تفسير سورة سورة هود من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)﴾.المناسبة
قوله تعالى في سورة هود: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنهم إن أعرضوا، حاق بهم عذاب يوم كبير.. بين في هذه الآية حالهم وصفتهم العجيبة الدالة على إعراض الحيرة والعجز ومنتهى الجهل.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ...﴾ سبب نزولها ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: كان أناس يستحيون أن ينخلوا فيفضوا بفروجهم إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الر﴾ قيل: إنها حروف مقطعة من أوائل الأسماء، فمعناها: أنا الله الرحمن، وقيل: إنها اسم للسورة، وقيل (١): إنها حرف تنبيه، كألا، وتقرأ (٢) كأسمائها ساكنةً فيقال: ﴿ألف لام راء﴾ وقيل معناه: أنا الله أرى. والراجح الأسلم من الأقوال الجارية في أمثال هذه، تفويض علمها إلى الله تعالى. هذا
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
396
القرآن ﴿كِتَابٌ﴾ عظيم الشأن جليل القدر ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾؛ أي (١): صارت آياته محكمة متقنةً لا نقص فيها ولا نقض لها، كالبناء المحكم من الإحكام، أي: الإتقان ففعله متعد، والمعنى أتقنت آياته لفظًا ومعنى، فلا يحيط بمعنى آيات القرآن غيره تعالى ولم يوجد تركيب بديع الصنع، عديم النظير، نظير القرآن. وقيل معناه: إنها لم تنسخ، بخلاف التوراة والإنجيل، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب، وهو المحكم الذي لم ينسخ. وقيل معناه: أحكمت آياته بالأمر والنهي ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بالوعد والوعيد والثواب والعقاب. وقيل: أحكمها الله من الباطل، ثم فصلها بالحلال والحرام. وقيل: أحكمت جملته ثم فصلت آياته. وقيل: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ وجمعت في اللوح المحفوظ ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بالوحي. وقيل: أحكمها الله تعالى، فليس فيها تناقض، ثم فصلها وبينها. وقيل: أحكمت آياته لفظًا ونظمت نظمًا رائقًا بليغًا، ثم فصلت معنى، وبينت وفسرت.
فإن قلت (٢): كيف عم الآيات هنا بالإحكام، وخص بعضها بالإحكام في قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؟
قلتُ: إن الأحكام الذي عم به هنا، غير الذي خص به هناك، فمعنى الإحكام العام هنا أنه لا يتطرق إلى آياته التناقض والفساد، كإحكام البناء، فإن هذا الكتاب نسخ جميع الكتب المتقدمة عليه. والمراد بالإحكام الخاص المذكور في قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ أن بعض آياته منسوخة؛ نسخها بآيات منه أيضًا لم ينسخها غيره. وقيل: أحكمت آياته؛ أي: معظم آياته محكمة، وإن كان قد دخل النسخ على البعض، فأجري الكل على البعض؛ لأن الحكم للغالب وإجراء الكل على البعض مستعمل في كلامه، تقول: أكلت طعام زيد، وإنما أكلت بعضه. والتراخي المستفاد من ﴿ثُمَّ﴾ إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم بحسب النزول؛ لأنها أحكمت أولًا حين نزلت جملة واحدة، ثم فصلت ثانيًا على حسب المصالح والوقائع، وإما رتبي إن فسر بغيره مما تقدم.
فإن قلت (٢): كيف عم الآيات هنا بالإحكام، وخص بعضها بالإحكام في قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؟
قلتُ: إن الأحكام الذي عم به هنا، غير الذي خص به هناك، فمعنى الإحكام العام هنا أنه لا يتطرق إلى آياته التناقض والفساد، كإحكام البناء، فإن هذا الكتاب نسخ جميع الكتب المتقدمة عليه. والمراد بالإحكام الخاص المذكور في قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ أن بعض آياته منسوخة؛ نسخها بآيات منه أيضًا لم ينسخها غيره. وقيل: أحكمت آياته؛ أي: معظم آياته محكمة، وإن كان قد دخل النسخ على البعض، فأجري الكل على البعض؛ لأن الحكم للغالب وإجراء الكل على البعض مستعمل في كلامه، تقول: أكلت طعام زيد، وإنما أكلت بعضه. والتراخي المستفاد من ﴿ثُمَّ﴾ إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم بحسب النزول؛ لأنها أحكمت أولًا حين نزلت جملة واحدة، ثم فصلت ثانيًا على حسب المصالح والوقائع، وإما رتبي إن فسر بغيره مما تقدم.
(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
397
قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى ثُمَّ؟
قلتُ: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن معناها التراخي في الأخبار، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل، انتهى. يعني: إن ثم جاءت لترتيب الأخبار، لا لترتيب الوقوع في الزمان، والمعنى: أخبرنا الله بأن القرآن محكم أحسن الأحكام، مفصل أحسن التفصيل. وقرأ (١) عكرمة والضحاك والجحدري وزيد بن علي وابن كثير في رواية: ﴿ثم فصلت﴾ بفتحتين خفيفة على لزوم الفعل للآيات. قال صاحب "اللوامح": يعني انفصلت وصدرت. وقال ابن عطية فصلت بين المحق والمبطل من الناس. قال الزمخشري وقرىء ﴿أحكمت آياته ثم فصلت﴾، على بناء الفعل للمتكلم المعلوم؛ أي: أحكمتها أنا ثم فصلتها.
وقوله: ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ لف ونشر مرتب؛ أي: كتاب أحكمت آياته من عند حكيم في جميع أفعاله، ثم فصلت من عند خبير بأحوال عباده وما يصلحهم، عالم بمواقع الأمور، والمعنى: أحكمها حكيم وفصلها خبير؛ أي: شرحها وبينها.
