تفسير سورة هود

الماوردي
تفسير سورة سورة هود من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ الر كِتَابٌ ﴾ يعني القرآن.
﴿ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أحكمت آياته بالأمر والنهي ثم فصلت بالثواب والعقاب، قاله الحسن.
الثاني : أحكمت آياته من الباطل ثم فصلت بالحلال والحرام والطاعة والمعصية، وهذا قول قتادة.
الثالث : أحكمت آياته بأن جعلت آيات هذه السورة كلها محكمة ثم فصلت بأن فسرت، وهذا معنى قول مجاهد.
الرابع : أحكمت آياته للمعتبرين، وفصلت آياته للمتقين. الخامس : أحكمت آياته في القلوب، وفصلت أحكامه على الأبدان.
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من عند حكيم في أفعاله، خبير بمصالح عباده.
الثاني : حكيم بما أنزل، خبير بمن يتقبل.
قوله تعالى ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن كتبت في الكتاب ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾
الثاني : أنه أمر رسوله أن يقول للناس ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ﴾.
﴿ إنَّنِي لَكُم مِّنُهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ قال ابن عباس : نذير من النار، وبشير بالجنة.
قوله تعالى :﴿ وَأَنِ اسْتَغفْفِرُواْ رَبَّكمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : استغفروه من سالف ذنوبكم ثم توبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم. قال بعض العلماء : الإٍستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. الثاني : أنه قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب والتوبة هي السبب إليها، فالمغفرة أولٌ في الطلب وآخر في السبب.
ويحتمل ثالثاً : أن المعنى استغفروه من الصغائر وتوبوا إليه من الكبائر ﴿ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً ﴾ يعني في الدنيا وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه طيب النفس وسعة الرزق.
الثاني : أنه الرضا بالميسور، والصبر على المقدور.
الثالث : أنه ترْك الخلق والإقبال على الحق، قاله سهل بن عبد الله ويحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الحلال الكافي.
الثاني : أنه الذي لا كد فيه ولا طلب.
الثالث : أنه المقترن بالصحة والعافية.
﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : إلى يوم الموت، قاله الحسن. الثالث : إلى وقت لا يعلمه إلا الله تعالى، قاله ابن عباس.
﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يهديه إلىلعمل الصالح، قاله ابن عباس.
الثاني : يجازيه عليه في الآخرة، على قول قتادة. ويجوز أن يجازيه عليه في الدنيا، على قول مجاهد.
﴿ وَإن تَوَلَّوْا ﴾ يعني عما أُمرتم له.
﴿ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ وفيه إضمار وتقدير : فقل لهم إني أخاف عليكم عذاب يوم كبير يعني يوم القيامة وصفه بذلك لكبر الأمور التي هي فيه.
قوله تعالى :﴿ أَلاَ إنَّهُمُ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : يثنون صدورهم على الكفر ليستخفوا من الله تعالى، قاله مجاهد. الثاني : يثنونها على عداوة النبي ﷺ ليخفوها عنه، قاله الفراء والزجاج.
الثالث : يثنونها على ما أضمروه من حديث النفس ليخفوه عن الناس، قاله الحسن. الرابع : أن المنافقين كانوا إذا مرّوا بالنبي ﷺ غطوا رؤوسهم وثنوا صدورهم ليستخفوا منه فلا يعرفهم، قاله أبو رزين.
الخامس : أن رجلاً قال إذا أغلقت بابي وضربت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي؟ فأعلمهم الله تعالى أنه يعلم ما يسرون وما يعلنون.
﴿ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمُ ﴾ يعني يلبسون ثيابهم ويتغطون بها، ومنه قول الخنساء :
أرعى النجوم وما كُلّفتُ رعيتها وتارةً أتغشّى فضل أطماري
وفي المراد ب ﴿ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : الليل يقصدون فيه إخفاء أسرارهم فيما يثنون صدورهم عليه. والله تعالى لا يخفى عليه ما يسرونه في الليل ولا ما يخفونه في صدروهم، فكنى عن الليل باستغشاء ثيابهم لأنهم يتغطون بظلمته كما يتغطون إذا استغشوا ثيابهم.
الثاني : أن قوماً من الكفار كانوا لشدة بغضتهم لرسول الله ﷺ يستغشون ثيابهم يغطون بها وجوههم ويصمون بها آذنهم حتى لا يروا شخصه ولا يسمعوا كلامه، وهو معنى قول قتادة.
الثالث : أن قوماً من المنافقين كانوا يظهرون لرسول الله ﷺ بألسنتهم أنهم على طاعته ومحبته، وتشتمل قلوبهم على بغضه ومعصيته، فجعل ما تشتمل عليه قلوبهم كالمستغشي بثيابه.
الرابع : أن قوماً من المسلمين كانوا يتنسكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء، فبين الله تعالى أن المنسك ما اشتملت قلوبهم عليه من معتقد وما أظهروه من قول وعمل.
ثم بيَّن ذلك فقال :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما يسرون في قلوبهم وما يعلنون بأفواههم.
الثاني : ما يسرون من الإيمان وما يعلنون من العبادات.
الثالث : ما يسرون من عمل الليل وما يعلنون من عمل النهار، قاله ابن عباس.
﴿ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ قيل بأسرار الصدور. قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق الثقفي.
قوله تعالى :﴿ وَيَعْلَمُ مُستَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدعَهَا ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مستقرها حيث تأوي، ومستودعها حيث تموت.
الثاني : مستقرها في الرحم، ومستودعها في الصلب، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : مستقرها في الدنيا، ومستودعها في الآخرة.
ويحتمل رابعاً : أن مستقرها في الآخرة من جنة أو نار، ومستودعها في القلب من كفر أو إيمان.
قوله تعالى :﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني أيكم أتم عقلاً، قاله قتادة.
الثاني : أيكم أزهد في الدنيا، وهو قول سفيان.
الثالث : أيكم أكثر شكراً، قاله الضحاك.
الرابع : ما روى كليب بن وائل عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال :« أَيُكُم أَحْسَنُ عَمَلاً » أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلاً وَأَوْرَعُ عَن مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَسَرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ «. قوله تعالى :﴿ ولئن أخْرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني إلى فناء أمة معلومة، ذكره علي بن عيسى.
الثاني : إلى أجل معدود، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. وتكون الأمة عبارة عن المدة، واصلها الجماعة فعبر بها عن المدة لحلولها في مدة.
﴿ ليقولن ما يحبسه ﴾ يعني العذاب. وفي قولهم ذلك وجهان :
أحدهما : أنهم قالوا ذلك تكذيباً للعذاب لتأخره عنهم.
الثاني : أنهم قالوا ذلك استعجالاً للعذاب واستهزاء، بمعنى ما الذي حبسه عنا؟
قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّه ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه القرآن، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثاني : محمد ﷺ، قاله مجاهد وعكرمة وأبو العالية وأبو صالح وقتادة والسري والضحاك.
الثالث : الحجج الدالة على توحيد الله تعالى ووجوب طاعته، قاله ابن بحر.
وذكر بعض المتصوفة قولاً رابعاً : أن البينة هي الإشراف على القلوب والحكمة على الغيوب.
﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه لسانه يشهد له بتلاوة القرآن، قاله الحسن وقتادة، ومنه قول الأعشى :
فلا تحبسنّي كافراً لك نعمةً على شاهدي يا شاهد الله فاشهد.
الثاني : أنه محمد ﷺ شاهد من الله تعالى، قاله علي بن الحسين.
الثالث : أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس والنخعي وعكرمة والضحاك.
الرابع : أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، روى المنهال عن عباد بن عبد الله قال : قال عليّ : ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية، قيل له : فما نزل فيك؟ قال ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنُهُ ﴾
الخامس : أنه ملك يحفظه، قاله مجاهد وأبو العالية.
ويحتمل قولاً سادساً : ويتلوه شاهد من نفسه بمعرفة حججه ودلائله وهو عقله ووحدته، قال ابن بحر.
﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة، قاله ابن زيد.
الثاني : ومن قبل محمد كتاب موسى، قاله مجاهد.
﴿ إِمَاماً وَرَحْمَةًً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما يعني متقدماً علينا ورحمة لهم.
الثاني : إماماً للمؤمنين لاقتدائهم بما فيه ورحمة لهم.
﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يعني من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه.
﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل الأديان كلها لأنهم يتحزبون : قاله سعيد بن جبير.
الثاني : هم المتخزبون على رسول الله ﷺ المجتمعون على محاربته.
وفي المراد بهم ثلاثة أوجه : أحدها : قريش، قال السدي.
الثاني : اليهود والنصارى، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : أهل الملل كلها. ﴿ فَالْنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ أي أنها مصيره، قال حسان بن ثابت :
أوردتموها حياض الموت ضاحيةً فالنار موعِدُها والموت لاقيها
﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ منه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في مرية من القرآن قاله مقاتل.
