تفسير سورة النّاس

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الناس من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ * مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ * مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ ﴾؛ أي قُل يا مُحَمَّدُ: امتَنِعْ واعتصمُ بخالقِ الخلْقِ المقتدر عليهم، المالكِ لنفعِهم وضرِّهم وحياتِهم وموتِهم، المستحقِّ للعبادةِ الذي إليه مفزَعُهم وملجأُهم، من شرِّ الشيطانِ ذي الوَسْوَاسِ المستقر المختفِي عن أعيُن الناسِ.
﴿ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ﴾؛ الذي يَصِلُ بوسوستهِ إلى صُدور الناسِ، كما جاء في الحديث:" إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، فَتَعَوَّذُوا بالله مِنْهُ ". قال قتادةُ: ((إنَّ الْخَنَّاسَ لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الْكَلْب فِي صُورَةِ الإنْسَانِ، جَاثِمٌ عَلَى قَلْب ابْنِ آدَمَ، إذا غَفِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَسْوَسَ، وَإذا ذكَرَ اللهَ خَنَسَ)). ورُوي: أن عيسَى عليه السلام دعَا ربَّهُ أنْ يُرِيَهُ موضعَ الشيطان من ابنِ آدم، فجلَى له فإذا رأسهُ رأسُ الحيَّة واضعٌ رأسه على ثمرةِ القلب، فإذا ذكرَ العبدُ ربَّهُ خَنَسَ، وإن لم يذكُرْ ربَّهُ وضعَ رأسَهُ على ثمرةِ قلبه وحَدَّثهُ.
قِيْلَ: ذلك عائدٌ على الوسواسِ، كأنه قالَ: شرِّ الوسواسِ الذي هو من الجِنَّةِ، والوسواسِ الذي هو من الناسِ. ويقالُ: معناه: من شرِّ كلِّ ماردٍ من الجنِّ والإنسِ. وَقِيْلَ: إنَّ قولَهُ تعالى ﴿ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ ﴾ عائدٌ على لفظ الناسِ المذكور في قولهِ تعالى: ﴿ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ﴾؛ لأن اسمَ الناسِ يصلحُ للإنس والجنِّ، كما قال تعالى﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ ﴾[الجن: ٦] فجعلَهم رجالاً، والشيطانُ يوسوس في صدور الجنِّ، كما يوسوسُ في صدور الإنس، ودليلُ هذا قولهُ تعالى في أوَّل السورةِ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴾ أرادَ به ربَّ الإنس والجنِّ جَميعاً.
Icon