تفسير سورة الفتح

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً﴾ بِغَيْر قتال وَصلح الْحُدَيْبِيَة مِنْهُ غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ وَيُقَال إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا يَقُول قضينا لَك قَضَاء بَينا يَقُول أكرمناك بِالْإِسْلَامِ والنبوة وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِمَا
﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ الله﴾ لكَي يغْفر الله لَك ﴿مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ﴾ مَا سلف من ذنوبك قبل الْوَحْي ﴿وَمَا تَأَخَّرَ﴾ وَمَا يكون بعد الْوَحْي إِلَى الْمَوْت ﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ﴾ منته ﴿عَلَيْكَ﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْمَغْفِرَة ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ يثبتك على طَرِيق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
﴿وَيَنصُرَكَ الله﴾ على عَدوك ﴿نَصْراً عَزِيزاً﴾ منيعاً بِلَا ذل
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السكينَة﴾ الطُّمَأْنِينَة ﴿فِي قُلُوبِ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين يَوْم الْحُدَيْبِيَة ﴿ليزدادوا إِيمَاناً﴾ يَقِينا وَتَصْدِيقًا وعلماً ﴿مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ بِاللَّه وَرَسُوله وَهُوَ تَكْرِير الْإِيمَان مَعَ إِيمَانهم بِاللَّه وَرَسُوله ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات﴾ الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ الْمُؤْمِنُونَ يُسَلط على من يَشَاء من أعدائه ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً﴾ بِمَا صنع بك من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة وَالْهدى والنصرة وإنزال السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ ﴿حَكِيماً﴾ فِيمَا صنع بك
فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ المخلصون حِين سمعُوا بكرامة الله لنَبيه هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بِمَا أَعْطَاك الله من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة والكرامة فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل الله ﴿لِّيُدْخِلَ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين من الرِّجَال ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ المخلصات من النِّسَاء ﴿جنَّات﴾ بساتين ﴿تجْرِي من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ ذنوبهم فِي الدُّنْيَا ﴿وَكَانَ ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت للْمُؤْمِنين ﴿عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً﴾ نجاة وافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا فجَاء عبد الله ابْن أَبى بن سلول حِين سمع بكرامة الله للْمُؤْمِنين فَقَالَ يَا رَسُول الله وَالله مَا نَحن إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل فيهم
﴿وَيُعَذِّبَ﴾ ليعذب ﴿الْمُنَافِقين﴾ من الرِّجَال بإيمَانهمْ ﴿والمنافقات﴾ من النِّسَاء ﴿وَالْمُشْرِكين﴾ بِاللَّه من الرِّجَال بإيمَانهمْ ﴿والمشركات﴾ من النِّسَاء أَيْضا ثمَّ ذكر أَيْضا الْمُنَافِقين فَقَالَ ﴿الظآنين بِاللَّه ظَنَّ السوء﴾ أَن لَا ينصر الله نبيه ﴿عَلَيْهِمْ﴾ على الْمُنَافِقين ﴿دَآئِرَةُ السوء﴾ منقلبة السوء وعاقبة السوء ﴿وَغَضِبَ الله﴾ سخط الله ﴿عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ﴾ طردهم من كل خير ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَسَآءَتْ مَصِيراً﴾ بئس الْمصير صَارُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات﴾ الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ الْمُؤْمِنُونَ ينصر بهم من يَشَاء ﴿وَكَانَ الله عَزِيزاً﴾ بنقمة الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ﴿حَكِيماً﴾ بكرامة الْمُؤمنِينَ المخلصين بإيمَانهمْ وَيُقَال عَزِيزًا فِي ملكه وسلطانه حكيماً فِي أمره وقضائه وَفِيمَا نصر نبيه على أعدائه
﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿شَاهِداً﴾ على أمتك بالبلاغ ﴿وَمُبَشِّراً﴾ بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين ﴿وَنَذِيراً﴾ من النَّار للْكَافِرِينَ
﴿لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّه﴾ لكَي تؤمنوا بِاللَّه ﴿وَرَسُولِهِ﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وتعزروه﴾ تنصروه
431
بِالسَّيْفِ على عدوه ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ تعظموه ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ تصلوا لله ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ غدْوَة وَعَشِيَّة
432
