تفسير سورة البلد

تفسير التستري
تفسير سورة سورة البلد من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

قوله تعالى :﴿ لا أقسم بهذا البلد ﴾ [ ١ ] قال : يعني مكة.
﴿ وأنت حل بهذا البلد ﴾ [ ٢ ] يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالا تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار »١، فأقسم الله تعالى بمكة لحلول نبيه فيها إعزازا له وإذلالا لأعدائه.
١ - صحيح البخاري: كتاب الجنائز، رقم ١٢٨٤..
﴿ ووالد وما ولد ﴾ [ ٣ ] قال : الوالد : آدم، وما ولد : محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾ [ ٤ ] أي في مشقة وشدة. قال : الكبد الانتصاب، أي لقد خلقناه في بطن أنه منتصبا. كما قال مجاهد : إن الولد يكون في بطن أمه منتصبا كانتصاب الأم، وملك موكل به، إذا اضجعت الأم رفع رأسه، ولولا ذلك لغرق في الدم.
قوله تعالى :﴿ وهديناه النجدين ﴾ [ ١٠ ] قال : بينا له طريق الخير ليتبعه، وطريق الشر ليجتنبه، كما قال :﴿ إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾ [ الإنسان : ٣ ]. وقيل : يعني التدبير.
قوله تعالى :﴿ فلا اقتحم العقبة ﴾ [ ١١ ] قال : أي فهلا جاوز الصراط والعقبة دونها، وفي الباطن عقبتان، إحداهما : الذنوب التي اجترحها، يعني بين يديه كالجبل يجاوزها بعتق رقبة، أو إطعام في يوم ذي مجاعة وشدة مسكينا قد لزق بالتراب من الجهد والفاقة، ويتيما بينه وبينه قرابة، والعقبة الأخرى : المعرفة لا يقدر العارف عليها إلا بحول الله وقوته على عتق رقبة نفسه عن الهوى،
وبينه قرابة، والعقبة الأخرى: المعرفة لا يقدر العارف عليها إلا بحول الله وقوته على عتق رقبة نفسه عن الهوى،
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١٤ الى ١٥]
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥)
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [١٤] ضرورة الإيمان قواماً، لا ظلماً وطغياناً بلذة نفس الطبع.
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ [١٥] فاليتيم هاهنا القلب، طعامه الوفاء، والمسكين العارف المتحير، فطعامه ألطافه ذا مقربة عند الله وعند الخلق ذَا مَتْرَبَةٍ [١٦].
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١٧ الى ١٨]
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨)
قوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [١٧] قال: يعني بالصبر على أمر الله، والتراحم بين الخلق.
وقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما الإسلام؟ فقال: «الصبر والسماح. فقيل: ما الإيمان؟ فقال:
طيب الكلام وإطعام الطعام»
«١». قال سهل: وأطيب الكلام ذكر الله تعالى.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [١٨] قال: يعني الميامنين على أنفسهم من أهوال ذلك اليوم، لا يحسون بدونه، كما كانوا في الدنيا حياة بحياة، وأزلية بأزلية، وسراً بسر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الشمس
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ٣ الى ٤]
وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
قوله تعالى: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها [٣] قال: يعني نور الإيمان يجلي ظلمة الجهل، ويطفئ لهيب النار.
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [٤] قال: يعني الذنوب والإصرار عليها يغشى نور الإيمان، فلا يشرق في القلب، ولا يظهر أثره على الصفات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل» «٢» والبيان، لسابق القدرة من الله عزَّ وجلّ.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ٩ الى ١٠]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)
قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [٩] قال: أفلح من رزق النظر في أمر معاده.
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [١٠] قال: خسرت نفس أغواها الله عزَّ وجلَّ، فلم تنظر في أمر معاده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) في اعتقاد أهل السنة ٤/ ٨٤٦: (قيل للحسن: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماح. قال: الصبر عن محارم الله، بفرائض الله).
(٢) تقدم الحديث في تفسير سورة البقرة، والآية (٢٦) من سورة ص، وهو من قول الحارث بن أسد في الحلية ١٠/ ٨٨.
Icon