تفسير سورة سورة هود من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
تفسير سورة هود
سورة هود مكية، إلا قوله تعالى :( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) ( ١ ) إلى آخر الآية ؛ فإنها مدنية.
سورة هود مكية، إلا قوله تعالى :( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) ( ١ ) إلى آخر الآية ؛ فإنها مدنية.
١ - هود: ١١٤..
ﰡ
قَوْله تَعَالَى: ﴿الر﴾ مَعْنَاهُ: أَنا الله أرى. وَقَوله: ﴿كتاب﴾ أَي: هَذَا كتاب.
وَقَوله: ﴿أحكمت آيَاته﴾ فِيهِ أَقْوَال:
قَالَ قَتَادَة: مَعْنَاهُ: أحكمها الله فَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف وَلَا تنَاقض.
وَالثَّانِي: أَن معنى قَوْله: (أحكمت آيَاته) يَعْنِي: هِيَ محكمَة غير مَنْسُوخَة.
وَالثَّالِث: ﴿أحكمت أياته﴾ يَعْنِي: بِالْأَمر وَالنَّهْي، والحلال وَالْحرَام.
وَقَوله: ﴿ثمَّ فصلت﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: ثمَّ فصلت بالوعد والوعيد. وَقَالَ مُجَاهِد: فصلت أَي: فسرت وبينت. وَالثَّالِث: ثمَّ فصلت أَي: أنزلهَا الله شَيْئا فَشَيْئًا.
وَقيل: أحكمت آيَاته للمعتبرين، ثمَّ فصلت أَحْكَامه لِلْمُتقين.
وَقيل: أحكمت آيَاته للقلوب، ثمَّ فصلت أَحْكَامه على الْأَبدَان.
وَقُرِئَ فِي الشاذ: " ثمَّ فصلت " وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا جَاءَت.
﴿من لدن حَكِيم خَبِير﴾ أَي: من عِنْد حَكِيم خَبِير.
وَقَوله: ﴿أحكمت آيَاته﴾ فِيهِ أَقْوَال:
قَالَ قَتَادَة: مَعْنَاهُ: أحكمها الله فَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف وَلَا تنَاقض.
وَالثَّانِي: أَن معنى قَوْله: (أحكمت آيَاته) يَعْنِي: هِيَ محكمَة غير مَنْسُوخَة.
وَالثَّالِث: ﴿أحكمت أياته﴾ يَعْنِي: بِالْأَمر وَالنَّهْي، والحلال وَالْحرَام.
وَقَوله: ﴿ثمَّ فصلت﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: ثمَّ فصلت بالوعد والوعيد. وَقَالَ مُجَاهِد: فصلت أَي: فسرت وبينت. وَالثَّالِث: ثمَّ فصلت أَي: أنزلهَا الله شَيْئا فَشَيْئًا.
وَقيل: أحكمت آيَاته للمعتبرين، ثمَّ فصلت أَحْكَامه لِلْمُتقين.
وَقيل: أحكمت آيَاته للقلوب، ثمَّ فصلت أَحْكَامه على الْأَبدَان.
وَقُرِئَ فِي الشاذ: " ثمَّ فصلت " وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا جَاءَت.
﴿من لدن حَكِيم خَبِير﴾ أَي: من عِنْد حَكِيم خَبِير.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلا تعبدوا إِلَّا الله﴾ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: بِأَن لَا تعبدوا إِلَّا الله.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَمركُم أَن لَا تعبدوا إِلَّا الله.
وَقَوله: ﴿إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير وَبشير﴾ مَعْنَاهُ: نَذِير للعاصين، وَبشير للمطيعين.
أَحدهمَا: بِأَن لَا تعبدوا إِلَّا الله.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَمركُم أَن لَا تعبدوا إِلَّا الله.
وَقَوله: ﴿إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير وَبشير﴾ مَعْنَاهُ: نَذِير للعاصين، وَبشير للمطيعين.
411
﴿إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير وَبشير (٢) وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يمتعكم مَتَاعا حسنا﴾
412
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ قَالَ أهل الْمعَانِي: إِنَّمَا قدم الْمَغْفِرَة على التَّوْبَة؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَطْلُوبَة بِالتَّوْبَةِ.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " مَا أصر من اسْتغْفر وَإِن عَاد سبعين مرّة ". وَفِي بعض الْأَخْبَار: " لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار، وَلَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار ".
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن معنى قَوْله: ﴿وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم﴾ يَعْنِي: فِي الْمَاضِي ﴿ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ يَعْنِي: فِي المستأنف.
قَوْله: ﴿يمتعكم مَتَاعا حسنا﴾ مَعْنَاهُ: يعيشكم عَيْشًا حسنا. وَقيل: يعمركم عمرا حسنا. وَأما الْعَيْش الْحسن: قَالَ بَعضهم: هُوَ الرِّضَا بالميسور، وَالصَّبْر على (الْمُقدر). وَقيل: الْعَيْش الْحسن: هُوَ طيب النَّفس وسعة الرزق. وَيُقَال: الْعَيْش الْحسن: هُوَ الْكِفَايَة بالحلال. وَقَوله ﴿إِلَى أجل مُسَمّى﴾ أَي: إِلَى حِين الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله﴾ فِيهِ قَولَانِ:
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " مَا أصر من اسْتغْفر وَإِن عَاد سبعين مرّة ". وَفِي بعض الْأَخْبَار: " لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار، وَلَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار ".
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن معنى قَوْله: ﴿وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم﴾ يَعْنِي: فِي الْمَاضِي ﴿ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ يَعْنِي: فِي المستأنف.
قَوْله: ﴿يمتعكم مَتَاعا حسنا﴾ مَعْنَاهُ: يعيشكم عَيْشًا حسنا. وَقيل: يعمركم عمرا حسنا. وَأما الْعَيْش الْحسن: قَالَ بَعضهم: هُوَ الرِّضَا بالميسور، وَالصَّبْر على (الْمُقدر). وَقيل: الْعَيْش الْحسن: هُوَ طيب النَّفس وسعة الرزق. وَيُقَال: الْعَيْش الْحسن: هُوَ الْكِفَايَة بالحلال. وَقَوله ﴿إِلَى أجل مُسَمّى﴾ أَي: إِلَى حِين الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله﴾ فِيهِ قَولَانِ:
412
﴿إِلَى أجل مُسَمّى وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله وَإِن توَلّوا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير (٣) إِلَى الله مرجعكم وَهُوَ على كل شَيْء قدير (٤) أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ﴾
أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ يُؤْت كل ذِي عمل حسن فِي الدُّنْيَا ثَوَابه فِي الْآخِرَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿يُؤْت كل ذِي فضل فَضله﴾ يَعْنِي: من عمل لله تَعَالَى وَفقه الله تَعَالَى فِيمَا يسْتَقْبل على طَاعَته ويهديه إِلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: كل مَا يحْتَسب الْإِنْسَان فِيهِ من قَول أَو عمل هُوَ دَاخل فِيهَا، حَتَّى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة يَقُولهَا.
قَوْله: (وَإِن توَلّوا) أَي: فَإِن أَعرضُوا. قَوْله: ﴿فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير﴾ أَي: يَوْم الْقِيَامَة.
أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ يُؤْت كل ذِي عمل حسن فِي الدُّنْيَا ثَوَابه فِي الْآخِرَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿يُؤْت كل ذِي فضل فَضله﴾ يَعْنِي: من عمل لله تَعَالَى وَفقه الله تَعَالَى فِيمَا يسْتَقْبل على طَاعَته ويهديه إِلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: كل مَا يحْتَسب الْإِنْسَان فِيهِ من قَول أَو عمل هُوَ دَاخل فِيهَا، حَتَّى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة يَقُولهَا.