ومعنى الآية (٢): أي هذا كتاب عظيم الشأن، جليل القدر، جعلت آياته محكمة النظم والتأليف، واضحة المعاني، لا تقبل شكًّا ولا تأويلًا ولا تبديلًا، كأنها الحصن المنيع الذي لا يتطرق إليه خلل، وجعلت فصولا متفرقة في سورة تبين حقائق العقائد والأحكام والمواعظ، وجميع ما أنزل له الكتاب من الحكم والفوائد، فكأنها العقد المفصل بالفرائد، ولا عجب فقد أنزلت من لدن حكيم يقدر حاجة عباده، ويعطيهم ما فيه الخير لهم، خبير بعواقب ذلك ومصادره وموارده.
٢ - والأحسن (٣) في قوله: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ أن تكون أن تفسيرية لوجود ضابطها، وهو تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهو قوله: ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ ويصح أن تكون مصدرية بتقدير الجار؛ أي: هذا كتاب أحكمت آياته وفصلت بأن
قلتُ: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن معناها التراخي في الأخبار، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل، انتهى. يعني: إن ثم جاءت لترتيب الأخبار، لا لترتيب الوقوع في الزمان، والمعنى: أخبرنا الله بأن القرآن محكم أحسن الأحكام، مفصل أحسن التفصيل. وقرأ (١) عكرمة والضحاك والجحدري وزيد بن علي وابن كثير في رواية: ﴿ثم فصلت﴾ بفتحتين خفيفة على لزوم الفعل للآيات. قال صاحب "اللوامح": يعني انفصلت وصدرت. وقال ابن عطية فصلت بين المحق والمبطل من الناس. قال الزمخشري وقرىء ﴿أحكمت آياته ثم فصلت﴾، على بناء الفعل للمتكلم المعلوم؛ أي: أحكمتها أنا ثم فصلتها.
وقوله: ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ لف ونشر مرتب؛ أي: كتاب أحكمت آياته من عند حكيم في جميع أفعاله، ثم فصلت من عند خبير بأحوال عباده وما يصلحهم، عالم بمواقع الأمور، والمعنى: أحكمها حكيم وفصلها خبير؛ أي: شرحها وبينها.
ومعنى الآية (٢): أي هذا كتاب عظيم الشأن، جليل القدر، جعلت آياته محكمة النظم والتأليف، واضحة المعاني، لا تقبل شكًّا ولا تأويلًا ولا تبديلًا، كأنها الحصن المنيع الذي لا يتطرق إليه خلل، وجعلت فصولا متفرقة في سورة تبين حقائق العقائد والأحكام والمواعظ، وجميع ما أنزل له الكتاب من الحكم والفوائد، فكأنها العقد المفصل بالفرائد، ولا عجب فقد أنزلت من لدن حكيم يقدر حاجة عباده، ويعطيهم ما فيه الخير لهم، خبير بعواقب ذلك ومصادره وموارده.
٢ - والأحسن (٣) في قوله: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ أن تكون أن تفسيرية لوجود ضابطها، وهو تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهو قوله: ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ ويصح أن تكون مصدرية بتقدير الجار؛ أي: هذا كتاب أحكمت آياته وفصلت بأن
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
لا تعبدوا إلا الله؛ أي: نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له. والمراد بالعبادة، التوحيد وخلع الأنداد والأصنام وما كانوا يعبدون والرجوع إلى الله تعالى وإلى عبادته، والدخول في دين الإِسلام وهذا كقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾. وقل يا محمَّد للناس ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ﴾؛ أي: من جهة الحكيم الخبير ﴿نَذِيرٌ﴾؛ أي: بعذابه إن عبدتم غير الله تعالى ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بثوابه إن تمحضتم في عبادته؛ أي: قل لهم إنني لكم نذير من جهة الله تعالى، أنذركم عقابه إن ثبتم على كفركم ولم ترجعوا عنه ﴿وَبَشِيرٌ﴾ منه أبشر بالثواب الجزيل لمن آمن بالله ورسوله وأطاع وأخلص العمل لله وحده، وهذا بيان لوظيفة الرسالة، ومبين لدعوة الرسول، - ﷺ -.
٣ - وقوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ معطوف على ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ والكلام في ﴿أَن﴾ هذه كالكلام في التي قبلها. وقوله: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ معطوف على ﴿اسْتَغْفِرُوا﴾ وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة، لكونه وسيلة إليها؛ أي: اطلبوا من ربكم ستر ما سلف منكم من الشرك، ثم أقبلوا إليه بالطاعة والإخلاص: لأن الاستغفار هو طلب الغفر، وهو الستر، والتوبة: الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك، فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة. وقيل معناه: استغفروا لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل. وقيل: استغفروا في الصغائر ثم توبوا إليه في الكبائر. وقال الفراء: ثم هنا بمعنى الواو؛ لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد.
والمعنى (١): واسألوه أن يغفر لكم ما كان منكم من أعمال الشرك والكفر والإجرام، ثم ارجعوا إليه بإخلاص العبادة له دون غيره، مما تعبدون من دونه من الأصنام والأوثان.
فإن فعلتم ذلك، واستغفرتم من كل ذنب، وتبتم من الإعراض عن هدايته، وتنكب سننه.. ﴿يُمَتِّعْكُمْ﴾ في دنياكم ﴿مَتَاعًا حَسَنًا﴾؛ أي: يطول نفعكم في الدنيا
٣ - وقوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ معطوف على ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ والكلام في ﴿أَن﴾ هذه كالكلام في التي قبلها. وقوله: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ معطوف على ﴿اسْتَغْفِرُوا﴾ وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة، لكونه وسيلة إليها؛ أي: اطلبوا من ربكم ستر ما سلف منكم من الشرك، ثم أقبلوا إليه بالطاعة والإخلاص: لأن الاستغفار هو طلب الغفر، وهو الستر، والتوبة: الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك، فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة. وقيل معناه: استغفروا لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل. وقيل: استغفروا في الصغائر ثم توبوا إليه في الكبائر. وقال الفراء: ثم هنا بمعنى الواو؛ لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد.
