرّ لوجهه والنكس أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشدّ من الأولى» وفي الأساس: «تعس فلان بالفتح، والكسر غير فصيح، وتعسا له وتعسه الله وأتعسه قال:
غداة هزمنا جمعهم بمقالع فآبوا بأتعاس على شر طائر
وتقول: أضرع الله خدّه، وأتعس جدّه وهو منحوس متعوس وهذا الأمر متعسة منحسة»
وعبارة القرطبي: «وفي التعس عشرة أقوال: الأول
203
بعدا قاله ابن عباس وابن جريج، الثاني خزيا لهم قاله السدي، الثالث شقاء لهم قاله ابن زيد، الرابع شتما لهم من الله قاله الحسن، الخامس هلاكا لهم قاله ثعلب، السادس خيبة لهم قاله الضحاك وابن زياد، السابع قبحا لهم حكاه النقاش، الثامن رغما لهم قاله الضحاك أيضا، التاسع شرّا لهم قاله ثعلب أيضا، العاشر شقوة لهم قاله أبو العالية».
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) يا أيها الذين آمنوا تقدم إعرابها كثيرا وإن شرطية وتنصروا فعل الشرط والله مفعول به وينصركم جواب الشرط ويثبت أقدامكم عطف على الجواب ولا بدّ من حذف مضاف أي دين الله ورسوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) والذين مبتدأ خبره محذوف تقديره تعسو وهو العامل في تعسا ويجوز أن ينصب بفعل محذوف يفسره ما بعده وجملة كفروا صلة للموصول والفاء رابطة تشبيها للموصول بالشرط وتعسا مفعول مطلق لفعل محذوف كما تقدم ولهم متعلقان بتعسا أو صفة له وأضل أعمالهم عطف على الفعل الذي نصب تعسا (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ذلك مبتدأ وبأنهم خبره وأن واسمها وجملة كرهوا خبرها وما مفعول به وجملة أنزل الله صلة، فأحبط عطف على كرهوا وأعمالهم مفعول به (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف ولم حرف نفي وقلب وجزم ويسيروا فعل مضارع مجزوم بلم وفي الأرض متعلقان بيسيروا، فينظروا: الفاء فاء السببية وينظروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم وعاقبة اسمها المؤخر والذين مضاف إليه
204
ومن قبلهم متعلقان بمحذوف هو الصلة (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) الجملة مفسرة لكيف لا محل لها ودمر الله فعل وفاعل وعليهم متعلقان بدمر ومفعول دمر محذوف تقديره أهلك نفسهم وأموالهم وما شادوه، ولك أن تضمن دمر معنى سخط فلا تحتاج إلى مفعول وللكافرين خبر مقدم وأمثالها مبتدأ مؤخر والضمير يعود على العاقبة المتقدمة أي أمثال عاقبة من قبلهم ويجوز أن يعود على التدميرة المفهومة من قوله دمر الله عليهم والأول أولى (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ذلك مبتدأ وبأن خبره والله اسم أن ومولى الذين آمنوا خبر أن وأن الكافرين عطف على ما تقدم ولا نافية للجنس ومولى اسمها ولهم خبرها والجملة خبر أن (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الجملة مفسّرة لولايته تعالى وما يترتب عليها وإن واسمها وجملة يدخل الذين آمنوا خبرها وعملوا الصالحات عطف على الصلة وداخلة في حيزها وجنات مفعول به ثان على السعة وجملة تجري من تحتها الأنهار صفة لجنات (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة وجملة يتمتعون خبر الذين وجملة يأكلون عطف على جملة يتمتعون وكما في موضع نصب نعت لمصدر محذوف على مذهب أكثر المعربين أو في موضع نصب على الحال على مذهب سيبويه وتأكل الأنعام فعل وفاعل والواو استئنافية والنار مبتدأ ومثوى خبر ولهم صفة لمثوى.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٣ الى ١٥]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)
205
اللغة:
(آسِنٍ) بالمدّ والقصر كضارب وحذر أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير بما يطرأ عليه من عوارض وفي المختار: «الآسن من الماء مثل الآجن وزنا ومعنى وقد أسن من باب ضرب ودخل وأسن فهو آسن من باب طرب لغة فيه» ويقال أسن الماء وأجن إذا تغير طعمه وريحه وأنشد ليزيد بن معاوية:
لقد سقتني رضابا غير ذي أسن كالمسك فتّ على ماء العناقيد
(عَسَلٍ) نقلوا في العسل التذكير والتأنيث وجاء في القرآن على التذكير في قوله من عسل مصفى وفي المصباح «والعسل يذكّر ويؤنث وهو الأكثر ويصغّر على عسيلة على لغة التأنيث ذهابا إلى أنها قطعة من الجنس وطائفة منه» وفي المختار «العسل يذكّر ويؤنث يقال منه عسل الطعام أي عمله بالعسل وبابه ضرب ونصر وزنجبيل معسل أي معمول بالعسل والعاسل الذي يأخذ العسل من بيت النحل، والنحل عسّالة» وفي الأساس «الدليل يعسل في المفازة وصفقت الرياح الماء فهو يعسل عسلانا وأنشد الأصمعي:
206
قد صبّحت والظل غض ما رحل حوضا كأن ماءه إذا عسل
من نافض الريح رويزيّ سمل ورمح وذئب عسال ورماح وذئاب عواسل وتقول: يمتار الفيء العاسل كما يشتار الأري العاسل، وبنو فلان يوفضون إلى العسالة، كما يطّرد النحل إلى العسّالة وهي الخلية وطعام معسول ومعسّل وعسلت القوم وعسّلتهم: أطعمتهم العسل».