الثاني : في مرية من أن النار موعد الكفار، قاله الكلبي، وهذا خطاب للنبي ﷺ والمراد به جميع المكلفين.
قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾ معناه ومن أظلم لنفسه ممن افترى على الله كذباً بأن يدعي إنزال ما لم ينزل عليه أو ينفي ما أنزل عليه.
﴿ أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ وهو حشرهم إلى موقف الحساب كعرض الأمير لجيشه، إلا أن الأمير يعرضهم ليراهم وهذا لا يجوز على الله تعلى لرؤيته لهم قبل الحشر.
﴿ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هؤلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ والأشهاد جمع، وفيما هو جمع له وجهان :
أحدهما : أنه جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب.
والثاني : جمع شهيد مثل شريف وأشراف.
وفي الأشهاد أربعة أقاويل :
احدها : أنه الأنبياء، قاله الضحاك.
الثاني : أنهم الملائكة، قاله مجاهد.
الثالث : الخلائق، قاله قتادة.
الرابع : أن الأشهاد أربعة : الملائكة والأنبياء والمؤمنون والأجساد، قاله زيد بن أسلم.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَصُّدُونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يعني قريشاً.
وفي سبيل الله التي صدوا عنها وجهان :
أحدهما : أنه محمد ﷺ صدت قريش عنه الناس، قاله السدي.
والثاني : دين الله تعالى، قاله ابن عباس.
﴿ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني يؤمنون بملة غير الإسلام ديناً، قاله أبو مالك.
الثاني : يبغون محمداً هلاكاً، قاله السدي.
الثالث : أن يتأولوا القرآن تاويلاً باطلاً، قاله عليّ بن عيسى.
قوله تعالى :﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن معنى لا جرم : لا بد.
الثاني : أن ﴿ لا ﴾ عائد على الكفار، أي لا دافع لعذابهم، ثم استأنف فقال : جرم، أي كسب بكفره استحقاق النار، ويكون معنى جرم : كسب، أي بما كسبت يداه، قال الشاعر :
نَصَبنا رأسه في جذع نخل بما جَرَمت يداه وما اعتدينا
أي بما كسبت يداه.
الثالث : أن ﴿ لا ﴾ زائدة دخلت توكيداً، يعني حقاً إنهم في الآخرة هم الأخسرون. قال الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارُة بعدها أن يغضبوا.
أي أحقتهم الطعنة بالغضب.
قوله تعالى :﴿ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني خافوا ربهم، قاله ابن عباس.
الثاني : يعني اطمأنوا، قاله مجاهد.
الثالث : أنابوا، قاله قتادة.
الرابع : خشعوا وتواضعوا لربهم، رواه معمر.
الخامس : أخلصوا إلى ربهم، قاله مقاتل.
قوله عزوجل :﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَك إلاَّ الَّذينَ هُمْ أرَاذِلُنا ﴾ الاراذل جمع أرذل، وارذل جمع رذل، والرذل الحقير، وعنوا بأراذلهم الفقراء وأصحاب المهن المتضعة. ﴿ باديَ الرأي ﴾ أي ظاهر الرأي، وفيه ثلاثة اوجه :
احدها : إنك تعمل بأول الرأي من غير فكر، قاله الزجاج.
الثاني : أن ما في نفسك من الرأي ظاهر، تعجيزاً له، قال ابن شجرة. الثالث : يعني ان أراذلنا اتبعوك بأقل الرأي وهم إذا فكروا رجعوا عن اتباعك، حكاه ابن الأنباري.
﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنا مِن فَضْلٍ ﴾ يحتمل وجهين.
أحدهما : من فضل تفضلون به علينا من دنياكم. والثاني : من فضل تفضلون به علينا في أنفسكم.
قوله تعالى :﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني على ثقة من ربي، قاله أبو عمران الجوني.
الثاني : على حجة من ربي، قاله عليّ بن عيسى.
﴿ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْدِهِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : الإيمان.
والثاني : النبوة، قاله ابن عباس.
﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ يعني البينة في قوله ﴿ إنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةِ مِن رَبِّي ﴾ وإنما قال ﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ وهم الذين عموا عنها، لأنها خفيت عليهم بترك النظر فأعماهم الله عنها.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص ﴿ فعميت عليكم ﴾ بضم العين وتشديد الميم، وفي قراءة أُبي ﴿ فعمّاها ﴾ وهي موافقة لقراءة من قرأ بالضم على ما لم يسم فاعله.
وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى عماها عليهم.
الثاني : بوسوسة الشيطان. وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق. وإنما قصد نبي الله نوح بهذا القول لقومه أن يرد عيهم قولهم ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ ليظهر فضله عليهم بأنه على بينة من ربه وآتاه رحمة من عنده وهم قد سلبوا ذلك، فأي فضل أعظم منه.
ثم قال تعالى :﴿ أَنُلْزِمْكَمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ فيها وجهان : أنلزمكم الرحمة، قاله مقاتل.
الثاني : أنلزمكم البينة وأنتم لها كارهون، وقبولكم لها لا يصح مع الكراهة عليها.
قال قتادة والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك.
قوله تعالى :﴿.. وَمَآ أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ لأنهم سألوه طرد من اتبعه من أراذلهم، فقال جواباً لهم ورداً لسؤالهم : وما أنا بطارد الذين آمنوا.
﴿ إِنَّهُم مُّلاَقُوْا رَبِّهِم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قال ذلك على وجه الإعظام لهم بلقاء الله تعالى.
الثاني : على وجه الاختصام، بأني لو فعلت ذلك لخاصموني عند الله. ﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تجهلون في استرذالكم لهم وسؤالكم طردهم.
الثاني : تجلون في أنهم خير منكم لإيمانهم وكفركم.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ احتمل هذا القول من نوح عليه السلام وجهين :
أحدهما : أن يكون جواباً لقومه على قولهم ﴿ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا ﴾
الثاني : أن يكون جواباً لهم على قولهم ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ فقال الله تعالى له قل :﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِن اللَّهِ ﴾ وفيها وجهان :
أحدهما : أنها الرحمة أي ليس بيدي الرحمة فأسوقها إليكم، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها الأموال، أي ليس بيدي أموال فأعطيكم منها على إيمانكم. ﴿ وَلاَ أعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ فأخبركم بما في انفسكم. ﴿ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ يعني فأباين جنسكم. ﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً ﴾ والازدراء الإحتقار. يقال ازدريت عليه إذاعبته، وزريت عليه إذا حقرته.
وأنشد المبرد :
يباعده الصديق وتزدريه حليلته وينهره الصغير.
﴿ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً ﴾ أي ليس لاحتقاركم لهم يبطل أجرهم أو ينقص ثوابهم، وكذلك لستم لعلوكم في الدنيا تزدادون على أجوركم.
﴿ اللَّهَ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعني أنه يجازيهم عليه ويؤاخذهم به. ﴿ إِني إذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ يعني إن قلت هذا الذي تقدم ذكره.
قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾ يعني النبي ﷺ، افترى افتعل من قبل نفسه ما أخبر به عن نوح وقومه.
﴿ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَليَّ إجرامي ﴾ وفي الإجرام وجهان :
أحدهما : أنه الذنوب المكتسبة. حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنها الجنايات المقصودة، قاله ابن عباس ومنه قول الشاعر :
طريد عشيرةٍ ورهين جرم بما جرمت يدي وجنى لساني.
ومعناه : فعلىّ عقاب إجرامي. ﴿ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ ﴾ أي وعليكم من عقاب جرمكم في تكذيبي ما أنا بريء منه.
قوله تعالى :﴿ وَأوحِيَ إِلَى نُوحٍ أنه لن يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ ﴾ حقق الله تعالى استدامة كفرهم تحقيقاً لنزول الوعيد بهم، قال الضحاك، فدعا عليهم لما أُخبر بهذا فقال :﴿ ربِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ديَّاراً. إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٧ : ٢٦ ].
﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فلا تأسف ومنه قول يزيد بن عبد المدان :
فارسُ الخيل إذا ما ولولت ربّهُ الخِدر بصوتٍ مبتئس
الثاني : فلا تحزن، ومنه قول الشاعر :
وكم من خليلٍ او حميم رُزئته فلم أبتئس والرزءُ فيه جَليلُ
والأبتئاس : الحزن في استكانة، وأصله من البؤس، وفي ذلك وجهان :
أحدهما : فلا تحزن لهلاكهم.
الثاني : فلا تحزن لكفرهم المفضي إلى هلاكهم.
قوله تعالى :﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : بحيث نراك، فعبر عن الرؤية بالأعين لأن بها تكون الرؤية.
الثاني : بحفظنا إياك حفظ من يراك.
الثالث : بأعين أوليائنا من الملائكة.
ويحتمل وجهاً رابعاً : بمعونتنا لك على صنعها. ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها.
الثاني : تعليمنا لك كيف تصنعها.
﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظلَمُواْ إِنَّهُمْ مُغْرَقونَ ﴾ نهاه الله عن المراجعة فيهم فاحتمل نهيه أمرين :
أحدهما : ليصرفه عن سؤال ما لا يجاب إليه.
الثاني : ليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة.
قوله تعالى :﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ﴾ قال زيد بن أسلم : مكث نوح عليه السلام مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها وييبسها، ومائة سنة يعملها، واختلف في طولها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما قاله الحسن كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت مطبقة.
الثاني : ما قاله ابن عباس : كان طولها أربعمائة ذراع، وعلوها ثلاثون ذراعاً. وقال خصيف : كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعاً، وكان في أعلاها الطير، وفي وسطها الناس وفي أسفلها السباع. ودفعت من عين وردة في يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ورست بباقردي على الجودي يوم عاشوراء. قال قتادة وكان بابها في عرضها.
﴿ وكلّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِّنْ قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ وفي سخريتهم منه قولان :
أحدهما : أنهم كانوا يرونه يبني في البر سفينة فيسخرون منه ويستهزئون به ويقولون : يا نوح صرت بعد النبوة نجاراً.
الثاني : أنهم لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا يا نوح : ما تصنع؟ قال : أبني بيتاً يمشي علىلماء فعجبوا من قوله وسخروا منه.
﴿ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إن تسخروا من قولنا فسنسخر من غفلتكم.
الثاني : إن تسخروا من فِعلنا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق.
والمراد بالسخرية ها هنا الاستجهال. ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم.
قال ابن عباس : ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر فلذلك سخروا منه. قال : ومياه البحار بقية الطوفان.
فإن قيل : فلم جاز أن يقول فإنا نسخر منكم مع قبح السخرية؟ قيل : لأنه ذمٌّ جعله مجازاة على السخرية فجاء به على مزاوجة الكلام، وكان الزجاج لأجل هذا الاعتراض يتأوله على معنى إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلوننا.
قوله تعالى :﴿ حَتَّى إذا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ﴾ فيه ستة أوجه :
أحدها : وجه الأرض، والعرب تسمي وجه الأرض تَنُّوراً، قاله ابن عباس وقيل لنوح عليه السلام : إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك.
الثاني : أن التنور العين التي بالجزيرة « عين وردة »، رواه عكرمة. الثالث : أنه مسجد بالكوفة من قبل أبواب كندة، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الرابع : أن التنور ما زاد على وجه الأرض فأشرف منها، قاله قتادة.
الخامس : أنه التنور الذي يخبز فيه، قيل له : إذا رأيت الماء يفور منه فاركب أنت ومن معك، قاله مجاهد.
قال الحسن : كان تنوراً من حجارة وكان لحواء ثم صار لنوح، وقال مقاتل : فارَ من أقصى دار نوح بعين وردة من أرض الشام، قال أمية بن الصلت :
فار تنورهم وجاش بماءٍ صار فوق الجبال حتى علاها
السادس : أن التنور هو تنوير الصبح، من قولهم : نور الصبح تنويراً، وهو مروي عن علي رضي الله عنه.
﴿ قُلْنَا احِملْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجِيْن اثْنَينِ ﴾ يعني من الآدميين والبهائم ذكراً وأنثى.
﴿ وَأهْلَكَ ﴾ أي احمل أهلك.
﴿ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ من الله تعالى أنه يهلكهم وهو ابنه كنعان وامرأته كانا كافرين : قاله الضحاك وابن جريج.
﴿ وَمَن آمَنَ ﴾ أي احمل من آمن.
﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ ﴾ واختلف في عددهم على ثلاثة أقاويل : أحدها : ثمانون رجلاً منهم جرهم، قاله ابن عباس. الثاني : ثمانين، قاله ابن جريج.
الثالث : سبعة، قاله الأعمش ومطر، وكان فيهم ثلاثة بنين : سام وحام ويافث، وثلاث بنات له ونوح معهم فصاروا سبعة.
وعلى القول الثاني : كانت فيهم امرأة نوح فصاروا ثمانية. قال محمد بن عباد بن جعفر : فأصاب حام امرأته في السفينة، فدعا نوح أن يغير الله نطفته فجاء السودان.
قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بِاسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيمٌ ﴾ قال قتادة : ركب نوح عليه السلام في السفينة في اليوم العاشر من رجب، ونزل منها في اليوم العاشر من المحرم، وهو يوم عاشوراء، فقال لمن معه : من كان صائماً فليتم صومه، ومن لم يكن صائماً فليصمه.
وقوله ﴿ بسم الله مجريها ﴾ أي مسيرها، ﴿ ومُرساها ﴾ أي مثبتها، فكان إذا أراد السير قال : بسم الله مجريها، فتجري، وإذا أراد الوقوف قال : بسم الله مرساها. فتثبت واقفة.
قوله تعالى :﴿ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ﴾ قال ذلك لبقائه على كفره تكذيباً لأبيه، وقيل إن الجبل الذي أوى إليه طور زيتا.
﴿ قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا من رحم الله وهم أهل السفينة.
الثاني : إلا من رحم نوح فحمله في سفينته وقوله ﴿ لا عاصم ﴾ يعني لا معصوم. ﴿ من أمر الله ﴾ يعني الغرق.
قوله تعالى :﴿ وقيل يا أرض ابلعي ماءَك ﴾ جعل نزول الماء فيها بمنزلة البلع، ومعناه ابلعي الماء الذي عليك، فروى الحسن والحسين عليهما السلام أن بعض البقاع امتنع أن يبلع ماءه فصار ماؤه مراً وترابه سبخا.
﴿ ويا سماء أقلعي ﴾ أي لا تمطري، من قولهم أقلع عن الشيء إذا تركه.
﴿ وغيض الماء ﴾ أي نقص حتى ذهبت زيادته عن الأرض. ﴿ وَقضي الأمر ﴾ يعني بهلاك من غرق من قوم نوح.
﴿ وَاستوت ﴾ يعني السفينة.
﴿ على الجودي ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه جبل بالموصل، قاله الضحاك.
الثاني : أنه جبل بالجزيرة، قاله مجاهد. قال قتادة. هو بباقردى من أرض الجزيرة.
الثالث : أن الجودي اسم لكل جبل، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل.
قوله تعالى :﴿ ونادى نوحٌ ربه فقال رَبِّ إنَّ ابني من أهلي ﴾ وإنما قال ﴿ من أهلي ﴾ لأن الله تعالى وعده أن ينجي أهله معه.
﴿ وإن وعدك الحق ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما الذي يحق فلا يخلف.
الثاني : الذي يلزم كلزوم الحق.
﴿ وأنت أحكم الحاكمين ﴾ يعني بالحق : فاحتمل هذا من نوح أحد أمرين : إما أن يكون قبل علمه بغرق ابنه فسأل الله تعالى له النجاة، وإما أن يكون بعد علمه بغرقه فسأل الله تعالى له الرحمة.
قوله تعالى :﴿ قال يا نوح إنه ليس من أهلك ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه ولد على فراشه ولم يكن ابنه وكان لغيره رشدة، قاله الحسن ومجاهد.
الثاني : أنه ابن امرأته.
الثالث : أنه كان ابنه، قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك. قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط.
وقيل إن اسمه كان كنعان، وقيل بل كان اسمه يام.
قال الحسن : وكان منافقاً ولذلك استعجل نوح أن يناديه فعلى هذا يكون في تأويل قوله تعالى ﴿ إنه ليس من أهلك ﴾ وجهان :
أحدهما : ليس من أهل دينك وولايتك، وهو قول الجمهور.
الثاني : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، قاله سعيد بن جبير.
﴿ إنه عملٌ غير صالحٍ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن مسألتك إياي أن أنجيه عمل غير صالح، قاله قتادة وإبراهيم وهو تأويل من قرأ عملٌ غير صالح بالتنوين.
والثاني : معناه أن ابنك الذي سألتني أن أنجيه هو عملٌ غير صالحٍ، أي أنه لغير رشدة، قاله الحسن.
والثالث : أنه عملٌ غير صالحٍ، قاله ابن عباس، وهو تأويل من لمن ينون.
﴿ فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فيما نسبته إلى نفسك وليس منك.
الثاني : في دخوله في جملة من وعدتك بإنجائهم من أهلك وليس منهم.
﴿ إني أعظُك أن تكون من الجاهلين ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : من الجاهلين بنسبك.
الثاني : من الجاهلين بوعدي لك.
وفي قوله ﴿ إني أعظك ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه إني رافعك أن تكون من الجاهلين.
الثاني : معناه أني أحذرك ومنه قوله تعالى ﴿ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً ﴾ أي يحذرّكم.
قوله تعالى :﴿ يُرْسِلِ السماء عليكم مدراراً ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه المطر في إبانه، قاله هارون التيمي.
الثاني : المطر المتتابع، قاله ابن عباس.
ويحتمل وجهين آخرين :
أحدهما : يُدرُّه عند الحاجة.