والمعنى (١): واسألوه أن يغفر لكم ما كان منكم من أعمال الشرك والكفر والإجرام، ثم ارجعوا إليه بإخلاص العبادة له دون غيره، مما تعبدون من دونه من الأصنام والأوثان.
فإن فعلتم ذلك، واستغفرتم من كل ذنب، وتبتم من الإعراض عن هدايته، وتنكب سننه.. ﴿يُمَتِّعْكُمْ﴾ في دنياكم ﴿مَتَاعًا حَسَنًا﴾؛ أي: يطول نفعكم في الدنيا
(١) المراغي.
399
بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق وسعة العيش، فيرزقكم من زينة الدنيا، وينسأ لكم في آجالكم ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى الوقت الذي قضى عليكم فيه الموت، وهو العمر المقدر لكم في علمه المكتوب في نظام الخليقة، وسنن الاجتماع البشري في عباده، ولا يقطعه بعذاب الاستئصال، ولا بفساد العمران ولا ينقصه ما ينقص من أدمن على الشرك والمعاصي.
وهذه (١) سنة مطردة في ذنوب الأمم، وهي فيها أظهر من ذنوب الأفراد، فالمشاهد أن الأمم التي تصر على الظلم والفسوق والعصيان يهلكها الله تعالى في الدنيا بالضعف والشقاق وخراب العمران، حتى تزول منعتها وتتمزق وحدتها.
ومعنى ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾؛ أي: يعشكم (٢) عيشًا مرضيًّا إلى وقت مقدر عند الله تعالى، وهو آخر أعماركم، فمن أخلص لله في القول والعمل.. عاش في أمنٍ من العذاب وراحةٍ مما يخشاه، ومن اشتغل بمحبة الله.. كان انقطاعه عن الخلق أكمل، وسروره أتم؛ لأنه أمن من زوال محبوبه، ومن كان مشتغلًا بحب غير الله.. كان أبدًا في ألم الخوف من فوات المحبوب. وقرأ الحسن وابن هرمز وزيد بن علي وابن محيصن ﴿يمتعكم﴾ بالتخفيف من أمتع.
﴿وَيُؤْتِ﴾؛ أي: يعط في الدنيا والآخرة ﴿كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ في الإِسلام والطاعة ﴿فَضْلَهُ﴾؛ أي: ثواب فضله وجزاءه؛ أي: وإن (٣) تجتنبوا الشرك، وتؤمنوا بالله وتستغفروه.. يمتعكم متاعًا حسنًا، تكونون به خير الأمم نعمة وقوة وعزة، ويعط كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضله، أما في الآخرة فهو مطرد دائمًا، وأما في الدنيا فقد يكون ناقصًا مشوبًا بأكدارٍ، ولا يكون مطردًا لقصر أعمار الأفراد.
فإن قلت (٤): قد ورد في الحديث، أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله، فكيف الجمع بين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ
وهذه (١) سنة مطردة في ذنوب الأمم، وهي فيها أظهر من ذنوب الأفراد، فالمشاهد أن الأمم التي تصر على الظلم والفسوق والعصيان يهلكها الله تعالى في الدنيا بالضعف والشقاق وخراب العمران، حتى تزول منعتها وتتمزق وحدتها.
ومعنى ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾؛ أي: يعشكم (٢) عيشًا مرضيًّا إلى وقت مقدر عند الله تعالى، وهو آخر أعماركم، فمن أخلص لله في القول والعمل.. عاش في أمنٍ من العذاب وراحةٍ مما يخشاه، ومن اشتغل بمحبة الله.. كان انقطاعه عن الخلق أكمل، وسروره أتم؛ لأنه أمن من زوال محبوبه، ومن كان مشتغلًا بحب غير الله.. كان أبدًا في ألم الخوف من فوات المحبوب. وقرأ الحسن وابن هرمز وزيد بن علي وابن محيصن ﴿يمتعكم﴾ بالتخفيف من أمتع.
﴿وَيُؤْتِ﴾؛ أي: يعط في الدنيا والآخرة ﴿كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ في الإِسلام والطاعة ﴿فَضْلَهُ﴾؛ أي: ثواب فضله وجزاءه؛ أي: وإن (٣) تجتنبوا الشرك، وتؤمنوا بالله وتستغفروه.. يمتعكم متاعًا حسنًا، تكونون به خير الأمم نعمة وقوة وعزة، ويعط كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضله، أما في الآخرة فهو مطرد دائمًا، وأما في الدنيا فقد يكون ناقصًا مشوبًا بأكدارٍ، ولا يكون مطردًا لقصر أعمار الأفراد.
فإن قلت (٤): قد ورد في الحديث، أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله، فكيف الجمع بين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٤) الخازن.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٤) الخازن.
400
مُسَمًّى}.
قلتُ: أما قوله - ﷺ -: "الدنيا سجن المؤمن" فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم، فإنه في سجن في الدنيا، حتى يفضي إلى ذلك المعد له، وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم، الذي لا ينقطع، فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد الله له في الآخرة. وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات، فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات، فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشةٍ حسنة، لأنه راضٍ عن الله في جميع أحواله. ثم توعدهم سبحانه على مخالفة الأمر فقال: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: وإن تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة ﴿فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ بموجب الشفقة ﴿عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾؛ أي: شديد عذابه، وهو يوم القيامة، ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال. وقيل: اليوم الكبير يوم بدر.