الإعراب:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) كلام مستأنف مسوق لتسليته ﷺ بمثابة المثل له، وكأين خبرية وهي كلمة مركبة من الكاف وأي بمعنى كم الخبرية ومحلها الرفع على الابتداء ومن قرية تمييز لها وقد تقدم القول فيها مفصلا فجدد به عهدا وهي مبتدأ وأشد خبر والجملة صفة لقرية وقوة تمييز ومن قريتك متعلقان بأشد والتي نعت لقريتك وجملة أخرجتك صلة التي وجملة أهلكناهم خبر كأين والفاء عاطفة ولا نافية للجنس وناصر اسمها ولهم خبرها وعن ابن عباس أن النبي ﷺ لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: «أنت أحبّ بلاد الله إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه أو قتله غير قاتله أو قتل بدخول الجاهلية» (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال الفريقين المؤمنين والكافرين والهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف مقدر يقتضيه المقام والتقدير أليس الأمر كما ذكر فمن كان مستقرا على حجة ظاهرة وبرهان كمن زين له، ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وكان فعل ماض
207
ناقص واسمها مستتر تقديره هو يعود على من وعلى بيّنة خبر ومن ربه صفة لبينة وكمن خبر وجملة زين بالبناء للمجهول صلة وله متعلقان بزين وسوء عمله نائب فاعل واتبعوا عطف على زين وقد روعي فيه معنى من كما روعي لفظها في زين وأهواءهم مفعول به (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) مثل الجنة مبتدأ وسيأتي الكلام على خبره والتي صفة وجملة وعد المتقون صلة وفيها خبر مقدم وأنهار مبتدأ مؤخر والجملة حال من الجنة أو خبر لمبتدأ مضمر أي هي فيها أنهار أو داخلة في حيز الصلة وتكرير لها ومن ماء صفة لأنهار وغير آسن صفة ثانية لأنهار وأنهار عطف على أنهار الأولى ومن خمر نعت ولذة للشاربين نعت ثان وللشاربين متعلقان بلذة لأنها مصدر بمعنى الالتذاذ ووقعت صفة للخمر ويجوز أن تكون مؤنث لذّ، ولذّ بمعنى لذيذ وعلى الأول لا بدّ من تأويلها بالمشتق ليصحّ النعت بها على حدّ زيد عدل بمعنى عادل، وسيأتي المزيد من بحث لذة للشاربين في باب الفوائد (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) وأنهار عطف على أنهار المتقدمة ومن عسل صفة ومصفّى صفة لعسل والواو حرف عطف ولهم خبر مقدم وفيها متعلقان بما يتعلق به الخبر من الاستقرار المحذوف والمبتدأ محذوف تقديره أصناف ومن كل الثمرات نعت للمبتدأ المحذوف ومغفرة عطف على أصناف أو مبتدأ خبره المقدم محذوف أي ولهم مغفرة ومن ربهم نعت لمغفرة (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) كمن خبر لمبتدأ محذوف تقديره أمن هو خالد في هذه الجنة حسبما جرى به الوعد كمن هو خالد في النار وعلى هذا يكون خبر مثل مقدّر فقدّره سيبويه فيما يتلى عليكم مثل الجنة والجملة بعدها أيضا مفسّرة للمثل وقدّره النضر بن شميل مثل الجنة ما تسمعون والجملة بعدها مفسّرة أيضا ويجوز أن يكون الخبر
208
كمن هو خالد في النار، وسقوا الواو عاطفة وسقوا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل وماء مفعول به ثان وحميما نعت لماء، فقطع الفاء عاطفة وقطع أمعاءهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به.
الفوائد:
كثر الكلام واستفاض حول هذه الآية وسننقل عبارة الزمخشري مع تعقيب بديع عليها قال: «فإن قلت ما معنى قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار؟ قلت هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والإنكار لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار ودخوله في حيّزه وانخراطه في سلكه وهو قوله تعالى: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن زيّن له سوء عمله فكأنه قيل أمثل الجنة كمن هو خالد في النار أي كمثل جزاء من هو خالد في النار فإن قلت: فلم عرّي من حرف الإنكار وما فائدة التعرية؟ قلت: تعريته من حكم الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوّي بين المتمسك بالبيّنة والتابع لهواه وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الهيم ونظيره قول القائل:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن أورث ذودا شصائصا نبلا
هو كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود مع تعرّيه عن حرف الإنكار لانطوائه تحت حكم قول من قال: أتفرح بموت أخيك وبوراثة إبله، والذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصوّر قبح ما أزنّ به فكأنه قال له: نعم مثلي يفرح بمرزأة الكرام وبأبن يستبدل منهم ذودا يقل طائله وهو من التسليم الذي تحته كل إنكار»
.