والثاني : يُدرُّ به البركة، وهو مأخوذ من درور اللبن من الضرع. ﴿ ويزدكم قوة إلى قوتكم ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني شدة إلى شدتك، قاله مجاهد.
الثاني : خصباً إلى خصبكم، قاله الضحاك.
الثالث : عزاً إلى عزكم بكثرة عددكم وأموالكم، قاله علي بن عيسى. الرابع : أنه ولد الولد، قاله عكرمة. ويحتمل خامساً يزدكم قوة في إيمانكم إلى قوتكم في أبدانكم.
قوله تعالى :﴿... إن ربي على صراط مستقيم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على الحق، قاله مجاهد.
الثاني : على تدبير محكم، قاله علي بن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أنه على طريق الآخرة في مصيركم إليه للجزاء وفصل القضاء.
قوله تعالى :﴿... هو أنشأكم من الأرض ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : خلقكم من الأرض لأنكم من آدم وآدم من الأرض، قاله السدي.
والثاني : معناه أنشأكم في الأرض.
والثالث : أنشأكم بنبات الأرض.
﴿ واستعمركم فيها ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أعمركم فيها بأن جعلكم فيها مدة أعماركم، قاله مجاهد، من قولهم أعمر فلان فلاناً داره فهي له عمرى.
الثاني : امركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها بناء مساكن وغرس أشجار قاله علي بن عيسى.
الثالث : أطال فيها أعمالكم، قال الضحاك، كانت أعماركم ألف سنة إلى ثلاثمائة سنة.
قوله تعالى ﴿ قالوا يا صالحُ قد كنت فينا مرجُوّاً قَبل هذا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي مؤملاً برجاء خيرك.
الثاني : أي حقيراً من الإرجاء وهو التأخير، فيكون على الوجه الأول عتباً، وعلى الثاني زجراً.
قوله تعالى :﴿ قال يا قوم أرأيتم إن كُنْتُ على بينةٍ من ربي ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : على حق بَيّن.
الثاني : على حجة ظاهرةٍ. وقال الكلبي على دين من ربي.
﴿ وآتاني منه رحمة ﴾ قال ابن جرير الطبري يعني النبوة والحكمة.
﴿ فمن ينصرني من الله إن عصيته ﴾ أي فمن يدفع عني عذاب الله إن عصيته بطاعتكم.
﴿ فما تزيدونني غير تخسير ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني ما تزيدونني في احتجاجكم بتباع آبائكم إلا خساراً تخسرونه أنتم، قاله مجاهد.
الثاني : فما تزيدونني مع الرد والتكذيب إن أجبتم إلى ما سألتم إلا خساراً لاستبدال الثواب بالعقاب.
قوله تعالى :﴿ وأخذ الذين ظلموا الصيحةُ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن جبريل عليه السلام صاح بهم.
الثاني : أن الله تعالى أحدثها في حيوان صاح بهم.
الثالث : أن الله تعالى أحدثها من غير حيوان.
﴿ فأصبحوا في ديارهم جاثمين ﴾ لأن الصيحة أخذتهم ليلاً فأصبحوا منها هلكى. ﴿ في ديارهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في منازلهم وبلادهم، من قولهم هذه ديار بكر وديار ربيعة.
الثاني : في دار الدنيا لأنها دار لجميع الخلق.
وفي ﴿ جاثمين ﴾ وجهان :
أحدهما : مبيتين، لأن الصحية كانت بياتاً في الليل، قاله عبد الرحمن بن زيد. الثاني : هلكى بالجثوم.
وفي الجثوم تأويلان :
أحدهما : أنه السقوط على الوجه.
الثاني : أنه القعود على الرُّكب.
قوله تعالى :﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كأن لم يعيشوا فيها.
الثاني : كأن لم ينعموا فيها.
﴿ ألا إنَّ ثمود كفروا ربهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كذبوا وعيد ربهم. الثاني : كفروا بأمر ربهم.
﴿ ألا بُعْداً لثمود ﴾ فقضى عليهم بعذاب الاستئصال فهلكوا جيمعاً إلا رجلاً منهم وهو أبو رمحان كان في حرم الله تعالى فمنعه الحرم من عذاب الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ﴾. أما إبراهيم ففيه وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي، قاله الأكثرون. وقيل معناه أب رحيم.
الثاني : أنه عربي مشتق من البرهمة وهي إدامة النظر.
والرسل جبريل ومعه ملكان قيل إنهما ميكائيل وإسرافيل عليه السلام وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه كان المرسل مع جبريل اثني عشر ملكاً.
وفي البشرى التي جاءوه بها أربعة أقاويل :
أحدها : بشروه بنبّوته، قاله عكرمة.
الثاني : بإسحاق، قاله الحسن.
الثالث : بشروه بإخراج محمد ﷺ من صلبه وأنه خاتم الأنبياء.
الرابع : بشروه بهلاك قوم لوط، قاله قتادة.
﴿ قالوا سلاماً قال سلامٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما تحية من الملائكة لإبراهيم عليه السلام فحياهم بمثله فدل على أن السلام تحية الملائكة والمسلمين جميعاً.
الثاني : سلمت أنت وأهلك من هلاك قوم لوط.
وقوله ﴿ سلام ﴾ أي الحمد لله الذي سلّمني، فمعنى سلام : سلمت. وقرأ حمزة والكسائي ﴿ سِلم ﴾ بكسر السين وإسقاط الألف.
واختلف في السلم والسلام على وجهين : أحدهما : أن السلم من المسالمة والسلام من السلامة.
الثاني : أنهما بمعنى واحد، قال الشاعر، وقد أنشده الفراء لبعض العرب :
سبحانه ثم سُبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجوديُّ والجمد
وقفنا فقلنا إيه سِلْم فسَلّمَتْ كما اكتلَّ بالبرْقِ الغمامُ اللوائحُ
﴿ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾ ظنَّ رُسُل ربه أضيافاً لأنهم جاؤُوه في صورة الناس فعجل لهم الضيافة فجاءهم بعجل حنيذ. وفي الحنيذ قولان :
أحدهما : أنه الحار، حكاه أبان بن تغلب عن علقمة النحوي.
الثاني : هو المشوي نضيجاً وهو المحنوذ مثل طبيخ ومطبوخ وفيه قولان :
أحدهما : هو الذي حُفر له في الأرض ثم غُمَّ فيها، قال الشاعر :
اذا ما اعتبطنا اللحم للطالب القِرى حنذناه حتى عَين اللحم آكله
الثاني : هو أن يوقد عل الحجارة فإذا اشتد حرها ألقيت في جوفه ليسرع نضجه، قال طرفة بن العبد :
لهم راحٌ وكافور ومسكٌ وعِقر الوحش شائله حنوذ
قوله تعالى :﴿ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ﴾ في نكرهم وأنكرهُم وجهان :
أحدهما : أن معناهما مخلتف، فنكرهم إذا لم يعرفهم ونكرهم إذا وجدهم على منكر.
الثاني : أنهما بمعنى واحد، قال الأعشى :
وأنكَرَتْني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصّلَعا
واختلف في سبب إنكاره لهم على قولين :
أحدهما : أنهم لم يطعموا، ومن شأن العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ظنوا به سوءاً وخافوا منه شراً، فنكرهم إبراهيم لذلك، قاله قتادة. والثاني : لأنه لم تكن لهم أيدي فنكرهم، قاله يزيد بن أبي حبيب. وامتنعوا من طعامه لأنهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون.
﴿ وَأَْوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أضمر في نفسه خوفاً منهم.
210
والثاني : أحسّ من نفسه تخوفاً منهم، كما قال يزيد بن معاوية :
جاء البريد بقرطاس يُخَبُّ به فأوجس القلبُ من قرطاسه جزعا
﴿ قالوا لا تخف إنا أُرسلنا إلى قوم لوط ﴾ يعني بهلاكهم. وفي إعلامهم إبراهيم بذلك وجهان :
أحدهما : ليزول خوفه منهم.
والثاني : لأن إبراهيم قد كان يأتي قوم لوط فيقول : ويحكم أينهاكم عن الله أن تتعرضوا لعقوبته فلا يطيعونه. ﴿ وَامْرأَتُهُ قَائِمَتٌ فَضَحِكَتْ ﴾ وفي قيامها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب.
الثاني : أنها كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد.
الثالث : أنها كانت قائمة تُصَلّي، قاله محمد بن إسحاق. ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حاضت، قاله مجاهد والعرب تقول ضحكت المرأة إذا حاضت، والضحك الحيض في كلامهم، قال الشاعر :
وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الخوف يوم اللّقا
والثاني : أن معنى ضحكت : تعجبت، وقد يسمى التعجب ضحكاً لحدوث الضحك عنه، ومنه قول أبي ذؤيب.
فجاء بمزجٍ لم ير الناس مثله هو الضحك إلاّ انه عمل النحل
الثالث : أنه الضحك المعروف في الوجه، وهو قول الجمهور.