والمعنى: وإن توليتم وأعرضتم عما دعوتكم إليه، من عبادة الله وحده، وعدم عبادة غيره فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير الهول شديد البأس، فيصيبكم مثل ما أصاب أقوام الرسل الذين عاندوهم، وأصروا على تكذيبهم وعصيانهم، أو قريب منه بعد الرسول والمؤمنين. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو مجلز وأبو رجاء ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ بضم التاء واللام وفتح الواو مضارع ولّى. والقراءة الأولى مضارع تولّى. وفي كتاب "اللوامح": وقرأ اليماني وعيسى البصري: ﴿وإن تولوا﴾ بثلاث ضمات مبنيًّا للمفعول. وقرأ الأعرج: ﴿تولوا﴾ بضم التاء واللام وسكون الواو مضارع أولى.
٤ - ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى لا إلى غيره ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم بالموت ثم البعث ثم الجزاء ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ شاءه ﴿قَدِيرٌ﴾، ومن جملة ذلك تعذيبكم على عدم الامتثال؛ أي (١): إليه تعالى رجوعكم بعد موتكم
قلتُ: أما قوله - ﷺ -: "الدنيا سجن المؤمن" فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم، فإنه في سجن في الدنيا، حتى يفضي إلى ذلك المعد له، وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم، الذي لا ينقطع، فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد الله له في الآخرة. وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات، فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات، فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشةٍ حسنة، لأنه راضٍ عن الله في جميع أحواله. ثم توعدهم سبحانه على مخالفة الأمر فقال: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: وإن تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة ﴿فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ بموجب الشفقة ﴿عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾؛ أي: شديد عذابه، وهو يوم القيامة، ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال. وقيل: اليوم الكبير يوم بدر.
والمعنى: وإن توليتم وأعرضتم عما دعوتكم إليه، من عبادة الله وحده، وعدم عبادة غيره فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير الهول شديد البأس، فيصيبكم مثل ما أصاب أقوام الرسل الذين عاندوهم، وأصروا على تكذيبهم وعصيانهم، أو قريب منه بعد الرسول والمؤمنين. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو مجلز وأبو رجاء ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ بضم التاء واللام وفتح الواو مضارع ولّى. والقراءة الأولى مضارع تولّى. وفي كتاب "اللوامح": وقرأ اليماني وعيسى البصري: ﴿وإن تولوا﴾ بثلاث ضمات مبنيًّا للمفعول. وقرأ الأعرج: ﴿تولوا﴾ بضم التاء واللام وسكون الواو مضارع أولى.
٤ - ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى لا إلى غيره ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم بالموت ثم البعث ثم الجزاء ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ شاءه ﴿قَدِيرٌ﴾، ومن جملة ذلك تعذيبكم على عدم الامتثال؛ أي (١): إليه تعالى رجوعكم بعد موتكم
(١) المراغي.
جميعًا أممًا وأفرادًا، لا يتخلف منكم أحد، وحينئذٍ تلقون جزاءكم بالعدل والقسطاس، وهو سبحانه قدير على كل شيء، من إيصال الرزق إليكم في الدنيا، وثوابكم وعقابكم في الآخرة، وهذه الجملة مقررة لما قبلها.
٥ - ثم أخبر (١) الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجح فيهم، ولا لانت له قلوبهم، بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر، فقال مصدرًا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم، وأنه ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه: ﴿أَلاَ﴾؛ أي: انتبه يا محمَّد ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن هؤلاء الكفار الكارهين لدعوة التوحيد ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾؛ أي: يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر، كما هو دأب المنافقين ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾؛ أي: ليختفوا من الله سبحانه وتعالى فلا يطلع عليه رسوله ولا المؤمنين، أو ليستخفوا من رسول الله، - ﷺ -، ثم كرر كلمة التنبيه مبينًا للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾؛ أي: انتبه يا محمَّد إنهم يستخفون منه في وقت استغشاء الثياب والتغطية بها، وقد كانوا يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمَّد.. فمن يعلم بنا. وقيل معنى: حين يستغشون: حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون ثيابهم. وقيل: إنه حقيقة، وذلك إن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله، - ﷺ -، ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، لئلا يسمع كلام رسول الله، - ﷺ -. والعامل في قوله: ﴿حِينَ يَسْتَغْشُونَ﴾ مقدر وهو يستخفون، ويجوز أن يكون ظرفًا ليعلم؛ أي: ألا يعلم سرهم وعلنهم حين يفعلون كذا، وهذا معنى واضح ذكره في "الفتوحات"؛ أي: تنبه (٢) يا محمَّد إن الكفار يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى حين يغطون رؤوسهم بثيابهم للاستخفاء. عن ابن عباس إن هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق وأصحابه، من منافقي مكة، وكان رجلًا حلو المنطق، حسن المنظر، يظهر لرسول الله، - ﷺ -، المحبة، ويضمر في قلبه العداوة.
٥ - ثم أخبر (١) الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجح فيهم، ولا لانت له قلوبهم، بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر، فقال مصدرًا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم، وأنه ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه: ﴿أَلاَ﴾؛ أي: انتبه يا محمَّد ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن هؤلاء الكفار الكارهين لدعوة التوحيد ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾؛ أي: يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر، كما هو دأب المنافقين ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾؛ أي: ليختفوا من الله سبحانه وتعالى فلا يطلع عليه رسوله ولا المؤمنين، أو ليستخفوا من رسول الله، - ﷺ -، ثم كرر كلمة التنبيه مبينًا للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾؛ أي: انتبه يا محمَّد إنهم يستخفون منه في وقت استغشاء الثياب والتغطية بها، وقد كانوا يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمَّد.. فمن يعلم بنا. وقيل معنى: حين يستغشون: حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون ثيابهم. وقيل: إنه حقيقة، وذلك إن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله، - ﷺ -، ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، لئلا يسمع كلام رسول الله، - ﷺ -. والعامل في قوله: ﴿حِينَ يَسْتَغْشُونَ﴾ مقدر وهو يستخفون، ويجوز أن يكون ظرفًا ليعلم؛ أي: ألا يعلم سرهم وعلنهم حين يفعلون كذا، وهذا معنى واضح ذكره في "الفتوحات"؛ أي: تنبه (٢) يا محمَّد إن الكفار يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى حين يغطون رؤوسهم بثيابهم للاستخفاء. عن ابن عباس إن هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق وأصحابه، من منافقي مكة، وكان رجلًا حلو المنطق، حسن المنظر، يظهر لرسول الله، - ﷺ -، المحبة، ويضمر في قلبه العداوة.