وعقّب ابن المنير صاحب الانتصاف على كلام الزمخشري فقال:
209
«كم ذكر الناس في تأويل هذه الآية فلم أر أطلى ولا أحلى من هذه النكت التي ذكرها ولا يعوزها إلا التنبيه على أن في الكلام محذوفا لا بدّ من تقديره لأنه لا معادلة بين الجنة وبين الخالدين في النار إلا على تقدير مثل ساكن فيه يقوّم وزن الكلام وتتعادل كفتاه ومن هذا النمط قوله تعالى: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، فإنه لا بدّ من تقدير محذوف مع الأول أو الثاني ليتعادل القسمان وبهذا الذي قدّرته في الآية ينطبق آخر الكلام على أوله فيكون المقصود تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالسيئة والراكب للهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة والمعذب في النار على الصفات المتقابلة المذكورة في الجهتين وهو من وادي تنظير الشيء بنفسه باعتبار حالتين إحداهما أوضح في البيان من الأخرى فإن المتمسّك بالسنّة هو المنعم في الجنة الموصوفة والمتبع للهوى هو المعذب في النار المنعوتة ولكن أنكر التسوية بينهما باعتبار الأعمال أولا وأوضح ذلك بإنكار التسوية بينهما باعتبار الجزاء ثانيا».
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)
210
الإعراب:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: ماذا قالَ آنِفاً) كلام مستأنف مسوق لبيان جانب آخر من استهزائهم وتعنتهم فقد كانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون إليه بالا فإذا خرجوا من المجلس سألوا أهل العلم من الصحابة ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء وقيل في خطبة الجمعة فتكون الآية مدنية. ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يستمع إليك صلة وقد روعي لفظ من، وحتى حرف غاية وجر وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة خرجوا في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن عندك متعلقان بخرجوا وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وللذين متعلقان بقالوا وجملة أوتوا بالبناء للمجهول صلة والواو نائب فاعل والعلم مفعول به ثان، وماذا تقدم أن في إعرابها وجهين فما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول هنا خاصة في محل رفع خبر ولك أن تجعلها اسم استفهام بكاملها وآنفا حال من الضمير في قال أي مؤتنفا وأعربه الزمخشري وأبو البقاء ظرفا أي ماذا قال الساعة وأنكر أبو حيان ذلك وقال ولا نعلم أحدا من النحاة عدّه في الظروف وقال ابن عطية: «والمفسرون يقولون آنفا معناه الساعة الماضية القريبة منّا وهذا تفسير بالمعنى» وقال في القاموس «وقال آنفا كصاحب وكتف وقرئ بهما أي مذ ساعة أي في أول وقت يقرب منّا» كأنه يميل إلى نصبه على الظرفية. وقال الزّجاج «هو من استأنفت الشيء إذا ابتدأته والمعنى ماذا قال في أول وقت يقرب منّا» وعلى هذا رجحت كفّة القائلين بالظرفية (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أولئك مبتدأ والذين خبره وجملة طبع الله على قلوبهم صلة وجملة واتبعوا أهواءهم عطف أيضا داخلة في حيز الصلة
211
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) والذين مبتدأ وجملة اهتدوا صلة وجملة زادهم خبر وهدى مفعول به ثان أو تمييز وآتاهم عطف على زادهم وتقواهم مفعول به ثان وتقواهم مصدر مضاف للفاعل (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) الفاء استئنافية وهل حرف استفهام معناه النفي وينظرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وإلا أداة حصر والساعة مفعول به وأن تأتيهم المصدر المؤول بدل اشتمال من الساعة أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم وبغتة حال (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) الفاء تعليل لإتيان الساعة مفاجأة فالاتصال بينهما اتصال العلة بالمعلول، وقد حرف تحقيق وأشراطها فاعل جمع شرط بفتحتين وهي العلامة قال في المصباح «وجمع الشرط شروط مثل فلس وفلوس والشرط بفتحتين العلامة والجمع أشراط مثل سبب وأسباب ومنه أشراط الساعة أي علاماتها، فأنى الفاء حرف عطف وأنى اسم استفهام في محل نصب على الظرف المكانية وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم وذكراهم مبتدأ مؤخر أي أنى لهم التذكّر وجملة إذا وما بعدها اعتراض وجواب إذا محذوف تقديره كيف يتذكرون ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا أي أنّى لهم الخلاص ويكون ذكراهم فاعلا لجاءتهم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدّر أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية فإنه وحدي المجدي يوم القيامة وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من يؤمنون برسالتك وأن وما في حيزها سدّت مسدّ مفعولي اعلم وأن واسمها وجملة لا إله إلا الله خبرها وقد تقدم القول مسهبا في إعراب كلمة الشهادة، واستغفر فعل أمر ولذنبك متعلقان باستغفر وللمؤمنين والمؤمنات عطف على لذنبك (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) الواو استئنافية والله مبتدأ وجملة يعلم خبر ومتقلبكم مفعول به
212
ومثواكم عطف على متقلبكم ومعناهما متصرفكم ومأواكم وعبارة الزمخشري «والله يعلم أحوالكم ومتصرفاتكم ومتقلبكم في معايشكم ومتاجركم» ويجوز فيهما أن يكون مصدرين ميميين من تقلب وثوى وأن يكونا اسمي مكان أو زمان.
الفوائد:
جاءت مصادر أحوالا بكثرة في النكرات وفيها شذوذ واحد وهو المصدرية وكان الأصل أن لا تقع أحوالا لأنها غير صاحبها في المعنى ولكنهم لما كانوا يخبرون بالمصادر عن الذوات كثيرا واتساعا نحو زيد عدل فعلوا مثل ذلك لأنها خير من الإخبار كطلع زيد بغتة وجاء ركضا وقتلته صبرا فصبرا وهو أن يحبسه حيّا ثم يرمى حتى يقتل حال من مفعول قتلته وذلك كله على التأويل بالوصف فيؤول بغتة بوصف من باغت لأنها بمعنى مفاجأة أي مباغتا أو من بغت أي باغتا يقال بغتة أي فجأة والبغت الفجأة قال:
ولكنهم كانوا ولم أدر بغتة وأعظم شيء حين يفجؤك البغت
ومع كثرة ذلك قال سيبويه والجمهور لا ينقاس مطلقا سواء كان نوعا من العامل أم لا كما لا ينقاس المصدر الواقع نعتا أو خبرا بجامع الصفة المعنوية وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل فيه لأنه حينئذ يدل على الهيئة بنفسه فأجاز قياسا جاء زيد سرعة لأن السرعة نوع من المجيء ومنع جاء ضحكا لأن الضحك ليس نوعا من المجيء.