قَوْله: (وَإِن توَلّوا) أَي: فَإِن أَعرضُوا. قَوْله: ﴿فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير﴾ أَي: يَوْم الْقِيَامَة.
413
ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِلَى الله مرجعكم وَهُوَ على كل شَيْء قدير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى ﴿أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ﴾ الْآيَة، قَالَ عبد الله بن شَدَّاد: كَانَ الرجل الْكَافِر يمر بِالنَّبِيِّ فيثني صَدره، ويستغشي بِثَوْبِهِ بغضا للنَّبِي حَتَّى لَا يرَاهُ النَّبِي وَلَا يرى هُوَ النَّبِي. وَعَن بَعضهم: أَن الرجل من الْكفَّار كَانَ يدْخل بَيته ويرخي ستره، ويتغشى بِثَوْبِهِ ويحني ظَهره وَيَقُول: هَل يعلم الله مَا فِي قلبِي؟ وَعَن أبي رزين قَرِيبا من القَوْل الأول، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَمعنى قَوْله: ﴿يثنون صُدُورهمْ﴾ أَي: يعطفون ويطوون، وَمِنْه ثني الثَّوْب، قَالَ الشَّاعِر فِي التغشي:
وَقَوله: ﴿ليستخفوا مِنْهُ﴾ أَي: ليستخفوا من الله تَعَالَى. وَقيل: ليستخفوا من النَّبِي. وَفِي الشاذ أَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَرَأَ: " أَلا إِنَّهُم يثنوني صُدُورهمْ " على وزن يفعوعل، وكما يُقَال: يحلولي.
﴿أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ﴾ يَعْنِي: يتغشون بثيابهم. قَوْله تَعَالَى: {يعلم مَا
وَمعنى قَوْله: ﴿يثنون صُدُورهمْ﴾ أَي: يعطفون ويطوون، وَمِنْه ثني الثَّوْب، قَالَ الشَّاعِر فِي التغشي:
(أرعى النُّجُوم وَلم أُؤمر برعيتها | وَتارَة أتغشى فضل أطمار) |
﴿أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ﴾ يَعْنِي: يتغشون بثيابهم. قَوْله تَعَالَى: {يعلم مَا
413
﴿ليستخفوا مِنْهُ أَلا حِين يستغشون ثبابهم يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور (٥) وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها وَيعلم مستقرها ومستودعها كل فِي كتاب مُبين (٦) وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام وَكَانَ عَرْشه﴾ يسرون وَمَا يعلنون إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور) قَالَ الْأَزْهَرِي وَغَيره: معنى الْآيَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا: إِن الَّذين أضمروا عَدَاوَة النَّبِي لَا يخفى علينا حَالهم. وَفِي بعض التفاسير: أَن رجلا كَانَ يبطن عَدَاوَة النَّبِي وَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ وَيظْهر الْمحبَّة لَهُ، فَأنْزل الله تَعَالَى فِيهِ هَذِه الْآيَة.
414
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها﴾ الْآيَة. الدَّابَّة: كل مَا يدب على الأَرْض من الْحَيَوَانَات. وَقَوله: ﴿إِلَّا على الله رزقها﴾ أَي: إِن الله يسبب ويسهل رزقها.
قَالَ أهل الْمعَانِي: هَذَا على الْمَشِيئَة، لِأَنَّهُ قد يرْزق وَقد لَا يرْزق. وَقَوله: ﴿وَيعلم مستقرها ومستودعها﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال:
روى مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: المستقر: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يأوي إِلَيْهِ، والمستودع: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يدْفن فِيهِ.
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: المستقر: هُوَ أَرْحَام الْأُمَّهَات، والمستودع: هُوَ الْموضع الَّذِي يدْفن فِيهِ.
وَقَالَ بَعضهم: المستقر: هُوَ الَّذِي يسْتَقرّ عَلَيْهِ عمله، والمستودع: هُوَ الَّذِي يصير إِلَيْهِ أمره فِي الْعَاقِبَة.
وَيُقَال: المستقر: أَرْحَام الْأُمَّهَات، والمستودع: هُوَ أصلاب الْآبَاء. وَهَذَا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا.
وَقَوله: ﴿كل فِي كتاب مُبين﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَالَ أهل الْمعَانِي: هَذَا على الْمَشِيئَة، لِأَنَّهُ قد يرْزق وَقد لَا يرْزق. وَقَوله: ﴿وَيعلم مستقرها ومستودعها﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال:
روى مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: المستقر: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يأوي إِلَيْهِ، والمستودع: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يدْفن فِيهِ.
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: المستقر: هُوَ أَرْحَام الْأُمَّهَات، والمستودع: هُوَ الْموضع الَّذِي يدْفن فِيهِ.
وَقَالَ بَعضهم: المستقر: هُوَ الَّذِي يسْتَقرّ عَلَيْهِ عمله، والمستودع: هُوَ الَّذِي يصير إِلَيْهِ أمره فِي الْعَاقِبَة.
وَيُقَال: المستقر: أَرْحَام الْأُمَّهَات، والمستودع: هُوَ أصلاب الْآبَاء. وَهَذَا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا.
وَقَوله: ﴿كل فِي كتاب مُبين﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام﴾ قد بَينا من قبل.
414
﴿على المَاء ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا وَلَئِن قلت إِنَّكُم مبعوثون من بعد الْمَوْت ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين (٧) وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة ليَقُولن مَا يحسه أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون﴾
وَقَوله: ﴿وَكَانَ عَرْشه على المَاء﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الْعَرْش على المَاء، وَالْمَاء على متن الرّيح، أَي: صلب الرّيح. وروى يزِيد بن هَارُون، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن وَكِيع ابْن حدس، عَن أبي رزين الْعقيلِيّ أَنه قَالَ: " يَا رَسُول الله، أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق خلقه؟ قَالَ: فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء، وَكَانَ عَرْشه على المَاء ". قَالَ يزِيد بن هَارُون: معنى قَوْله: " فِي عماء " أَي: لَيْسَ مَعَه غَيره. أوردهُ ابو عِيسَى فِي كِتَابه على هَذَا الْوَجْه.
قَوْله: ﴿ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا﴾ مَعْنَاهُ: ليختبركم أَيّكُم أعمل بِطَاعَة الله تَعَالَى، وأسرع إِلَى طلب مرضات الله، وَأَوْرَع عَن محارم الله، وَمَعْنَاهُ: الِابْتِلَاء من الله وَقد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن قلت إِنَّكُم مبعوثون من بعد الْمَوْت ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين﴾ أَي: إِلَّا خدع ظَاهر.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ عَرْشه على المَاء﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الْعَرْش على المَاء، وَالْمَاء على متن الرّيح، أَي: صلب الرّيح. وروى يزِيد بن هَارُون، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن وَكِيع ابْن حدس، عَن أبي رزين الْعقيلِيّ أَنه قَالَ: " يَا رَسُول الله، أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق خلقه؟ قَالَ: فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء، وَكَانَ عَرْشه على المَاء ". قَالَ يزِيد بن هَارُون: معنى قَوْله: " فِي عماء " أَي: لَيْسَ مَعَه غَيره. أوردهُ ابو عِيسَى فِي كِتَابه على هَذَا الْوَجْه.