(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
402
ومعنى الآية (١): أي إن هؤلاء الكافرين الكارهين لدعوة التوحيد يحنون ظهورهم وينكسون رؤوسهم، كأنهم يحاولون طي صدورهم على بطونهم حين سماع القرآن، ليستخفوا منه، - ﷺ -، حين تلاوته فلا يراهم حين نزول هذه القوارع على رؤوسهم. روى ابن جرير وغيره أن ابن شداد، قال: كان أحدهم إذا مر بالنبي، - ﷺ -، ثنى صدره كيلا يراه أحد.
وجملة ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء؛ لأن الله تعالى يعلم ما يسرونه في قلوبهم، أو في ذات بينهم وما يظهرونه بأفواههم، فالظاهر والباطن عنده سواء، والسر والجهر سيان. وجملة ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ تعليل لما قبلها وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور. وقيل: هي القلوب، والمعنى: إنه عليم بجميع الضمائر، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإظهار والإسرار، فلا يخفى عليه شيء من ذلك. والأوضح كما مر، أن يكون الظرف متعلقًا بـ ﴿يَعْلَمُ﴾؛ أي (٢): إن ثني صدورهم وتنكيس رؤوسهم، ليستخفوا من الداعي لهم إلى توحيد ربهم، لا يغني عنهم شيئًا، فإن ربهم يعلم ما يسرون ليلًا، حين يستغشون ثيابهم فيغطون بها جميع أبدانهم، ثم ما يلعنون نهارًا، إنه سبحانه وتعالى عليم بأسرار الصدور وخواطر القلوب، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صدوركم الشك في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَثْنوُنَ﴾ بفتح الياء وضم النون، من ثنى يثني من باب رمى. وقرأ سعيد بن جبير: ﴿يثنون﴾ بضم الياء، مضارع أثنى الرباعي ﴿صُدُورَهُم﴾ بالنصب ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للإثناء، كما تقول: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع. وقرأ ابن عباس وعلي بن الحسين وابناه، زيد ومحمد، وابنه جعفر ومجاهد وابن يعمر ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن أبزى والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو الأسود الدؤلي وأبو رزين والضحاك؛
وجملة ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء؛ لأن الله تعالى يعلم ما يسرونه في قلوبهم، أو في ذات بينهم وما يظهرونه بأفواههم، فالظاهر والباطن عنده سواء، والسر والجهر سيان. وجملة ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ تعليل لما قبلها وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور. وقيل: هي القلوب، والمعنى: إنه عليم بجميع الضمائر، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإظهار والإسرار، فلا يخفى عليه شيء من ذلك. والأوضح كما مر، أن يكون الظرف متعلقًا بـ ﴿يَعْلَمُ﴾؛ أي (٢): إن ثني صدورهم وتنكيس رؤوسهم، ليستخفوا من الداعي لهم إلى توحيد ربهم، لا يغني عنهم شيئًا، فإن ربهم يعلم ما يسرون ليلًا، حين يستغشون ثيابهم فيغطون بها جميع أبدانهم، ثم ما يلعنون نهارًا، إنه سبحانه وتعالى عليم بأسرار الصدور وخواطر القلوب، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صدوركم الشك في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَثْنوُنَ﴾ بفتح الياء وضم النون، من ثنى يثني من باب رمى. وقرأ سعيد بن جبير: ﴿يثنون﴾ بضم الياء، مضارع أثنى الرباعي ﴿صُدُورَهُم﴾ بالنصب ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للإثناء، كما تقول: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع. وقرأ ابن عباس وعلي بن الحسين وابناه، زيد ومحمد، وابنه جعفر ومجاهد وابن يعمر ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن أبزى والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو الأسود الدؤلي وأبو رزين والضحاك؛
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط والعكبري.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط والعكبري.
403
﴿تثنوني﴾ بالتاء، مضارع اثنوني، على وزن افعوعل نحو: اعشوشب المكان صدورهم، بالرفع بمعنى: تنطوي صدورهم. وقرأ أيضًا ابن عباس ومجاهد وابن يعمر وابن أبي إسحاق: ﴿يثنوني﴾ بالياء، ﴿صدورهم﴾ بالرفع ذكر على معنى الجمع دون الجماعة. وقرأ ابن عباس أيضًا: ﴿ليثنون﴾ بلام التأكيد في خبر إن وحذف الياء تخفيفًا لطول الكلمة، ﴿وصدورهم﴾ بالرفع. وقرأ ابن عباس أيضًا وعروة وابن أبي أبزى والأعشى ﴿يثنون﴾ بياء مفتوحة وسكون الثاء ونون مفتوحة، بوزن يفعوعل من أأثن بني منه افعوعل، وهو ماهش وضعف من الكلأ، وأصله يثنونن، يريد: مطاوعة نفوسهم للشيء كما ينثني الهش من النبات، أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم، ﴿صدورهم﴾ بالرفع. وقرأ عروة ومجاهد أيضًا كذلك إلا أنه همز فقرأ: ﴿يثنئن﴾ بوزن يطمئن، ﴿وصدورهم﴾ بالرفع. وقرأ الأعشى؛ ﴿يثنؤن﴾ بوزن يفعلون مهموز اللام، ﴿صدورهم﴾ بالنصب. قال صاحب "اللوامح": ولا أعرف له وجهًا؛ لأنه يقال: ثنيت، ولم أسمع ثنأت، ويجوز أنه قلب الياء ألفًا، على لغة من يقول أعطأت في أعطيت، ثم همز على لغة من يقول ولا الضألين. وقرأ ابن عباس: ﴿يثنوي﴾ بتقديم الثاء على النون وبغير نون بعد الواو على وزن ترعوى. قال أبو حاتم: وهذه القراءة غلط لا تتجه، انتهى. وقرأ نصر بن عاصم وابن يعمر وابن أبي إسحاق: ﴿ينثون﴾ بتقديم النون على الثاء، فهذه عشر قراءات في هذه الكلمة. وقرأ ابن عباس: ﴿على حين يستغشون﴾. قال ابن عطية: ومن هذا الاستعمال قول النابغة:
الإعراب
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾.