ثمَّ ذكر بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة تَحت الشَّجَرَة وَهِي شَجَرَة السمرَة بِالْحُدَيْبِية وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا نَبِي الله على النصح والنصرة وَأَن لَا يَفروا فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذين يُبَايِعُونَكَ﴾ يَوْم الْحُدَيْبِيَة ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ كَأَنَّهُمْ يبايعون الله ﴿يَدُ الله﴾ بالثواب والنصرة ﴿فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ بِالصّدقِ وَالْوَفَاء والتمام ﴿فَمَن نَّكَثَ﴾ نقض بيعَته ﴿فَإِنَّمَا يَنكُثُ﴾ ينْقض ﴿على نَفْسِهِ﴾ عُقُوبَة ذَلِك ﴿وَمَنْ أوفى﴾ وفى ﴿بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله﴾ بعهده بِاللَّه بِالصّدقِ وَالْوَفَاء ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ يُعْطِيهِ ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة فَلم ينقص مِنْهُم أحد لأَنهم كَانُوا كلهم مُخلصين وماتوا على بيعَة الرضْوَان غير رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ جد بن قيس وَكَانَ منافقاً اخْتَبَأَ يومئذٍ تَحت إبط بعيره وَلم يدْخل فِي بيعتهم فأماته الله على نفَاقه
﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلفُونَ﴾ من غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة ﴿مِنَ الْأَعْرَاب﴾ من بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وديل وَقوم من مزينة وجهينة ﴿شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ عَن الْخُرُوج مَعَك إِلَى الْحُدَيْبِيَة خفنا عَلَيْهِم الضَّيْعَة فَمن ذَلِك تخلفنا عَنْك ﴿فَاسْتَغْفر لَنَا﴾ يَا رَسُول الله بتخلفنا عَنْك إِلَى غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾ يسْأَلُون بألسنتهم الْمَغْفِرَة ﴿مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ حَاجَة لذَلِك استغفرت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله﴾ فَمن يقدر لكم من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً﴾ قتلا وهزيمة ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ نصرا وغنيمة وعافية ﴿بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ بتخلفكم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة ﴿خَبِيرا﴾
﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ﴾ يَا معشر الْمُنَافِقين ﴿أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُول﴾ أَن لَا يرجع من الْحُدَيْبِيَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿والمؤمنون إِلَى أَهْلِيهِمْ﴾ إِلَى الْمَدِينَة ﴿أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِك﴾ اسْتَقر ذَلِك الظَّن ﴿فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فَمن ذَلِك تخلفتم ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء﴾ أَن لَا ينصر الله نبيه ﴿وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً﴾ هلكى فَاسِدَة الْقُلُوب قاسية الْقُلُوب
﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ يَقُول وَمن لم يصدق بإيمانه بِاللَّه وَرَسُوله ﴿فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿سَعِيراً﴾ نَارا وقوداً
﴿وَللَّه مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ من الْمُؤمنِينَ على الذَّنب الْعَظِيم وَهُوَ فضل مِنْهُ ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ على الذَّنب الصَّغِير وَهُوَ عدل مِنْهُ وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء يكرم من يَشَاء بِالْإِيمَان وَالتَّوْبَة فيغفره ويعذب من يَشَاء يُمِيت من يَشَاء على الْكفْر والنفاق فيعذبه وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء من كَانَ أَهلا لذَلِك ويعذب من يشآء من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ لمن تَابَ من الصَّغَائِر والكبائر ﴿رَّحِيماً﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ﴾ عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة يَعْنِي بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وقوماً من مزينة وجهينة ﴿إِذَا انطلقتم إِلَى مَغَانِمَ﴾ مَغَانِم خَيْبَر ﴿لِتَأْخُذُوهَا﴾ لتغتنموها ﴿ذَرُونَا﴾ اتركونا ﴿نَتَّبِعْكُمْ﴾ إِلَى خَيْبَر ﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ﴾ يُغيرُوا ﴿كَلاَمَ الله﴾ لنَبيه حِين قَالَ لَهُ لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى بعد تخلفهم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة ﴿قُل﴾ لَهُم لبني عَامر وديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة ﴿لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ إِلَى غَزْوَة خَيْبَر إِلَّا مطوعين لَيْسَ لكم من الْغَنِيمَة شَيْء ﴿كذلكم﴾ كَمَا قُلْنَا لكم ﴿قَالَ الله مِن قَبْلُ﴾ هَذَا هُوَ مَا ذكرنَا فِي سُورَة التَّوْبَة ﴿فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا﴾ إِلَى آخر الْآيَة أَي لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى فَقَالُوا للْمُؤْمِنين لم يَأْمُركُمْ الله بذلك وَلَكِن تحسدوننا على الْغَنِيمَة فَأنْزل الله فِي قَوْلهم ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ على الْغَنِيمَة ﴿بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ أَمر الله ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَاب﴾
432
ديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة ﴿سَتُدْعَوْنَ﴾ بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلَى قَوْمٍ﴾ إِلَى قتال قوم ﴿أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ ذَوي قتال شَدِيد أهل الْيَمَامَة بني حنيفَة قوم مُسَيْلمَة الْكذَّاب ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ﴾ على الدّين ﴿أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ حَتَّى يسلمُوا ﴿فَإِن تُطِيعُواْ﴾ تجيبوا وتوافقوا على الْقِتَال وتخلصوا بِالتَّوْحِيدِ ﴿يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً﴾ يعظكم الله ثَوابًا ﴿حَسَناً﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ﴾ عَن التَّوْحِيد وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص والإجابة إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب ﴿كَمَا تَوَلَّيْتُم﴾ عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة ﴿مِّن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً
433
ثمَّ جَاءَ أهل الزمانة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله قد أوعد الله بِعَذَاب أَلِيم لمن يتَخَلَّف عَن الْغَزْوَة فَكيف لنا وَنحن لَا نقدر على الْخُرُوج إِلَى الْغَزْو فَأنْزل الله فيهم ﴿لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو ﴿وَلاَ عَلَى الْأَعْرَج حَرَجٌ﴾ مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو ﴿وَلاَ عَلَى الْمَرِيض حَرَجٌ﴾ مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والإجابة والموافاة إِلَى قتال الْعَدو ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي﴾ تطرد ﴿من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ عَن طَاعَة الله وَرَسُوله والإجابة ﴿يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً
ثمَّ ذكر رضوانه على من بَايع من أهل بيعَة الرضْوَان فَقَالَ ﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة﴾ يَوْم الْحُدَيْبِيَة شَجَرَة السمرَة وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفَتْح والنصرة وَأَن لَا يَفروا من الْمَوْت ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الصدْق وَالْوَفَاء ﴿فَأنزَلَ﴾ الله تَعَالَى ﴿السكينَة﴾ الطُّمَأْنِينَة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وأذهب عَنْهُم الحمية ﴿وَأَثَابَهُمْ﴾ أَي أَعْطَاهُم بعد ذَلِك ﴿فَتْحاً قَرِيباً﴾ يَعْنِي فتح خَيْبَر سَرِيعا على أثر ذَلِك
﴿ومغانم كَثِيرَة يأخذونها﴾ يغنمونها يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر ﴿وَكَان الله عَزِيزاً﴾ بنقمة أعدائه ﴿حكيما﴾ بالنصرة وَالْفَتْح وَالْغنيمَة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
﴿وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ تغتنمونها وَهِي غنيمَة فَارس لم تكن فستكون (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِه) يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاس عَنْكُمْ﴾ بِالْقِتَالِ يَعْنِي أسداً وغَطَفَان وَكَانُوا حلفاء لأهل خَيْبَر ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً﴾ عِبْرَة وعلامة ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي فتح خَيْبَر لِأَن الْمُؤمنِينَ كَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف وَأهل خَيْبَر كَانُوا سبعين ألفا ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ يثبتكم على دين قَائِم يرضاه
﴿وَأُخْرَى﴾ غنيمَة أُخْرَى ﴿لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا﴾ بعد ﴿قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا﴾ قد علم الله أَنَّهَا سَتَكُون وَهِي غنيمَة فَارس ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْفَتْح والنصرة وَالْغنيمَة ﴿قَدِيرًا﴾
﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذين كفَرُواْ﴾ أسداً وغَطَفَان مَعَ أهل خَيْبَر ﴿لَوَلَّوُاْ الأدبار﴾ منهزمين ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً﴾ عَن قتلكم ﴿وَلاَ نَصِيراً﴾ مَانِعا مَا يُرَاد بهم من الْقَتْل والهزيمة
﴿سُنَّةَ الله﴾ هَكَذَا سيرة الله ﴿الَّتِي قَدْ خَلَتْ﴾ مَضَت ﴿مِن قَبْلُ﴾ فِي الْأُمَم الخالية بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب حِين خَرجُوا على الْأَنْبِيَاء ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله﴾ لعذاب الله بِالْقَتْلِ ﴿تَبْدِيلاً﴾ تحويلا
﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ﴾ أَيدي أهل مَكَّة ﴿عَنكُمْ﴾ عَن قتالكم ﴿وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم﴾ عَن قِتَالهمْ ﴿بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ فِي وسط مَكَّة غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ ﴿مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم﴾ حَيْثُ هَزَمَهُمْ أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى دخلُوا مَكَّة ﴿وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من رمي الْحِجَارَة وَغَيره ﴿بَصِيراً﴾
﴿هم الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي اهل مَكَّة ﴿وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ وصرفوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة ﴿وَالْهَدْي مَعْكُوفاً﴾ مَحْبُوسًا ﴿أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾
433