قَوْله: ﴿ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا﴾ مَعْنَاهُ: ليختبركم أَيّكُم أعمل بِطَاعَة الله تَعَالَى، وأسرع إِلَى طلب مرضات الله، وَأَوْرَع عَن محارم الله، وَمَعْنَاهُ: الِابْتِلَاء من الله وَقد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن قلت إِنَّكُم مبعوثون من بعد الْمَوْت ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين﴾ أَي: إِلَّا خدع ظَاهر.
415
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة﴾ مَعْنَاهُ: إِلَى أجل مَعْدُودَة. قَوْله: ﴿ليَقُولن مَا يحْبسهُ﴾ مَعْنَاهُ: ليَقُولن الَّذين كفرُوا: أَي شَيْء يحْبسهُ؟ يَعْنِي: الْعَذَاب. وَقَوله: ﴿أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم﴾ مَعْنَاهُ: أَلا يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب لَا يكون الْعَذَاب مصروفا عَنْهُم.
وَقَوله ﴿وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون﴾ مَعْنَاهُ: وَنزل بهم جَزَاء استهزائهم.
وَقَوله ﴿وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون﴾ مَعْنَاهُ: وَنزل بهم جَزَاء استهزائهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان منا رَحْمَة﴾ الرَّحْمَة هَاهُنَا: هِيَ سَعَة الرزق.
415
( ﴿٨) وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان منا رَحْمَة ثمَّ نزعناها مِنْهُ إِنَّه ليئوس كفور (٩) وَلَئِن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليَقُولن ذهب السَّيِّئَات عني إِنَّه لفرح فخور (١٠) إِلَّا الَّذين صَبَرُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير (١١) فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك وضائق بِهِ صدرك أَن يَقُولُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ كنز أَو جَاءَ مَعَه ملك إِنَّمَا أَنْت﴾
وَقَوله: ﴿ثمَّ نزعناها مِنْهُ﴾ يَعْنِي أخذناها مِنْهُ، قَوْله: ﴿إِنَّه ليئوس كفور﴾ أَي: قنوط من رَحْمَة الله تَعَالَى، كفور بِنِعْمَة الله.
وَقَوله: ﴿ثمَّ نزعناها مِنْهُ﴾ يَعْنِي أخذناها مِنْهُ، قَوْله: ﴿إِنَّه ليئوس كفور﴾ أَي: قنوط من رَحْمَة الله تَعَالَى، كفور بِنِعْمَة الله.
416
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليَقُولن ذهب السَّيِّئَات عني﴾ يَعْنِي: يَقُول الْإِنْسَان: ذهب السَّيِّئَات عني باستحقاقي لذَلِك، وَلَا يرَاهُ من الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لفرح فخور﴾ الْفَرح: لَذَّة فِي الْقلب بنيل المشتهى، وَالْفَخْر: هُوَ التطاول على النَّاس بتعديد المناقب، وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ فِي الْقُرْآن فِي مواضغ كَثِيرَة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لفرح فخور﴾ الْفَرح: لَذَّة فِي الْقلب بنيل المشتهى، وَالْفَخْر: هُوَ التطاول على النَّاس بتعديد المناقب، وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ فِي الْقُرْآن فِي مواضغ كَثِيرَة.
وَقَوله: ﴿إِلَّا الَّذين صَبَرُوا﴾ قَالَ الْفراء والزجاج: هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، وَمَعْنَاهُ. وَلَكِن الَّذين صَبَرُوا ﴿وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير﴾ مَعْنَاهُ ظَاهر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك وضائق بِهِ صدرك﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: سَبَب نزُول الْآيَة: أَن الْكفَّار لما قَالُوا: يَا مُحَمَّد، أئت بقرآن غير هَذَا أَو بدله، يعنون: ائْتِ بقرآن لَيْسَ فِيهِ سبّ آلِهَتنَا - على مَا ذكرنَا فِي سُورَة يُونُس - همّ النَّبِي أَن يدع سبّ آلِهَتهم ظَاهرا، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: ﴿فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك﴾ يَعْنِي: سبّ الْآلهَة ظَاهرا ﴿وضائق بِهِ صدرك﴾ يَعْنِي: ولعلك يضيق صدرك ﴿أَن يَقُولُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ كنز أَو جَاءَ مَعَه ملك﴾ أَي: هلاّ أنزل عَلَيْهِ كنز أوجاء مَعَه ملك. وَقَوله: ﴿إِنَّمَا أَنْت نَذِير﴾ مَعْنَاهُ: إِن عَلَيْك الْإِنْذَار والإبلاغ، وَلَيْسَ عَلَيْك أَن تَأتي بِالْآيَاتِ الَّتِي يقترحونها.
وَقَوله ﴿وَالله على كل شَيْء وَكيل﴾ أَي: حَافظ.
وَقَوله ﴿وَالله على كل شَيْء وَكيل﴾ أَي: حَافظ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أم يَقُولُونَ افتراه﴾ مَعْنَاهُ: بل يَقُولُونَ: افتراه، وافتراه: اختلقه {قل
416
﴿نَذِير وَالله على كل شَيْء وَكيل (١٢) أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين (١٣) فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا﴾ فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات) ومعني مثله: أَي: مثله فِي البلاغة.
قَالَ عَليّ بن عِيسَى النَّحْوِيّ: البلاغة على ثَلَاث مَرَاتِب: الْمرتبَة الْعليا: معْجزَة، وَالْوُسْطَى والأدنى ممكنه. وَالْقُرْآن فِي الْمرتبَة الْعليا من البلاغة.
فَإِن قيل: قد قَالَ فِي سُورَة يُونُس: ﴿فَأتوا بِسُورَة مثله﴾ وَقد عجزوا عَن أَن يَأْتُوا بِسُورَة، فَكيف يَصح أَن يَقُول لَهُم ﴿فَأتوا بِعشر سور مثله﴾، وَمَا هَذَا إِلَّا كَرجل يَقُول لغيره: أَعْطِنِي درهما، فيعجز عَنهُ فَيَقُول: أَعْطِنِي عشرَة دَرَاهِم، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿مفتريات﴾ وَهل يجوز أَن يَأْمر الله تَعَالَى أَن يَأْتُوا بالافتراء؟
الْجَواب عَنهُ: عَنهُ مِنْهُم من قَالَ: إِن سُورَة هود نزلت أَولا وَإِن كَانَت فِي التَّرْتِيب آخرا، وَأنكر الْمبرد هَذَا، وَقَالَ: لَا، بل نزلت سُورَة يُونُس أَولا. وَأجَاب عَن السُّؤَال وَقَالَ: معنى قَوْله: ﴿فَأتوا بِسُورَة مثله﴾ فِي سُورَة يُونُس يَعْنِي مثله فِي الْخَبَر عَن الْغَيْب وَالْأَحْكَام. والوعد والوعيد، فعجزوا، فَقَالَ لَهُم فِي سُورَة هود: إِن عجزتم عَن الْإِتْيَان بِسُورَة مثل الْقُرْآن فِي أخباره وَأَحْكَامه ووعده ووعيده، فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات يَعْنِي: مختلقات من غير خبر عَن غيب وَلَا حكم وَلَا وعد وَلَا وَعِيد، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرّد البلاغة. وَهَذَا جَوَاب صَحِيح.
وَأما السُّؤَال الثَّانِي فَالْجَوَاب: قُلْنَا: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يَأْمُرهُم بالإفتراء، وَإِنَّمَا تحدى، وَمَعْنَاهُ: أَن إصراركم فِي تَكْذِيب مُحَمَّد وزعمكم أَنه افترى الْقُرْآن يُوجب عَلَيْكُم أَن تَأْتُوا بِمثلِهِ افتراء، ليظْهر كذب مُحَمَّد كَمَا زعمتموه، فَلَمَّا عجزتم دلّ أَنه صَادِق.