﴿الر﴾: إن كان مسرودًا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور.. فلا محل له، وإن كان اسمًا للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ، خبره ما بعده، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا الآتي سورة الر، وعلة بنائه شبهه بالحرف شبهًا وضعيًّا و ﴿كِتَابٌ﴾ يكون على هذا الوجه خبرًا لمبتدأ محذوف،
عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ اَلْمَشِيْبَ عَلَى الصِّبَا | وَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازعُ؟! |
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾.
﴿الر﴾: إن كان مسرودًا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور.. فلا محل له، وإن كان اسمًا للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ، خبره ما بعده، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا الآتي سورة الر، وعلة بنائه شبهه بالحرف شبهًا وضعيًّا و ﴿كِتَابٌ﴾ يكون على هذا الوجه خبرًا لمبتدأ محذوف،
404
أي: هذا كتاب وكذا على تقدير أن ﴿الر﴾ لا محل له. ويجوز أن يكون ﴿الر﴾ في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام، نحو: اذكر أو اقرأ فيكون ﴿كِتَابٌ﴾ على هذا الوجه خبر مبتدإِ محذوف، تقديره: هذا كتاب والإشارة في المبتدأ المقدر، إما إلى بعض القرآن، أو إلى مجموع القرآن، والجملة من المبتدأ المقدر وخبره مستأنفة. ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿كِتَابٌ﴾. ﴿ثم﴾ حرف عطف. ﴿فُصِّلَتْ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿آيَاتُهُ﴾ والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أُحْكِمَتْ﴾ على كونها صفة لـ ﴿كِتَابٌ﴾. ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿فُصِّلَتْ﴾ أو هو من باب التنازع، أو صفة ثانية لـ ﴿كِتَابٌ﴾ أو خبر ثان للمبتدأ المحذوف. ﴿خَبِيرٍ﴾ صفة ﴿حَكِيمٍ﴾.
﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾.
﴿أَن﴾: مصدرية. ﴿لَّا﴾ ناهية ﴿تَعْبُدُوا﴾ فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لَّا﴾ الناهية. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿اللَّهَ﴾: مفعول به منصوب، والجملة الفعلية في محل النصب بـ ﴿أَن﴾ المصدرية وجملة ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: فصلت آياته لترك عبادة غير الله تعالى، أو فصلت بترك عبادة غير الله، ويجوز أن تكون ﴿أَن﴾ تفسيرية؛ لأن في تفصيل الكتاب معنى القول، فكأنه قيل: قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا، إلخ وهذا أظهر الأوجه الجارية فيها؛ لأنه لا يحتاج إلى إضمار ذكره في "الفتوحات" ﴿إِنَّنِي﴾ ﴿إنَّ﴾ حرف نصب والنون نون الوقاية؛ لأنها تقي حركة بناء الحرف والياء ضمير المتكلم اسمها. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بكل من ﴿نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور حال منهما؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿نَذِيرٌ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾. ﴿وَبَشِيرٌ﴾ معطوف عليه وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)﴾.
﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾.
﴿أَن﴾: مصدرية. ﴿لَّا﴾ ناهية ﴿تَعْبُدُوا﴾ فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لَّا﴾ الناهية. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿اللَّهَ﴾: مفعول به منصوب، والجملة الفعلية في محل النصب بـ ﴿أَن﴾ المصدرية وجملة ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: فصلت آياته لترك عبادة غير الله تعالى، أو فصلت بترك عبادة غير الله، ويجوز أن تكون ﴿أَن﴾ تفسيرية؛ لأن في تفصيل الكتاب معنى القول، فكأنه قيل: قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا، إلخ وهذا أظهر الأوجه الجارية فيها؛ لأنه لا يحتاج إلى إضمار ذكره في "الفتوحات" ﴿إِنَّنِي﴾ ﴿إنَّ﴾ حرف نصب والنون نون الوقاية؛ لأنها تقي حركة بناء الحرف والياء ضمير المتكلم اسمها. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بكل من ﴿نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور حال منهما؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿نَذِيرٌ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾. ﴿وَبَشِيرٌ﴾ معطوف عليه وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)﴾.
405
﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾: ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ عطف علة على أخرى. ﴿ثُمَّ تُوبُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿اسْتَغْفِرُوا﴾ فهو علة ثالثة. ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق به ﴿ثُمَّ﴾ هنا على بابها من التراخي؛ لأنه يستغفر أولًا، ثم يتوب ويرجع إلى طاعته، ويتجرد من ذلك الذنب المستغفر منه ﴿يُمَتِّعْكُمْ﴾: فعل ومفعول مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾. ﴿مَتَاعًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿حَسَنًا﴾: صفة له وهذا مرتب على قوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا﴾ والجملة الفعلية جواب الطلب، لا محل لها من الإعراب. ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾: جار ومجرور وصفة متعلق بـ ﴿يمتع﴾ ﴿وَيُؤْتِ﴾: فعل مضارع معطوف على ﴿يمتع﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾ وهذا مرتب على قوله: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ كما في "الجمل". ﴿كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾: مفعول أول، ومضاف إليه. ﴿فَضْلَهُ﴾: مفعول ثانٍ، لأن آتى هنا بمعنى: أعطى. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية؛ لأن أصله تتولوا بتاءين، والواو فاعله. ﴿فَإِنِّي﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا. ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه ﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿عَذَابَ يَوْمٍ﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿كبَير﴾ صفة لـ ﴿يَوْمٍ﴾ وقيل: صفة لـ ﴿عَذَابَ﴾ فهو منصوب، وإنما خفض على الجوار، كقولهم: هذا جحر ضب خرب، بجر خرب، وهو صفة لجحر، اهـ "سمين". وجملة ﴿أَخَافُ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾ وجملة ﴿إنَّ﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤)﴾.