منحره يَقُول لم يتْركُوا أَن تبلغوه منحره ﴿وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ﴾ الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن ربيعَة وَأَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو ﴿وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ﴾ بِمَكَّة ﴿لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تطؤوهم﴾ أَن تَقْتُلُوهُمْ ﴿فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ﴾ من قَتلهمْ ﴿مَّعَرَّةٌ﴾ دِيَة وإثم لَوْلَا ذَلِك لسلطكم عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ من غير أَن تعلمُوا أَنهم مُؤمنُونَ ﴿لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ﴾ لكَي يكرم الله بِدِينِهِ ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك مِنْهُم ﴿لَوْ تَزَيَّلُواْ﴾ لَو خرج هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ من بَين أظهرهم فَتَفَرَّقُوا من عِنْدهم ﴿لَعَذَّبْنَا الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيمًا﴾ بسيوفكم
434
﴿إِذْ جَعَلَ﴾ أَخذ ﴿الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة﴾ بمنعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عَن الْبَيْت ﴿فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ﴾ طمأنينته ﴿على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ﴾ وأذهب عَنْهُم الحمية ﴿وَأَلْزَمَهُمْ﴾ ألهمهم ﴿كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا﴾ بِلَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فِي علم الله ﴿وَأَهْلَهَا﴾ وَكَانُوا أَهلهَا فِي الدُّنْيَا ﴿وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْكَرَامَة للْمُؤْمِنين ﴿عليما﴾
﴿لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ﴾ حقق الله لرَسُوله ﴿الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ بِالصّدقِ حَيْثُ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَآءَ الله آمِنين﴾ من الْعَدو ﴿مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ﴾ من الْعَدو فوفى الله على مَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ﴾ فَعلم الله أَن يكون إِلَى السّنة الْقَابِلَة وَلم تعلمُوا أَنْتُم ذَلِك ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِك﴾ من قبل ذَلِك ﴿فَتْحاً قَرِيباً﴾ سَرِيعا يَعْنِي فتح خَيْبَر
﴿هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿بِالْهدى﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ ﴿وَدِينِ الْحق﴾ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ ليعليه ﴿عَلَى الدّين كُلِّهِ﴾ على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم ﴿وَكفى بِاللَّه شَهِيداً﴾ بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله﴾ من غير شَهَادَة سُهَيْل بن عَمْرو ﴿وَالَّذين مَعَهُ﴾ يَعْنِي أَبَا بكر أول من آمن بِهِ وَقَامَ مَعَه يَدْعُو الْكفَّار إِلَى دين الله ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى الْكفَّار﴾ بالغلظة وَهُوَ عمر كَانَ شَدِيدا على أَعدَاء الله قَوِيا فِي دين الله ناصراً لرَسُول الله ﴿رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ متوادون فِيمَا بَينهم بارون وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ باراً على الْمُسلمين بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِم رحِيما بهم ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعاً﴾ فِي الصَّلَاة ﴿سُجَّداً﴾ فِيهَا وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه كَانَ كثير الرُّكُوع وَالسُّجُود ﴿يَبْتَغُونَ﴾ يطْلبُونَ ﴿فَضْلاً﴾ ثَوابًا ﴿مِّنَ الله وَرِضْوَاناً﴾ مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ وهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا غليظين على أَعدَاء الله شديدين عَلَيْهِم ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ عَلامَة السهر فِي وُجُوههم ﴿مِّنْ أَثَرِ السُّجُود﴾ من كَثْرَة السُّجُود بِاللَّيْلِ وهم سلمَان وبلال وصهيب وأصحابهم ﴿ذَلِك مَثَلُهُمْ﴾ هَكَذَا صفتهمْ ﴿فِي التَّوْرَاة وَمَثَلُهُمْ﴾ صفتهمْ ﴿فِي الْإِنْجِيل كزرع﴾ وَهُوَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَخْرَجَ﴾ أَي الله ﴿شَطْأَهُ﴾ فِرَاخه وَهُوَ أَبُو بكر أول من آمن بِهِ وَخرج مَعَه على أَعدَاء الله ﴿فَآزَرَهُ﴾ فأعانه وَهُوَ عمر أعَان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَيْفِهِ على أَعدَاء الله ﴿فاستغلظ﴾ فتقوى بِمَال عُثْمَان على الْغَزْو وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله ﴿فَاسْتَوَى على سُوقِهِ﴾ فَقَامَ على إِظْهَار أمره فِي قُرَيْش بعلي بن أبي طَالب ﴿يُعْجِبُ الزراع﴾ أعجب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطلحة وَالزُّبَيْر ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ﴾ بطلحة وَالزُّبَيْر ﴿الْكفَّار﴾ وَيُقَال نزلت من قَوْله وَالَّذين مَعَهُ إِلَى هَهُنَا فِي مِدْحَة أهل بيعَة الرضْوَان وَجُمْلَة أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المخلصين المطيعين لله ﴿وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿مِنْهُم مَّغْفِرَةً﴾ أَي لَهُم مغْفرَة لذنوبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَأَجْراً عَظِيماً﴾ ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة
434
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الحجرات وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَمَان عشرَة آيَة وكلماتها ثلثمِائة وَثَلَاث وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
435
Icon