قال ابن هشام في الحواشي: «وإنما قاسه المبرد ولم يقسه سيبويه لأن سيبويه يرى أنه حال على التأويل ووضع المصدر موضع الوصف لا ينقاس كما أن عكسه لا ينقاس والمبرد يرى أنه مفعول مطلق حذف
213
عامله لدليل فهو عنده مقيس كما يحذف عامل سائر المفاعيل لدليل فهذا الخلاف مبني على الخلاف في أنه حال أو مفعول مطلق».
وقال اللقاني «التمثيل ببغتة وركضا وصبرا لا يدل على تعيّن ذلك فيها بل يجوز جعلها مفاعيل مطلقة إذ هي نوع من عاملها فهي كرجع القهقرى».
وقاس ابن مالك في التسهيل وابنه في شرح الألفية الحال بعد أما نحو أما علما فعالم والأصل في هذا أن رجلا وصف عنده شخص بعلم أو غيره فقال للواصف أما علما فعالم أي مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم كأنه منكر ما وصف به من غير العلم فصاحب الحال على هذا التقدير نائب الفاعل ويذكر ناصب الحال لما تقرر أن العامل في صاحب الحال هو العامل في الحال ويجوز أن يكون ناصب الحال ما بعد الفاء إذا كان صالحا للعمل فيما قبلها وصاحبها ما فيه من ضمير الحال والحال على هذا مؤكدة والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور في حال علم فلو كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها تعين أن يكون منصوبا بفعل الشرط المقدر بعد أما نحو أما علما فلا علم له وأما علما فإن له علما وأما علما فهو ذو علم لأن المصدر يعمل في متقدم فلو كان المصدر التالي أما معرّفا بأل فهو عند سيبويه مفعول له، وذهب الأخفش إلى أن المعرّف بأل والمنكر كليهما بعد أما مفعول مطلق، وذهب الكوفيون إلى أنهما مفعول به بفعل مقدّر والتقدير مهما تذكر علما فالذي وصفت عالم قال ابن مالك في شرح التسهيل: «وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحقّ ما اعتمد عليه في الجواب» وقاسه ابن مالك وابنه أيضا بعد خبر شبّه به مبتدؤه كزيد زهير شعرا فزهير بالتصغير خبر شبّه به مبتدؤه وهو زيد والتقدير مثل زهير في الشعر وإنما حذف مثل ليزول لفظ التشبيه فيكون الكلام أبلغ وشعرا حال في تقدير الصفة
214
أي شاعرا والعامل فيها ما في زهير من معنى الفعل إذ معناه مجيد وصاحب الحال ضمير مستتر في زهير لما تقرر من أن الجامد المؤول بالمشتق يتحمل الضمير ويجوز أن يكون شعرا تمييزا لما انبهم في مثل المحذوقة وهي العاملة فيه قاله الخصاف في الإيضاح واستظهره أبو حيان في الارتشاف وابن هشام في المغني ورجحه اللقاني «والأظهر أنه تمييز محوّل عن الفاعل والأصل زيد مماثل شعره شعر زهير».
وقاساه أيضا بعد الخبر المقرون بأل الدالّة على الكمال نحو:
أنت الرجل علما فعلما حال والعامل فيها ما في الرجل من معنى الفعل إذ معناه الكامل، وفي الخاطريات لابن جنّي «أنت الرجل فهما وأدبا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون في قولك أنت الرجل معنى الفعل أي أنت الكامل فهما وأدبا والثاني أن يكون على معنى تفهم فهما وتأدب أدبا» وقال أبو حيان في الارتشاف «يحتمل عندي أن يكون تمييزا كأنه قال أنت الكامل أدبا أي أدبه فهو محوّل عن الفاعل» فتحصل فيه ثلاثة آراء: حال ومفعول مطلق وتمييز ويتحصل من الخلاف في المصدر المنصوب أقوال:
١- مذهب سيبويه إن المصدر هو الحال.
٢- مذهب المبرد والأخفش أنه مفعول مطلق غير منصوب بالعامل قبله وإنما عامله المحذوف من لفظه وذلك المحذوف هو الحال.
٣- مذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق وعامله الفعل المذكور وليس في موضع الحال.
٤- وذهب جماعة إلى أنه مصدر على حذف مضاف وتقدير جاء ركضا جاء ذا ركض.
وعلى القول بالحالية مذاهب:
215
١- مذهب سيبويه: عدم القياس.
٢- وذهب المبرد إلى قياسه فيما كان نوعا من عامله.