﴿إِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة. ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾ ﴿قَدِيرٌ﴾: خبر المبتدأ والجملة في محل النصب حال من الجلالة، والعامل فيه الاستقرار الذي تعلق به الخبر.
{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ
﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤)﴾.
﴿إِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة. ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾ ﴿قَدِيرٌ﴾: خبر المبتدأ والجملة في محل النصب حال من الجلالة، والعامل فيه الاستقرار الذي تعلق به الخبر.
{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ
406
وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)}.
﴿أَلَاَ﴾: حرف تنبيه ﴿إِنَّهُمْ﴾ ناصب واسمه. ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، وجملة ﴿يَثْنُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة ﴿لِيَسْتَخْفُوا﴾ اللام: حرف جر وتعليل ﴿يستخفوا﴾: فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أَن﴾ مضمرة جوازًا بعد لام كي. ﴿مِنْهُ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لاستخفائهم منه الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَثْنُونَ﴾. ﴿ألاَ﴾: حرف تنبيه كررت للتأكيد. ﴿حِينَ﴾ منصوب على الظرفية، والظرف متعلق بـ ﴿يستخفوا﴾ أو متعلق بـ ﴿يَعْلَمُ﴾ الآتي، وهو أوضح كما مر ﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حِينَ﴾ ﴿يَعْلَمُ مَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّه﴾ والجملة مستأنفة. ﴿يُسِرُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: يعلم ما يسرونه. ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾: معطوف على ﴿مَا يُسِرُّونَ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿عَلِيمٌ﴾ خبره ﴿بِذَاتِ﴾ ﴿الصُّدُور﴾ متعلق بعليم وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ ماض مبني للمجهول، من أحكم الرباعي يحكم إحكامًا، إذا أتقنه، وإحكام البناء كالقصر والحصن: إتقانه حتى لا يقع فيه خلل. ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ مبني للمجهول أيضًا، من فصّل المضعف، يفصل تفصيلًا، وتفصيل العقد بالفرائد: جعل خرزة أو مرجانة بلون بين كل خرزتين من لون آخر، وفي "السمين" قوله: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ الهمزة فيه يجوز أن تكون للنقل من حكم بضم الكاف؛ أي: صار حكيمًا بمعنى: جعلت حكيمة كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ ويجوز أن يكون من قولهم: أحكمت الدابة: إذا وضعت عليها الحكمة لمنعها من الجماح، فالمعنى: إنها منعت من الفساد، ويجوز أن تكون لغير النقل من الإحكام، وهو الإتقان، كالبناء المحكم المرصف والمعنى: إنها نظمت نظمًا رصيفًا متقنًا، اهـ.
﴿أَلَاَ﴾: حرف تنبيه ﴿إِنَّهُمْ﴾ ناصب واسمه. ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، وجملة ﴿يَثْنُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة ﴿لِيَسْتَخْفُوا﴾ اللام: حرف جر وتعليل ﴿يستخفوا﴾: فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أَن﴾ مضمرة جوازًا بعد لام كي. ﴿مِنْهُ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لاستخفائهم منه الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَثْنُونَ﴾. ﴿ألاَ﴾: حرف تنبيه كررت للتأكيد. ﴿حِينَ﴾ منصوب على الظرفية، والظرف متعلق بـ ﴿يستخفوا﴾ أو متعلق بـ ﴿يَعْلَمُ﴾ الآتي، وهو أوضح كما مر ﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حِينَ﴾ ﴿يَعْلَمُ مَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّه﴾ والجملة مستأنفة. ﴿يُسِرُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: يعلم ما يسرونه. ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾: معطوف على ﴿مَا يُسِرُّونَ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿عَلِيمٌ﴾ خبره ﴿بِذَاتِ﴾ ﴿الصُّدُور﴾ متعلق بعليم وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ ماض مبني للمجهول، من أحكم الرباعي يحكم إحكامًا، إذا أتقنه، وإحكام البناء كالقصر والحصن: إتقانه حتى لا يقع فيه خلل. ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ مبني للمجهول أيضًا، من فصّل المضعف، يفصل تفصيلًا، وتفصيل العقد بالفرائد: جعل خرزة أو مرجانة بلون بين كل خرزتين من لون آخر، وفي "السمين" قوله: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ الهمزة فيه يجوز أن تكون للنقل من حكم بضم الكاف؛ أي: صار حكيمًا بمعنى: جعلت حكيمة كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ ويجوز أن يكون من قولهم: أحكمت الدابة: إذا وضعت عليها الحكمة لمنعها من الجماح، فالمعنى: إنها منعت من الفساد، ويجوز أن تكون لغير النقل من الإحكام، وهو الإتقان، كالبناء المحكم المرصف والمعنى: إنها نظمت نظمًا رصيفًا متقنًا، اهـ.