فإن حمل تأويله على الحيض ففي سبب حيضها وجهان : أحدهما : أنه وافق وقت عاتها فخافت ظهور دمها وأرادت شداده فتحيرت مع حضور الرسل.
والقول الثاني : ذعرت وخافت فتعجل حيضها قبل وقته، وقد تتغير عادة الحيض باختلاف الأحوال وتغير الطباع.
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن يكون الحيض بشيراً بالولادة لأن من لم تحض لا تلد.
وإن حمل تأويله على التعجب ففيما تعجب منه أربعة أقاويل :
أحدها : أنها تعجبت من أنها وزوجها يخدمان الأضياف تكرمة لهم وهم لا يأكلون، قاله السدي.
الثاني : تعجبت من أن قوم لوط قد أتاهم العذاب وهم غافلون، قاله قتادة.
الثالث : أنها عجبت من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها، قاله وهب بن منبه.
الرابع : أنها تعجبت من إحياء العجل الحنيذ لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار، قاله عون بن أبي شداد.
وإن حمل تأويله على ضحك الوجه ففيما ضحكت منه أربعة أقاويل :
أحدها : ضحكت سروراً بالسلامة.
الثاني : سروراً بالولد. الثالث : لما رأت ما بزوجها من الورع، قاله الكلبي.
الرابع : أنها ضحكت ظناً بأن الرسل يعملون عمل قوم لوط، قاله محمد بن عيسى.
﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ وفي ﴿ وراء ﴾ ها هنا قولان :
أحدهما : أن الوراء ولد الولد، قاله ابن عباس والشعبي.
الثاني : أنه بمعنى بعد، قاله مقاتل، وقال النابغة الذبياني :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراءَ اللهِ للمرء مذهبُ
فعجلوا لها البشرى بالولدين مظاهرة للنعمة ومبالغة في التعجب، فاحتمل أن يكون البشارة بهما باسميهما فيكون الله تعالى هو المسمى لهما، واحتمل أن تكون البشارة بهما وسماها أبوهما.
211
فإن قيل : فلم خصت سارة بالبشرى من دون إبراهيم؟ قيل عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنها لما اختصت بالضحك خصت بالبشرى.
الثاني : أنهم كافأُوها بالبشرى مقابلة على استعظام خدمتها.
الثالث : لأن النساء في البشرى بالولد أعظم سروراً وأكثر فرحاً.
قال ابن عباس : سمي إسحاق لأن سارة سحقت بالضحك حين بشرت به.
قوله تعالى :﴿ قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوزٌ وهذا بَعْلي شيخا ﴾ لم تقصد بقولها يا ويلتا الدعاء على نفسها بالويل ولكنها كلمة تخفُّ على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، وعجبت من ولادتها وهي عجوز وكون بعلها شيخاً لخروجه عن العادة، وما خرج عن العادة مستغرب ومستنكر.
واختلف في سنها وسن إبراهيم حينئذ، فقال مجاهد : كان لسارة تسع وتسعون سنة وكان لإبراهيم مائة سنة.
وقال محمد بن إسحاق : كانت سارة بنت تسعين سنة وكان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة.
وقال قتادة : كان كل واحد منهما ابن تسعين سنة. وقيل انها عرّضت بقولها ﴿ وهذا بعلي شيخاً ﴾ عن ترك غشيانه لها، والبعل هو الزوج في هذا الموضع، ومنه قوله تعالى ﴿ وبعولتهن أحق بردّهن في ذلك ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ].
والبعل : المعبود، ومنه قوله تعالى ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ [ الصافات : ١٢٥ ] أي اليها معبوداً.
والبعل السيد، ومنه قول لبيد.
حاسري الديباج عن أذرعهم عند بعل حازم الرأي بَطل
فسمي الزوج بعلاً لتطاوله على الزوجة كتطاول السيد على المسود.
﴿ إن هذا لشيء عجيب ﴾ أي منكر، ومنه قوله تعالى ﴿ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾ [ ق : ٢ ] أي أنكروا. ولم يكن ذلك منها تكذيباً ولكن استغراباً له.
212
قوله تعالى :﴿ فلما ذهب عن إبراهيم الرّوع ﴾ يعني الفزع، والرُّوع بضم الراء النفس، ومنه قولهم ألقى في رُوعي أي في نفْسي.
﴿ وجاءتْهُ البشرى ﴾ أي بإسحاق ويعقوب.
﴿ يجادلنا في قوم لوط ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه جادل الملائكة بقوله ﴿ إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينة وأهله ﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ] قاله الحسن.
الثاني : أنه سألهم أتعذبونهم إن كان فيها خمسون من المؤمنين؟ قالوا لا، قال : فإن كان فيها أربعون؟ قالوا : لا، إلى أن أنزلهم إلى عشرة، فقالوا : لا، قاله قتادة. الثالث : أنه سألهم عن عذابهم هل هو عذاب الاستئصال فيقع بهم لا محالة على سبيل التخويف ليؤمنوا، فكان هذا هو جداله لهم وإن كان سؤالاً لأنه خرج مخرج الكشف عن أمر غامض.
قال أبو مالك : ولم يؤمن بلوط إلا ابنتاه رقية وهي الكبرى وعروبة وهي الصغرى.
قوله تعالى :﴿ ولما جاءَت رُسُلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذراعاً ﴾ قال ابن عباس : ساء ظنه بقومه وضاق ذرعاً بأضيافه.
ويحتمل وجهاً آخر أنه ساء ظنه برسل ربه، وضاق ذراعاً بخلاص نفسه لأنه نكرهم قبل معرفتهم.
﴿ وقال هذا يومٌ عصيب ﴾ أي شديد لأنه خاف على الرسل من قومه أن يفضحوهم على قول ابن عباس، وعلى الاحتمال الذي ذكرته خافهم على نفسه فوصف يومه بالعصيب وهو الشديد، قال الشاعر :
وإنك إلاّ ترض بكر بن وائل يكن لك يومٌ بالعراق عصيب.
قال أبو عبيدة : وإنما قيل له عصيب لأنه يعصب الناس بالشر، قال الكلبي : كان بين قرية إبراهيم وقف لوط أربعة فراسخ.
قوله تعالى :﴿ وجاءه قومُه يهرعون إليه ﴾ أي يسرعون، والإهراع بين الهرولة والحجزى. قال الكسائي والفراء : لا يكون الإهراع إلا سراعاً مع رعدة.
وكان سبب إسراعهم إليه أن أمرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجَمالهم فأسرعوا إليه طلباً للفاحشة منهم.
﴿ ومن قبل كانوا يعملون السيئات ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من قبل إسراعهم اليه كان ينكحون الذكور، قاله السدي.
الثاني : أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة، قاله عمر بن أبي زائدة.
﴿ قال يا قوم هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم ﴾ قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه منهم.
﴿ هؤلاء بناتي ﴾ فيهن قولان :
أحدهما : أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمّته وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير : كان في بعض القرآن : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزاجه أمهاتهم وهوأب لهم.
الثاني : أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في غيرهن، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان.
فإن قيل : كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟
قيل عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة، وكان هذا في صدر الإسلام جائزاً حتى نسخ، قاله الحسن.
الثاني : أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث : أنه قال ذلك ترغيباً في الحلال وتنبيهاً على المباح ودفعاً للبادرة من غير بذل نكاحهن ولا بخطبتهن، قاله ابن أبي نجيح.
﴿ هن أطهر لكم ﴾ أي أحل لكم بالنكاح الصحيح.
﴿ فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تذلوني بعار الفضيحة، ويكون الخزي بمعنى الذل. الثاني : لا تهلكوني بعواقب فسادكم، ويكون الخزي بمعنى الهلاك. الثالث : أن معنى الخزي ها هنا الاستحياء، يقال خزي الرجل إذا استحى، قال الشاعر :
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مِرطها أو زايل الحلي جيدها
والضيف : الزائر المسترقد، ينطلق على الواحد والجماعة، قال الشاعر :
214
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
﴿ أليس منكم رجلٌ رشيد ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أي مؤمن، قاله ابن عباس. الثاني : آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، قاله أبو مالك. ويعني : رجل رشيد ليدفع عن أضيافه، وقال ذلك تعجباً من اجتماعهم على المنكر. قوله تعالى :﴿ قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما لنا فيهن حاجة، قاله الكلبي.
الثاني : ليس لنا بأزواج، قاله محمد بن إٍسحاق.
﴿ وإنك لتعلم ما نريد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة، قاله الكلبي.
الثاني : أننا نريد الرجال.
215
قوله تعالى :﴿ قال لو أن لي بكم قوة ﴾ يعني أنصاراً. وقال ابن عباس : أراد الولد. ﴿ أو آوي إلى رُكنٍ شديد ﴾ يعني إلى عشيرة مانعة. وروى أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ». يعني الله تعالى قال رسول الله ﷺ :« فما بعث الله بعده نبياً إلا في ثروة من قومه
»
. قال وهب بن منبه : لقد وجدت الرسل على لوط وقالوا : إن ركنك لشديد.