وَقَوله: ﴿وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله﴾ مَعْنَاهُ: وَاسْتَعِينُوا بِمن اسْتَطَعْتُم من دون الله ﴿إِن كُنْتُم صَادِقين﴾.
قَالَ عَليّ بن عِيسَى النَّحْوِيّ: البلاغة على ثَلَاث مَرَاتِب: الْمرتبَة الْعليا: معْجزَة، وَالْوُسْطَى والأدنى ممكنه. وَالْقُرْآن فِي الْمرتبَة الْعليا من البلاغة.
فَإِن قيل: قد قَالَ فِي سُورَة يُونُس: ﴿فَأتوا بِسُورَة مثله﴾ وَقد عجزوا عَن أَن يَأْتُوا بِسُورَة، فَكيف يَصح أَن يَقُول لَهُم ﴿فَأتوا بِعشر سور مثله﴾، وَمَا هَذَا إِلَّا كَرجل يَقُول لغيره: أَعْطِنِي درهما، فيعجز عَنهُ فَيَقُول: أَعْطِنِي عشرَة دَرَاهِم، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿مفتريات﴾ وَهل يجوز أَن يَأْمر الله تَعَالَى أَن يَأْتُوا بالافتراء؟
الْجَواب عَنهُ: عَنهُ مِنْهُم من قَالَ: إِن سُورَة هود نزلت أَولا وَإِن كَانَت فِي التَّرْتِيب آخرا، وَأنكر الْمبرد هَذَا، وَقَالَ: لَا، بل نزلت سُورَة يُونُس أَولا. وَأجَاب عَن السُّؤَال وَقَالَ: معنى قَوْله: ﴿فَأتوا بِسُورَة مثله﴾ فِي سُورَة يُونُس يَعْنِي مثله فِي الْخَبَر عَن الْغَيْب وَالْأَحْكَام. والوعد والوعيد، فعجزوا، فَقَالَ لَهُم فِي سُورَة هود: إِن عجزتم عَن الْإِتْيَان بِسُورَة مثل الْقُرْآن فِي أخباره وَأَحْكَامه ووعده ووعيده، فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات يَعْنِي: مختلقات من غير خبر عَن غيب وَلَا حكم وَلَا وعد وَلَا وَعِيد، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرّد البلاغة. وَهَذَا جَوَاب صَحِيح.
وَأما السُّؤَال الثَّانِي فَالْجَوَاب: قُلْنَا: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يَأْمُرهُم بالإفتراء، وَإِنَّمَا تحدى، وَمَعْنَاهُ: أَن إصراركم فِي تَكْذِيب مُحَمَّد وزعمكم أَنه افترى الْقُرْآن يُوجب عَلَيْكُم أَن تَأْتُوا بِمثلِهِ افتراء، ليظْهر كذب مُحَمَّد كَمَا زعمتموه، فَلَمَّا عجزتم دلّ أَنه صَادِق.
وَقَوله: ﴿وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله﴾ مَعْنَاهُ: وَاسْتَعِينُوا بِمن اسْتَطَعْتُم من دون الله ﴿إِن كُنْتُم صَادِقين﴾.
417
﴿لكم فاعلموا أَنما أنزل بِعلم الله وَأَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ (١٤) من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا وهم فِيهَا لَا يبخسون (١٥) أُولَئِكَ الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وحبط مَا صَنَعُوا فِيهَا وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ (١٦) أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه ويتلوه شَاهد مِنْهُ وَمن قبله كتاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة أُولَئِكَ﴾
418
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لكم فاعلموا أَنما أنزل بِعلم الله﴾ يجوز أَن يكون قَوْله: ﴿فاعلموا﴾ خطاب للْمُؤْمِنين، وَيجوز أَن يكون خطابا للْمُشْرِكين. وَقَوله ﴿بِعلم الله﴾ بِمَعْنى أنزلهُ وَفِيه علمه، وَهَذَا رد على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا: لَا علم لله.
وَقَوله: ﴿وَأَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ﴾ يَعْنِي: فاعلموا أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ؟ أَي: مخلصون.
وَقَوله: ﴿وَأَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ﴾ يَعْنِي: فاعلموا أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ؟ أَي: مخلصون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا﴾ قَالَ الضَّحَّاك: نزلت الْآيَة فِي الْمُشْركين. وَقَالَ مُجَاهِد وَجَمَاعَة: نزلت الْآيَة فِي كل من عمل عملا وَأَرَادَ بِهِ غير الله. وَقَوله: ﴿نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا﴾ يَعْنِي: نجازيهم على أَعْمَالهم فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ بسعة الرزق وَدفع المكاره وَمَا أشبه ذَلِك. وَقَوله: ﴿وهم فِيهَا لَا يبخسون﴾ فِيهَا أَي: فِي الدُّنْيَا، لَا يبخسون يَعْنِي: لَا ينقص حظهم. ثمَّ قَالَ:
﴿أُولَئِكَ الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وحبط مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ وَبَطل مَا صَنَعُوا فِيهَا. وَقَوله: ﴿وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَي: وَمَا حق مَا كَانُوا يعْملُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه﴾ فِي الْآيَة حذف، وَمَعْنَاهُ: أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه كمن يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا. وَعَامة أهل التَّفْسِير على أَن المُرَاد بِهِ النَّبِي، وَقيل: إِن المُرَاد مِنْهُ: النَّبِي وكل مُؤمن فِي الْعَالم. وَالْأول هُوَ الصَّحِيح.
وَقَوله: ﴿على بَيِّنَة من ربه﴾ أَي: على بَيَان من ربه. وَقَوله ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ فِيهِ أَقْوَال:
الأول: عَلَيْهِ أَكثر أهل التَّفْسِير: أَن المُرَاد مِنْهُ: جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - وَهَذَا قَول
وَقَوله: ﴿على بَيِّنَة من ربه﴾ أَي: على بَيَان من ربه. وَقَوله ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ فِيهِ أَقْوَال:
الأول: عَلَيْهِ أَكثر أهل التَّفْسِير: أَن المُرَاد مِنْهُ: جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - وَهَذَا قَول
418
ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر تلميذ النَّخعِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَغَيرهم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ يَعْنِي: لِسَان مُحَمَّد. حكى هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن [الْحُسَيْن] بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَالثَّالِث: أَن قَوْله ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ هُوَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - رُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: مَا من قرشي إِلَّا وَنزلت فِيهِ آيَة من الْقُرْآن، فَقيل لَهُ: وَهل نزل فِيك شَيْء؟ فَقَالَ: ﴿وتيلوه شَاهد مِنْهُ﴾.
وَالرَّابِع: ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ ملك من الْمَلَائِكَة نزل يحفظه ويسدده وَيشْهد لَهُ.