407
﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ ﴿أَلَّا﴾ هذه (١) تكتب موصولة: أي: لا يفصل بين الألف ولا النافية بالنون، كما ذكره ابن الجزري، فصنيع الشارح السيوطي معترض حيث أنه أثبت نونًا حمراء، حيث قال: أن فأثبت الألف والنون بالحمرة، فيقتضي أن النون من رسم القرآن، فكان عليه أن يقول: ﴿ألا﴾ بقلم الحمرة ثم يقول؛ أي: بأن لا بإثبات النون في التفسير. وعبارة ابن الجزري مع شرحها لشيخ الإِسلام: فاقطع بعشر كلمات يعني فاقطع كلمة ﴿أَن﴾ الناصبة للاسم أو للفعل، بأن ترسمها مقطوعة عن لا النافية في عشرة مواضع وهي: ﴿أَن لَّا﴾ مع ملجأ في سورة التوبة و ﴿أن لا إله إلا هو﴾ في سورة هود و ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ في الموضع الثاني من سورة هود، بخلافه في أولها وهو ما هنا فإنه موصول، اهـ.
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ والظاهر أن ﴿تَوَلَّوْا﴾ مضارع حذف منه التاء أي: وإن تتولوا؛ لأنه من باب، تفعل الخماسي. ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾ مضارع، متع المضعف يمتع تمتيعًا إذا أنعم، والمتاع اسم مصدر لمتع، والمتاع كل ما ينتفع به في المعيشة، وحاجة البيوت ومواعينه، والإمتاع أصله: الإطالة ومنه: أمتع الله بك؛ أي: يعيشكم معيشة طيبة ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ والأجل المسمى: هو العمر المقدر ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ من آتى الرباعي يؤتي إئتاءً، إذا أعطى، فهو يتعدى إلى مفعولين. ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ والمرجع مصدر ميمي؛ من رجع فهو بمعنى الرجوع ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ ثنى الشيء: عطف بعضه على بعض، فطواه وإثناء الثوب إطواؤه، وثناه عنه: لواه وحوله؛ وثناه عليه: أطبقه وطواه، ليخفيه فيه، وثنى عنانه عنّي: تحول وأعرض، وأصل ﴿يَثْنُونَ﴾ يثنيون (٢)؛ لأنه من ثنى يثني ثنيًا من باب رمى يرمي رميًا، فالمصدر الثني نقلت ضمة الياء إلى النون قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فوزنه يفعون كيرمون؛ لأن الياء المحذوفة هي لام الكلمة. ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ والاستخفاء محاولة الخفاء، والمعنى: أنهم يفعلون ثني الصدر لهذه العلة، اهـ "سمين". {حِينَ يَسْتَغْشُونَ
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ والظاهر أن ﴿تَوَلَّوْا﴾ مضارع حذف منه التاء أي: وإن تتولوا؛ لأنه من باب، تفعل الخماسي. ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾ مضارع، متع المضعف يمتع تمتيعًا إذا أنعم، والمتاع اسم مصدر لمتع، والمتاع كل ما ينتفع به في المعيشة، وحاجة البيوت ومواعينه، والإمتاع أصله: الإطالة ومنه: أمتع الله بك؛ أي: يعيشكم معيشة طيبة ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ والأجل المسمى: هو العمر المقدر ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ من آتى الرباعي يؤتي إئتاءً، إذا أعطى، فهو يتعدى إلى مفعولين. ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ والمرجع مصدر ميمي؛ من رجع فهو بمعنى الرجوع ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ ثنى الشيء: عطف بعضه على بعض، فطواه وإثناء الثوب إطواؤه، وثناه عنه: لواه وحوله؛ وثناه عليه: أطبقه وطواه، ليخفيه فيه، وثنى عنانه عنّي: تحول وأعرض، وأصل ﴿يَثْنُونَ﴾ يثنيون (٢)؛ لأنه من ثنى يثني ثنيًا من باب رمى يرمي رميًا، فالمصدر الثني نقلت ضمة الياء إلى النون قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فوزنه يفعون كيرمون؛ لأن الياء المحذوفة هي لام الكلمة. ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ والاستخفاء محاولة الخفاء، والمعنى: أنهم يفعلون ثني الصدر لهذه العلة، اهـ "سمين". {حِينَ يَسْتَغْشُونَ
(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
408
ثِيَابَهُمْ} واستغشى الثوب: إذا تغطى به، كما قال حكايةً عن نوح، عليه السلام: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ والمعنى: يتغطون بها للاستخفاء. وفي "القاموس": واستغشى ثوبه: تغطى به كي لا يسمع ولا يرى.
البلاغة
تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة:
منها: جناس الاشتقاق بين قوله: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ وقوله: ﴿حَكِيمٍ﴾.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾؛ لأن المعنى أحكمها وفصلها خبير، كما في "الشوكاني".
ومنها: الكناية في قوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾؛ لأن ثني الصدور كناية عن الإعراض.
ومنها: إضافة العذاب إلى اليوم الكبير للتهويل والتفظيع.
ومنها: الطباق بين ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
البلاغة
تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة:
منها: جناس الاشتقاق بين قوله: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ وقوله: ﴿حَكِيمٍ﴾.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾؛ لأن المعنى أحكمها وفصلها خبير، كما في "الشوكاني".
ومنها: الكناية في قوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾؛ لأن ثني الصدور كناية عن الإعراض.
ومنها: إضافة العذاب إلى اليوم الكبير للتهويل والتفظيع.
ومنها: الطباق بين ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) انتهى المجلد الثاني عشر ويليه المجلد الثالث عشر بإذن الله تعالى.
409
شعر
آخر
آخر
العَبْدُ ذُو ضجَرٍ والربُّ ذُو قدَرٍ | والدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ والعِلْمُ مَقْسُوم |
والخَيْرُ أجْمعُ فيما اخْتار خالِقُنَا | وفي اختيار سواه اللُّومُ والشُّوم |
فَلَيْتَكَ تَحْلُو والحياةُ مَرِيْرَةٌ | وَلَيْتَكَ تَرْضَى والأنامُ غِضَابُ |
ولَيْتَ الذي بَيْنِي وبَيْنَكَ عَامِرٌ | وبَيْني وبَيْنَ العَالَمِين خَرَابُ |