قوله تعالى :﴿ قالوا يا لوط إنا رُسُل ربِّك لن يصلوا إليك ﴾ وفي اسمه وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثيرين. الثاني : أنه اسم عربي مأخوذ من قولهم : لطتُ الحوض إذا ملسته بالطين. وقيل إن لوطاً كان قائماً على بابه يمنع قومه من أضيافه، فلما أعلموه أنهم رسل ربه مكّن قومه من الدخول فطمس جبريل عليه السلام على أعينهم فعميت، وعلى أيديهم فجفت.
﴿ فأسْرِ بأهلك ﴾ أي فسِرْ بأهلك ليلاً، والسُري سير الليل، قال عبد الله بن رواحة :
عند الصباح يحمد القوم السُرَى وتنجلي عنهم غيابات الكرى
يقال وأسرى وفيها وجهان :
أحدهما : أن معناهما في سير الليل واحد.
الثاني : أن معناهما مختلف، فأسرى إذا سار من أول الليل، وسرى إذا سار في آخره، ولا يقال في النهار إلا سار، قال لبيد :
إذا المرءُ أسرى ليلة ظن أنه قضى عملاً، والمرءُ ما عاش عامِلُ
﴿ بقطعٍ من الليل ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه سواد الليل، قاله قتادة.
الثاني : أنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين، ومنه قول الشاعر :
ونائحةٍ تنوح بقطع ليل على رجلٍ بقارعة الصّعيد
الثالث : أنه الفجر الأول، قاله حميد بن زياد. الرابع : أنه قطعة من الليل، قاله ابن عباس. ﴿ ولا يلتفت منك أحد ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لا ينظر وراءه منكم أحد، قاله مجاهد. الثاني : يعني لا يتخلف منك أحد، قاله ابن عباس :
الثالث : يعني لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو امتناع، حكاه علي بن عيسى.
﴿ إلا امرأتك إنّه مُصيبها ما أصابهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن قوله ﴿ إلا امرأتك ﴾ استثناء من قوله ﴿ فأسر بأهلك بقطع من الليل الا امرأتك ﴾ وهذا قول من قرأ ﴿ إلا امرأتك ﴾ بالنصب.
الثاني : أنه استثناء من قوله ﴿ ولا يلتفت منك أحد إلا امرأتك ﴾ وهو على معنى البدل إذا قرىء بالرفع.
﴿ إنه مصيبها ما أصابهم ﴾ فذكره قتادة أنها خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت، فأرسل الله عليهم حجراً فأهلكها. ﴿ إنّ موعدهم الصبح أليْسَ الصُّبحُ بقريبٍ ﴾ فروي عن النبي ﷺ أنه قال :« إن لوطاً لما علم أنهم رسل ربه قال : فالآن إذن فقال له جبريل عليه السلام { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب » ويجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقاتاً لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والناس فيه أجمع.
قوله تعالى :﴿ فلمّا جاء أمرُنا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه أمر الله تعالى للملائكة. الثاني : أنه وقوع العذاب بهم.
الثالث : أنه القضاء بعذابهم.
﴿ جعلنا عاليَها سافلَها ﴾ قال محمد بن كعب القرظي إن الله تعالى بعث جبريل إلى مؤتفكات قوم لوط فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعها بحجارة من سجّيل حتى أهلكها وما حولها، وكن خمساً : صبغة ومقرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى.
وقال قتادة : كانوا في ثلاث قرى يقال لها سدوم بين المدينة والشام وكان فيها أربعة آلاف ألف.
﴿ وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل ﴾ فيه ثمانية تأويلات : أحدها : أنه فارسي معرب وهو « سنك وكيل » فالسنك : الحجر، والكيل الطين، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه طين قد طبخ حتى صار كالأرحاء، ذكره ابن عيسى.
الثالث : أنه الحجارة الصلبة الشديدة، قاله أبو عبيدة وأنشد قول ابن مقبل :
ورحلة يضربون البيض عن عَرَضٍ ضربا تواصى به الأبطال سجّينا
إلا أن النون قلبت لاماً.
الرابع : من سجيل يعني من سماء اسمها سجيل، قاله ابن زيد.
الخامس : من سجيل من جهنم واسمها سجين فقلبت النون لاماً.
السادس : أن السجيل من السجل وهو الكتاب وتقديره من مكتوب الحجارة التي كتب الله تعالى أن يعذب بها أو كتب عليها، وفي التنزيل ﴿ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم ﴾ [ المطففين : ٧-٩ ] السابع : أنه فِعِّيل من السجل وهو الإرسال، يقال أسجلته أي أرسلته، ومنه سمي الدلو سجلاً لإرساله فكان السجل هو المرسل عليهم.
الثامن : أنه مأخوذ من السجل الذي هو العطاء، يقال سجلت له سجلاً من العطاء، فكأنه قال سُجلوا البلاء أي أعطوه.
﴿ منضود ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : قد نُضَّد بعضه على بعض، قال الربيع.
الثاني : مصفوف، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ مسومة عند ربك ﴾ والمسومة : المعلّمة، مأخوذ من السيماء وهي العلامة، قال الشاعر :
غُلامٌ رماه الله بالحُسْن يافعا له سيمياءٌ لا تشقُ على البصر
وفي علامنها قولان :
أحدهما : أنها كانت مختمة، على كل حجر منها اسم صاحبه.
الثاني : معلمة ببياض في حمرة، على قول ابن عباس، وقال قتادة : مطوقة بسواد في حمرة.
﴿ عند ربك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في علم ربك، قال ابن بحر.
الثاني : في خزائن ربك لا يملكها غيره ولا يتصرف فيها أحد إلا بأمره. ﴿ وما هي من الظالمين ببعيد ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه ذكر ذلك وعيداً لظالمي قريش، قاله مجاهد.
الثاني : وعيد لظالمي العرب، قال عكرمة.
الثالث : وعيد لظالمي هذه الأمة، قاله قتادة.
الرابع : وعيد لكل ظالم، قاله الربيع. وفي الحجارة التي أمطرت قولان :
أحدهما : أنه أمطرت على المدن حين رفعها. الثاني : أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجاً عنها.
قوله تعالى :﴿ وإلى مَدِين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبُدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ ومدين هم قوم شعيب، وفي تسميتهم بذلك قولان :
أحدهما : لأنهم بنو مدين بن إبراهيم، فقيل مدين والمراد بنو مدين، كما يقال مضر والمراد بنو مضر.
الثاني : أن مدين اسم مدينتهم فنسبوا إليها ثم اقتصر على اسم المدينة تخفيفاً.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي.
الثاني : أنه اسم عربي وفي اشتقاقه وجهان :
أحدهما : أنه من قولهم مدن بالمكان إذا أقام فيه، والياء زائدة، وهذا قول من زعم أنه اسم مدينة.
الثاني : أنه مشتق من قولهم دَيَنْت أي ملكت والميم زائدمة، وهذا قول من زعم أنه اسم رجل. وأما شعيب فتصغير شعب وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه الطريق في الجبل.
الثاني : أنه القبيلة العظيمة.
الثالث : أنه مأخوذ من شَعْب الإناء المكسور.
﴿ ولا تنقصوا المكيال والميزان ﴾ كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك، وبالوفاء نهياً عن التطفيف.
﴿ إني أراكم بخير ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه رخص السعر، قاله ابن عباس والحسن. الثاني : أنه المال وزينة الدنيا، قال قتادة وابن زيد. ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أنه الخصب والكسب.
﴿ إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ محيط ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : غلاء السعر، وهو مقتضى قول ابن عباس والحسن. الثاني : عذاب الاستصال في الدنيا.
الثالث : عذاب النار بالآخرة.
قوله تعالى :﴿ بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ فيها ستة أقاويل :
أحدها : يعني طاعة الله تعالى خير لكم، قاله مجاهد.
الثاني : وصية من الله، قاله الربيع.
الثالث : رحمة الله، قاله ابن زيد.
الرابع : حظكم من ربكم خير لكم، قاله قتادة.
الخامس : رزق الله خير لكم، قاله ابن عباس.
السادس : ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان خير لكم، قاله ابن جرير الطبري.
﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : حفيظ من عذاب الله تعالى أن ينالكم.
الثاني : حفيظ لنعم الله تعالى أن تزول عنكم.
الثالث : حفيظ من البخس والتطفيف إن لم تطيعوا فيه ربكم.
قوله تعالى :﴿ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ﴾ في ﴿ صلاتك ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : قراءتك، قاله الأعمش.
الثاني : صلاتك التي تصليها لله تعبّداً.
الثالث : دينك الذي تدين به وأمرت باتباعه لأن أصل الصلاة الاتباع، ومنه أخذ المصلي في الخيل. ﴿ تأمرك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تدعوك إلى أمرنا.
الثاني : فيها أن تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا يعني من الأوثان والأصنام.