وَقيل: إِن قَوْله: ﴿شَاهد مِنْهُ﴾ هُوَ الْإِنْجِيل، وَمَعْنَاهُ: يتبعهُ مُصدقا لَهُ، يَعْنِي: وَهُوَ مصدقه. وَقَوله: ﴿وَمن قبله كتاب مُوسَى إِمَامًا﴾ أَرَادَ بِهِ: التَّوْرَاة، وَقَوله ﴿إِمَامًا وَرَحْمَة﴾ يَعْنِي: كَانَت إِمَامًا وَرَحْمَة لمن اتبعها، وَهِي مصدقة لِلْقُرْآنِ، شاهدة للنَّبِي. وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ﴾ قَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الَّذين أَسْلمُوا من أهل الْكتاب. وَقَوله: ﴿وَمن يكفر بِهِ﴾ يَعْنِي: بالرسول ﴿من الأخزاب﴾ وهم تحزبوا على النَّبِي أَي: تفَرقُوا من قبائلهم واجتمعوا عَلَيْهِ من قُرَيْش وَغَيرهم. وَفِي بعض التفاسير: أَنهم بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة وبنوأبي طَلْحَة بن عبد الْعُزَّى، وَالْمرَاد هُوَ: الْكفَّار مِنْهُم دون الْمُسلمين.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْأَحْزَاب أهل الْملَل كلهَا. روى أَبُو موس الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي قَالَ: " مَا من أحد يسمع بِي فَلَا يُؤمن إِلَّا أدخلهُ الله النَّار ". قَالَ سعيد بن جُبَير: طلبت مصداق هَذَا من الْقُرْآن فَوَجَدته فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ يَعْنِي: لِسَان مُحَمَّد. حكى هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن [الْحُسَيْن] بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَالثَّالِث: أَن قَوْله ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ هُوَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - رُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: مَا من قرشي إِلَّا وَنزلت فِيهِ آيَة من الْقُرْآن، فَقيل لَهُ: وَهل نزل فِيك شَيْء؟ فَقَالَ: ﴿وتيلوه شَاهد مِنْهُ﴾.
وَالرَّابِع: ﴿ويتلوه شَاهد مِنْهُ﴾ ملك من الْمَلَائِكَة نزل يحفظه ويسدده وَيشْهد لَهُ.
وَقيل: إِن قَوْله: ﴿شَاهد مِنْهُ﴾ هُوَ الْإِنْجِيل، وَمَعْنَاهُ: يتبعهُ مُصدقا لَهُ، يَعْنِي: وَهُوَ مصدقه. وَقَوله: ﴿وَمن قبله كتاب مُوسَى إِمَامًا﴾ أَرَادَ بِهِ: التَّوْرَاة، وَقَوله ﴿إِمَامًا وَرَحْمَة﴾ يَعْنِي: كَانَت إِمَامًا وَرَحْمَة لمن اتبعها، وَهِي مصدقة لِلْقُرْآنِ، شاهدة للنَّبِي. وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ﴾ قَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الَّذين أَسْلمُوا من أهل الْكتاب. وَقَوله: ﴿وَمن يكفر بِهِ﴾ يَعْنِي: بالرسول ﴿من الأخزاب﴾ وهم تحزبوا على النَّبِي أَي: تفَرقُوا من قبائلهم واجتمعوا عَلَيْهِ من قُرَيْش وَغَيرهم. وَفِي بعض التفاسير: أَنهم بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة وبنوأبي طَلْحَة بن عبد الْعُزَّى، وَالْمرَاد هُوَ: الْكفَّار مِنْهُم دون الْمُسلمين.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْأَحْزَاب أهل الْملَل كلهَا. روى أَبُو موس الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي قَالَ: " مَا من أحد يسمع بِي فَلَا يُؤمن إِلَّا أدخلهُ الله النَّار ". قَالَ سعيد بن جُبَير: طلبت مصداق هَذَا من الْقُرْآن فَوَجَدته فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده﴾.
419
﴿يُؤمنُونَ بِهِ وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ إِنَّه الْحق من رَبك وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يُؤمنُونَ (١٧) وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أُولَئِكَ يعرضون على رَبهم وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين (١٨) الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا وهم بِالآخِرَة هم كافرون﴾
وَقَوله: ﴿فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ﴾ يَعْنِي: فَلَا تَكُ فِي شكّ مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ: فَلَا تَكُ فِي شَيْء مِنْهُ أَيهَا الشاك. قَوْله: ﴿إِنَّه الْحق من رَبك وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يُؤمنُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ﴾ يَعْنِي: فَلَا تَكُ فِي شكّ مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ: فَلَا تَكُ فِي شَيْء مِنْهُ أَيهَا الشاك. قَوْله: ﴿إِنَّه الْحق من رَبك وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يُؤمنُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
420
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بآياته﴾ مَعْنَاهُ: لَا أحد أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا. ثمَّ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ يعرضون على رَبهم﴾ الْعرض: هُوَ إِظْهَار الشَّيْء ليرى وَيُوقف على حَاله، وَمِنْه قَوْلهم: عرض السُّلْطَان الْجند. وَقَوله: ﴿وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم﴾ اخْتلف القَوْل فِي الأشهاد، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: هم الْأَنْبِيَاء والمرسلون. وَقَالَ مُجَاهِد: هم الْمَلَائِكَة. وَقَالَ بَعضهم: الْخَلَائق كلهم. وَقَوله: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وروى ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي قَالَ: " يدنى الْمُؤمن ربه يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يضع كنفه عَلَيْهِ، فيقرره بذنوبه وَيَقُول: هَل تعرف كَذَا؟ فَيَقُول: أعرف. هَل تعرف كَذَا؟ فَيَقُول: أعرف. فيسأله مَا سَأَلَهُ، ثمَّ يَقُول: سترته عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أغفره لَك الْيَوْم، ثمَّ يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ، وَأما الْكفَّار فينادى على رُءُوس الأشهاد: هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم، أَلا لعنة الله على الظَّالِمين ".
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ حَدِيث النَّجْوَى، اتَّفقُوا على صِحَّته عَن النَّبِي.
وروى ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي قَالَ: " يدنى الْمُؤمن ربه يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يضع كنفه عَلَيْهِ، فيقرره بذنوبه وَيَقُول: هَل تعرف كَذَا؟ فَيَقُول: أعرف. هَل تعرف كَذَا؟ فَيَقُول: أعرف. فيسأله مَا سَأَلَهُ، ثمَّ يَقُول: سترته عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أغفره لَك الْيَوْم، ثمَّ يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ، وَأما الْكفَّار فينادى على رُءُوس الأشهاد: هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم، أَلا لعنة الله على الظَّالِمين ".
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ حَدِيث النَّجْوَى، اتَّفقُوا على صِحَّته عَن النَّبِي.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله﴾ مَعْنَاهُ: الَّذين يمْنَعُونَ عَن دين الله.
وَقَوله: ﴿ويبغونها عوجا﴾ يَعْنِي: وَيطْلبُونَ الأعوجاج فِي دين الله. وَقَوله {وهم
وَقَوله: ﴿ويبغونها عوجا﴾ يَعْنِي: وَيطْلبُونَ الأعوجاج فِي دين الله. وَقَوله {وهم
420
( ﴿١٩) أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معجزين فِي الأَرْض وَمَا كَانَ لَهُم من دون الله من أَوْلِيَاء يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون (٢٠) أُولَئِكَ﴾ بِالآخِرَة هم كافرون) قَالَ ثَعْلَب: تَكْرِير " هم " على طَرِيق التَّأْكِيد لدُخُول الْآخِرَة بَينهمَا.
421
قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معجزين فِي الأَرْض﴾ مَعْنَاهُ: أُولَئِكَ لم يَكُونُوا فائتين، وَقيل: أُولَئِكَ لم يَكُونُوا هاربين من عذابنا؛ فَإِن من هرب عَن الشَّيْء وَقع الْعَجز عَنهُ. وَقَوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُم من دون الله من أَوْلِيَاء﴾ يَعْنِي: من ناصرين وحافظين عَن عذابنا. وَقَوله: ﴿يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب﴾ فَإِن قيل: مَا معنى تَضْعِيف الْعَذَاب وَقد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا﴾ ؟
الْجَواب من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن مضاعفة الْعَذَاب بمضاعفة الجرم.