٣- وقاسه ابن مالك وابنه في ثلاث مسائل: أ- بعد إما ب- وبعد خبر شبه به مبتدؤه ج- وفيما إذا كان الخبر مقرونا بأل الدالّة على الكمال.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٨]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨)
216
الإعراب:
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) كلام مستأنف لبيان موقف المؤمنين الصادقين والمنافقين من الجهاد فقد سأل المؤمنون ربهم عزّ وجلّ أن ينزل على رسوله ﷺ سورة يأمرهم فيها بقتال الكفّار حرصا منهم على الجهاد ونيل ما أعدّ الله للمجاهدين من جزيل الثواب فحكى الله عنهم ذلك. ويقول فعل مضارع والذين فاعله وجملة آمنوا صلة ولولا حرف تحضيض بمعنى هلّا ونزلت فعل ماض مبني للمجهول وسورة نائب فاعل (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ) الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة أنزلت في محل جر بإضافة الظرف إليها وهو فعل ماض مبني للمجهول وسورة نائب فاعل ومحكمة صفة أي مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها إلا وجوب القتال، وعن قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة لأن النسخ لا يرد عليها، وذكر عطف على أنزلت وفيها متعلقان بذكر والقتال نائب فاعل وجملة رأيت لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والذين مفعول به وفي قلوبهم خبر مقدم ومرض مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها صلة الموصول وينظرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة في محل نصب حال إن كانت الرؤية بصرية ومفعول به ثان إن كانت الرؤية قلبية وكلا الوجهين مراد في الآية وإليك متعلقان بينظرون ونظر المغشي مفعول مطلق مؤكد وعليه متعلقان بالمغشي لأنه اسم مفعول ومن الموت متعلقان بالمغشي أيضا، فأولى الفاء استئنافية وأولى لهم قال الجوهري: «تقول العرب أولى لك تهديد ووعيد ثم اختلف اللغويون والمعربون في هذه اللفظة فقال الأصمعي إنها فعل ماض بمعنى قاربه
217
ما يهلكه والأكثرون أنها اسم ثم اختلف هؤلاء فقيل مشتق من الولي وهو القرب وقيل من الويل، هذا ما يتعلق باشتقاقه ومعناه وأما الإعراب فإن قلنا باسميته ففيه أوجه أحدها أنه مبتدأ ولهم خبره وتقديره فالهلاك لهم واقتصر عليه أبو البقاء، والثاني أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره العقاب أو الهلاك أولى لهم أي أقرب وأدنى، ويجوز أن تكون اللام بمعنى الباء أي أولى وأحق بهم الثالث أنه مبتدأ ولهم يتعلق به واللام بمعنى الباء وطاعة خبره والتقدير فأولى بهم طاعة دون غيرها وإن قلنا بقول الأصمعي فهو فعل ماض وفاعله مضمر يدل عليه السياق كأنه قيل فأولى هو أي الهلاك وهذا ظاهر عبارة الزمخشري حيث قال معناه الدعاء عليهم بأن يليهم الهلاك وقال المبرد يقال لمن هم بالغضب ثم أفلت أولى لك أي قاربك الغضب. وقال أبو حيان: «قال صاحب الصحاح: قول العرب أولى لك تهديد وتوعيد ومنه قول الشاعر:
فأولى ثم أولى ثم أولى وهل للداء يحلب من يرد
واختلفوا أهو اسم أو فعل فذهب الأصمعي إلى أنه بمعنى قاربه ما يهلكه أي نزل به وأنشد:
تعادى بين هاديتين منها وأولى أن يزيد على الثلاث
أي قارب أن يزيد، قال ثعلب: لم يقل أحد أحسن مما قال الأصمعي، وقال المبرد، يقال لمن هم بالعطب كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فينفلت منه فيقول أولى لك رمي صيدا فقاربه ثم أفلت منه وقال:
فلو كان أولى يطعم القوم صيدهم ولكن أولى يترك القوم جوّعا
والأكثرون على أنه اسم فقيل هو مشتق من الولي وهو القرب كما قال الشاعر:
218
تكلفني ليلى وقد شطّ وليّها وعادت عواد بيننا وخطوب
وقال الجرجاني هو ما حول من الويل فهو أفعل منه لكن فيه قلب». وقال الجلال في تفسير سورة القيامة «والكلمة اسم فعل واللام للتبيين» أي مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب والفاعل ضمير مستتر يعود على ما يفهم من السياق وهو كون هذه الكلمة تستعمل في الدعاء بالمكروه وقوله للتبيين المفعول وهي في المعنى زائدة على حدّ سقيا لك. وعبارة القاموس «وأولى لك هي كلمة تهديد ووعيد والمعنى قد قاربك الشر فاحذر» قال شارحه وقيل معناه الويل لك أو أولاك الله ما تكرهه فتكون اللام زائدة» (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) طاعة وقول كلام مستقل محذوف منه أحد الجزأين إما الخبر وتقديره أمثل وهو مذهب سيبويه والخليل، وإما المبتدأ وتقديره الأمر أو أمرنا طاعة وتقدم أنه يجوز أن يكون خبر الأولى وهناك أعاريب أخرى ضربنا عنها صفحا لبعدها وتكلفها، فإذا الفاء حرف عطف وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بصدقوا نحو إذا جاءني بطعام فلو جئتني أطعمتك، وجملة عزم الأمر في محل جر بإضافة الظرف إليها والفاء رابطة لجواب إذا ولو شرطية غير جازمة وصدقوا فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب إذا ولفظ الجلالة مفعول به ولكان اللام واقعة في جواب لو وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره هو أي الصدق وخيرا خبرها ولهم متعلقان بخيرا (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) الفاء استئنافية وعسيتم فعل ماض من أفعال الرجاء والتاء اسمها وسيأتي مزيد بحث عنها في باب الفوائد وإن شرطية وتوليتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والجواب محذوف لدلالة فهل عسيتم عليه أو هو نفس فهل عسيتم عند من يرى تقديمه وجملة الشرط وجوابه معترضة لا محل