﴿ أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما كانوا عليه من البخس والتطفيف.
الثاني : الزكاة، كان يأمرهم بها فيمتنعون منها، قاله زيد بن أسلم وسفيان الثوري.
الثالث : قطع الدراهم والدنانير لأنه كان ينهاهم عنه، قال زيد بن أسلم. ﴿ إنك لأنت الحليم الرشيد ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم قالوا ذلك استهزاء به، قاله قتادة.
الثاني : معناه أنك لست بحليم ولا رشيد على وجه النفي، قاله ابن عباس.
الثالث : أنهم اعترفوا له بالحلم والرشد على وجه والحقيقة وقالوا أنت حليم رشيد فلِم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ والحلم والرشد لا يقتضي منع المالك من فعل ما يشاء في ماله، قال ابن بحر.
قوله تعالى :﴿ قال يا قوم أرأيتُم إن كُنتُ على بيِّنةٍ من ربي ﴾ قد ذكرنا تأويله. ﴿ ورزقني منه رِزقاً حسناً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه المال الحلال، قاله الضحاك.
قال ابن عباس وكان شعيب كثير المال.
الثاني : أنه النبوة، ذكره ابن عيسى، وفي الكلام محذوف وتقديره، أفأعدل مع ذلك عن عبادته.
ثم قال
﴿ وما أريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ أي لا أفعل ما نهيتكم عنه كما لا أترك ما أمرتكم به.
﴿ إنْ أريد إلا الإصلاح ما استطعت ﴾ ومعناه ما أريد إلا فعل الصلاح ما استطعت، لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة.
﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلْتُ وإليه أُنيب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنّ الإنابة الرجوع ومعناه وإليه أرجع، قاله مجاهد.
الثاني : أن الإنابة الدعاء، ومعناه وإليه أدعو، عبيد الله بن يعلى.
قوله تعالى :﴿ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ﴾ في ﴿ يجرمنكم ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه لا يحملنكم، قاله الحسن وقتادة.
والثاني : معناه لا يكسبنكم، قاله الزجاج.
وفي قوله ﴿ شقاقي ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : إضراري، قاله الحسن.
الثاني : عداوتي، قاله السدي ومنه قول الأخطل :
ألا من مبلغ قيساً رسولاً فكيف وجدتم طعمَ الشقاق
الثالث : فراقي، قاله قتادة.
﴿ أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوحٍ ﴾ وهم أول أمة أهلكوا بالعذاب.
﴿ أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيدٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني بعد الدار لقربهم منهم، قاله قتادة.
الثاني : بعد العهد لقرب الزمان.
ويحتمل أن يكون مراداً به قرب الدار وقرب العهد.
وقد أهلك قوم هود بالريح العاصف، وقوم صالح بالرجفة والصيحة، وقوم لوط بالرجم.
قوله تعالى :﴿ قالوا يا شعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقول ﴾ أي ما نفهم، ومنه سمي عِلم الدين فقهاً لأنه مفهوم، وفيه وجهان :
أحدهما : ما نفقه صحة ما تقول من العبث والجزاء.
الثاني : أنهم قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه واحتقاراً لكلامه.
﴿ وإنا لنراك ضعيفاً ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : ضعيف البصر، قاله سفيان.
الثاني : ضعيف البدن، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أعمى، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
الرابع : قليل المعرفة وحيداً، قاله السدي.
الخامس : ذليلاً مهيناً، قاله الحسن.
السادس : قليل العقل.
السابع : قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.
﴿ ولولا رهطك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عشيرتك، وهو قول الجمهور.
الثاني : لولا شيعتك، حكاه النقاش.
﴿ لرجمناك ﴾ فيه وجهان : أحدهما : لقتلناك بالرجم.
الثاني : لشتمناك بالكلام، ومنه قول الجعدي.
تراجمنا بمُرِّ القول حتى... نصير كأننا فَرسَا رِهان
﴿ وما أنت علينا بعزيز ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بكريم.
الثاني : بممتنع لولا رهطك.
قوله تعالى :﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ﴾ أي تراعون رهطي فيّ ولا تراعون الله فيّ.
﴿ واتخذتموه وراءَكم ظهرياً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : اطرحتم أمره وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تعملون به، قاله السدي، ومنه قول الشاعر :
............ وجَدْنا بني البرصاءِ من وَلَدِ الظّهْرِ
أي ممن لا يلتفت إليهم ولا يعتد بهم.
الثاني : يعني أنكم حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم، قاله السدي، من قولهم حملت فلاناً على ظهري اذا أظهرت عناده.
الثالث : يعني أنكم جعلتم الله ظهرياً إن احتجتم استعنتم به، وإن اكتفيتم تركتموه. كالذي يتخذه الجمَّال من جماله ظهرياً إن احتاج إليها حمل عليها وإن استغنى عنها تركها، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع : إن الله تعالى جعلهم وراء ظهورهم ظهرياً، قاله مجاهد.
﴿ إنّ ربي بما تعملون محيط ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حفيظ.
الثاني : خبير.
الثالث : مُجَازٍ.
قوله تعالى :﴿ ويا قوم اعملوا على مكانتكم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على ناحيتكم، قاله ابن عباس.
الثاني : على تمكنكم، قاله ابن عيسى.
وقوله ﴿ اعملوا ﴾ يريد ما وعدوه من إهلاكه، قال ذلك ثقة بربة.
ثم قال جواباً لهم فيه تهديد ووعيد ﴿ إني عاملٌ سوف تعلمون ﴾ فيه وجهان : أحدهما : تعلمون الإجابة. الثاني : عامل في أمر من يأتي بهلاككم ليطهر الأرض منكم، وسترون حلول العذاب بكم.
﴿ من يأتيه عذابٌ يخزيه ﴾ قال عكرمة : الغرق.
وفي ﴿ يخزيه ﴾ وجهان :
أحدهما : يذله.
الثاني : يفضحه.
﴿ ومن هو كاذب ﴾ فيه مضمر محذوف تقديره : ومن هو كاذب يخزى بعذاب الله، فحذفه اكتفاء بفحوى الكلام.
﴿ وارتقبوا ﴾ أي انتظروا العذاب.
﴿ إني معكم رقيب ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إني معكم شاهد.
الثاني : إني معكم كفيل.
وفيه وجه ثالث : إني منتظر، قاله الكلبي.
قوله تعالى :﴿ وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن اللعنة في الدنيا من المؤمنين وفي الآخرة من الملائكة.
الثاني : أنه عنى بلعنة الدنيا الغرق، وبلعنة الآخرة النار، قاله الكلبي ومقاتل.
﴿ بئس الرِّفد المرفود ﴾ فيه ثلاث أوجه :
أحدها : بئس العون المعان، قاله أبو عبيدة.
الثاني : أن الرَّفد بفتح الراء : القدح، والرفد بكسرها ما في القدح من الشراب، حكي ذلك عن الأصمعي فكأنه ذم بذلك ما يُسقونه في النار.
الثالث : أن الرفد الزيادة، ومعناه بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار، قاله الكلبي.
قوله تعالى :﴿ ذلك من أنباء القُرى نقصُّه عليك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نخبرك.
الثاني : نتبع بعضه بعضاً.
﴿ منها قائمٌ وحصيدٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن القائم : العامرة، والحصيد : الخاوية قاله ابن عباس.
الثاني : أن القائم : الآثار، والحصيد : الدارس، قاله قتادة، قال الشاعر :
والناس في قسم المنية بينهم كالزرع منه قائم وحصيد
قوله تعالى :﴿ وما زادوهم غير تتبيب ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن التتبيب الشر، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الهلكة، قاله قتاة. قال لبيد :
فلقد بَليتُ وكلُّ صاحب جِدّةٍ لبِلىً يعودُ وذاكم التتبيب
ومنه قول جرير :
عرابة من بقية قوم لوطٍ ألا تباً لما فعلوا تبابا
الثالث : التخسير، وهو الخسران، قاله مجاهد وتأول قوله تعالى ﴿ تبَّتْ يدا أبي لهب ﴾ [ المسد : ١ ] أي خسرت.
قوله تعالى :﴿ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ﴾ فيه ثلاث تأويلات :
أحدها : لا تشفع إلا بإذنه.
الثاني : لا تتكلم إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح.
الثالث : أن لهم في القيامة وقت يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه.
﴿ فمنهم شقيٌ وسعيد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : محروم ومرزوق، قاله ابن بحر.
الثاني : معذب ومكرم، قال لبيد.
فمنهم سعيد آخذٌ بنصيبه ومنهم شقي بالمعيشة قانعُ
ثم في الشقاء والسعادة قولان : أحدهما : أن الله تعالى جعل ذلك جزاء على عملهما فأسعد المطيع وأشقى العاصي، قاله ابن بحر.