وَالْآخر: أَن الْآيَة فِي رُؤَسَاء أهل الشّرك، وتضعيف الْعَذَاب عَلَيْهِم بتضليل الإتباع ودعائهم إيَّاهُم إِلَى شركهم.
وَقَوله: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: حَال الله بَينهم وَبَين اإيمان. وَذكر الْفراء عَن بعض أهل الْمعَانِي: أَن معنى الْآيَة: يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع فَلَا يَسْتَمِعُون.
وَسَائِر النُّحَاة أَنْكَرُوا تَقْدِير " الْبَاء " هَاهُنَا. والاستطاعة: قُوَّة تنطاع بهَا الْجَوَارِح للْعَمَل.
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَنهم لما يسمعوا اسْتِمَاع (التفهم) وَالِانْتِفَاع بِهِ، وَلم يبصروا بصر الْحَقِيقَة؛ جعلهم كمن لَا يَسْتَطِيع السّمع وَالْبَصَر.
الْجَواب من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن مضاعفة الْعَذَاب بمضاعفة الجرم.
وَالْآخر: أَن الْآيَة فِي رُؤَسَاء أهل الشّرك، وتضعيف الْعَذَاب عَلَيْهِم بتضليل الإتباع ودعائهم إيَّاهُم إِلَى شركهم.
وَقَوله: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: حَال الله بَينهم وَبَين اإيمان. وَذكر الْفراء عَن بعض أهل الْمعَانِي: أَن معنى الْآيَة: يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع فَلَا يَسْتَمِعُون.
وَسَائِر النُّحَاة أَنْكَرُوا تَقْدِير " الْبَاء " هَاهُنَا. والاستطاعة: قُوَّة تنطاع بهَا الْجَوَارِح للْعَمَل.
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَنهم لما يسمعوا اسْتِمَاع (التفهم) وَالِانْتِفَاع بِهِ، وَلم يبصروا بصر الْحَقِيقَة؛ جعلهم كمن لَا يَسْتَطِيع السّمع وَالْبَصَر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذين خسروا أنفسهم﴾ مَعْنَاهُ: غبنوا أنفسهم. وَقيل إِن
421
﴿الَّذين خسروا أنفسهم وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون (٢١) لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون (٢٢) إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وأخبتوا إِلَى رَبهم أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ (٢٣) مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَل﴾ أعظم الخسران، خسران النَّفس، وَأعظم الرِّبْح: ربح النَّفس. وَقَوله: ﴿وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون﴾ يَعْنِي: فَاتَ عَنْهُم مَا كَانُوا يَزْعمُونَ من شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والأصنام.
422
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا جرم﴾ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: لاجرم يَعْنِي: حَقًا ﴿أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿لَا﴾ رد لما قَالُوا، وَقَوله: ﴿جرم﴾ ابْتِدَاء كَلَام، وجرم بِمَعْنى: كسب، قَالَ الشَّاعِر:
يَعْنِي: كسبتهم الْغَضَب. وَقَالَ آخر:
فَمَعْنَى الْآيَة: جرم أَي: كسب لَهُم كفرهم التباب والخسران.
أَحدهمَا: لاجرم يَعْنِي: حَقًا ﴿أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿لَا﴾ رد لما قَالُوا، وَقَوله: ﴿جرم﴾ ابْتِدَاء كَلَام، وجرم بِمَعْنى: كسب، قَالَ الشَّاعِر:
(وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنة | جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا) |
(نصبنا رَأسه فِي رَأس جذع | بِمَا جرمت يَدَاهُ وَمَا اعتدينا.) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وأخبتوا إِلَى رَبهم﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: خشعوا. وَقَالَ بَعضهم: اطمأنوا. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: خَافُوا. وَقَوله: ﴿إِلَى رَبهم﴾ أَي: لرَبهم، مثل قَوْله تَعَالَى ﴿بِأَن رَبك أوحى لَهَا﴾ أَي: إِلَيْهَا، فَكَذَلِك هَاهُنَا: إِلَى رَبهم.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع﴾ الْآيَة، الْفَرِيقَانِ هَاهُنَا: فريق الْكفَّار، وفريق الْمُؤمنِينَ. وَقَوله: ﴿كالأعمى والأصم﴾ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن " الْوَاو " صلَة، وَمَعْنَاهُ: كالأعمى الْأَصَم، كَمَا يَقُول الْقَائِل: رَأَيْت الْعَاقِل والظريف أَي: رَأَيْت الْعَاقِل الظريف.
أَحدهمَا: أَن " الْوَاو " صلَة، وَمَعْنَاهُ: كالأعمى الْأَصَم، كَمَا يَقُول الْقَائِل: رَأَيْت الْعَاقِل والظريف أَي: رَأَيْت الْعَاقِل الظريف.
422
﴿يستويان مثلا أَفلا تذكرُونَ (٢٤) وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه إِنِّي لكم نَذِير جين (٢٥) أَن لَا تعبدوا إِلَّا الله إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم (٢٦) فَقَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي وَمَا﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن " الْوَاو " لتعميم التَّشْبِيه، وَمَعْنَاهُ: حَال الْكَافِر كَحال الْأَعْمَى، وحاله كَحال الْأَصَم، وحاله كَحال الْأَعْمَى والأصم.
وَقَوله: ﴿والبصير والسميع﴾ الْكَلَام فِيهِ مثل هَذَا، وَالْمرَاد مِنْهُ: حَالَة الْمُؤمن. وَقَوله ﴿هَل يستويان مثلا﴾ رُوِيَ أَن الْكفَّار لما سمعُوا هَذَا قَالُوا: لَا يستويان، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ يَعْنِي: أَفلا تتعظون؟ !
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن " الْوَاو " لتعميم التَّشْبِيه، وَمَعْنَاهُ: حَال الْكَافِر كَحال الْأَعْمَى، وحاله كَحال الْأَصَم، وحاله كَحال الْأَعْمَى والأصم.
وَقَوله: ﴿والبصير والسميع﴾ الْكَلَام فِيهِ مثل هَذَا، وَالْمرَاد مِنْهُ: حَالَة الْمُؤمن. وَقَوله ﴿هَل يستويان مثلا﴾ رُوِيَ أَن الْكفَّار لما سمعُوا هَذَا قَالُوا: لَا يستويان، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ يَعْنِي: أَفلا تتعظون؟ !
423
قَوْله: ﴿وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه إِنِّي لكم نَذِير مُبين﴾ قرئَ بقراءتين؛ بِالنّصب والخفض؛ فَمَعْنَى النصب: بِأَنِّي لكم نَذِير مُبين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلا تعبدوا إِلَّا الله﴾ مَعْنَاهُ: آمركُم أَلا تعبدوا إِلَّا الله، وَالْعِبَادَة: التَّوْحِيد، وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالتَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ من أهم الْأُمُور.
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم﴾ أَي: مؤلم، والمؤلم: الموجع.
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم﴾ أَي: مؤلم، والمؤلم: الموجع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَقَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه﴾ الْمَلأ هم الْأَشْرَاف والرؤساء.
وَقَوله: ﴿مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي﴾ والأراذل: جمع الرذل، والرذل: الخسيس الدون. وَقيل: الأراذل: الأسافل، والرذل: السفلة، وَفِي السفلة أَقْوَال كَثِيرَة لأهل الْعلم.
قَالَ مَالك بن أنس: السفلة: هُوَ الَّذِي يسب أَصْحَاب النَّبِي. وروى عَن الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي أَنه قَالَ: السفلة: الَّذِي لَا دين لَهُ.
وَعَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: السفلة: الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَمَا قيل لَهُ.
وَعَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: هم الَّذين يتقلسون ويأتون أَبْوَاب الْقُضَاة يطْلبُونَ الشَّهَادَات.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السفلة: هُوَ الَّذِي يَأْكُل بِدِينِهِ، وسفلة السفلة هُوَ
وَقَوله: ﴿مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي﴾ والأراذل: جمع الرذل، والرذل: الخسيس الدون. وَقيل: الأراذل: الأسافل، والرذل: السفلة، وَفِي السفلة أَقْوَال كَثِيرَة لأهل الْعلم.
قَالَ مَالك بن أنس: السفلة: هُوَ الَّذِي يسب أَصْحَاب النَّبِي. وروى عَن الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي أَنه قَالَ: السفلة: الَّذِي لَا دين لَهُ.
وَعَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: السفلة: الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَمَا قيل لَهُ.
وَعَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: هم الَّذين يتقلسون ويأتون أَبْوَاب الْقُضَاة يطْلبُونَ الشَّهَادَات.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السفلة: هُوَ الَّذِي يَأْكُل بِدِينِهِ، وسفلة السفلة هُوَ
423
﴿نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين (٢٧) قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُم إِن كنت على بَيِّنَة من رَبِّي وآتاني رَحْمَة من عِنْده فعميت عَلَيْكُم أنلزمكموها وَأَنْتُم لَهَا كَارِهُون (٢٨) وَيَا قوم لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ مَالا إِن أجري إِلَّا على الله وَمَا أَنا بطارد الَّذين آمنُوا إِنَّهُم ملاقوا﴾
الَّذِي يُسَوِّي دنيا غَيره بِدِينِهِ. وَفِي بعض الْآثَار: أَشْقَى الأشقياء من بَاعَ دينه بدنيا غَيره. وَقيل: إِن السفلة هم أَصْحَاب الصناعات الدنية مثل: الكناسين، والدباغين، والسماكين، والحجامين، والحاكة، وَغَيرهم. وَرُوِيَ أَن بعض الْعلمَاء بِبَغْدَاد سُئِلَ عَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا: يَا سفلَة، فَقَالَ: إِن كنت سفلَة فَأَنت طَالِق، فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم: مَا صناعتك؟ فَقَالَ: سماك، فَقَالَ: سفلَة وَالله سفلَة.
وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: هم الَّذين إِذا اجْتَمعُوا غلبوا، وَإِذا تفَرقُوا لم يعرفوا.
وَقَوله: ﴿بَادِي الرَّأْي﴾ قرئَ بقراءتين: بِالْهَمْز، وَترك الْهَمْز فَأَما بِالْهَمْز فَمَعْنَاه: أول الرَّأْي؛ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُم اتبعوك فِي أول الرَّأْي وَلم يتفكروا وَلَو تَفَكَّرُوا، لم يتبعوك. وَأما بَادِي الرَّأْي بترك الْهَمْز فَمَعْنَاه: ظَاهر الرَّأْي. قَالَ الزّجاج: يَعْنِي: اتبعوك ظَاهرا لَا بَاطِنا.
وَقَوله: ﴿وَمَا نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
الَّذِي يُسَوِّي دنيا غَيره بِدِينِهِ. وَفِي بعض الْآثَار: أَشْقَى الأشقياء من بَاعَ دينه بدنيا غَيره. وَقيل: إِن السفلة هم أَصْحَاب الصناعات الدنية مثل: الكناسين، والدباغين، والسماكين، والحجامين، والحاكة، وَغَيرهم. وَرُوِيَ أَن بعض الْعلمَاء بِبَغْدَاد سُئِلَ عَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا: يَا سفلَة، فَقَالَ: إِن كنت سفلَة فَأَنت طَالِق، فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم: مَا صناعتك؟ فَقَالَ: سماك، فَقَالَ: سفلَة وَالله سفلَة.
وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: هم الَّذين إِذا اجْتَمعُوا غلبوا، وَإِذا تفَرقُوا لم يعرفوا.
وَقَوله: ﴿بَادِي الرَّأْي﴾ قرئَ بقراءتين: بِالْهَمْز، وَترك الْهَمْز فَأَما بِالْهَمْز فَمَعْنَاه: أول الرَّأْي؛ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُم اتبعوك فِي أول الرَّأْي وَلم يتفكروا وَلَو تَفَكَّرُوا، لم يتبعوك. وَأما بَادِي الرَّأْي بترك الْهَمْز فَمَعْنَاه: ظَاهر الرَّأْي. قَالَ الزّجاج: يَعْنِي: اتبعوك ظَاهرا لَا بَاطِنا.
وَقَوله: ﴿وَمَا نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
424
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُم إِن كنت على بَيِّنَة من رَبِّي﴾ يَعْنِي: على بَيَان من رَبِّي. وَقَوله: ﴿وآتاني رَحْمَة من عِنْده﴾ الرَّحْمَة هَاهُنَا هِيَ النُّبُوَّة وَالْهدى. قَوْله ﴿فعميت عَلَيْكُم﴾ أَي: فخفيت عَلَيْكُم؛ لِأَن من عمي عَن الشَّيْء فقد خفى ذَلِك الشَّيْء عَلَيْهِ. وَقُرِئَ: " فعميت عَلَيْكُم " مَعْنَاهُ: فأخفيت عَلَيْكُم. وَقَوله: ﴿أنلزمكموها﴾ مَعْنَاهُ: أنلزمكم الدعْوَة ﴿وَأَنْتُم لَهَا كَارِهُون﴾ قَالَ قَتَادَة: لَو قدر الْأَنْبِيَاء أَن يلزموا قَومهمْ لألزموا [قَومهمْ] ؛ وَلَكِن لم يقدروا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَا قوم لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ مَالا إِن أجري إِلَّا على الله﴾ مَعْنَاهُ: مَا
424
﴿رَبهم وَلَكِنِّي أَرَاكُم قوما تجهلون (٢٩) وَيَا قوم من ينصرني من الله إِن طردتهم أَفلا تذكرُونَ (٣٠) وَلَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله وَلَا أعلم الْغَيْب وَلَا أَقُول إِنِّي ملك وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم لن يُؤْتِيهم الله خيرا الله أعلم بِمَا فِي أنفسهم إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين (٣١) قَالُوا يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من﴾ ثوابي إِلَّا على الله. وَقَوله: ﴿وَمَا أَنا بطارد الَّذين آمنُوا﴾ فِيهِ دَلِيل أَنهم طلبُوا مِنْهُ أَن يطرد الْمُؤمنِينَ. وَقَوله: ﴿إِنَّهُم ملاقوا رَبهم﴾ يَعْنِي: إِنَّهُم صائرون إِلَى رَبهم فيجزي من طردهم. وَقَوله: ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُم قوم تجهلون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
425
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَا قوم من ينصرني من الله إِن طردتهم﴾ مَعْنَاهُ: من يَمْنعنِي من عَذَاب الله إِن طردتهم ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ أَي: أغلا تتعظون؟.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله﴾ مَعْنَاهُ: لَيْسَ عِنْدِي خَزَائِن الله فَآتي مَا تطلبون. وَقَوله: ﴿وَلَا أعلم الْغَيْب﴾ يَعْنِي: لَا أعلم الْغَيْب فأخبركم بِمَا تُرِيدُونَ. وَقَوله: ﴿وَلَا أَقُول إِنِّي ملك﴾ هَذَا جَوَاب لقَولهم: ﴿مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا﴾. وَقَوله: ﴿وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم﴾ تزدري أَي: تحتقر وتستخس، هَذَا جَوَاب لقَولهم: ﴿وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي﴾.