219
لها وأن تفسدوا خبر عسى وفي الأرض متعلقان بتفسدوا (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) عطف على أن تفسدوا في الأرض (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أولئك مبتدأ والذين خبره وجملة لعنهم الله صلة والفاء عاطفة وأصمّهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به وأعمى أبصارهم عطف على فأصمّهم (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على مقدّر يقتضيه السياق ولا نافية ويتدبرون القرآن فعل مضارع وفاعل ومفعول به وأم منقطعة بمعنى بل والهمزة للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكر وعلى قلوب خبر مقدم وأقفالها مبتدأ مؤخر وجوبا وسيأتي سرّ التنكير في باب البلاغة (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) إن حرف مشبّه بالفعل والذين اسمها وجملة ارتدوا صلة الموصول وعلى أدبارهم حال ومن بعد متعلقان بارتدّوا وما المصدرية وما في حيزها في محل جر بالإضافة إلى الظرف ولهم متعلقان بتبين والهدى فاعل والشيطان مبتدأ وجملة سوّل لهم خبر الشيطان والجملة الاسمية خبر إن ومعنى سوّل لهم سهّل لهم من السول وهو الاسترخاء وأملى لهم عطف على سوّل لهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) ذلك مبتدأ وبأنهم خبره وأن واسمها وجملة قالوا خبرها وللذين متعلقان بقالوا وجملة كرهوا صلة وما مفعول به وجملة نزّل الله صلة وجملة سنطيعكم مقول القول وفي بعض الأمر متعلقان بنطيعكم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) الواو للحال والله مبتدأ وجملة يعلم إسرارهم خبر وإسرارهم مفعول به وهو بكسر الهمزة مصدر أسرّ وقرئ بفتحها جمع سر (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) الفاء عاطفة وكيف اسم استفهام في محل رفع خبر مقدم أي كيف حالهم ويجوز أن تعرب مفعولا لفعل محذوف أي فكيف يصنعون، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط
220
متعلق بالمبتدأ المحذوف وجملة توفتهم الملائكة في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة يضربون حال من الفاعل
أو من المفعول ووجوههم مفعول به وأدبارهم عطف على وجوههم (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ذلك مبتدأ وبأنهم خبر وجملة اتبعوا خبر أن وما مفعول به وجملة أسخط الله صلة وكرهوا رضوانه عطف على جملة اتبعوا ما أسخط الله، فأحبط عطف على ما تقدم وأعمالهم مفعول به.
البلاغة:
١- في قوله تعالى «فهل عسيتم إن توليتم» إلى آخر الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب وقد تقدم القول مطولا في الالتفات، والسرّ فيه هنا أنه جاء لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع وتسجيل ذلك عليهم مشافهة وخطابا، ولقائل أن يقول كيف يصحّ الاستفهام من الله تعالى وهو عالم بما كان وما يكون؟ والجواب أنه لما عهد منكم أحرياء بأن يقول لكم كل من سبر أغواركم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان يا هؤلاء ما ترون؟ هل يتوقع منكم إذا توليتم أمور الناس ونيطت بكم شئونهم وأصبحتم حكاما هل يتوقع منكم أن تفسدوا في الأرض بالتناخر على الملك والتهالك على الدنيا والتناور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب ووأد البنات وأخذ الرشاوة والعودة إلى الجاهلية الأولى.
٢- التنكير والاستعارة: وفي قوله تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» التنكير في قلوب مع إضافة الأقفال إليها على طريق الاستعارة المكنية، أما التنكير فهو إما لتهويل حالها كأنه قيل على قلوب منكرة مبهم أمرها أو إما لأن المراد بها قلوب بعض منهم وهم قلوب المنافقين، أما الاستعارة فهي أنه شبّه قلوبهم بالصناديق واستعار لها
221
شيئا من لوازمها وهي الأقفال المختصّة بها لاستبعاد فتحها واستمرار انغلاقها فلا تطلع مخبآتها على أحد ولا يطّلع على مخبآتها أحد.
الفوائد:
يجوز كسر سين عسى في لغة من قال هو عسى بكذا مثل شج من شجى، وليس ذلك الجواز مطلقا سواء أسندته إلى ظاهر أو مضمر بل يتقيد بأن يسند إلى ضمير يسكن معه آخر الفعل كالتاء أو النون أو نا وبهما قرئ في السبع، قرأ نافع بالكسر لمناسبة الياء وقرأ الباقون بالفتح وهو المختار لجريانه على الألسن.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٣]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)
اللغة:
(أَضْغانَهُمْ) أحقادهم وفي المصباح: «ضغن صدره ضغنا من باب
222
تعب حقد والاسم ضغن والجمع أضغان مثل حمل وأحمال وهو ضغن وضاغن» وقال عمرو بن كلثوم:
وإن الضغن بعد الضغن يبدو عليك ويخرج الداء الدفينا
ومن عجيب أمر الضاد والغين أنهما إذا اجتمعتا فاء وعينا للكملة دلّتا على معنى متقارب وهو الشيء الكامن في الخفاء كما تقدم في الضغن ويقال ضغن عليّ فلان واضطغن وأبعد الله كل مضاغن لأخيه مشاحن لمواليه وما زلت به حتى سللت بقية ضغنه وأخليت صدره عمّا كان في ضمنه، وضغبت الأرنب صوّتت إذا أخذت، وضربه بضغث أي بقبضة من قضبان صغار أو حشيش بعضه في بعض ومن مجازه هذه أضغاث أحلام وهي ما التبس وكمن منها، وضغط الشيء عصره وضيّق عليه وأعوذ بالله من ضغطة القبر وهي كامنة لا يعلمها إلا الله، وسمعت ضغيل الحجام وهو صوت مصّه وضغمه ضغمة الأسد وهي العضة بملء الفم وفرسه الضيغم والضياغمة وهو الأسد، وضغا فلان ضغاء تضوّر من ضرب أو أذى وتقول أضغيته إضغاء ثم أغضيت عنه إغضاء وبات صبيانه يتغاضون من الجوع ويتضاغون وهذا من العجب العجاب.