الثاني : أن الله ابتدأهما بالشقاوة والسعادة من غير جزاء. وروى عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : لما نزلت ﴿ فمنهم شقي وسعيد ﴾ قلت : يا رسول الله فعلام نعمل؟ أعلى شيء قد فرغ منه أم على ما لم يفرغ منه؟ فقال :« بلى على شيء قد فرغ منه يا عمر، وجرت به الأقلام ولكن كل شيء ميسور لما خلق له
»
.
قوله تعالى :﴿ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف، قاله ابن عباس.
الثاني : أن الزفير في الحلق من شدة الحزن، مأخوذ من الزفير، والشهيق في الصدر، قاله الربيع بن أنس.
الثالث : أن الزفير تردد النفس من شدة الحزن، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر الشدته، والشهيق النفس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم جبل شاهق أي طويل، قاله ابن عيسى.
الرابع : أن الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخر نهيقه، قال الشاعر :
حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق
﴿ خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلى ما شاء ربك ﴾ فيه ثمانية تأويلات :
أحدها : خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه ابن عيسى.
الثاني : ما دامت سموات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة، قاله بعض المتأخرين.
الثالث : ما دامت السموات والأرض، أي مدة لبثهم في الدنيا، قاله ابن قتيبة.
الرابع : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها، قاله قتادة، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة، حكاه الضحاك عن ابن عباس، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ :« يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون
»
الخامس : إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها، قاله أبو نضرة يرويه مأثوراً عن النبي ﷺ.
السادس : إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء، قاله ابن عباس.
السابع : أن الاستثناء راجع إلى قولهم ﴿ لهم فيها زفير وشهيق ﴾ إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد سمّي ووصف، ثم استأنف ﴿ ما دامت السموات والأرض ﴾ حكاه ابن الأنباري.
الثامن : أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدُهم وفي تقدير خلودهم بمدة السموات والأرض وجهان :
أحدهما : أنها سموات الدنيا وأرضها، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا
والوجه الثاني : أنها سموات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد.
قوله تعالى :﴿ وأمّا الذين سُعدُوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ﴾ فيها خمسة تأويلات :
أحدها : دامت سموات الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها في الخلود فيها :
الثاني : إلا ما شاء ربك من مدة يوم القيامة.
الثالث : إلا ما شاء ربك من مدة مكثهم في النار إلى أن يخرجوا منها، قاله الضحاك.
الرابع : خالدين فيها يعني أهل التوحيد، إلا ما شاء ربك يعني أهل الشرك، وهو يشبه قول أبي نضرة.
الخامس : خالدين فيها إلا ما شاء ربك أي ما شاء من عطاء غير مجذوذ، فتكون ﴿ إلا ﴾ هنا بمعنى الواو كقول الشاعر :
وكلُّ أخٍ مفارقُهُ أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان.
أي والفرقدان.
﴿ عطاءً غير مجذوذ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غير مقطوع.
الثاني : غير ممنوع.
قوله تعالى :﴿... وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية.
الثاني : نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد.
الثالث : ما وعدوا به من خير أو شر، قاله ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لا تميلوا، قاله ابن عباس.
الثاني : لا تدنوا، قاله سفيان.
الثالث : لا ترضوا أعمالهم، قاله أبو العالية.
الرابع : لا تدهنوا لهم في القول وهو أن يوافقهم في السر ولا ينكر عليهم في الجهر.
ومنه قوله تعالى ﴿ ودّوا لو تدهن فيدهنون ﴾ [ القلم : ٩ ]، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ فتمسكم النار ﴾ يحتمل وجيهن :
أحدهما : فيمسكم عذاب النار لركونكم إليهم.
الثاني : فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها، ويكون ذكر النار على هذا الوجه استعارة وتشبيهاً، وعلى الوجه الأول خبراً ووعيداً.
قوله تعالى :﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار ﴾ أما الطرف الأول فصلاة الصبح باتفاق وأما الطرف الثاني ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه عنى صلاة الظهر والعصر، قاله مجاهد.
الثاني : صلاة العصر وحدها، قاله الحسن.
الثالث : صلاة المغرب، قاله ابن عباس.
﴿ وزلفاً من الليل ﴾ والزلف جمع زلفة، والزلفة المنزلة، فكأنه قال ومنازل من الليل، أي ساعات من الليل، وقيل إنما سميت مزدلفة من ذلك لأنها منزل بعد عرفة، وقيل سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حواء وهي بها، ومنه قول العجاج في صفة بعير :
ناجٍ طواه الأين مما وجفا طيَّ الليالي زُلَفاً فزلفا
وفي معنى ﴿ زلفاً من الليل ﴾ قولان :
أحدهما : صلاة العشاء الآخرة، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثانية : صلاة المغرب والعشاء والآخرة، قاله الضحاك ولحسن ورواه مرفوعاً.
﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾ في هذا الحسنات أربعة أقاويل :
أحدها : الصلوات الخمس، قاله ابن عباس والحسن وابن مسعود والضحاك.
الثاني : هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قاله مجاهد قال عطاء : وهن الباقيات الصالحات.
الثالث : أن الحسنات المقبولة يذهبن السيئات المغفورة.
الرابع : أن الثواب الطاعات يذهبن عقاب المعاصي.
﴿ ذلك ذكرى للذاكرين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : توبة للتائبين، قاله الكلبي.
الثاني : بيان للمتعظين، وروي عن النبي ﷺ أنه قال :« واتبع السيئة الحسنة تمحها
»
وسبب نزول هذه الآية ما روى الأسود عن ابن مسعود قال : جاء رجل الى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة فأصبت منها دون أن أمسّها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر : لقد سترك الله لو سترت على نفسك. ولم يردّ عليه النبي صلى الله عيله وسلم شيئاً. فنزلت هذه الآية :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذركى للذاكرين ﴾ فدعاه رسول الله ﷺ فقرأها عليه فقال عمر : يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال :« بل للناس كافة » قال أبو موسى طمحان : إن هذا الرجل أبو اليسر الأنصاري وقال ابن عابس هو عمرو بن غزية الأنصاري، وقال مقاتل : هو عامر بن قيس الأنصاري.
قوله تعالى :﴿ فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أولو طاعة
الثاني : أولو تمييز.
الثالث : أولو حذر من الله تعالى.
﴿ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكان مجرمين ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم اتبعوا على ظلمهم ما أترفوا فيه من استدامة نعمهم استدراجاً لهم.
الثاني : أنهم أخذوا بظلمهم فيما أترفوا فيه من نعمهم. والمترف : المنعّم. وقال ابن عباس : أترفوا فيه : معناه انظروا فيه.
قوله تعالى :﴿ ولو شاء ربُّك لجعل الناس أمّةً واحدةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على ملة الإسلام وحدها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أهل دين واحد، أهل ضلالة وأهل هدى، قاله الضحاك.
﴿ ولا يزالون مختلفين إلا من رَحِمَ ربّك ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : مختلفين في الأديان إلا من رحم ربك من أهل الحق، قاله مجاهد وعطاء.
الثاني : مختلفين في الحق والباطل إلا من رحم ربك من أهل الطاعة، قاله ابن عباس.
الثالث : مختلفين في الرزق فهذا غني وهذا فقير إلا من رحم ربك من أهل القناعة. قاله الحسن.
الرابع : مختلفين بالشقاء والسعادة إلا من رحم ربك بالتوفيق.
الخامس : مختلفين في المغفرة والعذاب إلا من رحم ربك بالجنة.
السادس : أنه معنى مختلفين أي يخلف بعضهم بعضاً، فيكون من يأتي خلفاً للماضي لأن سوءاً في كل منهم خلف بعضهم بعضاً، فاقتتلوا ومنه قولهم : ما اختلف الجديدان، أي جاء هذا بعد ذاك، قاله ابن بحر.
﴿ ولذلك خلقهم ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : للاختلاف خلقهم، قاله الحسن وعطاء.
الثاني : للرحمة خلقهم، قاله مجاهد.
الثالث : للشقاء والسعادة خلقهم، قاله ابن عباس.
الرابع : للجنة والنار خلقهم، قاله منصور بن عبد الرحمن.
قوله تعالى :﴿ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبتُ به فؤادك ﴾ أي نقوّي به قلبك وتسكن إليه نفسك، لأنهم بُلُوا فصبروا، وجاهدوا فظفروا.
﴿ وجاءَك في هذه الحقُّ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في هذه السورة، قاله ابن عباس وأبو موسى.
الثاني : في هذه الدنيا، قاله الحسن وقتادة. الثالث : في هذه الأنباء، حكاه ابن عيسى.
وفي هذا ﴿ الحق ﴾ وجهان :
أحدهما : صدق القصص وصحة الأنباء وهذا تأويل من جعل المراد السورة.
الثاني : النبوة، وهذا تأويل من جعل المراد الدنيا.
﴿ وموعظةُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : القرآن الذي هو وعظ الله تعالى لخلقه.
الثاني : الاعتبار بأنباء من سلف من الأنبياء ولذلك قال النبي ﷺ « والسعيد من وعظ بغيره
»
.
Icon