وَقَوله ﴿لن يُؤْتِيهم الله خيرا﴾ أَي: لن يُؤْتِيهم أجرا ﴿الله أعلم بِمَا فِي أنفسهم﴾. [يَعْنِي: فِي صُدُورهمْ، فِي أَن يَأْتِيهم الله خيرا]
وَقَوله: ﴿إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين لَو قلت هَذَا أَو طردتهم.
وَقَوله ﴿لن يُؤْتِيهم الله خيرا﴾ أَي: لن يُؤْتِيهم أجرا ﴿الله أعلم بِمَا فِي أنفسهم﴾. [يَعْنِي: فِي صُدُورهمْ، فِي أَن يَأْتِيهم الله خيرا]
وَقَوله: ﴿إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: إِنِّي إِذا لمن الظَّالِمين لَو قلت هَذَا أَو طردتهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا﴾ رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ: " فَأَكْثَرت جدالنا " بِالْفَتْح؛ والمجادلة خُصُومَة على وَجه الْمُبَالغَة، وأصل الجدل: هُوَ الفتل، وَالْعرب تسمى الصَّقْر: الأجدل؛ لِشِدَّتِهِ فِي الْجَوَارِح.
وَالْفرق بَين الْحجَّاج والمجادلة: أَن الْمَطْلُوب من الْحجَّاج ظُهُور الْحق فِي الْمَطْلُوب، وَمن المجادلة هُوَ رُجُوع الْخصم إِلَى قَوْله.
وَالْفرق بَين الْحجَّاج والمجادلة: أَن الْمَطْلُوب من الْحجَّاج ظُهُور الْحق فِي الْمَطْلُوب، وَمن المجادلة هُوَ رُجُوع الْخصم إِلَى قَوْله.
425
﴿الصَّادِقين (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يأتيكم بِهِ الله إِن شَاءَ وَمَا أَنْتُم بمعجزين (٣٣) وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون (٣٤) أم يَقُولُونَ افتراه قل إِن افتريته فعلي إجرامي وَأَنا بَرِيء مِمَّا تجرمون (٣٥) ﴾
وَالْفرق بَين المراء والمجادلة: أَن الْمَرْء مَذْمُوم؛ لِأَنَّهُ خُصُومَة بعد ظُهُور الْحق، والجدال غير مَذْمُوم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُبَالغ فِيهِ من غير قصد طلب الْحق.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين﴾ هَذَا دَلِيل على أَنه كَانَ وعدهم الْعَذَاب إِن لم يُؤمنُوا.
وَالْفرق بَين المراء والمجادلة: أَن الْمَرْء مَذْمُوم؛ لِأَنَّهُ خُصُومَة بعد ظُهُور الْحق، والجدال غير مَذْمُوم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُبَالغ فِيهِ من غير قصد طلب الْحق.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين﴾ هَذَا دَلِيل على أَنه كَانَ وعدهم الْعَذَاب إِن لم يُؤمنُوا.
426
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّمَا يأتيكم بِهِ الله إِن شَاءَ﴾ يَعْنِي: بِالْعَذَابِ. وَقَوله: ﴿وَمَا أَنْتُم بمعجزين﴾ أَي: بفائتين وَلَا هاربين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا ينفعكم نصحي﴾ والنصح: إخلاص الْعَمَل عَن الْفساد. وَقيل: إِنَّه بَيَان مَوضِع الغي ليجتنب، وَبَيَان مَوضِع الرشد ليطلب. وَقَوله: ﴿إِن أردْت أَن أنصح لكم﴾ أَرَادَ مُوَافقَة لأمر الله. وَقَوله: ﴿إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن مَعْنَاهُ: يضلكم. وَقيل: يخلق الغي فِي قُلُوبكُمْ، والغي ضد الرشد. وَذكر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ أَن معنى قَوْله: ﴿يغويكم﴾ : يهلككم. وَلم يرض ابْن الْأَنْبَارِي هَذَا من حَيْثُ اللُّغَة، وَقَالَ: لَا يَسْتَقِيم فِي اللُّغَة أَن يذكر الإغواء بِمَعْنى الإهلاك. وَقَالَ بَعضهم: يخيبكم من رَحمته.
وَقَوله: ﴿هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَفِي الْآيَة رد على الْقَدَرِيَّة.
وَقَوله: ﴿هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَفِي الْآيَة رد على الْقَدَرِيَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أم يَقُولُونَ افتراه﴾ بل يَقُولُونَ: افتراه أَي: اختلقه. وَقَوله: ﴿قل إِن افتريته فعلي إجرامي﴾ قرئَ فِي الشاذ: " قعلي أجرامي " بِالْفَتْح، والأجرام: جمع الجرم، والإجرام: هُوَ كسب الذَّنب، وَمعنى الْآيَة: فعلي وبال ذَنبي وجرمي. وَقَوله: ﴿وَأَنا برِئ مِمَّا تجرمون﴾ يَعْنِي: أَنا برِئ مِمَّا تكتسبون من الذَّنب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأوحى إِلَى نوح﴾ روى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: أَن قوم نوح كَانُوا يضْربُونَ نوحًا حَتَّى [يسْقط]، فيلقونه فِي لبد ويلقونه فِي بَيته ويظنون أَنه قد
426
﴿وأوحي إِلَى نوح أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) واصنع الْفلك بأعيننا ووحينا وَلَا تخاطبني فِي الَّذين ظلمُوا إِنَّهُم مغرقون (٣٧) ﴾
مَاتَ، فَيخرج فِي الْيَوْم الثَّانِي ويدعوهم إِلَى الله؛ فَروِيَ أَن شَيخا جَاءَ يتَوَكَّأ على عَصا وَمَعَهُ ابْنه فَقَالَ: يَا بني لَا يغرنك هَذَا الشَّيْخ الْمَجْنُون، فَقَالَ: يَا ابة، أمكني من الْعَصَا، فَدفع إِلَيْهِ الْعَصَا، فَضرب نوحًا على رَأسه وشجمة شجة مُنكرَة حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاء مِنْهُ، وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الْإِيمَان، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن﴾ فَحِينَئِذٍ استجار بِالدُّعَاءِ وَقَالَ: ﴿رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا﴾. وَقَوله: ﴿فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: فَلَا تحزن. قَالَ أهل اللُّغَة: الابتئاس: حزن مَعَ استكانة، قَالَ الشَّاعِر:
مَاتَ، فَيخرج فِي الْيَوْم الثَّانِي ويدعوهم إِلَى الله؛ فَروِيَ أَن شَيخا جَاءَ يتَوَكَّأ على عَصا وَمَعَهُ ابْنه فَقَالَ: يَا بني لَا يغرنك هَذَا الشَّيْخ الْمَجْنُون، فَقَالَ: يَا ابة، أمكني من الْعَصَا، فَدفع إِلَيْهِ الْعَصَا، فَضرب نوحًا على رَأسه وشجمة شجة مُنكرَة حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاء مِنْهُ، وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الْإِيمَان، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن﴾ فَحِينَئِذٍ استجار بِالدُّعَاءِ وَقَالَ: ﴿رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا﴾. وَقَوله: ﴿فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: فَلَا تحزن. قَالَ أهل اللُّغَة: الابتئاس: حزن مَعَ استكانة، قَالَ الشَّاعِر:
(مَا يقسم الله فاقبل غير مبتئس | مِنْهُ واقعد كَرِيمًا ناعم الْبَالِي) |
(أَتَيْتُك عَارِيا خلقا ثِيَابِي | على خوف تظن بِي الظنونا) |