(بِسِيماهُمْ) بعلامتهم وفي القاموس «والسومة بالضم والسيمة والسيماء والسيمياء بكسرهنّ: العلامة».
(لَحْنِ الْقَوْلِ) نحوه وأسلوبه وقيل اللحن: إن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا واللحن يعرفه ذوي الألباب
فاللحن العدول بالكلام عن الظاهر والمخطئ لاحن لعدوله عن الصواب أي لكي تفهموا دون غيركم فإن اللحن يعرفه أرباب الألباب
223
دون غيرهم قال في المصباح: «اللحن بفتحتين الفطنة وهو مصدر من باب تعب والفاعل لحن يتعدى بالهمزة فيقال ألحنته فلحن أي أفطنته ففطن وهو سرعة الفهم وهو ألحن من زيد أي أسبق فهما ولحن في كلامه لحنا من باب نفع أخطأ في العربية قال أبو زيد لحن في كلامه لحنا بسكون الحاء ولحونا إذا أخطأ الإعراب وخالف وجه الصواب ولحنت بلحن فلان لحنا أيضا تكلمت بلغته ولحنت له لحنا قلت قولا فهمه عني وخفي على غيره من القوم وفهمته من لحن كلامه وفحواه ومعاريضه بمعنى، قال الأزهري: لحن القول كالعنوان وهو كالعلامة تشير لها فيفطن المخاطب لغرضك».
والخلاصة أن للحن معنيين صواب وخطأ فالصواب صرف الكلام وإزالته عن التصريح إلى المعنى والتعريض وهذا ممدوح من حيث البلاغة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «فلعلّ بعضكم ألحن بحجته من بعض» وقال الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيا نا وخير الحديث ما كان لحنا
وإليه قصد بقوله «ولتعرفنّهم في لحن القول» وأما اللحن المذموم فظاهر وهو صرف الكلام عن الصواب إلى الخطأ بإزالة الإعراب أو التصحيف، ومعنى الآية: وإنك يا محمد لتعرفنّ المنافقين فيما يعرضون به من القول من تهجين أمرك وأمر المسلمين وتقبيحه والاستهزاء به فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي ﷺ إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه ونفاقه.
الإعراب:
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ) أم حرف إضراب وعطف وحسب الذين فعل وفاعل وفي قلوبهم خبر مقدّم
224
ومرض مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية صلة الموصول وأن وما في حيزها سدّت مسدّ مفعولي حسب وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويخرج فعل مضارع منصوب بلن والجملة خبر أن والله فاعل وأضغانهم مفعول به (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) الواو عاطفة ولو شرطية ونشاء فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن واللام واقعة في جواب لو وأريناكهم فعل ماض ونا فاعل والكاف مفعول أول والهاء مفعول ثان والرؤية هنا بصرية فلذلك لم تنصب سوى مفعولين والفاء عاطفة واللام عطف على اللام الأولى الواقعة جوابا وكررت للتأكيد وعرفتهم فعل وفاعل ومفعول وجملة لأريناكهم لا محل لها لأنها جواب لو وجملة فلعرفتهم عطف عليها وبسيماهم متعلقان بعرفتهم (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) الواو حرف عطف واللام واقعة مع النون في جواب قسم محذوف وتعرفنّهم فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التأكيد الثقيلة والفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به وفي لحن القول متعلقان بتعرفنّهم أو بمحذوف حال أي حال كونهم لاحنين والله مبتدأ وجملة يعلم أعمالكم خبر والجملة استئنافية. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) اللام واقعة جواب قسم محذوف مع النون ونبلونّكم فعل وفاعل مستتر ومفعول به وحتى حرف غاية وجر أو تعليل وجر ونعلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والمجاهدين مفعول به ومنكم حال والصابرين عطف على المجاهدين ونبلو عطف على نعلم وأخباركم مفعول به (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) إن واسمها وجملة كفروا صلة وجملة صدّوا عن سبيل الله عطف على جملة كفروا وشاقوا الرسول عطف أيضا ومن بعد متعلقان بشاقوا وما مصدرية وهي مع مدخولها في تأويل مصدر
225
مضاف لبعد ولهم متعلقان بتبين والهدى فاعل ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويضرّوا الله فعل مضارع منصوب بلن والجملة خبر إن وشيئا مفعول مطلق أي شيئا من الضرر، ولك أن تعربه مفعولا به، وسيحبط الواو حرف عطف والسين حرف استقبال ويحبط أعمالهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) تقدم إعراب نظير هذه الآية كثيرا وقد اشتجر الخلاف بين أهل السنّة والاعتزال حول الكبائر وهل تحبط الحسنات فليرجع إليها من شاء في مختلف المظان.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٣٤ الى ٣٨]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)
اللغة:
(السَّلْمِ) بفتح السين وكسرها الصلح وقد قرئ بهما.
226
(يَتِرَكُمْ) ينقصكم من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم من الوتر وهو الانفراد وفي المختار: «ووتره حقه يتره بالكسر وترا بالكسر أيضا نقصه وقوله تعالى: ولن يتركم أعمالكم أي في أعمالكم كقولهم دخلت البيت أي في البيت وأوتره أفذّه ومنه أوتر صلاته، وأوتر فرسه وتّرها توتيرا بمعنى» وفي المصباح: «يقال وترت العدد وترا من باب وعد أفردته وأوترته بالألف مثله ووترت الصلاة وأوترتها جعلتها وترا ووترت زيدا حقّه أثره من باب وعد أيضا نقصته ومنه من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله بنصبها على المفعولية».
(فَيُحْفِكُمْ) يبالغ في طلبها حتى يستأصلها فيجهدكم بذلك فالإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء ويقال أحفى شاربه استأصله وفي القاموس: «وحفا شاربه بالغ في أخذه كأحفاه».
الإعراب:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) إن واسمها وجملة كفروا صلة وصدّوا عطف على كفروا وعن سبيل الله متعلقان بصدّوا (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) ثم حرف عطف وماتوا فعل وفاعل وجملة فلن يغفر الله لهم خبر إن ودخلت الفاء لما في الموصول من معنى الشرط (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الفاء الفصيحة أي إذا علمتم وجوب الجهاد فلا تضعفوا ولا تهنوا، ولا ناهية وتهنوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وتدعوا عطف على فلا تهنوا مجزوم مثله وإلى السلم متعلقان بتدعوا والواو للحال وأنتم الأعلون مبتدأ وخبر والجملة حالية (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) الواو للحال أيضا والله مبتدأ ومعكم ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر والواو عاطفة ولن حرف
227
نفي ونصب واستقبال ويتركم فعل مضارع منصوب بلن وأعمالكم منصوب بنزع الخافض كما نصّ صاحب المختار ومفهوم كلام صاحب المصباح أنه يجوز أن تكون مفعولا به (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) إنما كافة ومكفوفة والحياة الدنيا مبتدأ ولعب وخبر ولهو عطف على لعب (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) الواو عاطفة وإن شرطية وتؤمنوا فعل الشرط مجزوم بحذف النون والواو فاعل وتتقوا عطف على تؤمنوا ويؤتكم جواب الشرط والكاف مفعول يؤتكم الأول وأجوركم مفعول يؤتكم الثاني والواو حرف عطف ولا نافية ويسألكم عطف على يؤتكم والكاف مفعول يسأل الأول وأموالكم مفعول يسأل الثاني أي لا يأمركم بإخراج جميع أموالكم في الزكاة بل يأمر بإخراج ما فرض عليكم في الزكاة وهو معروف ومبسوط في كتب الفقه (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) إن شرطية ويسألكموها فعل الشرط مجزوم والكاف مفعوله الأول والهاء مفعوله الثاني والميم علامة جمع الذكور والواو للإشباع، فيحفكم عطف على فعل الشرط وتبخلوا جواب الشرط ويخرج عطف على الجواب وأضغانكم مفعول به والفاعل يعود على الله تعالى لأنكم قوم تحبّون الماء ومن نوزع في حبيبه ظهرت كوامنه التي يخفيها (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ها أنتم هؤلاء تقدم القول مشبعا في نظيرها ونعيد بعض ما تقدم فنقول ها للتنبيه وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره وجملة تدعون مستأنفة وأعربه بعضهم ها للتنبيه وأنتم مبتدأ وجملة تدعون خبره وهؤلاء منادى معترض بين المبتدأ والخبر وجنح الزمخشري إلى إعراب هؤلاء اسم موصول بمعنى الذين وهو الخبر وجملة تدعون صلة وتبعه البيضاوي وكررت ها التنبيه للتأكيد قال أبو حيان: «وكون هؤلاء موصولا إذا تقدمها ما الاستفهامية باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف» والكوفيون لا يشترطون ذلك فتبع الزمخشري مذهبهم. ولتنفقوا اللام للتعليل وتنفقوا فعل مضارع منصوب
228
بأن مضمرة بعد لام التعليل والواو فاعل في سبيل الله متعلقان بتنفقوا (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) الفاء عاطفة للتفريع ومنكم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يبخل صلة ولا بدّ من تقدير جملة ليتم التفريع أي ومنكم من يجود وإنما حذف هذا المقابل لأن المقام مقام استدلال على البخل والواو عاطفة ومن شرطية مبتدأ ويبخل فعل الشرط والفاء رابطة وإنما كافّة ومكفوفة وجملة فإنما وما بعدها في محل جزم جواب الشرط ويبخل فعل مضارع مرفوع وعن نفسه متعلقان بيبخل لأنه يتعدى بعلى وبعن لتضمينه معنى الإمساك والتعدّي يقال بخلت عليه وعنه وكذلك ضننت عليه وعنه (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) الواو استئنافية والله مبتدأ والغني خبره وأنتم الفقراء عطف على والله الغني (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) الواو عاطفة على الجملة الشرطية السابقة وإن شرطية وتتولوا فعل الشرط والواو فاعل ويستبدل جواب الشرط وقوما مفعول به وغيركم نعت لقوما وثم حرف ولا نافية ويكونوا معطوف على الجواب مجزوم والواو اسم يكون وأمثالكم خبرها.
229
Icon